رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / محمد بن علي السعوي
أثر الدعاء في نصر المظلومين
الحمد لله يجيب من دعاه، ولا يخيب من رجاه، وهو السميع العليم نحمده سبحانه،يرحم المستضعفين،ويكشف السوء عن المضطرين، وهو العليم الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقهر المستكبرين، ويقصم الطغاة الظالمين، وهو العزيز العليم ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أسوة الناس أجمعين، وبالمؤمنين رؤوف رحيم، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليمًا .
أما بعد :
فيا أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى(( وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) (العنكبوت:17) .
وادعوه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
معشر المسلمين : لقد أمر الله تعالى بدعائه ووعد سبحانه بالاستجابة فقال عز وجل : ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) (غافر:60) .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، فعليكم عباد الله بالدعاء)) [1].
أما نفعه مما نزل: فإن الله تعالى قال: ((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)) (الأنبياء:83-84).
وقال تعالى: ((وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)) (الأنبياء:89-90).
ولقد أنكر الله على أقوام ابتلاهم ليدعوه ويتضرعوا إليه فأنساهم الشيطان ذلك فحقت عليهم كلمة العذاب.
قال تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ* فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) (الأنعام:42-45) .
فالواجب على الناس أن ينتبهوا لسنن الله فيهم، فقد يبتلون ليسمع الله دعاءهم وتضرعهم، فإن الله يحب أن يسأل ويدعى، فمن غفل عن ذكر الله في الشدة، كان عن ذكره في الرخاء أغفل، وأولئك هم الخاسرون . نعوذ بالله من الخسران وحال الخاسرين .
أما كون الدعاء ينفع مما لم ينزل فقد دل عليه قوله تعالى: ((فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)) (يونس:98).
ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)) رواه الترمذي وهو حديث حسن .
فأكثروا رحمكم الله من الدعاء ولا سيما عند الشدائد ،والكربات فإن الله تعالى ((أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) (النمل:62) .
أيها المسلمون : إن بعض المسلمين اليوم في كرب شديد ، وضائقة عظيمة ، بسبب تسلط أعداء الله عليهم، أجمعوا كيدهم وأمرهم عليهم ، فهم بأشد الحاجة إلى الدعاء، والدعاء من أعظم الأسباب في الثبات والنصرعلى الأعداء قال تعالى عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده ((قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ)) ((فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ)) (البقرة:251).
فما أشد حاجة المسلمين اليوم إلى الدعاء، وخاصة للمجاهدين منهم في سبيل الله الذين يتربص بهم الكافرون ليصدوا عن سبيل الله .
إن الدعاء أيها المسلمون ليرد طغيان الطغاة ويسقطهم فهذا فرعون الذي بلغ من الطغيان والجبروت ما بلغ، حتى إنه استعبد أهل مصر كلهم، وبلغ به من صلفه وغروره ما قاله الله تعالى : ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملاَ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطّينِ فَٱجْعَل لّى صَرْحاً لَّعَلّى أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنّى لاظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ * وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِى ٱلْيَمّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ * وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ لاَ يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَـٰهُم فِى هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَـٰمَةِ هُمْ مّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ)) (القصص:38-42).
فدعا عليه نبي الله موسى: ((وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلاَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلاْلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)) .
ذكر أهل السير أن كسرى لما بعث له رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام، مزقها، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: ((اللهم مزق ملكه)) .
وثبت في الحديث الصحيح أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اذهبوا إلى صاحبكم فأخبروه أن ربي قد قتل ربه الليلة)) .
الخطبة الثانية
أيها المسلمون : الدعاء على الظالم، أمر مشروع، ولا سيما إذا كان الظلم واقعاً على المسلمين، وتزداد هذه المشروعية إذا كان الظالم كافراً، وربما يقال بوجوب الدعاء على الظالم الذي يحارب الإسلام وأهله إذا لم يكن ثمة سبيل لإيقاف عدوانه على الإسلام وكف شره عن المسلمين، إلا سبيل الدعاء،
قال الله تعالى: ((لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً)) (النساء:148).
وعن ابن عباس قال : (لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوماً، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو خير له).
ولقد قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على أحياء من العرب.
في صحيح البخاري : ((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ)) .
وفي غزوة الخندق لما حاصر الأحزاب المسلمين في المدينة، واشتغل النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وبعض أصحابه في مدافعة المشركين، قال بعد ذلك: (( شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، ملأ الله قبورهم وبيوتهم - أو أجوافهم شك الراوي - ناراً)) رواه الجماعة عن علي بن أبي طالب.
أيها المسلمون: أيها المستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها، يا من طال عليكم ظلم الكفرة والطغاة، اسمعوا إلى هذه القصة التي رواها جملة من أهل التاريخ والسير، عن يحيي بن هبيرة الوزير الصالح، قال لما استطال السلطان مسعود بن محمد السلجوقي وأصحابه وأفسدوا ، عَزمَ الخليفةُ على قتاله، قال يحيى: ثم إني فكرت في ذلك، ورأيت أنه ليس بصواب مجاهرته، لقوة شوكته، فدخلت على المقتفي، فقلت أني رأيت أن لا وجه في هذا الأمر إلا الالتجاء إلى الله تعالى وصدق الاعتماد عليه، فبادر إلى تصديقي في ذلك ، وقال: ليس إلا هذا، ثم كتبت إليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا على رعل و ذكوان شهراً، وينبغي أن ندعو نحن شهراً، فأجابني بالأمر بذلك.
قال الوزير: ثم لازمت الدعاء في كل ليلة، وقت السحر، أجلس فأدعو الله سبحانه فمات مسعود السلجوقي، لتمام الشهر، لم يزد يوماً، ولم ينقص يوماً، وأجاب الله الدعاء، وأزال يد مسعود وأتباعه عن العراق، وأرورثنا أرضهم وديارهم .
نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعز أولياءه المتقين ، وأن يخذل أعداءه من اليهود والنصارى وسائر الكافرين والمنافقين .
[1] رواه الترمذي رحمه الله .
أثر الدعاء في نصر المظلومين
الحمد لله يجيب من دعاه، ولا يخيب من رجاه، وهو السميع العليم نحمده سبحانه،يرحم المستضعفين،ويكشف السوء عن المضطرين، وهو العليم الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقهر المستكبرين، ويقصم الطغاة الظالمين، وهو العزيز العليم ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أسوة الناس أجمعين، وبالمؤمنين رؤوف رحيم، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليمًا .
أما بعد :
فيا أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى(( وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) (العنكبوت:17) .
وادعوه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
معشر المسلمين : لقد أمر الله تعالى بدعائه ووعد سبحانه بالاستجابة فقال عز وجل : ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) (غافر:60) .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، فعليكم عباد الله بالدعاء)) [1].
أما نفعه مما نزل: فإن الله تعالى قال: ((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)) (الأنبياء:83-84).
وقال تعالى: ((وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)) (الأنبياء:89-90).
ولقد أنكر الله على أقوام ابتلاهم ليدعوه ويتضرعوا إليه فأنساهم الشيطان ذلك فحقت عليهم كلمة العذاب.
قال تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ* فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) (الأنعام:42-45) .
فالواجب على الناس أن ينتبهوا لسنن الله فيهم، فقد يبتلون ليسمع الله دعاءهم وتضرعهم، فإن الله يحب أن يسأل ويدعى، فمن غفل عن ذكر الله في الشدة، كان عن ذكره في الرخاء أغفل، وأولئك هم الخاسرون . نعوذ بالله من الخسران وحال الخاسرين .
أما كون الدعاء ينفع مما لم ينزل فقد دل عليه قوله تعالى: ((فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)) (يونس:98).
ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)) رواه الترمذي وهو حديث حسن .
فأكثروا رحمكم الله من الدعاء ولا سيما عند الشدائد ،والكربات فإن الله تعالى ((أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) (النمل:62) .
أيها المسلمون : إن بعض المسلمين اليوم في كرب شديد ، وضائقة عظيمة ، بسبب تسلط أعداء الله عليهم، أجمعوا كيدهم وأمرهم عليهم ، فهم بأشد الحاجة إلى الدعاء، والدعاء من أعظم الأسباب في الثبات والنصرعلى الأعداء قال تعالى عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده ((قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ)) ((فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ)) (البقرة:251).
فما أشد حاجة المسلمين اليوم إلى الدعاء، وخاصة للمجاهدين منهم في سبيل الله الذين يتربص بهم الكافرون ليصدوا عن سبيل الله .
إن الدعاء أيها المسلمون ليرد طغيان الطغاة ويسقطهم فهذا فرعون الذي بلغ من الطغيان والجبروت ما بلغ، حتى إنه استعبد أهل مصر كلهم، وبلغ به من صلفه وغروره ما قاله الله تعالى : ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملاَ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطّينِ فَٱجْعَل لّى صَرْحاً لَّعَلّى أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنّى لاظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ * وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِى ٱلْيَمّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ * وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ لاَ يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَـٰهُم فِى هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَـٰمَةِ هُمْ مّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ)) (القصص:38-42).
فدعا عليه نبي الله موسى: ((وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلاَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلاْلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)) .
ذكر أهل السير أن كسرى لما بعث له رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام، مزقها، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: ((اللهم مزق ملكه)) .
وثبت في الحديث الصحيح أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اذهبوا إلى صاحبكم فأخبروه أن ربي قد قتل ربه الليلة)) .
الخطبة الثانية
أيها المسلمون : الدعاء على الظالم، أمر مشروع، ولا سيما إذا كان الظلم واقعاً على المسلمين، وتزداد هذه المشروعية إذا كان الظالم كافراً، وربما يقال بوجوب الدعاء على الظالم الذي يحارب الإسلام وأهله إذا لم يكن ثمة سبيل لإيقاف عدوانه على الإسلام وكف شره عن المسلمين، إلا سبيل الدعاء،
قال الله تعالى: ((لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً)) (النساء:148).
وعن ابن عباس قال : (لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوماً، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو خير له).
ولقد قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على أحياء من العرب.
في صحيح البخاري : ((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ)) .
وفي غزوة الخندق لما حاصر الأحزاب المسلمين في المدينة، واشتغل النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وبعض أصحابه في مدافعة المشركين، قال بعد ذلك: (( شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، ملأ الله قبورهم وبيوتهم - أو أجوافهم شك الراوي - ناراً)) رواه الجماعة عن علي بن أبي طالب.
أيها المسلمون: أيها المستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها، يا من طال عليكم ظلم الكفرة والطغاة، اسمعوا إلى هذه القصة التي رواها جملة من أهل التاريخ والسير، عن يحيي بن هبيرة الوزير الصالح، قال لما استطال السلطان مسعود بن محمد السلجوقي وأصحابه وأفسدوا ، عَزمَ الخليفةُ على قتاله، قال يحيى: ثم إني فكرت في ذلك، ورأيت أنه ليس بصواب مجاهرته، لقوة شوكته، فدخلت على المقتفي، فقلت أني رأيت أن لا وجه في هذا الأمر إلا الالتجاء إلى الله تعالى وصدق الاعتماد عليه، فبادر إلى تصديقي في ذلك ، وقال: ليس إلا هذا، ثم كتبت إليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا على رعل و ذكوان شهراً، وينبغي أن ندعو نحن شهراً، فأجابني بالأمر بذلك.
قال الوزير: ثم لازمت الدعاء في كل ليلة، وقت السحر، أجلس فأدعو الله سبحانه فمات مسعود السلجوقي، لتمام الشهر، لم يزد يوماً، ولم ينقص يوماً، وأجاب الله الدعاء، وأزال يد مسعود وأتباعه عن العراق، وأرورثنا أرضهم وديارهم .
نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعز أولياءه المتقين ، وأن يخذل أعداءه من اليهود والنصارى وسائر الكافرين والمنافقين .
[1] رواه الترمذي رحمه الله .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى