رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. رياض بن محمد المسيميري
أثر إقصاء القرآن
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102] . (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1]. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعد, أيها المسلمون:
فإنَّ مما اختص اللهُ به هذا الشهرَ الكريم , وميزَّهُ عن سائرِ الشهورِ, تنزيلُ كتابهِ العظيم, أفضلَ الكتبِ وأجلَّها, وأقدسَها وأحكَمَها.
(( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان)) [البقرة: من الآية185] .
ولقد كان نزولَ القرآنِ هبةً ربانيةً عظيمة, لم تشهدِ البشريةُ لمثلهِ نظيراً ولا شبيهاً , واستنقذَ اللهُ به أقواماً لطالما تخبطوا في حمأةِ الضلالِ , وظلمةِ الجاهلية, وأصبحَ الجاهليُّ الذي كان يأكلُ الميتةَ ويئدُ ابنتَهُ, ويشربُ الخمرَ, أصبحَ ذلك الجاهلي فارساً عظيماً , ومقاتلاً شجاعاً, يجاهدُ في سبيلِ الِله ولا يخافُ لومةَ لائم, يحملُ القرآنُ في يد, والسيفُ في يده الأخرى , ممتثلاً قولَ ربه ومولاه: (( وَجَاهِد ْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً )) [الفرقان: من الآية52] .
هذا القرآنُ العظيم زادهُ اللهُ شرفاً ورفعةً, تكفلهُ سبحانه بحفظهِ وصيانتهِ من الزيادةِ والنقصان, ومن التبديلِ والتحريف, وتحدى به الفصحاءَ والبُلغاءَ, والخطباءَ والمتكلمينِ, والأدباءَ والمتحدثين, بل تحدى بهِ البشريةَ بأسرِها, أن تأتي بمثلهِ أو بشيءٍ منه: (( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً )) [الإسراء:88] .
وكلُّ الذين قبلوا التحدي , وسولتْ لهم نفوسُهم المريضة, وعقولُهم السفيهة محاكاة القرآن, أو المجيء بشيءٍ مثله, باءوا بالخسرانِ والفشلِ الذريعِ, وغايةَ ما توصلوا إليه سخافاتٍ مضحكة, وسجعٍ كسجعِ الكهان لا معنى له, ولا طائل من وراءِه .
وأنّى لهم أن يأتوا بمثل القرآن الذي يقولُ اللهُ فيه : (( وَلَوْ أَنَّ قُرْ آناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً )) [لرعد: من الآية31] .
وأنَّى لهم أن يأتوا بمثل القرآنَ الذي يقول الله فيه : (( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) [الحشر:21] .
إنه الكتابُ الذي أَخذ َ بمجامعِ القلوبِ , وأرهفَ الأسماعَ وشدَّ النفوسَ ببلاغتهِ, وعظيمِ فصاحتهِ وبهائِه, فهو الكتابُ الذي لا تملَّهُ الآذان, ولا يخلقُ من كثرةِ الرد . من قالَ به صدق , ومن حكمَ بهِ عدل, ومن ابتغى الهديَ في غيرهِ أضلهُ الله .
أيها الأخوةُ المسلمون :
والذي أثار هذه الخواطرَ في نفسي , ما نراه هذه الأيامِ من تسابقِ الناسِ إلى تلاوةِ القرآن , والتنافسِ في تعدُدِ ختمهِم إياه , والجلوسِ لقراءته في المساجدِ وغيرها إلاَّ أنَّ ما يحزُّ في النفس, ويوجعُ القلبَ , أنك لا تكادُ تلمسُ تغيراً يُذكر في واقعِ الناسِ وحياتهم, وفي أخلاقهِم وتصرفاتِهم .
وما ذلك إلّا لأنَّ أولئك القُراء يظنونَ واهمينَ وهم يتلون كتاب ربهم, يظنون أنَّ القرآنَ إنما يخاطبُ الصحابةَ والتابعين , وأما هم فبمنأى ومعزلٍ عن حديثِ القرآنِ وتوجيهاته, وأمرهِ ونهيه, وتنحصرُ نظرةُ الكثيرين للقرآن, على أنه وسيلةٌ لطلبِ البركةِ وطردِ الشياطين, أو وسيلةٌ لدفعِ العينِ عن الصبيان عبرَ الحروزِ والتمائم, وقد أفلحَ أعداءُ الإسلامِ في تحويلِ القرآنِ لدى كثيرٍ من الناس أفلحوا في تحويله إلى تراتيلَ يترنمُ بها القراء, ويطربُ لها المستمعون, وحولوهُ إلى تمائمَ وتعاويذ يضعها الناسُ في جيوبهِم وفي صدورِهم, وتحتَ وسائِدهم, ويظنون بسذاجةٍ وغرورٍ أنهم قد أدوا حقَّ القرآن, وحقَّ منزِِّلـهِ سبحانه, ولم يعدْ القرآن في حياةِ الناس مصدرَ التشريعِ و التوجيه, فلقدْ صاغ َلهم طواغيتُ البشر أنظمةً ودساتيرَ, يتلقون منها التوجيهَ في شؤونِ الحياةِ كُلِها, حتى إنهم يتلقون منها تصوراتِهم ومناهجهم, إلى جانبِ ما يتلقون من شرائعَ وقوانين , وقيمٍ وموازين, ثمَّ قالوا لهم إنَّ هذا الدينَ محترم, وإنَّ هذا القرآنَ مصون وهو يُتلى عليكم صباحَ مساء, وفي كلِ مناسبة, ويترنمُ به المترنمون, ويرتلهُ المرتلون , فماذا تريدون من القرآنِ بعد ذلك ؟!
فأمَّا عقائدُكم وشرائعكم , وأما أنظمتُكم وأوضاعُكم , وأما قيمُكم وأخلاقُكم, فإن هناك قرآناً آخر هو المرجعُ فيها كلِها, إنهُ الدستور المستورد, والقانونُ الجاهليُّ الحديث. ولقد نتجَ عن إقصاءِ القرآن عن الحكمِ والتشريع في العالم الإسلامي ثمراتٌ مرة , ونتائجُ مدمرة , في العقائدِ, والسلوكِ والأخلاقِ, تولى كبرَها أولئك الطواغيت المحا دونَ لله في ربوبيتهِ , وألوهيته .
فلقد نتجَ عن إقصاءِ القرآن, أن سادت الفوضى, واضطربَ الأمن وأفلتَ المجرمونَ والقتلة يسفكونَ دماءَ الناس, ويستبيحون أعراضَهم وأموالَهم, وانتشرت المنكرات , وعمَّ الفساد .
وبإقصاءِ القرآن كَثُرَ الانتهازيون يبددون ثرواتِ الأمة, ويستأثرون بها وحلَّت النكباتُ الاقتصادية, وكثرَ الغلولَ, وظهرتِ الطبقيَّةُ في أبشعِ صورِها .
وبإقصاءِ القرآن عن الحكمِ والتشريعِ, تعطلَ الجهادُ, واستأسدَ الكفارُ وأصبحت أمةُ بدرٍ وعينِ جالوت, تتباكى على عتباتِ هيئةِ الأمم. تستجدي عطفَ المجرمينَ والظلمةِ, وهم الذين صنعوا واقعهَا الكئيب وحالتَها المزرية, وبإقصاءِ القرآن نشأتْ أجيالٌ هزيلةٌ من الفتياتِ والشبابِ, ذوو اهتماماتٍ تافهةٍ, لا تتجاوزُ نطاقَ الفنِّ والرياضة والسياحةِ والسفرِ, والهواياتِ التافهةِ الرخيصة .
وبإقصاءِ القرآن, خرجت المرأةُ المسلمةُ من بيتِها, من غيرِ حاجةٍ ولا ضرورة, وزاحمتِ الرجالُ في الأسواقِ والشوارعِ, وفي المكاتبِ والمصانعِ, وتخلتْ عن حشمتِها وحيائِها, وعفتِها وكرامتِها . استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير , والأمةُ المسلمةُ اليوم, المعذبةُ في ضميرِها, المضطربةُ في أنظمتِها , المتداعيةُ في أخلاقِها, لا عاصمِ لها من الهاوية التي تتردى فيها إلاَّ بالقرآن العظيم : ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )) [طـه:124] .
أيها المسلمون :
لقد نزلَ القرآنُ العظيمِ لا ليُتخذَ حروزاً وتمائم , ولا ليقطعَّ به الوقت بانتظارِ الإمامِ أو الخطيبِ في المساجد, كلا لقد نزلَ القرآن دستوراً للأمةِ ومنهجَ حياةٍ لها , نزلَ ليحكمَ ويُحتكمَ إليه, نزل مهيمناً على كلِّ الكتبِ السماوية فضلاً عمَّا دونها, من تشريعاتِ البشرِ وأنظمتِهم, ودساتيرِهم ومراسيمهم .
لقد نزلَ القرآنُ العظيم ليقفَ سداً منيعاً, وحصناً حصيناً أمامَ كلِّ الآراء, وكلِّ المفاهيم وكلِّ التصورات, وكلِّ الأنظمةِ واللوائح, التي يُرادُ من خلالِها سياسَةَ الأمةِ , وتوجيهِها بمعزلٍ من ذلك الذكرِ الحكيم , ولقد نزل القرآن ليكونَ هو الحَكمُ الفصلِ, في السياسةِ والاقتصاد, وفي التربيةِ والتعليم , وفي الإعلامِ والتوجيه وفي الاجتماعِ والسلوك .
وبالجملة نزلَ القرآنُ يشمل كلَّ منحى من مناحي الحياة, دونَ منازعٍ أو مصادم.
وفي هذا يقول اللهُ تعالى : ((وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)) [النحل: من الآية89] .
ويقول سبحانه: ((مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)) [الأنعام: 38] .
فهل تسمعُ الدنيا هذا الكلام فتجيب وتستجيب .
إن المسلمين يحملون في أيديهم مشعلَ الهداية, ومبعثَ العزةِ والقوة, فحريٌ بهم أن ينفضوا أيديَهم من كلِّ بهرجٍ زائف, وأن يقودوا أنفسهم أولاً والبشريةُ كلًّها ثانياً بالقرآن الكريم, فكما كانت لهم الدولةُ بالقرآنِ في الماضي, فإنها كذلك لن تكونَ لهم إلا بهِ في الحاضرِ .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين .
أما بعدُ أيها الأخ الكريم :
فإن إكثاركَ من تلاوةِ القرآنِ الكريمِ, لا سيما في هذا الشهرِ المبارك, يدلُ على أنك تحملُ في نفسكَ جوانبَ خيرِّةً, وقلباً قابلاً للإصلاحِ, والهداية, فلا تحرمَنَّ نفسك الخيرَ والنورَ, فاقرأ كتابَ ربـِكَ بخشوعٍ وخضوع وتمسك بهد يه, وعضَّ عليه بالنواجذ, تفز بسعادةِ الدنيا ونعيمِ الآخرة واحذ ر دُعاةَ الضلالةِ أن يفتنوك عن بعض ما أنزلَ اللهُ إليك, ولا تكن ممن قيل فيه : ((رُبَّ قارئٌ للقرآن والقرآن يلعنه)) .
ولا تعجب فإن ثمةَ أقوامٍ يقرءون قولَه تعالى : (( أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين)) [هود: من الآية18] .
ثم هم يظلمون الناس بأكلِ حقوقهم, أو الاستيلاءِ على ممتلكاتِهم, أو ضربهم ولعنهم, أو سبهِم والسخريةِ منهم, أو أكل لحومهم بغيبةٍ أو بهتان.
وثمةَ أقومٍ يقرءونَ قولَه تعالى : ((فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)) [آل عمران: من الآية61] .
ثم لا يرعَوُُنَ عن الكذبِ وقولِ الزور,ِ ويكذبونَ على أنفسِهم, حين يصورونَ لها الحياة بأنها لهوٌ ولعبٌ, وزينةٌ وتفاخرٌ, بالأموالِ والأولاد .
والأمثلةُ كثيرةٌ, والشواهدُ حاضرةٌ, فاتقوا الله أيها الناس, واغتنموا الفرصةَ ما دامت سانحة, قبل ألا يكونَ دينار ٌولا درهم .
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور،وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
أثر إقصاء القرآن
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102] . (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1]. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعد, أيها المسلمون:
فإنَّ مما اختص اللهُ به هذا الشهرَ الكريم , وميزَّهُ عن سائرِ الشهورِ, تنزيلُ كتابهِ العظيم, أفضلَ الكتبِ وأجلَّها, وأقدسَها وأحكَمَها.
(( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان)) [البقرة: من الآية185] .
ولقد كان نزولَ القرآنِ هبةً ربانيةً عظيمة, لم تشهدِ البشريةُ لمثلهِ نظيراً ولا شبيهاً , واستنقذَ اللهُ به أقواماً لطالما تخبطوا في حمأةِ الضلالِ , وظلمةِ الجاهلية, وأصبحَ الجاهليُّ الذي كان يأكلُ الميتةَ ويئدُ ابنتَهُ, ويشربُ الخمرَ, أصبحَ ذلك الجاهلي فارساً عظيماً , ومقاتلاً شجاعاً, يجاهدُ في سبيلِ الِله ولا يخافُ لومةَ لائم, يحملُ القرآنُ في يد, والسيفُ في يده الأخرى , ممتثلاً قولَ ربه ومولاه: (( وَجَاهِد ْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً )) [الفرقان: من الآية52] .
هذا القرآنُ العظيم زادهُ اللهُ شرفاً ورفعةً, تكفلهُ سبحانه بحفظهِ وصيانتهِ من الزيادةِ والنقصان, ومن التبديلِ والتحريف, وتحدى به الفصحاءَ والبُلغاءَ, والخطباءَ والمتكلمينِ, والأدباءَ والمتحدثين, بل تحدى بهِ البشريةَ بأسرِها, أن تأتي بمثلهِ أو بشيءٍ منه: (( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً )) [الإسراء:88] .
وكلُّ الذين قبلوا التحدي , وسولتْ لهم نفوسُهم المريضة, وعقولُهم السفيهة محاكاة القرآن, أو المجيء بشيءٍ مثله, باءوا بالخسرانِ والفشلِ الذريعِ, وغايةَ ما توصلوا إليه سخافاتٍ مضحكة, وسجعٍ كسجعِ الكهان لا معنى له, ولا طائل من وراءِه .
وأنّى لهم أن يأتوا بمثل القرآن الذي يقولُ اللهُ فيه : (( وَلَوْ أَنَّ قُرْ آناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً )) [لرعد: من الآية31] .
وأنَّى لهم أن يأتوا بمثل القرآنَ الذي يقول الله فيه : (( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) [الحشر:21] .
إنه الكتابُ الذي أَخذ َ بمجامعِ القلوبِ , وأرهفَ الأسماعَ وشدَّ النفوسَ ببلاغتهِ, وعظيمِ فصاحتهِ وبهائِه, فهو الكتابُ الذي لا تملَّهُ الآذان, ولا يخلقُ من كثرةِ الرد . من قالَ به صدق , ومن حكمَ بهِ عدل, ومن ابتغى الهديَ في غيرهِ أضلهُ الله .
أيها الأخوةُ المسلمون :
والذي أثار هذه الخواطرَ في نفسي , ما نراه هذه الأيامِ من تسابقِ الناسِ إلى تلاوةِ القرآن , والتنافسِ في تعدُدِ ختمهِم إياه , والجلوسِ لقراءته في المساجدِ وغيرها إلاَّ أنَّ ما يحزُّ في النفس, ويوجعُ القلبَ , أنك لا تكادُ تلمسُ تغيراً يُذكر في واقعِ الناسِ وحياتهم, وفي أخلاقهِم وتصرفاتِهم .
وما ذلك إلّا لأنَّ أولئك القُراء يظنونَ واهمينَ وهم يتلون كتاب ربهم, يظنون أنَّ القرآنَ إنما يخاطبُ الصحابةَ والتابعين , وأما هم فبمنأى ومعزلٍ عن حديثِ القرآنِ وتوجيهاته, وأمرهِ ونهيه, وتنحصرُ نظرةُ الكثيرين للقرآن, على أنه وسيلةٌ لطلبِ البركةِ وطردِ الشياطين, أو وسيلةٌ لدفعِ العينِ عن الصبيان عبرَ الحروزِ والتمائم, وقد أفلحَ أعداءُ الإسلامِ في تحويلِ القرآنِ لدى كثيرٍ من الناس أفلحوا في تحويله إلى تراتيلَ يترنمُ بها القراء, ويطربُ لها المستمعون, وحولوهُ إلى تمائمَ وتعاويذ يضعها الناسُ في جيوبهِم وفي صدورِهم, وتحتَ وسائِدهم, ويظنون بسذاجةٍ وغرورٍ أنهم قد أدوا حقَّ القرآن, وحقَّ منزِِّلـهِ سبحانه, ولم يعدْ القرآن في حياةِ الناس مصدرَ التشريعِ و التوجيه, فلقدْ صاغ َلهم طواغيتُ البشر أنظمةً ودساتيرَ, يتلقون منها التوجيهَ في شؤونِ الحياةِ كُلِها, حتى إنهم يتلقون منها تصوراتِهم ومناهجهم, إلى جانبِ ما يتلقون من شرائعَ وقوانين , وقيمٍ وموازين, ثمَّ قالوا لهم إنَّ هذا الدينَ محترم, وإنَّ هذا القرآنَ مصون وهو يُتلى عليكم صباحَ مساء, وفي كلِ مناسبة, ويترنمُ به المترنمون, ويرتلهُ المرتلون , فماذا تريدون من القرآنِ بعد ذلك ؟!
فأمَّا عقائدُكم وشرائعكم , وأما أنظمتُكم وأوضاعُكم , وأما قيمُكم وأخلاقُكم, فإن هناك قرآناً آخر هو المرجعُ فيها كلِها, إنهُ الدستور المستورد, والقانونُ الجاهليُّ الحديث. ولقد نتجَ عن إقصاءِ القرآن عن الحكمِ والتشريع في العالم الإسلامي ثمراتٌ مرة , ونتائجُ مدمرة , في العقائدِ, والسلوكِ والأخلاقِ, تولى كبرَها أولئك الطواغيت المحا دونَ لله في ربوبيتهِ , وألوهيته .
فلقد نتجَ عن إقصاءِ القرآن, أن سادت الفوضى, واضطربَ الأمن وأفلتَ المجرمونَ والقتلة يسفكونَ دماءَ الناس, ويستبيحون أعراضَهم وأموالَهم, وانتشرت المنكرات , وعمَّ الفساد .
وبإقصاءِ القرآن كَثُرَ الانتهازيون يبددون ثرواتِ الأمة, ويستأثرون بها وحلَّت النكباتُ الاقتصادية, وكثرَ الغلولَ, وظهرتِ الطبقيَّةُ في أبشعِ صورِها .
وبإقصاءِ القرآن عن الحكمِ والتشريعِ, تعطلَ الجهادُ, واستأسدَ الكفارُ وأصبحت أمةُ بدرٍ وعينِ جالوت, تتباكى على عتباتِ هيئةِ الأمم. تستجدي عطفَ المجرمينَ والظلمةِ, وهم الذين صنعوا واقعهَا الكئيب وحالتَها المزرية, وبإقصاءِ القرآن نشأتْ أجيالٌ هزيلةٌ من الفتياتِ والشبابِ, ذوو اهتماماتٍ تافهةٍ, لا تتجاوزُ نطاقَ الفنِّ والرياضة والسياحةِ والسفرِ, والهواياتِ التافهةِ الرخيصة .
وبإقصاءِ القرآن, خرجت المرأةُ المسلمةُ من بيتِها, من غيرِ حاجةٍ ولا ضرورة, وزاحمتِ الرجالُ في الأسواقِ والشوارعِ, وفي المكاتبِ والمصانعِ, وتخلتْ عن حشمتِها وحيائِها, وعفتِها وكرامتِها . استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير , والأمةُ المسلمةُ اليوم, المعذبةُ في ضميرِها, المضطربةُ في أنظمتِها , المتداعيةُ في أخلاقِها, لا عاصمِ لها من الهاوية التي تتردى فيها إلاَّ بالقرآن العظيم : ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )) [طـه:124] .
أيها المسلمون :
لقد نزلَ القرآنُ العظيمِ لا ليُتخذَ حروزاً وتمائم , ولا ليقطعَّ به الوقت بانتظارِ الإمامِ أو الخطيبِ في المساجد, كلا لقد نزلَ القرآن دستوراً للأمةِ ومنهجَ حياةٍ لها , نزلَ ليحكمَ ويُحتكمَ إليه, نزل مهيمناً على كلِّ الكتبِ السماوية فضلاً عمَّا دونها, من تشريعاتِ البشرِ وأنظمتِهم, ودساتيرِهم ومراسيمهم .
لقد نزلَ القرآنُ العظيم ليقفَ سداً منيعاً, وحصناً حصيناً أمامَ كلِّ الآراء, وكلِّ المفاهيم وكلِّ التصورات, وكلِّ الأنظمةِ واللوائح, التي يُرادُ من خلالِها سياسَةَ الأمةِ , وتوجيهِها بمعزلٍ من ذلك الذكرِ الحكيم , ولقد نزل القرآن ليكونَ هو الحَكمُ الفصلِ, في السياسةِ والاقتصاد, وفي التربيةِ والتعليم , وفي الإعلامِ والتوجيه وفي الاجتماعِ والسلوك .
وبالجملة نزلَ القرآنُ يشمل كلَّ منحى من مناحي الحياة, دونَ منازعٍ أو مصادم.
وفي هذا يقول اللهُ تعالى : ((وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)) [النحل: من الآية89] .
ويقول سبحانه: ((مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)) [الأنعام: 38] .
فهل تسمعُ الدنيا هذا الكلام فتجيب وتستجيب .
إن المسلمين يحملون في أيديهم مشعلَ الهداية, ومبعثَ العزةِ والقوة, فحريٌ بهم أن ينفضوا أيديَهم من كلِّ بهرجٍ زائف, وأن يقودوا أنفسهم أولاً والبشريةُ كلًّها ثانياً بالقرآن الكريم, فكما كانت لهم الدولةُ بالقرآنِ في الماضي, فإنها كذلك لن تكونَ لهم إلا بهِ في الحاضرِ .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين .
أما بعدُ أيها الأخ الكريم :
فإن إكثاركَ من تلاوةِ القرآنِ الكريمِ, لا سيما في هذا الشهرِ المبارك, يدلُ على أنك تحملُ في نفسكَ جوانبَ خيرِّةً, وقلباً قابلاً للإصلاحِ, والهداية, فلا تحرمَنَّ نفسك الخيرَ والنورَ, فاقرأ كتابَ ربـِكَ بخشوعٍ وخضوع وتمسك بهد يه, وعضَّ عليه بالنواجذ, تفز بسعادةِ الدنيا ونعيمِ الآخرة واحذ ر دُعاةَ الضلالةِ أن يفتنوك عن بعض ما أنزلَ اللهُ إليك, ولا تكن ممن قيل فيه : ((رُبَّ قارئٌ للقرآن والقرآن يلعنه)) .
ولا تعجب فإن ثمةَ أقوامٍ يقرءون قولَه تعالى : (( أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين)) [هود: من الآية18] .
ثم هم يظلمون الناس بأكلِ حقوقهم, أو الاستيلاءِ على ممتلكاتِهم, أو ضربهم ولعنهم, أو سبهِم والسخريةِ منهم, أو أكل لحومهم بغيبةٍ أو بهتان.
وثمةَ أقومٍ يقرءونَ قولَه تعالى : ((فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)) [آل عمران: من الآية61] .
ثم لا يرعَوُُنَ عن الكذبِ وقولِ الزور,ِ ويكذبونَ على أنفسِهم, حين يصورونَ لها الحياة بأنها لهوٌ ولعبٌ, وزينةٌ وتفاخرٌ, بالأموالِ والأولاد .
والأمثلةُ كثيرةٌ, والشواهدُ حاضرةٌ, فاتقوا الله أيها الناس, واغتنموا الفرصةَ ما دامت سانحة, قبل ألا يكونَ دينار ٌولا درهم .
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور،وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى