رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ /صالح بن عبد الرحمن الخضيري
خطرُ السِّحر وكيفيَّة الوقايةِ منهُ
الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير, يعلم ما يَلِجُ في الأرض وما يخرج منها , وما ينزل من السماء وما يعرج فيها , وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم الغيب والشهادة يعلم ما في السموات وما في الأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي بلَّغ البلاغ المبين ونصح لأمته أجمعين , صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
أمَّا بعد: فإن خير الزَّاد التقوى , فاتقوا الله أيها المسلمون يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً.
أيُّها المسلمون : إن البلايا وإن عظمت , والكروب وإن اشتدت , والأمراض وإن تنوعت لن تكشف إلا بإذن الله (( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ )) (سورة الأنعام: 17).
(( قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)) (سورة آل عمران: 154).
((مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) (سورة فاطر: 2).
والمؤمن حقَّاً هو الذي يصدِّق بوعد الله , ويؤمن بقضاء الله وقدره فإذا عرض له مرض , أو حدثت له نكبة لجأ إلى الله وحده , وفعل من الأسباب الشرعية المأذون فيها ما يزيل هذا العارض- مع التوكل على الله وتفويض الأمور إليه يقال هذا الكلام- ويؤكد عليه في مثل هذا العصر الذي لجأ فيه بعض الناس إلى الكُهَّان والمنجِّمين وإلى السحرة والعرافين ظنَّاً منهم أن هؤلاء السحرة يحققون مآربهم أو بعضاً منها, غير مبالين بتحذير الإسلام من السحر وإتيان السحرة وتصديقهم.
أيُّها النَّاس : إن هؤلاء المشعوذين من السحرة والدجالين لا يستطيعون تغيير الحقائق , فلا يجعلون الليل نهاراً ولا النهار ليلاً ولكنهم يلبسون على ضعفاء العقول ويشغلون أذهانهم ويؤذون المؤمنين والمؤمنات قضاءً وقدراً.
فالساحر قد يضر غيره ويؤذيه بقضاء الله وقدره , قال تعالى: ((وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ)) (سورة البقرة: 102).
(فكلما كان الساحر أكفر وأخبث وأشد معاداة لله ولرسوله ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى وأَنْفَذ, ولذا كان سحر عبَّاد الأصنام أقوى من سحر أهل الكتاب , وسحر اليهود أقوى من سحر المنتسبين إلى الإسلام) أهـ .
هكذا يقرِّر ابن القيِّم رحمه الله , ثم إن الساحر لابد أن يكون خاضعاً للشيطان بل عابداً له حتى يعينه ويخدمه- والعياذ بالله-.
ولذلك فإن تعلم السحر كفرٌ لأنه لا يتمُّ إلا بالاستعانة بالشياطين والعبودية لهم وتناول المحرمات واستخدام طرائق بدعية يعقلها الإنسان أحياناً وفي الغالب لا يعقلها.
قال النووي رحمه الله: (عملُ السحر حرامٌ وهو من الكبائر بالإجماع فقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات).
أيُّها المسلمون : إن السحر من الحقائق الخفية والمراد به هو العمل الذي يقوم به شخص معيَّن تتوافر فيه شروط مخصوصة تحت ظروف واستعدادات غير مألوفة ، وبطرق سحرية غامضة , وذلك للتأثير على شخص أو عدة أشخاص رغم إرادتهم لتحقيق غرض معين له أو لغيره وذلك بعقد الخيوط والنَّفْثِ , ويستعين الساحر أو الساحرة بالأرواح الخبيثة , لذا فالسحر عُقَدٌ ورقى يتكلم به أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرةٍ له.
إن السحر عَقدٌ مبرمٌ بين الشيطان الكافر وبين الإنسان الجاهل , على أن يقوم الإنسان بعبادة الشيطان والكفر بالله ونبذ الأديان , وتنفيذ كل ما يأمره به مقابل أن يحقق الشيطان مآربه وبُغيته في الإضرار بالناس.
أيُّها المسلمون: إن السحر منكرٌ عظيمٌ يجب إنكاره ومعاقبة من يتعاطاه لأنه من كبائر الذنوب , قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((اجتنبوا السَّبع الموبِقات قالوا: وما هن يا رسولَ الله؟ قال: الشِّرك بالله والسِّحر... )) [1]الحديث
أيُّها المسلمون : قد يظهر على يد الساحر شيءٌ من خوارق العادات ممَّا ليس في مقدور البشر أن يفعلوه , والحقيقة أنها من باب الخداع والتضليل إذ هي من الأعمال الشيطانية مثل الوقوف على القَصَبَة , والسير فوق الخيط والحبل , وطعن نفسه بالسكين , وسحب السيارة بشعر رأسه وغير ذلك من التمويهات الشيطانية التي هي كذب , والمعروفة – بالقُمْرَة- وقد تكون من باب الاستعانة بالجن والشياطين ليعملوا له هذه الأشياء , وهذا كما تفعل الشياطين عند قبور من يُسَمَّوْن بالأولياء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- 13/94 : (وأصحاب الحَلاَّج- وهو رجلٌ قُتل ملحداً- لمَّا قُتل كان يأتيهم من يقول أنا الحلاَّج فيرونه في صورته عياناً, وكذلك شيخ بمصر يقال له الدُّسُوقي بعد أن مات كان يأتي أصحابَه من جهته رسائل وكتبٌ مكتوبة , وأراني صادقٌ من أصحابه الكتاب الذي يزعم أنه أرسله فرأيته بخط الجن- وقد رأيت خط الجن غيرَ مرَّة- وفيه كلامٌ من كلام الجن وذاك المعتقِد يعتقد أن الشيخ حيٌّ وكان يقول انتقل ثم مات) أهـ.
إذا يقوم الشياطين وشرار الجن بخدمة هؤلاء السحرة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويفسدون عقائدهم فكان جزاؤهم القتل.
روي أنَّ ساحراً كان عند (الوليد بن عُقبة) يمشي على الحبل ويدخل في إِسْتِ الحمار ويخرج من فِيهِ فاشتمل (جندب بن كعب) على سيفه وقتله به.
ولا يمكن لأحدٍ أن يتعاطى السحر حتى يشرك ويكفر بالله العظيم, قال صلى الله عليه وسلم : ((منْ عقدَ عُقدةً ثَّم نفثَ فيها فقد سَحَر , ومن سَحر فقد أَشرك, ومن تعلَّق بشيء وُكل إليه))[2].
قال الله تعالى: { وَلَكنَّ الشَّياطين كفَروا يُعلِّمون النَّاس السِّحر}. فنعوذ بالله من شر النفاثات في العقد.
قال الإمام أحمد رحمه الله : (صح قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) .
ولذا يجب على ولاة الأمر ومن بيده الحَلُّ والعَقد الأخذ على أيدي هؤلاء السحرة والدجالين والمبادرة بعقوبتهم بل بقتلهم إن لم يتوبوا لأنهم من المفسدين في الأرض , والله لا يصلح عمل المفسدين.
كما أنه لا يجوز للناس أن يشجعوا هؤلاء الدجالين ولا يجوز دفع الأموال إليهم ولا قصدهم لأن في هذا إثماً وإعانةً على الباطل.
أيُّها المسلمون : لعل سائلا يقول : كيف تكون الوقاية من السحر قبل وقوعه , وما علاجه بعد أن يقع , والجواب أن يقال : إن خير علاج السحر قبل وقوعه يكون بأمور :
* الاستعاذة بالله من شر الشياطين قال تعالى: (( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (سورة الأعراف: 200).
* تقوى الله والتوكّل عليه , قال الله تعالى: (( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)) (سورة الطلاق: 3,2).
* التوبة من جميع الذنوب التي بسببها يتسلَّط الأعداء , قال تعالى: (( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ )) (سورة الشورى: 30).
* الإكثار من قراءة القرآن والأدعية المأثورة , ولا سيَّما قراءة السور الأربع العظيمة : قل يا أيها الكـافرون وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. فقد جاء من طرقٍ كثيرةٍ عنه صلى الله عليه وسلم أن قال : ((وما تعوَّذ المتعوِّذون بمثلهنَّ قطّ)), وسورة البقرة فقد قال صلى الله عليه وسلم : ((اقرَؤوا سورة البقرة فإنَّ أخْذَها بركةٌ وتركها حسرةٌ ولا تستطيعها البَطَلَة وهم السَّحرة)) .
* أكل سبع تمرات من عجوة المدينة النبوية كل صباح , فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن تَصَبَّح بسبع تمراتٍ عجوة لم يضرُّه ذلك اليوم سمٌّ ولا سحر)) [3].
وعن عثمان رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما من عبدٍ يقول في صباحِ كلِّ يوم ومساء كلِّ ليلة: بسم الله الذي لا يضُرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السَّماء وهو السَّميع العليم ثلاث مراتٍ لم يضرُّه شيء))[4].
* الصدقة والإحسان فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء والسحر والحسد.
وأما العلاج المشروع للسحر بعد وقوعه فيكون بطرق منها: استخراج السحر وإتلافه وإحراقه إذا كان مكانه معروفاً بدون أن يستعين بساحر آخر.
ولك أن تتساءل فتقول : إذا كان الذهاب إلى السحرة بهدف إبطال السحر ممنوعاً ومحرماً فما الوسائل المشروعة لمعرفة مكان السحر ؟ والجواب : الوسائل المشروعة هي كالتالي :
أولاً: التوجه إلى الله تعالى ودعاؤه سبحانه أن يدله على مكان السحر كما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سأل ربه في ذلك فدلَّه عليه.
ثانياً: الرؤيا في المنام بأن يرى مكان السحر بعد ما يدعو ربه.
ثالثاً: أن يخبر بذلك الجني أثناء القراءة عليه ورقيته وهذا معلوم مشاهَد تكرر مرات كثيرة.
رابعاً: إخراج الجني الموكل بالسحر من جسم المريض عند الرقية الشرعية.
الأمر الخامس: الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر, ومن ذلك الحجامة.
الأمر السادس: النُّشرة- والمراد النشرة المشروعة وهي قراءة الآيات القرآنية والتعاويذ الشرعية ولا سيما آية الكرسي وسورة الكافرون وسورة الإخلاص والفلق والناس والآيات التي في موضوع السحر , كقوله تعالى: (( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُون * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ)) (سورة الأعرافَ: 117-119).
وكقوله: (( قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)) (سورة يونس:81) ونحوها من الآيات.
وإن قرأ هذه الآيات وغيرها بماء وسدر ثم شرب منها المرض واغتسل بالباقي فهو شفاء بإذن الله عز وجل.
أما علاج السحر بالذهاب إلى السحرة والمشعوذين فهو حرام لا يجوز , وأما قول بعضهم هذه ضرورة والضرورات تبيح المحظورات فنقول : هذا كلام لا يصدر إلا من جاهل بالشرع فمتى كان الجاهل يفتي نفسه , أما علم هذا القائل بإذن الله سبحانه لم يجعل شفاءنا في ما حرم علينا.
ومما حُرِّم على المسلمين إتيان السحرة والكهان والعرافين , وبعض الناس عندما يذهب لهؤلاء السحرة والدجالين يأمرونه بالذبح للجن أو بالذبح بدون ذكر اسم الله – والعياذ بالله- فيأتي هذا الجاهل فينفذ أمر هؤلاء ولو كان فيه سخط من الله وغضب – نعوذ بالله من عمى البصيرة.
ونسأله سبحانه أن يوفق المسلمين للفقه في الدين, وأن يكفيهم شر الأشرار من السحرة والمشعوذين إنه سبحانه قريب مجيب .
وأقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين .
وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله النبي الأمين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ- فيا أيُّها المُسلمون : اتقوا الله عز وجل واعتمدوا عليه واستعينوا به سبحانه , فإنه لا يكشف الضر إلا هو واحذروا الموبقات وجميع المهلكات.
معشَر المسْلمين : إن السحر مرضٌ من الأمراض فإن وجد الإنسان له علاجاً مشروعاً وإلا فليصبر حتى يجعل الله له فرجاً ومخرجاً , ولا يحملنه طلب العلاج إلى أمور محرمة فإن الله لم يجعل شفاءكم في حرام , ولو مات هذا المسحور فلربما يكون هذا خيرا له من أن يذهب أو يذهب به إلى هؤلاء السحرة المشعوذين الذين يأمرون بالذبح لغير الله وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((لَعَنَ اللهُ من ذَبَحَ لِغَير اللهِ)) [5].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((من أتَى عرَّافاً أو كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كَفر بما أُنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم )) [6].
بل حتى مجرد السؤال للاستطلاع لا يجوز , قال صلى الله عليه وسلم : ((من أتى عرَّافاً فسأله عن شيءٍ لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة)) [7].
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يعافي مبتلاهم ويشفي مرضاهم وأن يردهم إلى الاستقامة بإذنه.
[1] رواه البخاري ومسلم.
[2] أخرجه النسائي.
[3] رواه البخاري ومسلم .
[4] رواه الترمذي- وصححه الألباني في الكلم الطيب.
[5] رواه مسلم وغيره.
[6] رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد جيد.
[7] رواه مسلم.
خطرُ السِّحر وكيفيَّة الوقايةِ منهُ
الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير, يعلم ما يَلِجُ في الأرض وما يخرج منها , وما ينزل من السماء وما يعرج فيها , وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم الغيب والشهادة يعلم ما في السموات وما في الأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي بلَّغ البلاغ المبين ونصح لأمته أجمعين , صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
أمَّا بعد: فإن خير الزَّاد التقوى , فاتقوا الله أيها المسلمون يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً.
أيُّها المسلمون : إن البلايا وإن عظمت , والكروب وإن اشتدت , والأمراض وإن تنوعت لن تكشف إلا بإذن الله (( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ )) (سورة الأنعام: 17).
(( قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)) (سورة آل عمران: 154).
((مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) (سورة فاطر: 2).
والمؤمن حقَّاً هو الذي يصدِّق بوعد الله , ويؤمن بقضاء الله وقدره فإذا عرض له مرض , أو حدثت له نكبة لجأ إلى الله وحده , وفعل من الأسباب الشرعية المأذون فيها ما يزيل هذا العارض- مع التوكل على الله وتفويض الأمور إليه يقال هذا الكلام- ويؤكد عليه في مثل هذا العصر الذي لجأ فيه بعض الناس إلى الكُهَّان والمنجِّمين وإلى السحرة والعرافين ظنَّاً منهم أن هؤلاء السحرة يحققون مآربهم أو بعضاً منها, غير مبالين بتحذير الإسلام من السحر وإتيان السحرة وتصديقهم.
أيُّها النَّاس : إن هؤلاء المشعوذين من السحرة والدجالين لا يستطيعون تغيير الحقائق , فلا يجعلون الليل نهاراً ولا النهار ليلاً ولكنهم يلبسون على ضعفاء العقول ويشغلون أذهانهم ويؤذون المؤمنين والمؤمنات قضاءً وقدراً.
فالساحر قد يضر غيره ويؤذيه بقضاء الله وقدره , قال تعالى: ((وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ)) (سورة البقرة: 102).
(فكلما كان الساحر أكفر وأخبث وأشد معاداة لله ولرسوله ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى وأَنْفَذ, ولذا كان سحر عبَّاد الأصنام أقوى من سحر أهل الكتاب , وسحر اليهود أقوى من سحر المنتسبين إلى الإسلام) أهـ .
هكذا يقرِّر ابن القيِّم رحمه الله , ثم إن الساحر لابد أن يكون خاضعاً للشيطان بل عابداً له حتى يعينه ويخدمه- والعياذ بالله-.
ولذلك فإن تعلم السحر كفرٌ لأنه لا يتمُّ إلا بالاستعانة بالشياطين والعبودية لهم وتناول المحرمات واستخدام طرائق بدعية يعقلها الإنسان أحياناً وفي الغالب لا يعقلها.
قال النووي رحمه الله: (عملُ السحر حرامٌ وهو من الكبائر بالإجماع فقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات).
أيُّها المسلمون : إن السحر من الحقائق الخفية والمراد به هو العمل الذي يقوم به شخص معيَّن تتوافر فيه شروط مخصوصة تحت ظروف واستعدادات غير مألوفة ، وبطرق سحرية غامضة , وذلك للتأثير على شخص أو عدة أشخاص رغم إرادتهم لتحقيق غرض معين له أو لغيره وذلك بعقد الخيوط والنَّفْثِ , ويستعين الساحر أو الساحرة بالأرواح الخبيثة , لذا فالسحر عُقَدٌ ورقى يتكلم به أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرةٍ له.
إن السحر عَقدٌ مبرمٌ بين الشيطان الكافر وبين الإنسان الجاهل , على أن يقوم الإنسان بعبادة الشيطان والكفر بالله ونبذ الأديان , وتنفيذ كل ما يأمره به مقابل أن يحقق الشيطان مآربه وبُغيته في الإضرار بالناس.
أيُّها المسلمون: إن السحر منكرٌ عظيمٌ يجب إنكاره ومعاقبة من يتعاطاه لأنه من كبائر الذنوب , قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((اجتنبوا السَّبع الموبِقات قالوا: وما هن يا رسولَ الله؟ قال: الشِّرك بالله والسِّحر... )) [1]الحديث
أيُّها المسلمون : قد يظهر على يد الساحر شيءٌ من خوارق العادات ممَّا ليس في مقدور البشر أن يفعلوه , والحقيقة أنها من باب الخداع والتضليل إذ هي من الأعمال الشيطانية مثل الوقوف على القَصَبَة , والسير فوق الخيط والحبل , وطعن نفسه بالسكين , وسحب السيارة بشعر رأسه وغير ذلك من التمويهات الشيطانية التي هي كذب , والمعروفة – بالقُمْرَة- وقد تكون من باب الاستعانة بالجن والشياطين ليعملوا له هذه الأشياء , وهذا كما تفعل الشياطين عند قبور من يُسَمَّوْن بالأولياء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- 13/94 : (وأصحاب الحَلاَّج- وهو رجلٌ قُتل ملحداً- لمَّا قُتل كان يأتيهم من يقول أنا الحلاَّج فيرونه في صورته عياناً, وكذلك شيخ بمصر يقال له الدُّسُوقي بعد أن مات كان يأتي أصحابَه من جهته رسائل وكتبٌ مكتوبة , وأراني صادقٌ من أصحابه الكتاب الذي يزعم أنه أرسله فرأيته بخط الجن- وقد رأيت خط الجن غيرَ مرَّة- وفيه كلامٌ من كلام الجن وذاك المعتقِد يعتقد أن الشيخ حيٌّ وكان يقول انتقل ثم مات) أهـ.
إذا يقوم الشياطين وشرار الجن بخدمة هؤلاء السحرة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويفسدون عقائدهم فكان جزاؤهم القتل.
روي أنَّ ساحراً كان عند (الوليد بن عُقبة) يمشي على الحبل ويدخل في إِسْتِ الحمار ويخرج من فِيهِ فاشتمل (جندب بن كعب) على سيفه وقتله به.
ولا يمكن لأحدٍ أن يتعاطى السحر حتى يشرك ويكفر بالله العظيم, قال صلى الله عليه وسلم : ((منْ عقدَ عُقدةً ثَّم نفثَ فيها فقد سَحَر , ومن سَحر فقد أَشرك, ومن تعلَّق بشيء وُكل إليه))[2].
قال الله تعالى: { وَلَكنَّ الشَّياطين كفَروا يُعلِّمون النَّاس السِّحر}. فنعوذ بالله من شر النفاثات في العقد.
قال الإمام أحمد رحمه الله : (صح قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) .
ولذا يجب على ولاة الأمر ومن بيده الحَلُّ والعَقد الأخذ على أيدي هؤلاء السحرة والدجالين والمبادرة بعقوبتهم بل بقتلهم إن لم يتوبوا لأنهم من المفسدين في الأرض , والله لا يصلح عمل المفسدين.
كما أنه لا يجوز للناس أن يشجعوا هؤلاء الدجالين ولا يجوز دفع الأموال إليهم ولا قصدهم لأن في هذا إثماً وإعانةً على الباطل.
أيُّها المسلمون : لعل سائلا يقول : كيف تكون الوقاية من السحر قبل وقوعه , وما علاجه بعد أن يقع , والجواب أن يقال : إن خير علاج السحر قبل وقوعه يكون بأمور :
* الاستعاذة بالله من شر الشياطين قال تعالى: (( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (سورة الأعراف: 200).
* تقوى الله والتوكّل عليه , قال الله تعالى: (( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)) (سورة الطلاق: 3,2).
* التوبة من جميع الذنوب التي بسببها يتسلَّط الأعداء , قال تعالى: (( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ )) (سورة الشورى: 30).
* الإكثار من قراءة القرآن والأدعية المأثورة , ولا سيَّما قراءة السور الأربع العظيمة : قل يا أيها الكـافرون وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. فقد جاء من طرقٍ كثيرةٍ عنه صلى الله عليه وسلم أن قال : ((وما تعوَّذ المتعوِّذون بمثلهنَّ قطّ)), وسورة البقرة فقد قال صلى الله عليه وسلم : ((اقرَؤوا سورة البقرة فإنَّ أخْذَها بركةٌ وتركها حسرةٌ ولا تستطيعها البَطَلَة وهم السَّحرة)) .
* أكل سبع تمرات من عجوة المدينة النبوية كل صباح , فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن تَصَبَّح بسبع تمراتٍ عجوة لم يضرُّه ذلك اليوم سمٌّ ولا سحر)) [3].
وعن عثمان رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما من عبدٍ يقول في صباحِ كلِّ يوم ومساء كلِّ ليلة: بسم الله الذي لا يضُرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السَّماء وهو السَّميع العليم ثلاث مراتٍ لم يضرُّه شيء))[4].
* الصدقة والإحسان فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء والسحر والحسد.
وأما العلاج المشروع للسحر بعد وقوعه فيكون بطرق منها: استخراج السحر وإتلافه وإحراقه إذا كان مكانه معروفاً بدون أن يستعين بساحر آخر.
ولك أن تتساءل فتقول : إذا كان الذهاب إلى السحرة بهدف إبطال السحر ممنوعاً ومحرماً فما الوسائل المشروعة لمعرفة مكان السحر ؟ والجواب : الوسائل المشروعة هي كالتالي :
أولاً: التوجه إلى الله تعالى ودعاؤه سبحانه أن يدله على مكان السحر كما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سأل ربه في ذلك فدلَّه عليه.
ثانياً: الرؤيا في المنام بأن يرى مكان السحر بعد ما يدعو ربه.
ثالثاً: أن يخبر بذلك الجني أثناء القراءة عليه ورقيته وهذا معلوم مشاهَد تكرر مرات كثيرة.
رابعاً: إخراج الجني الموكل بالسحر من جسم المريض عند الرقية الشرعية.
الأمر الخامس: الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر, ومن ذلك الحجامة.
الأمر السادس: النُّشرة- والمراد النشرة المشروعة وهي قراءة الآيات القرآنية والتعاويذ الشرعية ولا سيما آية الكرسي وسورة الكافرون وسورة الإخلاص والفلق والناس والآيات التي في موضوع السحر , كقوله تعالى: (( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُون * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ)) (سورة الأعرافَ: 117-119).
وكقوله: (( قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)) (سورة يونس:81) ونحوها من الآيات.
وإن قرأ هذه الآيات وغيرها بماء وسدر ثم شرب منها المرض واغتسل بالباقي فهو شفاء بإذن الله عز وجل.
أما علاج السحر بالذهاب إلى السحرة والمشعوذين فهو حرام لا يجوز , وأما قول بعضهم هذه ضرورة والضرورات تبيح المحظورات فنقول : هذا كلام لا يصدر إلا من جاهل بالشرع فمتى كان الجاهل يفتي نفسه , أما علم هذا القائل بإذن الله سبحانه لم يجعل شفاءنا في ما حرم علينا.
ومما حُرِّم على المسلمين إتيان السحرة والكهان والعرافين , وبعض الناس عندما يذهب لهؤلاء السحرة والدجالين يأمرونه بالذبح للجن أو بالذبح بدون ذكر اسم الله – والعياذ بالله- فيأتي هذا الجاهل فينفذ أمر هؤلاء ولو كان فيه سخط من الله وغضب – نعوذ بالله من عمى البصيرة.
ونسأله سبحانه أن يوفق المسلمين للفقه في الدين, وأن يكفيهم شر الأشرار من السحرة والمشعوذين إنه سبحانه قريب مجيب .
وأقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين .
وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله النبي الأمين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ- فيا أيُّها المُسلمون : اتقوا الله عز وجل واعتمدوا عليه واستعينوا به سبحانه , فإنه لا يكشف الضر إلا هو واحذروا الموبقات وجميع المهلكات.
معشَر المسْلمين : إن السحر مرضٌ من الأمراض فإن وجد الإنسان له علاجاً مشروعاً وإلا فليصبر حتى يجعل الله له فرجاً ومخرجاً , ولا يحملنه طلب العلاج إلى أمور محرمة فإن الله لم يجعل شفاءكم في حرام , ولو مات هذا المسحور فلربما يكون هذا خيرا له من أن يذهب أو يذهب به إلى هؤلاء السحرة المشعوذين الذين يأمرون بالذبح لغير الله وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((لَعَنَ اللهُ من ذَبَحَ لِغَير اللهِ)) [5].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((من أتَى عرَّافاً أو كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كَفر بما أُنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم )) [6].
بل حتى مجرد السؤال للاستطلاع لا يجوز , قال صلى الله عليه وسلم : ((من أتى عرَّافاً فسأله عن شيءٍ لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة)) [7].
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يعافي مبتلاهم ويشفي مرضاهم وأن يردهم إلى الاستقامة بإذنه.
[1] رواه البخاري ومسلم.
[2] أخرجه النسائي.
[3] رواه البخاري ومسلم .
[4] رواه الترمذي- وصححه الألباني في الكلم الطيب.
[5] رواه مسلم وغيره.
[6] رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد جيد.
[7] رواه مسلم.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى