لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
مسلم
مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

المبادرة ‏  Empty المبادرة ‏ {السبت 26 نوفمبر - 9:43}

د . سليمان بن حمد العودة
المبادرة ‏



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ..

إخوةَّ الإسلام (المبادرة) لفظٌ جميل ، ومعنى عظيم توحي بالجديةَّ ، وتشعر بالعزيمة ، وتنبيءُ عن علوّ الهمة والمتأملُ في كتاب اللهِ وفي السُّنة النبوية يجد ( المبادرة ) أو ما يماثلها وتقاربها من الألفاظ (كالمسارعة ، والمسابقة) كثيرةً ، ولكن (المسارعة) في القرآن أكثر و (المبادرة) في الحديث أكثر ، أما (المسابقة) فقد وردت فيهما على السواء ( نظرة النعيم 8 / 3388 ) .

وأهل اللغةِ يقولون : المسارعة إلى الشيء المبادرة إليه ( لسان العرب 8 / 151 ) .

وقد تجتمع لفظةُ (المسارعة) و(المسابقة) في آيةٍ واحدة ويوصف بذلك أصحاب الإيمان والخشية كما في قوله تعالى : ((أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)) (سورة المؤمنون :61) .

فما الفرقُ هنا بين المسارعة والمسابقة ؟

قال المفسرون : يسارعون أي يسابقون مَنْ سابقهم إليها ، ومعنى : (سابقون) السبقُّ إلى أوقاتِها ، وكلَّ من تقدم في شيء فهو سابقُ إليه (تفسير القرطبي 12 : 133) (نظرة النعيم 8 :3394) .

أيها المسلمون المبادرة والمسارعة إلى الخيرات أمرٌ دعى إليه القرآن، وحثَّ عليه الإسلام قال تعالى : ((فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ )) (سورة البقرة :148) ، ((وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ )) (سورة آل عمران : 133) .

وفي ذلك حثٌ واستعجال على جميع الطاعات ( القرطبي 4 / 203 )

وقال عليه الصلاة والسلام : (( بادروا بالأعمال )) , ((والتؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة)) صححه الحاكم ووافقه الذهبي )

فكيف حالُنا مع المبادرة ؟ وكيف كان حالُ أسلافنا ؟

لماذا يعترينا الضعفٌ أحياناً في المبادرة ؟ وما هي الأمورُ المعينةُ على المبادرة ؟

لقد شهد تاريخُنا المجيد ألواناً من المبادرات الخيّرة ودلل أسلافنا على أنهم أهلُ مبادراتٍ ومسارعةِ إلى الخيرات

وهذا محمدٌ r صاحبُ المبادرات وإمامُ المسارعين للخيرات .. ومن يقرأُ سيرتَه يقف على الكثير من المبادرات لم يتوقف عنها في العهد المكي مع شدة وطأة الكفار وألوان المطاردة والحصار .. وها هو يدعو الخلق إلى الإسلام وهو محصورٌ في الشَّعب .. ويفتح الفرص لأصحابه للدعوة حتى ولو كان خارج إطارِ مكة .. والهجرتان إلى الحبشة نماذجُ عالية للمبادرة والدعوة .. أما دعوتُه العربَ r في المواسم .. ثم ذهابه إلى الطائف لدعوة ثقيف فكلُّ ذلك أدلةٌ واضحة على قيمة المبادرة ) في السيرة ثم كانت الهجرة للمدينة وما استتبعها من جهادٍ ودعوة مرحلةً متميزةً في المبادرات النبوية .

أجل لقد بادر وحيَّد اليهود بمعاهداتٍ شرقوا بها حتى نقضوها .. وبادر إلى بعث البعوث التعليمية والدعوية في المدينة وما جاورها ، ومهما نزل بالمسلمين من مصائب وابتلاءات لهذه البعوث والمعارك فقد أدت هذه المبادراتُ دورَها وطار صيتُ الإسلام في أرض العرب كلَّها .. بل تجاوزت مبادراتُ الرسول r أرض العربِ لتصل إلى أرض الروم وفارس يوم أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم الرُسل وكتب الكتب لملوك الأرض يدعوهم إلى الله ويشرحُ لهم الإسلام ولم ينس قريشاً إذ بادرها بالحديبية ، وفتح مكة ودخل الناسُ في دين الله أفواجاً .

وفي فترة وجيزة من الزمن تغيرت الحياة في الجزيرة .. وبدأ العدُّ التنازلي للأمم المسيطرةِ حينها .. ولم يمت رسول الله r حتى أرسل سرية (مؤتة) إلى أرض الروم .. وبلغت دعوته كِسرى وقيصر والنجاشي والمقوقس وهرقل .. ومن يدينُ بدينهم أو يتبعُ لسلطانِهم .. ثم كان صحابته رضوان الله عليه من بعده (مسارعين ومبادرين ) وكان حركة الفتح الإسلامي وأعدادُ الداخلين في الإسلام شاهداً حياً على هذه المبادرة .

وهكذا استمر المسلمون بعدهم يدعون ويُعلمون ويُسيَّرون الجيوش حتى بلغ الإسلامُ شأوا بعيداً ، ودخل العربُ والعجمُ في دين الله أفواجاً .

إن المتأمل في مبادرات المسلمين يرى أنها لم تكن قصراً على القادة بل شملت القاعدة ، ولم تكن خاصةً بالكبار بل شارك فيها الشباب ، ولم يتخل الضعفاء المعذورون بل شاركوا الأقوياء .. وكان للمرأة نصيبُها من المبادرة ولم تكن قصراً على الرجال ، وإن مجتمعاً يُشارك جميع أفراده بالمبادرات الخيرة لمجتمعٌ خليق بالتقدير والبقاء .. ودونكم هذه النماذج للمبادرات .

فأبو بكر صِّديقُ الأمة ، وصاحبُ المبادرات في كل ميدان في الصدقة والجهاد ، والصوم والصلاة ، وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله r يقول : ((من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خيرٌ ، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقةِ دُعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهلِ الصيام دُعي من باب الصيام وباب الريان فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يُدعى من تلك الأبواب من ضرورة وقال : هل يُدعى منها كلِّها أحدٌ يا رسول الله ؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر)) ( الصحيح ح 3666 ، الفتح 7 /19) .

إنها مبادرةٌ وطموح ، وهمَّةٌ عالية تدعو أبا بكر للتفكير في الإسهام في مجالات الخير كلَّها ، وإنما تجتمع أعمالُ البرِّ وأنواع المبادرات في عظائم الرجال كأبي بكر الصديق رضي الله عنه .

وفي صحيح البخاري ( كذلك ) قال النبي r : ((من يحْفرُ بئر رُومة فله الجنة)) فحفرها عثمان رضي الله عنه ، وقال :(( من جهَّز جيش العسرة فله الجنة )) فجهزه عثمان رضي الله عنه ( الفتح 7 / 52 )

أجل لقد ورد أن عثمان رضي الله عنه اشترى بئر رومة بخمسة وثلاثين ألف درهم فجعلها للمسلمين ، وأن عثمان رضي الله عنه جهز المسلمين بثلاثمائة بعير وفي رواية أنه جاء بألف دينار في ثوبه فصبَّها في حجر النبي r حين جهز جيش العسرة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما على عثمان مِن عملٍ بعد اليوم )) ( الفتح 7 / 408 ) أو (( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم )) .

للهِ درك يا عثمان وكذلك فالتكن المبادرات في خدمة الإسلام والمسلمين .

على أن المبادرات لا ترتبط بالغنى والجاه ، وليست قصراً على الأكابر والمشهورين ، بل يصنعها الشباب وإن كان شهرتهم أقلَّ من غيرهم .. ودونكم هذه المبادرة الطموحة .. فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : إني لواقفٌ يوم بدر في الصف ، فنظراتُ عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثةٍ أسنانهما فتمنيتُ أن أكون بين أضلعَ منهما (أقوى) فغمزني أحُدهما فقال يا عمَّ أتعرفُ أبا جهل ؟ فقلتُ : نعم ، وما حاجُتك إليه ؟ قال : أُخبرتُ أنه يسبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموتُ الأعجلُ منا ، فتعجبتُ لذلك ، فغمزني الآخرُ فقال لي أيضاً مثلها ، فلم أنشب أن نظرتُ إلى أبي جهلٍ وهو يجول في الناس ، فقلت ألا تريان ؟ هذا صاحُبكم الذي تسألان عنه ، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه .. الحديث (البداية والنهاية 3 / 316) .

تأملوا في همِّة هذين الشابين وطموحهما ونجاحتهما في مبادرتهما ، وإذا كانت تلك همة شباب هذا الجيل وغلمانهم فلا تسأل عمن فوقهم .

ويكفيك أن تعلم أن من هِمم أصحاب الأعذار وأولي الضرر ما يكشف عن مبادرات القوم ... وهذا عمرو بن الجموح يُصرُّ على أن يطأ بعرجته الجنة فيستأذن الرسول r في الجهــاد في ( أحد ) فيأذن له فيُقاتل ثم يكون في عداد الشهداء .

وابن أم مكتوم الأعمى يُصر على أن يحمل راية المسلمين غازياً معهم ويقول : ادفعوا إليَّ اللواء فإني أعمى لا أستطيع أن أفرَّ وأقيموني بين الصفين ( سير أعلام النبلاء 1 / 364 ) .

وبقي أن تعلم من همم النساء ومبادراتهن أن منهن من أسلمت في ظروف المحنة والشدة بمكة ، وثبتت على إسلامها ،بل هاجرت إلى المدينة ولم يستطع أهلُها أن يردوها كما صنعت أمُّ كلثوم بنتُ عقبة بن معيط رضي الله عنها وفيها وأمثالها نزل قول الله تعالى : ((فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ)) (سورة الممتحنة / 10) ( سير أعلام النبلاء 2 / 276 ) .

ومنهن من تطلعت إلى الجهاد على ثبج البحر فاستشهدت حيث طلبت كأمِّ حرام حين غزت مع زوجها عبادة بن الصامت رضي الله عنهما فصرعتها دابتُها فدقت عنقها وذلك في غزوة قبرص زمن عثمان رضي الله عنه ( سير أعلام النبلاء 2 / 316 ) .

وكانت من قبل قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدثها عن قوم يركبون البحر غُزاةً في سبيل الله ادع الله أن يجعلني منهم ، قال ((أنت من الأولين)) فكانت منهم

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا )) (سورة البقرة / 148) .



الخطبة الثانية

إخوة الإيمان لا حصر لمبادرات المسلمين على امتدادِ تاريخهم حتى أصبحت هذه المبادراتُ سمةً لهم ولأجيالهم وما عادت المبادراتُ في زمن أسلافنا مبادرات فردية بل كانت صفةً لازمةً للمجتمع والأمة ، ولذا برزَ العلماءُ في شتى الفنون واشتهر عددُ من قادة الجهاد ولمعت أسماءُ لا تُحصى في الفتوح والثغور، وكثر العُبَّادُ والزهاد ، وانتشر المحتسبون والوعاظ ، وكان المنفقون والمحسنون، ورحل الدعاةُ على كل صقع يحتاج إلى الدعوة والبيان، وكان عزُّ الإسلام هماً للصغير و الكبير والذكر والأنثى والأمير والمأمور .

وإلى زماننا هذا ولا يزال في الأمة خير كثير ، ورغم الحصار والتضييق فلا تزال المبادرات تترى ، وكلما خُيل للأعداءِ أنهم ضيقوا الخناق على الإسلام والمسلمين وإذا بخالقهم يجعل لهم من الضيق مخرجاً ومن المِحن منحا

إلا أن ثمة نفراً من المسلمين خُيل لهم أن فُرص الخير تقلَّصت وأن مساحة المبادرات قلّت وخوفهم الشيطان من مكرِ الأعداء ، وأوهمهم أن الجولة لغيرِهم ، واللهُ يقول : ((إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) (سورة آل عمران/ 175) .

وآخرون من المسلمين ظنوا أنهم يكفيهم أن يعيشوا على مبادرات سلفت لغيرهم ، ونسي هؤلاء أن الزمان يتجدد ، وأن الجديدَ يعتق ، وأن الدعوة تحتاجُ على الدوام إلى متابعةٍ وتجديد ، وأن المبادرات إلى الخيرات لم تتوقف في التاريخ ولا ينبغي أن تتوقف .

إن قيم الإسلام الأساسية، وأصوله الثابتة ليست مجالاً للمزايدة والتطوير .. ولكن الوسائل التي تُبلغ بها هذه الثوابت قابلةُ للتجديد _ حسب ما تقتضيه ظروف الزمان والمكان _ وما لم يُمس أصلُ من أصول الإسلام . فالتحدي قائمٌ في تطوير الأداءِ .. وتجديد ما عتق من الوسائل ، وإذا كنا نرفض منهج الذين يزعمون الإصلاح ويرون أن كلَّ شيء قابلٌ للتجديد _ حتى وإن خالف نصوص الوحيين _ فنحن كذلك نرفض منهج الجمود على القديم حتى وإن كان تحديثاً في الوسائل وتطويراً في الأداء ، ومسايرةً للواقع بما لا يُعارض ثابتاًً في الدين أو نصاً من نصوص الشريعة .

إن الجمودَ وعدمَ معرفة فقه الواقع معوق عن المبادرات الخيرة وإن الجهل بتاريخ الأمم وتجاربهم معوق عن التجديد والمبادرة .

ومعرفةُ هذه التجاربِ وتقويمها والإفادةُ من الصالح منها سبيل ومعينُ على المبادرات النافعة ..

إن من يستقرأ تاريخ المسلمين _ في عصور العزة والتمكين يرى أن هؤلاء تمكنوا من الإفادة من تجارب من سبقهم ، لكنهم احتفظوا بأصالتهم وعزتهم ، فاستفادوا من النظم ، ولم يخضعوا أو يذلوا أو يضعفوا أمام أصحاب هذه النظم إلا حينما ضعفت الأمة ووقع الخلل في رجالها

نعم نحن أمةُ لا ترفض الاستفادة من تجارب وحضارة الأمم الأخرى ، ولكنها تأبى على الذوبان والتأثر ، وكلما كانت الأمة قويةً كلما كانت كذلك ، وأمامنا في التاريخ تجربتان حريتان بالتأمل والدراسة ، كانت الأولى في زمن النبوة والخلافة الراشدة ، حيث حُفر الخندق ودُونت الدواوين ، وبقيت الأمة محافظةً على سمتها متميزةً في منهجها ، مستفيدةً من تجارب غيرها .

ثم كانت التجربة الثانية في زمن المأمون العباسي حيث حركة الترجمة ونقلُ علوم الآخرين .. وحين لم تكن الأمةُ على مستوى التحدي فقد أصابت هذه التجربة الأمة بلوثاتِ فكرية وانحرافاتٍ سلوكية حيث بزغ فجرُ الكلام ، ونجم التشيعُ والاعتزال ، واتسع نطاقُ أهل الأهواء ، ونشأ للناس _ كما يقول الذهبي _ علمٌ جديدٌ مردٍ مهلك لا يُلائم علمُ النبوة ولا يوافق توحيد المؤمنين ، وكانت الأمة في عافية منه .. وامتحن الناس على دينهم .. ( تذكرة الحفاظ 1 / 328 ) .

واليوم يعيش المسلمون مأزقاً صعباً ، حيث يُريد لهم أعداؤهم أن يصلحوا أوضاعهم لكن على منهج لا يستقم مع إسلامهم .. ويُراد لهم أن يتحضروا ولكن الثمن فقدُ هويتهم ، ويُراد لهم أن يغيروا نمط حياتهم ولكن البديل نمطٌ وسلوكياتُ أعدائهم .. إنه تحدٍ لا بد أن ندرك مخاطره وهو يسير باتجاه العولمة الغازية .. ويهيء السبيل لاستعمار العقول والأفكار بعد استعمار البلاد ونهب الثروات ..

ليس يُهم أن يُفرض الإصلاح من الخارج أو من الداخل ، ولكن المهمَّ هو مدى قُرب هذا الإصلاح أو بُعده من شريعة الإسلام .. وليس يعنينا أن يتم التغييرُ في حياتنا على يد (جورج) أو باسم (عبد الله ومحمد) ولكن الذي يعنينا ألا تستهدف القِيمُ بالتغيير .. وألا يُتعرض للثوابت بالنقض والإبرام وأن يصير المنكرُ معروفاً ، والباطل حقاً _ فذلك فهم منكوس للإصلاح ...

إن رياحاً عاتيةً تهبُ على منطقتنا .. بل وعلى عالمنا الإسلامي ولم يعد خافياً أن ثمة مخططاتٍ تطبخ في دهاليز الغرب ويُراد لها أن تطبق على دولنا ومجتمعاتنا .. بل عادت قضايانا مجالاً لمزايدةِ الناخبين في الغرب ، ولم يخفِ الساسة هناك تعاطفهم مع الصهاينة لأن هذا التعاطف مؤثر على أصوات الناخبين ، وسواء كان المرشح يهودياً صرفاً أو متهوداً ..

وبإزاء هذه الأوضاع المتردية والتحالفات المريبة ، والمخططات الظاهرة والخفية ، على المسلمين أن يدركوا حجم الخطر وأن يستعدوا لهذه النوازل وأن يتعاونوا على البر والتقوى وأن يتشاوروا في أمرهم ، وأن لا تكون الشُقة بين الحاكم والمحكوم والعالم والعامي ، وأن يحذروا من يعيشون بين أظهرهم وهواهم مع أسيادهم .

وإذ1 كان الهجوم على المسلمين كاسحاً .. فنصيب أهل السنة منه كبير .. وقد أحاطت بهم المخاطر من كل صوب ، وهم مستهدفون من أكثر من عدو .. وعليهم أن يستعينوا بالله وحده فهو فارج الكربات .. وعليهم أن يُراجعوا أنفسهم ، فما أصابهم من مصيبة فبما كسبت أيديهم .

وعليهم أن يركنوا إلى الله فهو ركن شديد وأن يبادروا بالأعمال الصالحة ، وأن يفكروا على الدوام بالمبادرات النافعة فالماء يئسن إذا ركد، والقافلة تسير ، وعالمُ اليوم يُقدر الأقوياء ويسحق الضعفاء ، وإذا كان الإسلام قوياً في نظمه وتشريعاته فعلى المسلمين أن يكونوا على مستوى إسلامهم ، وألا يهنوا ويحزنوا وهم الأعلون إن كانوا مؤمنين .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى