مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. رياض بن محمد المسيميري
كيف نجح الصحابة في حمل الرسالة
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]. ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً( [النساء:1]. )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً( [الأحزاب:70-71].
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار
أما بعد ، أيَّها المسلمون :
فلقد عُزلت هذه الأمة طويلاً عن دراسة تاريخ أسلافها, و أفلح خصومها في إحداث فجوةٍ سحيقةٍ بين ماضيها وحاضرها, لتظل غارقةً في نومها, و اليوم و قد بدأت الأمة تستيقظُ من غفلتها, و تستردُ شيئاً من عافيتها, فقد آن الأوان أن تعيد دراستها لتاريخها المجيد, وتتأمل منهج الأصحابِ في صناعةِ ذلك المجدِ الفقيد, لتأخذَ العبرةَ و تستلهم الفكرةَ, و تكرر المحاولة, فلن يصلح حالُ آخر الأمة إلا بما صلح به حالُ أولها, لم لا و إن من أولويات ما تجبُ دراسته, هو تأمل عوامل النجاح التي من خلالها تمكن الصحابةَ من حمل الإسلام إلى العالمِ, و نشر الدين في أصقاع المعمورة, حتى وصلت خيولُ المسلمين إلى أطراف الصين شرقاً, و قرعت أبواب فرنسا الصليبية غرباً, فما سر نجاحهم يا ترى ؟
كيف نجحوا في بلوغ غاياتهم, و تحقيق أهدافهم, و كيف أسعدوا البشرية بنور الوحيين الشريفين, وخلصوا الإنسانية من جحيم الجاهلية و نتنها .
أيها الأحبة في الله : إن ثمة عوامل متعددة, و أسباباً مهمة أفرزت ذلك النجاح الباهر, وحققت ذلك الإنجاز المعجزة, يقف على رأسها قوة العزيمة, وصلبة الإرادة, هذه مدينة النبي صلى الله عليه و سلم تموج و تضطرب, حيث ذهلت النفوس, وحارت العقول, وتشنجت الأعصاب, وذهب الحزم و الصواب, وقد أشعل ذلك الإعلان المهيب وأشعل الفتنة, فارتدت القبائل عن الإسلام, وعطلت الجمعة فلم تعد تقام إلا في مكة والمدينة, في مثل هذه الفتنة العمياء, ومواجهة المرتدين بحزمٍ بأس نادرين, فيأتيه أعقل الناس, و أشدهم بأساً في دين الله, يأتيه عمر فيقول: ياخليفة رسول الله كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله rأمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله, كيف تقاتلهم يا خليفة رسول الله ؟ فيجيبه الصديق بلغة الواثق, ومنطق المطمئن, والله لأ قاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة, والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه, إنها العزيمة الحديدية, و الإرادة الفولاذية, التي لا تصلح السياسة إلا بها, لقد كان الصديق بدهائه الخارق, يدرك أن أي إبطاءٍ في تأديب المرتدين الساخرين من شرائع الإسلام, الراغبين في خلخلة وحدةِ الأمة, من خلال تصرفاتهم اللامسؤولة, كان يدرك أن أي إبطاءٍ في تأديب هؤلاء, كفيل بإحداث انهيار مدمر, وشرخ خارق في صرح الإسلام, ذلك الصرح الذي بني بدماء القتلى والشهداء, و سُقي بأنهار من الدموع والبكاء, إنك لتعجب من موقف أبي بكر وإصراره على قتال المرتدين, ولكنك تعجب أكثر من عزمه في الوقت نفسه على إنفاذ جيش أسامة, الواقف على أطراف المدينة, ويقسم صادقاً والله لا أُحل عقدة عقدها رسول الله r , حتى لو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين, و حتى لو لم يبق في المدينة غيري, هذه العزيمة الخارقة, والإرادة الصلبة, سر من أسرار نجاحهم, وعامل من عوامل إبداعهم, و أما الثاني فيتضح لك من خلال مشهد ذلك الأعرابي, يوم دخل على رسول الله r فقال: ((يا ابن عبد المطلب, أسألك بربك ورب من قبلك ءآلله أرسلك, قال: نعم قال الله أمرك أن نصلي خمس مرات في اليوم والليلة ؟ قال : نعم قال الله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة ؟ قال :نعم , قال الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة فتدفعها للفقراء والمساكين, قال : نعم, قال الأعرابي آمنت بك يا محمد و بما جئت به, وأنا ضمام ابن ثعلبة, وإني رسول من ورائي من قومي))[1] .
تأمل يرحمك الله فلقد أعلن ضمام إسلامه في الحال, و أعلن على الفور بأنه سيكون داعية الإسلام في قومه, فلم تكن مسافة زمنية تذكر بين تعلم ضمام مبادئ الإسلام, وبين انطلاقته داعياً إلى تلك المبادئ, لقد شعر بواجبه بداهةً, و حتى قبل أن يتلقى من النبي أمراً أو توجيهاً بضرورة العمل, إذ أن ذلك أمرٌ بديهي في حس المؤمن, لا يحتاج إلى تأكيده والإلحاح به, لا بكاء الخانعون المؤثرون للعافية و السلامة, فالشعور بضرورة العمل, ووجوب البلاغ والدعوة أمر منتهى, ومسالة محسومة في حس الصحابة رضي الله عنهم, إنك لتجد كما في صحيح البخاري, أن رجلاً مقنعاً بالحديد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله أسلم أو أقاتل ؟ قال بل أسلم, ثم قاتل فأسلم فقاتل حتى قتل)) [2]
هذا الرجل يشعر بفطرته, ويدرك بجبلته بحتمية العمل, و تنتابه رغبة شديدة في الجهاد, بالرغم من أن فكرة الإسلام لا زالت مجرد هاجس في ذهنه, لم تترجم بعد إلى إعلان حقيقي, مع هذا يأتي متسائلاً أيسلم أولاً, أم يقاتل أولاً ؟ وأما العامل الآخر من عوامل نجاحهم, فهو إيثار ماعند الله, وتقديم الآخرة على الفانية, هذا أبو حيثمة يرجع إلى أهله في يوم شديد الحر لافح السمومِ, فيجد آمراته في عريش لهما داخل بستان, وقد رشت كل واحدة منهما عريشها, وبردت فيه ماءً, وهيأت طعاماً, فلما دخل وقف على باب العريش, فنظر إلى زوجتيه ما صنعتا له, فقال رسول الله في الضح والريح و الحر, و أبو حيثمة في ظل بارد, وطعام مهيأ, وامرأة حسناء, ما هذا بالعدل, ماهذا بالعدل, والله لا أدخل عريشاً واحدةٍ منكما, حتى التحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيأ زاداً فارتحل عليه لاحقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك, انظر يا رعاك الله, كيف يكون الزهد في العرض الزائل والمتاع الرخيص, إيثاراً لما عند الله, ماءٌ بارد, وطعامٌ مهيأ, وزوجة حسناء, وروضة غناء, فلا يكترث لشيء منها, ولا يلتفت يعبأ بها, ولكن هيئوا لي دابتي, واحزموا لي متاعي, فليس من الإنصاف أن أهنأ بالنعيم ورسول الله في الضح والحر.
أيها الأخ المبارك: ولئن عجبت من زهد أبي حيثمة, و إصراره على اللحاق برسول الله صلى الله عليه و سلم يوم تبوك, راكباً بعيره مستقلاً دابته, فأعجب منه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه, حين ركب بعيره لاحقاً برسول الله صلى الله عليه و سلم إلى تبوك أيضاً, فيستعصي عليه بعيره, و يصعب عليه قياده, وينطلق ماشياً على قدميه يشق المغاور وحده, تحرقه الشمس ويلفحه السموم, وتسمه الريح, فلما هذا يا صاحب رسول الله ؟ أما كان يسعك أن تتعجل عائداً إلى المدينة بعد أن فقدت الظهر, واستعصت عليك دابتك, لما كل هذا العناء ؟ لما كل هذا الشقاء ؟ لما كل هذا يا صاحب رسول الله ؟
إنه الإيثار لما عند الله, والحماسة لهذا الدين, والإخلاص لنصرته, لذا لم يكن استعصاء بعير أبي ذر يحتاج منه إلى مراجعة حساباته لينظر أينطلق إلى تبوك أم يعود إلى المدينة ؟ وأمَّا العامل الرابع: من عوامل نجاحهم في حمل الإسلام وإبلاغه للناس كافة : فهو شجاعة القلب, ورباطة الجأش, لن نذكر خالداً و بسالته, ولا الزبير وصلابته, ولا المقداد وصولته, ولا سعداً وجولاته, ولكن أسماء المرأة الضعيفة البنية, الكفيفة البصر, نذكر أسماء في موقفها مع الحجاج يوم قتل ابنها, و صلبه على جدار الكعبة, فأرسل إليها لتأتي فامتنعت, فأرسل إليها ثانية لتأتي أو لأبعثن من يسحبك من قرونك, فقالت: لستُ آتيةً وليبعث يسحبني من قروني, فجاءها الفاجر بنفسه, فدخل عليها فقال كيف رأيتني صنعتُ بعبد الله- يقصد ابنها- قالت : أرى أنك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك, أما إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أخبرنا أنه سيكون في ثقيف دجال ومبير, أما الدجال فقد عرفناه, و أما المبير فلا أخاله إلا أنت, فانصرف خاسئاً وهو حسير, أما الدجل فقد عرفناه, وأما المبير فلا أخاله إلا أنت تقوله لمن ؟ لرجل لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبه ولا الشفقة سبيلاً إلى فؤاده, وبمثل هذه الشجاعة كانت كلمة الحق ترفرف في العلياء, لا يخاف قائلها في الله لومة لائم, أيها المسلمون: وإن من أسرار نجاحهم, و عوامل انتصارهم, تلك الروح الجماعية في الأداء, فقد كانوا أشبه ما يكونون بفريق عملٍ موحد, لا يجد أحدهم أدنى عضاضة بأن يعمل في أي موقع يوجه إليه, ما دام يشعر بأنه يخدم دينه و عقيدته, استعمل أبو بكر عمرو بن العاص على صدقات قضاعة, ثم كتب إليه يستنفره إلى الشام, فقال إني كنت قد رددتك على العمل الذي ولاكه رسول الله صلى الله عليه و سلم, و قد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك و معادك, إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك ؟ فكتب إليه عمرو رضي الله عنه ولعن من لعنه, إني سهم من سهام الإسلام, وأنت عبد الله الرامي بها و الجامع لها, فانظر أشدها وأخشاها فارم بي فيها, سبحانك إلهي! أي رجال هؤلاء, إن عمرواً لا يرى نفسه إلا مجرد سهمٍ في كنانة الإسلام, يرمى بالسهم أنى تكون مصلحة الإسلام, و أبلغ من موقف عمرو موقف خالد يوم كتب إليه عمر يأمره بتسليم قيادة الجيش لأبي عبيد ة, مع أن سيفه لا يزال يقطرُ من دماء الروم النجسة فيسلمها أبا عبيد ة بكل تواضع, ويعود جنديا بين الجنود استغفر الله! بل أسدا ضمن الأسود, فلم تكن المناصب تحرك شعرةً في رؤوسهم, أوتساوي بعرة في نفوسهم, فقد تركوها يتطاحن عليها الفارغون, وطاروا إلى الجنة بمنصب خدمة الإسلام, و لُقبوا عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين,
أمَّا بعدُ:
أحبتنا الكرام: فإننا اليوم في مرحلةٍ ينبغي أن نتجاوز فيها مهزلة توزيع المسئوليات, وتقسيم الواجبات على الآخرين, في مقابل الفرجة التامة, والعزلة الكاملة, فإن ثمة أقواماً يجيدون اللوم وإلقاء التبعة على الآخرين, أما هم فقد حازوا شهادة براءةٍ وصكوك غفرانٍ, فلا عليهم بعد ذلك أن يقبعوا في جحورهم, ويركنوا في زوايا هم دون عمل شيء لخدمة الإسلام, لقد حقق أسلافنا المعجزات, وقهروا المعضلات بقوة عزائمهم, وحسن توكلهم, و شدة بأسهم, وجماعية أدائهم, ونحن اليوم قادرون على إعادة الكرة بإذن الله, و تحقيق المعجزة بحول الله متى تشبهنا بأولئك الأخيار, واقتفينا آثارهم, والله يقول : ((وكان حقاً علينا نصرة المؤمنين )) .
وليس نصرة الصحابة فقط, و لقد تحقق بعون الله وكرمه على يد هذا الجيل, من علماء الإسلام و دعاته, و شبابه الطيبين, ما لم يتحقق منذ أجيالٍ عدة, وذلك كله يؤكد أنه مهما ضعفت الإمكانيات, وكثرت المشقات, ومهما احلولك الظلام, فإن ما تقر به عيون المخلصين حاصلٌ لا محالة, متى وجد الإخلاصُ, وتواصل العطاءُ, إنك أخي المسلم بيدك أن تصنع الكثير لتدفع عجلة الصحوة إلى الأمام, من خلال تربية أبنائك, من خلال منا صحة جارك, من خلال دفع كتابٍ أو شريط, من خلال إيصال فكرة إلى محاضر أو خطيب, من خلال القدوة الحسنة, والكلمة الطيبة, من خلال الإحسان للآخرين, من خلال تعاهد الأرامل والمساكين, وتفقد اليتامى والمحتاجين, من خلال زيارة المريض, وإكرام الضيف وإجابة الدعوة, أخي بيدك أن تصنع الكثير حتى وإن تلبست ببعض المخالفات, ووقعت في بعض التجاوزات, فحذاري أن تستجيب لنزغات الشيطان, وحذاري أن يخدعك بمكره الخبيث, فيقول لك أنت مقصر, و أنت عاص, وأنت تفعل كذا و كذا, وتترك كذا و كذا, كلا يرحمك الله! بل أنفق من مالك في سبيل الله, و ساهم في مشروعات الخير, قف بسيارتك أمام بائعي التسجيلات النافعة, وأمام مكتبات التراث الإسلامي, قف عندها وأخرج ريالات و لو معدودة, واشتر بها أشرطةً تسمعها, و كتباً تقرأها, وإذا فرغت منها فادفعها إلى زملاء العمل, أو زملاء الدراسة, بذلك ستكون داعية من دعاة الإسلام, وإن وقعت في بعض المخالفات, فلعل الله بصنيعك هذا يرحم قلبك, ويهديك إلى الهدى والنور, وكن دائم التضرع إلى الله بقبول العمل, والتوفيق للتوبة, أحبتنا لكننا جميعاً بلا استثناء يداً واحدة لخدمة الإسلام, ولا يحقرن أحد نفسه, ولا يلقين بالمسئولية على غيره, ليبادر إلى إنقاذ هذه الأمة المخدرة, وهذه الإنسانية المعذبة, ما دمنا قادرين على العمل فينا روح الشباب, ونخوة الكرام, ولا تهولك آخي الكريم و لا تغرك أيها الحبيب صولة الباطل وجولته, وكثافة الشر وكثرته, فالله يقول : (( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ )) (الأنبياء:18) .
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
[1] رواه البخاري (63) من حديث أنس بن مالك t .
[2] ورقمه (2808) من حديث البراءt
كيف نجح الصحابة في حمل الرسالة
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]. ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً( [النساء:1]. )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً( [الأحزاب:70-71].
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار
أما بعد ، أيَّها المسلمون :
فلقد عُزلت هذه الأمة طويلاً عن دراسة تاريخ أسلافها, و أفلح خصومها في إحداث فجوةٍ سحيقةٍ بين ماضيها وحاضرها, لتظل غارقةً في نومها, و اليوم و قد بدأت الأمة تستيقظُ من غفلتها, و تستردُ شيئاً من عافيتها, فقد آن الأوان أن تعيد دراستها لتاريخها المجيد, وتتأمل منهج الأصحابِ في صناعةِ ذلك المجدِ الفقيد, لتأخذَ العبرةَ و تستلهم الفكرةَ, و تكرر المحاولة, فلن يصلح حالُ آخر الأمة إلا بما صلح به حالُ أولها, لم لا و إن من أولويات ما تجبُ دراسته, هو تأمل عوامل النجاح التي من خلالها تمكن الصحابةَ من حمل الإسلام إلى العالمِ, و نشر الدين في أصقاع المعمورة, حتى وصلت خيولُ المسلمين إلى أطراف الصين شرقاً, و قرعت أبواب فرنسا الصليبية غرباً, فما سر نجاحهم يا ترى ؟
كيف نجحوا في بلوغ غاياتهم, و تحقيق أهدافهم, و كيف أسعدوا البشرية بنور الوحيين الشريفين, وخلصوا الإنسانية من جحيم الجاهلية و نتنها .
أيها الأحبة في الله : إن ثمة عوامل متعددة, و أسباباً مهمة أفرزت ذلك النجاح الباهر, وحققت ذلك الإنجاز المعجزة, يقف على رأسها قوة العزيمة, وصلبة الإرادة, هذه مدينة النبي صلى الله عليه و سلم تموج و تضطرب, حيث ذهلت النفوس, وحارت العقول, وتشنجت الأعصاب, وذهب الحزم و الصواب, وقد أشعل ذلك الإعلان المهيب وأشعل الفتنة, فارتدت القبائل عن الإسلام, وعطلت الجمعة فلم تعد تقام إلا في مكة والمدينة, في مثل هذه الفتنة العمياء, ومواجهة المرتدين بحزمٍ بأس نادرين, فيأتيه أعقل الناس, و أشدهم بأساً في دين الله, يأتيه عمر فيقول: ياخليفة رسول الله كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله rأمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله, كيف تقاتلهم يا خليفة رسول الله ؟ فيجيبه الصديق بلغة الواثق, ومنطق المطمئن, والله لأ قاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة, والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه, إنها العزيمة الحديدية, و الإرادة الفولاذية, التي لا تصلح السياسة إلا بها, لقد كان الصديق بدهائه الخارق, يدرك أن أي إبطاءٍ في تأديب المرتدين الساخرين من شرائع الإسلام, الراغبين في خلخلة وحدةِ الأمة, من خلال تصرفاتهم اللامسؤولة, كان يدرك أن أي إبطاءٍ في تأديب هؤلاء, كفيل بإحداث انهيار مدمر, وشرخ خارق في صرح الإسلام, ذلك الصرح الذي بني بدماء القتلى والشهداء, و سُقي بأنهار من الدموع والبكاء, إنك لتعجب من موقف أبي بكر وإصراره على قتال المرتدين, ولكنك تعجب أكثر من عزمه في الوقت نفسه على إنفاذ جيش أسامة, الواقف على أطراف المدينة, ويقسم صادقاً والله لا أُحل عقدة عقدها رسول الله r , حتى لو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين, و حتى لو لم يبق في المدينة غيري, هذه العزيمة الخارقة, والإرادة الصلبة, سر من أسرار نجاحهم, وعامل من عوامل إبداعهم, و أما الثاني فيتضح لك من خلال مشهد ذلك الأعرابي, يوم دخل على رسول الله r فقال: ((يا ابن عبد المطلب, أسألك بربك ورب من قبلك ءآلله أرسلك, قال: نعم قال الله أمرك أن نصلي خمس مرات في اليوم والليلة ؟ قال : نعم قال الله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة ؟ قال :نعم , قال الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة فتدفعها للفقراء والمساكين, قال : نعم, قال الأعرابي آمنت بك يا محمد و بما جئت به, وأنا ضمام ابن ثعلبة, وإني رسول من ورائي من قومي))[1] .
تأمل يرحمك الله فلقد أعلن ضمام إسلامه في الحال, و أعلن على الفور بأنه سيكون داعية الإسلام في قومه, فلم تكن مسافة زمنية تذكر بين تعلم ضمام مبادئ الإسلام, وبين انطلاقته داعياً إلى تلك المبادئ, لقد شعر بواجبه بداهةً, و حتى قبل أن يتلقى من النبي أمراً أو توجيهاً بضرورة العمل, إذ أن ذلك أمرٌ بديهي في حس المؤمن, لا يحتاج إلى تأكيده والإلحاح به, لا بكاء الخانعون المؤثرون للعافية و السلامة, فالشعور بضرورة العمل, ووجوب البلاغ والدعوة أمر منتهى, ومسالة محسومة في حس الصحابة رضي الله عنهم, إنك لتجد كما في صحيح البخاري, أن رجلاً مقنعاً بالحديد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله أسلم أو أقاتل ؟ قال بل أسلم, ثم قاتل فأسلم فقاتل حتى قتل)) [2]
هذا الرجل يشعر بفطرته, ويدرك بجبلته بحتمية العمل, و تنتابه رغبة شديدة في الجهاد, بالرغم من أن فكرة الإسلام لا زالت مجرد هاجس في ذهنه, لم تترجم بعد إلى إعلان حقيقي, مع هذا يأتي متسائلاً أيسلم أولاً, أم يقاتل أولاً ؟ وأما العامل الآخر من عوامل نجاحهم, فهو إيثار ماعند الله, وتقديم الآخرة على الفانية, هذا أبو حيثمة يرجع إلى أهله في يوم شديد الحر لافح السمومِ, فيجد آمراته في عريش لهما داخل بستان, وقد رشت كل واحدة منهما عريشها, وبردت فيه ماءً, وهيأت طعاماً, فلما دخل وقف على باب العريش, فنظر إلى زوجتيه ما صنعتا له, فقال رسول الله في الضح والريح و الحر, و أبو حيثمة في ظل بارد, وطعام مهيأ, وامرأة حسناء, ما هذا بالعدل, ماهذا بالعدل, والله لا أدخل عريشاً واحدةٍ منكما, حتى التحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيأ زاداً فارتحل عليه لاحقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك, انظر يا رعاك الله, كيف يكون الزهد في العرض الزائل والمتاع الرخيص, إيثاراً لما عند الله, ماءٌ بارد, وطعامٌ مهيأ, وزوجة حسناء, وروضة غناء, فلا يكترث لشيء منها, ولا يلتفت يعبأ بها, ولكن هيئوا لي دابتي, واحزموا لي متاعي, فليس من الإنصاف أن أهنأ بالنعيم ورسول الله في الضح والحر.
أيها الأخ المبارك: ولئن عجبت من زهد أبي حيثمة, و إصراره على اللحاق برسول الله صلى الله عليه و سلم يوم تبوك, راكباً بعيره مستقلاً دابته, فأعجب منه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه, حين ركب بعيره لاحقاً برسول الله صلى الله عليه و سلم إلى تبوك أيضاً, فيستعصي عليه بعيره, و يصعب عليه قياده, وينطلق ماشياً على قدميه يشق المغاور وحده, تحرقه الشمس ويلفحه السموم, وتسمه الريح, فلما هذا يا صاحب رسول الله ؟ أما كان يسعك أن تتعجل عائداً إلى المدينة بعد أن فقدت الظهر, واستعصت عليك دابتك, لما كل هذا العناء ؟ لما كل هذا الشقاء ؟ لما كل هذا يا صاحب رسول الله ؟
إنه الإيثار لما عند الله, والحماسة لهذا الدين, والإخلاص لنصرته, لذا لم يكن استعصاء بعير أبي ذر يحتاج منه إلى مراجعة حساباته لينظر أينطلق إلى تبوك أم يعود إلى المدينة ؟ وأمَّا العامل الرابع: من عوامل نجاحهم في حمل الإسلام وإبلاغه للناس كافة : فهو شجاعة القلب, ورباطة الجأش, لن نذكر خالداً و بسالته, ولا الزبير وصلابته, ولا المقداد وصولته, ولا سعداً وجولاته, ولكن أسماء المرأة الضعيفة البنية, الكفيفة البصر, نذكر أسماء في موقفها مع الحجاج يوم قتل ابنها, و صلبه على جدار الكعبة, فأرسل إليها لتأتي فامتنعت, فأرسل إليها ثانية لتأتي أو لأبعثن من يسحبك من قرونك, فقالت: لستُ آتيةً وليبعث يسحبني من قروني, فجاءها الفاجر بنفسه, فدخل عليها فقال كيف رأيتني صنعتُ بعبد الله- يقصد ابنها- قالت : أرى أنك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك, أما إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أخبرنا أنه سيكون في ثقيف دجال ومبير, أما الدجال فقد عرفناه, و أما المبير فلا أخاله إلا أنت, فانصرف خاسئاً وهو حسير, أما الدجل فقد عرفناه, وأما المبير فلا أخاله إلا أنت تقوله لمن ؟ لرجل لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبه ولا الشفقة سبيلاً إلى فؤاده, وبمثل هذه الشجاعة كانت كلمة الحق ترفرف في العلياء, لا يخاف قائلها في الله لومة لائم, أيها المسلمون: وإن من أسرار نجاحهم, و عوامل انتصارهم, تلك الروح الجماعية في الأداء, فقد كانوا أشبه ما يكونون بفريق عملٍ موحد, لا يجد أحدهم أدنى عضاضة بأن يعمل في أي موقع يوجه إليه, ما دام يشعر بأنه يخدم دينه و عقيدته, استعمل أبو بكر عمرو بن العاص على صدقات قضاعة, ثم كتب إليه يستنفره إلى الشام, فقال إني كنت قد رددتك على العمل الذي ولاكه رسول الله صلى الله عليه و سلم, و قد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك و معادك, إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك ؟ فكتب إليه عمرو رضي الله عنه ولعن من لعنه, إني سهم من سهام الإسلام, وأنت عبد الله الرامي بها و الجامع لها, فانظر أشدها وأخشاها فارم بي فيها, سبحانك إلهي! أي رجال هؤلاء, إن عمرواً لا يرى نفسه إلا مجرد سهمٍ في كنانة الإسلام, يرمى بالسهم أنى تكون مصلحة الإسلام, و أبلغ من موقف عمرو موقف خالد يوم كتب إليه عمر يأمره بتسليم قيادة الجيش لأبي عبيد ة, مع أن سيفه لا يزال يقطرُ من دماء الروم النجسة فيسلمها أبا عبيد ة بكل تواضع, ويعود جنديا بين الجنود استغفر الله! بل أسدا ضمن الأسود, فلم تكن المناصب تحرك شعرةً في رؤوسهم, أوتساوي بعرة في نفوسهم, فقد تركوها يتطاحن عليها الفارغون, وطاروا إلى الجنة بمنصب خدمة الإسلام, و لُقبوا عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين,
أمَّا بعدُ:
أحبتنا الكرام: فإننا اليوم في مرحلةٍ ينبغي أن نتجاوز فيها مهزلة توزيع المسئوليات, وتقسيم الواجبات على الآخرين, في مقابل الفرجة التامة, والعزلة الكاملة, فإن ثمة أقواماً يجيدون اللوم وإلقاء التبعة على الآخرين, أما هم فقد حازوا شهادة براءةٍ وصكوك غفرانٍ, فلا عليهم بعد ذلك أن يقبعوا في جحورهم, ويركنوا في زوايا هم دون عمل شيء لخدمة الإسلام, لقد حقق أسلافنا المعجزات, وقهروا المعضلات بقوة عزائمهم, وحسن توكلهم, و شدة بأسهم, وجماعية أدائهم, ونحن اليوم قادرون على إعادة الكرة بإذن الله, و تحقيق المعجزة بحول الله متى تشبهنا بأولئك الأخيار, واقتفينا آثارهم, والله يقول : ((وكان حقاً علينا نصرة المؤمنين )) .
وليس نصرة الصحابة فقط, و لقد تحقق بعون الله وكرمه على يد هذا الجيل, من علماء الإسلام و دعاته, و شبابه الطيبين, ما لم يتحقق منذ أجيالٍ عدة, وذلك كله يؤكد أنه مهما ضعفت الإمكانيات, وكثرت المشقات, ومهما احلولك الظلام, فإن ما تقر به عيون المخلصين حاصلٌ لا محالة, متى وجد الإخلاصُ, وتواصل العطاءُ, إنك أخي المسلم بيدك أن تصنع الكثير لتدفع عجلة الصحوة إلى الأمام, من خلال تربية أبنائك, من خلال منا صحة جارك, من خلال دفع كتابٍ أو شريط, من خلال إيصال فكرة إلى محاضر أو خطيب, من خلال القدوة الحسنة, والكلمة الطيبة, من خلال الإحسان للآخرين, من خلال تعاهد الأرامل والمساكين, وتفقد اليتامى والمحتاجين, من خلال زيارة المريض, وإكرام الضيف وإجابة الدعوة, أخي بيدك أن تصنع الكثير حتى وإن تلبست ببعض المخالفات, ووقعت في بعض التجاوزات, فحذاري أن تستجيب لنزغات الشيطان, وحذاري أن يخدعك بمكره الخبيث, فيقول لك أنت مقصر, و أنت عاص, وأنت تفعل كذا و كذا, وتترك كذا و كذا, كلا يرحمك الله! بل أنفق من مالك في سبيل الله, و ساهم في مشروعات الخير, قف بسيارتك أمام بائعي التسجيلات النافعة, وأمام مكتبات التراث الإسلامي, قف عندها وأخرج ريالات و لو معدودة, واشتر بها أشرطةً تسمعها, و كتباً تقرأها, وإذا فرغت منها فادفعها إلى زملاء العمل, أو زملاء الدراسة, بذلك ستكون داعية من دعاة الإسلام, وإن وقعت في بعض المخالفات, فلعل الله بصنيعك هذا يرحم قلبك, ويهديك إلى الهدى والنور, وكن دائم التضرع إلى الله بقبول العمل, والتوفيق للتوبة, أحبتنا لكننا جميعاً بلا استثناء يداً واحدة لخدمة الإسلام, ولا يحقرن أحد نفسه, ولا يلقين بالمسئولية على غيره, ليبادر إلى إنقاذ هذه الأمة المخدرة, وهذه الإنسانية المعذبة, ما دمنا قادرين على العمل فينا روح الشباب, ونخوة الكرام, ولا تهولك آخي الكريم و لا تغرك أيها الحبيب صولة الباطل وجولته, وكثافة الشر وكثرته, فالله يقول : (( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ )) (الأنبياء:18) .
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
[1] رواه البخاري (63) من حديث أنس بن مالك t .
[2] ورقمه (2808) من حديث البراءt
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى