لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
مسلم
مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

الشباب علو همة وأمل أمة  Empty الشباب علو همة وأمل أمة {السبت 26 نوفمبر - 10:13}

الشيخ /صالح بن عبد الرحمن الخضيري
الشباب علو همة وأمل أمة


الحمدُ للهِ نحمده, ونستعينهُ ونستغفره, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهدهِ اللهُ فلا مُضلَّ له, ومن يُضلل فلا هاديَّ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهَ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدهُ ورسوله , (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) (سورة آل عمران :102) , (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) (سورة النساء : 1) , (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) (سورة الأحزاب : 70-71) .

أمَّا بعدُ : فقد قالَ الله تعالى: (( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)) (54) سورة الروم, وضَّحَت هذه الآيةُ الأدوارَ التي يمرُّ بها الإنسانُ في هذهِ الحياة, فهو يخرجُ إلى الدنيا ضعيفاً واهن القُوى, ثم يأخذُ في القوةِ حتى يصيرَ شاباً قوياً (( ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً)) , ثم يأخذُ في النقصِ فيكتهلُ، ثم يشيخُ ثم يهرمُ ، (( ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)) .

ومرحلةَ الشبابِ مرحلةٌ مهمَّةٌ في حياةِ الإنسان، لأنَّها قوةٌ بين ضعفين, ضعفُ الطفولةِ وضعفُ الشيخوخةِ, وفيها تكونُ قدرةُ المرءِ على العملِ والإنتاجِ أكبرَ من غيرها, تقولُ حفصةُ بنت سيرين : ( يا معشرَ الشبابِ اعملوا فإنِّي رأيتُ العملَ في الشباب) .

فإنَّ لم يغتنم المرءُ هذه المرحلةِ المهمةِ من حياتهِ، تقطَّعت نفسُهُ بعد ذلك حسرات, الشبابُ توثُّبُ روحٍ واستنارةُ فكرٍ , الشبابُ صحةٌ لن تعود , ونشاطٌ بالسنينَ معدود, فيه يثبتُ المرءُ نفسه, ويتزوَّدُ بالعلمِ النافعِ والعملِ الصالح, ويربِّي في نفسهِ الأخلاقَ الكريمةِ, ويجبِرها على العوائدِ الحميدةِ.

إنَّ الشبابَ وإن اكتنفتهُ من طرفيهِ المباعدين، الطفولةُ والشيخوخة, إلاَّ أنَّهُ يصعُبُ وضعُ حدودٍ زمنيةٍ لعهدهِ السعيد, فهناكَ رجالٌ وقدرةُ الشبابُ حارةٌ في دمهم وإن زادوا على الستين, أمرٌ بالمعروفِ ونهيٌ عن المنكر، قيامٌ وصيام, ذكرٌ وتسبيح, صلةٌ وإحسان, لا يفترونَ من أعمالِ الخيرِ وخصالِ البرِّ، وذلك فضلُ اللهِ يُؤتيه من يشاء، واللهُ ذو الفضلِ العظيم .

الشبابُ أخصبُ مراحلِ العمر , وأجدرُها بحسنِ الإفادةِ وعِظَمِ الإجادة , ولهذا يُحاسبُ الإنسانُ عن جميعِ حياته, ثُمَّ يُحاسبُ عن الشبابِ وحده, روى الترمذي عن النبي r أنَّهُ قال : (( لا تزولُ قدمَا ابنِ آدمَ يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس : عن عمرِهِ فيمَ أفنَاه , وعن شبابِهِ فيمَ أبلاه , وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وأين أنفقَهُ , وماذا عمِلَ فيما عَلِمَ )) . [حسنه الألباني] .

إنَّ مرحلةَ الشبابِ سلاحٌ ذو حدَّين , تحملُ في طيَّاتها عنصرَ الخير [من منبرِ رسولِ الله r للثبيتي ص 230] , وقد تتوجَّهُ إلى البرِ والخيرِ والإصلاحِ والبناءِ والتعمير, أو تتجهُ إلى عكسِ ذلكَ وتؤدِّي إلى شرٍّ كبير، وهدمٍ وتدمير, والقرآنُ العظيمُ فيه نماذجَ رفيعةً للشبابِ المؤمن، الذي سلكَ طريقهُ إلى اللهِ رُغم معوقاتٍ كثيرة, يقولُ اللهُ عزَّ وجل في سورةِ الكهف: (( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)) (سورة الكهف 13-14).

وتأمَّل في قصةِ يوسف u من عفَّةٍ ومحنٍ متلاحقة، صبرَ عليها فرفعهُ اللهُ في الدنيا والآخرة وجعلهُ من المرسلين, وموسى u كذلك فهو في عنفوانِ شبابهِ، وكمالِ قوَّتهِ، يستغلُ هذه الفترةِ للإحسانِ وعملِ الخير، ومساعدةِ المُحتاجين، (( وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا )) (سورة القصص : 23-24).

عبَاد الله : الشبابُ لهم ماضٍ مشرقٌ في التاريخ الإسلامي, فلقد كانوا أوَّلَ الداخلين في الإسلامِ وفي الجهاد، من أوائلِ المُجاهدين, وفي العلمِ من أوائلِ المتعلمين, والفقهاءَ في الدين, إنَّهم عُدَّة المستقبل, وهُم الناسُ بعدنا, فأيُّ مستقبلٍ لأمة يُعرضُ شبابها عن طاعةِ الله , وينصرفونَ إلى اللهوِ والعبثِ, ويغرقون في الشهواتِ والملذاتِ، فيضيِّعون أنفسَهم وأمتهم عياذاً بالله .

أمَّا المستقيمُ من الشبابِ على طاعةِ ربه فيا بشراهُ بثوابهِ, قال r : (( سبعةٌ يظلُّهُمُ الله في ظلِّهِ , يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه – ومنهم- وشابٌّ نشَأَ في عبَادة الله )) .

فمن الواجبِ علينا أفراداً ومجتمعات, علماءَ ومؤسسات, أن نُعنى بالشبابِ ونهتمَّ بتربيتهم وأن نقومَ بتشجيعِهم كما هو هدي النبي r, فقد كان يعتني بالشبابِ, يجيبُ دعوتهم، ويمشي معهم, يقولُ عبدُ اللهِ بن بسر : ( بعثني أبي إلى رسولِ اللهِ r أدعوهُ إلى الطَّعامِ فجاءَ معي ) , ويزُورُهم إذا مرضوا, عن زيدٍ بن أرقم قال: ( أصابني رَمَدٌ فعادني رسولُ الله r , ومن الخطأِ الواضحِ الانفصالُ بين الشبابِ والشيوخ, لأنَّ هذا يفوِّتُ مصالحَ عظيمةٍ, ويحولُ دُونَ استفادةِ الشبابِ ممن هُم أكثرُ منهم تجربةً للحياةِ .

فعلى الشبابِ أن يحترمُوا كبارَ السنِ, وأن يوقِّرُوهم , قال r : (( إنَّ مِن إجلالِ الله , إجلالُ ذِي الشَّيْبَةِ المسلمِ, وحامِلِ القرآنِ غيرِ الغالي فيهِ ولا الجافي عنهُ )) .

وأن يستمعوا ما عندهم من نصائحَ وتوجيهات, وتجاربَ تفيدُ في الحياةِ, وبالمقابلِ فإنَّ كبارَ السنِ يُفترضُ أن يُشجِّعوا الشبابَ وألاَّ يحتقرُوهم, فإنَّ المرءَ بأصغريهِ قلبهِ ولسانه, وقد يكونُ عند صغيرِ السنِ من العلمِ ما ينبغي على الكبارِ أن يستفيدوا من علمه, فابنُ عباسٍ، وزيدُ بن ثابت، وأبيُّ بن كعب، ومعاذُ بن جبلٍ- رضي الله عنهم- على صِغَرِ أعمارِهم كانوا من علماءِ الصحابةِ، وممن يُفتونَ في حياة النبي r .

وسليمانُ بن داوود- عليهما السلام- قال لهُ الهُدهدُ وهو طائر: (( أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ)) (سورة النمل :22) .

وأسامةُ بن زيدٍ أمَّرهُ النبيُّ r على جيشٍ فيه أبو بكرٍ وعمر, والحسنُ والحسين سيِّدَا شبابِ أهلِ الجنة, ومصعبُ بن عُمَير داعيةٌ شهيد , دعا الأنصارَ إلى اللهِ قبلَ قدومِ النبيِّ r إلى المدينة, هؤلاءِ عددٌ من شبابِ الصحابةِ فهم قدوةٌ وأسوةٌ لكلِّ شابٍّ حريصٍ على الخيرِ، راغبٌ في الثوابِ والأجر .

أيُّها الشَّباب :

احذروا جُلساءَ السُوء وصحبةَ البطَّالين, فإنَّ طبعكَ يسرقُ منهم وأنت لا تدري , وليس إِعْداءُ الجليسِ جليسَهُ بمقالهِ وفعالهِ فقط , بل بالنَّظرِ إليه, والنظرِ في الصورِ يورثُ في النفوسِ أخلاقاً مناسبةً لخُلُقِ المنظورِ إليه , ومن المُشاهَدِ أنَّ الماءَ والهواءَ يفسُدانِ بمجاورةِ الجيفة، فما الظنُّ بالنفوسِ البشرية .
وَلا تَجْلِسْ إِلَى أَهْلِ الدَّنَايـَا فَإِنَّ خَلَائِقَ السُّفَهَاءِ تُعْـدِي

ثمَّ إنَّ مَن جالسَ أصحابَ السُوءِ جرَّءُوهُ على المخدراتِ والمغامراتِ، وإهمالِ الصلاةِ وغيرَ ذلك من أعمالهم السيئات .

أيُّها الشابُ :

أنت في خطرٍ ما دُمت ذا عينينِ فاغضُضْ بصركَ عن الحرام, ولا تجلب لنفسكَ الشقاءَ والهمَّ والكدر، وتتسببُ في تشتيتِ قلبكِ وضياعِ دراستك، وخُسرانِ آخرتك , فإيَّاك إيَّاك أن تحتقرَ قليلَ النظرِ إلى الأفلامِ والقنواتِ والمجلات, فإنَّ قليلَ النظرِ كثيرُ الضرر, والسَّعيدُ من اتَّعظَ بغيره, والشقيُّ من جلبَ الشقاءَ بنفسهِ لنفسه.

أيُّها الشابُ :

الفراغُ سلاحٌ خطير، يسبِّبُ تبلُّدَ الفكرِ, وضعفَ النفسِ, واستيلاءِ الأفكارِ الرَّديئةِ والوساوس, فحاربِ الفراغَ القاتلَ بالعملِ الجادِّ, بالعلمِ النافعِ والقراءةِ المفيدة, بالكسبِ والضربِ في الأرضِ وطلبِ الرزقِ, فمن الفراغِ تكونُ الصبوةُ والفساد.

أيُّها المسلمُون :

لا بدَّ للشبابِ من الزَّواج- فاتقوا الله فيهم- إنَّهم أمانةٌ عندكم, يُشاهِدُون من المناظرِ ما يُؤجِّجُ نيرانَ الشهوةِ في نفوسهم, فأعينُوهم على إعفافِ نفُوسِهم , هذا بمالهِ, وهذا بتخفيفِ المهرِ, وهذا بتأثيثِ بعضِ البيت, حتى يتحققَ لنا مجتمعاً مُحافظاً, وقد جاءَ في الحديثِ : (( ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونُهم- ومنهم – النَّاكح يريدُ العفافَ )) , ولجنةُ الراغبين بالزواجِ قامت خلالَ سنواتٍ معدودةٍ بإعانةِ عددٍ من الشباب, وها هي الآنَ تطلبُ منكم مدَّ يَدِ العونِ لشبابٍ مُحبِّين للخيرِ راغبين فيه, هُم بأمسِّ الحاجةِ إلى الإعانةِ والمساعدة، حتى لو كانَ ذلكَ من الزكاة, فأعينُوهم بما تجودُ بهِ نفُوسكم, أخلفَ اللهُ عليكم ووفقنا وإيَّاكم إلى عملِ الصالحات .

أقولُ هذا القول وأستغفر الله ...

الخطبة الثانية



الحمدُ للهِ ربِّ العالمين, وأشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهَ وحدهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدهُ ورسوله, اللهمَّ صلِّ عليه وعلى آلهِ وصحبه.

أمَّا بعدُ : فأوصِيكُم ونفسي بتقوى اللهِ عزَّ وجل, فمن حققَ التقوى نالَ سعادةَ الآخرةِ والدنيا.

عبَادَ الله :

كلُّ يومٍ يعيشُهُ المؤمنُ غنيمةً يتزوَّدُ منهُ بعملٍ صالح, فالواجبُ علينا شباباً وشيوخاً, ذكوراً وإناثاً : ألاَّ تمضي أعمارنا سُدى, وأن نحذرَ مجالسَ الغفلةِ وأماكن الفتنة, إنَّ الشابَ لا يدري هل يُعَمَّرُ إلى المشيبِ ؟ فليحذرِ التسويف :

يُعَمِّرُ وَاحِدٌ فَيَغُرُّ قَوْمَـاً وَيُنْسَى مَنْ يَمُوتُ مِنَ الشَّبَابِ

إنَّ الدنيا أيُّها الشيوخُ والشبابُ كما يقولُ عُمر بن عبد العزيز: (الدنيا ليست بدارِ قراركم , كتبَ اللهُ عليها الفناء, وكتبَ على أهلِها الارتحال , فكم من عامرٍ مُوثَّقٍ عن قليلٍ يخربُ, وكم من مُقيمٍ مغتبطٍ عمَّا قليلٍ يُظعنُ, فأحسنوا رحمكُم اللهُ منها الرحلةَ بأحسنِ ما بحضرتِكم من النِّقلة , وتزودُوا فإنَّ خيرَ الزادِ التقوى
إِنـَّا لَنَفْـَرحُ بِالأيـَّامِ نَقْطَعُهـَا وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَلِ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ المَوْتِ مُجْتَهِدَاً فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالخُسْرَانُ فِي العَمَلِ

يقول أبو سُليمانَ الدَّاراني : ( لو لم يبكِ العاقلُ فيما بقيَّ من عمرهِ إلاَّ على تفويتِ ما مضى منهُ في غيرِ الطاعة, لكانَ خليقاً أن يُحزِنهُ ذلك إلى الممات, فكيفَ من يستقبلُ ما بقيَّ من عُمرهِ بمثلِ ما مضى من جهلهِ).

سألَ الفضيلُ بن عياض رجلاً فقالَ لهُ: كم عُمركَ ؟ فقال الرجلُ : ستونَ سنة. فقالَ لهُ الفضيلُ : فأنتَ منذُ ستينَ سنةٍ تسيرُ إلى ربكَ توشكُ أن تَصل، فقالَ الرجلُ : إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون .

فقالَ الفضيلُ : أتعرفُ تفسيرَ ذلك- تقولُ إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعُون- فمن عرفَ أنَّهُ للهِ عبد، إليهِ راجعٌ فليعلم أنَّهُ موقوف, ومن علمَ أنَّهُ موقوفٌ فليعلم أنَّهُ مسؤول، فليعد للسؤالِ جواباً، فقالَ الرجلُ: ما الحيلةُ ؟ قال : يسيرةٌ . قال : ما هي ؟

قال : تُحسِنَ فيما بقيَّ يُغفر لك ما مضى, فإنَّكَ إن أسأتَ فيما بقي أُخذتَ بما مضى وما بقي .
وإنَّ امرأً سارَ ستينَ حجَّـةً إلى منهلٍ من وردهِ لقريبُ

ألا فطوبى لمن طالَ عُمرُهُ وحسُنَ عمله, وويلٌ لمن طالَ عُمرُهُ وساءَ عمله, كِبَرُ السنِّ لا يمنعُ من اكتسابِ الفضائلِ والمسابقةِ إلى الأعمالِ الصالحة, فالشيبُ نورٌ ووقار, عن كعبِ بن مُرةَ t قال : قال رسولُ الله r : (( مَن شابَ شَيْبَةً في الإسْلامِ كانَت لَهُ نُورَاً يومَ القِيَامَة )) . [صححه الألباني] .

يقول كبيرُ همَّةٍ مِن هَؤلاء :
مَـا شَابَ عَزْمِي وَلا حَزْمِي وَلا خُلُقِي وَلا وَلائِـي وَلا دِيـنِي وَلا كَرَمِـي
وَإِنَّمَـا طَـالَ رَأْسِـي غَيْـر صبغَتِـِه وَالشَّيْبُ فِي الرَّأْسِ غَيْرُ الشَّيْبِ فِي الهِمَمِ

قال البخاري في كتابِ العلم: ( وقد تعلَّم أصحابُ النبيِّ r في الكِبَرِ ) واجتهدَ أبو موسى الأشعري t اجتهاداً شديداً فقيلَ لهُ: لو أمسكتَ ورفقتَ بنفسك ؟ فقالَ: إنَّ الخيلَ إذا أُرسلت للسباقِ فقاربتِ الوصولَ أخرجت جميعَ ما عندها, والذي بقي من أجَلِي قليل .

وقال بلالُ بن سعد: عبادَ الله: اعلموا أنَّكُم تعملونَ في أيامٍ قِصَار لأيَّامٍ طِوَال, وفي دارِ زوالٍ لدارِ مُقام, وفي دارِ نَصَبٍ وحُزنٍ لدارِ نعيمٍ وخُلد.
لَعَمْـرُكَ مَا الأيَّامُ إلاَّ مُعَـارَةٌ فمَا اسْطَعْتَ عَنْ مَعْرُوفِهَا فَتَـزَوَّدِ

فبادر وليكن لكَ نصيبٌ من قولِ عمرو بن قيس: [إذا بلغكَ شيءٌ من الخيرِ فاعمل بهِ ولو مرَّةً تَكُنْ من أهله.

قال سفيانُ الثوري : رأيتُ شيخاً كبيراً في السنِ في مسجدِ الكوفة يقول : أنا في هذا المسجدِ منذُ ثلاثينَ سنةً أنتظرُ الموتَ أن ينزلَ بي, ولو أتاني ما أمرتُهُ بشيءٍ ولا نهيتهُ عن شيء, ولا لي على أحدٍ شيءٌ ولا لأحدٍ عليَّ شيءٌ.

قال أبو بكرٍ الكتَّاني : كانَ رجلٌ يُحاسبُ نفسهُ, فحسبَ يوماً سِنِنهُ فوجدها ستين سنة, فحسبَ أيامَها فوجدها واحداً وعشرين ألفَ يومٍ وخمسمائةَ يوم، فصرخَ وخرَّ مغشيَّاً عليه, فلمَّا أفاقَ قال: يا ويلتاه أنا آتي ربي بواحدٍ وعشرين ألفَ ذنبٍ وخمسمائة ذنب ؟ هذا لو كان ذنبٌ واحدٌ في كل يوم، فكيف وبذنوبٍ لا تُحصى .
ألا فاتقوا الله عبادَ الله ، وأحسنوا وتزودوا بالعملِ الصالحِ قبلَ فواتِ الأعمارِ، وحلولِ الآجال, وفقنا اللهُ وإيَّاكم للعلمِ النافعِ والعمل الصالح .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى