مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د . سعد بن عبدالله الحميد
صفات شريكة الحياة
إِنَّ الحَمد َللهِ نَحْمدُهُ تَعَالَىْ وَنَسْتعيْنُهُ وَنَسْتغفِرهُ وَنَسْتهديْهْ، وَنعوْذُ بِاللهِ مِنْ شُروْرِ أَنفُسِنَا وَسَيئَاتِ أَعْمالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاْ مُظِلَ لَهْ, وَمَنْ يُظلِلْ فَلَنْ تَجدَ لَهُ وَلِياً مُرْشِدَا، وَأَشْهدُ أَنَ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهْ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمدُ وَهُوَ عَلَىْ كُلِ شَيْءٍ قَدِيْرْ، وَأَشْهَدُ أَن سَيِدَنَا وَحَبِيْبَنَا مُحمدٌ- صَلىْ اللهُ عَليْهِ وَعَلىْ آلِهِ وَصَحبِهِ وَسَلمَ- تَسلِيْماً كَثيْراً إِلىْ يَوْمِ الدِيْنْ .
أَيُهَا النَاْسْ :
َقُولُ اللهُ تَباركَ وتَعالى فِيْ كِتابهِ الكَريمْ: (( وانْكِحُوْا الأَيَامىْ مِنكمْ والصَالحينَ مِنْ عِبَادكُم وإِمَائِكمْ إِنْ يَكُونُوْا فُقَراءَ يُغْنِهمُ اللهُ مِنْ فَضلهِ واللهُ وَاسعٌ عَليمْ)).
ويَقولُ تَعالىْ: (( إِنَّ أَكْرمكُم عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ )), مِنْ هَذِهِ الآيَاتِ نَسْتنبطُ أَنَّ الإِسلامَ حضَّ عَلىْ حُسنِ اخْتِيارِ الزَوجِ أو الزَوجةِ مِنْ ذَوي الأَخلاقِ والصَلاحِ والدِينِ والعِفةْ. فَفِي هَذِه الآيَاتِ لَمْ يَشترطْ مِن أَمرِ الكَفاءَةِ فِي الزَوجِ إِلاَّ الصَلاحْ، وهُوَ الدِينُ وحُسنُ الخُلقِ والقُدرةُ عَلى النِكاحْ، ولَمْ يَشْترطْ الغِنَى، بَلْ وَعَدَ اللهُ فِيهَا بِأَنَّهُ يُغنيْ الفُقراءَ مِن الأَزواجْ، وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاًً, وأَمَّا كَفَاءةُ النَسبِ والمَالِ فَليسَ لَها وَزْنٌ فِي الإِسلامْ، فَقدْ زَوَّجَ رَسولُ r ابْنَةَ عَمَّتِهِ مِن زَيدِ بنِ حَارثةْ، وزَوَّجَ عَبدُ الرَحمنِ بنِ عوفٍ أخْتَهُ مِنْ بِلالِ الحَبشيْ، وزَوجَ أَبُو حُذَيفةَ سَالمَاً مِن هِندِ بنتِ الوليدِ بنِ عُتبةٍ بنِ ربيعةٍ، وهُوَ مَولَى لامرأَةٍ مِن الأَنصارْ، فَقدْ رَوى البُخاريُّ والنِسَائِيُّ عَن عَائشةَ- رَضيَ اللهُ عَنهَا-: أَنَّ أَبَا حُذيفةِ بنِ عُتبةِ بنِ رَبيعةِ بنِ عبدِ شمسْ، وكَانَ شَهدَ بَدراً مَع رَسولِ اللهِ r قَدْ تَبنَّى سَالماً، وانْكَحهُ بِنتَ أخِيهِ هِندَ بنتِ الولِيدِ بنِ عُتبةِ بنِ ربيعةِ، وهُوَ مَولى لامرأَةٍ مِن الأَنصارِ _ كَمَا تبنَّى رَسولُ اللهِ r زَيداً, وكَانَ مَن تَبَنَّى رَجلاً فِي الجَاهليةِ دَعاهُ النَاسُ لأَبيهِ، فَورثَ مِن مِيراثِهِ، حَتَّى أَنْزلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ فِي ذَلكَ: (( ادْعُوهمْ لآبَائِهِم هُوَ أَقسَطُ عِندَ اللهْ ، فإِنِ لَمْ تَعلمُوْا آبَائَهُم فإِخْوَانُكم فِي الدِينِ ومَوالِيكُمْ )) , فَمنْ لَمْ يُعلمُ لَهُ أَبٌ كَانَ مَولَى وأخَاً فِي الدِينْ، والشَّاهِدُ مِنهُ زَواجُ سالِمٍ مِن هِندِ بنتِ الوليدْ, وأَمَّا زَيدُ بنُ حَارثَةِ فزَواجُهُ مِن زَينبٍ بِنتِ جَحشٍ- رَضيَ اللهُ عَنها- مَذكُورٌ فِي القُرآن الكَريمْ ، وهِي التِي تَزوجَهَا الرَسولُ r بَعدهْ, وأَمَّا هِندُ بنتُ الوليدِ قد تَزوجَهَا سَالمْ, فَفيْ بَعضِ الرِواياتْ : (( كَانتْ هِندُ بنتُ الوليدِ بنِ عُتبةٍ مِن المُهاجرَاتِ الأُوَلْ، وهِيَ يَومئذٍ أَفضلُ أيامي قُريشْ, فَلمْ يَمنعْ هَذَا مِن زَواجِ سالمٍ بِهَا. ثُمَّ إِنَّهُ r زَوَّجّ أُمامَةَ بنَ زَيدٍ وَهُوَ ابنُ مَولاه مِن فَاطمةَ بنتِ قَيسٍ القُرشيةُ)) رَواهُ مُسلمْ.
وفِي الحَديثِ الذِيْ رَواهُ أَبو دَاوودٍ بإِسنادٍ جَيدٍ عَن أَبي هُريرةٍ- رَضيَ اللهُ عَنهُ-: أَنَّ أَبَا هِندٍ حَجَمَ رَسولَ اللهِ r في نَافُوخِه - يَعنيْ وسَطَ رَأسهِ- فَسمِعتُ رَسولَ اللهِ r يَقُول: (( يَا بَنيْ بَيَاضَة أَنكِحُوا أَبَا هِندٍ وأنْكِحوْا إِليهْ, ثُمَّ قَالَ :وإِنْ كَانَ فِي شَيءٍ مِمَّا تَداوُونَ بِهِ خَيرٌ فَالحِجامَةْ)) , فَهَا هُوَ r يَأمرُ بِتزويجِ الحَجَّامْ, لكِنَّ النَّاسَ لِقِصَرِ فِهمِهِم لا يَذْهبونَ إِلاَّ إِلى المَالِ وشِبهِهِ مِن زَخارفِ الدُنيا, والرَسولُr قَد جَعلَ المِقياسَ لِهذَا هُوَ الدِينْ, كَمَا جَاء فِي الحَديثِ الحَسنِ الذِي روَاهُ التِرمذيُّ أَنَّهُ r قَال: (( إِذَا جَاءكُم مَن تَرضونَ دِينَهُ وخُلقَهُ فَأَنْكحُوهْ, إِلاَّ تَفعلوْا تَكنْ فِتنةٌ فِي الأَرضِ وفَسادْ, قَالوا يَا رَسولَ اللهِ وإِنْ كَانَ فِيهِ-يَعنِي شَيئًا مِن قِلةِ المَالِ أَو عَدمِ الكَفاءَةْ, قَالَ: مَن تَرضونَ دِينهُ وخُلقَهُ فَأنكِحوهْ- ثَلاثَ مَراتْ)) .
إِنَّ الوَاجبَ علَينَا أَنْ نَختارَ للمَرأةِ في النِكاحِ مَن اخْتَارهُ اللهُ ورَسولُهُ r فَإِنهُ نِعمَ الاخْتِيارْ؛ لأَنَّ فِي اتِّصَالِ المَرأَةِ بِهِ خَيرٌ أَو فَلاحْ, إِنْ أَمسكَهَا أَمسكَهَا بِمعرُوفٍ وإِنْ فَارَقهَا فَارقَهَا بِمعروفٍ، لأَنَّ عِندهُ مِن الدِينِ والتَقوى مَا يَمنعُهُ مِن ظُلمِ المَرأةِ والمَطلِ بحَقهَا.
إِنَّ المَظاهِرَ خَداعةْ، وبَعضُ النَاسِ يَهتمُّ بهذهِ المَظاهرْ، ولا يُفتشُ عن المَخَابِيْ، وقَد أَخبرَ اللهُ عَنْ بَعضِ المَظاهرِ الخَداعةِ فَقَال: (( وإِذَا رَأيتَهمْ تُعجبُكَ أَجسامُهم وإِنْ يَقولوْا تَسمعْ لِقولِهمْ)) .
لكنَّ الحُكمَ الصَحيحَ عَلى هَؤُلاءِ ((كأنَّهُم خُشبٌ مُسندةْ )) .
ورَوى البُخَاريُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ مَرَّ عَلى النَبِي r رَجلٌ فَقَال: ((مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا حَريُّ إِنْ خَطبَ أَنْ يَنكحْ، وإِنْ شَفعَ أَنْ يُشفعْ ، وإِنْ قَالَ أَنْ يُسمعْ ، ثُمَّ سَكتَ، فَمرَّ رَجلٌ مِن فُقراءِ المُسلمينَ فَقَالَ النَبِيr : مَا تَقولُونَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا حَريٌّ إِنْ خَطبَ ألاَّ يَنكحْ، وإِنْ شَفعَ أَلاَّ يُشَفعْ، وإِنْ، قَالَ أَلاَّ يُسمعْ، فَقالَ رَسولُ اللهِ: هَذَا خَيرٌ مِنْ مِلءِ الأَرضِ مِن مِثلِ هَذَا)) . فجَعلَ الفَقيرَ خَيراً مِن مِلءِ الأَرضِ مِن ذَاكَ العَظيمُ فِي أَعينِ النَاسْ.
إِنَّ اللهَ قَدْ حَملنَا أَمانَةً، وعَلينَا أَنْ نُؤَديْ الأَمانَةَ كَمَا أَمرَنَا وأَلاَّ نُفرطَ فِيهَا, وهَذهِ الأَمَانَةُ هِيَ هَذهِ المِسكينَةُ الضَعيفَةُ التِي نَملكُ زِمَامَهَا، فَلا نَضَعُها إِلاَّ عِندَ إِنسانٍ تَبرأُ ذِمتُناَ بِوضْعِها عِندَهْ، حَيثُ أَنَّ هُناكَ بَعضُ الرِجالِ فِي الوَقتِ الحَاضرِ لا يَصلحُوا لأَنْ يُزَوجُوا؛ لأَنهُم بِسببِ تَفريطِهم فِي أَوامرِ دِينهمْ قَد ابْتلاهُمُ اللهُ بِبَعضِ الأَمراضْ, فَمنْ ذَلك أَنَّ النَاس اليَومَ انْهمَكوا فِي السَفرِ للخَارجِ، وهنَاكَ يَنزعون رِداءَ الحَياءِ، ويُبيحُوا لأَنفسهِمْ مَا حَرم اللهُ عَليهمْ، فَيزْنُون ويَلُوطُون ويَشربُونَ المُسكراتْ، ومَا إِلى ذَلكَ مِما نَهى اللهُ عنهْ.
لِذا فَقدِ انْتَشرتْ فِيهمْ كَثيرٌ من الأَمراضِ التَناسليةِ والنَفسيةِ وغَيرهَا، فَكثرتْ الإِصابةُ بِمرضِ الإِيدزِ والسَيلانِ، والزَهري وغيْرهَا مِن الأمراضِ الجِنسيةِ، وكَثرتْ لِهذَا السَببِ الأمراضُ النَفسيةُ, والمَقصودُ هُنَا التَّنبيهُ فِي أَخذِ الاحْتِياطِ مِن هَؤلاءِ الشَبابِ الذِينَ يَذهبونَ للخَارجْ, فَإِنَّ كَثيراً مِنهمْ مصَابونَ بِهذهِ الأَمراضْ،
وَليسَ كُلُّ الشَبابِ عَلى هَذهِ الشَاكلةْ، وإِنَّمَا هَذَا حَاصلٌ فِي البَعضْ, والبَعضُ مِنهمْ يُوجدُ فِيهمْ مَنْ هُو مُلتزمٌ بِأُمورِ دِينهْ، ومِمَّا يَنبغيْ لَنَا مَعرفتُهُ، أَنَّ المُسلمةَ لا يَجوزُ لَها أَنْ تَتزوجَ زَانياً، ولا يَجوزُ للمسلمِ أَنْ يَتزوجَ بِزانيةْ، قَالَ تَعالىْ : (( الزَانِي لا يَنكحُ إِلاَّ زَانيةً أو مُشركةْ، والزَانيةُ لا يَنكحُها إِلاَّ زَانٍ أَو مُشركٌ وحُرمَ ذَلكَ عَلى المُؤمنِينْ)) [1] .
قَالَ ابْنُ كَثيرٍ فِي تَفسيرِ هذِهِ الآيةِ:( أَي حَرَّمَ تَعاطِي الزِنَا والتَّزوجِ بالبغَايا، أَو تَزويجِ العَفائِفِ بالرِّجالِ الفُجارِ), ويَقولُ الرَّسولُ r فِي الحَديثِ الحَسنِ الذِي روَاهُ أَبُو دَاوودْ: ((لا يَنكحُ الزَّاني المَجلودُ إِلاَّ مِثلهُ)) أَي زَانيةٍ مِثلَهْ. والمَرأةُ التِي تَتزوجُ بِرجلٍ فَاسقٍ، سَيصبحُ مُستقبَلُها مُهدداً بالكَوارِثِ, فَهيَ إِمَّا أَنْ تَفقدَ دِينَهَا بارْتِكابِ المُحرمَاتْ, وإِمَّا أَنْ تَعيشَ بَائِسةً شَقيةً إِذَا كَانتْ مُتدينةْ, وقَدْ ذَكرَ الشَيخُ مَحمودٌ التَّانْبولي: أَنَّهُ عَلمَ أَنَّ فَتاةً تَزوجَتْ شَاباً يَشربُ الخَمرْ، فَسَافَرَ بِها لِقَضاءِ شَهرِ العَسلِ فِي بَلدةٍ عَربيةٍ إِباحيةٍ، فَأَجبرهَا زَوجُها عَلى الشُربِ مَعهُ فِي اللَيلةِ الأُولى قَبلَ الدُخولِ بِها، فَسَكرتْ وسَكرْ، ثُمَ خَرجتْ مِن غُرفَتهَا لِقضَاءِ حَاجَتهَا، ولَمَا رَجعتْ دَخلتْ غُرفةً غَيرِ غُرفَتِها بِسببِ السُكرْ، وكَانَ فِيها رَجلٌ فَافْترسَهَا وبَقيتْ عِندَهُ إِلى الصَّباحْ، وكَانَ زَوجهَا قد اسْتسلمَ للنَّومِ نَتيجةَ السُكرْ, فَكانَ مَا كَانَ، فَظُنَّ شَرَّاً ولا تَسْأَلْ عَن الخَبَرْ.
فا سغفرُ الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
إِنَّ الحَمد َللهِ نَحْمدُهُ تَعَالَىْ وَنَسْتعيْنُهُ وَنَسْتغفِرهُ وَنَسْتهديْهْ، وَنعوْذُ بِاللهِ مِنْ شُروْرِ أَنفُسِنَا وَسَيئَاتِ أَعْمالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاْ مُظِلَ لَهْ, وَمَنْ يُظلِلْ فَلَنْ تَجدَ لَهُ وَلِياً مُرْشِدَا، وَأَشْهدُ أَنَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهْ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمدُ وَهُوَ عَلَىْ كُلِ شَيْءٍ قَدِيْرْ، وَأَشْهَدُ أَن سَيِدَنَا وَحَبِيْبَنَا مُحمدٌ- صَلىْ اللهُ عَليْهِ وَعَلىْ آلِهِ وَصَحبِهِ وَسَلمَ- تَسلِيْماً كَثيْراً إِلىْ يَوْمِ الدِيْنْ .
أَيُهَا النَاْسْ :
وَكَمَا أَنَّهُ يَنبغِي لَنَا أَنْ نَحرصَ عَلى اخْتِيارِ الشَّابِّ المُستقيمِ فِي الزَّوجِ مِمنْ مَلَّكنَا اللهُ أَمْرهَا ، فَإِنَّ الرَجلَ الذِيْ يُريدُ الزَّواجَ لابُدَّ أَنْ يَختَارَ المَرأةَ المُستقيمةَ الحَصينةَ العَفيفةْ، فَفي الحَديثِ الذِيْ رَواهُ البُخاريُّ ومُسلمٌ أَنَّ النَّبيَّr قَالْ: (( تُنْكحُ المَرأَةُ لأَربعْ : لِمالِهَا ولِحَسبهَا ولِجَمالِهَا ولِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَربتْ يَداَكْ)) , ورَوى مُسلمُ أَنَّهُ r قَالَ : ((الدُّنْيَا مَتاعٌ وخَيرُ مَتاعِهَا المَرأَةُ الصَالحَةْ)), فالمَرأَةُ ذَاتُ الدِّينِ لا تَنْخدِعْ لِهَواهَا، وَلا تُرَخِّصُ لِنفسِهَا، ولا تُهملُ شَأْنَ بَيتِهَا، ولا تَغْفَلُ عَنْ تَربيَةِ أَبنَائِهَا وتَأْديبِهمْ وإِصلاحِ شَأْنِهمْ، ولا تُهملْ حُقوقَ زَوجِهَا، فَالدِّينُ يَحُدُّ مِن قُوتَيْ الغَضبِ والشَهوةِ، ويَكفِي أَنَّهُ عِلاجٌ نَاجحٌ لِشفَاءِ النِّفوسْ، ووَاقٍ لَهَا مِن فَسادِ الخُلقِ والتَردِّي فِي هَاويَةِ الرَّذائلِ, ورَغباتُ الرِّجالِ في النِّسَاء تَخْتلفُ مِنْ شَخصٍ لأَخرْ، وعَلىْ كُلِّ شَيءٍ يَقعُ شَكلهْ، ويَميلُ إِليْهِ مِثْلُهْ، والأَرواحُ جُنودٌ مُجندةٌ، مَا تَعارفَ مِنها ائْتَلفْ، ومَا تَنَافَرَ منْهَا اخْتَلفْ، والمَرأةُ لا تُحَبُّ ولا تُخْطَبُ إلا لِخِصْلةٍ مِن أَربعِ خِصالٍ، هُنَّ جِمَاعُ الشَّرفِ ومُلتَقَى العِزِّ, ومنتهى الكرامة, وهِيَ المَالُ والجَمالُ، والحَسبُ والدِّينْ، وكَمْ نُكِحتْ مِنْ فَتاةٍ لا تَصلحْ أَنْ تَكونَ زَوجَةْ، ولا يُسْتعَانُ بِها عَلى خَيرٍ, وإِنَّمَا هِيَ ذَاتُ مَالٍ تَملكُ بِهِ نَفسَ اللَّئِيمْ, وتَتَّخذهُ ذ َلُولاً يُسيِّرُ الأَرضَ ويَسقي الحَرثْ، وتَحسبُهُ خَادِماً وزَوجَاً فِي آنٍ وَاحدْ، وقَد يَكونُ لَهُ مَالٌ يُغنيهِ، ويَستطيعُ بِهِ أَنْ يَتزوجَ مِن تَسرهُ إِذَا حَضَر، وتُعجِبهُ إِذَا نَظرْ، ولَكنَّهُ يَتَرفَّعُ عَن التَّزوجِ بالفَقيرةْ، ويَرى فِي ذَلكَ مَنْقصةً عَليْهْ، ويَتَّقي قَولَ مَن يَنسِبُهُ إِلى البُخلْ، ويُعيرُهُ بمُصَاهرةِ الفُقراءْ، فكَمْ مِن فَتاةٍ لا تَملكُ شَيئاً تَزوجَتْ فَكَانتْ سبَباً فِي سَعادةِ الرَّجلِ ومِفتاحاً لِبَابِ رِزقهْ.
وذَاتُ الجَمالِ التِيْ تَرى نَفسَها قُطِعتْ مِن الشَّمسْ، أَو صِيغَتْ مِن القَمرْ، تَفرضُ إِرادَتَها عَلى الرِّجَال، وتَنتعِلُ وجُوهَ خُطَّابِها، وتَهزأُ بِعُشاقِها, وإِذَا تَزَوجتْ فَهِيَ الحَاكِمُ المُطلقْ، وهِيَ الآمِرةُ النَّاهيةْ، تَقولُ: أُرِيدُ ولا أُريدْ، فَيَقُولُ: أَنتِ السَّيدةُ المَالكةْ ونَحنُ كُلنَا عَبيدْ، تَتدلَّلُ عَليهِ بِجَمالهَا وتَقولُ لَهُ: سُبحانَ مَن أَعطاكَ مَالا تَستحِقهُ، ومِثلكَ فِي الرِّجالِ كَثيرٌ، ومِثلي في النِّساءِ قَليلٌ، فَلا يَملأُ عَينَها, والحَسينةُ المُفتخرةُ بِآبَائِها، والمُعتزةُ بِقومِها وعَشيرتِها، تَحتقر مَن لا يُدَانيهَا، وتَفتخِرُ عَلى مَن لا يُضَاهِيها، وأَقَلُّ مَا يُسمعُ مِنها التَّعاظُم، وفَعلَ أَبي وصَنعَ جَدِّي، وإِذَا غَضبتْ عَليهِ قَالتْ:
ومَا هِندُ إِلا مُهرَةٌ عَربيَّةٌ سلالةَ أَفراسٍ تَحللَهَا بَغلُ
فَإِن ولَدتْ فَحلاً فَمنْ طِيبِ أَصلهَا وإِنْ ولَدتْ بَغلاً فَمنْ ذَلكَ البَغلُ وذَاتُ الدِّينِ هِيَ الزَّوجةُ الصَّالحةُ والتِّجارةُ الرَّابحةْ، تَعرفُ ما لَهَا فَتَطلبهُ بِالمَعروفْ، لا تَتَجاوزُهُ ولا تَتَعداهْ، بَلْ قَد تُسامِحُ زَوجَها إِذَا قَعَدَ فِيمَا عَليهِ لَهَا، وتَغُضُّ طَرفَهَا عَن تَتَبُّعِ هَفَواتِهِ وزَلاتِهْ، و لا تُحاسِبهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ يَقعُ مِنهْ، وتَعرفُ حَقهُ عَليهَا، فَلا تَسُوءُهُ إِذَا حَضرْ، ولا تَخنُهُ إِذَا غَابْ، وهِي قُرَّةُ عَينِهْ ، تَقومُ بِتربيةِ أَولادِهِ والعِنايَةِ بِشَأنِهمْ، فَهِيَ أُمَُ شَفيقَهْ، وزَوجةٌ صَالحةْ، وأُسْتَاذٌ حَكيمْ، ورَاعٍ يَقُومُ بحَقِّ الرِّعَايةْ, ومَنْ هِيَ هَذِهِ الزَّوجةُ غَيرُ التِيْ يَحثُّ الشَّارعُ الحَكيمُ عَلى تَحصِيلهَا، ويَدعُوا عَلى مَنْ أَرَادَ غَيرَها وطَلبَ سِواهَا؟ هِيَ ذَاتُ الدِّينِ لا بَاركَ اللهُ لِمَنْ يَزهدُ فِيهَا، ويَرغَبُ عَنها، ويَراهَا غَيرَ صَالحةْ.
ولَيسَ مَعنَى ذَلكَ أَنَّ مَطلبَ الجَمالِ لَيسَ مَقْصُوداً، وإِنَّمَا المُرادُ ألاَّ يَقْتَصِرَ عَليهِ الزَّوجُ فِي طَلبِ الزَّواجْ، أَو أَنْ يَجْعلَهُ أَكبرَ هَمِّهْ، وإلاَّ فَإِنَّ للجَمالِ اعْتِبارُهُ كَمَا يَتَّضحُ مِنْ حَديثِ : ))انْظرْ إِليهَا فَإنَّهُ أَحرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَينكُمَا ((.
وَختَاماً صَلوْا وَسَلِمُوْا عَلَىْ خَيْرِ الْوَرىْ, مُحمدٌ المُصطفَىْ، الْلَهُمَ صَليْ عَلىْ مُحمدٍ عَبدِكَ وَنَبيكَ وَرسُولكَ النَبيٍ الأُميٍ، وعَلىْ آلهِ وَصحبِهِ وَسلمْ تَسْليماً كَثيراً إِلىْ يَومِ الدِينْ، وَأَرضَ اللَهُمَ عَنْ سَادتِنا أَبِيْ بَكرٍ وعُمرٍ وَعُثمانٍ وَعَليٍ، وَعَنْ الصَحابةِ أَجمَعينْ وَعَن التَابِعِينَ وَمَنْ تَبعهمْ بِإِحسانٍ إِلىْ يَومِ الدِينْ.
أَيهاْ النَاسْ :
إِنَّ اللهَ يَأمركُمْ بِثلاثٍ فَاتَبعوهَا، وَينَهاكُم عَنْ ثَلاثٍ فاجْتنِبوهَا، إِنَّ اللهَ يَأْمركُمْ بِالعَدلِ وَالإِحْسانِ، وَإِيتاءِ ذِيْ القُربَىْ، وَيَنهَاكُمْ عَن الفَحشَاءِ وَالمُنكرِ وَالبَغيِ يَعِضُكمْ لَعَلكمْ تَذكرونْ، فَاذكرُوا اللهَ العَظيمَ الجَليلَ يَذكركُمْ وَاشْكروهُ عَلىْ نِعمهِ يَزِدكُمْ وَلَذِكرُ اللهِ أَكبرُ واللهُ يَعلمُ مَا تَصنعُونْ.
صفات شريكة الحياة
إِنَّ الحَمد َللهِ نَحْمدُهُ تَعَالَىْ وَنَسْتعيْنُهُ وَنَسْتغفِرهُ وَنَسْتهديْهْ، وَنعوْذُ بِاللهِ مِنْ شُروْرِ أَنفُسِنَا وَسَيئَاتِ أَعْمالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاْ مُظِلَ لَهْ, وَمَنْ يُظلِلْ فَلَنْ تَجدَ لَهُ وَلِياً مُرْشِدَا، وَأَشْهدُ أَنَ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهْ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمدُ وَهُوَ عَلَىْ كُلِ شَيْءٍ قَدِيْرْ، وَأَشْهَدُ أَن سَيِدَنَا وَحَبِيْبَنَا مُحمدٌ- صَلىْ اللهُ عَليْهِ وَعَلىْ آلِهِ وَصَحبِهِ وَسَلمَ- تَسلِيْماً كَثيْراً إِلىْ يَوْمِ الدِيْنْ .
أَيُهَا النَاْسْ :
َقُولُ اللهُ تَباركَ وتَعالى فِيْ كِتابهِ الكَريمْ: (( وانْكِحُوْا الأَيَامىْ مِنكمْ والصَالحينَ مِنْ عِبَادكُم وإِمَائِكمْ إِنْ يَكُونُوْا فُقَراءَ يُغْنِهمُ اللهُ مِنْ فَضلهِ واللهُ وَاسعٌ عَليمْ)).
ويَقولُ تَعالىْ: (( إِنَّ أَكْرمكُم عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ )), مِنْ هَذِهِ الآيَاتِ نَسْتنبطُ أَنَّ الإِسلامَ حضَّ عَلىْ حُسنِ اخْتِيارِ الزَوجِ أو الزَوجةِ مِنْ ذَوي الأَخلاقِ والصَلاحِ والدِينِ والعِفةْ. فَفِي هَذِه الآيَاتِ لَمْ يَشترطْ مِن أَمرِ الكَفاءَةِ فِي الزَوجِ إِلاَّ الصَلاحْ، وهُوَ الدِينُ وحُسنُ الخُلقِ والقُدرةُ عَلى النِكاحْ، ولَمْ يَشْترطْ الغِنَى، بَلْ وَعَدَ اللهُ فِيهَا بِأَنَّهُ يُغنيْ الفُقراءَ مِن الأَزواجْ، وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاًً, وأَمَّا كَفَاءةُ النَسبِ والمَالِ فَليسَ لَها وَزْنٌ فِي الإِسلامْ، فَقدْ زَوَّجَ رَسولُ r ابْنَةَ عَمَّتِهِ مِن زَيدِ بنِ حَارثةْ، وزَوَّجَ عَبدُ الرَحمنِ بنِ عوفٍ أخْتَهُ مِنْ بِلالِ الحَبشيْ، وزَوجَ أَبُو حُذَيفةَ سَالمَاً مِن هِندِ بنتِ الوليدِ بنِ عُتبةٍ بنِ ربيعةٍ، وهُوَ مَولَى لامرأَةٍ مِن الأَنصارْ، فَقدْ رَوى البُخاريُّ والنِسَائِيُّ عَن عَائشةَ- رَضيَ اللهُ عَنهَا-: أَنَّ أَبَا حُذيفةِ بنِ عُتبةِ بنِ رَبيعةِ بنِ عبدِ شمسْ، وكَانَ شَهدَ بَدراً مَع رَسولِ اللهِ r قَدْ تَبنَّى سَالماً، وانْكَحهُ بِنتَ أخِيهِ هِندَ بنتِ الولِيدِ بنِ عُتبةِ بنِ ربيعةِ، وهُوَ مَولى لامرأَةٍ مِن الأَنصارِ _ كَمَا تبنَّى رَسولُ اللهِ r زَيداً, وكَانَ مَن تَبَنَّى رَجلاً فِي الجَاهليةِ دَعاهُ النَاسُ لأَبيهِ، فَورثَ مِن مِيراثِهِ، حَتَّى أَنْزلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ فِي ذَلكَ: (( ادْعُوهمْ لآبَائِهِم هُوَ أَقسَطُ عِندَ اللهْ ، فإِنِ لَمْ تَعلمُوْا آبَائَهُم فإِخْوَانُكم فِي الدِينِ ومَوالِيكُمْ )) , فَمنْ لَمْ يُعلمُ لَهُ أَبٌ كَانَ مَولَى وأخَاً فِي الدِينْ، والشَّاهِدُ مِنهُ زَواجُ سالِمٍ مِن هِندِ بنتِ الوليدْ, وأَمَّا زَيدُ بنُ حَارثَةِ فزَواجُهُ مِن زَينبٍ بِنتِ جَحشٍ- رَضيَ اللهُ عَنها- مَذكُورٌ فِي القُرآن الكَريمْ ، وهِي التِي تَزوجَهَا الرَسولُ r بَعدهْ, وأَمَّا هِندُ بنتُ الوليدِ قد تَزوجَهَا سَالمْ, فَفيْ بَعضِ الرِواياتْ : (( كَانتْ هِندُ بنتُ الوليدِ بنِ عُتبةٍ مِن المُهاجرَاتِ الأُوَلْ، وهِيَ يَومئذٍ أَفضلُ أيامي قُريشْ, فَلمْ يَمنعْ هَذَا مِن زَواجِ سالمٍ بِهَا. ثُمَّ إِنَّهُ r زَوَّجّ أُمامَةَ بنَ زَيدٍ وَهُوَ ابنُ مَولاه مِن فَاطمةَ بنتِ قَيسٍ القُرشيةُ)) رَواهُ مُسلمْ.
وفِي الحَديثِ الذِيْ رَواهُ أَبو دَاوودٍ بإِسنادٍ جَيدٍ عَن أَبي هُريرةٍ- رَضيَ اللهُ عَنهُ-: أَنَّ أَبَا هِندٍ حَجَمَ رَسولَ اللهِ r في نَافُوخِه - يَعنيْ وسَطَ رَأسهِ- فَسمِعتُ رَسولَ اللهِ r يَقُول: (( يَا بَنيْ بَيَاضَة أَنكِحُوا أَبَا هِندٍ وأنْكِحوْا إِليهْ, ثُمَّ قَالَ :وإِنْ كَانَ فِي شَيءٍ مِمَّا تَداوُونَ بِهِ خَيرٌ فَالحِجامَةْ)) , فَهَا هُوَ r يَأمرُ بِتزويجِ الحَجَّامْ, لكِنَّ النَّاسَ لِقِصَرِ فِهمِهِم لا يَذْهبونَ إِلاَّ إِلى المَالِ وشِبهِهِ مِن زَخارفِ الدُنيا, والرَسولُr قَد جَعلَ المِقياسَ لِهذَا هُوَ الدِينْ, كَمَا جَاء فِي الحَديثِ الحَسنِ الذِي روَاهُ التِرمذيُّ أَنَّهُ r قَال: (( إِذَا جَاءكُم مَن تَرضونَ دِينَهُ وخُلقَهُ فَأَنْكحُوهْ, إِلاَّ تَفعلوْا تَكنْ فِتنةٌ فِي الأَرضِ وفَسادْ, قَالوا يَا رَسولَ اللهِ وإِنْ كَانَ فِيهِ-يَعنِي شَيئًا مِن قِلةِ المَالِ أَو عَدمِ الكَفاءَةْ, قَالَ: مَن تَرضونَ دِينهُ وخُلقَهُ فَأنكِحوهْ- ثَلاثَ مَراتْ)) .
إِنَّ الوَاجبَ علَينَا أَنْ نَختارَ للمَرأةِ في النِكاحِ مَن اخْتَارهُ اللهُ ورَسولُهُ r فَإِنهُ نِعمَ الاخْتِيارْ؛ لأَنَّ فِي اتِّصَالِ المَرأَةِ بِهِ خَيرٌ أَو فَلاحْ, إِنْ أَمسكَهَا أَمسكَهَا بِمعرُوفٍ وإِنْ فَارَقهَا فَارقَهَا بِمعروفٍ، لأَنَّ عِندهُ مِن الدِينِ والتَقوى مَا يَمنعُهُ مِن ظُلمِ المَرأةِ والمَطلِ بحَقهَا.
إِنَّ المَظاهِرَ خَداعةْ، وبَعضُ النَاسِ يَهتمُّ بهذهِ المَظاهرْ، ولا يُفتشُ عن المَخَابِيْ، وقَد أَخبرَ اللهُ عَنْ بَعضِ المَظاهرِ الخَداعةِ فَقَال: (( وإِذَا رَأيتَهمْ تُعجبُكَ أَجسامُهم وإِنْ يَقولوْا تَسمعْ لِقولِهمْ)) .
لكنَّ الحُكمَ الصَحيحَ عَلى هَؤُلاءِ ((كأنَّهُم خُشبٌ مُسندةْ )) .
ورَوى البُخَاريُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ مَرَّ عَلى النَبِي r رَجلٌ فَقَال: ((مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا حَريُّ إِنْ خَطبَ أَنْ يَنكحْ، وإِنْ شَفعَ أَنْ يُشفعْ ، وإِنْ قَالَ أَنْ يُسمعْ ، ثُمَّ سَكتَ، فَمرَّ رَجلٌ مِن فُقراءِ المُسلمينَ فَقَالَ النَبِيr : مَا تَقولُونَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا حَريٌّ إِنْ خَطبَ ألاَّ يَنكحْ، وإِنْ شَفعَ أَلاَّ يُشَفعْ، وإِنْ، قَالَ أَلاَّ يُسمعْ، فَقالَ رَسولُ اللهِ: هَذَا خَيرٌ مِنْ مِلءِ الأَرضِ مِن مِثلِ هَذَا)) . فجَعلَ الفَقيرَ خَيراً مِن مِلءِ الأَرضِ مِن ذَاكَ العَظيمُ فِي أَعينِ النَاسْ.
إِنَّ اللهَ قَدْ حَملنَا أَمانَةً، وعَلينَا أَنْ نُؤَديْ الأَمانَةَ كَمَا أَمرَنَا وأَلاَّ نُفرطَ فِيهَا, وهَذهِ الأَمَانَةُ هِيَ هَذهِ المِسكينَةُ الضَعيفَةُ التِي نَملكُ زِمَامَهَا، فَلا نَضَعُها إِلاَّ عِندَ إِنسانٍ تَبرأُ ذِمتُناَ بِوضْعِها عِندَهْ، حَيثُ أَنَّ هُناكَ بَعضُ الرِجالِ فِي الوَقتِ الحَاضرِ لا يَصلحُوا لأَنْ يُزَوجُوا؛ لأَنهُم بِسببِ تَفريطِهم فِي أَوامرِ دِينهمْ قَد ابْتلاهُمُ اللهُ بِبَعضِ الأَمراضْ, فَمنْ ذَلك أَنَّ النَاس اليَومَ انْهمَكوا فِي السَفرِ للخَارجِ، وهنَاكَ يَنزعون رِداءَ الحَياءِ، ويُبيحُوا لأَنفسهِمْ مَا حَرم اللهُ عَليهمْ، فَيزْنُون ويَلُوطُون ويَشربُونَ المُسكراتْ، ومَا إِلى ذَلكَ مِما نَهى اللهُ عنهْ.
لِذا فَقدِ انْتَشرتْ فِيهمْ كَثيرٌ من الأَمراضِ التَناسليةِ والنَفسيةِ وغَيرهَا، فَكثرتْ الإِصابةُ بِمرضِ الإِيدزِ والسَيلانِ، والزَهري وغيْرهَا مِن الأمراضِ الجِنسيةِ، وكَثرتْ لِهذَا السَببِ الأمراضُ النَفسيةُ, والمَقصودُ هُنَا التَّنبيهُ فِي أَخذِ الاحْتِياطِ مِن هَؤلاءِ الشَبابِ الذِينَ يَذهبونَ للخَارجْ, فَإِنَّ كَثيراً مِنهمْ مصَابونَ بِهذهِ الأَمراضْ،
وَليسَ كُلُّ الشَبابِ عَلى هَذهِ الشَاكلةْ، وإِنَّمَا هَذَا حَاصلٌ فِي البَعضْ, والبَعضُ مِنهمْ يُوجدُ فِيهمْ مَنْ هُو مُلتزمٌ بِأُمورِ دِينهْ، ومِمَّا يَنبغيْ لَنَا مَعرفتُهُ، أَنَّ المُسلمةَ لا يَجوزُ لَها أَنْ تَتزوجَ زَانياً، ولا يَجوزُ للمسلمِ أَنْ يَتزوجَ بِزانيةْ، قَالَ تَعالىْ : (( الزَانِي لا يَنكحُ إِلاَّ زَانيةً أو مُشركةْ، والزَانيةُ لا يَنكحُها إِلاَّ زَانٍ أَو مُشركٌ وحُرمَ ذَلكَ عَلى المُؤمنِينْ)) [1] .
قَالَ ابْنُ كَثيرٍ فِي تَفسيرِ هذِهِ الآيةِ:( أَي حَرَّمَ تَعاطِي الزِنَا والتَّزوجِ بالبغَايا، أَو تَزويجِ العَفائِفِ بالرِّجالِ الفُجارِ), ويَقولُ الرَّسولُ r فِي الحَديثِ الحَسنِ الذِي روَاهُ أَبُو دَاوودْ: ((لا يَنكحُ الزَّاني المَجلودُ إِلاَّ مِثلهُ)) أَي زَانيةٍ مِثلَهْ. والمَرأةُ التِي تَتزوجُ بِرجلٍ فَاسقٍ، سَيصبحُ مُستقبَلُها مُهدداً بالكَوارِثِ, فَهيَ إِمَّا أَنْ تَفقدَ دِينَهَا بارْتِكابِ المُحرمَاتْ, وإِمَّا أَنْ تَعيشَ بَائِسةً شَقيةً إِذَا كَانتْ مُتدينةْ, وقَدْ ذَكرَ الشَيخُ مَحمودٌ التَّانْبولي: أَنَّهُ عَلمَ أَنَّ فَتاةً تَزوجَتْ شَاباً يَشربُ الخَمرْ، فَسَافَرَ بِها لِقَضاءِ شَهرِ العَسلِ فِي بَلدةٍ عَربيةٍ إِباحيةٍ، فَأَجبرهَا زَوجُها عَلى الشُربِ مَعهُ فِي اللَيلةِ الأُولى قَبلَ الدُخولِ بِها، فَسَكرتْ وسَكرْ، ثُمَ خَرجتْ مِن غُرفَتهَا لِقضَاءِ حَاجَتهَا، ولَمَا رَجعتْ دَخلتْ غُرفةً غَيرِ غُرفَتِها بِسببِ السُكرْ، وكَانَ فِيها رَجلٌ فَافْترسَهَا وبَقيتْ عِندَهُ إِلى الصَّباحْ، وكَانَ زَوجهَا قد اسْتسلمَ للنَّومِ نَتيجةَ السُكرْ, فَكانَ مَا كَانَ، فَظُنَّ شَرَّاً ولا تَسْأَلْ عَن الخَبَرْ.
فا سغفرُ الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
إِنَّ الحَمد َللهِ نَحْمدُهُ تَعَالَىْ وَنَسْتعيْنُهُ وَنَسْتغفِرهُ وَنَسْتهديْهْ، وَنعوْذُ بِاللهِ مِنْ شُروْرِ أَنفُسِنَا وَسَيئَاتِ أَعْمالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاْ مُظِلَ لَهْ, وَمَنْ يُظلِلْ فَلَنْ تَجدَ لَهُ وَلِياً مُرْشِدَا، وَأَشْهدُ أَنَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهْ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمدُ وَهُوَ عَلَىْ كُلِ شَيْءٍ قَدِيْرْ، وَأَشْهَدُ أَن سَيِدَنَا وَحَبِيْبَنَا مُحمدٌ- صَلىْ اللهُ عَليْهِ وَعَلىْ آلِهِ وَصَحبِهِ وَسَلمَ- تَسلِيْماً كَثيْراً إِلىْ يَوْمِ الدِيْنْ .
أَيُهَا النَاْسْ :
وَكَمَا أَنَّهُ يَنبغِي لَنَا أَنْ نَحرصَ عَلى اخْتِيارِ الشَّابِّ المُستقيمِ فِي الزَّوجِ مِمنْ مَلَّكنَا اللهُ أَمْرهَا ، فَإِنَّ الرَجلَ الذِيْ يُريدُ الزَّواجَ لابُدَّ أَنْ يَختَارَ المَرأةَ المُستقيمةَ الحَصينةَ العَفيفةْ، فَفي الحَديثِ الذِيْ رَواهُ البُخاريُّ ومُسلمٌ أَنَّ النَّبيَّr قَالْ: (( تُنْكحُ المَرأَةُ لأَربعْ : لِمالِهَا ولِحَسبهَا ولِجَمالِهَا ولِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَربتْ يَداَكْ)) , ورَوى مُسلمُ أَنَّهُ r قَالَ : ((الدُّنْيَا مَتاعٌ وخَيرُ مَتاعِهَا المَرأَةُ الصَالحَةْ)), فالمَرأَةُ ذَاتُ الدِّينِ لا تَنْخدِعْ لِهَواهَا، وَلا تُرَخِّصُ لِنفسِهَا، ولا تُهملُ شَأْنَ بَيتِهَا، ولا تَغْفَلُ عَنْ تَربيَةِ أَبنَائِهَا وتَأْديبِهمْ وإِصلاحِ شَأْنِهمْ، ولا تُهملْ حُقوقَ زَوجِهَا، فَالدِّينُ يَحُدُّ مِن قُوتَيْ الغَضبِ والشَهوةِ، ويَكفِي أَنَّهُ عِلاجٌ نَاجحٌ لِشفَاءِ النِّفوسْ، ووَاقٍ لَهَا مِن فَسادِ الخُلقِ والتَردِّي فِي هَاويَةِ الرَّذائلِ, ورَغباتُ الرِّجالِ في النِّسَاء تَخْتلفُ مِنْ شَخصٍ لأَخرْ، وعَلىْ كُلِّ شَيءٍ يَقعُ شَكلهْ، ويَميلُ إِليْهِ مِثْلُهْ، والأَرواحُ جُنودٌ مُجندةٌ، مَا تَعارفَ مِنها ائْتَلفْ، ومَا تَنَافَرَ منْهَا اخْتَلفْ، والمَرأةُ لا تُحَبُّ ولا تُخْطَبُ إلا لِخِصْلةٍ مِن أَربعِ خِصالٍ، هُنَّ جِمَاعُ الشَّرفِ ومُلتَقَى العِزِّ, ومنتهى الكرامة, وهِيَ المَالُ والجَمالُ، والحَسبُ والدِّينْ، وكَمْ نُكِحتْ مِنْ فَتاةٍ لا تَصلحْ أَنْ تَكونَ زَوجَةْ، ولا يُسْتعَانُ بِها عَلى خَيرٍ, وإِنَّمَا هِيَ ذَاتُ مَالٍ تَملكُ بِهِ نَفسَ اللَّئِيمْ, وتَتَّخذهُ ذ َلُولاً يُسيِّرُ الأَرضَ ويَسقي الحَرثْ، وتَحسبُهُ خَادِماً وزَوجَاً فِي آنٍ وَاحدْ، وقَد يَكونُ لَهُ مَالٌ يُغنيهِ، ويَستطيعُ بِهِ أَنْ يَتزوجَ مِن تَسرهُ إِذَا حَضَر، وتُعجِبهُ إِذَا نَظرْ، ولَكنَّهُ يَتَرفَّعُ عَن التَّزوجِ بالفَقيرةْ، ويَرى فِي ذَلكَ مَنْقصةً عَليْهْ، ويَتَّقي قَولَ مَن يَنسِبُهُ إِلى البُخلْ، ويُعيرُهُ بمُصَاهرةِ الفُقراءْ، فكَمْ مِن فَتاةٍ لا تَملكُ شَيئاً تَزوجَتْ فَكَانتْ سبَباً فِي سَعادةِ الرَّجلِ ومِفتاحاً لِبَابِ رِزقهْ.
وذَاتُ الجَمالِ التِيْ تَرى نَفسَها قُطِعتْ مِن الشَّمسْ، أَو صِيغَتْ مِن القَمرْ، تَفرضُ إِرادَتَها عَلى الرِّجَال، وتَنتعِلُ وجُوهَ خُطَّابِها، وتَهزأُ بِعُشاقِها, وإِذَا تَزَوجتْ فَهِيَ الحَاكِمُ المُطلقْ، وهِيَ الآمِرةُ النَّاهيةْ، تَقولُ: أُرِيدُ ولا أُريدْ، فَيَقُولُ: أَنتِ السَّيدةُ المَالكةْ ونَحنُ كُلنَا عَبيدْ، تَتدلَّلُ عَليهِ بِجَمالهَا وتَقولُ لَهُ: سُبحانَ مَن أَعطاكَ مَالا تَستحِقهُ، ومِثلكَ فِي الرِّجالِ كَثيرٌ، ومِثلي في النِّساءِ قَليلٌ، فَلا يَملأُ عَينَها, والحَسينةُ المُفتخرةُ بِآبَائِها، والمُعتزةُ بِقومِها وعَشيرتِها، تَحتقر مَن لا يُدَانيهَا، وتَفتخِرُ عَلى مَن لا يُضَاهِيها، وأَقَلُّ مَا يُسمعُ مِنها التَّعاظُم، وفَعلَ أَبي وصَنعَ جَدِّي، وإِذَا غَضبتْ عَليهِ قَالتْ:
ومَا هِندُ إِلا مُهرَةٌ عَربيَّةٌ سلالةَ أَفراسٍ تَحللَهَا بَغلُ
فَإِن ولَدتْ فَحلاً فَمنْ طِيبِ أَصلهَا وإِنْ ولَدتْ بَغلاً فَمنْ ذَلكَ البَغلُ وذَاتُ الدِّينِ هِيَ الزَّوجةُ الصَّالحةُ والتِّجارةُ الرَّابحةْ، تَعرفُ ما لَهَا فَتَطلبهُ بِالمَعروفْ، لا تَتَجاوزُهُ ولا تَتَعداهْ، بَلْ قَد تُسامِحُ زَوجَها إِذَا قَعَدَ فِيمَا عَليهِ لَهَا، وتَغُضُّ طَرفَهَا عَن تَتَبُّعِ هَفَواتِهِ وزَلاتِهْ، و لا تُحاسِبهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ يَقعُ مِنهْ، وتَعرفُ حَقهُ عَليهَا، فَلا تَسُوءُهُ إِذَا حَضرْ، ولا تَخنُهُ إِذَا غَابْ، وهِي قُرَّةُ عَينِهْ ، تَقومُ بِتربيةِ أَولادِهِ والعِنايَةِ بِشَأنِهمْ، فَهِيَ أُمَُ شَفيقَهْ، وزَوجةٌ صَالحةْ، وأُسْتَاذٌ حَكيمْ، ورَاعٍ يَقُومُ بحَقِّ الرِّعَايةْ, ومَنْ هِيَ هَذِهِ الزَّوجةُ غَيرُ التِيْ يَحثُّ الشَّارعُ الحَكيمُ عَلى تَحصِيلهَا، ويَدعُوا عَلى مَنْ أَرَادَ غَيرَها وطَلبَ سِواهَا؟ هِيَ ذَاتُ الدِّينِ لا بَاركَ اللهُ لِمَنْ يَزهدُ فِيهَا، ويَرغَبُ عَنها، ويَراهَا غَيرَ صَالحةْ.
ولَيسَ مَعنَى ذَلكَ أَنَّ مَطلبَ الجَمالِ لَيسَ مَقْصُوداً، وإِنَّمَا المُرادُ ألاَّ يَقْتَصِرَ عَليهِ الزَّوجُ فِي طَلبِ الزَّواجْ، أَو أَنْ يَجْعلَهُ أَكبرَ هَمِّهْ، وإلاَّ فَإِنَّ للجَمالِ اعْتِبارُهُ كَمَا يَتَّضحُ مِنْ حَديثِ : ))انْظرْ إِليهَا فَإنَّهُ أَحرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَينكُمَا ((.
وَختَاماً صَلوْا وَسَلِمُوْا عَلَىْ خَيْرِ الْوَرىْ, مُحمدٌ المُصطفَىْ، الْلَهُمَ صَليْ عَلىْ مُحمدٍ عَبدِكَ وَنَبيكَ وَرسُولكَ النَبيٍ الأُميٍ، وعَلىْ آلهِ وَصحبِهِ وَسلمْ تَسْليماً كَثيراً إِلىْ يَومِ الدِينْ، وَأَرضَ اللَهُمَ عَنْ سَادتِنا أَبِيْ بَكرٍ وعُمرٍ وَعُثمانٍ وَعَليٍ، وَعَنْ الصَحابةِ أَجمَعينْ وَعَن التَابِعِينَ وَمَنْ تَبعهمْ بِإِحسانٍ إِلىْ يَومِ الدِينْ.
أَيهاْ النَاسْ :
إِنَّ اللهَ يَأمركُمْ بِثلاثٍ فَاتَبعوهَا، وَينَهاكُم عَنْ ثَلاثٍ فاجْتنِبوهَا، إِنَّ اللهَ يَأْمركُمْ بِالعَدلِ وَالإِحْسانِ، وَإِيتاءِ ذِيْ القُربَىْ، وَيَنهَاكُمْ عَن الفَحشَاءِ وَالمُنكرِ وَالبَغيِ يَعِضُكمْ لَعَلكمْ تَذكرونْ، فَاذكرُوا اللهَ العَظيمَ الجَليلَ يَذكركُمْ وَاشْكروهُ عَلىْ نِعمهِ يَزِدكُمْ وَلَذِكرُ اللهِ أَكبرُ واللهُ يَعلمُ مَا تَصنعُونْ.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى