رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
رياض بن سليمان السلطان
إن الحمد لله / نحمده ، و نستعينه ، و نستغفره /و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا / من يهده الله ؛ فلا مضل له / و من يضلل ؛ فلا هادي له / و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له / و أشهد أن محمداً عبدُه ، و رسوله / ـ صلى الله عليه ، وعلى آله ، وصحبه / وسلم تسليماً كثيراً ـ
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ / وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102) (س) .
أما بعد /: فقد آن الأوانُ للنفوس أن تستيقظَ من سباتِها / و تستفيقَ من رقدتِها /وتتحررَ من قيودِ الغفلة /و تستقلَّ قاربَ النجاة /و تستنيرَ بسِرَاجِ الهداية ، والعبادة /لتبدِّدَ ، ظلامَ الحيرةِ والذهولِ ،والغفلة /فتسفرَ نفسُ المسلمِ بلذةِ العبادة / تعبدُ اللهَ ـ جلَّ ، وعلا ـ / لعلمِها ويقينِها أنها عبادةٌ ، و ليسَتْ عادة / أنها حركاتٌ ، وسكناتٌ ، و أذكارٌ ، و أوراد / إنْ خَلَتْ مِنْ الخشوعِ ، والتأمُّل / فإنها لا تليِّنُ قلبَ المؤمنِ ، و ترقِقُه /. . نعم ! / إن كانتْ العبادةُ عادة / دونَ خشوعٍ ، و تأثُّر / فما حاجةُ المسلمِ بها / بل سيتضاءلُ أجرهُ عندَ اللهِ ـ تعالى ـ / . ( س )
ـ أمةَ الإسلام ـ/لنخصَّ من تلكَ العبادات /: عبادةٌ لا يُرَى المؤمنُ أذلَّ ،و أخضعَ للهِ إلا فيها وبها / يضعُ جبهتَه على الأرض /و كفاهُ ، ورُكْبَتَاهُ ، وقَدَمَاه / إيذاناً للنفسِ ، والشيطان / بأنَّ الخضوعَ ،والتذللَ للهِ وحده / فتراهُ هادئَ الأركان / حاضرَ الجَنَان / يتمتمُ بلسانِه الرطبِ بذكرِ الله / (( سبحان ربي الأعلى ( ت ) )) / علوُّ قهرٍ ، وقدرٍ لله / (( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )) / وعلوُّ مكانٍ للذاتِ الإلهيَّة (( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً )) / . سجدَ المؤمنُ لله / يومَ أنْ سجدَ غيُرهُ للشمسِ ، و القمرِ ، والبقر / و آلهةٍ منَ الأخشابِ ، والأحجارِ ، والأشجار /فحقيقٌ أنْ نقفَ معَ السجودِ وقفةَ محاسبةٍ لأنْفسِنَا / حتى تصبحَ عبادةَ روحٍ ، وقلب / لا عبادةَ عادة / ... حتى لا يكونَ السجودُ جسداً بلا روح / و ليلاً بلا قمر / و فجراً بلا نور / وعينين بلا حور.... ( س )
* ـ أمةَ الإسلام ـ/: لكي نعرفَ قدرَ السجودِ من بينِ سائرِ العبادات / و نستزيدَ همَّتَنَا للإكثارِ مِنْه / فلا بُدَّ أنْ نردَّ الأمرَ إلى الِله ، و رسولهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ/ إلى الوحيين/ كتابُ اللهِ ، وسنةُ المصطفى ـ عليه الصلاة ، والسلام ـ/ ؛ حتى تنبعثَ أشعَّةُ الفجرِ الصادقِ إلى سماءِ نفوسِنَا / ونقدحَ زنادَ بحثِنا متبعين ؛ لا مبتدعين /.
ـ قال الحكيمُ الخبيرُ في محكمِ التنزيل / : ـ (( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ / وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ / وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ / وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ / وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ / إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)) (الحج:18) .
قال ابنُ كثيٍر ـ رحمهُ الله ـ في تفسيرِ هذهِ الآية : (( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ )) / أيْ : من الملائكةِ في أقطارِ السماوات / والحيواناتِ في جميعِ الجهات / من الإنسِ ، والجنِّ والدوابِّ ، والطير /.
. وقوله : (( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ)) / إنما خصَّ الشمسَ و القمرَ و النجومَ بالذكر/ لأنها قدْ عُبدتْ من دونِ الله / فبيَّن أنها تسجدُ لخالقِها / و أنَّها مربوبةٌ مسخَّرةٌ / . .
وقال أبو العالية / : ما في السماءِ نجمٌ ولا شمسٌ و لا قمرٌ / إلا يقعُ للهِ ساجداً حيَن يغيب ( ت) / ثمَّ لا ينصرفُ حتى يؤذنَ له / و أما الجبالُ و الشجر/ فسجودُهما بفيءِ ظلالِهما / عن اليمينِ والشمائل / [قال الرازيُّ/ : الفيء/: ما بعدَ الزوالِ من الظلِّ ؛ يُسَمَّى فيئاً ]./
وعن ابنِ عبَّاسٍ قال/ : جاءَ رجلٌ فقال : يا رسولَ الله /، إنِّي رأيتُني الليلةَ و أنا نائم / كأنِّي أُصَلِّي خلفَ شجرة / فسجدت / فسجدتِ الشجرةُ لسجودي / فسمعْتُها وهيَ تقول /: اللهمَّ اكتبْ لي بِها عندكَ أجراً / و ضعْ عنِّي بها وزراً / واجعلْها لي عندَك ذُخْرَاً / وتقبَّلْهَا منِّي كما تقبَّلتَهَا منْ عبدِك داود /.
قال ابنُ عباس /: فقرأَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ ـ سَجْدَة / [ أي آية فيها سجود تلاوة ] / ثمَّ سجدَ / فسمعتُه وهو يقولُ مثلَ ما أخبَرهُ الرجلُ عنْ قولِ الشجرة /. رواهُ الترمذيُّ ، وابنُ ماجةَ ، وابنُ حبانَ في ( صحيحه ) . /
ـ وقولُهُ : (( وَالدَّوُابُّ )) / : أيْ : الحيواناتُ كلُّها / وقدْ جاءَ في الحديثِ عنِ الإمامِ أحمد/ : أن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ/ نهى عنِ اتخاذِ الدوابِّ منابراً / فرُبَّ مركوبةٍ /ـ أي من هذه الحيوانات ـ/ خيرٌ و أكثرُ ذكراً للهِ ـ تَعَالى ـ منْ راكبِهَا./
ـ وقولُهُ : (( وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)) / : أيْ كثيٌر منَ الناسِ يسجدُ للهِ طائعاً مختاراً متعبِّداً للهِ بذلك./
ـ (( وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ )) / : أ يْ : كثيرٌ ممنْ امتنعَ و أبى و استكبرَ للسجودِ لله / حقَّ عليهِ العذاب ./
ـ (( وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ / )) . .
عن أبي هريرةَ قال/ : قالَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ ـ/ : (( إذا قرأَ ابنُ آدمَ السجدةَ / اعتزلَ الشيطانُ يبكي / يقول /: يا ويلَه /؛ أُمِرَ ابنُ آدمَ بالسُّجودِ فسجدَ ؛ فلهُ الجنة /؛ و أمرتُ بالسجودِ فأبيتُ ؛ فليَ النَّار )) / رواه مسلمٌ في صحيحِه /
ـ وقال الكبيُر المُتَعَال / في كتابِه الكريم / : (( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ /* وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ /* يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ / وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) ( النحل : 50,49،48 ) . /
قال ابنُ كثيرٍ ـ رحمهُ الله ـ/ : (( يخبرُ ـ تعالَى ـ عنْ عظمتِهِ ، وجلالِهِ ، وكِبْرِيَائِه / الذي خضعَ لهُ كلُّ شيء / ، ودانتْ لهُ الأشياءُ، والمخلوقاتُ بأسرِها / : جمادُها، وحيواناتُها ، ومكَلَّفُوها / منَ الإنسِ ، والجنِّ ، والملائكة / فأخبَر أنَّ كلَّ ما لهُ ظلٌّ يتفيَّأُ ذاتَ اليمينِ ، وذاتَ الشِّمَال / بكرةً و عَشِيَّا ً / [ صباحاً و مساءً ] /؛ فإنهُ ساجدٌ بظلِّهِ للهِ ـ تَعَالَى ـ . ( ت )
قال مجاهد /: إذا زالتِ الشمس / سجدَ كلُّ شيءٍ للهِ ـ عزَّ و جلّ / [ وسجودُها بواسطةِ ظلِّهَا ] / . وقولُه :/ (( وهمْ داخرون )) / أي : صاغرون /. وقال مجاهدٌ ـ أيضاً ـ/ : سجودُ كلِّ شيءٍ فيئُه /
[ أي ظلُّه ] / . [ حتى الجبالُ / سجودُها بظلِّها / و كذا البحرُ ظلُّ أمواجِه سجودُه ] /.
و قال أبو غالبٍ الشَّيبانيّ /: أمواجُ البحرِ صلاته/ . . كما قال ـ تعالى ـ /: (( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ / طَوْعاً وَكَرْهاً / وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ )) / .
وقوله / : (( وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)) / ،أي : تسجدُ لله ِ، غيَر مستكبرين عن عبادتِه /. (( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ )) (( وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) .../ ( س )
ـ إخوةَ الإيمان ـ/ قال اللهُ ـ جلَّ و عزّ ـ/ : (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ / وَالَّذِينَ مَعَهُ / أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ / تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً / سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [ ت ] )) والسِّيما التي في الوجوهِ من أثرِ السجود / تحملُ معانيْ كثيرة / أوردَهَا الحافظُ ابنُ كثيرٍ في تفْسِيِره/ منها / : (( قال عليُّ بنُ أبي طلحةَ / عنِ ابنِ عبَّاس /: (( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ )) /: يَعْنِي : السَّمتُ الحسن /. وقالَ مجاهدٌ ،[ وغيُره ] / : يعني الخشوعَ ، والتواضع /. وقال ابنُ أبي حَاتَم /: عن منصورٍ ، عن مجاهد/ : (( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ )) / قال : الخشوع /. فقال منصورٌ لمجاهد /: ما كنتُ أراهُ إلا هذا الأثرَ في الوجه / [ أي لا أظنُّهُ إلا السوادَ الذي في الجَبْهَة] / فردَّ عليه مجاهد قائلا /: ربَّما كان بينَ عينيْ مَنْ هوَ أقْسَى قَلْبَاً مِنْ فِرْعَوْن / [ أيْ قدْ يكونُ هذا الأثرُ ، والسوادُ بينَ عينيْ إنسانٍ أقسى قلباً مِنْ فِرْعَوْن ] / . و قالَ السديُّ /: الصلاةُ تُحَسِّنُ وجوهَهَمْ /. وقالَ بعضُ السَّلف /: مَنْ كَثُرَتْ صلاتُه باللَّيْل / حسُنَ وجهُهُ بالنَّهَار / .
و قالَ بعضُهُمْ /: إنَّ للحسنةِ نوراً في القلب /، وضياءً في الوجه /، وسعةً في الرزق /، ومحبةً في قلوبِ النَّاس /. والسُّجودُ من أفضلِ الحسنات ، و أجلِّ القُرُبَات / وقالَ أميرُ المؤمنينَ عثمان/ : ما أسرَّ أحدٌ سريرةً / [ أي : أخفى شيئاً في صدره ] / إلا أبداها اللهُ على صفحاتِ وجهِه / /،وفلتاتِ لسانِه /....
رُوِيَ عنْ عمرَ بنِ الخطَّابِ أنَّهُ قال /: مَنْ أَصْلَحَ سريرتَه / أصلحَ اللهُ ـ تعالى ـ علانيتَه / والمقصود :/ أن السجودَ يصلِحُ سريرةَ المؤمن /؛ فيصبحُ قلبُهُ حافلاً بالتَّواضعِ /، و خفضِ الجناحِ للمؤمنين /؛ و يتنزَّهُ عنِ الكبِر، والحسدِ ، واحتقارِ الرِّجَال /... فالصحابةُ ـ رضيَ اللهُ عنهم ـ/ خَلَصَتْ نياتُهم / ، وحَسُنَتْ أعمالُهم /؛ فكلُّ مَنْ نَظَرَ إليهِم/ أعْجَبَهُ سمتُهُمْ ، وهَدْيُهُمْ /. قالَ مالكٌ ـ رحمهُ الله ـ /: بَلَغَنِيْ / أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام/ يقولون /: والله لهؤلاء / خيرٌ من الحواريين فيما بلغنا /.. [ والحواريون/ : هم أصحاب عيسى ـ عليه السلام ـ/ الذين نصروه ، وأيدوه / واختلف العلماء في سبب تسميتهم بالحواريين / فقيل : لشدة بياض ثيابهم/ ، وقيل : هم الصفوة من الأنبياء/ ، و قيل : الحواريّ : هو الناصر/ لأنهم نصروا عيسى ـ عليه السلام ـ ، والأحور: هو الرجل شديد البياض )) / ـ
و اختار الباري ـ جل و علا ـ لفظَ السجود /؛ لأنَّهُ يمثِّلُ حالةَ الخشوعِ ، والخضوع / والعبوديةِ لله في أكملِ صورِهَا / فللسُّجُودِ أثرٌ على ملامحِ الوجه / حيث تتوارى / و تغيبُ الخَُيلاءُ ، والكبرياءُ ، والفراهة / ويحُلُّ مكانَهَا التواضعُ النبيل / والشفافيَّةُ الصافية / والوضاءةُ الهادئة / والذُّبُولُ الخَفِيْف / الذي يَزِيْدُ وجهَ المؤمنِ صباحة / ( س )
& ـ أخَ الإيمان ـ/ يامن أخذته شواردُ الحياة / كلُّ شاذَّةٍ ، وفاذَّةٍ فيها / فاختفلتْ قوافِيه / و فسدَ نظامُ تدبرِهِ ، وخشوعِه / فأضاعَ حلاوةَ السجودِ لله / فسَحَبَ أذيالَ القسوةِ ، والجفاء / وأصبحَ بالُهُ لقمةً سهلةً / تمضغُه أضراسُ الهواجسِ ، والوساوس / . ففارقَ نورُ السُّجُوْدِ ، وبهاؤُه وجهَهُ وعينَاه /؛ فلترتشِفْ منْ سنَّةِ المصطَفَى ـ صلى اللهُ عليهِ و سلَّمَ ـ / ما يُعِيْدُ تعظيمَ السُّجُودِ في قلبِك / فيعودَ الحقُّ إلى نصابِه / وتدخلَ واحةَ الإيمانِ منْ أوْسعِ الأَبْواب / ـ تأمَّلْ هذا الحديثَ ـ يا رعَاكَ الله ـ/ تأمَّل سألتُكَ بالله / تفكَّرْ في عظمةِ الله / حتى تكثرَ السجودَ على عتباتِ الكريمِ ـ سبحانَه ـ /
( عن أبي ذرٍّ ـ رضيَ اللهُ عنهُ ـ قال /: قال رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه و سلم ـ/ : ( إني أرى ما لا ترون /، و أسمعُ ما لا تسمعون /، إنَّ السماءَ أطَّتْ ـ/ أيْ : إنَّ كثرةَ ما فيها منَ الملائكة / قدْ أثْقَلَهَا حتى أطَّت /، أي : ثَقُلَتْ مِنْ كَثْرَةِ الملائكة / ـ و حُقَّ لها أنْ تئِطَّ / [ أيْ : تَثْقُلَ بالملائِكة ]/ ما فِيها موضعُ أربعِ أصابعَ [ ت ] / إلا و ملكٌ واضعٌ جبهتَهُ ساجداً لله [ ت ]. و الله لو تعلمون ما أعْلمُ /؛ لضحِكْتُم قليلاً ،/ ولبكَيْتُمْ كثيراً /، و ما تلذذتُم بالنِّسَاءِ على الفُرُشاتِ ... )) / رواه أحمدُ في المسند / الترمذيُّ في السُّنَن / وقال : حديثٌ حسنٌ غريب /. و ابنُ ماجةَ و اللفظُ له / وقالَ محقِّقُ جامعِ الأصول /: إسنادُهُ حَسَن ./
ـ إذا أثقلتْكَ كثرةُ الذُّنُوب / ، و قَلَّتْ حفيظتُك منْ رفيعِ الحسنات /، وفضائلِ الأعمال /؛ فعليك بكثرةِ السُّجود / أخرجَ ( مسلمٌ ) في صحيحه / عَنْ مَعْدَانَ بنَ أبِي طلحةَ اليَعْمُرِيّ قال / : لقيت ثوبانَ مولى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ /؛ فقلت [ له ] /: أخبرني بعملٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بهِ الجنَّة / أو قال /: قلت بأحب الأعمال إلى الله / فسكت / ثم سألته فسكت / ثم سألته الثالثةَ ؛ فقال /: سألتُ عن ذلك رسولَ الله ـ صلى الله عليهِ و سلمَ ـ ؛ فقالَ /: ( عليكَ بكثْرَةِ السُّجودِ لله ( ت ) /؛ فإنك لا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَة / إلا رفعَكَ اللهُ بها درجة /، وحطَّ عنكَ بها خطيئة ) / قال معدان / : ثم لقيتُ أبا الدرداء ؛ / فسألتُه ؛ / فقال لي مثلَ ما قالَ لي ثوبان ./ ـ و من اشتاقَ للقاءِ الرسولِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ / وتاقتْ نفسُه إلى مرافقتِه في الجنان / فعليهِ بكثرةِ السُّجودِ لله / أخرجَ مسلمٌ في صحيحه / عن ربيعةَ بنِ كعبٍ الأسلميِّ قال / : كنتُ أبيتُ معَ رسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ ـ / فآتيهِ بوضوئِه وحاجتِه /؛ فقالَ لي : (( سلْ )) /؛ فقلتُ : أسألُك مرافقتَك في الجنَّة /. قال : ( أوَ غيرَ ذلك ) ؟/ قلت : هو ذاك /. قال : (( فأعنِّي على نفسِكَ بكثرةِ السُّجُود ( ت ) )) /.
& فيا بارئ الأرواح / يا من ترى كلَّ شيء / وتعلمَ كلَّ شيء / ولك الحمدُ في الأولى، والآخرة/ اجعلْنا ووالدينا ،وأزواجَنا ، وأولادَنا /، ومن لنا حقٌّ عليه / ، ومن له حقٌّ علينا / ؛ ممن كَثُرَ سجودُهُ فرَفَعْتَ درجاتِه /، وكفَّرْتَ سيئاتِه /، وجعلتَنَا ممَّن يرافقُ الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جنات الخلد ـ/ يا أرحم الراحمين ./ (س)
& عباد الله : أقول قولي هذا / واستغفر اللهَ العظيم / فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم / .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي قدر كلَّ شيءٍ برحمتِهِ ، وحكمتِه /والصلاةُ ، على النبيِّ الكريم/وسلَّمَ تسليماً كثيراً ؛/ أما بعد :
& فإن لذةَ السجودِ ليستْ قصيرة / بحيثُ يعقُبُها حزنٌ ، وكدرٌ ، وملل / كنشوةِ المخمورِ ورقصةِ طَرِب / إنما هي لذةٌ تشوِّقُ صاحبَهَا لزيادةِ الذلةِ ، والخضوعِ لله / ومواصلةُ العملِ لخدمةِ الإسلام / لذةُ السجود أوفى ، وأصفى من صوت الدرهم، والدينار / و من ماءٍ باردٍ على كبدِ ظامئٍ / فأحسَّ بروحِه تتراجع / و أن عمرَه لن ينتهي / و إذا أردتَّ ما يدلِّلُ على صحةِ هذا الكلام / فأليك هذا الخبر :
أقدم أحدُ رعاةِ الإبلِ في مدينةِ ( الرياض ) / على استقدامِ عاملٍ / لكي يساعدَهُ على رعي الإِبِل / وطلبَ أن تكونَ ديانةُ هذا العاملِ هيَ ( الإسلام ) / و استقدمَ عاملاً على أنَّهُ مسلم / و إلا هو حقيقةً ليسَ بمسلم / ! ففي يومٍ منَ الأيَّام / حضر وقتُ إحدى الصلوات / وقد توضَّأَ كفيلُهُ ، و منْ مَعَهُ / تأهباً، واستعداداً لأداءِ الصلاة / واستدْعَى الكفيلُ هذا العاملَ من أجلِ أنْ يصلي / ظناً منه أنه مسلم / وأرادَ العاملُ أن يفهِّمَ كفيلَهُ بأنهُ ليس بمسلم / ولكنه لا يجيدُ اللغةَ العربية / وأرغمَهُ كفيلُهُ على الصلاة / واضْطُرَّ العاملُ إلى أنْ يسمعَ لكفيلِه ، ومن معه / ويقلِّدَهُمْ في حركاتِهِمْ أثناء الصلاة / فكبر القومُ ، وكبر معهم / وكلما فعلوا شيئاً نظرَ إلى طريقتِهم ، وكيفَ يفعلون/ ثمَّ يقلِّدُهُمْ / ـ المهمُّ أيُّهَا الإِخْوَة ـ / عندما سجدوا ؛ سجدَ معَهُم / فقال العاملُ في نفسه ـ كما حكى عن نفسه بعد إسلامه / ـ : أحسستُ بعظمةِ هذهِ الحركةِ منَ الصلاة / - يقصِدُ السجود ـ / ؛ فبدأْتْ مشاعري تتعاطفُ معَ هذهِ الحركة / ثم قمت منْ هذه السجدة / وتلتْهَا سجدةٌ أخرى / فاستشعرتُ أنِّي أسجدُ للهِ
ـ سبحانَه ، وتعالى ـ / هو إلى هذه اللحظةِ ليسَ بمسلم / فتأثر بسجودهِ لله / مع أنه سجدَ ليس طواعيةً من نفسه . . / ثم تلاه سجودٌ آخر/ فخشع وخالج قلبَهُ الهدؤُ، والطمأنينة / ولذة التذلّلِ بين يدي الإله ـ سبحانه وتعالى ـ / فذهب بعدها / وأعلن إسلامَه صراحةً في إحدى مكاتبِ دعوةِ الجاليات .
هذه القصة / أبرقُها ، وأُرْسِلُها عاجلةً إلى الآباء / : هل تشكون من قلة التزام أبنائِكم ؟! وخشوعهم في الصلاة /. . أسألكم بالله ، وبصراحة / : كم مرةً أمرتَ ابْنَكَ بأداءِ السننِ الرواتب / وهل حفظَّتَهُ وردَ الصباحِ ،والمساء ؟ / وهل أيقظته لقيام الليل / وعوَّدتَهُ على الوتر قبل أن ينام ؟ / و كم مرةً اجتمعتَ أنتَ ، وإياهُ على كتاب الله / أو حتى حضرتَ ، وإياهُ / محاضرةً وعظيةً للدعاةِ الفضلاء ؟ / أو دورةً علميةً لعلمائِنا الكرام ؟/ لعلَّ هذهِ إشارةٌ ـ أيُّهَا الأبُ الفاضل ـ / تغني عن صريحِ العبارة / تأمَّل حالَ هذا العامل / من سجداتٍ معدودةٍ في صلاةٍ واحدة / لم يجد بدَّاً هذا العاملُ / إلا أن يشهرَ إسلامَه / و إخلاصَ عبادته لله ـ تعالى ـ / و الكثيُر من الناس / من سنينَ طويلة / وهو يسجدُ في اليومِ عشراتِ المرات / ولكنْ هوَ كما كان / لم يتغيرْ منهُ شيءٌ في سلوكِه ، وأخلاقِه / و تربيتهِ لأولادِهِ / وإحسانِهِ إلى زوجتِه و إلى الناس / فإلى اللهِ المشتكى ! /
ـ و منَ المناسبِ هنا / أن أذكرَ لكمْ دراسةً طبيةً حديثة / عن أثر السجود في صحة المسلمِ وباختصار / هذا نصُّها : / ( إذا كنت تعاني من الإرهاقِ ، أو التوترِ / أو الصداعِ الدائمِ أو العصبية / وإذا كنتَ تخشى من الإصابةِ بالأورام /؛ فعليكَ بالسجود / فهو يخلِّصُكَ مِنَ أمراضِكَ العصبية ، والنفسية / هذا ما توصَّلتْ إليهِ أحدثُ دراسةٍ علميةٍ / أجراها الدكتور / : ( محمدُ بنُ ضياءِ الدين بنِ حامد ) / أستاذُ العلومِ البيولوجيَّة / ورئيسُ قسمِ تشعيعِ الأغذية / بمركزِ تكنولوجيا الإشعاع / وأكَّدَتِ الدراسة /: أن السجودَ لا يفيدُ الإنسانَ / حتى يتوجهَ المسلمُ بسجودهِ إلى ( مكةَ المكرمة ) / فإن التوجه إلى ( الكعبة ) / هو الذي يتمِّمُ وصولَ العافيةِ ، والراحةِ ، والخشوعِ للمؤمن / لا ينتفع الجسم / مثلَ انتفاعِهِ عندما يتوجَّهُ بسجوده إلى البيت العتيق / إلى الكعبة المشرفة / فسبحانَ الذي أبدعَ كلَّ شيءٍ بقدرته وحكمته / . (س)
& و لنا وقفةٌ أخيرةٌ معَ حالِ السلفِ الصالحِ معَ السجود / أولئك الأمجاد / أولئك العبَّاد أولئك النجوم التي بهم يهتدى / ومناير الخير ، والعبادة / التي تَشْخَصُ أعينُ المتهاونين والمتقاعسين والغافلين إليها / لتنهل التميز، والنجاح منها / أولئك الصفوة الصافية / لا يَعْلَقُ لهمْ مبارٍ بغبار /... و لا يجارِيْهِمْ أحدٌ في مِضْمَار / لقد حلَّوا أخبارَهم ،و سيرَهُمْ / لا بالسجود فقط / ولكنْ بكثرةِ السجود لله ، حتى توفَّى اللهُ بعضَهم / وقبض روحَه على السُّجُود / فلهم مع السجود أخبار، و أسرار / :
ـ القدوةُ الرباني / أبو يزيد / الربيعُ بنُ خيثم / : .. كانَ ـ رحمَهُ الله ـ/ إذا سجد كأنه ثوبٌ مطروح / فتجيءُ العصافيرُ ؛ فتقعُ عليه ) / فسجودُهُ فيهِ هدؤٌ ، وعدمُ حركةٍ ، وخشوع / وطولٍ ـ أيضاً ـ /؛ كالثوب المطروح / و من طول سجوده / تظنُّ العصافيرُ أنهُ ليسَ بإنسانٍ ذو حركة / فتقعُ عليه / .
ـ و قال العلاءُ بنُ عبدِ الكريمِ الأَيَاميّ / : كنا نأتي ( مَرَّةَ الهمدانيّ ) / فيخرجُ إلينا / فنرى أثرَ السجودِ في جبهتِه ، وكفَّيهِ ، وركبتيهِ ، وقدميه / قال العلاء /: فيجلس معنا هنيئةً /
ـ يعني : قليلاً ـ/ ثم يقوم / فيعودُ لركوعه ، وسجوده ) ./
ـ قال أبو الدرداء /: لولا ثلاثٌ ما أحببْتُ البقاءَ [ في الدنيا ] /: ساعةُ ظمأٍ في الهواجر /
ـ يعني : صيامٌ في شدة الحرـ/ ، و السجودُ في الليل ( ت ) / ، ومجالسة أقوامٍ/ ـ أي أصدقاءٍ صالحين ـ/ ينتقون أَطَايبَ الكلام / كما ينتقي أحدُهُمْ أطايبَ التَّمْر/
ـ قال أبو داود /: كان أبو بكرٍ بنُ عبدِ الرحمنِ المخزوميّ / إذا سجد يضعُ يدَهُ في طشتِ ماءٍ منْ علةٍ كان يجدها ) / أي : يجعل يدَه التي تؤلمُهُ من وجعٍ بها / في طشتٍ فيه ماء/ ؛ لتخفِّفَ هذا الألمَ في السجود / لا يريد أن يكونَ هذا الوجع/ سببٌ في صرفِهِ عنِ السُّجُود / فاستعملَ الماءَ في الطشت / ليهوِّن الألمَ عن يدِه / ويتلذذَ في سجوده / .
ـ و كان محمدُ بنُ شجاع / صاحبُ تعبدٍ ، وتهجدٍ، وتلاوةٍ / ثم ماتَ وهو ساجدٌ لله ـ تعالى ـ / ( ت )
ـ الإمامُ القانتُ أبو الخلائف / أبو محمدٍ الهاشميِّ السَّجَّاد / عليُّ بنُ عبدِ الِله بنِ العباس /: ذكرَ عنهُ الأوزاعيُّ ، وغيُره / : أنه كان يسجدُ [ لله ] كلَّ يومٍ ألفَ سجدة ) /. و سمِّيَ بـ ( السَّجَّاد ) : لكثرة سجوده ../ ( س )
& هذا ، وصلوا ، وسلموا على صاحب الوجه الأغر /، والجبين الأزهر / ( محمد بن عبد الله ) / ـ عليه ، وعلى آله أفضل صلاةٍ ، وأتمُّ سلام ـ ./
اللهم أكرمنا ، ووالدينا، وأزواجنا، أولادنا / بلذة السجود بين يديك ـ ياذا الجلال ، والإكرام ـ اللهم انصر مجاهدنا... واغنِ فقيرنا... وزوِّج أعزبنا... وانصر مظلُومنا ... اللهم آتنا في الدنيا حسنة / وفي الآخرة حسنة / وقنا عذاب النار... اللهم أغننا بفضلك عمن سواك ... اللهم أصلح لنا ديننا ، ودنيانا... اللهم اشفِ مريضنا / اللهم اشف مريضنا ؛ برحمتك ـ يا أرحم الراحمين ـ . اللهم هبْ لنا من أزواجنا ، وذرياتِنا قرةَ أعينٍ / واجعلنا للمتقين إماماً ... اللهم كما جمعتني، وهذه الوجوه المباركة / في هذا المكان المبارك الطاهر/ اجعل اجتماعنا ووالدينا ، وأزواجنا ، وأولادنا في الفردوس الأعلى من الجنة / ـ يا رحيمُ . . يا رحمن ـ . سبحان ربك رب العزة عما يصفون / وسلام على المرسلين / والحمد لله رب العالمين . .
إن الحمد لله / نحمده ، و نستعينه ، و نستغفره /و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا / من يهده الله ؛ فلا مضل له / و من يضلل ؛ فلا هادي له / و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له / و أشهد أن محمداً عبدُه ، و رسوله / ـ صلى الله عليه ، وعلى آله ، وصحبه / وسلم تسليماً كثيراً ـ
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ / وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102) (س) .
أما بعد /: فقد آن الأوانُ للنفوس أن تستيقظَ من سباتِها / و تستفيقَ من رقدتِها /وتتحررَ من قيودِ الغفلة /و تستقلَّ قاربَ النجاة /و تستنيرَ بسِرَاجِ الهداية ، والعبادة /لتبدِّدَ ، ظلامَ الحيرةِ والذهولِ ،والغفلة /فتسفرَ نفسُ المسلمِ بلذةِ العبادة / تعبدُ اللهَ ـ جلَّ ، وعلا ـ / لعلمِها ويقينِها أنها عبادةٌ ، و ليسَتْ عادة / أنها حركاتٌ ، وسكناتٌ ، و أذكارٌ ، و أوراد / إنْ خَلَتْ مِنْ الخشوعِ ، والتأمُّل / فإنها لا تليِّنُ قلبَ المؤمنِ ، و ترقِقُه /. . نعم ! / إن كانتْ العبادةُ عادة / دونَ خشوعٍ ، و تأثُّر / فما حاجةُ المسلمِ بها / بل سيتضاءلُ أجرهُ عندَ اللهِ ـ تعالى ـ / . ( س )
ـ أمةَ الإسلام ـ/لنخصَّ من تلكَ العبادات /: عبادةٌ لا يُرَى المؤمنُ أذلَّ ،و أخضعَ للهِ إلا فيها وبها / يضعُ جبهتَه على الأرض /و كفاهُ ، ورُكْبَتَاهُ ، وقَدَمَاه / إيذاناً للنفسِ ، والشيطان / بأنَّ الخضوعَ ،والتذللَ للهِ وحده / فتراهُ هادئَ الأركان / حاضرَ الجَنَان / يتمتمُ بلسانِه الرطبِ بذكرِ الله / (( سبحان ربي الأعلى ( ت ) )) / علوُّ قهرٍ ، وقدرٍ لله / (( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )) / وعلوُّ مكانٍ للذاتِ الإلهيَّة (( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً )) / . سجدَ المؤمنُ لله / يومَ أنْ سجدَ غيُرهُ للشمسِ ، و القمرِ ، والبقر / و آلهةٍ منَ الأخشابِ ، والأحجارِ ، والأشجار /فحقيقٌ أنْ نقفَ معَ السجودِ وقفةَ محاسبةٍ لأنْفسِنَا / حتى تصبحَ عبادةَ روحٍ ، وقلب / لا عبادةَ عادة / ... حتى لا يكونَ السجودُ جسداً بلا روح / و ليلاً بلا قمر / و فجراً بلا نور / وعينين بلا حور.... ( س )
* ـ أمةَ الإسلام ـ/: لكي نعرفَ قدرَ السجودِ من بينِ سائرِ العبادات / و نستزيدَ همَّتَنَا للإكثارِ مِنْه / فلا بُدَّ أنْ نردَّ الأمرَ إلى الِله ، و رسولهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ/ إلى الوحيين/ كتابُ اللهِ ، وسنةُ المصطفى ـ عليه الصلاة ، والسلام ـ/ ؛ حتى تنبعثَ أشعَّةُ الفجرِ الصادقِ إلى سماءِ نفوسِنَا / ونقدحَ زنادَ بحثِنا متبعين ؛ لا مبتدعين /.
ـ قال الحكيمُ الخبيرُ في محكمِ التنزيل / : ـ (( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ / وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ / وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ / وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ / وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ / إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)) (الحج:18) .
قال ابنُ كثيٍر ـ رحمهُ الله ـ في تفسيرِ هذهِ الآية : (( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ )) / أيْ : من الملائكةِ في أقطارِ السماوات / والحيواناتِ في جميعِ الجهات / من الإنسِ ، والجنِّ والدوابِّ ، والطير /.
. وقوله : (( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ)) / إنما خصَّ الشمسَ و القمرَ و النجومَ بالذكر/ لأنها قدْ عُبدتْ من دونِ الله / فبيَّن أنها تسجدُ لخالقِها / و أنَّها مربوبةٌ مسخَّرةٌ / . .
وقال أبو العالية / : ما في السماءِ نجمٌ ولا شمسٌ و لا قمرٌ / إلا يقعُ للهِ ساجداً حيَن يغيب ( ت) / ثمَّ لا ينصرفُ حتى يؤذنَ له / و أما الجبالُ و الشجر/ فسجودُهما بفيءِ ظلالِهما / عن اليمينِ والشمائل / [قال الرازيُّ/ : الفيء/: ما بعدَ الزوالِ من الظلِّ ؛ يُسَمَّى فيئاً ]./
وعن ابنِ عبَّاسٍ قال/ : جاءَ رجلٌ فقال : يا رسولَ الله /، إنِّي رأيتُني الليلةَ و أنا نائم / كأنِّي أُصَلِّي خلفَ شجرة / فسجدت / فسجدتِ الشجرةُ لسجودي / فسمعْتُها وهيَ تقول /: اللهمَّ اكتبْ لي بِها عندكَ أجراً / و ضعْ عنِّي بها وزراً / واجعلْها لي عندَك ذُخْرَاً / وتقبَّلْهَا منِّي كما تقبَّلتَهَا منْ عبدِك داود /.
قال ابنُ عباس /: فقرأَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ ـ سَجْدَة / [ أي آية فيها سجود تلاوة ] / ثمَّ سجدَ / فسمعتُه وهو يقولُ مثلَ ما أخبَرهُ الرجلُ عنْ قولِ الشجرة /. رواهُ الترمذيُّ ، وابنُ ماجةَ ، وابنُ حبانَ في ( صحيحه ) . /
ـ وقولُهُ : (( وَالدَّوُابُّ )) / : أيْ : الحيواناتُ كلُّها / وقدْ جاءَ في الحديثِ عنِ الإمامِ أحمد/ : أن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ/ نهى عنِ اتخاذِ الدوابِّ منابراً / فرُبَّ مركوبةٍ /ـ أي من هذه الحيوانات ـ/ خيرٌ و أكثرُ ذكراً للهِ ـ تَعَالى ـ منْ راكبِهَا./
ـ وقولُهُ : (( وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)) / : أيْ كثيٌر منَ الناسِ يسجدُ للهِ طائعاً مختاراً متعبِّداً للهِ بذلك./
ـ (( وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ )) / : أ يْ : كثيرٌ ممنْ امتنعَ و أبى و استكبرَ للسجودِ لله / حقَّ عليهِ العذاب ./
ـ (( وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ / )) . .
عن أبي هريرةَ قال/ : قالَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ ـ/ : (( إذا قرأَ ابنُ آدمَ السجدةَ / اعتزلَ الشيطانُ يبكي / يقول /: يا ويلَه /؛ أُمِرَ ابنُ آدمَ بالسُّجودِ فسجدَ ؛ فلهُ الجنة /؛ و أمرتُ بالسجودِ فأبيتُ ؛ فليَ النَّار )) / رواه مسلمٌ في صحيحِه /
ـ وقال الكبيُر المُتَعَال / في كتابِه الكريم / : (( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ /* وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ /* يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ / وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) ( النحل : 50,49،48 ) . /
قال ابنُ كثيرٍ ـ رحمهُ الله ـ/ : (( يخبرُ ـ تعالَى ـ عنْ عظمتِهِ ، وجلالِهِ ، وكِبْرِيَائِه / الذي خضعَ لهُ كلُّ شيء / ، ودانتْ لهُ الأشياءُ، والمخلوقاتُ بأسرِها / : جمادُها، وحيواناتُها ، ومكَلَّفُوها / منَ الإنسِ ، والجنِّ ، والملائكة / فأخبَر أنَّ كلَّ ما لهُ ظلٌّ يتفيَّأُ ذاتَ اليمينِ ، وذاتَ الشِّمَال / بكرةً و عَشِيَّا ً / [ صباحاً و مساءً ] /؛ فإنهُ ساجدٌ بظلِّهِ للهِ ـ تَعَالَى ـ . ( ت )
قال مجاهد /: إذا زالتِ الشمس / سجدَ كلُّ شيءٍ للهِ ـ عزَّ و جلّ / [ وسجودُها بواسطةِ ظلِّهَا ] / . وقولُه :/ (( وهمْ داخرون )) / أي : صاغرون /. وقال مجاهدٌ ـ أيضاً ـ/ : سجودُ كلِّ شيءٍ فيئُه /
[ أي ظلُّه ] / . [ حتى الجبالُ / سجودُها بظلِّها / و كذا البحرُ ظلُّ أمواجِه سجودُه ] /.
و قال أبو غالبٍ الشَّيبانيّ /: أمواجُ البحرِ صلاته/ . . كما قال ـ تعالى ـ /: (( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ / طَوْعاً وَكَرْهاً / وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ )) / .
وقوله / : (( وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)) / ،أي : تسجدُ لله ِ، غيَر مستكبرين عن عبادتِه /. (( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ )) (( وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) .../ ( س )
ـ إخوةَ الإيمان ـ/ قال اللهُ ـ جلَّ و عزّ ـ/ : (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ / وَالَّذِينَ مَعَهُ / أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ / تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً / سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [ ت ] )) والسِّيما التي في الوجوهِ من أثرِ السجود / تحملُ معانيْ كثيرة / أوردَهَا الحافظُ ابنُ كثيرٍ في تفْسِيِره/ منها / : (( قال عليُّ بنُ أبي طلحةَ / عنِ ابنِ عبَّاس /: (( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ )) /: يَعْنِي : السَّمتُ الحسن /. وقالَ مجاهدٌ ،[ وغيُره ] / : يعني الخشوعَ ، والتواضع /. وقال ابنُ أبي حَاتَم /: عن منصورٍ ، عن مجاهد/ : (( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ )) / قال : الخشوع /. فقال منصورٌ لمجاهد /: ما كنتُ أراهُ إلا هذا الأثرَ في الوجه / [ أي لا أظنُّهُ إلا السوادَ الذي في الجَبْهَة] / فردَّ عليه مجاهد قائلا /: ربَّما كان بينَ عينيْ مَنْ هوَ أقْسَى قَلْبَاً مِنْ فِرْعَوْن / [ أيْ قدْ يكونُ هذا الأثرُ ، والسوادُ بينَ عينيْ إنسانٍ أقسى قلباً مِنْ فِرْعَوْن ] / . و قالَ السديُّ /: الصلاةُ تُحَسِّنُ وجوهَهَمْ /. وقالَ بعضُ السَّلف /: مَنْ كَثُرَتْ صلاتُه باللَّيْل / حسُنَ وجهُهُ بالنَّهَار / .
و قالَ بعضُهُمْ /: إنَّ للحسنةِ نوراً في القلب /، وضياءً في الوجه /، وسعةً في الرزق /، ومحبةً في قلوبِ النَّاس /. والسُّجودُ من أفضلِ الحسنات ، و أجلِّ القُرُبَات / وقالَ أميرُ المؤمنينَ عثمان/ : ما أسرَّ أحدٌ سريرةً / [ أي : أخفى شيئاً في صدره ] / إلا أبداها اللهُ على صفحاتِ وجهِه / /،وفلتاتِ لسانِه /....
رُوِيَ عنْ عمرَ بنِ الخطَّابِ أنَّهُ قال /: مَنْ أَصْلَحَ سريرتَه / أصلحَ اللهُ ـ تعالى ـ علانيتَه / والمقصود :/ أن السجودَ يصلِحُ سريرةَ المؤمن /؛ فيصبحُ قلبُهُ حافلاً بالتَّواضعِ /، و خفضِ الجناحِ للمؤمنين /؛ و يتنزَّهُ عنِ الكبِر، والحسدِ ، واحتقارِ الرِّجَال /... فالصحابةُ ـ رضيَ اللهُ عنهم ـ/ خَلَصَتْ نياتُهم / ، وحَسُنَتْ أعمالُهم /؛ فكلُّ مَنْ نَظَرَ إليهِم/ أعْجَبَهُ سمتُهُمْ ، وهَدْيُهُمْ /. قالَ مالكٌ ـ رحمهُ الله ـ /: بَلَغَنِيْ / أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام/ يقولون /: والله لهؤلاء / خيرٌ من الحواريين فيما بلغنا /.. [ والحواريون/ : هم أصحاب عيسى ـ عليه السلام ـ/ الذين نصروه ، وأيدوه / واختلف العلماء في سبب تسميتهم بالحواريين / فقيل : لشدة بياض ثيابهم/ ، وقيل : هم الصفوة من الأنبياء/ ، و قيل : الحواريّ : هو الناصر/ لأنهم نصروا عيسى ـ عليه السلام ـ ، والأحور: هو الرجل شديد البياض )) / ـ
و اختار الباري ـ جل و علا ـ لفظَ السجود /؛ لأنَّهُ يمثِّلُ حالةَ الخشوعِ ، والخضوع / والعبوديةِ لله في أكملِ صورِهَا / فللسُّجُودِ أثرٌ على ملامحِ الوجه / حيث تتوارى / و تغيبُ الخَُيلاءُ ، والكبرياءُ ، والفراهة / ويحُلُّ مكانَهَا التواضعُ النبيل / والشفافيَّةُ الصافية / والوضاءةُ الهادئة / والذُّبُولُ الخَفِيْف / الذي يَزِيْدُ وجهَ المؤمنِ صباحة / ( س )
& ـ أخَ الإيمان ـ/ يامن أخذته شواردُ الحياة / كلُّ شاذَّةٍ ، وفاذَّةٍ فيها / فاختفلتْ قوافِيه / و فسدَ نظامُ تدبرِهِ ، وخشوعِه / فأضاعَ حلاوةَ السجودِ لله / فسَحَبَ أذيالَ القسوةِ ، والجفاء / وأصبحَ بالُهُ لقمةً سهلةً / تمضغُه أضراسُ الهواجسِ ، والوساوس / . ففارقَ نورُ السُّجُوْدِ ، وبهاؤُه وجهَهُ وعينَاه /؛ فلترتشِفْ منْ سنَّةِ المصطَفَى ـ صلى اللهُ عليهِ و سلَّمَ ـ / ما يُعِيْدُ تعظيمَ السُّجُودِ في قلبِك / فيعودَ الحقُّ إلى نصابِه / وتدخلَ واحةَ الإيمانِ منْ أوْسعِ الأَبْواب / ـ تأمَّلْ هذا الحديثَ ـ يا رعَاكَ الله ـ/ تأمَّل سألتُكَ بالله / تفكَّرْ في عظمةِ الله / حتى تكثرَ السجودَ على عتباتِ الكريمِ ـ سبحانَه ـ /
( عن أبي ذرٍّ ـ رضيَ اللهُ عنهُ ـ قال /: قال رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه و سلم ـ/ : ( إني أرى ما لا ترون /، و أسمعُ ما لا تسمعون /، إنَّ السماءَ أطَّتْ ـ/ أيْ : إنَّ كثرةَ ما فيها منَ الملائكة / قدْ أثْقَلَهَا حتى أطَّت /، أي : ثَقُلَتْ مِنْ كَثْرَةِ الملائكة / ـ و حُقَّ لها أنْ تئِطَّ / [ أيْ : تَثْقُلَ بالملائِكة ]/ ما فِيها موضعُ أربعِ أصابعَ [ ت ] / إلا و ملكٌ واضعٌ جبهتَهُ ساجداً لله [ ت ]. و الله لو تعلمون ما أعْلمُ /؛ لضحِكْتُم قليلاً ،/ ولبكَيْتُمْ كثيراً /، و ما تلذذتُم بالنِّسَاءِ على الفُرُشاتِ ... )) / رواه أحمدُ في المسند / الترمذيُّ في السُّنَن / وقال : حديثٌ حسنٌ غريب /. و ابنُ ماجةَ و اللفظُ له / وقالَ محقِّقُ جامعِ الأصول /: إسنادُهُ حَسَن ./
ـ إذا أثقلتْكَ كثرةُ الذُّنُوب / ، و قَلَّتْ حفيظتُك منْ رفيعِ الحسنات /، وفضائلِ الأعمال /؛ فعليك بكثرةِ السُّجود / أخرجَ ( مسلمٌ ) في صحيحه / عَنْ مَعْدَانَ بنَ أبِي طلحةَ اليَعْمُرِيّ قال / : لقيت ثوبانَ مولى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ /؛ فقلت [ له ] /: أخبرني بعملٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بهِ الجنَّة / أو قال /: قلت بأحب الأعمال إلى الله / فسكت / ثم سألته فسكت / ثم سألته الثالثةَ ؛ فقال /: سألتُ عن ذلك رسولَ الله ـ صلى الله عليهِ و سلمَ ـ ؛ فقالَ /: ( عليكَ بكثْرَةِ السُّجودِ لله ( ت ) /؛ فإنك لا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَة / إلا رفعَكَ اللهُ بها درجة /، وحطَّ عنكَ بها خطيئة ) / قال معدان / : ثم لقيتُ أبا الدرداء ؛ / فسألتُه ؛ / فقال لي مثلَ ما قالَ لي ثوبان ./ ـ و من اشتاقَ للقاءِ الرسولِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ / وتاقتْ نفسُه إلى مرافقتِه في الجنان / فعليهِ بكثرةِ السُّجودِ لله / أخرجَ مسلمٌ في صحيحه / عن ربيعةَ بنِ كعبٍ الأسلميِّ قال / : كنتُ أبيتُ معَ رسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ ـ / فآتيهِ بوضوئِه وحاجتِه /؛ فقالَ لي : (( سلْ )) /؛ فقلتُ : أسألُك مرافقتَك في الجنَّة /. قال : ( أوَ غيرَ ذلك ) ؟/ قلت : هو ذاك /. قال : (( فأعنِّي على نفسِكَ بكثرةِ السُّجُود ( ت ) )) /.
& فيا بارئ الأرواح / يا من ترى كلَّ شيء / وتعلمَ كلَّ شيء / ولك الحمدُ في الأولى، والآخرة/ اجعلْنا ووالدينا ،وأزواجَنا ، وأولادَنا /، ومن لنا حقٌّ عليه / ، ومن له حقٌّ علينا / ؛ ممن كَثُرَ سجودُهُ فرَفَعْتَ درجاتِه /، وكفَّرْتَ سيئاتِه /، وجعلتَنَا ممَّن يرافقُ الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جنات الخلد ـ/ يا أرحم الراحمين ./ (س)
& عباد الله : أقول قولي هذا / واستغفر اللهَ العظيم / فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم / .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي قدر كلَّ شيءٍ برحمتِهِ ، وحكمتِه /والصلاةُ ، على النبيِّ الكريم/وسلَّمَ تسليماً كثيراً ؛/ أما بعد :
& فإن لذةَ السجودِ ليستْ قصيرة / بحيثُ يعقُبُها حزنٌ ، وكدرٌ ، وملل / كنشوةِ المخمورِ ورقصةِ طَرِب / إنما هي لذةٌ تشوِّقُ صاحبَهَا لزيادةِ الذلةِ ، والخضوعِ لله / ومواصلةُ العملِ لخدمةِ الإسلام / لذةُ السجود أوفى ، وأصفى من صوت الدرهم، والدينار / و من ماءٍ باردٍ على كبدِ ظامئٍ / فأحسَّ بروحِه تتراجع / و أن عمرَه لن ينتهي / و إذا أردتَّ ما يدلِّلُ على صحةِ هذا الكلام / فأليك هذا الخبر :
أقدم أحدُ رعاةِ الإبلِ في مدينةِ ( الرياض ) / على استقدامِ عاملٍ / لكي يساعدَهُ على رعي الإِبِل / وطلبَ أن تكونَ ديانةُ هذا العاملِ هيَ ( الإسلام ) / و استقدمَ عاملاً على أنَّهُ مسلم / و إلا هو حقيقةً ليسَ بمسلم / ! ففي يومٍ منَ الأيَّام / حضر وقتُ إحدى الصلوات / وقد توضَّأَ كفيلُهُ ، و منْ مَعَهُ / تأهباً، واستعداداً لأداءِ الصلاة / واستدْعَى الكفيلُ هذا العاملَ من أجلِ أنْ يصلي / ظناً منه أنه مسلم / وأرادَ العاملُ أن يفهِّمَ كفيلَهُ بأنهُ ليس بمسلم / ولكنه لا يجيدُ اللغةَ العربية / وأرغمَهُ كفيلُهُ على الصلاة / واضْطُرَّ العاملُ إلى أنْ يسمعَ لكفيلِه ، ومن معه / ويقلِّدَهُمْ في حركاتِهِمْ أثناء الصلاة / فكبر القومُ ، وكبر معهم / وكلما فعلوا شيئاً نظرَ إلى طريقتِهم ، وكيفَ يفعلون/ ثمَّ يقلِّدُهُمْ / ـ المهمُّ أيُّهَا الإِخْوَة ـ / عندما سجدوا ؛ سجدَ معَهُم / فقال العاملُ في نفسه ـ كما حكى عن نفسه بعد إسلامه / ـ : أحسستُ بعظمةِ هذهِ الحركةِ منَ الصلاة / - يقصِدُ السجود ـ / ؛ فبدأْتْ مشاعري تتعاطفُ معَ هذهِ الحركة / ثم قمت منْ هذه السجدة / وتلتْهَا سجدةٌ أخرى / فاستشعرتُ أنِّي أسجدُ للهِ
ـ سبحانَه ، وتعالى ـ / هو إلى هذه اللحظةِ ليسَ بمسلم / فتأثر بسجودهِ لله / مع أنه سجدَ ليس طواعيةً من نفسه . . / ثم تلاه سجودٌ آخر/ فخشع وخالج قلبَهُ الهدؤُ، والطمأنينة / ولذة التذلّلِ بين يدي الإله ـ سبحانه وتعالى ـ / فذهب بعدها / وأعلن إسلامَه صراحةً في إحدى مكاتبِ دعوةِ الجاليات .
هذه القصة / أبرقُها ، وأُرْسِلُها عاجلةً إلى الآباء / : هل تشكون من قلة التزام أبنائِكم ؟! وخشوعهم في الصلاة /. . أسألكم بالله ، وبصراحة / : كم مرةً أمرتَ ابْنَكَ بأداءِ السننِ الرواتب / وهل حفظَّتَهُ وردَ الصباحِ ،والمساء ؟ / وهل أيقظته لقيام الليل / وعوَّدتَهُ على الوتر قبل أن ينام ؟ / و كم مرةً اجتمعتَ أنتَ ، وإياهُ على كتاب الله / أو حتى حضرتَ ، وإياهُ / محاضرةً وعظيةً للدعاةِ الفضلاء ؟ / أو دورةً علميةً لعلمائِنا الكرام ؟/ لعلَّ هذهِ إشارةٌ ـ أيُّهَا الأبُ الفاضل ـ / تغني عن صريحِ العبارة / تأمَّل حالَ هذا العامل / من سجداتٍ معدودةٍ في صلاةٍ واحدة / لم يجد بدَّاً هذا العاملُ / إلا أن يشهرَ إسلامَه / و إخلاصَ عبادته لله ـ تعالى ـ / و الكثيُر من الناس / من سنينَ طويلة / وهو يسجدُ في اليومِ عشراتِ المرات / ولكنْ هوَ كما كان / لم يتغيرْ منهُ شيءٌ في سلوكِه ، وأخلاقِه / و تربيتهِ لأولادِهِ / وإحسانِهِ إلى زوجتِه و إلى الناس / فإلى اللهِ المشتكى ! /
ـ و منَ المناسبِ هنا / أن أذكرَ لكمْ دراسةً طبيةً حديثة / عن أثر السجود في صحة المسلمِ وباختصار / هذا نصُّها : / ( إذا كنت تعاني من الإرهاقِ ، أو التوترِ / أو الصداعِ الدائمِ أو العصبية / وإذا كنتَ تخشى من الإصابةِ بالأورام /؛ فعليكَ بالسجود / فهو يخلِّصُكَ مِنَ أمراضِكَ العصبية ، والنفسية / هذا ما توصَّلتْ إليهِ أحدثُ دراسةٍ علميةٍ / أجراها الدكتور / : ( محمدُ بنُ ضياءِ الدين بنِ حامد ) / أستاذُ العلومِ البيولوجيَّة / ورئيسُ قسمِ تشعيعِ الأغذية / بمركزِ تكنولوجيا الإشعاع / وأكَّدَتِ الدراسة /: أن السجودَ لا يفيدُ الإنسانَ / حتى يتوجهَ المسلمُ بسجودهِ إلى ( مكةَ المكرمة ) / فإن التوجه إلى ( الكعبة ) / هو الذي يتمِّمُ وصولَ العافيةِ ، والراحةِ ، والخشوعِ للمؤمن / لا ينتفع الجسم / مثلَ انتفاعِهِ عندما يتوجَّهُ بسجوده إلى البيت العتيق / إلى الكعبة المشرفة / فسبحانَ الذي أبدعَ كلَّ شيءٍ بقدرته وحكمته / . (س)
& و لنا وقفةٌ أخيرةٌ معَ حالِ السلفِ الصالحِ معَ السجود / أولئك الأمجاد / أولئك العبَّاد أولئك النجوم التي بهم يهتدى / ومناير الخير ، والعبادة / التي تَشْخَصُ أعينُ المتهاونين والمتقاعسين والغافلين إليها / لتنهل التميز، والنجاح منها / أولئك الصفوة الصافية / لا يَعْلَقُ لهمْ مبارٍ بغبار /... و لا يجارِيْهِمْ أحدٌ في مِضْمَار / لقد حلَّوا أخبارَهم ،و سيرَهُمْ / لا بالسجود فقط / ولكنْ بكثرةِ السجود لله ، حتى توفَّى اللهُ بعضَهم / وقبض روحَه على السُّجُود / فلهم مع السجود أخبار، و أسرار / :
ـ القدوةُ الرباني / أبو يزيد / الربيعُ بنُ خيثم / : .. كانَ ـ رحمَهُ الله ـ/ إذا سجد كأنه ثوبٌ مطروح / فتجيءُ العصافيرُ ؛ فتقعُ عليه ) / فسجودُهُ فيهِ هدؤٌ ، وعدمُ حركةٍ ، وخشوع / وطولٍ ـ أيضاً ـ /؛ كالثوب المطروح / و من طول سجوده / تظنُّ العصافيرُ أنهُ ليسَ بإنسانٍ ذو حركة / فتقعُ عليه / .
ـ و قال العلاءُ بنُ عبدِ الكريمِ الأَيَاميّ / : كنا نأتي ( مَرَّةَ الهمدانيّ ) / فيخرجُ إلينا / فنرى أثرَ السجودِ في جبهتِه ، وكفَّيهِ ، وركبتيهِ ، وقدميه / قال العلاء /: فيجلس معنا هنيئةً /
ـ يعني : قليلاً ـ/ ثم يقوم / فيعودُ لركوعه ، وسجوده ) ./
ـ قال أبو الدرداء /: لولا ثلاثٌ ما أحببْتُ البقاءَ [ في الدنيا ] /: ساعةُ ظمأٍ في الهواجر /
ـ يعني : صيامٌ في شدة الحرـ/ ، و السجودُ في الليل ( ت ) / ، ومجالسة أقوامٍ/ ـ أي أصدقاءٍ صالحين ـ/ ينتقون أَطَايبَ الكلام / كما ينتقي أحدُهُمْ أطايبَ التَّمْر/
ـ قال أبو داود /: كان أبو بكرٍ بنُ عبدِ الرحمنِ المخزوميّ / إذا سجد يضعُ يدَهُ في طشتِ ماءٍ منْ علةٍ كان يجدها ) / أي : يجعل يدَه التي تؤلمُهُ من وجعٍ بها / في طشتٍ فيه ماء/ ؛ لتخفِّفَ هذا الألمَ في السجود / لا يريد أن يكونَ هذا الوجع/ سببٌ في صرفِهِ عنِ السُّجُود / فاستعملَ الماءَ في الطشت / ليهوِّن الألمَ عن يدِه / ويتلذذَ في سجوده / .
ـ و كان محمدُ بنُ شجاع / صاحبُ تعبدٍ ، وتهجدٍ، وتلاوةٍ / ثم ماتَ وهو ساجدٌ لله ـ تعالى ـ / ( ت )
ـ الإمامُ القانتُ أبو الخلائف / أبو محمدٍ الهاشميِّ السَّجَّاد / عليُّ بنُ عبدِ الِله بنِ العباس /: ذكرَ عنهُ الأوزاعيُّ ، وغيُره / : أنه كان يسجدُ [ لله ] كلَّ يومٍ ألفَ سجدة ) /. و سمِّيَ بـ ( السَّجَّاد ) : لكثرة سجوده ../ ( س )
& هذا ، وصلوا ، وسلموا على صاحب الوجه الأغر /، والجبين الأزهر / ( محمد بن عبد الله ) / ـ عليه ، وعلى آله أفضل صلاةٍ ، وأتمُّ سلام ـ ./
اللهم أكرمنا ، ووالدينا، وأزواجنا، أولادنا / بلذة السجود بين يديك ـ ياذا الجلال ، والإكرام ـ اللهم انصر مجاهدنا... واغنِ فقيرنا... وزوِّج أعزبنا... وانصر مظلُومنا ... اللهم آتنا في الدنيا حسنة / وفي الآخرة حسنة / وقنا عذاب النار... اللهم أغننا بفضلك عمن سواك ... اللهم أصلح لنا ديننا ، ودنيانا... اللهم اشفِ مريضنا / اللهم اشف مريضنا ؛ برحمتك ـ يا أرحم الراحمين ـ . اللهم هبْ لنا من أزواجنا ، وذرياتِنا قرةَ أعينٍ / واجعلنا للمتقين إماماً ... اللهم كما جمعتني، وهذه الوجوه المباركة / في هذا المكان المبارك الطاهر/ اجعل اجتماعنا ووالدينا ، وأزواجنا ، وأولادنا في الفردوس الأعلى من الجنة / ـ يا رحيمُ . . يا رحمن ـ . سبحان ربك رب العزة عما يصفون / وسلام على المرسلين / والحمد لله رب العالمين . .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى