رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
عادل مناع
قلم ولوحة مفاتيح
انتصف الليل ونهض ذلك الكاتب المعروف من على مكتبه، ليأوي إلى النوم، وأغلق باب حجرته وراءه وقد ترك جهاز الكومبيوتر مفتوحًا وعلى منضدته يقبع ذلك القلم القديم.
وما إن خرج الكاتب حتى تراقصت أزرار لوحة المفاتيح في جزل صبياني، ثم اتجهت ناحية القلم وتحدثت إليه بلهجة يعلوها التهكم والسخرية:
أما زلت تقبع هنا في ذلك المكان؟ فلم يجبها القلم، فاستطردت:
لا أدري لم يحتفظ بك الكاتب في حجرة مكتبه، لقد عفا عليك الدهر، ولم تعد لك فائدة تُذكر، قد انتهى عصرك.
بدت حركة من القلم تنم عن غضبه، إلا أنه لم يتكلم، فتابعت بعد ضحكة مدوية:
أتعلم؟ كان الواجب أن يضعوك في متحف للآثار، تكون مجرد ذكرى من الماضي، يتردد عليك الزائرون.
تحرك القلم حركة عنيفة، إلا أنه لم يزل في نطاق الصمت، فواصلت حديثها التهكمي المستفز، وهي تطلق ضحكات هستيرية:
ما رأيك في فكرة الانتحار؟ وبعدها يأتي الخبر على صفحات الجرائد والصحف الالكترونية يقول: انتحار قلم يأس من حياته، قالتها وقد انبعثت منها ضحكات متتالية قطعها صرخة القلم: كفى.
أرادت الاستطراد في حديثها، فكرر القلم في عنف:
كفى، قلت كفى، ما هذه الغطرسة التي تتحدثين بها، لم كل هذا القدر من التعالي؟ بدأت تتكلم اللوحة بهدوء ترد على سؤاله:
هذا حقي، العصر عصري، وهذا أواني، استخدامي هو الأسرع، هو الأكثر اتقانًا، هو الأقدر على التحكم في الشطب والتعديل، وإمكانات عالية في اللون والتنسيق واختيار مختلف الفونتات، هل تريد المزيد؟
أجابها: كلا أعلم كل هذه الميزات جيدًا، ولا أنكرها، وأعترف وأقر بها، فلماذا لا تعترفين بي؟ أجابت بكلمات متقطعة ممطوطة تحمل قدرًا كبيرًا من السخرية: أعترف بماذا؟ أنت مجرد ماضي.
القلم بحزم: قلت كفي عن السخرية، وأصغي سمعك إلي إذن، حتى تعلمي أنك لم تحتكري العصر، فقالت باهتمام مصطنع: كلي آذان صاغية يا فيلسوف.
تجاهل هذه المرة وهو يقول: أعلمت أن القلم هو أول مخلوق خلقه الله ولا فخر؟
أعلمت كم من أحقاب وآلاف من السنين مضت علي وما زلت باقيًا، مرت علي عهود وأمم شتى، قد سجلت عبرها التاريخ الذي تستلهم منه خارطة الطريق لهذه للأمة؟
بدأت تضطرب في حديثها، وقالت على استحياء : نعم.
فاستطرد: أخبريني، إذا ما وصفوا براعة الكاتب، ألا ترين أنهم يقولون: صاحب القلم السيال، صاحب القلم الرشيق....أعلمت ذلك؟
صمتت برهة ثم همست بكلمة: نعم، في خفوت لكنه تابع حديثه:
لو أن الكاتب قفزت إلى ذهنه فكرة وهو على سريره أو في طريقه، أكان ينتظر حتى يفتح الجهاز ويضرب أزرارك للكتابة، أم أنه يمسك بي بين أصابعه ويدون فكرته في الحال؟ فلم تنطق اللوحة، فتابع القلم:
أرأيت لو أن التيار قد انقطع، هل سيكون لك فائدة حينذاك؟
أرأيت لو نضبت الطاقة من الأرض، وفقدت مقومات حياتك، هل سيكون لك وجود في عالم الكتابة؟
هنا قالت اللوحة بصوت هزيل بعد فترة من الصمت:
الحق معك، لقد أعماني بريق الشهرة عن رؤية هذه الحقائق، أنا فعلا جد آسفة، كنت مخطئة.
هنا ارتسمت معالم الهدوء على حركة القلم، وقال: أتعلمين؟ أنا وأنت يكمل أحدنا الآخر، أنا أمثل الأصالة وأنت تمثلين المعاصرة، وهما أساس نهضة هذه الأمة، والتي لا يسوغ لها الوقوف عند ذكرى تراثها، أو الاستغراق في المدنية دون خلفية تاريخية تكون مدادا لصنع حضارتها.
تحركت أزرار الكي بورد في هدوء تعبيرًا عن الرضى بهذه الحقيقة العادلة.
قلم ولوحة مفاتيح
انتصف الليل ونهض ذلك الكاتب المعروف من على مكتبه، ليأوي إلى النوم، وأغلق باب حجرته وراءه وقد ترك جهاز الكومبيوتر مفتوحًا وعلى منضدته يقبع ذلك القلم القديم.
وما إن خرج الكاتب حتى تراقصت أزرار لوحة المفاتيح في جزل صبياني، ثم اتجهت ناحية القلم وتحدثت إليه بلهجة يعلوها التهكم والسخرية:
أما زلت تقبع هنا في ذلك المكان؟ فلم يجبها القلم، فاستطردت:
لا أدري لم يحتفظ بك الكاتب في حجرة مكتبه، لقد عفا عليك الدهر، ولم تعد لك فائدة تُذكر، قد انتهى عصرك.
بدت حركة من القلم تنم عن غضبه، إلا أنه لم يتكلم، فتابعت بعد ضحكة مدوية:
أتعلم؟ كان الواجب أن يضعوك في متحف للآثار، تكون مجرد ذكرى من الماضي، يتردد عليك الزائرون.
تحرك القلم حركة عنيفة، إلا أنه لم يزل في نطاق الصمت، فواصلت حديثها التهكمي المستفز، وهي تطلق ضحكات هستيرية:
ما رأيك في فكرة الانتحار؟ وبعدها يأتي الخبر على صفحات الجرائد والصحف الالكترونية يقول: انتحار قلم يأس من حياته، قالتها وقد انبعثت منها ضحكات متتالية قطعها صرخة القلم: كفى.
أرادت الاستطراد في حديثها، فكرر القلم في عنف:
كفى، قلت كفى، ما هذه الغطرسة التي تتحدثين بها، لم كل هذا القدر من التعالي؟ بدأت تتكلم اللوحة بهدوء ترد على سؤاله:
هذا حقي، العصر عصري، وهذا أواني، استخدامي هو الأسرع، هو الأكثر اتقانًا، هو الأقدر على التحكم في الشطب والتعديل، وإمكانات عالية في اللون والتنسيق واختيار مختلف الفونتات، هل تريد المزيد؟
أجابها: كلا أعلم كل هذه الميزات جيدًا، ولا أنكرها، وأعترف وأقر بها، فلماذا لا تعترفين بي؟ أجابت بكلمات متقطعة ممطوطة تحمل قدرًا كبيرًا من السخرية: أعترف بماذا؟ أنت مجرد ماضي.
القلم بحزم: قلت كفي عن السخرية، وأصغي سمعك إلي إذن، حتى تعلمي أنك لم تحتكري العصر، فقالت باهتمام مصطنع: كلي آذان صاغية يا فيلسوف.
تجاهل هذه المرة وهو يقول: أعلمت أن القلم هو أول مخلوق خلقه الله ولا فخر؟
أعلمت كم من أحقاب وآلاف من السنين مضت علي وما زلت باقيًا، مرت علي عهود وأمم شتى، قد سجلت عبرها التاريخ الذي تستلهم منه خارطة الطريق لهذه للأمة؟
بدأت تضطرب في حديثها، وقالت على استحياء : نعم.
فاستطرد: أخبريني، إذا ما وصفوا براعة الكاتب، ألا ترين أنهم يقولون: صاحب القلم السيال، صاحب القلم الرشيق....أعلمت ذلك؟
صمتت برهة ثم همست بكلمة: نعم، في خفوت لكنه تابع حديثه:
لو أن الكاتب قفزت إلى ذهنه فكرة وهو على سريره أو في طريقه، أكان ينتظر حتى يفتح الجهاز ويضرب أزرارك للكتابة، أم أنه يمسك بي بين أصابعه ويدون فكرته في الحال؟ فلم تنطق اللوحة، فتابع القلم:
أرأيت لو أن التيار قد انقطع، هل سيكون لك فائدة حينذاك؟
أرأيت لو نضبت الطاقة من الأرض، وفقدت مقومات حياتك، هل سيكون لك وجود في عالم الكتابة؟
هنا قالت اللوحة بصوت هزيل بعد فترة من الصمت:
الحق معك، لقد أعماني بريق الشهرة عن رؤية هذه الحقائق، أنا فعلا جد آسفة، كنت مخطئة.
هنا ارتسمت معالم الهدوء على حركة القلم، وقال: أتعلمين؟ أنا وأنت يكمل أحدنا الآخر، أنا أمثل الأصالة وأنت تمثلين المعاصرة، وهما أساس نهضة هذه الأمة، والتي لا يسوغ لها الوقوف عند ذكرى تراثها، أو الاستغراق في المدنية دون خلفية تاريخية تكون مدادا لصنع حضارتها.
تحركت أزرار الكي بورد في هدوء تعبيرًا عن الرضى بهذه الحقيقة العادلة.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى