رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام1
موقعة اليرموك
كان اهتمام أبي بكر الصديق بغزو الشام أشد من اهتمامه بالعراق، لذلك عول على استدعاء خالد بن الوليد وأمره بالمسير وأن يأخذ نصف الناس ويستخلف على النصف الآخر المثنى بن حارثة الشيباني ووعده بأنه إذا انتصر في الشام أعاده إلى العراق، ثم بدأ خالد يختار جيشه فاستأثر خالد بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على المثنى وترك للمثنى عددهم من أهل القناعة ممن ليس له صحبة، ثم قسم الجند نصفين فقال المثنى: والله لا أقيم على إنفاذ أمر أبي بكر وبالله ما أرجو النصر إلا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، خرج معه 9000 وصاحبه المثنى إلى حدود الصحراء ليودعه.
سار خالد بجيشه فلما وصل إلى قراقر وهو ماء لكلب أغار على أهلها وأراد أن يسير عنهم مفوزا إلى سوى وهو ماء لبهراء، ثم أتى أراك فصالحوه، ثم أتى تدمر ففتحها صلحا وذلك أنه لما مر بها في طريقه تحصن أهلها منه فأحاط بهم من كل وجه فلم يقدر عليهم، ولما أعجزه الرحيل قال: يا أهل تدمر والله لو كنتم في السحاب لا ستنزلناكم ولأظهرنا الله عليكم ولئن أنتم لم تصالحوا لأرجعن إليكم إذا انصرفت من وجهي هذا ثم لأدخلن مدينتكم حتى أقت مقاتليكم وأسبي ذراريكم.
فلما ارتحل عنهم بعثوا إليه وصالحوه على ما أدوه له ورضي به، ثم أتى خالد القريتين فقاتلهم فظفر بهم وغنم وأتى حوارين، فقاتل أهلها وهزمهم وقتل وسبى وأتى قصم - وهي موضع بالبادية قرب الشام من نواحي العراق - فصالحه مشجعة من قضاعة وسار فوصل ثنية العقاب - وهي ثنية مشرفة على غوطة دمشق يطؤها القاصد من دمشق إلى حمص - ناشرا رايته العقاب وهي راية سوداء، ثم سار فأتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم فقاتل وأرسل سرية إلى كنيسة بالغوطة فقتلوا الرجال وسبوا النساء وساقوا العيال إلى خالد ثن سار حتى وصل بصرى فقاتل من بها فظفر بهم وصالحهم فكانت بصرى أول مدينة فتحت بالشام على يد خالد وأهل العراق وبعث بالأخماس إلى أبي بكر ثم سار فطلع على المسلمين في ربيع الآخر باليرموك فوجدهم يقاتلون الروم متساندين كل أمير على جيش: أبو عبيدة على جيش ويزيد بن أبي سفيان على جيش وشرحبيل ابن حسنة على جيش وعمرو بن العاص على جيش، فقال خالد :
إن هذا اليوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي فأخلصوا لله جهادكم وتوجهوا لله تعالى بعملكم فإن هذا يوم له ما بعده وإن من وراءكم لو يعلم عملكم حال بينكم وبين هذا، فاعلموا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه هو الرأي من واليكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/445. البداية والنهاية: 7/53.
ص -84- قالوا فما الرأي؟ قال إن الذي أنتم عليه أشد على المسلمين مما غشيهم، وأنفع للمشركين من أمدادهم، ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم، والله فهلموا فلنتعاور1 الإمارة، فليكن علينا بعضنا اليوم وبعضنا غدا والآخر بعد غد حتى يتامر كلكم: ودعوني اليوم عليكم، قالوا: نعم، فأمروه فكان الفتح على يد خالد، وجاء البريد يومئذ بموت أبي بكر وخلافة عمر وتأمير أبي عبيدة على الشام كله وعزل خالد، فأخذ الكتاب منه وتركه في كنانته ووكل به من يمنعه أن يخبر الناس بالأمر لئلا يضعفوا إلى أن هزم الله العدو وقتل منهم نحو 100.000 ثم دخل على أبي عبيدة وسلم عليه بالإمارة.
التحام الجيشين وانتصار المسلمين2
كان عدد المسلمين كما يأتي :
21.000 عدد جيش الأمراء الأربعة.
6.000 جيش عكرمة بن أبي جهل.
9.000 جيش خالد بن الوليد.
3.000 فلول جيش خالد بن سعيد.
39.000 مجموع جيوش المسلمين وقيل 40.000.
جيش الروم:
80.000 مقيد.
40.000 مسلسل للموت.
40.000 مربوطين بالعمائم لئلا يفروا.
240.000.
ولم يعرف عدد الفرسان في الجيشين.
عبأ خالد جيشه وقسمه إلى أربعين كردوسا وجعل على كل كردوس رجلا من الشجعان وجعله على ثلاث فرق قلب وميمنة وميسرة :
1- أبو عبيدة على كراديس القلب.
2- عمرو بن العاص وشرحبيل ابن حسنة على كراديس الميمنة.
3- يزيد بن أبي سفيان على كراديس الميسرة.
وجعل على الطلائع قباث بن أشيم وعلى الأقباض عبد الله ببن مسعود، وكان أبو سفيان يسير فيقف على الكراديس فيقول :
الله، الله، إنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك اللهم إن هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- فلنتعارو: فلنتعاون.
2- تاريخ الطبري: 2/335، البداية والنهاية: 7/7.
ص -85- يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك.
وقال رجل لخالد: ما أكثر الروم وأقل المسلمين.
فقال خالد: ما أقل الروم وأكثر المسلمين، إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر "فرسه " براء من توجيه وأنهم أضعفوا في العدد وكان فرسه قد حفى في مسيره،
ثم أمر خالد عكرمة والقعقاع وكانا على مجنبتي القلب فأنشبا القتال وارتجز القعقاع وقال :
يا ليتني ألقاك في الطراد قبل اعترام1 الجحفل2 الوراد
وأنت في حلبتك الوراد
وقال عكرمة :
قد علمت بهكنة3 الجواري أني على مكرمة أحامي
فنشب القتال والتحم الناس وتطارد الفرسان ثم أتى البريد كما ذكرنا.
إسلام جرجة4
ثم خرج "جرجة " حتى كان بين الصفين ونادى ليخرج إلي خالد فخرج إليه خالد وأقام أبا عبيدة مكانه فواقفه بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيهما وقد أمن أحدهما صاحبه فقال جرجة :
يا خالد أصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع أنشدك بالله هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه فلا تسله على قوم إلا هزمتهم؟
قال: لا.
قال: فبم سميت سيف الله؟
قال: إن الله عز وجل بعث فينا نبيه صلى الله عليه وسلم فدعانا فنفرنا عنه ونأينا عنه جميعا ثم إن بعضنا صدقه وتابعه وبعضنا باعده وكذبه فكنت فيمن باعده وكذبه وقاتله ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا وفهدانا به فتبعناه فقال: أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله بذلك فأنا من أشد المسلمين على المشركين5
- صدقني.
ثم أعاد عليه جرجة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- اعتزام: اشتداد
2- الجحفل: الجيش الكبير.
3- بهكنة الجواري: هي الجارية الخفيفة الروح الطيبة الرائحة المليحة الحلوه.
4- تاريخ الطبري: 2/337، المنتظم: 4/120.
5- البداية والنهاية: 7/13.
ص -86- - يا خالد، أخبرني إلام تدعوني؟
- إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله.
- فمن لم يجبكم؟
- فالجزية ونمنعه.
- فإن لم يعطها؟
- نؤذنه بحرب ثم نقاتله.
- فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا الأمر اليوم؟
- منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا.
ثم أعاد عليه جرجة :
- هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل ما لكم من الأجر والذخر؟
- نعم وأفضل.
- كيف يساويكم وقد سبقتموه؟
- إنا دخلنا في هذا الأمر وبايعنا نبينا صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتب ويرينا الآيات وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا
بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألفني؟
- بالله لقد صدقتك وما بي إليك ولا إلى أحد منكم وحشة وإني لو لي ما سألت عنه.
- صدقتني.
ثم قلب جرجة الترس ومال مع خالد، وقال: علمني الإسلام فمال به خالد إلى فسطاطه فشن عليه قربة من ماء ثم صلى جرجة ركعتين وحملت الروم مع انقلابه على خالد إذ كانوا يظنون أن جرجة يحمل على المسلمين فأزالوا المسلمين عن مواقفهم فركب خالد معه جرجة والروم خلال المسلمين فتنادى الناس فثابوا وتراجعت الروم على مواقفهم.
استمرار القتال1
زحف خالد حتى تصافح الجيشان بالسيوف فضرب فيهم خالد وجرجة من ارتفاع النهار إلى الغروب ثم أصيب جرجة ولم يصل صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما وصلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/337، المنتظم: 4/120.
ص -87- الناس الأولى والعصر إيماء وتضعضع الروم ونهض خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم ورجلهم ففر الفرسان إلى الصحراء وبقي المشاة فاقتحم المسلمون خندقهم فهوى فيها المقترنون بالسلاسل والعمائم وغيرهم وقتلوا وقتل الفيقار وأشراف الروم وكان عدد من تهافت في الخندق 120.000 منهم 80.000 مقرن 40.000 مطلق سوى من قتل في المعركة من الفرسان والمشاة.
ولما انهزمت الروم كان هرقل بحمص فنادى بالرحيل عنها قريبا وجعلها بينه وبين المسلمين وأمر عليها أميرا كما أمر على دمشق.
قتلى المسلمين
أصيب من المسلمين 3000 منهم :
عكرمة وابنه عمرو، سلمة بن هشام، وعمرو بن سعيد، أبان بن سعيد وأثبت خالد بن سعيد فلا يدري أين مات بعد، جندب بن عمرو، الطفيل بن عمرو، طليب بن عمير، هشام بن العاص، عياش بن أبي ربيعة، سعيد بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي، نعيم بن عبد الله النحام العدوي، النصير بن الحارث بن علقمة، أبو الروم بن عمير بن هاشم العبدري، وأصيبت عين أبي سفيان بن حرب في الموقعة فأخرج السهم من عينه أبو حثمة، وقد قاتل النساء ومنهن جويرية بنت أبي سفيان.
وقال خالد يومئذ :
الحمد لله الذي قضى على أبي بكر بالموت وكان أحب إلي من عمر والحمد لله الذي ولى عمر وكان أبغض إلي من أبي بكر ثم ألزمني حبه1.
وكان عمر ساخطا على خالد في خلافة أبي بكر كلها لوقعته بابن نويرة وما كان يعمل في حربه ولذا كان أول عمله عزل خالد، وقال لا يلي لي عملا أبدا2، ثم إن عمر رضي الله عنه لما رأى انتصارات خالد الباهرة وانقياد المسلمين له في جميع الوقائع واستماتتهم بين يديه خشي أن يفتتن الناس به وربما تحدثه نفسه فيشق عصا المسلمين، وروى أن عمر استدعاه بعد عزله إلى المدينة فعاتبه خالد، فقال له عمر: ما عزلتك لريبة3 فيك ولكن افتتن بك الناس فخفت أن تفتتن بالناس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/339.
2- تاريخ الطبري: 2/356، البداية والنهاية: 7/18.
3- الريب: الشك.
موقعة اليرموك
كان اهتمام أبي بكر الصديق بغزو الشام أشد من اهتمامه بالعراق، لذلك عول على استدعاء خالد بن الوليد وأمره بالمسير وأن يأخذ نصف الناس ويستخلف على النصف الآخر المثنى بن حارثة الشيباني ووعده بأنه إذا انتصر في الشام أعاده إلى العراق، ثم بدأ خالد يختار جيشه فاستأثر خالد بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على المثنى وترك للمثنى عددهم من أهل القناعة ممن ليس له صحبة، ثم قسم الجند نصفين فقال المثنى: والله لا أقيم على إنفاذ أمر أبي بكر وبالله ما أرجو النصر إلا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، خرج معه 9000 وصاحبه المثنى إلى حدود الصحراء ليودعه.
سار خالد بجيشه فلما وصل إلى قراقر وهو ماء لكلب أغار على أهلها وأراد أن يسير عنهم مفوزا إلى سوى وهو ماء لبهراء، ثم أتى أراك فصالحوه، ثم أتى تدمر ففتحها صلحا وذلك أنه لما مر بها في طريقه تحصن أهلها منه فأحاط بهم من كل وجه فلم يقدر عليهم، ولما أعجزه الرحيل قال: يا أهل تدمر والله لو كنتم في السحاب لا ستنزلناكم ولأظهرنا الله عليكم ولئن أنتم لم تصالحوا لأرجعن إليكم إذا انصرفت من وجهي هذا ثم لأدخلن مدينتكم حتى أقت مقاتليكم وأسبي ذراريكم.
فلما ارتحل عنهم بعثوا إليه وصالحوه على ما أدوه له ورضي به، ثم أتى خالد القريتين فقاتلهم فظفر بهم وغنم وأتى حوارين، فقاتل أهلها وهزمهم وقتل وسبى وأتى قصم - وهي موضع بالبادية قرب الشام من نواحي العراق - فصالحه مشجعة من قضاعة وسار فوصل ثنية العقاب - وهي ثنية مشرفة على غوطة دمشق يطؤها القاصد من دمشق إلى حمص - ناشرا رايته العقاب وهي راية سوداء، ثم سار فأتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم فقاتل وأرسل سرية إلى كنيسة بالغوطة فقتلوا الرجال وسبوا النساء وساقوا العيال إلى خالد ثن سار حتى وصل بصرى فقاتل من بها فظفر بهم وصالحهم فكانت بصرى أول مدينة فتحت بالشام على يد خالد وأهل العراق وبعث بالأخماس إلى أبي بكر ثم سار فطلع على المسلمين في ربيع الآخر باليرموك فوجدهم يقاتلون الروم متساندين كل أمير على جيش: أبو عبيدة على جيش ويزيد بن أبي سفيان على جيش وشرحبيل ابن حسنة على جيش وعمرو بن العاص على جيش، فقال خالد :
إن هذا اليوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي فأخلصوا لله جهادكم وتوجهوا لله تعالى بعملكم فإن هذا يوم له ما بعده وإن من وراءكم لو يعلم عملكم حال بينكم وبين هذا، فاعلموا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه هو الرأي من واليكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/445. البداية والنهاية: 7/53.
ص -84- قالوا فما الرأي؟ قال إن الذي أنتم عليه أشد على المسلمين مما غشيهم، وأنفع للمشركين من أمدادهم، ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم، والله فهلموا فلنتعاور1 الإمارة، فليكن علينا بعضنا اليوم وبعضنا غدا والآخر بعد غد حتى يتامر كلكم: ودعوني اليوم عليكم، قالوا: نعم، فأمروه فكان الفتح على يد خالد، وجاء البريد يومئذ بموت أبي بكر وخلافة عمر وتأمير أبي عبيدة على الشام كله وعزل خالد، فأخذ الكتاب منه وتركه في كنانته ووكل به من يمنعه أن يخبر الناس بالأمر لئلا يضعفوا إلى أن هزم الله العدو وقتل منهم نحو 100.000 ثم دخل على أبي عبيدة وسلم عليه بالإمارة.
التحام الجيشين وانتصار المسلمين2
كان عدد المسلمين كما يأتي :
21.000 عدد جيش الأمراء الأربعة.
6.000 جيش عكرمة بن أبي جهل.
9.000 جيش خالد بن الوليد.
3.000 فلول جيش خالد بن سعيد.
39.000 مجموع جيوش المسلمين وقيل 40.000.
جيش الروم:
80.000 مقيد.
40.000 مسلسل للموت.
40.000 مربوطين بالعمائم لئلا يفروا.
240.000.
ولم يعرف عدد الفرسان في الجيشين.
عبأ خالد جيشه وقسمه إلى أربعين كردوسا وجعل على كل كردوس رجلا من الشجعان وجعله على ثلاث فرق قلب وميمنة وميسرة :
1- أبو عبيدة على كراديس القلب.
2- عمرو بن العاص وشرحبيل ابن حسنة على كراديس الميمنة.
3- يزيد بن أبي سفيان على كراديس الميسرة.
وجعل على الطلائع قباث بن أشيم وعلى الأقباض عبد الله ببن مسعود، وكان أبو سفيان يسير فيقف على الكراديس فيقول :
الله، الله، إنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك اللهم إن هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- فلنتعارو: فلنتعاون.
2- تاريخ الطبري: 2/335، البداية والنهاية: 7/7.
ص -85- يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك.
وقال رجل لخالد: ما أكثر الروم وأقل المسلمين.
فقال خالد: ما أقل الروم وأكثر المسلمين، إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر "فرسه " براء من توجيه وأنهم أضعفوا في العدد وكان فرسه قد حفى في مسيره،
ثم أمر خالد عكرمة والقعقاع وكانا على مجنبتي القلب فأنشبا القتال وارتجز القعقاع وقال :
يا ليتني ألقاك في الطراد قبل اعترام1 الجحفل2 الوراد
وأنت في حلبتك الوراد
وقال عكرمة :
قد علمت بهكنة3 الجواري أني على مكرمة أحامي
فنشب القتال والتحم الناس وتطارد الفرسان ثم أتى البريد كما ذكرنا.
إسلام جرجة4
ثم خرج "جرجة " حتى كان بين الصفين ونادى ليخرج إلي خالد فخرج إليه خالد وأقام أبا عبيدة مكانه فواقفه بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيهما وقد أمن أحدهما صاحبه فقال جرجة :
يا خالد أصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع أنشدك بالله هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه فلا تسله على قوم إلا هزمتهم؟
قال: لا.
قال: فبم سميت سيف الله؟
قال: إن الله عز وجل بعث فينا نبيه صلى الله عليه وسلم فدعانا فنفرنا عنه ونأينا عنه جميعا ثم إن بعضنا صدقه وتابعه وبعضنا باعده وكذبه فكنت فيمن باعده وكذبه وقاتله ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا وفهدانا به فتبعناه فقال: أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله بذلك فأنا من أشد المسلمين على المشركين5
- صدقني.
ثم أعاد عليه جرجة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- اعتزام: اشتداد
2- الجحفل: الجيش الكبير.
3- بهكنة الجواري: هي الجارية الخفيفة الروح الطيبة الرائحة المليحة الحلوه.
4- تاريخ الطبري: 2/337، المنتظم: 4/120.
5- البداية والنهاية: 7/13.
ص -86- - يا خالد، أخبرني إلام تدعوني؟
- إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله.
- فمن لم يجبكم؟
- فالجزية ونمنعه.
- فإن لم يعطها؟
- نؤذنه بحرب ثم نقاتله.
- فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا الأمر اليوم؟
- منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا.
ثم أعاد عليه جرجة :
- هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل ما لكم من الأجر والذخر؟
- نعم وأفضل.
- كيف يساويكم وقد سبقتموه؟
- إنا دخلنا في هذا الأمر وبايعنا نبينا صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتب ويرينا الآيات وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا
بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألفني؟
- بالله لقد صدقتك وما بي إليك ولا إلى أحد منكم وحشة وإني لو لي ما سألت عنه.
- صدقتني.
ثم قلب جرجة الترس ومال مع خالد، وقال: علمني الإسلام فمال به خالد إلى فسطاطه فشن عليه قربة من ماء ثم صلى جرجة ركعتين وحملت الروم مع انقلابه على خالد إذ كانوا يظنون أن جرجة يحمل على المسلمين فأزالوا المسلمين عن مواقفهم فركب خالد معه جرجة والروم خلال المسلمين فتنادى الناس فثابوا وتراجعت الروم على مواقفهم.
استمرار القتال1
زحف خالد حتى تصافح الجيشان بالسيوف فضرب فيهم خالد وجرجة من ارتفاع النهار إلى الغروب ثم أصيب جرجة ولم يصل صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما وصلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/337، المنتظم: 4/120.
ص -87- الناس الأولى والعصر إيماء وتضعضع الروم ونهض خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم ورجلهم ففر الفرسان إلى الصحراء وبقي المشاة فاقتحم المسلمون خندقهم فهوى فيها المقترنون بالسلاسل والعمائم وغيرهم وقتلوا وقتل الفيقار وأشراف الروم وكان عدد من تهافت في الخندق 120.000 منهم 80.000 مقرن 40.000 مطلق سوى من قتل في المعركة من الفرسان والمشاة.
ولما انهزمت الروم كان هرقل بحمص فنادى بالرحيل عنها قريبا وجعلها بينه وبين المسلمين وأمر عليها أميرا كما أمر على دمشق.
قتلى المسلمين
أصيب من المسلمين 3000 منهم :
عكرمة وابنه عمرو، سلمة بن هشام، وعمرو بن سعيد، أبان بن سعيد وأثبت خالد بن سعيد فلا يدري أين مات بعد، جندب بن عمرو، الطفيل بن عمرو، طليب بن عمير، هشام بن العاص، عياش بن أبي ربيعة، سعيد بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي، نعيم بن عبد الله النحام العدوي، النصير بن الحارث بن علقمة، أبو الروم بن عمير بن هاشم العبدري، وأصيبت عين أبي سفيان بن حرب في الموقعة فأخرج السهم من عينه أبو حثمة، وقد قاتل النساء ومنهن جويرية بنت أبي سفيان.
وقال خالد يومئذ :
الحمد لله الذي قضى على أبي بكر بالموت وكان أحب إلي من عمر والحمد لله الذي ولى عمر وكان أبغض إلي من أبي بكر ثم ألزمني حبه1.
وكان عمر ساخطا على خالد في خلافة أبي بكر كلها لوقعته بابن نويرة وما كان يعمل في حربه ولذا كان أول عمله عزل خالد، وقال لا يلي لي عملا أبدا2، ثم إن عمر رضي الله عنه لما رأى انتصارات خالد الباهرة وانقياد المسلمين له في جميع الوقائع واستماتتهم بين يديه خشي أن يفتتن الناس به وربما تحدثه نفسه فيشق عصا المسلمين، وروى أن عمر استدعاه بعد عزله إلى المدينة فعاتبه خالد، فقال له عمر: ما عزلتك لريبة3 فيك ولكن افتتن بك الناس فخفت أن تفتتن بالناس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/339.
2- تاريخ الطبري: 2/356، البداية والنهاية: 7/18.
3- الريب: الشك.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى