مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فريضة طلب العلم ومسؤولية المسلم الذاتية | ||
بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي | ||
الحمـد الله الذي علّم الإِنسان ما لم يعلم ، وميّز بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى أله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين : ( ... قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكّر أولوا الألباب )[ الزمر : 9] الحمد الله الذي جعل العلم فريضة على كلّ مسلم . ففي الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم يرويه عدد من الصحابة رضي الله عنهم : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) صحيح الجامع الصغير وزيادته /3913 الحمد الله الذي أَنْزَلَ الكِتابَ على عَبْدِه محمد صلى الله عليه وسلم ، وجعل أساس العلم كله كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأمر عبده صلى الله عليه وسلم أن يذكّر بالقرآن ، فهـو النور والهداية في الدنيا ، وهو أساس الحساب والنجاة في الآخرة : ( ... فذكِّـرْ بالقرآن من يخاف وعيـد ) [ ق : 45 ] أخي المسلم ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . إليك يا أخي المسلم أسوق هذه الكلمات , لأُذكِّرك وأُذكِّر نفسي قبل أن نغادر هذه الدنيا ونلقى الله سبحانه وتعالى . نذكر أنفسنا اليوم , فقد سبقت كلمة الله لتكون الحياة الدنيا هي الفرصة الوحيدة أمام الإنسان ليفكر ويصلح من أمره , ويتوب ويستغفر , ثم يمضي على الصراط المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه . هل سألت نفسك : أتؤثر الحياة الآخرة على الحياة الدنيا , فتجعل حياتك الدنيا وفاء بأمانة وعبادة , وعمارة للأرض بالإيمان , كما يأمرك الله ؟! هل تؤمن أن الموت حقٌّ وأن الساعـة لا ريب فيها , وأن البعث حق والحساب حق , وأن الجـنَّـة حق والنَّـار حق , وهل هذه حقيقة مستقرة في نفسك تضبط مسيرتك ؟! هل تعرف الأمانة التي خلقـك الله للوفاء بها , وهل تعرف على ضوء ذلك مسؤولياتك الفردية التي سيحاسبك الله عليها؟! هل تحب حقاً أن تنصر الله ورسوله , وأن تنصر دينه ؟! فإن كنت حقا تحب ذلك فماذا فعلت وقدمت ؟! اعلم يا أخي المسلم أن الله الذي فرض علينا التكاليف الربانية وفَّـر لنا سبيل الوفاء بها , ويسَّر لنا ذلك بأن جعلها صراطاً مستقيما واحداً حتى لا يختلف عليه الناس ولا يضلَّ عنه أحد . وجعله منهجاً متكاملاً ميسَّـراً للفهم والتدبر والتطبيق . 1 ـ واقع المسلمين اليوم : في هذه اللحظات الحرجة التي يمر بها المسلمون اليوم أحداث مروعة وفواجع كبيرة , يكاد المسلم يقف أمامها حائراً . وإذا عاد إلى نفسه ليحاسبها , وردَّ الأمور إلى منهاج الله , وجد أن كلَّ ما يجري في هذا الكون من أمر صغير أو كبير لا يجري إلا بقضاء الله وقدره : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر . وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر .) [ القمر : 50, 49 ] ويجد كذلك أن قضاء الله وقدره حقٌّ عادل لا يظلم أبداً : ( والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله سميع بصير ) [ غافر :20 ] ( إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون ) [ يونس : 44] فمن هنا نستنتج بيسر أن الخلل هو في واقع المسامين اليوم , وأن ما ينزل بنا من بلاء هو بما كسبت أيدينا , فالله حق عادل لا يظلم ! ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) [الشورى :30] فلا بد أن نعود إلى أنفسنا , ونبحث عن نواحي الخلل , ونبدأ بمعالجة أخطائنا وتقصيرنا , حتى نكون أقرب إلى طاعة الله وأقرب إلى النجاة والنصر من عند الله . ولا بد أن تكون دراسة الخلل منهجية تخضع لمنهج محدَّد واضح وميزان أمين ثابت , وأن يكون العلاج أيضا يخضع إلى منهج واضح , بعيدا عن الارتجال وردود الفعل الآنية , منهج نابع من الكتاب والسنة , متَّـبعين النهج الذي أمرنا الله أن نعضَّ عليه بالنواجذ . لا نستطيع هنا أن نستعرض التكاليف الربانية كلها , ولا مظاهر الخلل كلها , ولا وسائل العلاج كلها , ولكننا نشير إشارات سريعة لمعظم ذلك , ونتناول في هذه الكلمة قضية واحدة من هذا النهج . أن من أبرز مظاهر الخلل في واقع المسلمين اليوم هجر الملايين من المسلمين كتاب الله وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم , حتى غلب الجهل عليهم . وامتد الجهل بالملايين من المسلمين إلى الجهل باللغة العربية , واستبدل الملايين من المنتـسبيـن إلى الإسلام بها لغات أخرى , فزاد ذلك من هجرهم للكتاب والسنة وجهلهم بهما . فوقع الانحراف عند الكثيرين , وأخذت المعاصي والآثام تزداد , وتسلل الأعداء إلى واقع المسلمين وإلى ديارهم ودلفوا بأفكارهم ومذاهبهم ولغاتهم , وبفجورهم وانحلالهم , وجيوشهم وعدَّتهم , فتفرقت الأمة أقطاراً ودياراً , وشيعاً وأحزاباً . وأخذت مذاهبهم تتسلل بين المسلمين , حتى ألف بعضهم تلك المذاهب ثم اتبعوها , ثم أصبحوا دعاتها . ولم ينتبه المسلمون ليواجهوا ذلك في حينه بنهج وخطة , وصف واحد , حتى زاد انتشار مذاهبهم ومبادئهم , وأخذت تتزايد أمراض الواقع ويزداد الخلل . ونعتبر أن أخطر قضية من بين هذه القضايا هي قضية الإيمان والتوحيد , وقضية العلم الذي أمرنا الله بطلبه والسعي إليه . وأساس العلم كله منهاج الله : قرآناً وسنةً ولغة عربية . ولمعالجة هذا الخلل , هجر منهاج الله , وما يترتب على ذلك من خلل واضطراب في الإيمان والتوحيد , فلا بد أن تخضع المعالجة إلى منهج عمليٍّ نابع من الكتاب والسنة وقواعد الإيمان والتوحيد , ومدرسة النبوة الخاتمة الخالدة . 2 ـ التكاليف الربانيّـة : ـ وكان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعل الكتاب والسنّة منهجـاً ربّانيّـاً متكاملاً مترابطـاً , لغته العربية التي اختارها الله سبحانه وتعالى لتكون لغة الوحي والنبوة و القرآن ، ولغة الذكر ولغة الإسلام . فكان المنهاج الربّاني ـ قرآناً وسنّةً ولغة وعربيّة ـ معجزاً لا يقوى أحد من الجن والإنس على أن يأتي بمثله أو بعشر سور مفتريات أو بسورة واحدة . وكان من إعجازه أن جعله الله ميسَّراً للذكر على قلب كلِّ من آمن وعرف اللغة العربية . فالإيمان واللغة العربية مفتاحا تدبر كتاب الله وفهمه , وأساس اليسر فيه : ( ولقد يسْرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) [ القمر 17، 22، 32 ، 40 ] وكان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن فصّل في المنهاج الربّاني التكاليف التي وضعها في عنق كلّ مسلم ، والتي سيحاسَبُ عليها يوم القيامة . وجعل هذه التكاليف مترابطة متماسكة متكاملة ، تمضي كلها على صراط مستقيم واحد ، وجعله الله مستقيماً وواحداً حتى لا يضلَّ عنه مؤمن ولا يُخْتلَفَ عليه ، ليمضي المؤمنون صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص ، كما يحبّ الله أن يكون عليه المؤمنون الذين يحملون رسالة الله ويجاهدون في سبيله : ( وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرَّق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )[ الأنعام : 153 ] ( إِنّ الله يحبُّ الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنهم بنيان مرصوص )[ الصف : 4 ] وكان من رحمته سبحانه وتعالى أن بعث محمداً صلى الله عليه وسلم ليبلّغ رسالة الله ، ولتكون سيرته تطبيقاً عمليَّاً لمنهاج الله ، وليكون النبيّ الخاتم أُسوةً حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر وذكر الله كثيراً ) [ الأحزاب : 21 ] ومن هنا جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه العرباض بن سارية رضي الله عنه : ( ... فعليكم بسنَّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضُّوا عليها بالنواجذ ) [ أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة ] وفي الحديث الصحيح يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي , ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض . ) [ صحيح الجامع الصغير وزيادته : 2938 ] وكلمة السنّة هنا تعني : الطريق والنهج . فلقد علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه نهجاً يتّبعونه ومنهاجاً يسيرون عليه ، في صورته المترابطة المتكاملة , وليس مجرّد قواعد متناثرة أو أحداث متفرّقة . إِلى هذا النهج أو المنهاج ، إِلى هذه السنّة النبويّة الشريفة ، ندعو أنفسنا وندعو كلّ مسلم ليتعلّمهـا وليَعضَّ عليها بنواجذه ، لِنَنْجُوَ من فتنة الدنيا ومن عذاب الآخرة ، ولنُوفيَ بالأَمانَةَ التي خُلِقْنا لها ، والعهـد الذي أخذه الله من بني آدم ، ولتصدُقَ منا العبادة لله وحده والخلافة في الأرض التي أَمَرَنا بها , عسى الله أن يُنزل نصره ويرفع بلاءه . ولنجمع قواعد هذا النهج وهذه السنة النبوية في أسلوب ميسَّـر يلبي حاجة واقعنا اليوم , فإننا نقدم ما نسمِّـه " المنهاج الفردي " أو " الذاتي " , لكل مسلم , ولكل أسرة , ولكل جماعة وحركة . ولو رجعنا إِلى مدرسة النبوّة الخاتمة ، مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم ، وإلى الكتاب والسنّة بصفة عامة ، لوجدنا أن هذا المنهاج الفرديّ خاضع لذلك كله مرَّتب على ضوء واقعنا اليوم معتمد على أسس ربانية . فالتلاوة والتدبر والحفظ والمراجعة ، والسنّة ، واللغة العربيّة ، ووعي الواقع ، وممارسة منهاج الله في الواقع ، كلّ ذلك مقرّر في الكتاب والسنّة ، وممارس في مدرسة النبوة الخاتمة بالأسلوب الذي كان يتطلبه ذلك الواقع ، حين لم يكن هنالك مصاحف بين أيدي الصحابة رضي الله عنهم ، وإنما كان ذلك في صدورهم . وكانوا يلتقون ويتفقّهون بالكتاب والسنَّة في المساجد والبيوت وسائر الميادين . عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله في كم أقرأ القرآن ؟ قال : اقرأه في كل شهر . قال قلت : إني أقوى على أكثر من ذلك . قال : " اقرأه في خمس وعشرين " . قلت : إني أقوى على أكثر من ذلك . قال :" اقرأه في عشرين " . قلت : إني أقوى على أكثر من ذلك . قال " اقرأه في خمس عشر " . قلت : إني أقوى على أكثر مـن ذلك . قال : " اقرأه في سبع " . قلت : إني أقوى على أكثر من ذلك . قال : لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث . [ أحمد : الفتح الرباني : 18/18/19 ] تدريب على العمل المنهجي ، وعلى التلاوة والتدبر والتفقه ، وعلى المتابعة والاستمرار صحبة عمر وحياة . والأدلة من الكتاب والسنة كثيرة على كل ما أوردناه ، نجد معظمها متوافرة في كتاب : " حتى نتدبر منهاج الله " . إننا نؤمن أنّ هذه القضية ملازمة للقضية الأولى ، القضيّة الأخطر في حياة الإنسان ، والحقيقـة الكبرى في الكون والحياة ، قضيّة الإِيمان والتوحيد قضيّتان متلازمتان ، تدفع كلٌّ منهما المسلم إِلى القضيّـة الأُخرى ، حتى يظلّ التأثير بينهما متبادلاً ، ينمو الإيمان بذلك بفضل الله ، وينمو العلم ، وتزكو حياة المسلم ، ويلتقي المؤمنون . إِن المسلم الذي هجر كتاب الله زمناً ، حين يعود إليه يجد مع اللحظات الأولى بعض الصعوبة . فإن ثابر وعزم ومضى يتفتح الخير أمامه ، ويزداد النور وينشرح الصـدر . فمثله في ذلك مثل رجل دخل باب دار ظنّها مظلمة ، فوجد أمامه شمعة تضيء . فإذا تابع المسيرة وجد مصباحاً ، فإذا تابع وجد مصباحين ، فإذا تابع وجد المصابيح تتزايد والنور أمامه يموج ، فيخرج بإذن ربه من الظلمات إلى النور . 3ـ الخطوات الأولى على الدرب : ـ إن الخطوة الأولى هي أن يدرك المسلم نفسه أن هذه مسؤوليّته الفرديّة ، وتكليف ربّانيّ عليه , سيحاسَبُ عليه ، ويمكنه الاستعانة بإمكانات الواقع للوفاء بهذه المسؤوليّة ، ولكن لا يحلُّ له أن يقعد تاركاً لهذه المسؤولية أو لا هياً عنها بأعذار واهية غير مقبولة في دين الله . والخطوة الثانية أن يدرك أن هذه المسؤولية يجب أن تأخذ وسعه الصادق الذي وهبه الله إياه ، ولا وسعه الكاذب الذي يسوّغ تفلّته وإدباره . والخطوة الثالثة أن يُقَدَّم للمسلم في واقعنا اليوم منهجا عملياً ميـسَّراًً يستطيع المسلم أَن يَمْضِيَ عليه بجهد ميسور أمين عادل ، مستعيناً بما يتيسر له من إمكانات المجتمع ، وهي كثيرة بعون الله وفضله ونعمه , وعون العلماء والأئمة الصالحين . وإنما على المسلم أن يصدق الله في نيّته وعزيمته ، حتى ينطلق بمبادرة ذاتيّة وحوافز إيمانية . إِن هذا العمل المنهجي المستوفي للشروط السابقة نسميه ( المنهاجَ الفرديّ أو الذاتي ) ، يحمل معه منهجا عملياً، ويحمل معه اليسر للمسيرة والتطبيق , ليضع هذا النهج الأساس الذي تلتقي عليه عزائم المؤمنين ، وقلوب المتقين ، على صراط مستقيم يحمل الأهداف الربّانيّة الثابتة في الحياة الدنيا ، ممتداً إلى الهدف الأكبر والأسمى : الدار الآخرة ورضوان الله والجنّة . إن اتِّباع النَّهْج مسؤوليّة فرديّة من ناحية ، ومسؤولية الأُمة كلها ، ومسؤوليّة البشريّة ، لا يُعفى من ذلك فردٌ أو جماعة . فإلى هذا المنهج التطبيقي ندعوك أيها المسلم لتتدبر منهاج الله وتتدرب على ممارسته . 4-المهاج الفردي ( الذاتي ) مسئوليتك الذاتية أيها المسلم : إن هذا المنهاج الفردي ( الذاتي ) يتـألَّف من قسمين : النظري للدراسة والعلم , والتطبيقي للعمل والممارسة والتدريب . أما النظري فيتألف من أربعة بنود : 1-المنهاج الرباني- قرآناً وسنة ولغة عربية , مع تلاوة يومية لقدر محدَّد من القرآن الكريم مع أحكام التلاوة والتدبر والممارسة , ومع الحفظ والتدبر والمراجعة والممارسة , كل قدر وسعه وطاقته , ومع منهج محدد للغة العربية . 2-دراسة الواقع من خلال منهاج الله : وفق منهج مبسط محدَّد . 3-فقه الدعوة : فهو فقه ممارسة منهاج الله وتطبيقه في واقع الحياة : في البيت , والعمل , والتجارة , وغيرها . وذلك في حدود مسؤوليّـاته الفرديَّـة التي كلفه الله بها . 4-العلوم المساعدة : وهي العلوم التي تساعد المسلم على تدبر منهاج الله , كالسيرة وغيرها . أما القسم التطبيقي فيتألف من : قواعد إيمانيـة للتذكيـر الدوري بها , وقضـايا للتدريب . الشعائر والأذكار . الدعوة والبيان والبلاغ . أنشطة إيمانية محددة إن تطبيق هذا المنهاج الفردي يطبقه المسلم بيسر حين يجعل لكل بند يوماً في الأسبوع , باستثناء التلاوة التي يجب أن يلتزم بها يومياً قدر وسعه وطاقته , مع التدبر والتزام ممارسة ما تعلمه , ومتابعة الواقع الآني كذلك . وليس من الضروري أن يبدأ المسلم بالتزام جميع البنود والفقرات , ولكن يأخذ قدر وسعه ابتداء , ثم ينمو مع المنهج تدريجياً . ويتضح يسر المنهاج الفردي من البند التالي . 5ـ اليسّر والمرونة المتوافران في تطبيق المنهاج الفردي : ـ ربما يحسـب بعضهم أن تطبيق هذا المنهاج الفرديّ ( الذاتي ) صعب للوهلة الأولى . ولكنه في الحقيقة سهل ميسّر إذا صدقت النيّة وصحت العزيمة واتُّبِع النهج المقرَّر الذي يُسهِّل الاتبـاع والتطبيق . ولكن لا غناء عن صدق النيّة والعزيمة وبذل الجهد . إنه للمسلم الذي آمن أن هذا تكليف رباني , وأنه محاسب عليه يوم القيامة , وأنه نابع من منهاج الله مرتبط به . ولتدبر كتاب الله مفتاحان رئيسان هما : صفاء الإيمان والتوحيد , واللغة العربية . فبهما تتفتح المعاني على قلب المسلم . فمن اليُسْر أن هذا المنهاج الفردي ، وبخاصة المنهاج الربّاني ، يجب أن يُصاحَبَ صحبة عمر وحياة ، صحبة منهجيّة ، يأخذ كل مسلم منه قدر وسعه الصادق دون أن يتفلَّـت بأعذار واهية يدفعها الوهم والوسع الكاذب وحب اللهو والاسترخاء . ومن اليُسْـر أن التزام المنهاج الفرديّ يخضع لخطة أُسبوعية ، تجعل لكل موضوع يوماً محدَّداً . فلا يحتاج التزام المنهاج الفردي أكثر من ساعة يوميّاً ، وللمسلم أن يبذل وقتاً أكثر وجهداً أكبر كلٌّ حسب واقعه ووسعه . ولا يوجد من العناصر إلا التلاوة والواقع الآني ، العنصران اللذان يجب ممارستهما يومياً . وللمسلم أن يزيد في ذلك ما يشاء , وأن يلتزم يومياً ببنود أكثر . ومن اليُسْرِ كذلك أنّ هذا المنهاج مرن ليناسب كلّ مسلم وكل واقع ، وليتحمَّل المسلم مسؤوليّته في ذلك ، ويأخذ في كل مرحلة ما يطيقه ، على أن يستمَّر في ذلك عمره كله ، عبادة لله وطاعة . ومع نموِّ الزاد والخبرة يمكن تعديل المنهاج الفرديّ ليطابق الزاد الجديد والوسع الجديد . فيمكن أن تصبح التلاوة والتدبر والحفظ والمراجعة عنصراً واحداً هو التلاوة أو المراجعة مع التدبر ، لمن حفظ كتاب الله وتدبّره في مسيرة عمره . ويمكن تأجيل العلوم المساعدة أو بعضها في مرحلة خاصة . إن هذا المنهاج الفردي يُدرّب المسلم على تنظيم وقته اليومي . فتنظيم الوقت من أهم قضايا المسلم اليوم , ومن أكثر ما يضيِّـعه المسلمون اليوم . وهو يدرّبه على حسن التخطيط وترك الارتجال . وهو يدرّبه على ردّ الواقع كله إِلى منهاج الله ردّاً أميناً ، ويضعه أمام مسؤوليته الحقيقية ، ويعرّفه , مع الاستمرار والمتابعة , بالتكاليف الربانيّة كلها ومسؤوليته الفرديّة كلها : أمام ربّه وخالقه ، وأمام نفسه ، وأمام أسرته وأرحامه ، وأمام مجتمعه ، وأمام أمّته كلها . وهـذا المنهاج الفرديّ جزء من النهج العام والخطة العامة التي يجب أن تتوافر في ميدان العمل الإسلامي , والتي تشمل الميادين الأخرى , حيث تتعاون أسس هذا النهج والخطة كلها لتوفّر للمسلم حسن التدريب . ويُشرح هذا المنهاج الفردي بتفصيله وعرض جميع مراحله في كتاب " منهج المؤمن بين العلم والتطبيق " ودراسات أخرى يمكن الرجوع إليها . ويتبع هذا المنهاج الفردي وسائل تعين المسلم على محاسبة نفسه , وعلى حسن الإشراف والتوجيه . ويدعم المنهاجَ الفرديَّ " منهجُ لقاءِ المؤمنين " الذي يقوم حين يتعاون اثنان أو أكثـر على حسن الالتزام ، تعاوناً منهجيّاً يخضع إلى خُطَّة ونهج ، ويوفِّر التدريب الضروري . 6-موجز ذلك كله : واجب كل مسـلم أن يوفي بالتكاليـف الربانيـة التالية وفاء منهجياً يمتد مع عمره كله : ا- أن يصاحب كتاب الله صحبة دراسة منهجية وتدبر , صحبة عمر وحياة لا تتوقف , كل قدر وسعه وطاقته . 2- أن تقوم هذه الصحبة على التلاوة اليومية المنهجية مع التدبر , وعلى التفسير المبسط , وعلى الحفظ مع حسن التدبر , كل قدر وسعه الصادق . 3- أن يرافق هذه الصحبة دراسة السنة دراسة منهجية , صحبة عمر وحياة , مبتدئا بكتاب مبسط . 4- أن يرافق هذه الصحبة دراسة اللغة العربية دراسة منهجية كذلك . 5- أن يتابع دراسة الواقع وأحداثه من خلال منهاج الله . 6- أن يرافق ذلك كله ممارسة منهاج الله في الواقع : في بيته , في عمـله ووظيفته , في تعامله مع الناس , ومختلف شؤون حياته , وفي الوفاء بالأمانة التي خلق للوفاء بها , والتي سيحاسَب عنها بين يدي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة . أيها المسلم ! هذه تكاليف ربانية جاءت مفصلة بالكتاب والسنة , وقد غفل عنها الملايين من المسلمين زمنا طويلا . وإنك محاسب عليها يوم القيامة , فانهض للوفاء بها , ولا تكن من الغافلين . والحمد لله رب العالمين ( وإن لكم في الأنعام لعبره نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين) ]النحل 65]</td></tr></table> |
ام الشهيد
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى