رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
من أسماء الله الحُسنى الشهيد.. وقد ورد هذا الاسم في الأحاديث التي عدد بها النبيّ صلّى الله عليه وسلَّم أسماء الله الحُسنى.
فالشهيد؛ اسمٌ من أسماء الله الحُسنى، والنبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- وهو سيِّدُ الخلق، وحبيبُ الحق سمَّاه الله في كتابه الكريم شاهدًا وشهيداً، فقد قال تعالى:
}يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{ [الأحزاب: 45].
وقال تعالى:
}فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً{ [النساء: 41].
والذي يعطي ويهب أثمن ما يملك في سبيل الله، وفي ساحات القتال ، يسمى شهيدا.. والجود بالنفس أقصى غاية الجود، والله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم حينما حدّثنا عن بذل المال والنفس في سبيله قدَّم المال على النفس فقد قال تعالى:
}وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ{ [الأنفال: 72].
في معظم الآيات التي تحدَّثت عن البذل، جاء بذل المال مقدَّماً على بذل النفس لأنَّه أسهل، وفي آية واحدة، قال تعالى:
}إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم{ [التوبة: 111].
هنا تقديم أهميَّة، قضيَّة بيع قطعي فبدأ بالأهم فالمهم.
معنى شهيد صيغة مبالغة لاسم الفاعل، شَهِد، يشهد، شاهد.. الشهيد صيغة مبالغة اسم الفاعل فمعنى شَهِدَ أي حضر، شهد هذا الحفل فلان، أي: حضره فلان. شهد هذه الصفقة فلان، أي: حضرها فلان. شهد هذه الوليمة فلان، أي: حضرها فلان. فالشهيد: هو الذي يشهد أي: يحضُر.. والذي يحضُر يعلَم، والذي يعلَم يُعلِم.
فهناك معان ثلاثة تُستفاد من كلمة شهيد؛ ..حضر، وعَلِم، وأعلَم. فالله سبحانه وتعالى بهذا المعنى شهيد، مع كل مخلوق أجل، مع كل مخلوقٍ شهيد بعلمه، فقد قال تعالى:
}وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير{ [الحديد: 4].
(أَيْنَ مَا كُنْتُمْ).. إن كنتم في أطباق الجو، أو تحت أمواج الماء، أو في الصحراء، أو على ظهر اليابسة، في المدن، في السفر، أين ما كنت الله معك. قال العلماء: هذه معيَّةٌ عامَّة، أي أنَّ الله جلَّ جلاله مع المخلوقات بعلمه.
وقالوا: وهناك معيَّةٌ خاصَّة فقد قال تعالى:
}وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ{ [الأنفال: 19].
}وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{ [البقرة: 194].
}إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{ [الأنفال: 46].
معيَّة الله الخاصَّة أي: معهم مؤيِّداً، وناصراً، وحافظاً، وموفِّقاً. إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ فلا أحد معك، أقرب الناس إليك يتنكَّر لك، لكنّ الله معكم مؤيِّداً، معكم ناصراً، معكم موفِّقاً، معكم حافظاً، فقد قال تعالى:
}فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين{ [يوسف: 64].
دخل مسلمة بن عبد الملك على عمر بن عبد العزيز في المرضة التي مات فيها فقال له يا أمير المؤمنين! إنك فطمت أفواه ولدك عن هذا المال وتركتهم عالة ولا بد من شيء يصلحهم فلو أوصيت بهم إلي أو إلى نظرائك من أهل بيتك لكفيتك مئونتهم إن شاء الله فقال عمر أجلسوني فأجلسوه، فقال: الحمد لله، أبالله تخوفني يا مسلمة؟ أما ما ذكرت من أني فطمت أفواه ولدي عن هذا المال وتركتهم عالة فإني لم أمنعهم حقا هو لهم ولم أعطهم حقا هو لغيرهم وأما ما سألت من الوصاة إليك أو إلى نظراتك من أهل بيتي فإن وصيتي بهم إلى الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، وإنما بنو عمر أحد رجلين: رجل اتقى الله فجعل الله من أمره يسرا ورزقه من حيث لا يحتسب، ورجل غير وفجر فلا يكون عمر أول من أعانه على ارتكابه، ادعوا لي بني فدعوهم، وهو يومئذ اثنا عشر غلاما فجعل يصعد بصره فيهم ويصوبه حتى اغرورقت عيناه بالدمع ثم قال بنفسي فتية تركتهم ولا مال لهم، يا بني! إني قد تركتكم من الله بخير إنكم لا تمرون على مسلم ولا معاهد إلا ولكم عليه حق واجب إن شاء الله يا بني ميلت رأيي بين أن تفتقروا في الدنيا وبين أن يدخل أبوكم النار فكان أن تفتقروا إلى آخر الأبد خيرا من دخول أبيكم يوما واحدا في النار قوموا يا بني عصمكم الله ورزقكم، قالوا: فما احتاج أحد من أولد عمر ولا افتقر.
وذكر أن أبا جعفر المنصور قال لعمرو بن عبيد عظني، قال: بما رأيت، أو بما سمعت؟ فقال: بل بما رأيت، فقال: توفي عمر بن عبد العزيز –رحمه الله- وخلف أحد عشر ابنا، وبلغت قيمة تركته سبعة عشر دينارا، فكفن بخمسة دنانير واشتري له موضع قبره بدينارين وأصاب كل واحد من أولاده ثمانية عشر قيراطا ومات هشام بن عبد الملك وخلف أحد عشر ابنا فحصل لكل واحد من ورثته مما خلفه عشرة آلاف دينار، فرأيت رجلا من أولاد عمر بن عبد العزيز قد حمل على مائة فرس في سبيل الله، ورأيت رجلا من أولاد هشام يسأل الناس.
فالله عزَّ وجلَّ يكون مع المؤمن حافظاً ومؤيِّداً وناصراً وموفِّقاً، وما توفيقي إلا بالله. (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وقد قال تعالى: }إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ { [آل عمران: 160].
وقال تعالى: }هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِين{ [الأنفال: 62].
أيَّد.. ونصر. وحفظ.. ووفَّق، هذه هي المعيَّة الخاصَّة، إلا أنَّ المعيَّة الخاصَّة مشروطة فقد قال تعالى:
هناك ثمن (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا).
إذاً؛ معنى شهيد أي: معك.. روي أن: "يا موسى أتُحبُّ أن أكون جليسك"؟ قال: كيف ذلك يا ربّ وأنت ربُّ العالمين؟! قال: "أما علمت أنني جليس من ذكرني، وحيث التمسني عبدي وجدني".
هو معك، إن ذكرته هو معك.
كن مع الله ترَ الله معك واترك الكُلَّ وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعك ثم من يعطي إذا ما منعك.
الشهيد مع كل مخلوق بعلمه، ومع المؤمن بتوفيقه، وحفظه، وتأيِّيده، ونصره.. فهو شهيد، قال تعالى:
}قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى{ [طه: 45].
فرعون، كان قَتْلُ الإنسانِ عنده كقتل ذبابة، ولكن الله تعالى قال لكل من سيّدنا موسى وأخيه هارون:
}قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى{ [طه: 46].
أنا معكما.. (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) وكل مؤمن إن شعر أنَّ الله معه، يشعر بقوَّة لا حدود لها.
قال الصديّق لرسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- وهما في الغار: يا رسول الله: لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا. قال: "يا أبا بكر ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما"؟ وهي معية الله عزَّ وجلَّ، الإيمانِ.. أفضل الإيمان؛ أن تعلم أنَّ الله معك حيثُ كنت.
إذاً الشهيد هو معك.. معك عِلماً إذا كنت مخلوقاً عاديّاً. ومعك حافظاً، وناصراً، وموفِّقاً، ومؤيِّداً، إن كنت مؤمناً، أو صابراً، أو متَّقياً.
من لوازم الشهيد؛ أنَّه يعلم.. ومن لوازم الشهيد؛ أنَّه يُعلِم. حَضَرَ، عَلِم، يُعلِم.. هو حاضرٌ مع كلّ مخلوق، في كلِّ زمانٍ ومكان، وهو عالمٌ به.
قال بعض العلماء: "الشهيد؛ الأمين بشهادته، الأمين في أداء شهادته" أي شهادة دقيقة جداً، فأحياناً الإنسان قد يحضر ويقول لك: والله لم أشعر ماذا فعلوا، كنت معهم ولكنَّي غفلت عنهم. إذا كان الله عزَّ وجلَّ شهيدًا فلا تخفى عليه خافية، ولا حركة، ولا سكنة، ولا خاطر، ولا صراع أبداً فنفوس العباد مكشوفةٌ له، فقد قال تعالى:
}وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ{ [الأنفال: 24].
}وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ{ [ق: 16].
وبعد، فإنّ المعنى الفرعي الآن: الشهيد؛ الأمين في شهادته، أي: لا يغيب عن علمه شيء، البالغ الغاية في علمه بالأمور الظاهرة. فهو شهيد حاضر، وشهيد يَعلم، والآن الشهيد يُعلِم.. فقد قال تعالى:
}شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو{ [آل عمران: 18].
هنا السؤال كيف يشهد؟.. إنسان من جنس البشر، يشهد لك بلسانه؛ فيقول لك: أنا كنت في المكان الفلاني، وفعلاً حدث ما حدث، يشهد لك بلسانه؛ ولكنَّ الله جلَّ جلاله كيف يشهد لك؟ (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ).
قال: عرفت الله من نقض العزائم. الإنسان الغافل الشارد المشرك؛ يأخذ بكلّ الأسباب ويعتمد عليها، ويظُنُّ أنَّ الأمور تجري على ما يريد، ثم يفاجأ أنَّ الله أبطل كلَّ مسعاه..
ألا ترون في كلّ مكانٍ وزمان؛ أنَّ الله يشهد لخلقه (أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ) أي بالتعبير المألوف -لا حيلة لِذَكِيّ مع الله-، النجاح بالتوفيق لا بالذكاء. نجاح الإنسان بتوفيق الله، وتوفيق الله باستقامته على أمره، فالله يشهد.
وأمثلة على ذلك... أب توفّي وترك خمسة أولاد، أكبر الأولاد أخذ كلَّ الثروة، كيف يشهد الله (أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ) يوفِّقُ المظلومين ويمحق الظالم، أما بحسب قوانين الأرض، فالذي استولى على كل المال يجب أن ينمو كلَّ هذا المال عنده، والذي حُرِمَ منه، يجب أن يعيش فقيراً بائساً، يشهد الله للناس أنَّ الأمر بيده.
هو أخذ المال كلَّه.. أتلف الله المال وأتلف صاحبه، والذي حُرِمَ منه وليس له إلا الله وفَّقه الله، وكم من أخٍ استولى على كلِّ الثروة، ثمّ عمل عند إخوته فيما بعد أجيراً فقد أتلف الله ماله كلّه!! وعلى هذا فقس، يشهد الله لخلقه (أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ)، فالأمر بيده.
تجد الأقوياء.. يأتيهم بأس الله -جلَّ جلاله- ويدمِّرهم جميعا والضعفاء ينصرهم. الأغنياء إن أدَّوا زكاة مالهم، يبارك لهم في مالهم، إن لم يؤدُّوا الزكاة يمحق مالهم.
الإنسان أحياناً لا يملك من الدنيا شيئاً، لكن يملك استقامته، فالله عزَّ وجلَّ يكرمه ويعلي مكانه، يرزقه، ينصره، يؤيِّده. فعندما ينصر ربنا إنساناً ضعيفاً وفقيراً، نَصْرُ اللهِ لهذا الضعيف الفقير شهادةٌ من الله لخلقه؛ أنَّ الأمر بيده، ليس بالمال، ولا بالسلطان، ولا بالذكاء، لا بالحسب، ولا بالنسب، ولكن بطاعة الله عزَّ وجلَّ.
وها أنا ذا أوضح معنىً دقيقاً.. هناك بالحياة قواعد ماديَّة، هذه القواعد الماديَّة تخرق، فمثلاً: بحسب الحسابات المادية لو أقرضت مئة ألف قرضا ربويا واستعدتها مئة وعشرين وهذه حسابات الآلة الحاسبة، ولكن الله قال:
}يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ{ [البقرة: 276].
أقرضت إنساناً مئة ألف.. وبحسب التضخُّم النقدي رُدّت لك أقلّ بعشرين ألف، لكن ربنا عزَّ وجلَّ بألطافه الخفيَّة يحفظ المال، ويُنمِّي المال، ويحفظ صاحب المال، يحفظ له أهله، وأولاده، وصحَّته، ويؤيِّده، ينصره، يوفِّقه، فقد قال تعالى:
}مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ{ [البقرة: 245].
معناها أنَّ الله شهيد أي: يشهد. أي: يحضر، وحاضر، وعالم والآن يُعلم، يُعلمنا أن الأمر بيده، لا بذكائكم ولا بأموالكم ولا بأحسابكم ولا بأنسابكم ولا بتجمعاتكم ولا بكل ماتملكون، الأمر بيد الله، الله مع المحسن ومع الطائع ومع المستقيم ينصره ويؤيده لأنه شهيد ويشهد لنا.
يعني أقرب الأمثلة التاريخية.. النبي -عليه الصلاة والسلام- أخرجه قومه إلى المدينة؛ فقريش أقوى قبيلة في الجزيرة.. وكذلك فقريش لديها أموال وفيها أبطال وفيها عتاد وفرسان وعدد، والنبي صلى الله عليه وسلم ضعيفٌ مستضعف.
لم يستطع إنقاذ عمار بن ياسر من التعذيب يقول: "صبراً آل ياسر فإنَّ موعدكم الجنة". لا يستطيع أن يتدخل، وعندما هاجر هُدر دمه، لمن كانت العاقبة؟
فما معنى أنَّ الله شهيد؟ أي أنَّ قريشا بخيلها وصولتها وقوَّتها وفرسانها ومؤامراتها، وشدَّة بأس رجالها؛ دمَّرها الله عزَّ وجلَّ، ونصر النبيّ صلى الله عليه وسلم.. وهذا الشيء يتكرر.
أي أنَّك إذا أردت أن تكون أقوى الناس، فتوكَّل على الله. فالله عزَّ وجلَّ شهيد.. حاضر، عالِم، مُعلِم.. شهيد، يشهد لك.
فمثلاً.. تجد شاباً مستقيمًا يعرف الله ويخافه، ويتحرَّى الحلال، ويرجو رضا الله، ويخاف سخطه، لا يعصيه، يغُضُّ بصره، يضبط لسانه، يضبط سمعه وبصره، لكنَّه فقيرٌ، وتجد شاباً آخر ذا قوَّة ومنعة ومال وأهل ودعم، الله عزَّ وجلَّ ينصر المستقيم، ويُدمِّر المنحرف. ما معنى ذلك؟! إنَّ الله يشهد.. ألم يقل الله عزَّ وجلَّ:
}أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ{ [الجاثية: 21].
شيء دقيق المعنى جداً.. فكلام ربنا كقوله تعالى:
}مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً{ [النحل: 97].
فهذا قانون سماوي، زوال الكون، أهون على الله من أن يُضيَّع مؤمناً. إنَّ هذا الإنسان القوي الكافر المنحرف، الذي يخطط لمستقبلٍ رائع. تحقيق ما خطط له على المدى البعيد يتناقض مع وجود الله؛ لذلك يفاجأ الإنسان بأحداث مذهلة.
فقِلاع عمَّرت سبعين عاماً، تهاوت كبيت العنكبوت. أليس هذا من فعل الله عزَّ وجلَّ؟ ليريكم آياته؟ الله شهيد يشهد لنا (أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ) العوام يستخدمون هذه الكلمة: "ما في غير الله.. الله كبير"، فهذه الكلمات لها مدلول عميق.. يقولون لا إله إلا الله، هو المعطي، هو المانع، هو القابض، هو الباسط، هو المعز، هو المذل، هو الرازق، هو الحافظ، إلخ... فهذه الكلمات لها مدلول عميق، فليس هناك سوى الله، فهناك إنسانٌ قويٌ جداً ويؤتى من مأمنه.. كقول الله تعالى:
}إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ{ [البروج: 12].
الشهيد: هو الحاضر الذي لا يغيب عنه شيءٌ في ملكه.. فقد قال تعالى:
}أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{ [فصلت: 53].
والله قد قال لي ذات مرَّة أحدهم كلمة أعجبتني كثيرا قال: الحمد لله على وجود الله ووجوده يفوّت على أهل المكر مكرهم، فأحياناً تجد الإنسان لئيماً يتجاهل إمكاناتك، يتجاهل عطاءاتك، يتجاهل ميّزاتك، يضايقك، ولكن الله شهيد، اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، إن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تُصب أهله فأنت أهله.
إذا كنت تعلم أنَّ الله يعلم، فليست هناك مشكلة إطلاقاً. يكفيك أنَّ الله يعلم.. فأحياناً يكون للإنسان عملٌ عظيمٌ لكنَّه لا يظهر. ويُعتَّم عليه بشكل مقصود فإذا أحضر لم يعرف وإذا غاب لم يفتقد، ولكن الله شهيد.
فإذا كان الله شهيداً، فليست هناك مشكلة... الحمد لله على أنَّه يشهد كلّ شيء (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، فلو افترضنا أن موظفاً.. والمدير العام الذي بيده ترفيعه، وزيادة رواتبه، ودعمه، وتقليده المناصب العليا، يعلم إمكانات هذا الموظَّف، ويعلم عطاءاته، ويعلم دقَّته في عمله، فإذا كان الحاجب لا يعرف.. نقول عرف أم لم يعرف فذلك لا يضيره في شيء
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فأجمل كلمة قالها سيِّدنا عمر -رضي الله عنه- عندما جاءه رسولٌ من معركة نهاوند، فقال: حدِّثني ماذا حدث؟ قال له: والله مات خلقٌ كثير. فقال له: من هم؟ فذكر له بعض الأسماء. فقال له: من أيضاً؟ فقال له: إنَّك لا تعرفهم. فبكى عمر وقال: ما ضرَّهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم.
أنت عملت عملاً طيِّباً، والناس لم يقدِّروك.. ولم يقدِّروا عملك (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، فعلامة المخلص؛ أنه لا يبحث عن تقدير الناس، ولا عن انتزاع إعجابهم.. لا بل يهمّه أنَّ الله يعلم وانتهى كلَّ شيء، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي.
هو شهيد حاضر ويعلم... قال العلماء: إذا كان العلم مطلقاً فهو العليم.. شهيد يعني عليم علماً مطلقاً، أما إذا أُضيف إلى الأمور الباطنة فهو الخبير، أما إذا أُضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد.
الله يشهد ما ظهر، وخبير بما بطن، ويعلم ما ظهر وما بطن.
العلم مطلقاً شهيد، العلم مطلقاً عليم، العلم بظواهر الأشياء شهيد، وببواطنها خبير.
بعض العلماء يقول: "الشهيد؛ الذي لا يغيب عنه شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء، مطّلِعٌ على كلِّ شيء، مشاهدٌ له، عليمٌ بتفاصيله".
فأنت أحياناً تلتقي مع مدير عام بمؤسسة يعرف الأمور الكبيرة، أما دقائق ما يجري فلا يعرفها، ويقول لك ليس عندي علم. لكن مقام الأُلوهيَّة يقتضي أن يعلم كلَّ التفاصيل، أدق أدق خواطر الإنسان يعلمها الله.
أحياناً الإنسان يعلن عن شيء ويُبطن خلافه. فيزوره شخص ويعلن أنَّ لهذه الزيارة سببا، كأن يقول: لقد بلغني عنك أنَّك مريض، ويكون قد أتى في الحقيقة لأن له ديناً عنده، وليطالبه به، فأظهر بذلك شيئاً وأخفى شيئاً آخر.. ولكن الله عزَّ وجلَّ يعلم السرَّ وأخفى، يعلم ما أعلنت، ويعلم ما أسررت، ويعلم ما خفي عنك.. ما خفي عنك أنت ذاتك والله سبحانه وتعالى هو الشهيد؛ لأنَّه يشهد على الخلق يوم القيامة.
وبعد، فأحدث طريقة في التحقيق أن تصوِّر المخالف وأن تعرض عليه الصورة، فانتهى الأمر بذلك ولا يستطيع أن يتكلَّم بكلمة واحدة، يقولون له: أنت في الوقت الفلاني وفي الشارع الفلاني خالفت. فلو قلت لهم: لا.. لم أكن هناك. أظهروا لك صورة سيّارتك، وهذا هو التاريخ، وهذا هو الشارع. فينتهي كل شيء.. فإذا عُرض على الإنسان عمله مصوَّراً، يصمت.
فقال بعض العلماء: "الله شهيد، يشهد لعباده يوم القيامة، يُشهدهم أعمالهم".. وهذا معنى جديد.. يُشهدهم أعمالهم فقد قال تعالى:
}اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً{ [الإسراء: 14].
تفضَّل هذه أعمالك، طلَّقت ظلماً، قبضت هذا المال ظلماً، دلَّست بهذه الصفقة، أخفيت هذا العيب، أكلت هذا المال ولا يحقُّ لك أن تأكله، سهرت في المكان الفلاني، أطلقت بصرك في المكان الفلاني، كل الأعمال، وبالتعبير الحديث أعمالك مسجَّلة على هيئة فيلمٍ ملونٍ وناطقٍ مع التاريخ والساعات، والمكان والزمان. تكلم.. (كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).. هذا معنى جديد؛ يُشْهِدكَ أعمالك يوم القيامة.
لذلك، إن علمت أن الله يراقبك؛ فهذا أكبر دافعٍ لك على طاعة الله.. قال الله تعالى:
}وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبا{ [الأحزاب: 52].
}إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{ [الحج: 17].
بالمناسبة؛ هل تصدق أنه من أجل أن تعلم؛ أن الله يعلم؛ هو علَّة وجودك على وجه الأرض فقد قال تعالى:
}اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْما{ [الطلاق: 12].
في الحقيقة؛ أسماء الله تسعة وتسعون، لكنَّ الله اختار من أسمائه كلها اسمين العلم والقدرة. إن علمت أن الله يعلم: وأنه سيحاسب، وأنه قوي، لابد من أن تستقيم على أمره.
أنا أضرب أمثلة كثيرة؛ ممكن وأنت راكب مركبتك، والإشارة حمراء، والشرطي واقف معه دراجة، وسيارة الضابطة واقفه فيها ضابط، والقانون صارم، والعقوبة شديدة، وأنت إنسان عادي ليس لك قوة.. هل يمكن أن تتجاوز الإشارة؟ لا، فهذا شيء مستحيل، إن علمت أن الله يعلم، وسيحاسبك؛ مستحيل أن تعصيه؛ فإن عصيته فلضعف في علمك أنه يعلم، أو لضعف في علمك أنه سيحاسب، أما إذا أيقنت أنه يعلم وسيحاسب، لا يمكن أن تعصيه فهذا المعنى الثاني.
لو حللت المعصية تحليلاً علمياً.. الإنسان يتجاوَز الإشارة الحمراء الساعة الثالثة في الليل يقول لك: لا يوجد أحد لأن الذي يحاسبك لا يعلم، وينطلق بسيارته غير عابئ بالإشارة الحمراء إذا كان أقوى من الشرطي ومن رؤسائه، أما إذا كان ضعيفاً، والشرطي يقف أمامه، هل يستطيع أن يتجاوز الإشارة؟ لا، هذا قانون نفسي.. أي أنت لو علمت أن الله يعلم، ولا تخفى عليه خافية.. وأنه سيحاسب -لا بدَّ من أن يحاسب- لا يمكن أن تعصيه، فالله عز وجل شهيد، حاضر، عالم، يُعْلِم.
ذُكِرَ اسم الشهيد في القرآن الكريم تسع عشرة مرة.. الله سبحانه وتعالى يقول في سورة النساء:
}إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً{ [النساء: 33].
كل حادث، وكل أمر، الله عزَّ وجلَّ شهيد، ويعلم، وسيفصل بين خلقه يوم القيامة. فأحياناً يكون الإنسان طليقَ اللسان، ولديه قوَّة حجَّة؛ ولو بالباطل فيقنع الآخرين، مثل هؤلاءِ إذا كانوا منحرفين في حياتهم وكانوا معتدين على الآخرين؛ الله عزَّ وجلَّ يسلبهم هذا السلاح، يقول تعالى:
}الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ{ [يس: 65].
الله عزَّ وجلَّ شهيد.. وقال تعالى:
}وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْء{ [فصلت: 21].
وقال تعالى: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا)، هذه أول آية.. أي هو رقيبٌ عليكم.
فبربِّكم، إذا كنت بحضرة إنسان من علية القوم، فهل تتكلَّم بأيَّة كلمة أمامه؟ إذا زارك ضيفٌ من علية القوم، وهو شخصٌ محترمٌ، عالم، عميد الأسرة مثلاً، مكانته كبيرة، منصبه رفيع، أخلاقه عالية، أي أنه شخصٌ متفوِّق؛ إن في علمه، أو في مرتبته، أو إلى آخر الصفات.. فهو ضيفك وأنت أمامه، فهل تتكلَّم بأية كلمة؟ هل من الممكن أن تتكلَّم بكلمات بذيئة أمامه؟ أيُمْكن أن تخاصم أهلك أمامه؟ أيمكن أن تُطلق لسانك بالسباب أمامه؟ إنسان من جنسك ولكن له مكانة، فأنت إذا أيقنت أنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا وهو معك فلا يمكن أن تفعل، فأحد أكبر أسباب الانضباط شعور الإنسان أنَّ الله معه... أفضل إيمان المرء أن يعلم أنَّ الله معه حيث كان، (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) أي كان رقيباً عليكم.
وفي آل عمران يقول تعالى:
}لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ{ [آل عمران: 98].
بعضهم يقول لك: دبرت الأمر وعملت كل ما ينبغي وأوقعته في الفخ، أخفيت عليه العيب، مرّتْ البضاعة بالرغم من العيب الخطير الموجود فيها! يظن نفسه ذكياً، والله عزَّ وجلَّ (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا)، (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ) أي شهيد، حاضر، يعلم يُعْلِم، سيُجازي، فمعنى ذلك أنَّك لم تكن ذكياً.
والله آلاف الوقائع والحوادث، إنسان ظن أنَّ هذا العمل يخفى على الله فعله، وظن نفسه ذكياً ثم كُشف ودفع ثمنه غالياً، ولقي جزاء عمله، ودمَّره الله عزَّ وجلَّ، معنى ذلك أنَّه لم يكن ذكياً.
أقول هذا مراراً.. الانحراف عدوان؛ فقد يستمر ذلك إلى حين، أما دائما فلن يستمر، لا بدَّ من أن يكشفه الله، وأن يلقى صاحبه جزاء عمله في الدنيا قبل الآخرة، وهذا من آيات الله، هذا من دلائل قدرته عزَّ وجلَّ، فقد قال تعالى:
}وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ{ [يوسف: 52].
سيِّدنا عيسى -عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام- في سورة المائدة يقول الله سبحانه وتعالى سائلاً إيّاه ثمّ يجيب:
}وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ [المائدة: 117- 118].
في سورة النساء:
}وكفى بالله شهيدا{ [النساء: 79].
فهذا محمد صلى الله عليه وسلّم، فبالطائف كذَّبوه، وسخروا منه، وردّوا دعوته، وأغروا سفهاءهم به، آذوه، وضربوه. وجاء بعد الطائف حادث الإسراء والمعراج، رفع الله نبيَّه إلى أعلى عليين، أعلمه أنَّه سيِّدُ الخلق وحبيب الحق.. قال تعالى:
}إنه هو السميع البصير{ [الإسراء: 1].
سمع دعاءك وأبصر ما جرى لك في الطائف، وقال تعالى:
}قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً{ [الأنعام: 19].
أحياناً الإنسان يجهِّز شهوداً أقوياء، يقول لك: فلان يعرف الموضوع، وفلان كان حاضراً، وفلان معي منه إقرارٌ، وفلان كتب لي تصريحاً، ولكن هناك أقوى من كلِّ هذه الشهادات؛ وهي أن يشهد الله لك أنَّك مستقيم (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)، إذا شهد الله لك أنَّك على الحق هذه أكبر شهادة.
هذه الآيات وردت في كتاب الله إنّها تسع عشرة آية ورد فيها اسم الشهيد..
تومئ إلى شهادة الله لهذا الإنسان:
}وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ{ [يونس: 61].
وأنت تصلِّي يعلم الله أنَّك تصلّي، وتقرأ القرآن، تسبِّح، تذكر، تستغفر، تغُضُّ البصر، تأمر بالمعروف، كلُّ عملك في علم الله، وهو يشهد عملك.. لكن الله يشهد بما أنزله إليك، أنزله بعلمه والملائكة يشهدون (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا). يكفي أنَّ الله يشهد، وفي سورة يونس: }وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لاَ يُبْصِرُونَ{ [يونس: 43].
وقال تعالى:
}فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ{ [يونس: 29].
وقال تعالى: }وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{ [التوبة: 94].
وقال تعالى:
}وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ{ [الأنعام: 73].
أي يشهد لما ظهر، ويعلم لما ظهر ولما بطن.. وقد قال تعالى:
}وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{ [التوبة: 105].
وقال تعالى:
}وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ{ [الرعد: 8- 9].
وقال تعالى:
}ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{ [السجدة: 6].
وقال تعالى:
}قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{ [الزمر: 46].
وقال تعالى:
}هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ{ [الحشر: 22].
وقال تعالى:
}قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{ [الجمعة: 8].
ملخَّص هذا الاسم الجليل أنَّ الله معكم أينما كنتم، معكم بعلمه، ومعكم بتأييده، إن كنتم على طاعته، معكم بعلمه، ومعكم بنصره وحفظه وتأييِّده وتوفيقه؛ إن أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وآمنتم برسله، وعزَّرتموهم، وأقرضتم الله قرضاً حسناً.
من لوازم أنَّه معكم أنه يعلم ما تفعلون، يعلم ظاهر العمل، وباطن العمل. ونيات صاحب العمل ومؤدَّى العمل، وخلفيَّة العمل، عملك بكلِّ تفاصيله، وملابساته، وخلفيَّاته، وأهدافه، ومراميه، في علم الله عزَّ وجلَّ.
ثم هو يُنبئك عن عملك في الدنيا والآخرة، ينبئك عن ذاتة، يشهد لك أنَّه لا إله إلا هو، أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد.
وقد ورد في الأثر: "أن يا عبدي خلقت لك السموات والأرض ولم أعي بخلقهن، أفيُعييني رغيفٌ أسوقه لك كلَّ حين؟ وعزَّتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأُسلِّطنَّ عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحش في البريّة، ثم لا يَنالُك منها إلا ما قسمته لك، ولا أُبالي، وكنت عندي مذموماً، أنت تريد وأنا أُريد، فإذا سلَّمتني فيما أُريد كفيتك ما تريد، وإن لم تُسلِّمني فيما أُريد أتعبتُك فيما تُريد ثم لا يكونُ إلا ما أُريد".
إذاً شهيد.. يعلم، وشهيد.. يُعْلِم، ينبئك أنه لا إله إلا الله، وينبئُك عن عملك بحبِّه لك، فإذا كان هناك شخصٌ مستقيمٌ يشهد الله له أنَّه مستقيم من خلال التوفيق، وإذا كان إنسان ماله حرام، يشهد الله له بأنَّ ماله حرام من خلال التدمير.. يدمِّر له ماله. فقد قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).
المعيشة الضنك، شهادة الله للمنحرف؛ بأنَّ هذا القرآن كلامه، ثمّ هو يشهد لك عن ذاته، وعن أفعاله، وعن كلامه، ويشهد عملك في الدنيا والآخرة، إذاً هو سبحانه حاضر.. ويَعْلَم.. ويُعْلِم، هذا هو الشهيد.
أخيرًا، أدب المؤمن مع هذا الاسم.. إذا علمت أنَّ الله معك، وأنَّه شهيدٌ عليك، وأنَّه يسمع كلامك، ويرى حركتك ويعلم باطنك؛ لا بدَّ من أن تتأدَّب معه. فالأدب مع الله من نتائج إدراك العبد أنه يوقن أنَّ الله على أفعاله شهيد
.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى