رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
المجلس الرابع في ذكر الزكاة
الحمد لله الذي لا واضع لما رفع ولا رافع لما وضع ولا واصل لما
قطع ولا مفرق لما جمع سبحانه من مقدر ضر ونفع وحكم فالكل حكمه كيف وقع
أمرض حتى ألقى على شفا ثم شفى الوجع وواصل من شاء ومن شاء قطع جعل العصاة
في خفارة الطائعين وفي كنف القوم وسع ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض
لهدمت صوامع وبيع ) أحمده على ما أعطى ومنع وأشكره إذ كشف للبصائر سر
الخدع وأشهد بأنه واحد أحكم ما صنع وأن محمداً عبده ورسوله أرسله والكفر
قد علا وارتفع ففرق بمجاهدته من شره ما اجتمع {صلى الله عليه وسلم} وعلى
صاحبه أبي بكر الذي نجم نجم سعادته يوم الردة وطلع وعلى عمر الذي عز
الإسلام به وامتنع وعلى عثمان المقتول ظلما وما ابتدع وعلى علي الذي دحض
الكفر بجهاده وقمع وعلى عمه العباس الذي سئل به سيل السحاب فهمع اللهم يا
من إلى بابه كل راغب رجع اجعلنا ممن بالمواعظ انتفع واحفظنا من موافقة
الطبع والطمع وانفعني بما أقول وكل من استمع قال الله تبارك وتعالى (
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم
) الكنز ما لم يؤد زكاته أخبرنا عبد الأول بسنده عن الليث بن سعد عن
نافع أن عبد الله بن عمر قال ما كان من مال تؤدى زكاته فليس بكنز وإن كان
مدفونا وما ليس مدفونا لا تؤدى زكاته فإنه الكنز الذي ذكره الله عز وجل في
كتابه وفي قوله ( ولا ينفقونها ) قولان ذكرهما الزجاج أحدهما أن المعنى
يرجع إلى الكنوز والثاني إلى الفضة وقال أبو عبيدة العرب إذا أشركوا بين
اثنين قصروا فأخبروا عن أحدهما استغناء بذلك وتخفيفا بمعرفة السامع أن
الآخر قد شاركه ودخل معه في ذلك الخبر ( ومن يك أمسى بالمدينة رحله
فإني وقيار بها لغريب
قوله تعالى ( فبشرهم بعذاب أليم ) أي اجعل مكان البشارة هذا قوله
عز وجل ( يوم يحمى عليها في نار جهنم ) يعني الأموال قال ابن مسعود ما من
رجل يكوى بكنز فيوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم ولكن يوسع في جلده
فيوضع كل دينار على حدته وقال ابن عباس هي حية تطوى على جنبيه وجبهته
فتقول أنا مالك الذي بخلت به أخبرنا هبة الله بن محمد بسنده عن المحرور بن
سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال أتيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وهو
في ظل الكعبة فقال هم الأخسرون ورب الكعبة قالها ثلاث مرات قال فأخذني غم
وجعلت أتنفس قال قلت هذا شر حدث في قال قلت من هم فداك أبي وأمي قال
الأكثرون أموالا إلا من قال في عباد الله هكذا وهكذا وقليل ما هم ما من
رجل يموت فيترك غنما أو إبلا أو بقرا لا يؤدي زكاتها إلا جاءته يوم
القيامة أعظم ما تكون وأسمن حتى تطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها حتى يقضي
الله بين الناس ثم تعود أولاها على أخراها أخرجاه في الصحيحين
وبالإسناد عن جابر قال سمعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول
ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءته يوم القيامة أكثر ما كانت قط
وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها ولا صاحب غنم لا يفعل
بها حقها إلا جاءت أكثر ما كانت وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه
بأظلافها ليس فيها جماء ولا منكس قرنها ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا
جاء يوم القيامة شجاعا أقرع يتبعه فاغراً فاه فإذا أتاه مر منه فيناديه
ربه خذ كنزك الذي خبأته فإني عنه أعني منك فإذا رأى أن لا بد له منه سلك
بيده في فيه فيقضمها قضم الفحل انفرد بإخراجه مسلم وفي أفراده من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ما من صاحب ذهب
ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار
فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبهته وجنبه وظهره كلما تردت أعيدت
إليه أولاها أعيدت أخراها أعيدت إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى
يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار أخبرنا عبد
الأول بسنده عن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال
قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل
له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يعني
شدقيه يقول أنا مالك أنا كنزك وتلا هذه الآية ( ولا يحسبن الذين يبخلون
بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ) الآية ) انفرد بإخراجه البخاري
فإن قيل لم خص الجباه والجنوب والظهور من بقية البدن فجوابه من
وجهين أحدهما أن هذه المواضع مجوفة فيصل الحر إلى أجوافها بخلاف اليد
والرجل وكان أبو ذر يقول بشر الكنازين بكي في الجباه وكي في الجنوب وكي في
الظهور حتى يلتقي الحر في أجوافهم والثاني أن الغني إذا رأى الفقير انقبض
وإذا ضمه وإياه مجلس ازور عنه وولاه ظهره فكويت تلك المواضع منه قاله أبو
بكر الوراق قوله تعالى ( هذا ما كنزتم لأنفسكم ) المعنى هذا ما ادخرتم
لأنفسكم ( فذوقوا ما كنتم تكنزون ) أي عذاب ذلك اليوم واعلم أن الزكاة أحد
أركان الإسلام قال {صلى الله عليه وسلم} بني الإسلام على خمس فذكر منهن
الزكاة وينبغي للمتيقظ أن يفهم المراد من الزكاة وذلك ثلاثة أشياء أحدها
الابتلاء بإخراج المحبوب والثاني التنزه عن صفة البخل المهلك والثالث شكر
نعمة المال فليتذكر إنعام الله عليه إذ هو المعطي لا المعطى وعليه ألا
يؤخرها إذا حال الحول لأنها حق للفقير ويجوز تقديمها على الحول ولا يجوز
إعطاء العوض باعتبار القيمة وينبغي أن ينتقي الأجود للفقير فإن الذي يعطيه
هو الذي يلقاه يوم القيامة فليتخير لنفسه ما يصدق به وأن يقدم فقراء أهله
ويتحرى بها أهل الدين ولا يبطل صدقته بالمن والأذى فليعط الفقير بانشراح
ولطف حتى كأن الفقير هو الذي ينعم بما يأخذه وليستر عطاءه أهل المروءات
فإنهم
لا يؤثرون كشف ستر الحاجة فإن خطر له أن الزكاة ينبغي أن تشاع لئلا يتهم
الإنسان ففي من لا يستحي إذا أخذها كثرة فليشعها عند أولئك وليترك أرباب
الأنفة تحت ستر الله عز وجل
( الكلام على البسملة
( غوالب راحة الدنيا عناء
وما تعطيه من هبة هباء
( وما دامت على عهد بخلق
ولا وعدت فكان لها وفاء
( تذيق حلاوة وتذيق مرا
وليس لذا ولا هذا بقاء
( وتجلو نفسها لك في المعاصي
وفي ذاك الجلاء لها الجلاء
( إذا نشرت لواء الملك فيها
لوى قلب الغنى لها اللواء
( فدعها راغبا في ظل عيش
وملك ماله أبدا فناء
عجبا لمن عرف الدنيا ثم اغتر أما يقيس ما بقي بما مر أيؤثر لبيب
على الخير الشر أيختار الفطن على النفع الضر كم نعمة عليك قد سلفتها وما
قمت بفريضة كلفتها إذا دعيت إلى التوبة سوفتها وإن جاءت الصلاة ضيعتها
وإذا قمت في العبادة خففتها وإذا لاح لك وجه الدنيا ترشفتها لقد آفتك آفة
الدنيا وما أفتها إنها لدار قلعة تضيفتها أو ليس قد شبت وما عرفتها كم
حيلة في مكاسبها تلطفتها ولو شغلتك عنها آيات تأففتها كم بادية في أرباحها
تعسفتها كم قفار في طلبها طفتها كم كذبات من أجل الدنيا زخرفتها لقد
استشعرت محبتها إي والله والتحفتها تحضر المسجد وقلبك مع التي ألفتها أو
ما يكفيك أموالك وقد ألفتها تالله لو علمت ما تجني عفتها أنسيت تلك الذنوب
التي أسلفتها ألست الذي تذكرتها ثم خفتها
آه لمراحل أيام قطعتها وخلفتها آه لبضائع عمر بذرت فيها وأتلفتها لو أردت
خيرا وبختها وعفتها لو قبلتها بالوفاق فهلا خالفتها إخواني قولوا للمفرط
الجاني قال لك الشيب أما تراني أنا كتاب المنون والضعف عنواني وليس في
السطور إلا أنك فاني
أنكرت سلمى مشيبا عراني
ورأتني غير ما قد تراني
( أشرف الشيب على لمتي
وشباب المرء ظل للزمان
( إنما أنت لما قد ترى
لا يغرنك ضمان للأماني
( هل ترى من عائش خالد
كم ترى من هالك قد صار فاني
( لو أعنت العين إذا أبصرت
واعظاتي بفؤادي لكفاني
( أي شيء أتقي والردى
بين جنبي بعيني يداني
( كل يوم ناقص دولة
من بقائي جاذب مني عناني
( وألاقيه بلا جنة فإذا
شاء أن يدمى لحيني رماني
( تابع يتبع ماضي كما
يتبع العامل جراً للساني
( لذة الدنيا إذا ما حضروا
فإذا غابوا فشغل للأماني
( ما اطمأن الدهر حتى نقضوا
فكأن لم أرهم في مكان
أين أهل العزائم رحلوا وماتوا أين أهل اليقظة ذهبوا وفاتوا قف
على قبورهم تجد ريح العزم تنفس عندها تحب روح الحزم أقبلوا بالقلوب على
مقلبها وأقاموا النفوس لدى مؤدبها ومدوا الباع من باع التسليم إلى صاحبها
وأحضروا الأخرى فنظروا إلى غايتها وسهروا الليالي كأنهم قد وكلوا برعي
كواكبها ونادوا نفوسهم صبرا على نار البلاء لمن كواك بها ومقتوا الدنيا
فما مال الملأ إلى ملاعبها واشتاقوا إلى الحبيب فاستطالوا مدة المقام بها
( أنتم على البعد همومي إذا
غبتم وأشجاني على القرب
( لا أتبع القلب إلى غيركم
عيني لكم عين على قلبي
إن لم تكن معهم في السحر فتلمح آثار الحبيب عليهم وقت الضحى واقرأ في
صحائف الوجوه سطور القبول بمداد الأنوار وجوه ينهاها الحسن أن تتقنعا أين
أنت من القوم كم بين اليقظة والنوم يا بعيد السلامة قد قربت منك النعامة
يا عديم الاستقامة ما أرى لنجاتك علامة أعمالك لا تصلح للجنة وخصالك
الباطنة أوصاف إلى متى إلى متى جد في غير الجد والكماش إلى كم في الظلام
وقد نسخت الأغباش تمكن حب الدنيا من القلب فما يخرجه منقاش ولاح نور
الفلاح وكيف يبصر خفاش أما النهار فأسير الهوى في المعاش وأما الليل فقتيل
المنام في الفراش كيف يصحب الصلحاء من همته صحبة الأوباش وهل يبارز في صف
الحرب خوار ضعيف الجاش دخل حب الدنيا فاستبطن بطن المشاش
مثل الشبيبة كالربيع إذا
ما جيد فاخضرت له الأرض
( فالشيب كالمحل الجماد له
لونان مغبر ومبيض
( سنحت له دهياء من كثب
دانت خطاه وما به أيض
( ترك الجديد جديده هملا
لا الصون يرجعه ولا الرحض
( وتعاقب التفتيش يقدح في
صم الصفا فيظل يرفض
الكلام على قوله عز وجل ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
المعنى لن تنالوا البر الكامل وبعض المفسرين يقول المراد بالبر
ها هنا الجنة ولن يدرك الفضل الكامل إلا ببذل محبوب النفس أخبرنا عبد
الأول بسنده عن إسحاق بن عبد الله بن طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول كان
أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بئر حاء
وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يدخلها ويشرب
من ماء فيها طيب قال أنس فلما نزلت هذه الآية ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا
مما تحبون ) قام أبو طلحة فقال يا رسول الله إن الله تعالى يقول ( لن
تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وإن أحب أموالي إلي بئرحاء وإنها صدقة
لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها حيث أراك الله قال فقال رسول الله
{صلى الله عليه وسلم} بخ ذاك مال رابح أو رائج - شك ابن مسلمة - وقد سمعت
ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين قال أبو طلحة أفعل ذلك يا رسول
الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه
أخرجاه في الصحيحين ورواه حميد عن أنس فقال فيه لو استطعت أن
أسرها لم أعلنها فقال اجعله في فقراء أهلك وقال مجاهد كتب عمر بن الخطاب
إلى أبي موسى أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء ففعل فدعاها عمر فأعتقها ثم
تلا هذه الآية ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وقال ابن عمر خطرت
هذه الآية ببالي ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) ففكرت فيما
أعطاني الله عز وجل فما وجدت شيئا أحب إلي من جاريتي رميثة فقلت هي حرة
لوجه الله فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها فأنكحها نافعا فهي
أم ولده أخبرنا محمد بن ناصر بسنده عن عبد العزيز بن رواد عن نافع قال كان
ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه عز وجل قال نافع كان بعض
رقيقه قد عرفوا ذلك منه فربما شمر أحدهم فلزم المسجد فإذا رآه ابن عمر على
تلك الحالة الحسنة أعتقه فيقول له أصحابه يا أبا عبد الرحمن والله ما بهم
إلا أن يخدعوك فيقول ابن عمر فمن خدعنا بالله انخدعنا له قال نافع فلقد
رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له قد أخذه بمال فلما أعجبه سيره
أناخه مكانه ثم نزل عنه وقال يا نافع انزعوا زمامه ورحله وجللوه وأشعروه
وأدخلوه في البدن وروى بشير بن دعلوف عن الربيع بن خثيم أنه وقف سائل على
بابه فقال أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر
واعلم أن الإنفاق يقع على الزكاة المفروضة وعلى الصدقة النافلة
وعلى الإيثار والمواساة للإخوان فمن أخرج لله عز وجل شيئا فليكن من أطيب
ماله وليوقن المضاعفة أخبرنا ابن الحصين بسنده عن سعيد بن يسار عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من تصدق بعدل
تمرة من كسب طيب - ولا يصعد إلى الله إلا الطيب - فإن الله يتقبلها بيمينه
ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى يكون مثل الجبل وفي أفراد مسلم
من حديث أبي مسعود الأنصاري قال جاء رجل إلى رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} بناقة مخطومة فقال هذه في سبيل الله فقال رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة أخبرنا يحيى بن علي
بسنده عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} إن الصدقة لتطفى ء غضب الرب وتدفع ميتة السوء أخبرنا موهوب بن أحمد
بسنده عن يزيد الرقاشي عن أنس عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
تصدقوا فإن الصدقة فكاك من النار والصدقة تمنع سبعين نوعا من البلاء
أهونها الجذام والبرص وفي حديث بريدة رضي الله عنه عن النبي {صلى الله
عليه وسلم} أنه قال ما يخرج أحد شيئا من الصدقة حتى يفك لحيي سبعين شيطانا
الحمد لله الذي لا واضع لما رفع ولا رافع لما وضع ولا واصل لما
قطع ولا مفرق لما جمع سبحانه من مقدر ضر ونفع وحكم فالكل حكمه كيف وقع
أمرض حتى ألقى على شفا ثم شفى الوجع وواصل من شاء ومن شاء قطع جعل العصاة
في خفارة الطائعين وفي كنف القوم وسع ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض
لهدمت صوامع وبيع ) أحمده على ما أعطى ومنع وأشكره إذ كشف للبصائر سر
الخدع وأشهد بأنه واحد أحكم ما صنع وأن محمداً عبده ورسوله أرسله والكفر
قد علا وارتفع ففرق بمجاهدته من شره ما اجتمع {صلى الله عليه وسلم} وعلى
صاحبه أبي بكر الذي نجم نجم سعادته يوم الردة وطلع وعلى عمر الذي عز
الإسلام به وامتنع وعلى عثمان المقتول ظلما وما ابتدع وعلى علي الذي دحض
الكفر بجهاده وقمع وعلى عمه العباس الذي سئل به سيل السحاب فهمع اللهم يا
من إلى بابه كل راغب رجع اجعلنا ممن بالمواعظ انتفع واحفظنا من موافقة
الطبع والطمع وانفعني بما أقول وكل من استمع قال الله تبارك وتعالى (
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم
) الكنز ما لم يؤد زكاته أخبرنا عبد الأول بسنده عن الليث بن سعد عن
نافع أن عبد الله بن عمر قال ما كان من مال تؤدى زكاته فليس بكنز وإن كان
مدفونا وما ليس مدفونا لا تؤدى زكاته فإنه الكنز الذي ذكره الله عز وجل في
كتابه وفي قوله ( ولا ينفقونها ) قولان ذكرهما الزجاج أحدهما أن المعنى
يرجع إلى الكنوز والثاني إلى الفضة وقال أبو عبيدة العرب إذا أشركوا بين
اثنين قصروا فأخبروا عن أحدهما استغناء بذلك وتخفيفا بمعرفة السامع أن
الآخر قد شاركه ودخل معه في ذلك الخبر ( ومن يك أمسى بالمدينة رحله
فإني وقيار بها لغريب
قوله تعالى ( فبشرهم بعذاب أليم ) أي اجعل مكان البشارة هذا قوله
عز وجل ( يوم يحمى عليها في نار جهنم ) يعني الأموال قال ابن مسعود ما من
رجل يكوى بكنز فيوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم ولكن يوسع في جلده
فيوضع كل دينار على حدته وقال ابن عباس هي حية تطوى على جنبيه وجبهته
فتقول أنا مالك الذي بخلت به أخبرنا هبة الله بن محمد بسنده عن المحرور بن
سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال أتيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وهو
في ظل الكعبة فقال هم الأخسرون ورب الكعبة قالها ثلاث مرات قال فأخذني غم
وجعلت أتنفس قال قلت هذا شر حدث في قال قلت من هم فداك أبي وأمي قال
الأكثرون أموالا إلا من قال في عباد الله هكذا وهكذا وقليل ما هم ما من
رجل يموت فيترك غنما أو إبلا أو بقرا لا يؤدي زكاتها إلا جاءته يوم
القيامة أعظم ما تكون وأسمن حتى تطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها حتى يقضي
الله بين الناس ثم تعود أولاها على أخراها أخرجاه في الصحيحين
وبالإسناد عن جابر قال سمعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول
ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءته يوم القيامة أكثر ما كانت قط
وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها ولا صاحب غنم لا يفعل
بها حقها إلا جاءت أكثر ما كانت وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه
بأظلافها ليس فيها جماء ولا منكس قرنها ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا
جاء يوم القيامة شجاعا أقرع يتبعه فاغراً فاه فإذا أتاه مر منه فيناديه
ربه خذ كنزك الذي خبأته فإني عنه أعني منك فإذا رأى أن لا بد له منه سلك
بيده في فيه فيقضمها قضم الفحل انفرد بإخراجه مسلم وفي أفراده من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ما من صاحب ذهب
ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار
فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبهته وجنبه وظهره كلما تردت أعيدت
إليه أولاها أعيدت أخراها أعيدت إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى
يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار أخبرنا عبد
الأول بسنده عن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال
قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل
له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يعني
شدقيه يقول أنا مالك أنا كنزك وتلا هذه الآية ( ولا يحسبن الذين يبخلون
بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ) الآية ) انفرد بإخراجه البخاري
فإن قيل لم خص الجباه والجنوب والظهور من بقية البدن فجوابه من
وجهين أحدهما أن هذه المواضع مجوفة فيصل الحر إلى أجوافها بخلاف اليد
والرجل وكان أبو ذر يقول بشر الكنازين بكي في الجباه وكي في الجنوب وكي في
الظهور حتى يلتقي الحر في أجوافهم والثاني أن الغني إذا رأى الفقير انقبض
وإذا ضمه وإياه مجلس ازور عنه وولاه ظهره فكويت تلك المواضع منه قاله أبو
بكر الوراق قوله تعالى ( هذا ما كنزتم لأنفسكم ) المعنى هذا ما ادخرتم
لأنفسكم ( فذوقوا ما كنتم تكنزون ) أي عذاب ذلك اليوم واعلم أن الزكاة أحد
أركان الإسلام قال {صلى الله عليه وسلم} بني الإسلام على خمس فذكر منهن
الزكاة وينبغي للمتيقظ أن يفهم المراد من الزكاة وذلك ثلاثة أشياء أحدها
الابتلاء بإخراج المحبوب والثاني التنزه عن صفة البخل المهلك والثالث شكر
نعمة المال فليتذكر إنعام الله عليه إذ هو المعطي لا المعطى وعليه ألا
يؤخرها إذا حال الحول لأنها حق للفقير ويجوز تقديمها على الحول ولا يجوز
إعطاء العوض باعتبار القيمة وينبغي أن ينتقي الأجود للفقير فإن الذي يعطيه
هو الذي يلقاه يوم القيامة فليتخير لنفسه ما يصدق به وأن يقدم فقراء أهله
ويتحرى بها أهل الدين ولا يبطل صدقته بالمن والأذى فليعط الفقير بانشراح
ولطف حتى كأن الفقير هو الذي ينعم بما يأخذه وليستر عطاءه أهل المروءات
فإنهم
لا يؤثرون كشف ستر الحاجة فإن خطر له أن الزكاة ينبغي أن تشاع لئلا يتهم
الإنسان ففي من لا يستحي إذا أخذها كثرة فليشعها عند أولئك وليترك أرباب
الأنفة تحت ستر الله عز وجل
( الكلام على البسملة
( غوالب راحة الدنيا عناء
وما تعطيه من هبة هباء
( وما دامت على عهد بخلق
ولا وعدت فكان لها وفاء
( تذيق حلاوة وتذيق مرا
وليس لذا ولا هذا بقاء
( وتجلو نفسها لك في المعاصي
وفي ذاك الجلاء لها الجلاء
( إذا نشرت لواء الملك فيها
لوى قلب الغنى لها اللواء
( فدعها راغبا في ظل عيش
وملك ماله أبدا فناء
عجبا لمن عرف الدنيا ثم اغتر أما يقيس ما بقي بما مر أيؤثر لبيب
على الخير الشر أيختار الفطن على النفع الضر كم نعمة عليك قد سلفتها وما
قمت بفريضة كلفتها إذا دعيت إلى التوبة سوفتها وإن جاءت الصلاة ضيعتها
وإذا قمت في العبادة خففتها وإذا لاح لك وجه الدنيا ترشفتها لقد آفتك آفة
الدنيا وما أفتها إنها لدار قلعة تضيفتها أو ليس قد شبت وما عرفتها كم
حيلة في مكاسبها تلطفتها ولو شغلتك عنها آيات تأففتها كم بادية في أرباحها
تعسفتها كم قفار في طلبها طفتها كم كذبات من أجل الدنيا زخرفتها لقد
استشعرت محبتها إي والله والتحفتها تحضر المسجد وقلبك مع التي ألفتها أو
ما يكفيك أموالك وقد ألفتها تالله لو علمت ما تجني عفتها أنسيت تلك الذنوب
التي أسلفتها ألست الذي تذكرتها ثم خفتها
آه لمراحل أيام قطعتها وخلفتها آه لبضائع عمر بذرت فيها وأتلفتها لو أردت
خيرا وبختها وعفتها لو قبلتها بالوفاق فهلا خالفتها إخواني قولوا للمفرط
الجاني قال لك الشيب أما تراني أنا كتاب المنون والضعف عنواني وليس في
السطور إلا أنك فاني
أنكرت سلمى مشيبا عراني
ورأتني غير ما قد تراني
( أشرف الشيب على لمتي
وشباب المرء ظل للزمان
( إنما أنت لما قد ترى
لا يغرنك ضمان للأماني
( هل ترى من عائش خالد
كم ترى من هالك قد صار فاني
( لو أعنت العين إذا أبصرت
واعظاتي بفؤادي لكفاني
( أي شيء أتقي والردى
بين جنبي بعيني يداني
( كل يوم ناقص دولة
من بقائي جاذب مني عناني
( وألاقيه بلا جنة فإذا
شاء أن يدمى لحيني رماني
( تابع يتبع ماضي كما
يتبع العامل جراً للساني
( لذة الدنيا إذا ما حضروا
فإذا غابوا فشغل للأماني
( ما اطمأن الدهر حتى نقضوا
فكأن لم أرهم في مكان
أين أهل العزائم رحلوا وماتوا أين أهل اليقظة ذهبوا وفاتوا قف
على قبورهم تجد ريح العزم تنفس عندها تحب روح الحزم أقبلوا بالقلوب على
مقلبها وأقاموا النفوس لدى مؤدبها ومدوا الباع من باع التسليم إلى صاحبها
وأحضروا الأخرى فنظروا إلى غايتها وسهروا الليالي كأنهم قد وكلوا برعي
كواكبها ونادوا نفوسهم صبرا على نار البلاء لمن كواك بها ومقتوا الدنيا
فما مال الملأ إلى ملاعبها واشتاقوا إلى الحبيب فاستطالوا مدة المقام بها
( أنتم على البعد همومي إذا
غبتم وأشجاني على القرب
( لا أتبع القلب إلى غيركم
عيني لكم عين على قلبي
إن لم تكن معهم في السحر فتلمح آثار الحبيب عليهم وقت الضحى واقرأ في
صحائف الوجوه سطور القبول بمداد الأنوار وجوه ينهاها الحسن أن تتقنعا أين
أنت من القوم كم بين اليقظة والنوم يا بعيد السلامة قد قربت منك النعامة
يا عديم الاستقامة ما أرى لنجاتك علامة أعمالك لا تصلح للجنة وخصالك
الباطنة أوصاف إلى متى إلى متى جد في غير الجد والكماش إلى كم في الظلام
وقد نسخت الأغباش تمكن حب الدنيا من القلب فما يخرجه منقاش ولاح نور
الفلاح وكيف يبصر خفاش أما النهار فأسير الهوى في المعاش وأما الليل فقتيل
المنام في الفراش كيف يصحب الصلحاء من همته صحبة الأوباش وهل يبارز في صف
الحرب خوار ضعيف الجاش دخل حب الدنيا فاستبطن بطن المشاش
مثل الشبيبة كالربيع إذا
ما جيد فاخضرت له الأرض
( فالشيب كالمحل الجماد له
لونان مغبر ومبيض
( سنحت له دهياء من كثب
دانت خطاه وما به أيض
( ترك الجديد جديده هملا
لا الصون يرجعه ولا الرحض
( وتعاقب التفتيش يقدح في
صم الصفا فيظل يرفض
الكلام على قوله عز وجل ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
المعنى لن تنالوا البر الكامل وبعض المفسرين يقول المراد بالبر
ها هنا الجنة ولن يدرك الفضل الكامل إلا ببذل محبوب النفس أخبرنا عبد
الأول بسنده عن إسحاق بن عبد الله بن طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول كان
أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بئر حاء
وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يدخلها ويشرب
من ماء فيها طيب قال أنس فلما نزلت هذه الآية ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا
مما تحبون ) قام أبو طلحة فقال يا رسول الله إن الله تعالى يقول ( لن
تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وإن أحب أموالي إلي بئرحاء وإنها صدقة
لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها حيث أراك الله قال فقال رسول الله
{صلى الله عليه وسلم} بخ ذاك مال رابح أو رائج - شك ابن مسلمة - وقد سمعت
ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين قال أبو طلحة أفعل ذلك يا رسول
الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه
أخرجاه في الصحيحين ورواه حميد عن أنس فقال فيه لو استطعت أن
أسرها لم أعلنها فقال اجعله في فقراء أهلك وقال مجاهد كتب عمر بن الخطاب
إلى أبي موسى أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء ففعل فدعاها عمر فأعتقها ثم
تلا هذه الآية ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وقال ابن عمر خطرت
هذه الآية ببالي ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) ففكرت فيما
أعطاني الله عز وجل فما وجدت شيئا أحب إلي من جاريتي رميثة فقلت هي حرة
لوجه الله فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها فأنكحها نافعا فهي
أم ولده أخبرنا محمد بن ناصر بسنده عن عبد العزيز بن رواد عن نافع قال كان
ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه عز وجل قال نافع كان بعض
رقيقه قد عرفوا ذلك منه فربما شمر أحدهم فلزم المسجد فإذا رآه ابن عمر على
تلك الحالة الحسنة أعتقه فيقول له أصحابه يا أبا عبد الرحمن والله ما بهم
إلا أن يخدعوك فيقول ابن عمر فمن خدعنا بالله انخدعنا له قال نافع فلقد
رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له قد أخذه بمال فلما أعجبه سيره
أناخه مكانه ثم نزل عنه وقال يا نافع انزعوا زمامه ورحله وجللوه وأشعروه
وأدخلوه في البدن وروى بشير بن دعلوف عن الربيع بن خثيم أنه وقف سائل على
بابه فقال أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر
واعلم أن الإنفاق يقع على الزكاة المفروضة وعلى الصدقة النافلة
وعلى الإيثار والمواساة للإخوان فمن أخرج لله عز وجل شيئا فليكن من أطيب
ماله وليوقن المضاعفة أخبرنا ابن الحصين بسنده عن سعيد بن يسار عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من تصدق بعدل
تمرة من كسب طيب - ولا يصعد إلى الله إلا الطيب - فإن الله يتقبلها بيمينه
ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى يكون مثل الجبل وفي أفراد مسلم
من حديث أبي مسعود الأنصاري قال جاء رجل إلى رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} بناقة مخطومة فقال هذه في سبيل الله فقال رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة أخبرنا يحيى بن علي
بسنده عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} إن الصدقة لتطفى ء غضب الرب وتدفع ميتة السوء أخبرنا موهوب بن أحمد
بسنده عن يزيد الرقاشي عن أنس عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
تصدقوا فإن الصدقة فكاك من النار والصدقة تمنع سبعين نوعا من البلاء
أهونها الجذام والبرص وفي حديث بريدة رضي الله عنه عن النبي {صلى الله
عليه وسلم} أنه قال ما يخرج أحد شيئا من الصدقة حتى يفك لحيي سبعين شيطانا
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وينبغي للمتصدق أن يصلح نيته فيقصد بالصدقة وجه الله عز وجل فإن
لم يقصد وجه الله لم تقبل منه وينبغي أن يتخير الحلال ففي أفراد مسلم من
حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال لا يقبل
الله صدقة من غلول وكان الحسن يقول أيها المتصدق على المسكين برحمة ارحم
من ظلمت وأن يتخير الأجود فقد قال الله تعالى ( أنفقوا من طيبات ما كسبتم
ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) وقال عروة بن
الزبير إذا جعل أحدكم لله شيئا فلا يجعل له ما يستحي أن يجعل لكريمه فإن
الله تعالى أكرم الكرماء وأحق من اختير له ثم ينبغي أن يكون إخراج المحبوب
في زمان صحة المعطي وزمان فاقة المعطى وليقدم الأقرباء ويقدم من الأقارب
من لا يميل إليه بالطبع ففي حديث أبي أيوب الأنصاري عن النبي {صلى الله
عليه وسلم} أنه قال أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح وليخرج المعطي
ما سهل وإن قل فقد روى جابر بن عبد الله عن النبي {صلى الله عليه وسلم}
أنه سئل أي أي الصدقة أفضل فقال جهداً المقل وقال الحسن أدركنا أقواما
كانوا لا يردون سائلا إلا بشيء ولقد كان الرجل منهم يخرج من بيته فيأمر
أهله ألا يردوا سائلا ومن آداب العطاء أن يكون سرا فإن صدقة السر تطفى ء
غضب الرب عز وجل قال عبد العزيز بن عمير الصلاة تبلغك نصف الطريق والصوم
يبلغك باب الملك والصدقة تدخلك عليه
الكريم حر لأنه يملك ماله والبخيل عبد لأن ماله يملكه أما علمت أن رسول
الله {صلى الله عليه وسلم} طبع على أشرف الأخلاق وقد وصف نفسه عليه الصلاة
والسلام فقال يأبى الله لي البخل وأعطى غنما بين جبلين فتحير الذي أعطاه
في صفة جوده فقال هذا عطاء من لا يخشى الفقر فلما سار في فيافي الكرم تبعه
صديقه فجاء بكل ماله فقال ما أبقيت لأهلك قال أبقيت الله ورسوله ( سبق
الناس إليها صفقة
لم يعد رائدها عنها بغبن
( هرة للجود صالت نشوة
لم يكدر عندها العرف بمن
( طلبوا الشاء فوافى سابقا
جذع غبر في وجه المسن
نزع أبو بكر مخيط الهوى فمزقه علي رمى الصديق جهاز المطلقة
فوافقه علي حتى رمى الخاتم ( حبب الفقر إليه إنه
سؤدد وهو بذاك الفقر يغنى
( وشريف القوم من بقي لهم
شرف الذكر وخلى المال يفنى
( ما اطمأن الوفر في بحبوحة
فرأيت المجد فيها مطمئنا
( تهدم الأموال من آساسها
أبدا ما دامت العلياء تبنى
كان السلف يؤثرون عند الحاجة ويقدمون الأجود المحبوب أخبرنا عبد الأول
بسنده إلى أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى رسول الله {صلى
الله عليه وسلم} فبعث إلى نسائه فقلن ما عندنا إلا الماء فقال رسول الله
{صلى الله عليه وسلم} من يضم هذا أو يضيف هذا فقال رجل من الأنصار أنا
فانطلق به إلى امرأته فقال أكرمي ضيف رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
فقالت ما عندنا إلا قوت الصبيان فقال هيئي طعامك وأصلحي سراجك ونومي صبيانك
إذا أرادوا عشاء ففعلت ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا
يريانه أنهما يأكلان فباتا طاوبين فلما أصبح غدا إلى رسول الله {صلى الله
عليه وسلم} فقال ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما فأنزل الله تعالى (
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون
) أخبرنا عبد الوهاب بسنده إلى محمد بن عبيد عن ابن الأعرابي قال استشهد
باليرموك عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن أبي جهل وسهيل بن عمرو بن الحارث بن
هشام وجماعة من بني المغيرة فأتوا بماء وهم صرعى فتدافعوه حتى ماتوا ولم
يذوقوه أتى عكرمة بالماء فنظر إلى الحارث بن هشام ينظر إليه فقال ابدأوا
بهذا فنظر سهيل إلى الحارث بن هشام ينظر إليه فقال ابدأوا بهذا فماتوا
كلهم قبل أن يشربوا فمر بهم خالد بن الوليد فقال بنفسي أنتم نقه ابن عمر
من مرض فاشتهى سمكة فلما قدمت إليه جاء سائل فناوله إياها واشتهى الربيع
بن خشيم حلواء فلما صنعت دعا بالفقراء فأكلوا فقال أهله أتعبتنا ولم تأكل
فقال وهل أكل غيري كم بينك وبين الموصوفين كما بين المجهولين والمعروفين
آثرت الدنيا وآثروا الدين فتلمح تفاوت الأمر يا مسكين أما الفقير فما يخطر
ببالك فإذا جاء سائل أغلظت له في مقالك فإن أعطيته فحقيرا يسيرا من رديء
مالك إلى كم تتعب في جمع الحطام وتشقى وتؤثر ما يفنى على ما يبقى ( يحصي
الفتى ما كان من نفقاته
ويضيع من أنفاسه ما أنفقا
( لم يعتصم ملك يشيد ملكه
حصنا يغر به ويحفر خندقا
( وكأنما دنيا ابن آدم عرسه
أخذت جميع تراثه إذ طلقا
السجع على قوله تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )
عباد الله إلى متى تجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تسكنون والجيد في
بيوتكم تدخرون والرديء إلى الفقير تخرجون ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما
تحبون ) حركوا هممكم إلى الخير وأزعجوا وحثوا عزائمكم إلى الجد وأدلجوا
والتفتوا عن الحرص على المال وعرجوا وآثروا الفقير بما تؤثرون ويحكم السير
حثيث ولا منجد لكم ولا مغيث فبادروا بالصدقة المواريث ( ولا تيمموا الخبيث
منه تنفقون ) كم قطعت الأمال بتا كم مصيف ما أربع ولا شتى كم عازم على
إخراج المال ما تأتى سبقته المنون ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
) يا حريصا ما يستقر يا طالبا للدنيا ما يقر إن كنت تصدق بالثواب فتصدق في
السر بالمحبوب المصون ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) يا بخيلا
بالفتيل شحيحا بالنقير يا صريعا بالهوى إلى متى عقير تختار لنفسك الأجود
ولربك الحقير ما لا يصلح لك من الشيء تعطيه الفقير فما تختار لنا كذا يكون
اكتسابك على أغراضك أنفقت أمرجت نفسك في الشهوات وأطلقت ونسيت الحساب غداً
وما أشفقت فإذا رحمت الفقير وتصدقت أعطيت الردى الدون أما المسكين أخوك من
الوالدين فكيف كففت عن إعطائه اليدين كيف تحث على النفل والزكاة عليك دين
وأنتم فيها تتأولون يا وحيداً عن قليل في رمسه يا مستوحشاً في قبره بعد
طول أنسه لو قدم خيرا نفعه في حبسه ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون
) تجمع الدينار على الدينار لغيرك وينساك من أخذ كل خيرك ولا تزودت منه
شيئا لسيرك هذا هو الجنون ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )
المجلس الخامس في ذكر الصيام
الحمد لله خالق الدجى والصباح ومسبب الهدى والصلاح ومقدر الغموم
والأفراح الجائد بالفضل الزائد والسماح مالك الملك المنجي من الهلك ومسير
الفلك والفلك مسير الجناح عز فارتفع وفرق وجمع ووصل وقطع وحرم وأباح ملك
وقدر وطوى ونشر وخلق البشر وفطر الأشباح رفع السماء وأنزل الماء وعلم آدم
الأسماء وذرى الرياح أعطى ومنح وأنعم ومدح وعفا عمن اجترح وداوى الجراح
علم ما كان ويكون وخلق الحركة والسكون وإليه الرجوع والركون في الغد
والرواح يتصرف في الطول والعرض وينصب ميزان العدل يوم العرض ( الله نور
السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) أحمده وأستعينه وأتوكل عليه
وأسأله التوفيق لعمل يقرب إليه وأشهد بوحدانيته عن أدلة صحاح وأن محمداً
عبده المقدم ورسوله المعظم وحبيبه المكرم تفديه الأرواح {صلى الله عليه
وسلم} عليه وعلى أبي بكر رفيقه في الغار وعلى عمر فتاح الأمصار وعلى عثمان
شهيد الدار وعلى علي الذي يفتك رعبه قبل لبس السلاح وعلى العباس عمه صنو
أبيه أقرب من في نسبه يليه اعلموا أن الصوم من أشرف العبادات وله فضيلة
ينفرد بها عن جميع التعبدات وهي إضافته إلى الله عز وجل بقوله عز وجل
الصوم لي وأنا أجزي به
أخبرنا ابن الحصين بسنده عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كل عمل ابن آدم يضاعف
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله يقول الله عز وجل
إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي وللصائم
فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح
المسك الصوم جنة قال أحمد وحدثنا أحمد بن عبد الملك عن سهل بن سعد عن
النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال إن للجنة باباً يقال له الريان يقال
يوم القيامة أين الصائمون هلموا إلى باب الريان فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك
الباب وفي لفظ فلم يدخل منه أحد غيرهم هذان الحديثان في الصحيحين أخبرنا
ابن الحصين بسنده عن رجاء بن حيوة عن أبي أمامة قال أنشأ رسول الله {صلى
الله عليه وسلم} غزوا فأتيته فقلت يا رسول الله ادع لي بالشهادة فقال
اللهم سلمهم وغنمهم قال فغزونا فسلمنا وغنمنا قال ثم أنشأ رسول الله {صلى
الله عليه وسلم} غزواً ثانياً فأتيته فقلت يا رسول الله ادع الله لي
بالشهادة فقال اللهم سلمهم وغنمهم قال فغزونا فسلمنا وغنمنا ثم أنشأ رسول
الله {صلى الله عليه وسلم} غزواً ثالثاً فقلت يا رسول الله قد أتيتك مرتين
أسألك أن تدعو الله لي بالشهادة فقلت اللهم سلمهم وغنمهم يا رسول الله
فادع الله لي بالشهادة فقال اللهم سلمهم وعنمهم قال فعزونا فسلمنا وغنمنا
ثم أتيته بعد ذلك فقلت يا رسول الله مرني بعمل آخذه عنك ينفعني الله به
قال عليك بالصوم لأنه لا مثل له
وكان أبو أمامة وامرأته وخادمه لا يلفون إلا صياما فإن رأوا
عندهم ناراً أو دخانا بالنهار في منزلهم عرفوا أن قد اعتراهم ضيف قال ثم
أتيته بعد ذلك فقلت يا رسول الله إنك قد أمرتني بأمر وأرجو أن يكون الله
عز وجل قد نفعني به فمرني بأمر آخر ينفعني الله به قال اعلم أنك لا تسجد
لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة أو حط أوقال وحط - شك مهدي - عنك بها
خطيئة أخبرنا عبد الوهاب الحافظ بسنده عن أبي بردة عن أبي موسى قال خرجنا
غازين في البحر فبينما نحن والريح لنا طيبة والشراع لنا مرفوع فسمعنا
منادياً ينادي يا أهل السفينة قفوا أخبركم حتى والى بين سبعة أصوات قال
أبو موسى فقمت على صدر السفينة فقلت من أنت ومن أين أنت أو ما ترى ما نحن
فيه وهل نستطيع وقوفاً فأجابني الصوت ألا أخبركم بقضاء قضاه الله عز وجل
على نفسه قال قلت بلى أخبرنا قال فإن الله سبحانه قضى على نفسه أنه من عطش
نفسه لله في يوم حار كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة قال فكان أبو
موسى يتوخى ذلك اليوم الحار الشديد الحر الذي يكاد ينسلخ فيه الإنسان
فيصومه واعلم أن للصوم آدابا منها كف النظر واللسان عن الفضول والإفطار
على الحلال وتعجيله وأن يفطر على تمر قال وهب بن منبه إذا صام الإنسان زاغ
بصره فإذا أفطر على حلاوة عاد بصره ويقول إذا أفطر اللهم لك صمت وعلى رزقك
أفطرت وعليك توكلت ويستحب السحور وتأخيره
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي {صلى الله عليه وسلم}
أنه قال إذا كان أحدكم يوما صائماً فلا يجهل ولا يرفث فإن امرؤ قاتله أو
شتمه فليقل إني صائم وقد لا تخلص النية ولا يحصل الأجر أخبرنا أبو بكر بن
عبد الباقي بسنده عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
{صلى الله عليه وسلم} قال رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه
من قيامه السهر فأما ما يستحب صيامه فقد كان جماعة من السلف يصومون المحرم
وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي {صلى الله عليه وسلم}
أنه قال أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وفي أفراده من حديث أبي
قتادة عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال في صوم يوم عاشوراء يكفر
السنة الماضية وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت ما كان رسول
الله {صلى الله عليه وسلم} يصوم في شهر من السنة أكثر من صيامه من شعبان
كان يصومه كله وفي أفراده من حديث أبي أيوب عن النبي {صلى الله عليه وسلم}
أنه قال من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذلك صيام الدهر
وفي أفراده من حديث أبي قتادة أن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال
من صام يوم عرفة إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي
بعده وفي أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال إن
أبواب الجنة تفتح في يوم الاثنين والخميس أخبرنا ابن الحصين بسنده عن أبي
سعيد المقبري قال حدثني أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله إنك تصوم لا
تكاد تفطر وتفطر لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما قال
أي يومين قلت يوم الاثنين والخميس قال ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على
رب العالمين فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ويستحب صيام ثلاثة أيام من كل
شهر ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال أوصاني خليلي {صلى
الله عليه وسلم} بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر
قبل أن أنام وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه قال قال لي رسول الله {صلى الله
عليه وسلم} إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} أحب الصيام إلى الله صيام داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر
يوما وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
سدسه وقد كان جماعة من السلف يغتنمون العمر فيسردون الصوم ولا
يفطرون إلا الأيام المحرمة وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسرد الصوم
وسرده أبو طلحة أربعين سنة وأبو أمامة وسردته عائشة وعروة وسعيد بن المسيب
أخبرنا المحمدان ابن عبد الملك وابن ناصر قالا أنبأنا أحمد بن الحسن بن
خيرون قال قرى على أبي علي بن شاذان أخبركم أبو بكر الأرموي القارئ حدثنا
أحمد بن عبيد حدثنا محمد بن يزيد حدثنا عبد العزيز قال قال نافع خرجت مع
ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة لهم فمر بهم راع
فقال له عبد الله هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة فقال إني صائم فقال له
عبد الله في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت بين هذه الشعاب في آثار هذه
الغنم وبين هذه الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم فقال الراعي أبادر أيامي
الخالية فعجب ابن عمر وقال هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجترزها نطعمك من
لحمها ما تفطر عليه ونعطيك ثمنها قال إنها ليست لي إنها لمولاي قال فما
عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى
السماء وهو يقول فأين الله قال فلم يزل ابن عمر يقول قال الراعي فأين الله
فما عدا أن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق
الراعي ووهب له الغنم وقد كان بعض السلف يبكي عند الموت فقيل ما يبكيك قال
أبكي على يوم ما صمته وليلة ما قمتها فاغتنموا إخواني زمنكم وبادروا
بالصحة سقمكم واحفظوا أمانة التكليف لمن أمنكم وكأنكم بالحميم وقد دفنكم
وبالعمل في القبر قد ارتهنكم
الكلام على البسملة
( ألم يأن تركي ما على ولا ليا
وعزمي على ما فيه إصلاح حاليا
( وقد نال مني الدهر وابيض مفرقي
بكر الليالي والليالي كما هيا
( أصوت بالدنيا وليست تجيبني
أحاول أن أبقى وكيف بقائيا
( وما تبرح الأيام تحذف مدتي
بعد حساب لا كعد حسابيا
( أليس الليالي غاصباتي مهجتي
كما غصبت قبلي القرون الخواليا
( وتسكنني لحدا لذي حفرة بها
يطول إلى أخرى الليالي ثوائيا
( فيا ليتني من بعد موتي ومبعثي
أكون ترابا لا علي ولا ليا
يا من ذنوبه كثيرة لا تعد ووجه صحيفته بمخالفته قد اسود كم ندعوك إلى
الوصال وتأبى إلا الصد أما الموت قد سعى نحوك وجد أما عزم أن يلحقك بالأب
والجد أما ترى منعما أترب الثرى منه الخد كم عاينت متجبرا كف الموت كفه
الممتد فاحذر أن يأتي على المعاصي فإنه إذا أتى أبى الرد إلى كم ذا الصبا
والمراح أأبقى الشيب موضعا للمزاح لقد أغنى الصباح عن المصباح وقام حرب
المنون من غير سلاح اعوجت القناة بلا قنا ولا صفاح فعاد ذو الشيبة بالضعف
ثخين الجراح ونطقت ألسن الفناء بالوعظ الصراح وا أسفا صمت المسامع
والمواعظ فصاح لقد صاح لسان التحذير يا صاح يا صاح وأنى بالفهم لمخمور غير
صاح لقد أسكرك الهوى سكرا شديدا لا يزاح وما تفيق حتى يقول الموت لا براح
( ألا تبصر الآجال كيف تخرمت
وكل امرئ للهلك والموت صائر
( وأنت بكأس القوم لا بد شارب
فهل أنت فيما يصلح النفس ناظر
لقد وعظ الزمن بالآفات والمحن ولقد حدث بالطعن كل من قد ظعن ولقد أنذر
المطلق في أغراضه المرتهن تالله لوصفت الفطن أبصرت ما بطن إخواني أمر
الموت قد علن كم طحطح الردى وكم طحن يا بائعاً لليقين مشتريا للظنن يا
مؤثرا للرذائل في اختيار الفتن إن السرور والشرور في قرن أنت في المعاصي
مطلق الرسن وفي الطاعة كذي وسن يا رضيع الدنيا وقد آن فطامه يا طالب الهوى
وقد حان حمامه قال وهب بن منبه إن لله مناديا ينادي كل ليلة أبناء الخمسين
هلموا للحساب أبناء الستين ماذا قدمتم وماذا أخرتم أبناء السبعين عدوا
أنفسكم في الموتى ( كبرت وقاربت نصف المائة
وبدلت يا شيخ بالتسميه
( وقد نشر الشيب في عسكر الشباب
على رأسك الألوية
( تحول إلى توبة لا تحور
عساها تكون هي المنجية
( ولا تطلق اللحظ في ريبة
ولا تسألن فتنة ما هيه
( وهل غيرها قد تذوقته
فكم تعتد الإثم والمعصية
إلى كم يا ذا المشيب أما الأمر منك قريب كم تعب في وعظك خطيب كم
عالجك طبيب إنه لمرض عجيب إنه لداء غريب عظم واهن وقلب صليب يا هذا لا شيء
أقل من الدنيا ولا أعز من نفسك وها أنت تنفق أنفاس النفس النفيسة على
تحصيل الدنيا الخسيسة متى يقنعك الكفاف متى يردك العفاف متى
يقومك الثقاف إنك لتأبى إلا الخلاف مقاليدك ثقال وركعاتك خفاف يا قبيح
الخصال يا سيء الأوصاف يا مشترياً بسني الخصب السنين العجاف قف متدبراً
لحالك فالمؤمن وقاف وتذكر وعيد العصاة ويحك أما تخاف ( ما من الحزم أن
تقارب أمرا
تطلب البعد عنه بعد قليل
( وإذا ما هممت بالشيء فانظر
كيف منه الخروج قبل الدخول
( لا مفرا من المقادير لكن
للمعاذير عند أهل العقول
ويحك إن الدنيا فتنة وكم فيها من محنة غير أنها لا تخفى على أهل الفطنة لا
يعز ذليلها ولا يودى قتيلها من سكنها خرج وساكنها منزعج ( إنما الدنيا بلاء
ليس في الدنيا ثبوت
( إنما الدنيا كبيت
نسجته العنكبوت
( كل من فيها لعمري
عن قريب سيموت
( إنما يكفيك منها
أيها الراغب قوت
يا هذا انتقم من حرصك بالقناعة فمن مات حرصه عاشت مروءته خل فضول الدنيا
وقد سلمت إن لم تقبل نصحي ندمت البلغة منها ما يقوت والزاهد فيها ما يموت
فأعرض عنها جانبا وكن لأهلها مجانبا وإذا أقلقك هجير المجاعة فلذ بالصبر
في ظل القناعة
الكلام على قوله تعالى ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه )
الإنسان ابن أآدم وما توسوس به نفسه ما تحدثه به ويكنه في قلبه وهذا يحث
على تطهير القلب من مساكنة الوساوس الرديئة تعظيما لمن يعلم قال بعض السلف
إذا نطقت فاذكر من يسمع وإذا نظرت فاذكر من يرى وإذا عزمت فاذكر من يعلم
قوله تعالى ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) الوريد عرق في باطن العنق
وهما وريدان بين الحلقوم والعلياوين والعلويان القصبتان الصفراوان في متن
العنق وحبل الوريد هو الوريد فأضيف إلى نفسه لاختلاف لفظي اسمه
سجع على قوله تعالى ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد )
يا مطلقا نفسه فيما يشتهي ويريد اذكر عند خطواتك المبدئ المعيد وخف قبح ما
جرى فالملك يرى والملك شهيد ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) هلا استحيت
ممن يراك إذا ركبت من هواك ما نهاك ستبكي والله عيناك مما جنت يداك أما
تعلم أنه بالمرصاد فقل لي أين تحيد ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) لو
صدق علمك به لراقبته ولو خفت وعيده في الحرام ما قاربته ولو علمت سموم
الجزاء في كأس الهوى ما شربته لقد أضعنا الحديث عند سكران يميد ( ونحن
أقرب إليه من حبل الوريد ) قال بعض السلف مررت برجل منفرد فقلت له أنت
وحدك فقال معي ربي وملكاي فقلت أين الطريق فأشار نحو السماء ثم مضى وهو
يقول أكثر خلقك شاغل عنك
راود رجل امرأة فقالت ألا تستحي فقال ما يرانا إلا الكواكب فقالت وأين
مكوكبها
كأن رقيبا منك يرعى خواطري
وآخر يرعى ناظري ولساني
( فما نظرت عيناي بعدك نظرة
لغيرك إلا قلت قد رمقاني
( ولا بدرت من في بعدك لفظة
لغيرك إلا قلت قد سمعاني
( ولا خطرت في غير ذكرك خطرة
على القلب إلا عرجت بعناني
قوله تعالى ( إذ يتلقى المتلقيان
وهما الملكان يلتقيان القول ويكتبانه عن اليمين كاتب الحسنات وعن الشمال
كاتب السيئات ( قعيد ) أي قاعد والمعنى عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد
وروى أبو أمامة عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال كاتب الحسنات على
يمين الرجل وكاتب السيئات على شماله وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات
فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين عشراً وإذا عمل سيئة قال لصاحب الشمال
أمسك فيمسك عنه سبع ساعات فإن استغفر منها لم يكتب عليه شيء وإن لم يستغفر
كتبت عليه سيئة واحدة وفي حديث علي رضي الله عنه عن النبي {صلى الله عليه
وسلم} أنه قال مقعد مليكك على ثنيتك فلسانك قلمها وريقك مدادها
سجع على قوله تعالى ( عن اليمين وعن الشمال قعيد )
ما ظنك بمن يحصي جميع كلماتك ويضبط كل حركاتك ويشهد عليك بحسناتك
ترفع الصحائف وهي سود وعمل المنافق مردود يحضره الملكان لدى المعبود يا شر
العبيد ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) يضبطان على العبد ما يجري من حركاته
وما يكون من نظراته وكلماته واختلاف أموره وحالاته لا ينقص ولا يزيد ( عن
اليمين وعن الشمال قعيد ) قال سفيان الثوري يوما لأصحابه أخبروني لو كان
معكم من يرفع الحديث إلى السلطان أكنتم تتكلمون بشيء قالوا لا قال فإن
معكم من يرفع الحديث إلى الله عز وجل قوله تعالى ( ما يلفظ من قول إلا
لديه رقيب عتيد ) أي ما يتكلم من كلام فيلفظه أي يرميه من فيه إلا لديه
رقيب عتيد أي حافظ وهو الملك الموكل به والعتيد الحاضر معه أينما كان
السجع على قوله تعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) يا كثير
الكلام حسابك شديد يا عظيم الإجرام عذابك جديد يا مؤثرا ما يضره ما رأيك
سديد يا ناطقا بما لا يجدي ولا يفيد ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
) كلامك مكتوب وقولك محسوب وأنت يا هذا مطلوب ولك ذنوب وما تتوب وشمس
الحياة قد أخذت في الغروب فما أقسى قلبك من بين القلوب وقد أتاه ما يصدع
الحديد ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
أتظن أنك متروك مهمل أم تحسب أنه ينسى ما تعمل أو تعتقد أن الكاتب يغفل
هذا صائح النصائح قد أقبل يا قاتلا نفسه بكفه لا تفعل يا من أجله ينقص
وأمله يزيد ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ( أنا من خوف الوعيد
في قيام وقعود
( كيف لا أزداد خوفا
وعلى النار ورودي
( كيف جحدي ما تجرمت
وأعضائي شهودي
( كيف إنكاري ذنوبي
أم ترى كيف جحودي
( وعلى القول يحصى
برقيب وعتيد
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
قوله تعالى ( وجاءت سكرة الموت بالحق ) وهي غمرته وشدته التي
تغشي الإنسان وتغلب على عقله وفي قوله ( بالحق ) قولان ذكرهما الفراء
أحدهما بحقيقة الموت والثاني بالحق من أمر الآخرة قوله تعالى ( ذلك ) أي
ذلك الموت ( ما كنت منه تحيد ) أي تهرب وتفر قوله تعالى ( ونفخ في الصور )
وهي نفخة البعث ( ذلك يوم الوعيد ) أي يوم وقوع الوعيد قوله تعالى ( وجاءت
كل نفس معها سائق وشهيد ) وفيه قولان أحدهما أنه ملك يسوقها إلى محشرها
قاله أبو هريرة والثاني أنه قرينها من الشياطين سمي سائقا لأنه يتبعها وإن
لم يحثها
وفي الشهيد ثلاثة أقوال أحدها أنه ملك يشهد عليها بعملها قاله عثمان بن
عفان والحسن وقال مجاهد الملكان سائق وشهيد وقال ابن السائب السائق الذي
يكتب عليه السيئات والشهيد هو الذي كان يكتب له الحسنات والثاني أنه العمل
يشهد على الإنسان قاله أبو هريرة والثالث الأيدي والأرجل تشهد عليه بعمله
قاله الضحاك إخواني احذروا من العرض على مالك الطول والعرض وأعدوا الجواب
إذا سئلتم عن الفرض أين الحياء من قبح المضمرات أين البكاء على سالف
الخطرات أين الخوف من الجزاء على خطوات الخطيئات كتب يوسف بن أسباط إلى
حذيفة المرعشي أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله سبحانه والعمل بما علمك الله
تعالى والمراقبة حيث لا يراك إلا الله عز وجل والاستعداد لما ليس لأحد فيه
حيلة ولا ينتفع بالندم عند نزوله فاحسر عن رأسك قناع الغافلين وانتبه من
رقدة الموتى وشمر للسباق غدا فإن الدنيا ميدان المسابقين ولا تغتر بمن
أظهر النسك وتشاغل بالوصف وترك العمل بالموصوف واعلم يا أخي أنه لا بد لي
ولك من المقام بين يدي الله تعالى يسألنا عن الدقيق الخفي وعن الجليل
الخافي ولست آمن أن يسألني وإياك عن وسواس الصدور ولحظات العيون والإصغاء
للاستماع واعلم أنه لا يجزي من العمل القول ولا من البذل العدة ولا من
التوقي التلاوم
يا من معاصيه كثيرة مشهورة يا من نفسه بمن يجني عليها مسرورة أفي
العين كمه أم عشى أم الأمر إليك يجري كما تشا أعلى القلب حجاب أم غشا أيا
من إذا قعد عصى وكذا إذا مشى كل فعلك غلط كل عملك سقط أترى هذا العقل
اختلط أما قوم بهذا الشمط أما علم الشيب على حروف الموت ونقط لقد عزم
الأجل على النهوض وطال ما أقام والدنيا قروض قصر يبنى وجسم منقوض شيب وعيب
يزحلق الفروض
إلى متى أنت في ذنوب
قلبك من أجلها مريض
( أقرضت عمرا فمر خلسا
وآن أن تطلب القروض
( فاحذر مجيء الحمام بغتا
وأنت في باطل تخوض
سجع على قوله تعالى ( لقد كنت في غفلة من هذا
كأنك بالعمر قد انقرض وهجم عليك المرض وفات كل مراد وغرض وإذا بالتلف قد
عرض أخاذا ( لقد كنت في غفلة من هذا ) شخص البصر وسكن الصوت ولم يمكن
التدارك للفوت ونزل بك ملك الموت فسامت الروح وحازى ( لقد كنت في غفلة من
هذا ) عالجت أشد الشدائد فيا عجبا مما تكابد كأنك قد سقيت سم الأساود فقطع
أفلاذا ( لقد كنت في غفلة من هذا ) بلغت الروح إلى التراقي ولم تعرف
الراقي من الساقي ولم تدر عند الرحيل ما تلاقى عياذا بالله عياذا ( لقد
كنت في غفلة من هذا )
ثم درجوك في الكفن وحملوك إلى بيت العفن على العيب القبيح والأفن
وإذا الحبيب من التراب قد حفن وصرت في القبر جذاذا ( لقد كنت في غفلة من
هذا ) وتسربت عنك الأقارب تسرى تقد في مالك وتفري وغاية أمرهم أن تجري
دموعهم رذاذا ( لقد كنت في غفلة من هذا ) قفلوا الأقفال وبضعوا البضاعة
ونسوا ذكرك يا حبيبهم بعد ساعة وبقيت هناك إلى أن تقوم الساعة لا تجد وزرا
ولا معاذا ( لقد كنت في غفلة من هذا ) ثم قمت من قبرك فقيرا لا تملك من
المال نقيرا وأصبحت بالذنوب عقيرا فلو قدمت من الخير حقيرا صار ملجأ
وملاذا ( لقد كنت في غفلة من هذا ) ونصب الصراط والميزان وتغيرت الوجوه
والألوان ونودي شقي فلان بن فلان وما ترى للعذر نفاذا ( لقد كنت في غفلة
من هذا ) كم بالغ عذولك في الملام وكم قعد في زجرك وقام فإذا قلبك ما
استقام قطع الكلام على ذا ( لقد كنت في غفلة من هذا ) وصلى الله على محمد
وآله وصحبه
المجلس السادس في ذكر الحج
الحمد لله الملك القديم الواحد العزيز العظيم الشاهد سامع ذكر
الذاكر وحمد الحامد وعالم ضمير المريد ونية القاصد لعظمته خضع الراكع وذل
الساجد وبهداه اهتدى الطالب وأدرك الواجد رفع السماء فعلاها ولم يحتج إلى
مساعد وألقى في الأرض رواسي راسخات القواعد تنزه عن شريك مشاقق أو ند
معاند وعز عن ولد وجل عن والد وأحاط علما بالأسرار والعقائد وأبصر حتى
دبيب النمل في الجلامد وسطا فسالت لهيبته صعاب الجوامد ويقول في الليل هل
من سائل فانتبه يا راقد بنى بيتا أمر بقصده وتلقى الوافد وأقسم على
وحدانيته وما ينكر إلا معاند ( والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات
ذكرا إن إلهكم لواحد ) أحمده على الرخاء والشدائد وأقر بتوحيده إقرار عابد
وأصلي على رسوله الذي كان لا يخيب السائل القاصد وعلى صاحبه أبي بكر التقي
النقي الزاهد وعلى عمر العادل فلا يراقب الولد ولا الوالد وعلى عثمان
المقتول ظلما بكف الحاسد وعلى علي البحر الخضم والبطل المجاهد وعلى عمه
العباس أقرب الأقارب والأباعد قال الله تعالى ( ولله على الناس حج البيت )
فرض الله عز وجل حج البيت بهذه الآية وقوله ( من استطاع إليه سبيلا ) قال
النحويون من بدل من الناس وهذا بدل البعض كما تقول ضربت زيدا رأسه
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الله النسفي بسنده عن محمد بن
عباد بن جعفر عن عبد الله بن عمر قال قيل يا رسول الله ما الاستطاعة إلى
الحج قال الزاد والراحلة واعلم أن المجيب قد يجيب عن المشكل ويترك الظاهر
ثقة بعلم السامع وإلا فقد يكون له زاد وراحلة فإذا خرج إلى الحج لم يكن له
ما يترك لعياله أو لم يكن له ما يدبره في معاشه واعلم أن وجوب الحج موقوف
على وجود البلوغ والعقل والحرية والإسلام والزاد والراحلة ويشترط في وجود
الراحلة أن تكون صالحة لمثله ورحلها وآلتها لأنه قد يكون كبير السن فلا
يمكنه الركوب على القتب وأن يكون وجود الزاد والراحلة فاضلا عما يحتاج
إليه من مسكن وخادم إن احتاج إليه ونفقة لعياله إلى أن يعود وقضاء دين إن
كان عليه وأن يكون له إذا رجع ما يقوم بكفايته من عقار أو بضاعة أو صناعة
ثم ينبغي أن ينظر في أمن الطريق وسعة الوقت إلى غير ذلك وقد روي عن النبي
{صلى الله عليه وسلم} أنه قال من قدر على الحج ولم يحج فليمت إن شاء
يهوديا وإن شاء نصرانيا وقال ابن مسعود في قوله تعالى ( لأقعدن لهم صراطك
المستقيم ) قال طريق مكة يمنعهم من الحج وقد ذكرنا في أول هذا الكتاب بناء
البيت وفضائله وفضل الحجر الأسود
وفي حديث أبي هريرة عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال في
الركن اليماني وكل الله عز وجل به سبعين ألف ملك فمن قال أسألك العفو
والعافية ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا
آمين وعن عبد الله بن عمر عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال من طاف
بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين فهو عدل محرر أخبرنا يحيى بن علي
بسنده عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} إن لله عز وجل في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة تنزل على هذا البيت
ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين وفي حديث ابن عمر رضي الله
عنهما عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال من طاف بالبيت لم يرفع قدما
ولم يضع أخرى إلا كتب الله عز وجل له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة ورفع له
بها درجة وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي {صلى الله عليه وسلم}
أنه قال من طاف بالبيت خمسين مرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفي حديث
بريدة رضي الله عنه عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال النفقة في الحج
تضاعف كالنفقة في سبيل الله تعالى الدرهم بسبعمائة درهم
فأما حج الماشي فأخبرنا أبو منصور وعبد الرحمن بن محمد بسندهما
عن إسماعيل ابن أبي خالد عن زاذان قال مرض ابن عباس مرضا شديدا فدعا ولده
فجمعهم فقال سمعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول من حج من مكة ماشيا
حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم فقيل
له وما حسنات الحرم قال بكل حسنة مائة ألف حسنة وروت عائشة رضي الله عنها
عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال إن الملائكة لتصافح ركبان الحج
وتعتنق المشاة وأما فضيلة الحج فأخبرنا هبة الله بن محمد بسنده عن أبي
صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة والعمرتان - أو العمرة - إلى العمرة
تكفر ما بينهما أخبرنا محمد بن محمد الوراق بسنده عن أبي حازم عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من حج هذا
البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه الحديثان في الصحيحين وروي عن
علي كرم الله وجهه عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال من أراد دنيا
وآخرة فليؤم هذا البيت ما أتاه عبد يسأل الله تعالى دنيا إلا أعطاه منها
ولا آخرة إلا ادخر له منها
وينبغي لمن أراد الحج أن يفهم معنى الحج فإنه يشار به إلى التجرد
لله عز وجل ومفارقة المحبوبات وليتذكر بأهوال الطريق الأهوال بعد الموت
وفي القيامة وبالإحرام الكفن وبالتلبية إجابة الداعي وليحضر قلبه لتعظيم
البيت وليتذكر بالالتجاء إليه التجاء المذنب وبالطواف الطواف حول دار
السيد ليرضى وبالسعي بين الصفا والمروة التردد إلى فناء الدار وبرمي
الجمار رمي العدو وكما أن للأبدان حجا فللقلوب حج فإنها تنهض بأقدام
العزائم وتمتطي غوارب الشوق وتفارق كل محبوب للنفس وتصابر في الطريق شدة
الجهد وترد مناهل الوفاء لا غدران الغدر فإذا وصلت إلى ميقات الوصل نزعت
مخيط الآمال الدنيوية واغتسلت من عين العين ونزلت بعرفات العرفان ولبت إذ
لبت من لباب اللب ثم طافت حول الإجلال وسعت بين صفا الصفا ومروة المروءة
فرمت جمار الهوى بأحجار فوصلت إلى قرب الحبيب فلو ترنمت بشرح حالها لقالت
لا والذي قصد الحجيج لبيته
من بين ناء طارق وقريب
( والحجر والحجر المقبل تلتقي
فيه الشفاه وركنه المحجوب
( لا كان موضعك الذي ملكته
من قلب عبدك بعد ذا لحبيب
( لي أنة الشاكي إذا بعد المدى
ما بيننا وتنفس المكروب
ولما عبر الخليل هذه الحالة قيل له قد بقي عيك ذبح يجانس هذا الحج ليس له
إلا الولد وما المراد إراقة دمه بل فراغ قلبك عنه يا خليلي من المسنون
استسمان الإبل وألا يكون في المذبوح عيب فاختبر ذبحك هل فيه عيب أو هو
سليم مسلم فقال له ( إني أرى في المنام أني أذبحك
فأجابه ( افعل ما تؤمر ) فعلم حصول الكمال وعدم العيوب ثم قال له استحد
مديتك وأسرع مر السكين على حلقي
وإذا عدت إلى أمي فسلم عليها عني هذا قول من لم يلم بقلبه خوف ألم ( محنتي
فيك أنني
لا أبالي بمحنتي
( يا شفائي من السقام
وإن كنت علتي
وإذا وصل الحاج إلى المدينة المشرفة فيجعل على فكره تعظيم من
يقصده وليتخايل في مساجدها وطرقاتها نقل أقدام المصطفى هناك وأصحابه
وليتأدب في الوقوف وليستشفع بالحبيب وليأسف إذ لم يحظ برؤيته ولم يكن في
صحابته ( وما رمت من بعد الأحبة سلوة
ولكنني للنائبات حمول
( وما شرقي بالماء إلا تذكرا
لماء به أهل الحبيب نزول
وينبغي لمن عاد من الحج أن يقوي رجاؤه للقبول ومحو ما سلف وليحذر من تجديد
زلل وقد سئل الحسن البصري ما الحج المبرور فقال أن تعود زاهدا في الدنيا
راغبا في الآخرة أخبرنا أبو منصور القزاز بسنده عن عبد الرحمن بن عبد
الباقي قال سمعت بعض مشايخنا يقول قال علي بن الموفق لما تم لي ستون حجة
خرجت من الطواف وجلست بحذاء الميزاب وجعلت أفكر لا أدري أي شيء حالي عند
الله عز وجل وقد كثر توددي إلى هذا المكان فغلبتني عيني فكأن قائلا يقول
لي يا علي أتدعو إلى بيتك إلا من تحبه قال فانتبهت وقد سرى عني ما كنت فيه
( الكلام على البسملة
( غفلت وليس الموت في غفلة عني
وما أحد يجني علي كما أجني
( أشيد بنياني وأعلم أنني
أزول لمن شيدته ولمن أبني
( كفاني بالموت المنغص واعظا
بما أبصرت عيني وما سمعت أذني
( وكم للمنايا من فنون كثيرة
تميت وقد وطنت نفسي على فن
( ولو طرقت ما استأذنت من يحبني
كما أفقدتني من أحب بلا إذن
( وقد كنت أفدي ناظريه من القذى
فغطيت ما قد كنت أفديه بالعين
( ستسجنني يا رب في القبر برهة
فلا تجعل النيران من بعده سجني
( ولي عند ربي سيئات كثيرة
ولكنني عبد به حسن الظن
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
من للعاصي إذا دعي فحضر ونشر كتابه ونظر لم يسمع عذره وقد اعتذر
وناقشه المولى فما غفر آه لراحل لم يتزود للسفر ولخاسر إذا ربح المتقون
افتقر ولمحروم جنة الفردوس حل في سقر ولفاجر فضحه فجوره فاشتهر ولمتكبر
بالذل بين الكل قد ظهر وإلى محمول إلى جهنم فلا ملجأ له ولا وزر آه من يوم
تكور فيه الشمس والقمر يا كثير الرياء قل إلى متى تخلص يا ناسي الأنكال إن
كال فمتلصص ما يتخلص من معامل ولا هو عند الله مخلص الدهر حريص على قتلك
يا من يحرص تفكر فيمن أصبح مسرورا فأمسى وهو متنغص ومتى أردت لذة فاذكر
قبلها المنغص وتعلم أن الهوى ظل والظل متقلص وخذ على نفسك لا تسامحها ولا
ترخص حائط الباطل خراب فإلى كم تجصص أين الهم المجتمع تفرق فما ينتفع
يدعوك الهوى فتتبع وتحدثك المنى فتستمع كم زجرك ناصح فلم تطع سار الصالحون
يا منقطع ما الذي عاقك لهو مختدع شروا ما يبقى بما يفنى وأنت لم تشر
ولم تبع أين تعبهم نسخ بالروح ولم يضع تلمح العواقب فلتلمها العقل وضع
كأنه ما جاع قط من شبع جز على الشونيزية أو على قبر أحمد وميز من أطاع ممن
أضاع فمن أحمد قبور الصالحين تؤنس الزائر وقبور الظلمة عليها ظلام متوافر
جذ على قبور العباد وناد في ذلك الناد أيتها الأودية والوهاد ما فعلت تلك
الأوراد ( تعاهدتك العهاد يا طلل
خبر عن الظاعنين ما فعلوا
( فقال لم أدر غير أنهم
صاح غراب البين فاحتملوا
( لا طاب ليلي ولا النهار لمن
يسكنني أو يردهم قفل
( ولا تحليت بالرياض وبالنور
ومغناي منهم عطل
( خل هذا فما عليك لهم
قلت أنين وأدمع هطل
( وأنني مقفل الضمائر عن
حب سواهم ما حنت الإبل
( فقال هلا اتبعتهم أبدا
إن نزلوا منزلا وإن رحلوا
سبحان من قسم الأقسام فلقوم يقظة ولقوم منام قال وهب بن منبه كان
في بني إسرائيل رجلان بلغت بهما عبادتهما أن مشيا على الماء فبينما هما
يمشيان في البحر إذا هما برجل يمشي في الهواء فقالا له يا عبد الله بأي
شيء أدركت هذه المنزلة فقال بيسير من الدنيا فطمت نفسي عن الشهوات وكففت
لساني عما لا يعنيني ورغبت فيما دعاني ولزمت الصمت فإن أقسمت على الله أبر
قسمي وإن سألته أعطاني
يا بعيدا عن الصالحين يا مطرودا عن المفلحين لقد نصب الشيطان الأشراك وجعل
حب الفخ هواك وكم رأيت مأسورا وسط ذاك وليس المراد الآن إلاك احذر فخه فهو
بعيد الفكاك كم يوم غابت شمسه وقلبك غائب وكم ظلام أسبل ستره وأنت في
عجائب كم ليلة بالخطايا قطعتها وكم من أعمال قبيحة رفعتها وكم من ذنوب
جمعتها والصحف أودعتها كم نظرة ما تحل ما خفت ولا منعتها كم من موعظة
تعيها وكأنك ما سمعتها وكم من ذنوب تعيب غيرك بها أنت صنعتها وكم أمرتك
النفس بما يؤذي فأطعتها يا موافقا لنفسه آذيتها خالفها وقد نفعتها
طوى نفسه عنك الشباب المزايل
وأسلمت للشيب الذي لا يزايل
( نسير إلى الآجال في كل ساعة
وأيامنا تطوى وهن مراحل
( ولم أر مثل الموت حقا كأنه
إذا ما تخطته الأماني باطل
( وما أقبح التفريط في زمن الصبا
فكيف به والشيب في الرأس شامل
( ترحل عن الدنيا بزاد من التقى
فعمرك أيام وهن قلائل
الكلام على قوله تعالى ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة
كان مطرف بن عبد الله يقول هذه آية القراء ومعنى يتلون يقرؤون وفي أفراد
البخاري من حديث عثمان رضي الله عنه عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه
قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه أخبرنا هبة الله بن محمد بسنده عن عبد
الرحمن بن زيد العقيلي عن أبيه عن أنس
قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن لله عز وجل أهلين من
الناس فقيل من أهل الله منهم قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته أخبرنا
علي بن عبيد الله وأحمد بن الحسن وعبد الرحمن بن محمد بإسنادهم عن عقبة بن
عامر قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لا يعذب الله قلبا وعى
القرآن أخبرنا الكروخي بسنده عن محمد بن كعب القرشي قال سمعت عبد الله بن
مسعود قال سمعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول من قرأ حرفا من كتاب
الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن الألف
حرف واللام حرف والميم حرف أخبرنا ابن الحصين بسنده عن عبد الله بن عمرو
عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال يقال لصاحب القرآن يوم القيامة
اقرأ وارق ورتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية يقرؤها واعلم أن لتلاوة
القرآن آدابا منها أن يقرأ وهو على وضوء متأدبا مطرقا مرتلا بتحزين وبكاء
مسرا معظما للكلام والمتكلم به محضرا لقلبه متدبرا لما يتلوه وقد كان في
السلف من يختم في كل يوم وليلة وقد كان عثمان رضي الله عنه يختم في الوتر
ومنهم من كان يختم ختمتين وقد كان الشافعي رضي الله عنه يختم في رمضان
ستين ختمة ومنهم من يختم ثلاث ختمات وهؤلاء الذين غلب عليهم انتهاب العمر
ومنهم من كان يختم في كل
أسبوع اشتغالا بنشر العلم ومنهم من كان يختم كل شهر إقبالا على
التدبر وقد روى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه
قام ليلة بآية يرددها ( إن تعذبهم فإنهم عبادك ) وقام تميم الداري بآية (
أم حسب الذين اجترحوا السيئات ) وكذلك قام بها الربيع بن خثيم وقال أبو
سليمان الداراني إني لأقيم في الآية أربع ليال أو خمس ليال وقد بقي بعض
السلف سنتين في ختمة قال ابن مسعود رضي الله عنه من ختم القرآن فله دعوة
مستجابة وقال عبد الرحمن بن الأسود من ختم القرآن نهارا غفر له ذلك اليوم
ومن ختمه ليلا غفر له تلك الليلة أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أنبأنا ابن
النقور أنبأنا ابن حبابة حدثنا البغوي حدثنا هدبة حدثنا حماد بن مسلمة عن
أبي مسكين عن طلحة بن مطرف قال من ختم القرآن في أي ساعة من النهار كانت
صلت عليه الملائكة حتى يمسي أو أي ساعة من الليل كانت صلت عليه الملائكة
حتى يصبح وقد روى ابن عباس عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال إن
الرجل الذي ليس في جوفه من القرآن شيء كالبيت الخرب وروى سعد بن عبادة عن
النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ما من امرى ء يقرأ القرآن ثم ينساه
إلا لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو أجذم
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي {صلى الله عليه
وسلم} أنه قال اقرؤوا القرآن وابتغوا به الله عز وجل من قبل أن يأتي قوم
يقيمونه مقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه قال ابن مسعود ينبغي لحامل
القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون وبنهاره إذ الناس مفرطون وبحزنه إذ
الناس يفرحون وببكائه إذ الناس يضحكون وبصمته إذ الناس يخوضون أخبرنا ابن
ناصر قال حدثنا عبد القادر أنبأنا يوسف أنبأنا الحسن بن علي التميمي حدثنا
أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا علي بن مسلم حدثنا سيار حدثنا
جعفر قال سمعت مالك بن دينار يقول يا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في
قلوبكم فإن القرآن ربيع المؤمنين كما أن الغيث ربيع الأرض وقد ينزل الغيث
من السماء إلى الأرض فيصيب الحش فتكون فيه الحبة فلا يمنعها نتن موضعها أن
تخضر وتهتز وتحسن فيا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم قال الفضيل
رحمه الله حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ولا
يسهو مع من يسهو ولا ينبغي أن يكون له إلى أحد حاجة إلى الخلفاء إلى من
دونهم وينبغي أن تكون حوائج الناس إليه وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه
رأيت رب العزة عز وجل في المنام فقلت يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون
إليك فقال بكلامي يا أحمد فقلت يا رب بفهم أو بغير فهم فقال بفهم وبغير فهم
قوله تعالى ( وأقاموا الصلاة ) المعنى ويقيمون الصلاة وهو
إتمامها بحدودها وفي مواقيتها قال بعض السلف رأيت بجبل اللكام شابا مصفرا
يصلي العشاء الآخرة ثم يصف قدميه فيختم القرآن في ركعتين ثم يبكي إلى
الفجر قوله تعالى ( وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ) كانوا إذا قدروا
على السر لم يخرجوا الصدقة علانية لأن صدقة السر تزيد على العلانية سبعين
ضعفا وفي الصحيحين أن أبا طلحة قال أحب أموالي إلي بئرحاء وهي صدقة لله
تعالى لو قدرت أن أسره لم أعلنه يا مقصرا في أعماله بخيلا بماله لا تسألوا
عن حاله يوم ترحاله يا دائم الخسران فما يربح يا مقيما على المعاصي ما
يبرح متى رأيت من فعل فعلك أفلح تقبل من العدو ولا تقبل ممن ينصح قم على
قدم الطلب فاقرع الباب بالأدب يفتح صاحب أهل الخير تكن منهم واستفد خصالهم
وخذ عنهم قوله تعالى ( يرجون تجارة ) أي يرجون بفعلهم تجارة ( لن تبور )
أي لن تفسد ولن تكسد وهذا جواب قوله تعالى ( إن الذين يتلون كتاب الله )
لما سمعوا مضاعفة الأجر في قوله تعالى ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل
الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) ثم سمعوا قوله
تعالى ( فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) قال ابن عباس لا ينقضي عددها
وقال أبو هريرة إن الله تعالى يكتب للمؤمن بالحسنة الواحدة ألفي
ألف حسنة ولما سمعوا لفظ القرض في ذمة الله بادروا بالأموال أخبرنا يحيى
بن علي المدير بسنده عن عبد الله بن مسعود قال لما نزل قوله تعالى ( من ذا
الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) قال أبو الدحداح يعني
لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} وإن الله تعالى ليريد منا القرض قال نعم
قال أرني يدك يا رسول الله قال فناوله يده فقال إني قد أقرضت ربي حائطي
قال وحائطه فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها فجاء أبو الدحداح
فنادى يا أم الدحداح قالت لبيك قال اخرجي من الحائط فقد أقرضته ربي عز وجل
وفي رواية أخرى أنها لما سمعت ذلك عمدت إلى صبيانها تخرج ما في أفواههم
وتنفض ما في أكمامهم فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} كم من عذق رداح في
الجنة لأبي الدحداح سبحان من خلق تلك النفوس واختارها وصفاها بالتقى ورفع
أكدارها وجعل حمى معرفته وجنته دارها فإذا مرت على النار أطفأ نورها نارها
قوم تيقظوا في أمورهم وعقلوا وحاسبوا أنفسهم فما أضاعوا ولا غفلوا وحاربوا
جنود الهوى فأسروا وقتلوا وتدبروا منازل اليقين مع سادة المتقين ونزلوا
فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا إخواني رحل من أصفه وبقي من لا أعرفه سل
عنهم الشعث الغبور وزر إذا اشتقتهم القبور
لمن الطول كأنهن ( م
يجزع ذي سلم سطور
( تطوي معالمها الصبا
طورا وتنشرها الدبور
( وكفت بها من أدمعي
في الركب غادية درور
( ولقل ما تجدي الدموع
وينفع الصب الزفير
( أقوت من الحي الديار
فما لها في العين نور
سجع على قوله تعالى ( يرجون تجارة لن تبور
كانوا يقومون الديجور ببكاء مطرود مهجور ورعد قلوبهم مقلق زجور
فامتلأت بالخيرات الحجور ( يرجون تجارة لن تبور ) رفضوا الدنيا شغلا عن
الزينة وأذلوا نفوسهم فعادت مسكينة وعلموا أن الدنيا سفينة فتهيأوا للعبور
( يرجون تجارة لن تبور ) يؤثرون بالطعام ويؤثرون الصيام ويأملون فضل
الإنعام فما كانت إلا أيام حتى اخضرت البذور ( يرجون تجارة لن تبور )
بعثوا الأموال الحبيبة إلى بلاد البعث الغريبة فإذا الأرباح عن قريب قريبة
وعلى هذا التجارة تدور ( يرجون تجارة لن تبور ) العليل عليل والأنين طويل
والعيون تسيل وما مضى إلا القليل حتى فرح الصبور ( ترجون تجارة لن تبور )
يقفون وقوف مسكين ويذلون ذل مستكين فنالوا المقام الأمين وانشعب قلب
الحزين بأكمل الحبور ( ترجون تجارة لن تبور ) سليمهم كالسليم وحزنهم مقيم
يحذرون الجحيم ويرجون النعيم في كمال الحبور ( ترجون تجارة لن للقلب مع
الدنيا نبا كلما عارضه الهوى نبا يندبون ندب الأسرى الغربا والزفرات على
ذنوب الصبا تزيد على الصبا والدبور ( يرجون تجارة لن تبور ) يا من يدفن
ماله تحت الأرض ولا يفهم معنى القرض سيخرج الوارث بالفرض إلى الدرهم
والدور ( يرجون تجارة لن تبور ) سبحان من قضى لقوم سرورا وعلى آخرين ثبورا
فما لهم من نور ( يرجون تجارة لن تبور ) والله سبحانه وتعالى أعلم
تبور )
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى