لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : بداية الهداية - صفحة 2 Empty كتاب : بداية الهداية {الأربعاء 15 يونيو - 9:57}

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الإمام، العالم العلامة،
حجة الاسلام، وبركة الأنام: أبو حامد محمد بن محمد بن الغزالي الطوسى؛ قدس
الله روحه، ونور ضريحه - آمين: الحمدلله حق حمده، والصلاة والسلام على خير
خلقه، محمد رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه من بعده.
أما بعد: فاعلم أيها
الحريص المقبل على اقتباس العلم، المظهر من نفسه صدق الرغبة، وفرط التعطش
إليه.. أنك إن كنت تقصد بالعلم المنافسة، والمباهاة، والتقدم على الأقران،
واستمالة وجوه الناس إليك، وجمع حطام الدنيا؛ فأنت ساع في هدم دينك،
وإهلاك نفسك، وبيع آخرتك بدنياك؛ فصفقتك خاسرة، وتجارتك بائرة، ومعلمك
معين لك على عصيانك، وشريك لك في خسرانك، وهو كبائع سيف لقاطع طريق، كما
قال صلى الله عليه وسلم: (من أعان على معصية ولو بشطر كلمة كان شريكا
فيها).
وإن كانت نيتك وقصدك، بينك وبين الله تعالى، من طلب العلم:
الهداية دون مجرد الرواية؛ فأبشر؛ فإن الملائكة تبسط لك أجنحتها إذا مشيت،
وحيتان البحر تستغفر لك إذا سعيت. ولكن ينبغي لك أن تعلم، قبل كل شيء، أن
الهداية التي هي ثمرة العلم لها بداية ونهاية، وظاهر وباطن، ولا وصول إلى
نهايتها إلا بعد إحكام بدايتها، ولا عثور على باطنها إلا بعد الوقوف على
ظاهرها.
وهأنا مشير عليك ببداية الهداية؛ لتجرب بها نفسك، وتمتحن بها
قلبك، فإن صادفت قلبك إليها مائلا، ونفسك بها مطاوعة، ولها قابلة؛ فدونك
التطلع إلى النهايات والتغلغل في بحار العلوم.
وإن صادفت قلبك عند
مواجهتك إياها بها مسوفا، وبالعمل بمقتضاها مماطلا؛ فاعلم أن نفسك المائلة
إلى طلب العلم هي النفس الأمارة بالسوء، وقد انتهضت مطيعة للشيطان اللعين
ليدليك بحبل غروره؛ فيستدرجك بمكيدته إلى غمرة الهلاك، وقصده أن يروج عليك
الشر في معرض الخير حتى يلحقك (بِالأخسَرينَ أَعمالاً، الَّذين ضَلَ
سَعيُهُم في الحَياةِ الدُنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعا).
وعند ذلك يتلو عليك الشيطان فضل العلم ودرجة العلماء، وما ورد فيه من
الأخبار والآثار. ويلهيك عن قوله صلى الله عليه وسلم: (من ازداد علما ولم
يزدد هدى، لم يزدد من الله إلا بعدا)، وعن قوله صلى الله عليه وسلم: (أشد
الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه) وكان صلى الله عليه
وسلم يقول: (اللهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، وعمل لا
يرفع، ودعاء لا يسمع).
وعن قوله صلى الله عليه وسلم: (مررت ليلة أسرى
بي بأقوام تقرض شفاههم بمقارض من نار، فقلت: من أنتم؟ قالوا: كنا نأمر
بالخير ولا نأتيه وننهى عن الشر ونأتيه).
فإياك يا مسكين أن تذعن لتزويره فيدليك بحبل غروره، فويل للجاهل حيث لم يتعلم مرة واحدة، وويل للعالم حيث لم يعمل بما عمل ألف مرة.
واعلم
أن الناس في طلب العلم على ثلاثة أحوال: رجل طلب العلم ليتخذه زاده إلى
المعاد، ولم يقصد به إلا وجه الله والدار الآخرة؛ فهذا من الفائزين.
ورجل
طلبه ليستعين به على حياته العاجلة، وينال به العز والجاه والمال، وهو
عالم بذلك، مستشعر في قلب ركاكه حاله وخسة مقصده، فهذا من المخاطرين. فإن
عاجله أجله قبل التوبة خيف عليه من سوء الخاتمة، وبقي أمره في خطر
المشيئة؛ وإن وفق للتوبة قبل حلول الأجل، وأضاف إلى العلم العمل، وتدارك
ما فرط منه من الخلل - التحق بالفائزين، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب
له.

ورجل ثالث استحوذ عليه الشيطان؛ فاتخذ علمه ذريعة إلى التكاثر
بالمال، والتفاخر بالجاه، والتعزز بكثرة الأتباع، يدخل بعلمه كل مدخل رجاء
أن يقضى من الدنيا وطره،ن وهو مع ذلك يضمر في نفسه أنه عند الله بمكانة،
لاتسامه بسمة العلماء، وترسمه برسومهم في الزى والمنطق، مع تكالبه على
الدنيا ظاهرا وباطنا.. فهذا من الهالكين، ومن الحمقى المغرورين؛ إذ الرجاء
منقطع عن توبته لظنه أنه من المحسنين، وهو غافل عن قوله تعالى (يَأيُها
الَّذين آمنوا لِمَ تَقولونَ مالا تَفعَلون). وهو ممن قال فيهم رسول الله:
(أنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال) فقيل: وما هو يارسول الله؟،
فقال: (علماء السوء). وهذا لأن الدجال غايته الإضلال، ومثل هذا العالم وإن
صرف الناس عن الدنيا بلسانه ومقاله فهو دافع لهم إليها بأعماله وأحواله،
ولسان الحال أفصح من لسان المقال، وطباع الناس إلى المساعدى في الأعمال
أميل منها إلى المتابعة في الأقوال؛ فما أفسده هذا المغرور بأعماله أكثر
مما أصلحه بأقواله، إذ لا يستجرىء الجاهل على الرغبة في الدنيا إلا
باستجراء العلماء، فقد صار علمه سببا لجرأة عباد الله على معاصيه، ونفسه
الجاهلة مذلة مع ذلك تمنيه وترجيه، وتدعوه إلى أن يمن على الله بعلمه،
وتخيل إليه نفسه أنه خير من كثير من عباد الله.
فكن أيها الطالب من
الفريق الأول، واحذر أن تكون من الفريق الثاني، فكم من مسوف عاجله الأجل
قبل التوبة فخسر، وإياك ثم إياك أن تكون من الفريق الثالث، فتهلك هلاكا لا
يرجى معه فلاحك، ولا ينتظر صلاحك.
فإن قلت: فما بداية الهداية لأجرب
بها نفسي، فاعلم أن بدايتها ظاهرة التقوى، ونهايتها باطنة التقوى؛ فلا
عاقبة إلا بالتقوى، ولا هداية إلا للمتقين.
والتقوى، عبارة عن امتثال
أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، فهما قسمان، وهأنا أشير عليك بجمل
مختصرة من ظاهر علم التقوى في القسمين جميعا، وألحق قسما ثالثا ليصير هذا
الكتاب جامعا مغنيا والله المستعان.
القسم الأول

في الطاعات

توطئة

اعلم
أن أوامر الله تعالى فرائض ونوافل؛ فالفرض رأس المال، وهو أصل التجارة وبه
تحصل النجاة، والنفل هو الربح وبه الفوز بالدرجات، قال صلى الله عليه
وسلم: (يقول الله تبارك وتعالى: (ما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما
افترضت عليهم، ولا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته
كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده
التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها).
ولن تصل أيها الطالب إلى القيام
بأوامر الله تعالى إلا بمراقبة قلبك وجوارحك في لحظاتك وأنفاسك، حين تصبح
إلى حين تمسى. فاعلم أن الله تعالى مطلع على ضميرك، ومشرف على ظاهرك
وباطنك، ومحيط بجميع لحظاتك، وخطراتك، وخطواتك، وسائر سكناتك وحركاتك؛
وأنك في مخالطتك وخلواتك متردد بين يديه؛ فلا يسكن في الملك والملكوت
ساكن، ولا يتحرك متحرك، إلا وجبار السموات والأرض مطلع عليه، يعلم خائنة
الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم السر وأخفى؛ فتأدب أيها المسكين ظاهرا
وباطنا بين يدي الله تعالى تأدب العبد الذليل المذنب في حضرة الملك الجبار
القهار، واجتهد ألا يراك مولاك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك.
ولن تقدر
على ذلك إلا بأن توزع أوقاتك، وترتب أورادك من صباحك إلى مسائك، فاصغ إلى
ما يلقى إليك من أوامر الله تعالى عليك من حين تستيقظ من منامك إلى وقت
رجوعك إلى مضجعك.
؟؟
فصل في آداب الاستيقاظ من النوم

فإذا
استيقظت من النوم، فاجتهد أن تستيقظ قبل طلوع الفجر، وليكن أول ما يجري
على قلبك ولسانك ذكر الله تعالى؛ فقل عند ذلك: الحمدلله الذي أحيانا بعدما
أماتنا وإليه النشور، أصبحنا وأصبح الملك لله، والعظمة والسلطان لله،
والعزة والقدرة لله رب العالمين، أصبحنا على فطرة الاسلام، وعلى كلمة
الاخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ملة أبينا إبراهيم
حنيفا مسلما وما كان من المشركين؛ اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا،
وبك نموت، وإليك النشور؛ اللهم إنا نسألك أن تبعثنا في هذا اليوم إلى كل
خير، ونعوذ بك أن نجترح فيه سوءا أو نجره إلى مسلم، أو يجره أحد إلينا؛
نسألك خير هذا اليوم وخير مافيه ونعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما فيه.

فإذا لبست ثيابك فانو به امتثال أمر الله تعالى في ستر عورتك، واحذر أن يكون قصدك من لباسك مراءاة الخلق فتخسر.
؟؟
باب آداب دخول الخلاء

فإذا
قصدت بيت الماء لقضاء الحاجة، فقدم في الدخول رجلك اليسرى، وفي الخروج
رجلك اليمنى، ولا تستصحب شيئا عليه اسم الله تعالى ورسوله. ولا تدخل حاسر
الرأس، ولا حافي القدمين.
وقل عند الدخول: باسم الله، أعوذ بالله من الرجس النجس، الخبيث المخبث، الشيطان الرجيم.
وعند الخروج: غفرانك، الحمدلله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى في ما ينفعني.
وينبغي
أن تعدل النبل قبل قضاء الحاجة، والا تستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة،
وأن تستبرىء من البول بالتنحنح والنتر ثلاثا، وبإمرار اليد اليسرى على
أسفل القضيب.
وإن كنت في الصحراء، فابعد عن عيون الناظرين واستتر بشيء إن وجدته، ولا تكشف عورتك قبل الانتهاء إلى موضع الجلوس.
ولا
تستقبل الشمس ولا القمر، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولا تجلس في
متحدث الناس، ولا تبل في الماء الراكد وتحت الشجرة المثمرة، ولا في الجحر،
واحذر الارض الصلبة ومهب الريح، احترازا من الرشاش لقوله صلى الله عليه
وسلم: (إن عامة الوسواس منه).
واتكىء في جلوسك على الرجل اليسرى، ولا
تبل قائما إلا عن ضرورة، واجمع في الاستنجاء بين استعمال الحجر والماء،
فإذا أردت الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل، وإذا اقتصرت على الحجر فعليك
أن تستعمل ثلاثة أحجار طاهرة منشفه للعين، تمسح القضيب في ثلاثة مواضع من
حجر، فإن لم يحصل الإنقاء بثلاثة فتمم خمسة أو سبعة إلى أن ينقى بالإيتار؛
فالإيتار مستحب والانقاء واجب. ولا تستنج إلا باليد اليسرى.
وقل عند
الفراغ من الاستنجاء: اللهم طهر قلبيى من النفاق وحصن فرجي من الفواحش.
وادعك يدك بعد تمام الاستنجاء بالارض أو بحائط ثم اغسلها.
باب آداب الوضوءفإذا
فرغت من الاستنجاء، فلا تترك السواك؛ن فإنه مطهرة للفم، ومرضاة للرب،
ومسخطة للشيطان وصلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بلا سواك. وروي عن أبي
هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق
على أمتي لأمرتهم بالسواك في كل صلاة)، وعنه صلى الله عليه وسلم: (أمرت
بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي).
ثم اجلس للوضوء مستقبل القبلة على موضع
مرتفع كي لا يصيبك الرشاش، وقل بسم الله الرحمن الرحيم، رب أعوذ بك من
همزات الشياطين وأعوذ بك رب بأن يحضرون.
ثم اغسل يديك ثلاثا قبل أن تدخلهما الإناء، وقل: اللهم إني أسألك اليمن والبركة، وأعوذ بك من الشؤم والهلكة.
ثم انو رفع الحدث واستباحة الصلاة، ولا ينبغي أن تعزب نيتك قبل غسل الوجه، فلا يصح وضؤوك.
ثم
خذ غرفة لفمك وتمضمض بها ثلاثا، وبالغ في رد الماء إلى الغلصمة إلا أن
تكون صائما فترفق، وقل اللهم أعني على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك، وثبتني
بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ثم خذ غرفة لأنفك واستنشق
بها ثلاثا، واستنثر ما في الأنف من رطوبة، وقل في الاستنشاق: اللهم أرحني
رائحة الجنة وأنت عني راض، وفي الاستنثار: اللهم إني أعوذ بك من روائح
النار وسوء الدار.
ثم خذ غرفة لوجهك، فاغسل بها من مبتدأ تسطيح الجبهة
إلى منتهى ما يقبل من الذقن في الطول، ومن الأذن في العرض، وأوصل الماء
إلى موضع التجديف، وهو ما يعتاد النساء تنحية الشعر عنه، وهو ما بين رأس
الأذن إلى زاوية الجبين، أعني ما يقع منه في جبهة الوجه، وأوصل الماء إلى
منابت الشعور الأربعة: الحاجبين، والشاربين، والأهداب، والعذران (وهما ما
يوازيان الأذنين، من مبتدأ اللحية)، ويجب إيصال الماء إلى منابت الشعر من
اللحية الخفيفة، دون الكثيفة؛ وقل عندن غسل الوجه: اللهم بيض وجهي بنورك
يوم تبيض وجوه أوليائك، ولا تسود وجهي بكلماتك يوم تسود وجوه أعدائك.. ولا
تترك تخليل اللحية الكثيفة.
ثم اغسل يدك اليمنى، ثم اليسرى مع المرفقين
إلى أنصاف العضدين، فإن الحلية في الجنة تبلغ مواضع الوضوء. وقل عند غسل
اليد اليمنى: أعطني كتابي بيميني، وحاسبني حسابا يسيرا، وعند غسل الشمال:
اللهم إني أعوذ بك أن تعطيني كتابي بشمالي أو من وراء ظهري.

ثم استوعب
رأسك بالمسح، بأن تبل أيداك وتلصق رؤوس أصابع يدك اليمنى باليسرى، وتضعهما
على مقدمة الرأس، وتمررهما إلى القفا، ثم ترددهما إلى المقدمة، فهذه مرة،
تفعل ذلك ثلاث مرات، وكذلك في سائر الأعضاء، وقل: اللهم غشني برحمتك،
وأنزل على من بركاتك، وأظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم حرم
شعري وبشرى على النار.
ثم امسح أذنيك ظاهرهما وباطنهما بماء جديد،
وأدخل مسبحتك في صماخ أذنيك، وأمسح أذنيك ببطن إبهاميك، وقل: اللهم اجعلني
من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم أسمعني منادى الجنة في الجنة
مع الأبرار.
ثم امسح رقبتك، وقل: اللهم فك رقبتي من النار، وأعوذ بك من السلاسل والأغلال.
ثم
اغسل رجلك اليمنى ثم اليسرى مع الكعبين، وخلل بخنصر اليسرى أصابع رجلك
اليمنى مبتدئا بخنصرها، حتى تختم بخنصر اليسرى، وتدخل الأصابع من أسفل،
وقل: اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم مع أقدام عبادك الصالحين.. وكذلك
تقول عند غسل اليسرى: اللهم إني أعوذ بك آن تزول قدمي على الصراط في النار
يوم تزل أقدام المنافقين والمشركين. وارفع الماء إلى أنصاف الساقين، وراع
التكرار ثلاثا في جميع أفعالك.
فإذا فرغت فارفع بصرك إلى السماء، وقل:
اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله،
تسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أنت التواب الرحيم، اللهم
اجعلني من التوابين؛ واجعلني من المتطهرين، واجعلني من عبادك الصالحين
واجعلني صبورا، شكورا، واجعلني أذكرك ذكرا كثيرا، وأسبحك بكرة وأصيلا.
فمن
قرأ هذه الدعوات في وضوئه خرجت خطاياه من جميع أعضائه، وختم على وضوئه
بخاتم، ورفع له تحت العرش، فلم يزل يسبح الله تعالى ويقدسه، ويكتب له ثواب
ذلك إلى يوم القيامة.
واجتنب في وضوئك سبعا: لاتنفض يديك فترش الماء،
ولا تلطم وجهكن ورأسك بالماء لطما، ولا تتكلم في أثناء الوضوء، ولا تزد في
الغسل على ثلاث مرات، ولا تثكر صب الماء من غير حاجة بمجرد الوسوسة،
فلموسوسين شيطان يضحك بهم يقال له (الولهان) ولا تتوضأ بالماء المشمس ولا
من الأواني الصفرية، فهذه السبعة مكروهه في الوضوء.
وفي الخبر أن : (من ذكر الله عند وضوئه طهر الله جسده كله، ومن لم يذكر الله لم يطهر منه إلا ما أصابه الماء).
؟
آداب الغسل

فإذا
أصابتك جنابة، من احتلام أو وقاع، فخذ الإناء إلى المغتسل، واغسل يديك
أولا ثلاثا، وأزل ما على بدنك من قذر، وتوضأ كما سبق في وضوئك للصلاة مع
جميع الدعوات، وأخر غسل قدميك، كيلا يضيع الماء فإذا فرغت من الوضوء فصب
الماء على راسك ثلاثا وأنت ناو رفع الحدث من الجنابة، ثم على شقك الأيمن
ثلاثا، ثم على الأيسر ثلاثا، وادعك ما أقبل من بدنك وما أدبر ثالثا، وخلل
شعر رأسك ولحيتك، وأوصل الماء إلى معاطف البدن ومنابت الشعر ما خفف منه
وما كثف.
واحذر أن تمس ذكرك بعد الوضوء فإن أصابته يدك فأعد الوضوء.
والفريض من جملة ذلك كله: النية، وإزالة النجاسة، واستيعاب البدن بالغسل.
وفرض الوضوء: غسل الوجه واليدين مع المرفقين، ومسح بعض الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين مرة، مع النية والترتيب.
وما عداها سنن مؤكدة فضلها كثير، وثوابها جزيل والمتهاون بها خاسر، بل هو بأصل فرائضه مخاطر، فإن النوافل جوابر للفرائض.
آداب التيممفإن
عجزت عن استعملا الماء لفقده بعد الطلب، أو لعذر من مرض، أو لمانع من
الوصول إليه من سبع أو حبس، أو كان الماء الحاضر تحتاج إليه لعطشك أو لعطش
رفيقك، أو ملكا لغيرك ولم يبع إلا بأكثر من ثمن المثل، أو كان بك جراحة أو
مرض تخاف منه على نفسك - فاصبر حتى يدخل وقت الفريضة، ثم اقصد صعيدا طيبا
عليه تراب خالص طاهر لين، فاضرب عليه بكفيك ضاما بين أصابعك، وانو استباحة
فرض الصلاة، وامسح بهما وجهك كله مرة، ولا تتكلف إيصال الغبار إلى منابت
الشعر خف أو كثف، ثم انزع خاتمك، واضرب ضربة ثانية مفرجا ما بين أصابعك،
واسمح بهما يديك بمع مرفقيك، فإن لم تستوعبهما فاضرب ضربة أخرى إلى أن
تستوعبهما، ثم امسح إحدى كفيك بالأخرى، وامسح نما بين أصابعك بالتخليل.
وصل به فرضا واحدا وما شئت من النوافل، فإن أردت فرضا ثانيا فاستأنف تيمما آخر.
آداب الخروج إلى المسجد

فإذا فرغت من طهارتك فصل في بيتك ركعتي الصبح إن كان الفجر قد طلع، كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يتوجه إلى المسجد.
ولا
تدع الصلاة في الجماعة، لا سيما الصبح (فصلاة الجماعة تفضل على الفرد شرين
درجة) فإن كنت تتساهل في مثل هذا لربح فأي فائدة لك في طلب العلم؟ وإنما
ثمرة العلم العمل به.
فإذا سعيت إلى المسجد، فامش على هينة وتؤدة
وسكينة، ولا تعجل وقل في طريقك: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق
الراغبين إليك، وبحق ممشاى هذا إليك؛ فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا
رياء، ولا سمعة، بل خرجت اتقاء سخطكن، وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تنقذني من
النار، وأن تغفر لي ذنوبي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
آداب دخول المسجد

فإذا
أردت الدخول إلى المسجد، فقدم رجلك اليمنى، وقل: اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد وصحبه وسلم؛ اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك.
ومهما
رأيت في المسجد من يبيع أو يبتاع، فقل: لا أربح الله تجارتك. وإذا رأيت
فيه من ينشد ضالة، فقل: لا ردّ الله عليك ضالتك - كذلك أمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
فإذا دخلت المسجد، فلا تجلس حتى تصلي ركعتي التحية،
بفإن لم تكن على طهارة أو لم ترد فعلها كفتك الباقيات الصالحات ثلاثا،
وقيل أربعا، وقيل ثلاثا للمحدث وواحدة للمتوضىء. فإن لم تكن صليت في بيتك
ركعتي الفجر، فيجزئك أداؤهما عن التحية.
فإذا فرغت من الركعتين، فانو
الاعتكاف وادع بما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ركعتي الفجر،
فقل: (اللهم إني أسألك رحمة من عندك، تهدي بها قلبي، وتجمع بها شملي، وتلم
بها شعثي، وترد بها ألفتي وتصلح بها ديني وتحفظ بها غائبي، وترفع بها
شاهدي، وتزكي بها عملي، وتبيض بها وجهي، ولتهمني بها رشدي، وتقضي لي بها
حاجتي، وتعصمني بها من كل سوء، اللهم إني أسألك إيمانا خالصا دائما يباشر
قلبي، ويقينا صادقا، حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبته على، ورضني بما
قسمته لي، اللهم إني أسألك إيمانا صادقا، ويقينا ليس بعده كفر؛ وأسألك
رحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة؛ اللهم إني أسألك الفوز عند
اللقاء والصبر عند القضاء، ومنازل الشهداء وعيش السعداء والنصر على
الأعداء، ومرافقة الأنبياء؛ اللهم إني أنزل بك حاجتي، وإن ضعف رأيي وقصر
عملية، وافتقرت إلى رحمتك فأسألك يا قاضي الأمور وياشافي الصدور، كما تجير
بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير، ومن دعوة الثبور ومن فتنة القبور؛
اللهم ما قصر عنه رأيي، وضعف عنه عملي، ولم تبلغه نيتي وأمنيتي، من خير
وعدته أحدا من عبادك أو خير أنت معطيه أحدا من خلقك فإني أرغب إليك فيه،
وأسألك إياه يارب العالمين؛ اللهم اجعلنا هادين مهتدين، غير ضالين ولا
مضلين؛ حربا لأعدائك سلما لأوليائك نحب بحبك الناس، ونعادي بعداوتك من
خالفك من خلقك؛ اللهم هذا الدعاء وعليك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان،
وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ اللهم
ذا الحبل الشديد، والأمر الرشيد، أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم
الخلود مع المقربين الشهود، والركع السجود، الموفين لك بالعهود؛ إنك رحيم
ودود وإنك تفعل ما تري سبحان من تعطف بالعز وقال به، سبحان من لبس المجد
وتكرم به، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان ذي الفضل والنعم،
سبحان ذي الجود والكرم، سبحان الذي أحصى كل شيء بعمله؛ اللهم اجعل لي نورا
في قلبي، ونورا في قبري، ونورا في سمعي ونورا في بصري ونورا في شعري،
ونورا في بشري، ونورا في لحمي، ونورا في دمي، ونورا في عظامي، ونورا من
بين يدي، ونورا من خلفي ونورا من يمين ونورا عن شمالي ونورا من فوق ونورا
من تحتي؛ اللهم زدني نورا، وأعطني نورا أعظم نور، واجعل لي نورا برحمتك يا
أرحم الراحمين.
فإذا فرغت من الدعاء، فلا تشتغل إلى وقت الفرض إلا بفكر
وتسبيح أو قراءة قرآن. فإذا سمعت الأذان في أثناء ذلك فاقطع ما أنت فيه
واشتغل بجواب المؤذن.
فإذا قال المؤذن: الله أكبر، فقل مثل ذلك، وكذلك في كلم كلمة غلا في الحيعلتين فقل فيهما: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فإذا
قال: الصلاة خير من النوم، فقل: صدقت وبررت وأنا على ذلك من الشاهدين.ن
فإذا سمعت الاقامة فقل مثل ما يقول، إلا في قوله: قد قامت الصلاة، فقل:
أقامها الله وأدامها ما دامت السموات والأرض. فإذا فرغت من جواب المؤذن
فقل: اللهم إني أسألك عند حضور صلاتك وأصوات دعاتك، وإدبار ليلك، وإقبال
نهارك: أن تؤتي محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام
المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد يا أرحم الراحمين. فإذا سمعت
الأذان وأنت في الصلاة فتمم الصلاة، ثم تدارك الجواب بعد السلام على وجهه.
فإذا
أحرم الإمام بالفرض، فلا تشتغل إلا بالاقتداء به وصل الفرض كما سيتلى عليك
في كيفية الصلاة وآدابها فإذا فرغت فقل: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد
وسلم، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك يعود السلام، فحينا ربنا
بالسلام، وأدخلنا الجنة دار السلام؛ تباركت يا ذا الجلال والإكرام؛ سبحان
ربي العلى الأعلى الوهاب، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله
الحمد، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، لا
إله إلا الله، أهل النعمة والفضل والثناء الحسين، لا إله إلا الله، ولا
نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
ثم ادع بعد ذلك
بالجوامع الكوامل، وهو ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم - عائشة رضي
الله عنها، فقل: (اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه
وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم،
وأسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل ونية واعتقاد، وأعوذ بك من النار
وما يقرب إليها من قول وعمل ونية واعتقاد، وأسألك من خير ما سألك منه عبدك
ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك
محمد صلى الله عليه وسلم، وما قضيت على من أمر فاجعل عاقبته رشدا).
ثم
ادع بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها، فقل:
(يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث،
ومن عذابك أستجير، لا تكلني إلى نفسي، ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين،
وأصلح لي شأني كله بما أصلحت به الصالحين).
ثم قل ما قاله عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
اللهم
إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره، ولا أملك نفع ما أرجو، وأصبح الأمر بيدك
لا بيد غيرك، وأصبحت مرتهنا بعملي؛ فلا فقير أفقر مني إليك، ولا غنى أغنى
منك عني، اللهم لا تشمت بي عدوى، ولا تسؤ بي صديقي، ولا تجعل مصيبتي في
ديني، ولا تجعل الدنيا أكبر همي ولا مبلغ علمي، ولا تسلط علي بذنبي من لا
يرحمني.
ثم ادع بما بدا لك من الدعوات المشهورات ، واحفظها مما أوردنا في كتاب الدعوات من كتاب (إحياء علوم الدين).
ولتكن
أوقاتك بعد الصلاة إلى طلوع الشمس، موزعة على أربع وظائف: وظيفة في
الدعوات، ووظيفة في الأذكار والدعوات؛ وتكررها في مسبحة، ووظيفة في قراءة
القرآن، ووظيفة في التفكر، فتفكر في ذنوبك وخطاياك وتقصيرك في عبادة
مولاك، وتعرضك لعقابه الأليم وسخطه العظيم.
وترتب بتدبيرك أورادكن في
جميع يومك لتتدارك به ما فرط من تقصيرك، وتحترز من التعرض لسخط الله تعال
الأليم في يومك، وتنوي الخير لجميع المسلمين وتعز ألا تشغل في جميع نهارك
إلا بطاعة الله تعالى، وتقصد في قلبك الطاعات التي تقدر عليها وتختار
أفضلها، وتتأمل تهيئة أسبابها لتشتغل بها؛ ولا تدع عنك التفكر في قرب
الأجل، وحلول الموت القاطع للأمل، وخروج الأمر عن الاختيار، وحصول الحسرة
والندامة بطول الاغترار.
وليكن من تسابيحك، وأذكارك عشر كلمات: إحداهن:
لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، له الحمد، يحيى ويميت، وهو
حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
الثانية: لا إله إلا الله الملك الحق المبين.
الثالثة: لا إله إلا الله الواحدن القهار، رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار.
الرابعة: سبحان الله، والحمدلله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخامسة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح.
السادسة: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
السابعة: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا الله هو الحي القيوم، وأسأله التوبة والمغفرة.
الثامنة: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا راد لما قضيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
التاسعة: اللهم صلى على محمد، وعلى آل محمد وصحبه وسلم.
العاشرة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم.
تكرر
كل واحدة من هذه الكلمات إما مائة مرة أو سبعين مرة، أو عشر مرات، وهو
أقله، ليكون المجموع مائة. ولازم هذه الاوراد، ولا تتكلم قبل طلوع الشمس؛
ففي الخبر أن ذلك أفضل من اعتاق ثمان رقاب من ولد اسماعيل - على نبينا
وعليه الصلاة والسلام - أعني الاشتغال بالذكر إلى طلوع الشمس من غير أن
يتخلله كلام.

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : بداية الهداية - صفحة 2 Empty رد: كتاب : بداية الهداية {الأربعاء 15 يونيو - 10:04}

الوظيفة الثانية

مراعاة حقوق الصحبة

فمهما
انعقدت الشركة، وانتظمت بينك وبين شريكك الصحبة، فعليك حقوق يوجبها عقد
الصحبة، وفي القيام بها آداب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الأخوين
مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى)، ودخل صلى الله عليه وسلم أجدمعة، فاجتنى
منها سواكين، أحدهما معوج، والآخر مستقيم، وكان معه بعض أصحابه، فأعطاه
المستقيم، وأمسك لنفسه المعوج، فقال: يارسول الله أنت أحق مني بالمستقيم،
فقال صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب يصحب صاحبا ولو ساعة من نهار إلا
وسئل عن صحبته، هل أقام فيها حق الله تعالى أو أضاعه). وقال صلى الله عليه
وسلم: (ما اصطحب اثنان قط إلا وكان أحبهما إلى الله تعالى أرفقهما بصاحبه).
وآداب
الصحبة: الايثار بالمال، فإن لم يكن هذا فبذل الفضل من المال عند الحاجة،
والإعانة بالنفس في الحاجات، على سبيل المبادرة من غير احواج إلى التماس،
وكتمان السر، وستر العيوب، والسكوت على تبليغ ما يسوؤه من مذمة الناس
إياه، وإبلاغ ما يسره من ثناء الناس عليه، وحسن ا لإصغاء عند الحديث، وترك
المماراة فيه، وأن يدعوه بأحب أسمائه إليهس، وأن ثني عليه بما يعرف من
محاسنه، وأن يشكره على صنيعه في وجهه، وأن يذب عنه في غيبته إذا تعرض
لعرضه كما يذب عن نفسه، وأن ينصحه باللطف والتعريض إذا احتاج إليه، وأن
يعفو عن زلته وهفوته، ولا يعتب عليه، وأن يدعو له في خلوته في حياته وبعد
مماته، وأن يحسن الوفاء مع أهله وأقاربه بعد موته، وأن يؤثر التخفيف عنه،
فلا يكلفه شيئا من حاجاه، فيروح سره من مهماته، وأن يظهر الفرح بجميع ما
يرتاح له من مساره، والحزن على نياله من مكارهه، وأن يضمر في قلبه مثل ما
يظهره، فيكون صادقا في وده سرا وعلانية، وأن يبدأه بالسلام عند إقباله،
وأن يوسع له في المجلس ويخرج له من مكانه، وأن يشيعه عند قيامه، وأن يصمت
عند كلامه حتى يفرغ من كلامه، ويترك المداحلة في كلامه. وعلى الجملة،
فيعامله بما يحب أن يعامل به، فمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه فأخوته نفاق،
وهي عليه وبال في الدنيا والآخرة.
فهذا أدبك في حق العوام المجهولين، وف يحق الأصدقاء المؤاخين.
آداب العلاقة بالمعارفوأما
القسم الثالث، وهم المعارف: فاحذر منهم؛ فإنك لا تر الشر إلا ممن تعرفه،
أم الصديق فيعينك، وأما المجهول فلا يتعرض لك، وإنما الشر كله من المعارف
الذين يظهرون الصداقة بألسنتهم.
فأقلل من المعارف ما قدرت، فإذا بليت
بهم في مدرسة أو مسجد أو جامع أو سوق أو بلد، فيجب ألا تستصغر منهم أحدا؛
فإنك لا تدري لعله خير منك، ولا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم في حال
دنياهم فتهلك، لأن الدنيا صغيرة عند الله تعالى، صغير ما فيها. ومهما عظم
أهل الدنيا في قلبك فقد سقطت من عين الله تعالى، وإياك أن تبذل لهم دينك
لتنال به من دنياهم؛ فلا يفعل ذلك أحد إلا صغر في أعينهم ثم حرم ما عندهم.
وإن
عادوك فلا تقابلهم بالعداوة؛ فإنك لا تطيق الصبر على مكافأتهم، فيذهب دينك
في عداوتهم، ويطول عناؤك معهم، ولا تسكن إليهم في حال إكرامهم إياك
وثنائهم عليك في وجهك وإظهارهم المودة لك؛ فإنك إن طلبت حقيقة ذلك لم تجد
في المائة واحداً، ولا تطمع أن يكونوا لك في السر والعلن واحد، ولا تتعجب
إن ثلبوك في غيبتك ولا تغضب منه؛ فإنك إن أنصفت وجدت من نفسك مثل ذلك، حتى
في أصدقائك وأقاربك، بل في أستاذك ووالديك؛ فإنك تذكرهم في الغيبة بما لا
تشافههم به، فاقطع طمعك عن مالهم وجاههم ومعونتهم؛ فإن الطامع في الأكثر
خائب في المال، وهو ذليل لا محالة في الحال.
وإذا سألت واحدا حاجة
فقضاها، فاشكر الله تعالى واشكره، وإن قصر فلا تعاتبه ولا تشكه فتصير
عدواة له، وكن كالمؤمن يطلب المعاذير، ولا تكن كالمنافق يطلب العيوب، وقل
لعله قصر لعذر له لم أطلع عليه.
ولا تعظن أحدا منهم ما لم تتوسم فيه أو
مخايل القبول، وإلا لم يستمع منك وصار خصما عليك، إذا أخطئوا في مسألة،
وكانوا يأنفون من التعلم منك، فلا تعلمهم؛ فلا تعلمهم؛ن فإنهم يستفيدون
منك علما ويصبحون لك أعداء، إلا إذا تعلق ذلك بمعصية يقارفونها عن جهل
منهم، فاذكر الحق بلطف من غير عنف.

وإذا رأيت منهم كرامة وخيرا، فاشكر
الله الذي حببك إليهم. وإذا رأيت منهم شرا، فكلهم إلى الله تعالى، واستعذ
بالله من شرهم، ولا تعاتبهم، ولا تقل لهم: لمِ لَم تعرفوا حقي؛ وأنا فلان
بن فلان، وأنا الفاضل في العلوم؟ فإن ذلك من كلام الحمقى، وأشد الناس
حماقة من يزكي نفسه ويثني عليها.
واعلم أن الله تعالى لا يسلطهم عليك إلا بذنب سبق منك، فاستغفر الله من ذنبك، واعلم أن ذلك عقوبة من الله تعالى.
وكن
فيما بينهم سميعا لحقهم، أصم عن باطلهم، نطوفا بمحاسنهم، صموتا عن
مساويهم، واحذر مخالطة متفقهة الزمان، لا سيما المشتغلين بالخلاف والجدال.
واحذر
منهم؛ فإنهم يتربصون بك - لحسدهم - ريب المنون، ويقطعون عليك بالظنون،
ويتغامرون وراءك بالعيون، ويحصون عليك عثراتك في عشرتهم، حتى يجبهوك بها
في حال غيظهم ومناظرتهم، لا يقيلون لك عثرة، ولا يغفرون لك زلة، ولا
يسترون لك عورة، يحاسبونك على النقير والقطمير، ويحسدونك على القليل
والكثير، ويحرضون عليك الإخوان بالنميمة والبلاغات والبهتان، إن رضوا
فظاهرهم الملق، وإن سخطوا فباطنهم الحنق، ظاهرهم ثياب وباطنهم ذئاب.
هذا ما قطعت به المشاهدة على أكثرهم، إلا من عصمه الله تعالى؛ فصحبتهم خسران، ومعاشرتهم خذلان.
هذا حكم من يظهر لك الصداقة، فكيف من يجاهرك بالعداوة؟ قال القاضي ابن معروف رحمه الله تعالى:
فَاحذَر عَدوكَ مَرَة ... وَاحذَر صَديقَكَ أَلفَ مَرَة
فَلَرُبَما اِنقَلَبَ الصَديقُ ... فَكانَ اَعرَف بِالمَضَرَة
وكذلك قال أبو تمام:
عَدوُكَ مِن صَديقِكَ مُستَفاد ... فَلا تَستَكثرِنَ مِنَ الصَحابِ
فَإِنّ الدَاءَ أَكثَرَ ما تَراهُ ... يَكون مِنَ الطَعامِ أو الشَرابِ
وكن كما قال هلال بن العلاء الرقى:
لَما عَفوتَ وَلَم أَحقِد عَلى أَحد ... أَرحتَ نَفسى مِن هُم العَداواتِ
إِني أَحيى عَدوى عِندَ رُؤيَتِهِ ... لأَدفَعَ الشَرَ عَنى بِالتَحياتِ
وَأَظهَر البَشَر لِلإِنسانِ أَبغُضُهُ ... كَأَن قَد مَلا قَلبى مَرات
وَلسَت أَسلَمَ مِمَن لَستَ أَعرِفُهُ ... فَكَيفَ أَسلَم مِن أهلِ المَوَداتِ
الناسُ دَاء دَواءِ الناسِ تَركُهُم ... وَفي الجَفاءِ لَهُم قِطَعُ الأَخواتِ
فَسالِم الناسَ تَسلَم مِن غوائِلِهِم ... وَكُن حَريصاً عَلى كَسبِ التقياتِ
وَخالِق الناسَ وَاصبِر ما بُلَيتَ بِهِم ... اَصَمٌ اَبكَمٌ اَعمى ذا تقيات
وكن
أيضا كما قال بعض الحكماء: الق صديقك وعدوك بوجه الرضا، من غير مذلة لهما
ولا هيبة منهما، وتوقر من غير كبر، وتواضع من غير مذلة، وكن في جميع أمورك
في أوسطها، فكلا طرفى قصدن الأمور ذميم، كما قيل:
عَلَيكَ بِأَوساطِ الأَمورِ فإِنّها ... طَريقٌ إِلى نَهجِ الصِراط قَويمُ
وَلا تَكُ فيها مُفرَطا أَو مُفرَطا ... فَإِنّ كُلا حالِ الأُمورِ ذميمُ

ولا
تنظر في عطفيك، ولا تكثر إلى وارئك الالتفات، ولا تقف على الجماعات، وإذا
جلست فلا تستوفز، وتحفظ من تشبيك أصابعك، وكثرة بصاقك ونخمك، وطر الذباب
عن وجهك، وكثرة التمطى والتثاؤب في وجوه الناس في الصلاة وغيرها، وليكن
مجلسك هادئا، وحديثك منظوما مرتبا، واصغ إلى الكلام الحسن ممن حدثك من غير
إظهار تعجب مفرط، ولا تسأله إعادته، واسكت عن المضاحك والحكايات، ولا تحدث
عن إعجابك بولدك وشعرك وكلامك وتصنيفك وسائر ما يخصك، ولا تتصنع تصنع
المرأة في التزين، ولا تتبذل تبذل العبد، وتوق كثرة الكحل والإسراف في
الدهن، ولا تلح في الحاجات، ولا تشجع أحداً على الظلم، ولا تعلم أحدا من
أهلك وولدك فضلا عن غيرهم مقدار مالك؛ واجفهم من غير عنف، ولن لهم من غير
ضعف، ولا تهازل أمتك ولا عبدك، فيسقط وقارك من قلوبهم، وإذا خاصمت فتوقر،
وتحفئ من جهلك وعجلتك، وتفكر في حجتك، ولا تكثر الاشارة بيدك، ولا تكثر
الالتفاف إلى من ورائك ولا تجث على ركبتيك، وإذا هدأ غضبك فتكلم. وإذا
قربك السلطان فكن منه على حد السنان، وإياك وصديق العافية؛ فإنه أعدى
الأعداء، ولا يجعل مالك أكرم من عرضك.
فهذا القدر يافتى يكفيك من بداية
الهداية، فجرب بها نفسك؛ فإنها ثلاثة أقسام: قسم آداب الطاعات، وقسم في
ترك المعاصي، وقسم في مخالطة الخلق، وهي جامعة لجمل معاملة العبد مع
الخالق والخلق.
فإن رأيتها مناسبة لنفسك، ورأيت قلبك مائلا إليها راغبا
في العمل بها، فاعلم أنك عبد نوَّر الله تعالى بالإيمان قلبك، وشرح به
صدرك، وتحقق أن لهذه البداية نهاية، ووراءها أسرارا وأغوارا ومكاشفات، وقد
أودعناها كتاب (إحياء علوم الدين)؛ فاشتغل بتحصيله.
وإن رأيت نفسك
تستثقل العمل بهذه الوظائف، وتنكر هذا الفن من العلم، وتقول لك نفسك: أنى
ينفعك هذا العلم في محافل العلماء، ومتى يقدمك هذا على الأقران والنظراء؟!
وكيف يرفع منصبك في مجالس الأمراء والوزراء؟ وكيف يوصلك إلى الصلة
والأرزاق وولاية الأوقاف والقضاء؟ فاعلم أن الشيطان قد أغواك وأنساك
متقلبك ومثواك، فاطلب لك شيطانا مثلك، ليعملك ما تظن أنه ينفعك ويوصلك إلى
بغيتك. ثم أنه قط لا يصفو لك الملك في محلتك، فضلا عن قريتك وبلدتك، ثم
يفوتك الملك المقيم والنعيم الدائم في جوار رب العالمين.
والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته، والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا. ولا حول ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلم
تسليما كثيرا.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى