ام الشهيد
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
تبكي فقد الوحي
بقلم د. محمد ياسر القضماني
عن أنس t قال: قال أبو بكر t بعد وفاة رسول الله r لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها. كما كان رسول الله r يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله r فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله r ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء. فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها.[1]
خَبرٌ قصير لكنه منطو على خير وفير!
نقف بإكبار حقاً أمام هِمَمِ هؤلاء العظام الكرام من الصحب المنوَّر برجاله ونسائه – رضي الله عنهم جميعاً -.
أمُّ أيمن هنا واسمها بركة مولاة رسول الله r وحاضنته، كان إذا نظر إليها عليه الصلاة والسلام يقول: أم أيمن أمي بعد أمي.
هنيئاً لك يا أم أيمن بهذه الرُّتبة، وهذه المنقبة!
ما يلفت النَّظر في خبرنا عنها بُعدُ نظرها، وسمّو همّتها، ومعرفتها بالله تعالى، وتعظيمها للوحي، وقدر الموحى إليه!
تعالين يا أخوات!
لو تجرَّدت الواحدة منَّا وراجعت مواقف أخيرة في أيامها القريبة على أي شيء بكت وتأثّرت؟!
كثيرات سيخجلن قطعاً!
فجُلُّهنَّ
بكين على فقد شيء من متاع هذه الدنيا الفانية، حلية أو ثوب أو تعيُّبة
لسبب ما، أو الغبن فيه عند الشراء، أو البكاء على نزهة حرمناها، أو مجلس في
دعوة ما حالف الحظ فيه، أو .. أو .. أو .. لغير ذلك مما يُخجّل من ذكره!
ألهذا أو ذاك تبكي المسلمة الغالية عند الله؟!
أما هذه المسلمة بحق التي عرفت قدر دينها وقدر كتابها تبكي لانقطاعها!
تعلم رضي الله عنها وأرضاها أن ما أعدَّه الله لرسوله ومصطفاه بعد الموت خير له من أضعاف الدنيا!
وما معنى أن نفاضل؟!
ما قدر الدنيا في جنب الآخرة؟ يُفاضل عادة بين أمرين بينهما نوع اشتراك! الدنيا هباءة في جنب الآخرة!
(أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء)!
ما يقول هذا إلا من عرف بركة ونور وهداية وتبصير وتسديد ورحمة ودلالة وتكريم الوحي كلام رب العالمين وأرحم الراحمين وأحكم الحاكمين!
ما بصَّر في الحالكات المدلهمَّات من المواقف المشكلات إلا بيان الله!
ما
بشَّر وطمأن وهدَّأ البال وأصلح الحال إلا بيان الله! ما وعد بفرج بعد باب
مُرتجٍ، ورخاء بعد ضيق، ويسر بعد عسر إلا بيان الله ووحيه!
القرآن كان لهم عزاء وسلوان في جميع الأحيان والأكوان فكيف لا تبكي فقد ذلك كله؟!
فهيجت على البكاء أشرف وأكرم إنسانين بعد الأنبياء والرسول أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
وكيف كانت شؤون هذين الوزيرين العظيمين مع القرآن العظيم؟! ينتهي عمرنا ولا ينتهي الحديث عن جلال وكمال وجمال هؤلاء!
فأبو بكر له شؤون الكبيرة رضي الله عنه.
وعمر وما أدراك ما موافقاته للوحي له شؤونه القديرة رضي الله عنه.
نعم!
هذه صورة من الصور المشرقة لنسائنا الأوليات التي تعيش الواحدة منهن
شؤوناً عليَّات، وآمالاً غاليات ساميات رافعات لكل من وقف عليها أو تنسَّم
شيئاً من ريَّا عبقها وروحها؛ فكيف بمن عاشها أو عاش لها؟!
وفي رواية بإسناد صحيح أخرجها ابن سعد: لما قتل عمر، بكت أم أيمن فقيل لها: فقالت: اليوم وهى الإسلام!
نعم!
تربَّت أم أيمن على إعطاء الشؤون حقَّها وإنزال الناس منازلهم؛ وما دام
رسول الله عليه الصلاة والسلام أثنى على عمر، ودعا أن يعزّ الإسلام به
فسيكون لفقده الأثر!
فسبحان من قضى وقدَّر فرفع بهذا الكتاب أقواماً وخفض به آخرين
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى