لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل أو مختصر رعاية المحاسبي Empty كتاب : مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل أو مختصر رعاية المحاسبي {الأربعاء 22 يونيو - 22:09}

بسم الله الرحمن الرحيم



رب يسر



قال الشيخ
العلامة أوحد عصره وفريد دهره لسان الشريعة سيد علماء الطريقة أبو محمد
عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي رحمه الله تعالى ممليا لحل
مقاصد الرعاية للإمام الحارث بن أسد المحاسبي رضي الله عنه الحمد لله الذي
لا تتم الصالحات إلا به وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله
وأصحابه
فصل في حسن الاستماع إلى كل ما أمر العباد بالاستماع إليه


حسن الاستماع أن تصغي إلى ما تستمع إليه من غير أن تشغل قلبك أو

شيئا من جوارحك بغير ما تستمع إليه وتقبل عليه إلى ما يعينك على
فهم ذلك
من الإقبال بعينك من يحدث بذلك أو تنظر في كتاب يشتمل على ذلك وقد ضمن
الله سبحانه وتعالى لمن أحسن الاستماع أن يحصل له الاتعاظ والانتفاع بما
استمع له وأصغي إليه فقال تعالى { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى
السمع وهو شهيد } أي إن في ذلك اتعاظا لمن كان له عقل أو ألقى سمعه إلى
الموعظة وهو حاضر العقل غير غائب عما يستمع إليه


فصل فيما يجب رعايته من حقوق الله تعالى


رعاية الشيء حفظه من الفوات والنقصان
وحقوق الله سبحانه وتعالى ضربان أحدهما فعل الواجبات
والثاني ترك المحرمات
ففعل كل واجب تقوى وترك كل محرم تقوى والحامل على التقوى الخوف من عذاب
الله تعالى وعقابه فمن أتى بخصلة منها فقد وقى نفسه بها ما رتب

على تركها من شر الدنيا والآخرة مع ما يحصل له من نعيم الجنان
ورضا الرحمن

فصل فيما يتقرب به إلى الله تعالى


لا يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى إلا بطاعته وطاعته فعل واجب أو مندوب
وترك محرم أو مكروه فمن تقواه تقديم ما قدم الله سبحانه وتعالى من
الواجبات على المندوبات وتقديم ما قدمه من اجتناب المحرمات على ترك
المكروهات وهذا بخلاف ما يفعله الجاهلون الذين يظنون أنهم إلى الله سبحانه
وتعالى متقربون وهم منه متباعدون فيضيع أحدهم الواجبات حفظا للمندوبات
ويرتكب المحرمات تصونا عن ترك المكروهات ولا يقع في مثل هذا إلا ذوو
الضلالات وأهل الجهالات
فكم منا مقيم لصور الطاعة مع انطواء قلبه
على الرياء والحسد والغل والكبر والإعجاب بالعمل والإدلال على الله تعالى
بالطاعات { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
} الكهف



والتقوى قسمان أحدهما متعلق بالقلوب وهو ضربان
أحدهما واجب كإخلاص الأعمال والإيمان
والثاني محرم كالرياء وتعظيم الأوثان
والثاني يتعلق بالأعضاء الظاهرة كنظر الأعين وبطش الأيدي ومشي الأرجل ونطق
اللسان

وكم من ناظر إلى ما لا يحل
النظر إليه ومغتاب لمن لا تجوز غيبته ومزدر لمن لا يحل ازدراؤه ظنا أن ذلك
من الجائزات وغفلة عن كونه من المحرمات

فائدة


إذا صحت التقوى أثمرت الورع والورع ترك ما لا بأس به خوفا من الوقوع فيما
به بأس
فصل في تعريف الجاهل المغرور غرته


قد تقدم أن التقوى متعلقة بالجنان وبالأركان فنبدأ بتعرف اختلال التقوى في
الأركان
وطريق ذلك أن يعرض أعمال جوارحه الظاهرة من حين

بلغ إلى وقته ذلك على كتاب الله سبحانه وسنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم
فإن وجد نفسه على حفظ حدود الله تعالى بجميع جوارحه فليعدل بعد ذلك إلى
تقوى قلبه فإن وجد قلبه مستقيما من حين بلوغه إلى حين عرضه فهذا ولي من
أولياء الله سبحانه وتعالى وقل أن يوجد ذلك في هذا الزمان
وكيفية
عرض ذلك أن ينظر إلى ما يتعلق بكل عضو من أعضائه من أمر الله تعالى ونهيه
فيعرضهما عضوا عضوا فيعرض اللسان مثلا هل ترك ما أمر الله سبحانه وتعالى
بقوله كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن تحقق أنه قام بجميع ما أمره
الله تعالى وما أعز ذلك فليرجع إلى ما نهى عنه فإن عرف أن لسانه محفوظ عن
ذلك من حين بلغ إلى حين عرضه وما اعز ذلك فليعدل إلى تقوى العين بفعل
مأموراتها واجتناب منهياتها فإن استقامت على الأمر والنهي في جميع ذلك ولن
يسلم له ذلك فليعدل إلى منهيات سمعه ومأموراته فإن علم أنه قائم بوظائفها
وما أندر ذلك فليعدل إلى بطش يده فليعتبر استقامتها على الأمر والنهي في
بطشها فإن علم أنه قد أدى ما عليه في جميع ذلك وما أغرب ذلك



فليعدل إلى مشي رجله فليعتبره بالأمر والنهي كذلك ثم إلى بطنه
وفرجه كذلك
فإن ظن الاستقامة في ذلك جميعه أو بعضه فلا يغترن بذلك ولينظر إلى قصده
بجميع طاعته هل أراد بكل واحدة منهن وجه الله سبحانه وتعالى أم لا فإن صفى
له ذلك وما أعز صفاءه فلينظر هل أعجب بنفسه فرأى أنه لأجل طاعته خير من
غيره أم لا فإن لم ير نفسه خيرا من غيره في شيء من طاعته فلينظر هل تكبر
على عباد الله بسبب ذلك أم لا فإن صفا له ذلك وما أعز أن يصفو فلينظر هل
أسند استقامته إلى عزمه وحزمه أم نسب ذلك إلى ربه سبحانه وتعالى فإن صفا
له ذلك مع عزته وندرته فلينظر هل أعجبته نفسه بذلك أم لا صفا له ذلك مع
غرابته فلينظر هل أدل على الله سبحانه وتعالى بهذه الاستقامة أم لا فإن
صفت له هذه الأحوال المتعلقة بالطاعات فلينظر في معاصي أخرى هل تطهر منها
قلبه أم لا كالحسد والشماتة وإرادة العلو في الأرض
فإذا اعتبر ذلك
جميعه وأنصف من نفسه عرف أنه كان هاربا عن الله سبحانه وتعالى وهو يعتقد
أنه هارب إليه ومعرض عن الله سبحانه وتعالى وهو يعتقد أنه مقبل عليه
ومعتمد على خلقه وهو يعتقد أنه معتمد عليه ومفوض إليه



فصل في ابتداء المسير إلى الله عز وجل


أول ما يجب على المكلف أن يعلم أن له ربا أمره ونهاه ليثيبه على طاعته
ويعاقبه على معصيته وأنه يلزمه الفرار من عقوبته بطاعته واجتناب معصيته
وإليه الإشارة بقوله تعالى { ففروا إلى الله } الذاريات والفرار إليه إنما
يكون بطاعته واجتناب معصيته وإنما تعرف طاعته ومعصيته بتعلم شريعته
فعليه أن يتعلم من علم الشرع ما حرم الله سبحانه وتعالى عليه في ظاهره
وباطنه ليجتنبه وما أوجبه عليه في ظاهره وباطنه ليفعله على حسب الحال التي
هو ملابسها ومدفوع إليها
فيلزمه تعلم الصلاة والصوم بأركانهما
وشرائطهما إذا دخل وقتهما أو دنا دخول وقتهما ولا يلزمه تعلم الزكاة إلا
إذا وجبت أو دنا وجوبها وكذلك لا يلزمه تعلم الحج والجهاد إلا إذا كان من
أهلهما فإن اتسع وقتهما كان التعلم واجبا مخيرا فإن ضاق وقتهما تضيق
تعلمهما
وكذلك سائر ما يتجدد له من سائر الأسباب الموجبة للتقوى في ظاهره وباطنه
يلزمه تعلم ذلك بأسبابه وأوقاته وشرائطه وأركانه ومفسداته

فصل في بيان محاسبة النفس على الأعمال السالفة والمستأنفة


أجمع العلماء على وجوب محاسبة النفوس في ما سلف في الأعمال وفيما يستقبل
منها فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها
وتمنى على الله سبحانه وتعالى
فأما المحاسبة في الماضي فبأن ينظر في
التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح والأعضاء فيعتبرها عضوا عضوا وطاعة طاعة
فإن سلم جميع ذلك بأركانه وشرائطه وأوقاته وأسبابه فليحمد الله سبحانه
وتعالى على ذلك فإنه من أكمل نعمة الله تعالى على عباده
والأولى به
أن يحاسب نفسه من ليل إلى ليل فما رآه من تقصير في يومه ذلك فليتداركه
بالتوبة والاستغفار وكذلك كان يصنع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله
تعالى عنه
وإن وجد في أعمال يومه ظلامه فليردها من وقته على أهلها إن أمكن ذلك وإلا
فليعزم على ردها على حسب إمكانه



فإن مالت إليه نفسه واشتدت شهوته فليجاهدها بصرفها عنه وخلاصها منه
فإن غلبته وعزمت عليه فليجاهدها في الإقلاع عن عزيمتها والاستغفار منها
فإن غلبته نفسه العاصية الأمارة بالسوء ففعل ذلك فليبادر إلى التوبة وهي
الندم على ما فاته من طاعة الله تعالى والعزم على أن لا يعود إلى مثل ذلك
في المستقبل والإقلاع عن المعصية إن كان ملابسها في الحال
فإن أخر التوبة أثم بتأخيرها عن كل وقت يتسع لإيقاعها فيه
فإن أبت نفسه عن الإقلاع فليحذرها بما يفوتها من ثواب الله سبحانه وتعالى
وبما تعرضت له من عقاب الله تعالى ويستمر على تخويفها بذلك إلى أن يحصل
الخوف الموجب للتوبة والاستغفار من الحوبة

وأما المحاسبة في المستأنف فلينظر إذا خطر له إقدام على فعل أو إحجام عنه
فإن كان ذلك الفعل سيئة أحجم عنه وعن العزم عليه وليغيبه عن خاطره ما
استطاع


فائدة في مراقبة النفس للفعل الحسن والقبيح


إنما يفرق المريد بين الفعل الحسن والقبيح بالكتاب والسنة إن كان عارفا
بذلك فإن التبس عليه الفعل الحسن بالقبيح فليكف عنه ولا يعزم على إقدام
ولا إحجام حتى يسأل عن ذلك من يعرفه من علماء الشريعة لأن التباس المحرم
بالمحلل مانع عن الإقدام على ما لا يعرف حلاله من حرامه
وأما
المحاسبة في مستقبل الأعمال الصالحات فإنها مبنية على معرفة رتب الطاعات
وما يجب تقديمه منها أو توسطه أو تأخيره فإن الشيطان إذا يئس من التائب أن
يوافقه على المعاصي الظاهرة دس عليه معاصي خفية لا يشعر بها فيأمره بتقديم
طاعة أوجب الله تعالى تأخيرها أو توسيطها أو يأمره بتقديم طاعة أوجب الله
تعالى تقديمها أو توسيطها كل ذلك ليخسر العبد من حيث لا يعلم
وقد
توافق النفس الشيطان على ذلك فرارا من أثقل العبادتين وأشقهما إلى أخفهما
وأرفقهما وطريقة في النجاة من ذلك أنه إذا خطرت له حسنة فلا يقدم عليها
حتى ينظر أهي مما قدمه الله أو مما أخره أو مما وسطه فإن كانت مما قدمه
الله في ذلك الوقت على سائر الطاعات فلا يقدم عليها حتى يخلصها لله عز وجل
ولا يرد بها سواه
وإرادة الله تعالى بالأعمال الصالحات أقسام أحدها أن يعمل له طمعا في
ثوابه



والثالث أن يعمل له حياء منه أن يخالفه
والرابع أن يعمل له حبا وودادة
والخامس أن يعمل له إجلالا وتعظيما عن المخالفة
والسادس أن يضيف بعض هذه الأعراض إلى بعض
وكل ذلك حسن وإن كان بعضه أفضل من بعض

والثاني أن يعمل له خوفا من عقابه

فصل في رتب مشقة التقوى والمحاسبة


الناس في ذلك ثلاثة أقسام
أحدهم شاب نشأ في عبادة الله لا تقع منه إلا الصغائر في أندر الأوقات
فرعاية التوبة والتقوى على مثل هذا سهلة قليلة المؤنة لأن التقوى

قد صارت له عادة مألوفة يلتذ بها ويسكن إليها وإذا وقعت منه
الزلة استوحش بسببها وبادر إلى الإقلاع عنها والتوبة منها
الثاني من تاب من ذنوبه وأقلع عن عيوبه بعدما ألف المعاصي والمخالفة فنفسه
تذكره بتلك الشهوات والتلذذ بها ليعود إليها والشيطان يحثه على ذلك ويدعوه
إليه فرعاية التقوى والتوبة على هذا شاقة لأجل ما ألفه من الركون إلى
الشهوات والاستراحة من مشقة الطاعات
الثالث مسلم موحد مرتكب لجميع
ما يهواه من المعاصي والمخالفات قد رين على قلبه بسوء كسبه فرعاية التقوى
على هذا شديدة المشقة لأجل ما يفوته من تلك الساعات ولما يشق عليه من
ملابسة الطاعات


فصل في بيان تيسير التقوى الشاقة وتسهيلها على النفس


خلق الله تعالى الإنسان مجبولا على السعي فيما يلذه من الشهوات وعلى
النفور مما يشق عليه من المؤلمات فكان من محنته لعباده أن كلفهم بفعل ما
يشق عليهم من الطاعات وبترك ما يشق عليهم تركه من المخالفات فحف جنته
بالمكاره وحف ناره بالشهوات



وتوعد من عصاه ووافق شهوته بالعقوبات والإهانات ليحجموا عن المعاصي
والمخالفات
فالطريق إلى سهولة التقوى تكون تارة بالخوف وتارة بالرجاء فإنه إذا نظر
إلى ما أعده الله لعباده الطائعين من الكرامات مال إليه بطبعه فحثه طبعه
على احتمال مشقة الطاعات بفعل المأمورات وترك المنهيات وإذا نظر إلى ما
توعد الله به عباده العاصين من العقوبات حثه طبعه على أن يتقيها بملابسة
المشقات في إقامة الطاعات
فالخوف والرجاء وسيلتان إلى فعل الواجبات
والمندوبات وترك المحرمات والمكروهات ولكن لا بد من الإكباب على استحضار
ذلك على الدوام واستدامته في أكثر الأوقات حتى يصير الثواب والعقاب نصب
عينيه فيحثاه على فعل الطاعات وترك المخالفات
لكن الفكر الذي يحصل به الإكباب على استحضار الثواب والعقاب شاق على النفس
من ثلاثة أوجه
أحدها أن الفكر في أهوال الآخرة وشدائدها شاق على النفوس ملذع

ولما علم ذلك من عباده وعد من أطاعه وخالف شهوته بالمثوبات والكرامات
ليقبلوا على الطاعات والقربات


لقلوب ولا سيما في حق من كثرت ذنوبه وعظمت عيوبه وتفكر في وقوفه
بين يدي ربه وعرض أعماله القبيحة عليه
الثاني أن الفكر في أحوال الآخرة وشدائدها مانع من الفكر في لذات الدنيا
وشهواتها
الثالث أن الشيطان ونفس الإنسان يستشعران من التائب أنه يمنع نفسه من نيل
شهواتها وإدراك لذاتها في مستقبل الزمان فيحثانه على ترك ما عزم عليه
أما النفس فتحثه على ذلك لتنال لذاتها وشهواتها العاجلة وأما الشيطان
فلأنه عدو للإنسان فلذلك يأمره بكل إثم وعدوان ليحله في دار الهوان وغضب
الديان فالذي يخفف الفكرة على قلبه أن ينظر إلى ما تحصل عليه من لذات
الدنيا وإلى نظره في الآخرة ليعلم أنما يفوته من لذات الدنيا المقرونة
بالنغص لا نسبة له إلى ما يفوته في الآخرة من النعيم والنظر إلى وجه الله
الكريم
والعاقل لا يؤثر الحقير القليل الفاني على الكثير الخطير
الباقي غير مقرون بنغص بلا تعب ولا نصب فإذا واظب على النظر في ذلك آثر
النفيس الباقي على الخسيس الفاني ثم ينظر إلى ما يتحمله في الدنيا من مشاق
الطاعات وينسبه إلى ما يتحمله في الآخرة من مشاق العقوبات الممزوجة بغضب
رب



السماوات فيتحمل المشاق اليسيرة الفانية دفعا للمشاق العظيمة
الباقية لأن
العاقل يدفع أعلى الضررين بأدناهما ويحاسب نفسه بأن يقول لها ويحك يا نفس
كيف تجزعين من تلذيع ذكر أهوال الآخرة لقلبك ولا تجزعين من تلذيع عقوبات
الآخرة ومشاقها لجسدك وقلبك وكيف يشق عليك ترك الفكر في لذة الدنيا مع
نغصها وخساستها ولا يشق عليك فوات لذات الآخرة مع شرفها ونفاستها
أتستبدلين الذي هو أدنى بالذي هو خير { ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا
يعلمون } البقرة ولو أنك واظبت على الفكر في أمور الآخرة لأبدلك الله من
وحشة العصيان وذلته بأنس الطاعات وعزتها وسرورها وروح رجاء الجزاء عليها
في الآخرة ولن يحصل له الإكباب على الفكر الذي يستحضر به أهوال القيامة
إلا بجمع همه على الفكر في ذلك ولن يحصل له ذلك إلا بتفريغ قلبه من كل شيء
سوى ما يفكر فيه أو يعينه على الفكر فيه وكذلك لا يشغل جوارحه بما يلهيه
عن الفكر فيما هو بصدده





ولا بد من إدامة الفكر في ذلك إلى أن يحصل في القلب وجل وخوف يحثانه على
الاستعداد لذلك اليوم ومثال ذلك الوقود تحت القدر لا بد من إدمانه إلى
إنضاج ما في القدر فلذلك لا ينضج القلب إلا خوف متوال متواصل يوجب للقلب
قذف الشهوات خوفا من العقوبات كما يقذف القدر بالزبد عند إدمان الوقود
وتكثيره فإذا فعل ذلك أراد الشيطان أن يفسد عليه عمله فأوهمه أنك ما نلت
ذلك إلا بعزمك وحزمك وحسن نظرك لنفسك
فإن قبل منه ذلك وكله الله إلى
نفسه وإن رد ذلك على الشيطان حصل الخوف الناجع بالتفكر وحصل الإقلاع عن
الزلات والإنابة إلى الطاعات بسبب الخوف الناجع وتوفيق رب الأرض والسماوات

ولو لاحت لهؤلاء أو لأحدهم لائحة من لوائح العرفان لاجتمع همه من غير
تكرير الفكر ولا إدمان وما أعز هذا في هذا الزمان
وأنشد فيه
( كانت لقلبي أهواء مفرقة ** فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي )

وقد ذكرنا نظير ذلك في حسن الاستماع



( تركت للناس دنياهم ودينهم ** شغلا بذكرك يا ديني ودنياي )
( فصار يحسدني من كنت أحسده ** وصرت مولى الورى مذ صرت مولاي )
وقد مثل إدمان الفكر وجمع الهم لتحصيل الخوف الحامل على التقوى والإنابة
إلى الله تعالى بمثالين
أحدهما الثوب الذي كثرت أوساخه وأدرانه فإنه لا يزول ذلك إلا بتكرير الغسل
وحته وقرصه وكذلك القلب الذي رانت عليه الشهوات ودنسته اللذات المحرمات لا
يزول ما فيه من الشهوات إلا بالإدمان على الفكر الموجب للإقلاع عن الزلات
المثال الثاني المرض المزمن المستحكم لا يزول إلا بتكرير الأدوية
والمعالجات فكذلك القلوب المريضة لا تزول أمراضها إلا بتكرير الفكر فيما
أعد الله تعالى للعصاة من العقوبات



فائدة في فرط الخوف بسبب إدمان الفكر


قد يفرط الخوف بسبب إدمان الفكر فيخشى منه أن يصير قنوطا فلا بد أن يكسر
بروح الرجاء
وإنما يحصل ذلك بإدمان الفكر في سعة رحمة الله تعالى وغفرانه للحوبات
وقبوله للتوبات
فصل في اعتراض النفس والشيطان في أيام تخويف المغرور نفسه


قد يتأخر الخوف الناجع كما يتأخر البرء عن استعمال الدواء النافع

فتعرض النفس والشيطان لمن يداوي قلبه بإدمان الفكر والتخويف
فيقولان مثلك
لا ينجع فيه إدمان الفكر ولا ينفعه التخويف وربما حرمك ربك ذلك لكثرة
ذنوبك وفرط عيوبك
فإن أصغى إليهما وقبل منهما يئس من روح الله
ورحمته ورجع إلى أشد مما كان عليه من الفسوق والعصيان { إنه لا ييأس من
روح الله إلا القوم الكافرون } يوسف
وطريقه في ذلك أن يقول التخويف
إنما يليق بمثلي وأمثالي ولولا أن ربي أراد بي خيرا لما نبهني على الذكر
واجتماع الفكر لأخاف من عقوبة ربي فأقبل على طاعته واجتناب معصيته وكم من
ذنب أكبر من ذنبي وقد غفره ربي وكم عيب أقبح من عيبي قد ستره ربي
فحينئذ يستمر على الفكر المثمر للخوف الناجع فإن أفرط خوفه كسر سورته
بالرجاء فحينئذ تعرضه النفس والشيطان فيقولان له إنما وصلت إلى هذه
المنزلة بحزمك وعزمك وحسن نظرك لنفسك
فينسى إنعام الله تعالى عليه وإحسانه إليه ويضيف ذلك إلى نفسه الأمارة
بالسوء فحينئذ لا يأمن أن يخذله ربه لحمده من لا يستحق الحمد
وطريقه في ذلك أن يقول لنفسه كيف تدعين أنك وصلت إلى هذا بحزمك وعزمك وأنت
ما دخلت فيه إلا كارهة أبية مع أنك أنت التي أوقعتني في المعاصي
والمخالفات





وطريقه في دفع الإعجاب أن يذكر نفسه بأن خير أمة أخرجت للناس أعجبتها
كثرتها يوم حنين فلم تغن عنهم شيئا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ثم ولوا
مدبرين
وكذلك داود عليه السلام لما أعجبته نفسه فتن بالمرأة على ما
ذكر الله تعالى في كتابه وكذلك موسى الكليم عليه الصلاة والسلام لما ادعى
أنه أعلم أهل الأرض لما سئل فعتب الله سبحانه وتعالى عليه بكون أنه لم يرد
العلم إلى الله سبحانه وتعالى ثم دله على الخضر
فإذا اعترض هذا
التائب حقوق الله تعالى عليه وحقوق عباده لديه فيما مضى من دهره حقا حقا
بعد أن اعترضها من حين بلوغه إلى حين توبته ثم اعترض حقوق الله تعالى في
قلبه ثم خرج من كل حق كان ضيعه في أيام سهوه وبطالته فلا يغفل التيقظ
والتحرز فيما بقي من أيام عمره فإن طبعه الذي دعاه إلى المخالفة والعصيان
قائم والنفس الأمارة بالسوء لم تمت والشيطان الحريص على إضلال الإنسان
وإغوائه متفقد لأحواله مرتقب لغفلاته لعله يعثر على غفلة يرده فيها إلى
أسوء أعماله وأقبح أحواله
ويقع التفقد في المأمورات والمنهيات

فإن دفع الله عنه كيدهما في ذلك اعترضا له بالإعجاب بنفسه




إحداهن حق الله كأن تركه ثم تاب إلى الله تعالى من تركه فتذكره به النفس
والشيطان في أوقات غفلاته ليعود إلى تركه فلا يطعهما ويستمر على فعله حسب
ما أمر به
والثاني حق لله تعالى تركه وهو لا يشعر بوجوبه عليه فعليه
الآن أن يتذكره ويتفقده ليستدرك قضاءه حسب ما أمر به مثل أن تجب الزكاة في
ماله فلم يشعر بها لفرط غفلته في حين غرته وإن كان ذلك مما لا يدرك جدد
التوبة والاستغفار منه
والثالث حق لم يجب عليه فيما مضى وإنما وجب عليه لما تاب ككسب الحلال
لنفقة العيال وإخلاص الأعمال
والمنهيات ثلاث
إحداهن معصية أقلع عنها وتاب إلى الله منها فلا يعد إليها
الثانية معصية لم يعلم في أيام غفلته أنها معصية فيتفقدها الآن ليتحرز
منها
الثالثة معصية لم توجد في أيام غفلته وإنما حدثت بعد توبته وإنابته كترك
التكسب لعيال حدثوا بعد التوبة والإنابة فإذا واظب التائب على التيقظ لما
ذكرناه فقد تحرز بذلك من كيد النفس وإغواء الشيطان فإن

فالمأمورات ثلاث


اعترض له ذلك في بعض الأحيان رجع إلى دفعه بما ذكرناه من
الأسباب والله الموفق للصواب
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل أو مختصر رعاية المحاسبي Empty رد: كتاب : مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل أو مختصر رعاية المحاسبي {الأربعاء 22 يونيو - 22:09}

فصل
في كيفية رعاية حقوق الله عز وجل مضيقها وموسعها ومعينها ومخيرها ومقدمها
ومؤخرها وما أوجب الله تعالى على العباد عند الخطرات وكيفية ابتداء
الأعمال من ابتدائها إلى انتهائها



اعلم أن القلوب أول محل
التكاليف وأن أعمال الأبدان موقوفة على أعمال القلوب وأن الأعمال إنما يقع
ابتداؤها من القلوب ثم يظهر على الجوارح
فأول ما يخطر للمكلف فعل من
أفعال القلوب فلا تكليف بسبب خطوره على القلب فإذا خطر على القلب وعرفت
النفس ما فيه من المصالح أو المفاسد فإنها تميل إليه إن وافقها وتنفر منه
إن خالفها ولا يتعلق التكليف أيضا بالميل إليه ولا بالنفور عنه فإنهما
أمران طبعيان لا انفكاك عنهما ولا انفصال منهما ولن يكلف الله تعالى نفسا
في ضرها ونفعها إلا قدر وسعها
فإذا حصل ميل النفس أو نفورها حضر
الشيطان فزين لها الإقدام على فعل ما مالت إليه إن كان من العصيان المسخط
للديان أو زين لها النفور مما يرضي الرحمن إن كان مما تنفر منه فهذا
ابتداء تكليف القلوب

إذ لا يحق على الإنسان أن لا يعزم إلا على ما يرضي الرحمن ويرغم
الشيطان
فالعزم أول ما تكلف به القلوب فإن كان المعزوم عليه خيرا كان العزم مأمورا
به وإن كان المعزوم عليه شرا كان العزم منهيا عنه والعزم أول واجب أو محرم
بعد حسن الاعتقاد وتصحيح الإيمان
والخطرات ثلاث
خطرة من النفس تخطرها لتنال بها هواها وتدرك بها مناها
وخطرة من الشيطان يخطرها ليهلك الإنسان بما يزينه له من الفسوق والعصيان
وخطرة من الرحمن يخطرها رحمة للإنسان لما ينيله من الثواب والرضوان
والسكنى غدا في جوار الديان
فحق على كل إنسان إذا خطرت له خطرة أن لا يوافقها حتى يعرفها ويميزها
تخطرة النفس والشيطان مما يخطره الرحمن
وإنما يقع التمييز بالتثبت وعرض تلك الخطرات على الكتاب والسنة فما وافق
الكتاب والسنة علم أنه من أخطار الرحمن إما بواسطة الملك أو بغير واسطة
وما خالف الكتاب والسنة علم أنه من أخطار النفس أو أخطار الشيطان وتتميز
خطرة النفس عن خطرة الشيطان بأن يمنعها من العزم على



ما خطر لها فإن ألحت في طلبه فهو من أخطارها وإن نكلت عنه فهو
من أخطار الشيطان
فالعقل مع خطرات الرحمن والنفس مع خطرات الشيطان
وإذا ثبت أن العزم ينقسم إلى محلل ومحرم فالتبس أحدهما بالآخر لم يجز
الإقدام على إحداهما إلا بعد النظر والتبيان كما لو اشتبه إناء طاهر بإناء
نجس أو ثوب طاهر بثوب نجس أو درهم حلال بدرهم حرام



وجب التلبث والتثبت إلى أن تتبين الخطرة فإن عرضها على الكتاب
والسنة فلم
يظهر له شيء لم يجز له الإقدام على الحلال الملتبس بالحرام كما لو اجتهد
بين طاهر ونجس فاجتهد فيهما فلم يظهر له شيء فإنه لا يحل له الإقدام على
أحدهما


فصل في أمثلة تقديم ما يقدم وتأخير ما يؤخر


وفيه أمثلة الأول أن يقدم بر الوالدة على الوالد ثم يقدم الأقارب على
الأقرب فالأقرب فإن استووا قدم أشدهم حاجة على أخفهم حاجة



الثالث إذا وعد إنسانا على بر أو عمل خير وحضرت صلاة الجمعة أو ضاق وقت
صلاة مكتوبة فإنه يقدم الجمعة والصلاة المكتوبة على تلك المواعدة لأن
إطلاق المواعدة محمول على ما لا يفوت فريضة أوجبها الشرع
الرابع لا يقدم بر الوالدين المندوب على صلاة الجمعة ولا على فريضة ضاق
وقتها
الخامس تقديم الديون الحالة التي يطالب بها أربابها على الحج وإن طولب
بدين قدم نفقة العيال على الدين في يوم الطلب وقضى الباقي في الدين ثم
يتوكل في أمره وأمر عياله على الله تعالى
السادس لو نهاه والداه عن
دين يطالب به أو عن أداء أمانة يطالب بها أو عن رد واجب يطالب به فليؤد
الدين والأمانة والواجب ولا يطعهما إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
السابع لو نذر صوما معلقا بشرط فوجد شرطه في رمضان أو في يوم يحرم فيه
الصوم لم يجز وفاء النذر في ذلك الوقت
الثامن إذا وجبت عليه عبادة موسعة الوقت كالحج والصلاة وأمره والداه بأمر
لا يفوت عليه الصلاة والحج فليبدأ بطاعتهما لإمكان الجمع بين

الثاني يقدم النفقات الواجبات على الحج والعمرة لأنهما واجبان على التراخي


طاعتهما وبين ما أوجب الله تعالى عليه وكذلك يقدم كل مأمور مضيق
على كل مأمور موسع لإمكان جمعهما

فصل في النهي عن التوسل إلى المأمورات بالمحرمات والشبهات


لا يتوسل إلى أداء واجب من الديون والنفقات والزكوات والكفارات وسائر
القربات بشيء من المحرمات ولا بشيء من الشبهات ولذلك أمثلة
الأول اكتساب الحرام لنفقة العيال
الثاني تقديم إرضاء الزوجات بإغضاب الوالدات
الثالث إرضاء الوالدات بتضييق حقوق الزوجات
الرابع ضرب الأولاد وإهانتهم لأجل الزوجات
الخامس الأمر بالمعروف مع السب والشتم واللعن والضرب
السادس إرضاء الوالدين بقطع الأرحام
السابع ضرب الزوجة والخادم إذا خاف تقصيرهما فيما يعدانه له من ماء
الطهارة أو غيره ظنا منه أن ذلك غضب لله ولو غضب على نفسه لعصيانه لكان
ذلك أولى به

فصل في الخروج من فرض إلى فرض قبل إتمامه


إذا شرع المكلف في فرض فسنح له فرض آخر فإن كان الثاني أهم في الشرع أبطل
الأول وأتى بالثاني وله مثالان
أحدهما أن يشرع في صلاة الفريضة فرأى إنسانا يكره امرأة على الزنا أو صبيا
على اللواط وهو قادر على الإنقاذ فيلزمه الإنقاذ وقطع الصلاة
الثاني أن
يرى إنسانا يقتل إنسانا وهو قادر على تخليصه فيلزمه أن يقطع الصلاة ويخلصه

وكذلك قطع اليد والرجل والجارحة فإن اهتمام الشرع بهذه الأشياء أتم من
اهتمامه بالصلاة
وإن كان الفرض الذي هو ملابسه أهم من الفرض الذي سنح له لم يجز له إفساد
الفرض الذي هو فيه مثل أن يدعوه أبواه وهو في صلاة فرض إلى أمر ليس في
رتبة الصلاة فلا يجوز له قطع الصلاة لأجله ولعل جريجا لما دعته أمه وهو في
الصلاة كانت صلاته نافلة إن كان شرعه كشرعنا يكون من القسم الأول

فصل في النهي عن التسبب إلى الورع إلى ارتكاب الحرام


وفيه أمثلة الأول أن يترك نفقة العيال والاكتساب لهم خوفا أن يكون ماله أو
كسبه حراما
الثاني أن يترك الحج تورعا عن أن يكون المال الذي ينفقه فيه حراما
الثالث أن يخرج من البلد خوفا أن لا يقدر فيه على مال حلال فيضيع الوالدين
والعيال
فصل في النهي عن تضييع الفرض لإكمال المفرض


وله أمثلة منها أن يتوسوس في الوضوء إما في نية أو في استيعاب الأعضاء
بالغسل فيكرر ذلك إلى أن تفوته الصلاة
وكذلك التوسوس في غسل الجنابة



ومنها أن يبادر إلي الصلوات في أوائل الأوقات فيبالغ في ذلك حتى يقدمها
على وقتها وهذا أكثر الوقوع في صلاة الصبح
ومن ذلك أن يؤخر الفرض عن وقته لأجل عذر مستمر كسلس البول وذرب البطن أو
لجراحة نضاخة أو يترك الصلاة إذا عجز عن القيام ليصليها بعد الوقت قائما
وكذلك لو تعذر عليه الركوع والسجود فيؤخرها عن وقتها ليصليها بعد الوقت
ساجدا أو راكعا تامة الركوع تامة السجود
ومن الغلط أن يصرف زكاته أو
ما توكل في صرفه أو ما أوصي إليه به إلى من يرجو مكافأته أو يخاف شره أو
كان له عليه حق خدمة لنفسه أو لأهله أو من يتعلق به فيقي ماله بحق الله عز
وجل أو بحق من وكله أو أوصى إليه
ومن الغلط أن يمتنع من كسب الحلال
للإنفاق على المحتاجين وهو قادر عليه مع كونه لا يشغله عما هو أهم منه
تحرزا عن الاشتغال بكسب المال عن

ومنها أن يتوسوس في نية الصلاة أو في شيء من أركانها وشرائطها فيكرر النية
أو القراءة أو يقطع الصلاة لشكه في قطع نيتها


طاعة الرحمن أو يمسك ماله لعياله ولا يجود منه على محتاج ظنا
منه أنه عامل بقوله صلى الله عليه وسلم ( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول )
وعلى الجملة فمن قدم واجبا على أوجب منه فقد عصى الله تعالى ومن قدم نفلا
على نفل أفضل منه فقد ضيع حظه من ثواب الله تعالى
ومن الغلط إتيان الظلمة من السلاطين والولاة والقضاة توهما منه أن يدفع
مظلمة عن إنسان أو يجلب نفعا إلى مستحق وهو غالط في ذلك فإن من خالط
الظلمة لا يقدر على أن ينكر عليهم فيترك الإنكار لا لسبب شرعي بل حفظا
لقلوبهم ومخافة أن يفوته ما يرجوه منهم ونفسه تسخر به وتوهمه أنه متسبب
إلى نفع عباد الله تعالى والذب عنهم والذي تعرض له أعظم من ثواب ما تسبب
إليه
وكذلك يصانع أهل البدع لأجل جاههم ويصانع فجرة الأغنياء لأجل
ما يتوقعه منهم من إرفاق الفقراء وكذلك موافقة الإخوان الصالحين في بغض من
أبغضوا وحب من أحبوه وعداوة من عادوه وولاية من والوه بغير



سبب شرعي في ذلك يزعم أنه يحفظ قلوبهم بذلك ويستديم به صحبتهم
ومن الغلط أن يلازم الصوم والجوع أو يلازم عبادة تقطعه عما هو أفضل منها
أو يلحقه من فرط الجوع ضجر وضيق فتسوء أخلاقه فيسب من لا يجوز سبه وربما
ضرب من لا يجوز ضربه وقد يتورع من بعض الاكتساب فيضيع ما أوجب الله تعالى
عليه من نفقات العيال


فصل في الغلط في تقديم بعض النوافل على بعض النوافل كالفرائض


وهن أقسام
أحدها أن تكون النافلة أفضل من غيرها من النوافل فتقدم عليهن
الثاني أن تكون مفضولة فتؤخر إلى رتبتها التي شرعت فيها
الثالث أن يكونا متساويين والوقت متسع لهما فيتخير في تقديم أيتهما شاء
الرابع أن يتردد بين التساوي والتفاضل فيبحث عن ذلك إن كان أهلا للبحث أو
يسأل عنه أهله
ومن قدم مفضولا على فاضل في هذا الباب فلا إثم عليه ولكن يفوته ما بين
الرتبتين من الفضل وإنما يفوت ذلك بتسويل النفس وتزيين الشيطان أما
الشيطان فيزين له ذلك ما بين النافلتين من الفضل



وكتقديم تشييع جنائز الأغنياء على جنائز الفقراء إذا حضروا
في وقت واحد إما ليد كانت للغني عليه أو لمداراة أو خوف مذمة وهذا عند
تساوي الأغنياء والفقراء في الفضل والدين وسائر الأسباب
ومن ذلك أن يؤثر الصلاة في مكان حسن تميل إليه نفسه على مكان يجتمع فيه
همه وإقباله على صلاته لارتياح نفسه إلى المكان المفضول
ومن ذلك أن يترك الصوم الذي اعتاده توهما أن يقطعه عن كثير من الطاعات وهو
غالط في ذلك
ومن ذلك تقديم ما لا يخاف فوته من الطاعات على ما يخاف فوته من الطاعات
ومن ذلك أن يشرع في شيء من العبادات وأنواع القربات بحيث يراه الناس أو في
خفية ثم يراه الناس فيخشى على نفسه من الرياء فيترك ما شرع فيه لله تعالى
لأمر يتوهمه

وأما النفس فتدعوه إلى ذلك ليكون الأفضل أثقل وأشق مثاله تقديم الزيارة
على العيادة وتقديم بر الأخ المكتفي على الأخ المحتاج وتقديم زيارة
المفضول من الإخوان على الفاضل لأن الشيطان يستشعر من الفاضل أنه يأمر
بالمعروف وينهاه عن المنكر والنفس تكره ذلك لعلمها أنه يأمره بفطامها عن
شهواتها




ومن ذلك أن يترك سماع ما أمر بالاستماع إليه كخطبة الجمعة وقراءة الإمام
في الصلاة ويشتغل عن ذلك بالتفكر في شيء من أمور الآخرة ولا يشعر بأنه
أساء الأدب بترك الإصغاء إلى ما أمر بالإصغاء إليه
وكذلك إذا قرأ القرآن وتفكر في غير معاني القرآن التي هو ملابسها
ومن ذلك أن يعتاد عملا من أعمال البر وهو قوي عليه فتوهمه نفسه أن تقليله
وتنقيصه أولى به مستدلة عليه بقوله صلى الله عليه وسلم ( خير العمل أدومه
وإن قل ) فتوهمه أنه عامل بالسنة ولا غرض لها إلا الركون إلى الراحة

ومن ذلك أن يلابس شيئا من أنواع الطاعات مخلصا لله عز وجل ثم يخشى أن ينسب
إلى الرياء فيدع ذلك العمل


فصل في أشكال الفضائل إذا عرض فرضان أو ندبان فعرضتهما على
الكتاب والسنة أو سألت العلماء عن أيهما أفضل فلم يظهر الفاضل من المفضول



فالطريق إلى معرفة ذلك أن ينظر إلى أخفهما على نفسك فأيهما كان أخف فاتركه
فهو المفضول لأن الغالب على الأنفس مشقة الفضائل إلا أن تكون من أكابر
أولياء الله تعالى فتقدم ما خف على نفسك لأن الغالب من أولياء الله تعالى
استخفاف الأفضل فالأفضل لشدة إقبالهم على الله تعالى والاشتغال به فإن
استويا في الثقل والخفة فاعرض نفسك على أيهما تؤثر الموت عليه حالة التلبس
به فافعله فإن النفس المؤمنة وإن كانت مقصرة لا تؤثر الموت إلا على أفضل
الأعمال وأحسن الأحوال فإن استويا في إيثار الموت عليهما فأنت مخير في
البداءة بأيهما شئت

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل أو مختصر رعاية المحاسبي Empty رد: كتاب : مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل أو مختصر رعاية المحاسبي {الأربعاء 22 يونيو - 22:10}

فصل في بيان المنازل في رعاية التقوى


والتقوى تتعلق بالقلوب والجوارح فنبدأ بما يتعلق بالقلب إذا خطرت خطرة
يكرهها الله تعالى من أعمال القلوب كالكبر والرياء والحسد والعجب فأول
المنازل في رعاية التقوى أن يقطع استمرار خطورها عن القلب على الفور



الثالثة أن يعزم عليها ثم يقطع العزم عليها قبل ملابستها
الرابعة أن يستمر عزمه عليها فيلابسها فيشرع فيها ثم يوفق للتوبة عنها
فيقطعها خوفا أو حياء أو إجلالا
وأما أعمال البدن فأقسام أيضا
أحدها أن يقطع الخطرة على الفور من خطورها
الثاني أن يدعها حتى تستمكن من قلبه وتستحكم في لبه ويميل طبعه إليها
فتحثه النفس والشيطان عليها ثم يقطعها
الثالث أن يقصدها ويعزم عليها ثم يقطع العزم عليها
الرابع أن يستمر العزم عليها إلى أن يشرع فيها فيقطع الشروع فيها
الخامس أن يرجع عنها قبل إكمالها وإتمامها أو بعد الشروع فيها كمن نظر إلى
محرم أو استمع إلى محرم أو تكلم بمحرم أو أصغى إلى محرم أو بطش بمحرم أو
سعى إلى محرم ثم حضره خوف أو حياء أو إجلال فترك إتمام ما شرع فيه قبل
بلوغ مقصده منه

الثانية أن يدعها حتى تتمكن من قلبه وتغلب على لبه وتميل إليها نفسه ويحثه
عليها شيطانه ولا يعزم عليها حتى يحضره خوف من الله تعالى أو حياء أو
إجلال فيقطعها ولا يحقق العزم عليها




السابع أن يتوب من البعض دون البعض إما
لفرط شهوته له أو لشدة مشقة تركه أو لأنه يعتقد أنه من الصغائر وخير من
هؤلاء كلهم من طهر الله تعالى قلبه من هذه الخطرات إلا في أنذر الأوقات
والمذنبون أقسام
أحدهم من يسعى في التخويف الحامل على التوبة مع شدة مشقة التخويف عليه وهو
مستشعر الأسى والبكاء والحزن على ما فات فهو يخوف نفسه في كثير من الأوقات
بحيث لا ينتهي إلى الخوف الناجع المفيد

السادس أن يكمل
الفعل المحرم الذي عزم عليه ثم أدركه الندم على فعله ومخالفة أمر ربه فتاب
وعقد عزمه أن لا يعود إليه وقد يبلغ به بحيث يتوب من جميع الذنوب لفرط
خوفه أو حيائه أو إجلاله




الثالث المصر على الذنوب غير مكترث بها ولا عازم على الإقلاع عنها ولا على
التخويف لها لأنه يحتقرها ولا يراها عظيمة عند الله { وتحسبونه هينا وهو
عند الله عظيم } النور أو لاعتقاده أن توبة مثله لا تقبل أو لاعتقاده أن
التخويف لا ينجع في مثله
وطريق القسمين الأولين أن يذكرا شيئين
أحدهما مباغتة الموت ومعالجته قبل التوبة فيلقيا ربهما وهو عليهما ساخط
غضبان
والثاني التخويف من أن يؤديهما الإصرار على الذنوب إلى الرين والطبع على
القلوب فيقال للذي يسوف بالتوبة ويؤخرها أنت لا تخلو من ثلاثة أحوال
إما أن تموت قبل التوبة فتتعرض لسخط الله تعالى
أو أن يران على قلبك فلا يؤمن عليك سوء الخاتمة

الثاني من يكره ذنوبه ويحزنه تقصيره ولا يسعى في التخويف الحامل للتوبة
ولكنه يسوف به من وقت إلى وقت ومن زمان إلى زمان




فانظر لنفسك قبل أن تروم التوبة فلا تقدر عليها وتسأل الرجعة إلى الدنيا
فلا تجاب إليها
والاستعداد للقاء الله تعالى ضربان
أحدهما واجب وهو التوبة كما ذكرناه
الثاني التقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات المندوبات
ويحمله على ذلك قصر الأمل ويحمله على قصر الأمل علمه بأن أجل الموت مطوي
عنه وأنه ما يدري متى يأتيه الطلب ولا متى يكون المنقلب وإنما ينجع ذلك
بإدمان الفكر فيه والإكباب عليه

أو أن توفق للتوبة بعد التسويف فيطول وقوفك في موقف الحساب مع مذلة
التوبيخ والتعنيف ولو أنك عجلت التوبة لأمنت من ذلك

فصل فيما يجب على العبد إذا وقف على أفضل الأعمال وأولاها


إذا وقف على أفضل الأعمال وتحقق فحق عليه أن لا يقدم عليه حتى يخلصه لرب
الأرباب فلا يقصد به سواه
والتائب من الزلات تنقسم أعماله إلى ظاهر وباطن

فأما الباطن الذي في قلبه فلا يمكنه الرياء به فإن الناس لا
ينظرون إليه
ولا يقفون عليه إلا أن يسمعهم بذلك ليعظموه ويفخموه ويوقروه ويشكروه
ويجلبون إليه ما يقدرون عليه من نفع ويدفعون عنه ما يقدرون على دفعه من ضر

فأما عمل الجوارح والأعضاء فمنه ما يمكن إخفاؤه ومنه ما لا يمكن
إخفاءه ولا يتأتى فيه الرياء فيصونه عن الرياء كحزنه بعد سروره وإمساكه عن
الكلام الذي لا يحل بعد خوضه فيه والانقطاع من أهل الفسوق والعصيان إلى
أهل الطاعة والإيمان وكذلك كل عبادة فضلها في إظهارها فإذا عزم عليها
اعترضه النفس والشيطان ليحملاه على الرياء والتصنع بها أما الشيطان فيحمله
على ذاك ليفسد عليه عمله
وأما النفس فتنال غرضها من التعظيم
والتوقير ومن دفع الضرر عنها ومن جلب النفع إليها وكذلك ما يظهر عليه من
زي الصالحين في المآكل والمشارب والملابس والمناكح فيقصد الرياء وقد أعمت
شهوته بصيرته عن إدراك الرياء وما أخفى الرياء عن معظم الناس لأنه قصد خفي
غمرته شهوة عظيمة فأعمت البصيرة وأفسدت السريرة بخلاف معاصي الأعضاء فإنها
ظاهرة محسوسة لا تخفى على أحد





أما الشيطان فلأنه عدو للإنسان حاسد له على طاعة الرحمن

واعلم أن النفس والشيطان يدعوان الإنسان إلى ترك الورع فإن أطاعهما فاتته
منازل أهل الورع وإن عصاهما دعواه إلى ترك الرياء بالورع وإن أطاعهما هلك
وفسد ورعه وإن عصاهما دعواه إلى ترك النوافل وقالا تكفيك الفرائض والورع
فإن أطاعهما فاتته فضيلة النوافل وقد قال الله سبحانه وتعالى ( لا يزال
عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) وإن عصاهما حملاه على الرياء بالنوافل
فإن أطاعهما فسدت نوافله وحبط أجره وصار مقتا عند الله تعالى وإن عصاهما
وأخلص أوهماه أنه مراء وقالا له لا خلاص لك من الرياء إلا بترك العمل فإن
أطاعهما وترك النوافل فاته ما يترتب عليها من ثواب الله تعالى ومحبته وإن
عصاهما أخذا في مجادلته ومخاصمته في كونه مرائيا متصنعا ليشوشا عليه قلبه
ويمنعاه من إحضار قلبه في طاعة ربه




وقد حذرنا الرحمن من الشيطان فقال { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا } أي
لا تلتفتوا عليه ولا تصغوا إليه
وحذرنا من النفس بقوله تعالى { إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي }
يوسف وقليل ما هم

وأما النفس فتنال هواها وتدرك مناها بفكرها في لذات دنياها فإنها مجبولة
على حب العاجل والإعراض عن الآجل

فصل في بيان الإخلاص والرياء


الإخلاص أن يريد الله بطاعته ولا يريد به سواه وهو أقسام
أحدها أن يريد الخلاص من العقاب
الثاني أن يريد الفوز بالثواب
الثالث أن يريدهما جميعا
الرابع أن يفعل ذلك حياء من الله تعالى من غير خطور ثواب أو عقاب
الخامس أن يفعل ذلك حبا لله تعالى من غير ملاحظة ثواب أو عقاب
السادس أن يفعل ذلك إجلالا وتعظيما



أحدهما أن لا يريد بتلك الطاعة إلا الناس
والثاني أن يريد بطاعته الناس ورب الناس وهذا أخف الريائين لأنه أقبل على
الله من وجه وعلى الناس من وجه
وأما الأول فإنه إعراض عن الله بالكلية وإقبال على الناس وكلاهما محبط
للعمل لقول الله عز وجل ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك
فيه معي غيري تركته لشريكه ) وفي رواية ( تركته لشريكي
ولا يتصور شرك الرياء لمن عبد الله تعالى تعظيما وإجلالا لأن تعظيمه يمنعه
من أن يعصيه بشرك الرياء
وكذلك الحياء أيضا يزعه عن ذلك
وكذلك الحب مانع من عصيان المحبوب فيما يتقرب به إليه

وأما الرياء فهو أن يريد الناس بطاعة الله تعالى وعبادته وهما ضربان


فصل في الأسباب الحاملة على الرياء


النفوس مجبولة على طلب ما يلائمها من شهواتها ولذاتها ومن أعظم شهواتها
التعزير والتوقير ودفع ما يؤلمها وجلب ما يلذ لها
والنفوس مستشعرة بأن الناس برهم وفاجرهم يعظمون أهل الدين ويثنون عليهم
ويتقربون إليهم ببذل أموالهم وأنفسهم في مباشرة خدمتهم واحترامهم حتى
الملوك الذين هم أعظم الناس عند الناس فإذا علمت النفوس ذلك مالت إلى أن
تتصنع لهم بطاعة الله تعالى ليوقروها ويعظموها ويثنوا عليها ويتقربوا إلى
الله عز وجل بخدمتها بالأنفس والأموال والأولاد ويصغوا إليهم إذا قالوا
ويطيعوهم إذا أمروا ويعتذروا عنهم إذا أخطؤوا ويكفوا عنهم أذية من آذاهم
وعداوة من عاداهم



أحدهما التعظيم والإجلال وهو أعظمها وعنه ينشأ السببان الآخران
أحدهما الطمع فيما في أيدي الناس من المنافع والأموال
والثاني دفع الضرر وذلك على قدر همم الناس فيما يلتمسون
فمنهم من لا يؤثر إلا التعظيم والإجلال وإن بذلت له الأموال لم يقبل عليها
ولم يلتفت إليها لعلمه بأنه يعظم بتركها ويؤثر الإعراض عنها وكذلك لا
يستعين بأحد يدفع الضر تصنعا بأنه مستغن عن الناس إما بقوته على دفعه وإما
بتوكله على ربه
ومنهم من يؤثر بريائه جلب النفع وإن قل
ومنهم
من يؤثر بريائه دفع الضرر ولا يخلو هذا من قصد التعظيم والتوقير فما من
رياء إلا فيه طلب تعظيم وتوقير وقد يكون الرياء ناشئا عن هذه الأسباب
الثلاثة

فإذن للرياء ثلاثة أسباب


فصل في أمثلة الرياء لدفع الضرر والذم


وله أمثلة أحدها أن يتقدم مع المجاهدين إلى الصف الأول وهو لا يؤثر التقدم
معهم لجبنه ولكنه يتقدم خوفا أن يذم بالجبن وقلة الشجاعة فيتقدم معهم دفعا
للمذمة
الثاني أن يكون قائما في الصف فتجبن نفسه عن الثبوت فيخاف على نفسه فيثبت
لئلا ينسب إلى الجبن والفشل والتعرض لسخط الله تعالى
ولو غفل عنه أصحابه أو كان بين قوم لا يعرفونه لانهزم فهذا قد تعرض لسخط
الله تعالى وإن كان ظاهر فعله أنه مجاهد في سبيل الله
الثالث أن يكون بين قوم يتصدقون بالقدر الكثير من المال ومن عادته أن لا
يتصدق وإن تصدق تصدق بالقليل فيخشى أن يبخل وينسب إلى قلة الرحمة فيوافقهم
على التصدق بالكثير دفعا لريبة البخل وقلة الرحمة
وكذلك لو كان من عادته أن لا يتصدق بقليل ولا بكثير فيتصدق من أجلهم
بالقليل ليدفع بذلك بعض التبخيل
الرابع أن يحاضر قوما يصلون في الليل أو النهار صلاة لم يعتدها فيخاف أن
ينسبوه إلى قلة الرغبة في الخير أو يحضر مع قوم يطيلون الصلاة ويحسنونها
فيصنع مثل صنعهم أو دون ذلك على خلاف عاداته دفعا للذم

أو بعضه ومما يشبه الرياء لمشاركته إياه في العلة وليس برياء أن
ينزل به
نازلة يجهل حكم الله فيها فيخشى أن ينسب إلى الجهل بذلك الحكم فيترك
السؤال عنه خوفا من النسبة إلى الجهل بمثله
وكذلك أن يسأل الفقيه أو الشيخ من المشايخ عن حكم من أحكام الله فيجيبنا
عن ذلك بما لا يعلمانه خوفا أن ينسبا إلى الجهل بمثل ذلك
وكذلك يخشى أن ينسب إلى قلة المعرفة فيدعي أنه كتب من الأحاديث ما لم
يكتبه وسمع منها ما لم يسمعه دفعا للذم


فصل في الرياء لجلب النفع والطمع فيما في أيدي الناس


وله أمثلة
الأول أن يحاضر من يرجو بره وصلته وإحسانه فيرائيه بطاعة الله تعالى
لينيله مارجا منه من البر الصلة
ولو اطلع منه هذا المرجو على زلته لاغتم لاطلاعه عليها ما لا يغتم لاطلاع
غيره خوفا من انقطاع بره وصلته ولو اطلع على عبادته وطاعته لارتاح بذلك
وفرح به ما لم يرتح إلى إطلاع غيره ممن لا يرجوه
الثاني أن يكون له
من يعامله بالنسيئة والمسامحة والصبر بالثمن الحال فيتصنع له بعبادة الله
تعالى وطاعته رغبة في الاستمرار على معاملته ومسامحته وصبره



الثالث الأجير والوكيل يبالغان في النصح وأداء الأمانة طمعا في استمرار
التوكيل والإجارة

فصل فيما يهيج أسباب الرياء خوف الذم من حب الحمد وحب الطمع
فيما أيدي الناس



الذي يهيج الرياء ويحث عليه معرفة العبد بأن الناس يعظمون من ظهر صلاحه
وديانته ويوقرونه ويؤثرونه ويصدرونه في المجالس ويبدؤونه بالسلام ويقبلون
عليه ويصغون إليه ويحسنون الجلوس بين يديه ويستشيرونه في المهام وإن أذنب
تأولوا ذنبه وإن كذب تأولوا كذبه ويبذلون له أموالهم وينكحونه بناتهم
ويتقربون إلى الله عز وجل بولايته ويتبركون بدعائه ويبذلون له الندى
ويكفون عنه الأذى فإذا شعرت النفس بمثل هذه المنزلة التي لا ينال مثلها
إلا بالطاعة تصنعت عندهم بطاعة الله تعالى وعبادته لتنال هذه المنازل أو
بعضها ويدفع الناس عنها ما تكره خوفا من الله أن يؤذوا وليا من أوليائه
فإن من آذى لله وليا فقد بارز بالمحاربة

فصل فيما يضعف دواعي الرياء ويكسر أسبابه


تضعف دواعي الرياء بأسباب منها
تذكير النفس بما يحرمه الله عز وجل من توفيقه أو صلاح قلبه بسبب الرياء
ومنها خوف مقت الله تعالى إذا اطلع على قلبه وهو معتقد الرياء
ومنها ما يفوته أو ينقص له من ثوابه على الإخلاص
ومنها ما ينقص من ثوابه في الآخرة
ومنها ما يتعرض له من عقاب الله تعالى وسخطه وعذابه الأليم في الآخرة
ومنها أنه لا يأمن أن يعجل الله تعالى بعض العقوبات ولا يمهله فيفضحه
ويمقته لمن كان يتحبب إليه بريائه
ومنها تقبيح ما يحببه إلى العباد بما يبغضه إلى رب العباد
ومنها تزيينه لهم بما يشينه عند الله تعالى
ومنها التقرب إليهم بما يبعده عن رحمة الله تعالى ومن بعد عن الله فقد هوى
به ريح شؤم المعصية في مكان سحيق وضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا



ومنها إرضاؤهم بالتعرض لسخط الله تعالى مع حبوط عمله يوم فقره وفاقته
والله لو لم يكن إلا خجلته بين يدي رب العالمين إذا عرض عليه إقباله على
الناس وإعراضه عن الله تعالى لكان ذلك من أعظم العقوبات وأوضعها
ومنها أن رضا الناس عنه غاية لا تدرك ومطلوب لا يملك فقد يرضي بعضهم ما
يسخط الآخرين
ومنها أن ما ينال منهم لو حصل له مع تعرضه لها بالآفات لكان من أخسر
الخاسرين مع أنه يجهل ما يحصل له من المنزلة في قلوب الناس مما يظهره من
أعماله وريائه ولا يأمن أن يطلعهم الله تعالى على ريائه فيمقتوه ويحرموه
ويضروه ولا ينفعوه فيخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين
ولأنه إن راآى لدفع الضرر كان ما يناله من ضرر الآخرة أعظم من الضرر الذي
راآهم به دفعا له وإن راآهم لجلب نفع كان الذي يفوته من نفع الآخرة أعظم
من ذلك النفع وقد يطلعون على ريائه فيفوته النفعان
وإن راآهم
ليمدحوه أو ليعظموه وليوقروه كان ما فاته من مدح الله تعالى في ذلك كله
على ريائه فيفوته ذلك كله مع عظيم ما تعرض له من غضب الله تعالى

ومنها التحمد إليهم بما يوجب ذمة عند الله تعالى


ومقته وعذابه وعقابه الذي لا يدفع ولا يطاق ونعوذ بالله من سخطه
وغضبه وعقابه
فإذا واظب من رغب في الإخلاص لله تعالى على ما ذكرناه بإحضاره وإدمانه
الفكر فيه وتضرع إلى الله تعالى في أن يعينه ويثبته على الإخلاص ويوفقه
إليه اضمحل رياؤه وتلاشى شيئا فشيئا فمجته نفسه بما فيه من عظم الضرر
وفوات عظيم النفع ولا يزال يتدرج في الإخلاص إلى أن يصير من المخلصين
برحمة رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى