حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
ملخص الخطبة 1- علامات الساعة الكبرى 2- فتنة الدجال 3- وصف الدجال 4- السبيل إلى النجاة من فتنته الخطبة الأولى أحبتي في اللـه: هذا هو لقاءنا الرابع مع دروس سلسلة الدار الآخرة، وكنا قد أنهينا آنفا الحديث عن العلامات الصغرى التي ستقع بين يدي الساعة، والآن حديثنا عن العلامات الكبرى التي ستقع قبل قيام الساعة مباشرة، وقد ذكر النبي هذه العلامات في حديثه الصحيح الذي رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي اللـه عنه قال: اطلع علينا النبي ونحن نتذاكر فقال: ((ما تذاكرون؟)) قلنا: نذكر الساعة قال: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم))([1]). ولقد ذكر المصطفى هذه العلامات بغير هذا الترتيب في روايات أخرى صحيحة والذي يترجح من الأخبار كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" : أن خروج الدجال هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال وينتهي ذلك بقيام الساعة ولعل خروج الدابة يقع في نفس اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب، واللـه أعلم([2]). ولكن على أي حال فإن العلامات الكبرى ستقع متتابعة فهي كحبات العقد إذا انفرطت منه حبه تتابعت بقية الحبات. ففي الحديث الذي رواه أحمد والحاكم في مستدركه وصححه على شرط مسلم وأقره الحاكم والذهبي والألباني من حديث أنس أن النبي قال: ((الأمارات (أي العلامات الكبرى) خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاً))([3]). واسمحوا لي أن أستهل الحديث اليوم مع حضراتكم في العلامات الكبرى عن الآية العظيمة الأولى التي تؤذن بتغير الأحوال على الأرض، ألا وهي المسيح الدجال... وكعادتنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعا فسوف أركز الحديث في العناصر التالية : أولاً: الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض. ثانياً: وصف دقيق للدجال وفتنته. ثالثاً: ما السبيل إلى النجاة. فأعرني قلبك جيدا... وأعرني سمعك تماما... فإن الموضوع من الخطورة بمكان. أولاً: الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض، فتدبر جيدا أيها الحبيب وقِفْ على خطر هذه الفتنة!، فالدجال أعظم فتنة على وجه الأرض من يوم أن خلق اللـه آدم إلى قيام الساعة. لماذا سمى الدجال بالمسيح الدجال؟!! سمى الدجال بالمسيح لأن عينه ممسوحة قال المصطفى : ((الدجال ممسوح العين))([4]) وسمى بالدجال لأنه يغطى الحق بالكذب والباطل فهذا دجل فسمى بالدجال وفتنة الدجال فتنة عظيمة!! وفى صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين رضي اللـه عنهما قال: سمعت رسول اللـه يقول: ((ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال))([5]). وأمرُ الدجالِ أمرُُ غيبي والأمر الغيبي لا يجوز أن نتكلم فيه بشيء من عند أنفسنا إنما ننقل عن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وأنوه أيضاً أننا لا نلتفت إلا لما صح من حديث رسول اللـه كعادتنا ولله الحمد والمنة. روى ابن ماجه في سننه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في المستدرك وصحح الحديث الشيخ الألباني من حديث أبي أمامة الباهلي أن الحبيب قال: ((إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ اللـه ذرية آدم أعظم من فتنة المسيح الدجال ولم يبعث اللـه نبيا إلا وقد أنذر قومه الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة ،فإن يخرج الدجال وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج الدجال من بعدي فكل امريء حجيج نفسه، واللـه خليفتي على كل مسلم)). يا لها من كرامة لأمة الحبيب محمد صلى اللـه عليه وسلم. ففتنة الدجال عظيمة!.. أعظم فتنة على وجه الأرض بشهادة الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى. أحبتي في اللـه: لقد وصف النبي الدجال وصفاً دقيقاً محكماً وبين لنا فتنته بياناً شافيا حتى لا يغتر بالدجال أحد من الموحدين باللـه رب العالمين... وهذا هو عنصرنا الثانى. ثانياً: وصفٌ دقيقٌ للدجال وفتنته وصف النبي الدجال فقال :والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث ابن عمر رضي اللـه عنهما قال : قام رسول اللـه في الناس خطيبا فحمد اللـه وأثنى على اللـه بما هو أهله.... فذكر الدجال فقال: ((إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه الدجال، ولقد أنذر نوح قومه، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه ألا فاعلموا أنه أعور وأن اللـه ليس بأعور))([6]). وفى رواية ((أعور العين اليمنى))، وفي رواية أخرى صحيحة ((أعور العين اليسرى))، اعلموا أنه أعور وأن اللـه ليس بأعور جل جلاله، جل ربنا عن الشبيه.. وعن النظير.. وعن المثيل.. لا كفء له، ولا ضد له، ولا ند له ولا شبيه له، ولا زوج له ولا ولد له: قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ، لَيسَ كَمثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ . ثم قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: ((الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مسلم))([7]). ماذا تريد بعد ذلك من الرحمة المهداة والنعمة المسداة من الذي قال ربه في حقه: بالمُؤمِنِينَ رَؤوفُُ رَحِيمُُ . يبين لك لتتعرف على الدجال إن خرج بين أظهرنا، يقول لك ممسوح العين... مكتوب بين عينيه كافر... يقرؤه كل مسلم. وفى رواية حذيفة في صحيح مسلم قال : ((الدجال، مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب))([8]). لا ينبغي أن نصرف لفظ النبي على غير ظاهره، الكتابة على جبين الدجال كتابة حقيقية لدرجة أنه وردت في رواية في صحيح مسلم قال : ((الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينيه (ك ف ر) أي كافر))([9]). وصف عجيب للدجال من رسول اللـه عليه الصلاة والسلام ! أستحلفك باللـه أن تتدبر معي هذا المطلع العجيب الذي رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن اليمان رضي اللـه عنه قال الذي لا ينطق عن الهوى : ((لأنا أعلم بما مع الدجال من الدجال، معه نهران يجريان أحدهما رأى العين ماء أبيض، والأخر رأى العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهـر الذي يراه ناراً، وليغمض، ثم ليطأطيء رأسه فليشرب منه فإنه ماء بارد))([10]). يقول لنا الصادق المصدوق لا تخش نار الدجال فهو دجال يغطى الحق بالكذب والباطل، إن رأيت ناره فاعلم بأنها ماء عذب بارد طيب. وفى رواية أخرى في صحيح مسلم لحذيفة رضي اللـه عنه أن النبي قال: ((يخرج الدجال وإن معه ماءً وناراً، فما يراه الناس ماءً فهي نار تحرق وما يراه الناس نارا فهو ماء بارد عذب))([11]). في حديث النواس بن سمعان رضي اللـه عنه أنه قال: سأل الصحابة رسول اللـه عن المدة التي سيمكثها الدجال في الأرض، فقال الحبيب : ((أربعون يوما، يوم كسنة ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كسائر أيامكم ))، قلنا: يا رسول اللـه اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: ((لا، اقدروا له قدره))([12])، يعنى صلوا الفجر وعدوا الساعات التي كانت قبل ذلك بين الفجر والظهر، وصلوا الظهر، وعدوا الساعات التي كانت بين الظهر والعصر وهكذا. فسأل الصحابة رسول اللـه - وما زلنا في حديث النواس ابن سمعان -: وما سرعته في الأرض؟!: ((يمكث في الأرض أربعين ليلة فيمر على الأرض كلها؟ سرعته كالغيث - أي المطر- استدبرته الريح))... يعنى يمر في كل أرجاء وأنحاء الأرض. ثم قال الحبيب : ((يأتي الدجال على قوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ماكانت ذراً وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر)). فتنة رهيبة !! فلو عقل هؤلاء لعلموا أن صفات النقص من أعظم الأدلة على كفره وبطلان إدعاءاته. إن الذي يستحق أن يعبد هو المتصف بكل صفات الكمال والإجلال. ثم ينطلق الدجال إلى قوم آخرين فيقول لهم: أنا ربكم. فيقولون :لا ويكذبونه. يقول المصطفى : ((ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل)) أي جماعات النحل فتنة رهيبة!! ثم تزداد الفتنة !!! يقول النبي ثم يدعوا رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين، فيمشى الدجال بين القطعتين أمام الناس ويقول للشاب قم فيستوي الشاب حيا بين يديه !!. فتنه رهيبه !!! وفى رواية أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم([13]) يقول المصطفى : ((فيخرج إليه شاب فتلقاه المسالح، مسالح الدجال (أي أتباعه من اليهود الذين يحملون السلاح) فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: إلى هذا الذي خرج (أي إلى الدجال) فيقولون له أولا تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، أي لو نظرت إلى الدجال سأعرفه! فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أو ليس قد نهانا ربنا أن نقتل أحداً دونه، فينطلقون بهذا الرجل المؤمن إلى الدجال، فإذا نظر المؤمن إليه قال: أيها الناس! هذا المسيح الدجال الذي ذكره لنا رسول اللـه يقول المصطفى: ((فيأمر الدجال به فيشج، فيقول: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضربا، قال: فيقول: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، قال: ثم يمشى الدجال بين القطعتين ،: ثم يقول له: قم، فيستوي قائما، قال: ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة؟ قال: ثم يقول: يا أيها الناس: إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس، قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا، قال: فيأخذ بيديـه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه في النـار وإنما ألقي في الجنة)) فقال رسول اللـه : ((هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين))([14]) وسأختم حديثي عن فتنة الدجال بحديث عجيب رواه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم من حديث تميم الداري رضي اللـه عنه من حديث فاطمة بنت قيس عن تميم الداري قالت: سمعت منادي رسول اللـه ينادي: "الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول اللـه ، وكنت في النساء التي تلي ظهور القوم فلما قضى الرسول صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ((أيها الناس ليلزم كل إنسان مصلاه)) ثم قال ((أتدرون لم جمعتكم؟)) قالوا: اللـه ورسوله أعلم. فقال رسول اللـه : ((أما إني واللـه ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام "قبيلتان عربيتان مشهورتان" فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفؤوا([15]) إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا جزيرة فلقيتهم دابة أهلب([16]) كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره، فقالوا: ويلك، من أنت؟ قالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة، قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فلما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني: ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا ندرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل الذي في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعا، وفــزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن بيسان قلنا: وعن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك أن لا يثمر، قال: أخبروني عن بحيرة طبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر، قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال أما إن ذاك خيرا لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عنى، أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فسأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة فهما محرمتان على كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحـدة، أو واحدا منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدنى عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها)) قالت: قال رسول اللـه : وطعن بمخصرته في المنبر ((هذه طيبة.. هذه طيبة)) يعنى: المدينـة ((ألا هل كنت حدثتكم عن ذلك؟)) فقـال النـاس: نعم، قال: ((فإنه أعجبني حديث تميم لأنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو؟ من قبل المشرق ما هو ؟، وأومأ بيده إلى المشرق)) قالت: فحفظت هذا من رسول اللـه . أيها الأحبة الكرام: هذا قليل من كثير، فلا زال هناك الكثير عن فتنة الدجال، فقد أجملت لكم ما يسر اللـه عز وجل، لنقف على خطورة هذه الفتنة. وهناك سؤال لابد أن يطرح في هذا المجال ألا وهو: هل سيقتل الدجال؟! ومن الذي سيقتله؟!!! نعم... أبشروا سيقتل الدجال وسيقتله عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. روى ابن ماجه في سننه والحاكم في المستدرك وصحح الحديث الألباني من حديث أبي أمامة الباهلي أنه قال: ((بينما إمام المسلمين يصلى بهم الصبح في بيت المقدس إذا نزل عيسى بن مريم، فإذا نظر إليه إمام المسلمين عرفه، فيتقهقر إمام المسلمين لنبي اللـه عيسى ليصلى بالمؤمنين - من أتباع سيد النبيين محمد- فيأتي عيسى عليه السلام ويضع يده في كتف إمام المسلمين ويقول: لا بل تقدم أنت فصلِّ فالصلاة لك أقيمت))، وفي لفظ ((فإمامكم منكم يا أمة محمد ويصلى نبي اللـه عيسى خلف إمام المسلمين لله رب العالمين، فإذا ما أنهى إمام المسلمين، قام عيسى وقام خلفه المسلمون، فإذا فتح عيسى باب بيت المقدس، رأى المسيح الدجال معه سبعون ألف يهودي معهم السلاح، فإذا نظر الدجال إلى نبي اللـه عيسى ذاب كما يذوب الملح في الماء، ثم يهرب فينطلق عيسى وراءه فيمسك به عند باب لد في فلسطين، فيقتله نبي اللـه عيسى ويستريح الخلق من شر الدجال)). ويبقى هنا سؤال ألا وهو: ما السبيل إلى النجاة؟ والإجابة على هذا السؤال تكون بعد جلسة الاستراحة وأقول قولي هذا واستغفر اللـه لي ولكمالخطبة الثانية إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له. وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد أحبتي في اللـه: فما السبيل إلى النجاة؟ أحبتي الكرام: أجيب لكم عن هذا السؤال من كلام سيد الرجال محمد بن عبد اللـه حتى تطمئن قلوبكم وتستريح، ثبتكم اللـه. ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه والحاكم في مستدركه وصححه الألباني. قال : ((من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال))([1]). وفى لفظ: ((من حفظ عشر آيات من أوائل سورة الكهف عصم من فتنة الدجال)). وفى لفظ: ((من حفظ عشر آيات من أواخر سورة الكهف عصم من فتنة الدجال)). لقد تبينتم الآن أمر الدجال، فالأمر جد خطير، هل نقف على مثل هذه الخطورة ونحفظ عشر آيات فقط من سورة الكهف، أراكم تقولون لا بل حفظ السورة بالكامل أمر يسير أمام هذه الخطورة الشديدة، أرى منكم أناساً يقولون نذهب إلى مكة أو المدينة، سأقول لكم لا بأس، من يستطيع الفرار منكم إلى مَكة المباركة أو طيبة طيبها اللـه، فله ذلك، فهما محرمتان على الدجال أن يدخل واحدة منهما وذلك من سبل النجاة. لكنني لا أجد لك سبيلا للنجاة أكبر وأشرف وأجل وأعظم من أن ُتوحد اللـه جل وعلا وتعرف معنى كلمة.. "لا إله إلا اللـه".. فهذا هو أصل الأصول وبر الأمان لكل مؤمن يريد الأمان حقا في الدنيا والآخرة. ألم يقل لك المصطفى بأنه لا يقرأ كلمة كافر بين عيني الدجال إلا مؤمن موحد للكبير المتعال، واعلم يقينا بأن الإيمان ليس كلمة يرددها لسانك فحسب.. بل الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان "يعنى القلب"... وعمل بالجوارح والأركان... ولابد أن تعلم أن أركان الإيمان... أن تؤمن باللـه وملائكته، وكتبه، ورسوله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره فلا بد لك من الآن أن تصحح إيمانك باللـه جل وعلا وتحقق الإيمان يقينا. وقد قال الحسن : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فمن قال خيراً وعمل خيراً قبل منه ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه. قال اللـه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللـه ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-33]. قال اللـه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:107 -110].