رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تربية الرجال ... حبيب بن زيد
uploads/kasas-shabah1.gif |
تربية الرجال ... حبيب بن زيد |
تمت الإضافة بتاريخ : 12/12/2008م الموافق : 14/12/1429 هـ |
ما كاد الظلام يسدل ستائره الكثيفة ، حتى ابتدأ الرجال يتسللون الواحد تلو الآخر ، ليتجمعوا عند العقبة ( ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان ) . إنهم الآن في انتظار رسول الله " صلى الله عليه وسلم " ، الجميع في شوق إلى لقائه ، جاء النبي " صلى الله عليه وسلم " وبصحبته عمه العباس ، ولم يكن عمه قد أسلم بعد . وبأصوات خافتة ، حتى لا يسمعها هؤلاء الذين جاءوا ليطوفوا حول البيت العتيق ويتبركوا بالآلهة ، وحسب الاتفاق ، جاء هؤلاء دون علم أحد . وأخذ النبي " صلى الله عليه وسلم " يتلو عليهم شروط البيعة ، حتى أتمها . ووافق الجميع ، وأخذ كل واحد يصافح يد النبي " صلى الله عليه وسلم " ويشد عليها قائلاً له : ( السمع والطاعة لله وللرسول ) . بين هذه الأيدي المباركة ، امتدت يد صغيرة غضة طرية ، واحتضنت اليد الطاهرة الشريفة . ونظر النبي " صلى الله عليه وسلم " إلى صاحب هذه اليد الصغيرة التي تأخذ البيعة ، وابتسم . إنه طفل صغير لم يبلغ الحُلم بعد ، لكنه كان شديد الثقة بنفسه ، مطمئناً لهذا الرسول وما جاء به من الحق . هو صغير السن ، أخضر القلب ، لكنه كبير العقل ، يمتلئ قلبه بنور الإيمان ، وكيف لا وأسرته كلها جاءت لتبايع النبي " صلى الله عليه وسلم ". ها هو أبوه ( زيد بن عاصم ) وأخوه ( عبد الله بن زيد ) ، يجلسون بين الرجال ، وقد بايعوا النبي " صلى الله عليه وسلم " وشدوا على يديه . ها هي أمه ( أم عمارة نسيبة بنت كعب ) مع بني مازن بن النجار ، وبجانبها أختها ( أسماء بنت عمرو ) إحدى نساء بني سلمة ، المرأتان الوحيدتان اللتان حضرتا هذه البيعة . وتمر الأيام ، ويهاجر النبي " صلى الله عليه وسلم " من مكة إلى المدينة ، فيستقبله هؤلاء الأنصار على رأس أهل المدينة . وفي المدينة ، يتجمع الأصحاب حوله ، ليرتشفوا من فمه الطاهر القرآن الكريم ، والحكمة الشريفة . والصاحب الصغير لا يفتأ يحضر كل مجالس النور هذه وينهل منها بقدر ما يستطيع ، وفي البيت يقوم والده بإعداده وتجهيزه ليكون بطلاً مغواراً يدافع عن الإسلام ، وعن رسول الإسلام ، من أجل رفع راية التوحيد . وفي غزة بدر ، يذهب الصغير ويطلب من النبي " صلى الله عليه وسلم " أن يشارك في هذه الغزوة ضمن مجموعة من الصغار ، ويرفض النبي " صلى الله عليه وسلم " وهو يربت على أكتافهم ووجهه يشع بابتسامة عذبة . فهم ما زالوا صغاراً ، والإسلام يحتفظ بهم حتى يستوي عودهم ويشتد ... ثم تأتي عزوة أحد ، ويذهب الصغير مرة أخرى إلى النبي " صلى الله عليه وسلم " ويرجو منه أن يشركه في هذه الغزوة ، والدموع تتساقط من عينيه ، يستخدم كل مهاراته ، لكي يشارك في الدفاع عن دين الله ، يرفض النبي " صلى الله عليه وسلم " مرة أخرى ، فهو ما يزال صغيراً ، ويعود الصغير إلى البيت ، وكله شوق لحمل السيف . وفي البيت ، تلقنه أمه الدروس والعبر ، فيمتلئ الجسد الغض بالأنوار وتهز كيانه كله . وتمر الأيام ، وكل يوم يشتد الصغير قوة وحماسة ، إنه الآن يحمل السيوف ، ويشارك في الغزوات بكل مهارة وشجاعة ، لم يدع غزوة واحدة تفوته من بعد ( أُحُد ) حتى جاء ذلك اليوم المشهود . في السنة التاسعة من الهجرة ، كان الإسلام قد اشتد عوده وقويت شوكته ، فراحت الوفود العربية تأتي إلى المدينة للقاء النبي " صلى الله عليه وسلم " وإعلان إسلامها ، ومبايعته على السمع والطاعة . ضمن هذه الوفود كان وفد ( بني حنيفة ) القادمين من اليمامة ، وأكرمهم النبي " صلى الله عليه وسلم " كعادته دائماً ، وراح يغدق عليهم بالهدايا ، وأمر بعطية إلى صاحبهم الذي خلفوه في رحالهم . وما كادوا يعودون إلى ( نجد ) حتى ارتد صاحبهم مسيلمة ابن حبيب الحنفي ، ارتد من فوره عن الإسلام . والأدهى من ذلك : أنه أدعى أنه نبي ، يُوحى إليه مثل النبي محمد " صلى الله عليه وسلم " تماماً بتمام . والتفت القبائل هناك من حوله ، تتملكهم العصبية أكثر من الإيمان به ، فهم يعلمون أنه كذاب ، لكن كذاب ربيعة أفضل عندهم من صادق مضر – على حد زعمهم - ، ويملأ صاحبهم الكبر والغرور ، فيرسل رسالة إلى النبي يقول فيها : ( من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، سلام عليك . أما بعد : ... فإني قد أشركت في الأمر معك ، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ، ولكن قريشاً قوم يعتدون ) . فيجيبه النبي صلى الله عليه وسلم برسالة قائلاً : ( بسم الله الرحمن الرحيم ... السلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) . ويستمر مسيلمة في طغيانه ، ويستشري فساده ، وتفوح رائحته العطنة ، فيرسل النبي " صلى الله عليه وسلم " إلى صاحبه الذي كان بالأمس صغيراً . لقد جاء اليوم الذي أعده الإسلام له ، وهو في شوق منذ زمن طويل لهذا اليوم . وركب الصحابي الجليل صهوة جواده ، حاملاً رسالة النبي " صلى الله عليه وسلم " إلى هذا الأفاق الدعي ، فلعله أن يتوب لرشده ويترك هذا الخبل . ويطير الجواد حتى وصل الشاب المؤمن ديار بني حنيفة في أعالي نجد ، ودفع الرسالة إلى مسيلمة . ما إن قرأ مسيلمة الرسالة ، حتى تفجر غيظاً وغضباً ، وأمر على الفور بتكبيل هذا الشاب ، وجمع الناس ليرونه . أمر الجلاد ، فوقف من خلفه ، قال له الطاغية : ( أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ ) . فيبتسم الصحابي المؤمن ، ويقول في ثقة : ( نعم ، أشهد أن محمداً رسول الله ) . ويحاول الطاغية أن يتمالك نفسه : ( وتشهد أني رسول الله ؟ ) . فيهز الفتى رأسه في سخرية وتهكم قائلاً : أنا لا أسمع ما تقول . ويتلون وجه الكذاب ، وتخرج عيناه من وجهه ، وتبرق ، فيشير للجلاد بيده ، فيهوي بالسيف ويبتر قطعة من جسده ، فتقع على الأرض ، وتتدحرج لتستقر أمام عينيه . ويعيد الطاغية السؤال مرة ، ومرة ، ومرات : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ نعم ، أشهد أن محمداً رسول الله . وتشهد أني رسول الله ؟ أنا لا أسمع ما تقول . ويهوي السيف ليقطع من جسده قطعة وراء قطعة حتى تكون جسده أمام عينيه ، ولسانه لا يفتأ يشهد شهادة الحق ، والناس من حوله ينظرون ، وقد أصابهم الذهول والخوف . ويلفظ الشاب المؤمن أنفاسه الأخيرة ، لكن الأيام تتسابق متوالية ، وتحدث معركة اليمامة في عهد الخليفة الأول ( أبو بكر الصديق ) رضي الله عنه ، فينتقم الله من هذا الطاغية ( مسيلمة الكذاب ) ، ويقتل بسيوف المسلمين ، ويُداس عليه بسنابك الخيل والأقدام . من كتاب : 100 قصة وقصة من قصص الصحابة رضي الله عنهم إعداد : محمد عبد الظاهر المطارقي . |
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى