رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
"التأثيرات الحيوية والفسيولوجية والنفسية لصيام رمضان"
معز الإسلام عزت فارس
جعل الله عز وجل
صيام رمضان فريضة يتعين على كل مسلم بالغ عاقل أن يؤديها، وقد أبان الشارع
الحكيم عظم الفوائد التي ينطوي عليها صيام رمضان، فقد قال عز من قائل: (
وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) وهذه الخيرية الواردة في الآية
الكريمة لا تقتصر فقط على الجانب الروحي والنفسي فحسب، بل وعلى الجانب
الجسمي والحيوي، بحيث يكون صيام رمضان نشاطا روحيا وجسميا يرتقي بالإنسان
جسما وروحا. وفي هذه العجالة، سنحاول أن نلقي الضوء على بعض التغيرات
الوظيفية والحيوية التي تحدث خلال شهر رمضان الفضيل.
التأثيرات الحيوية والفسيولوجية لصيام رمضان
لقد أثار صيام شهر
رمضان عند المسلمين اهتمام وعناية العديد من الباحثين، الذين رأوا أن في
صيام رمضان تغييرا في السلوك التغذوي والمعيشي خلال فترة زمنية محددة تصل
إلى 29- 30 يوما، وفي فترة زمنية يومية تصل إلى 17 ساعة، الأمر الذي يترتب
عليه إحداث تغييرات فسيولوجية وحيوية في جسم الإنسان بسبب طول وانتظام فترة
الصيام، حيث تظهر هذه التغيرات في القياسات الفيزيائية للجسم
(الأنثروبومترية) ومن أهمها وزن الجسم، وفي مكونات الدم ومن أهمها سكر الدم
(الجلوكوز) والدهون وحمض البول.
أولا: القياسات الفيزيائية للجسم (الأنثروبومترية) أو
(القياسات الجسمية):-
الوزن: تشير الدراسات التي
أجريت على مجموعات من الصائمين أن وزن الجسم قد تغير في نهاية شهر رمضان
على شكل زيادة أو نقصان في الوزن مقارنة مع ما كان عليه الحال قبل الشهر أو
بعده، بنسبة تصل إلى -3.6 % و +2.4 % كمعدل للنقصان والزيادة على التوالي.
ومن الأسباب التي يعتقد أنها تؤدي إلى زيادة الوزن تناول كميات كبيرة من
الحلويات الغنية بالدهون والسكريات خلال فترة الإفطار، بالإضافة إلى
الإفراط في تناول الطعام بعد فترة الصيام، كما تعزى هذه الزيادة إلى بعض
الممارسات الخاطئة لدى بعض الصائمين والمتمثلة بكثرة النوم والجلوس وقلة
العمل، خلافا لما يجب أن يكون عليه حال المسلم من العمل والعبادة خلال
الشهر الكريم.
أما نقصان الوزن
وهو ما أشارت إليه معظم الدراسات، ونسبته اكبر من نسبة الزيادة في الوزن
(-3.6 إلى + 2.5 %)، فهو يختلف أيضا باختلاف الوزن الأصلي والجنس وطبيعة
العمل والممارسات الغذائية، فمن خلال الدراسة التي أجراها الأستاذ الدكتور
حامد التكروري (2) والتي أجريت على ثلاث مجموعات مختلفة الوزن:
* مجموعة مفرطي الوزن
* مجموعة المقارنة (ذوي الوزن الطبيعي)
* مجموعة ناقصي الوزن
أظهرت النتائج أن
نسبة الانخفاض في الوزن كانت للمجموعة الأولى (مجموعة مفرطي الوزن) اكبر من
نسبة الانخفاض في المجموعات الأخرى ( 2.62 كغم للمجموعة الأولى، 2 كغم
للمجموعة الثانية، و 0.64 للمجموعة الثالثة)، وقد عزى الباحث ذلك التباين
في نسبة الفاقد من الوزن إلى عوامل عدة، منها:
* أن معدل التمثيل الأساسي، وهو أحد مقاييس الطاقة في جسم الإنسان،
يكون أعلى في حالات الوزن الزائد عما هو عليه في حالات الوزن الطبيعي
والوزن المنخفض.
* أن عمليات الاستقلاب للبروتين داخل الجسم تكون أعلى عند مفرطي
الوزن ممن سواهم.
* أن الأفراد المصابين بزيادة الوزن يستهلكون الطاقة المخزونة في
الجسم ( على شكل أنسجة دهنية غالبا) بدرجة أكبر مما عند الأفراد الطبيعيين،
وهذا بدوره يجعل كمية الوزن المفقود اكبر في نهاية شهر الصوم للأفراد
زائدي الوزن عن الأفراد الآخرين.
* أن هذا الاختلاف في الوزن المفقود يفيد أكثر ما يفيد الأفراد
المصابين بالسمنة وزيادة الوزن حيث يساعدهم ذلك على التخلص من الوزن
الزائد، وبالتالي التخفيف من حدة مرض السمنة والتقليل من خطر الإصابة
بالأمراض المرتبطة به مثل أمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم والسكري
وأمراض الكلى والمرارة والنقرس وغيرها من الأمراض الخطيرة الملازمة لمرض
السمنة، وقد أكدت دراسة علمية نشرت في عام 1993 أن إنقاص الوزن بمقدار 4.5
كغم كان كافيا لخفض ضغط الدم عند المصابين بارتفاع ضعيف اومتوسط في الضغط
إلى المستوى الطبيعي (3).
كما أظهرت الدراسة
أن معظم النقصان الذي طرأ على وزن الجسم قد حدث في النصف الأول من شهر
رمضان، حيث كانت نسبة النقصان في النصف الأول 67% و 70 % من الوزن الكلي
المفقود للمجموعتين الأولى والثانية على التوالي، وتشير بعض الدراسات إلى
أن معدل الفقد في الوزن خلال النصف الأول من الشهر تراوح ما بين 56% و 81 %
(1) وسوف نأتي لاحقا على ذكر العامل المسبب لذلك.
وقد بينت الدراسة
أن الانخفاض في وزن الجسم يتباين تبعا للجنس، حيث كان الانخفاض في الوزن
عند الصائمين الذكور أعلى منه عند الإناث، بمقدار 0.34 كغم، أي بنسبة 18.18
% لصالح الذكور، وهذا الامر يتغير تبعا للطبيعة المعيشية والاجتماعية
لأفراد المجتمع، فقد أظهرت دراسة أجريت في ماليزيا على مجموعة من النساء
الماليزيات المسلمات أن نسبة الفقد في الوزن كانت عند النساء أكثر منها عند
الرجال. (4)(1)
ويمكن تفسير هذا
التغير في الوزن إلى أسباب أهمها:
* نقص الطاقة الغذائية المتناولة:(1) وهي أهم عامل في نقصان وزن جسم الصائم، إذ أن كمية
السعرات الحرارية المتناولة يوميا خلال فترة الإفطار تحدد نسبة الفقد في
الوزن، ففي إحدى الدراسات، انخفض معدل وزن الجسم لمجموعة من الصائمين إلى
3.6% من وزنهم قبل شهر الصوم، وذلك لانخفاض مقدار السعرات الحرارية اليومية
المتناولة بنسبة 22.4% مقارنة مع فترة ما قبل الصوم. ومن المعروف أن بعض
الصائمين قد يزداد وزنهم مع نهاية شهر رمضان بسبب تناولهم كميات من السعرات
الحرارية تفوق حاجة أجسامهم، خاصة وأن شهر رمضان يتميز بتنوع وكثرة أصناف
الطعام في وجبتي الإفطار والسحور.
* نقص السوائل: تشير
إحدى الدراسات التي أجريت على مجموعة من الصائمين أن معدل تناول الماء
والسوائل قد انخفض خلال شهر رمضان بشكل كبير عما كان عليه الحال قبل شهر
الصيام، حيث انخفض معدل تناول السوائل من 3.9 لتر / اليوم إلى 2.25 - 2.50
لتر/اليوم خلال الشهر، (5)،(1) ويؤدي هذا الانخفاض في كمية السوائل
المتناولة إلى تغيير في التوزيع الطبيعي للسوائل داخل الجسم أو ما يسمى
بتوازن السوائل، والذي يتركز في الأسبوعين الأولين من شهر رمضان، ويستمر
حتى بداية الأسبوع الثالث من الصيام حيث يتم تعديل هذا الخلل أو الاضطراب
(الناشئ عن الفقد المفاجئ للسوائل داخل الجسم) خلال الأسبوع الثالث، وذلك
من خلال عدد من الآليات التي يقوم بها الجسم للحفاظ على محتوى وتوازن
السوائل داخله، (5) مثل تقليل كمية البول وزيادة تركيزه من خلال زيادة
امتصاص أملاح الصوديوم داخل الكلى، وتقليل فترة التبول في كل مرة، وذلك
للحد من التأثير السلبي لنقص السوائل المتناولة. وبالرغم من التأثير السلبي
لاختلال توازن السوائل داخل الجسم (بسبب انخفاض كمية السوائل المتناولة
والتبول)، إلا أن له جانب صحي ايجابي، حيث يعتقد انه مسبب أساسي ورئيسي
لنقصان الوزن خلال تلك الفترة (وهي النصف الأول من رمضان)، فقد أثبتت
العديد من الدراسات أن نقص الوزن خلال تلك الفترة يعزى أساسا إلى هذا
العامل، كما أن لدرجة حرارة ورطوبة الجو ودرجة الجهد البدني المبذول من قبل
الصائم دورا هاما في تحديد درجة جفاف الجسم خلال الصيام (1)،(5).
* الطاقة المصروفة: ويتم
هذا من خلال الجهد البدني المبذول في انجاز الأعمال اليومية، إذ تزداد
نسبة الوزن المفقود في نهاية الشهر بزيادة الطاقة المصروفة، حيث تترافق
الزيادة في الجهد مع استهلاك كميات أضافية من الطاقة المخزونة في الجسم
(والتي تكون أساسا على شكل أنسجة دهنية). ففي الدراسة التي أجريت في
ماليزيا تبين أن النسوة اللاتي شاركن في الدراسة فقدن وزنا أكثر خلال شهر
رمضان بالرغم من أنهن كن يتناولن سعرات حرارية أكثر من الذكور خلال الشهر،
والسبب في ذلك أن هؤلاء النسوة كن يقمن بأعمال المنزل خلال ساعات النهار،
بينما تمتع الرجال بفترة راحة أطول خلال فترة الصيام (4). ومن المعلوم أن
شهر رمضان يتسم بنمط مميز من العبادات البدنية كقيام الليل وصلاة التراويح،
والتي تتطلب بذل مجهود بدني إضافي، وهو ما يؤدي إلى صرف المزيد من الطاقة
التي حصل عليها الجسم من وجبة الإفطار، الأمر الذي سيعمل على الحد من
الزيادة في الوزن بسبب تخزين هذه الطاقة في الجسم، كما أن توقيت هذه
العبادة، بعد الإفطار بساعة تقريبا، يساعد على هضم هذه الأطعمة وتنظيم
عمليات التمثيل للعناصر الغذائية بشكل أفضل (6).
وفيما يتعلق بتأثير
صيام رمضان على وزن الأطفال حديثي الولادة، فقد أثبتت الدراسات التي أجريت
على النساء الحوامل واللاتي يمارسن فريضة الصيام انه ليس لصيام شهر رمضان
أي تأثير سلبي على معدل وزن الأطفال حديثي الولادة، وبغض النظر عن فترة
الحمل التي حدث خلالها الصيام، بل إن بعض الدراسات التي أجريت على هذه
الفئة من الأطفال أظهرت أن معدل الوزن لهذه الفئة كان أكبر عند الأمهات
اللواتي مارسن فريضة الصيام خلال فترة حملهن منه عند الأمهات اللواتي لم
يمارسن هذه الفريضة (1).
ويمكننا أن نستنتج
مما سبق أنه وبالرغم من كل الممارسات الخاطئة المتبعة خلال شهر رمضان
المبارك، فيما يتعلق بالسلوك التغذوي والمعيشي، إلا أن شهر رمضان كان له
الأثر الواضح في التقليل من وزن الجسم والمحافظة عليه من الآثار المدمرة
للوزن الزائد والسمنة، ولنا أن نتصور كيف سيكون عليه حال الصائم لو حافظ
على آداب الصيام وسننه وحرص على تطبيق أهدافه وفلسفته، فعندها ستكون
النتائج أعظم والفوائد أعم وأشمل (2).
ثانيا: التغير في محتويات الدم
1.
كولسترول الدم وبروتينات الدم الدهنية: أشارت معظم الدراسات التي أجريت
على الصائمين أنه لوحظ ارتفاع طفيف في محتوى الدم من الكوليسترول الكلي في
نهاية شهر رمضان، وقد نسبت الزيادة إلى عاملين أساسيين:
* السبب الغذائي، حيث أصبح من المعروف أن شهر رمضان يترافقه تنوع
الأطباق المتناولة من الطعام وزيادة تناول الدهون والسكريات خلال فترة
الإفطار وبالأخص عند وجبة الإفطار الرئيسية وبدرجة اقل عند وجبة السحور،
وقد أشارت الدراسة التي أجريت على عينة من طلبة جامعة حلب في سوريا خلال
شهر رمضان أن معدلات الكوليسترول قد انخفضت في النصف الأول من شهر الصوم
حينما تناول الطلبة طعاما قليل الدهن ( 8.8 % من مجموع الطاقة اليومية)،
وارتفعت هذه المعدلات حينما تناول الطلبة طعاما غنيا بالدهون خلال وجبتي
الإفطار والسحور (51.2 % من مجموع الطاقة اليومية) في النصف الثاني من شهر
الصيام.
* لقد اجمع عدد من الباحثين في نتائجهم
لبحوث أجريت على أصحاء ومرضى على انه كلما ازداد عدد وجبات الطعام
المتناولة في اليوم الواحد كلما انخفض مستوى الكوليسترول في الدم، وكلما
نقص عدد وجبات الطعام كلما ارتفعت نسبة الكوليسترول، علما بأنه في الحالتين
كانت السعرات الحرارية ثابتة من حيث كميتها، وهذه النتائج قد تفسر الاتجاه
إلى الارتفاع في محتوى الدم من الكوليسترول عند الصائمين، ذلك لأنهم في
الغالب يعتمدون على وجبة رئيسية واحدة وهي وجبة الإفطار، وتليها وجبة
السحور، ومن هنا يمكننا أن نستنتج الأهمية الصحية والطبية لوجبة السحور،
فبالإضافة إلى أنها تقوي الصائم وتعينه على ممارسة أعماله خلال النهار،
فإنها تساعد على التقليل من حجم الزيادة في محتوى الدم من الكوليسترول
والذي قد تؤدي زيادته بشكل كبير إلى بعض الآثار الجانبية والسلبية على
الصحة، وخاصة على صحة وسلامة القلب والشرايين، وهذا مصداق لما أخبرنا عنه
المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: "تسحروا فان في السحور بركة". وفيما
يتعلق بالبروتينات الدهنية، فهي تنقسم إلى نوعين رئيسيين: البروتينات
الدهنية عالية الكثافة وهي مصدر للكوليسترول النافع، والبروتينات الدهنية
منخفضة الكثافة وهي كذلك مصدر لما يسمى بالكوليسترول الضار (10).
فقد أظهرت إحدى الدراسات والتي أجراها خمايسة ورفاقه، أنه قد طرأ
ارتفاع كبير وملحوظ على محتوى الدم من الكوليسترول النافع وبنسبة تصل الى
31.9 % مقارنة مع محتوى الدم لهذا النوع من الدهون بعد شهر من انتهاء شهر
رمضان (بناء على أن الجسم يرجع الى وضعه الطبيعي الذي كان عليه قبل الصيام
بعد مرور شهر على صوم رمضان)، لأن كل التغيرات تزول بعد شهر واحد، ما عدا
وزن الجسم، وهذا بدوره سيعمل على تقليل نسبة الكوليسترول الكلي الى
الكوليسترول النافع وتقليل نسبة النوع الضار الى المفيد في الدم ومن
المعروف من الناحية الطبية أنه كلما انخفضت تلك النسب فان ذلك سيقلل من
الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين، لما للنوع النافع من دور في إزالة
الكوليسترول الضار المترسب على جدار الأوعية الدموية ونقله الى الكبد
لتمثيله هناك (11).
2. الجليسيريدات
الثلاثية: أظهرت العديد من الدراسات ان معدلات الجليسيريدات الثلاثية في
الدم تميل الى الانخفاض بشكل طفيف خلال شهر رمضان كما أظهرت دراسات أخرى ان
معدلات الجليسيريدات الثلاثية قد زادت خلال هذه الفترة ويرجع هذا التغير
بشكل أساسي الى محتوى الأغذية المتناولة خلال فترة الافطار من المواد
السكرية والنشوية (الكربوهيدرات) حيث ان الزيادة في تناول الأغذية الغنية
بهذه المغذيات يرتبط بشكل وثيق مع الزيادة في محتوى الدم من هذا النوع من
الدهون ولكن وبسبب انخفاض محتوى الطاقة المتناولة خلال شهر رمضان سواء من
المصادر الكربوهيدراتية او الدهينة بالنسبة لما قبل شهر الصوم فان معدلات
الجليسيريدات الثلاثية تميل الى الانخفاض مع نهاية الشهر ومن الأدلة على
ذلك انخفاض معدلات الأوزان بشكل عام خلال هذا الشهر (كما اشرنا الى ذلك
سابقاً) والتي تعكس انخفاضاً في محتوى الطاقة المأخوذة الأمر الذي سيقلل
حتماَ من محتوى الدم من هذه الدهون (1) (6) (7).
3. التغيرات في
محتوى الدم من سكر الجلوكوز: لاحظ الباحثون الذين اجروا فحوصات على محتوى
الدم من سكر الجلوكوز ان مستوى هذا السكر يميل الى التغير بشكل طفيف وغير
ملحوظ خلال شهر رمضان سواء بالزيادة او النقصان وذلك تبعا لطبيعة الأغذية
المتناولة خلال فترة الافطار وخاصة فيما يتعلق بمحتوى الاغذية من الدهون
والسكريات فقد لاحظ احد الباحثين ان محتوى الاغذية من الكربوهيدرات والدهون
تأثيرا ايجابياً وسلبياً على التوالي لكل منها فيما يتعلق بمحتوى الدم من
سكر الجلوكوز (1) (6) (9).
4. التغير في محتوى
الدم من حمض البول: يحاول بعض المغرضين في الغرب الإيحاء بأن الصيام قد
يؤدي الى جفاف الجسم واضطراب محتوى الدم من الأملاح المعدنية وارتفاع نسبة
حامض البول فيه. الدم وفي الحقيقة فقد لوحظ ان هنالك ارتفاعاً ملحوظاً في
محتوى الدم من حامض البول في نهاية شهر رمضان حيث وصل هذا الارتفاع الى 38%
(1) عن المحتوى الأصلي كما في بعض الدراسات وفي المقابل أثبتت بعض الأبحاث
الرصينة التي أجريت على عينات من الصائمين ان محتوى الدم من حاض البول لم
يتغير خلال فترة الصيام، كما أشارت دراسة أخرى الى ان حاض البول قد انخفض
خلال الأسبوعين الأولين من الصيام الا انه ازداد زيادة طفيفة في الأسبوعين
الأخيرين (3)، وبالرغم من حصول ارتفاع في محتوى الدم من هذا الحامض الا ان
هذه الزيادة لا ترقى الى الحد الذي تسبب فيه إعراضا مرضية كداء النقرس او
مايعرف بداء الملوك. والسبب في ذلك ان هذه الزيادة تحدث مرة واحدة في السنة
خلال فترة مؤقتة وتزول مباشرة بعد انتهاء شهر رمضان ولا ندري فقد تكون
لهذه الزيادة فوائد صحية وطبية لم يشأ الله عز وجل ان يظهرها على أهل العلم
والاختصاص ونبقى نحتكم الى أصل عظيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه الا وهو قول الحق جل وعلا (وان تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون)
وقد لاحظ الباحثون
في إحدى الدراسات أن تناول غذاء غني بالدهون أحادية اللااشباع، مثل زيت
الزيتون، خلال شهر رمضان قد منع حدوث ارتفاع في مستوى حمض البول، والذي
يعتمد في زيادته على محتوى الأغذية من الدهون المشبعة، (3) وبهذا فانه
يمكننا ان نقلل من الزيادة في هذا المركب من خلال تناول كميات إضافية من
زيت الزيتون والتقليل من تناول الاغذيةالغنية بالدهون المشبعة ومصادر
البيورينيات والبيرميدينات (والتي ينتهي تمثيلها بتكوين "حمض البول" في
وجبات الافطار والسحور).
التأثيرات النفسية للصيام وانعكاساتها على الحالة الصحية
والتغذوية للصائم:
ان المتأمل في
فلسفة الصيام وغايته يجد ان عملية الصيام لا تعدو عن كونها عملية تربوية
تتم فيها تربية النفس وتهذيبها والارتقاء بها عن الولوغ والإغراق في إشباع
الغرائز والرغبات، فيصبح الإنسان قادرا على تجنب أي أمر يتبين له ضرره أو
أذاه، لذلك كان صيام رمضان أفضل وسيلة للتخلص من العادات السيئة، التغذوية
وغير التغذوية، مثل الإدمان على شرب الشاي والقهوة والمشروبات الغازية،
والتدخين والتناول المتكرر والمستمر للأطعمة طوال اليوم كما يحدث عند بعض
الناس، ولعل هذا الجانب من أهم العوامل التي تساعد المرضى المصابين بالسمنة
على التخفيف من حدة هذه المشكلة، حيث يشكو الكثير من المصابين بهذا الداء
من عدم المقدرة على مقاومة الطعام وضعف التحمل وضبط النفس عند وجوده، فيكون
الصيام بذلك دافعا لهم على مقاومة النفس ودفع هواها تجاه شهوة الطعام. (6)
كما ان آداب الصيام
وأخلاقه تلزم المسلم الصائم بالابتعاد عن كل مظاهر الغضب والانفعال، عملا
بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث
ولا يصخب، فان سابه أحد أو شاتمه فليقل: اللهم إني صائم" متفق عليه، وهذا
السلوك الأخلاقي على درجة عالية من الأهمية لأي إنسان، وخاصة لدى المرضى
المصابين بمرض السكري غير المعتمد على الأنسولين، وذلك ان الانفعال والضغط
النفسي لدى هذه الفئة من المرضى لهما آثار سلبية على صحتهم، حيث يعمل
الانفعال والغضب على زيادة محتوى السكر في الدم نتيجة لإفراز هرمون
الانفعال "الكاتيكولامين"، وبالتالي فان اي عامل مهدئ للأعصاب كالاسترخاء
أو غيره سيعمل على التخفيف من حدة الزيادة في سكر الدم، لهذا فان المرضى
المصابين بالسكري غير المعتمد على الأنسولين ينصحون بالصيام كوسيلة لتخفيف
محتوى السكر في الدم، بينما يمنع المرضى المصابين بالسكري المعتمد على
الأنسولين من الصيام بسبب التغيرات الطفيفة التي تطرأ على محتوى الدم من
هرمون الأنسولين المسؤول عن تنظيم السكر في الدم.(6)
وكما أشرنا مسبقا،
فان للعبادات البدنية كالقيام في شهر رمضان دورا في تنظيم عمليات هضم
وتمثيل الغذاء وفي زيادة صرف الطاقة، وذلك ان الصلاة يتم فيها استعمال
وتحريك معظم الأعضاء والعضلات في جسم الإنسان، وهي تصنف من ضمن الأعمال
خفيفة النشاط فيما يتعلق بالطاقة المصروفة.
الاستنتاجات
وفي النهاية يمكننا
أن نستخلص أبرز الأسباب التي تجعل من الصيام وسيلة فاعلة للمحافظة على صحة
الجسم وحيويته:
1. أن الصيام في الإسلام يعمل على إراحة أجهزة الجسم، وخاصة الجهاز
العصبي والجهاز الهضمي بعد فترات عمل طويلة، مما يعمل على تقويتها وزيادة
كفاءتها، كما انه يعمل على إعادة عمليات الأيض الى وضعها ومساراتها
الطبيعية
2. ان صيام رمضان والصيام المشروع في غيره من الأيام يعتبر وسيلة
بطيئة ولكن أكيدة لتقليل وزن الجسم، دون إحداث أية آثار أو أضرار جانبية
نتيجة للصوم، كما يحدث في حالات الصوم الكامل والتجويع المستعملة في الغرب
للتخفيف من آثار الوزن الزائد، حيث تترافق هذه العمليات مع ارتفاع نسبة
الأجسام الكيتونية في الدم.
3. ان صيام رمضان والمداومة على عملية الصوم خلال السنة يجنب
المسلم الاصابة بمرض السمنة او زيادة الوزن، ويحميه من جميع المضاعفات
والأمراض الخطيرة الناتجة عن السمنة مثل تصلب الشرايين وأمراض القلب
والسكري وأمراض الكلى والمرارة وارتفاع ضغط الدم والنقرس.
4. ان الصيام في الإسلام يعتبر وسيلة فاعلة للتخلص من العادات
السيئة وخاصة التغذوية التي تؤثر سلبا على الحالة الصحية والتغذوية.
فالصيام أشبه ما يكون بدورة طبية مجانية يتلقاها المسلم كل عام مرة، فيعمل
على صيانة أجهزة الجسم والمحافظة عليها. والصيام ما هو الا آية من آيات
الله الدالة على وحدانيته وقدرته، وقد أحسن من قال: " وفي كل شيء له آية
تدل على انه واحد" وهو دليل على صدق نبوءة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي قال قبل أربعة عشر قرنا: "صوموا تصحوا".
تم
بحمد الله وعونه
معز الإسلام عزت فارس
جعل الله عز وجل
صيام رمضان فريضة يتعين على كل مسلم بالغ عاقل أن يؤديها، وقد أبان الشارع
الحكيم عظم الفوائد التي ينطوي عليها صيام رمضان، فقد قال عز من قائل: (
وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) وهذه الخيرية الواردة في الآية
الكريمة لا تقتصر فقط على الجانب الروحي والنفسي فحسب، بل وعلى الجانب
الجسمي والحيوي، بحيث يكون صيام رمضان نشاطا روحيا وجسميا يرتقي بالإنسان
جسما وروحا. وفي هذه العجالة، سنحاول أن نلقي الضوء على بعض التغيرات
الوظيفية والحيوية التي تحدث خلال شهر رمضان الفضيل.
التأثيرات الحيوية والفسيولوجية لصيام رمضان
لقد أثار صيام شهر
رمضان عند المسلمين اهتمام وعناية العديد من الباحثين، الذين رأوا أن في
صيام رمضان تغييرا في السلوك التغذوي والمعيشي خلال فترة زمنية محددة تصل
إلى 29- 30 يوما، وفي فترة زمنية يومية تصل إلى 17 ساعة، الأمر الذي يترتب
عليه إحداث تغييرات فسيولوجية وحيوية في جسم الإنسان بسبب طول وانتظام فترة
الصيام، حيث تظهر هذه التغيرات في القياسات الفيزيائية للجسم
(الأنثروبومترية) ومن أهمها وزن الجسم، وفي مكونات الدم ومن أهمها سكر الدم
(الجلوكوز) والدهون وحمض البول.
أولا: القياسات الفيزيائية للجسم (الأنثروبومترية) أو
(القياسات الجسمية):-
الوزن: تشير الدراسات التي
أجريت على مجموعات من الصائمين أن وزن الجسم قد تغير في نهاية شهر رمضان
على شكل زيادة أو نقصان في الوزن مقارنة مع ما كان عليه الحال قبل الشهر أو
بعده، بنسبة تصل إلى -3.6 % و +2.4 % كمعدل للنقصان والزيادة على التوالي.
ومن الأسباب التي يعتقد أنها تؤدي إلى زيادة الوزن تناول كميات كبيرة من
الحلويات الغنية بالدهون والسكريات خلال فترة الإفطار، بالإضافة إلى
الإفراط في تناول الطعام بعد فترة الصيام، كما تعزى هذه الزيادة إلى بعض
الممارسات الخاطئة لدى بعض الصائمين والمتمثلة بكثرة النوم والجلوس وقلة
العمل، خلافا لما يجب أن يكون عليه حال المسلم من العمل والعبادة خلال
الشهر الكريم.
أما نقصان الوزن
وهو ما أشارت إليه معظم الدراسات، ونسبته اكبر من نسبة الزيادة في الوزن
(-3.6 إلى + 2.5 %)، فهو يختلف أيضا باختلاف الوزن الأصلي والجنس وطبيعة
العمل والممارسات الغذائية، فمن خلال الدراسة التي أجراها الأستاذ الدكتور
حامد التكروري (2) والتي أجريت على ثلاث مجموعات مختلفة الوزن:
* مجموعة مفرطي الوزن
* مجموعة المقارنة (ذوي الوزن الطبيعي)
* مجموعة ناقصي الوزن
أظهرت النتائج أن
نسبة الانخفاض في الوزن كانت للمجموعة الأولى (مجموعة مفرطي الوزن) اكبر من
نسبة الانخفاض في المجموعات الأخرى ( 2.62 كغم للمجموعة الأولى، 2 كغم
للمجموعة الثانية، و 0.64 للمجموعة الثالثة)، وقد عزى الباحث ذلك التباين
في نسبة الفاقد من الوزن إلى عوامل عدة، منها:
* أن معدل التمثيل الأساسي، وهو أحد مقاييس الطاقة في جسم الإنسان،
يكون أعلى في حالات الوزن الزائد عما هو عليه في حالات الوزن الطبيعي
والوزن المنخفض.
* أن عمليات الاستقلاب للبروتين داخل الجسم تكون أعلى عند مفرطي
الوزن ممن سواهم.
* أن الأفراد المصابين بزيادة الوزن يستهلكون الطاقة المخزونة في
الجسم ( على شكل أنسجة دهنية غالبا) بدرجة أكبر مما عند الأفراد الطبيعيين،
وهذا بدوره يجعل كمية الوزن المفقود اكبر في نهاية شهر الصوم للأفراد
زائدي الوزن عن الأفراد الآخرين.
* أن هذا الاختلاف في الوزن المفقود يفيد أكثر ما يفيد الأفراد
المصابين بالسمنة وزيادة الوزن حيث يساعدهم ذلك على التخلص من الوزن
الزائد، وبالتالي التخفيف من حدة مرض السمنة والتقليل من خطر الإصابة
بالأمراض المرتبطة به مثل أمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم والسكري
وأمراض الكلى والمرارة والنقرس وغيرها من الأمراض الخطيرة الملازمة لمرض
السمنة، وقد أكدت دراسة علمية نشرت في عام 1993 أن إنقاص الوزن بمقدار 4.5
كغم كان كافيا لخفض ضغط الدم عند المصابين بارتفاع ضعيف اومتوسط في الضغط
إلى المستوى الطبيعي (3).
كما أظهرت الدراسة
أن معظم النقصان الذي طرأ على وزن الجسم قد حدث في النصف الأول من شهر
رمضان، حيث كانت نسبة النقصان في النصف الأول 67% و 70 % من الوزن الكلي
المفقود للمجموعتين الأولى والثانية على التوالي، وتشير بعض الدراسات إلى
أن معدل الفقد في الوزن خلال النصف الأول من الشهر تراوح ما بين 56% و 81 %
(1) وسوف نأتي لاحقا على ذكر العامل المسبب لذلك.
وقد بينت الدراسة
أن الانخفاض في وزن الجسم يتباين تبعا للجنس، حيث كان الانخفاض في الوزن
عند الصائمين الذكور أعلى منه عند الإناث، بمقدار 0.34 كغم، أي بنسبة 18.18
% لصالح الذكور، وهذا الامر يتغير تبعا للطبيعة المعيشية والاجتماعية
لأفراد المجتمع، فقد أظهرت دراسة أجريت في ماليزيا على مجموعة من النساء
الماليزيات المسلمات أن نسبة الفقد في الوزن كانت عند النساء أكثر منها عند
الرجال. (4)(1)
ويمكن تفسير هذا
التغير في الوزن إلى أسباب أهمها:
* نقص الطاقة الغذائية المتناولة:(1) وهي أهم عامل في نقصان وزن جسم الصائم، إذ أن كمية
السعرات الحرارية المتناولة يوميا خلال فترة الإفطار تحدد نسبة الفقد في
الوزن، ففي إحدى الدراسات، انخفض معدل وزن الجسم لمجموعة من الصائمين إلى
3.6% من وزنهم قبل شهر الصوم، وذلك لانخفاض مقدار السعرات الحرارية اليومية
المتناولة بنسبة 22.4% مقارنة مع فترة ما قبل الصوم. ومن المعروف أن بعض
الصائمين قد يزداد وزنهم مع نهاية شهر رمضان بسبب تناولهم كميات من السعرات
الحرارية تفوق حاجة أجسامهم، خاصة وأن شهر رمضان يتميز بتنوع وكثرة أصناف
الطعام في وجبتي الإفطار والسحور.
* نقص السوائل: تشير
إحدى الدراسات التي أجريت على مجموعة من الصائمين أن معدل تناول الماء
والسوائل قد انخفض خلال شهر رمضان بشكل كبير عما كان عليه الحال قبل شهر
الصيام، حيث انخفض معدل تناول السوائل من 3.9 لتر / اليوم إلى 2.25 - 2.50
لتر/اليوم خلال الشهر، (5)،(1) ويؤدي هذا الانخفاض في كمية السوائل
المتناولة إلى تغيير في التوزيع الطبيعي للسوائل داخل الجسم أو ما يسمى
بتوازن السوائل، والذي يتركز في الأسبوعين الأولين من شهر رمضان، ويستمر
حتى بداية الأسبوع الثالث من الصيام حيث يتم تعديل هذا الخلل أو الاضطراب
(الناشئ عن الفقد المفاجئ للسوائل داخل الجسم) خلال الأسبوع الثالث، وذلك
من خلال عدد من الآليات التي يقوم بها الجسم للحفاظ على محتوى وتوازن
السوائل داخله، (5) مثل تقليل كمية البول وزيادة تركيزه من خلال زيادة
امتصاص أملاح الصوديوم داخل الكلى، وتقليل فترة التبول في كل مرة، وذلك
للحد من التأثير السلبي لنقص السوائل المتناولة. وبالرغم من التأثير السلبي
لاختلال توازن السوائل داخل الجسم (بسبب انخفاض كمية السوائل المتناولة
والتبول)، إلا أن له جانب صحي ايجابي، حيث يعتقد انه مسبب أساسي ورئيسي
لنقصان الوزن خلال تلك الفترة (وهي النصف الأول من رمضان)، فقد أثبتت
العديد من الدراسات أن نقص الوزن خلال تلك الفترة يعزى أساسا إلى هذا
العامل، كما أن لدرجة حرارة ورطوبة الجو ودرجة الجهد البدني المبذول من قبل
الصائم دورا هاما في تحديد درجة جفاف الجسم خلال الصيام (1)،(5).
* الطاقة المصروفة: ويتم
هذا من خلال الجهد البدني المبذول في انجاز الأعمال اليومية، إذ تزداد
نسبة الوزن المفقود في نهاية الشهر بزيادة الطاقة المصروفة، حيث تترافق
الزيادة في الجهد مع استهلاك كميات أضافية من الطاقة المخزونة في الجسم
(والتي تكون أساسا على شكل أنسجة دهنية). ففي الدراسة التي أجريت في
ماليزيا تبين أن النسوة اللاتي شاركن في الدراسة فقدن وزنا أكثر خلال شهر
رمضان بالرغم من أنهن كن يتناولن سعرات حرارية أكثر من الذكور خلال الشهر،
والسبب في ذلك أن هؤلاء النسوة كن يقمن بأعمال المنزل خلال ساعات النهار،
بينما تمتع الرجال بفترة راحة أطول خلال فترة الصيام (4). ومن المعلوم أن
شهر رمضان يتسم بنمط مميز من العبادات البدنية كقيام الليل وصلاة التراويح،
والتي تتطلب بذل مجهود بدني إضافي، وهو ما يؤدي إلى صرف المزيد من الطاقة
التي حصل عليها الجسم من وجبة الإفطار، الأمر الذي سيعمل على الحد من
الزيادة في الوزن بسبب تخزين هذه الطاقة في الجسم، كما أن توقيت هذه
العبادة، بعد الإفطار بساعة تقريبا، يساعد على هضم هذه الأطعمة وتنظيم
عمليات التمثيل للعناصر الغذائية بشكل أفضل (6).
وفيما يتعلق بتأثير
صيام رمضان على وزن الأطفال حديثي الولادة، فقد أثبتت الدراسات التي أجريت
على النساء الحوامل واللاتي يمارسن فريضة الصيام انه ليس لصيام شهر رمضان
أي تأثير سلبي على معدل وزن الأطفال حديثي الولادة، وبغض النظر عن فترة
الحمل التي حدث خلالها الصيام، بل إن بعض الدراسات التي أجريت على هذه
الفئة من الأطفال أظهرت أن معدل الوزن لهذه الفئة كان أكبر عند الأمهات
اللواتي مارسن فريضة الصيام خلال فترة حملهن منه عند الأمهات اللواتي لم
يمارسن هذه الفريضة (1).
ويمكننا أن نستنتج
مما سبق أنه وبالرغم من كل الممارسات الخاطئة المتبعة خلال شهر رمضان
المبارك، فيما يتعلق بالسلوك التغذوي والمعيشي، إلا أن شهر رمضان كان له
الأثر الواضح في التقليل من وزن الجسم والمحافظة عليه من الآثار المدمرة
للوزن الزائد والسمنة، ولنا أن نتصور كيف سيكون عليه حال الصائم لو حافظ
على آداب الصيام وسننه وحرص على تطبيق أهدافه وفلسفته، فعندها ستكون
النتائج أعظم والفوائد أعم وأشمل (2).
ثانيا: التغير في محتويات الدم
1.
كولسترول الدم وبروتينات الدم الدهنية: أشارت معظم الدراسات التي أجريت
على الصائمين أنه لوحظ ارتفاع طفيف في محتوى الدم من الكوليسترول الكلي في
نهاية شهر رمضان، وقد نسبت الزيادة إلى عاملين أساسيين:
* السبب الغذائي، حيث أصبح من المعروف أن شهر رمضان يترافقه تنوع
الأطباق المتناولة من الطعام وزيادة تناول الدهون والسكريات خلال فترة
الإفطار وبالأخص عند وجبة الإفطار الرئيسية وبدرجة اقل عند وجبة السحور،
وقد أشارت الدراسة التي أجريت على عينة من طلبة جامعة حلب في سوريا خلال
شهر رمضان أن معدلات الكوليسترول قد انخفضت في النصف الأول من شهر الصوم
حينما تناول الطلبة طعاما قليل الدهن ( 8.8 % من مجموع الطاقة اليومية)،
وارتفعت هذه المعدلات حينما تناول الطلبة طعاما غنيا بالدهون خلال وجبتي
الإفطار والسحور (51.2 % من مجموع الطاقة اليومية) في النصف الثاني من شهر
الصيام.
* لقد اجمع عدد من الباحثين في نتائجهم
لبحوث أجريت على أصحاء ومرضى على انه كلما ازداد عدد وجبات الطعام
المتناولة في اليوم الواحد كلما انخفض مستوى الكوليسترول في الدم، وكلما
نقص عدد وجبات الطعام كلما ارتفعت نسبة الكوليسترول، علما بأنه في الحالتين
كانت السعرات الحرارية ثابتة من حيث كميتها، وهذه النتائج قد تفسر الاتجاه
إلى الارتفاع في محتوى الدم من الكوليسترول عند الصائمين، ذلك لأنهم في
الغالب يعتمدون على وجبة رئيسية واحدة وهي وجبة الإفطار، وتليها وجبة
السحور، ومن هنا يمكننا أن نستنتج الأهمية الصحية والطبية لوجبة السحور،
فبالإضافة إلى أنها تقوي الصائم وتعينه على ممارسة أعماله خلال النهار،
فإنها تساعد على التقليل من حجم الزيادة في محتوى الدم من الكوليسترول
والذي قد تؤدي زيادته بشكل كبير إلى بعض الآثار الجانبية والسلبية على
الصحة، وخاصة على صحة وسلامة القلب والشرايين، وهذا مصداق لما أخبرنا عنه
المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: "تسحروا فان في السحور بركة". وفيما
يتعلق بالبروتينات الدهنية، فهي تنقسم إلى نوعين رئيسيين: البروتينات
الدهنية عالية الكثافة وهي مصدر للكوليسترول النافع، والبروتينات الدهنية
منخفضة الكثافة وهي كذلك مصدر لما يسمى بالكوليسترول الضار (10).
فقد أظهرت إحدى الدراسات والتي أجراها خمايسة ورفاقه، أنه قد طرأ
ارتفاع كبير وملحوظ على محتوى الدم من الكوليسترول النافع وبنسبة تصل الى
31.9 % مقارنة مع محتوى الدم لهذا النوع من الدهون بعد شهر من انتهاء شهر
رمضان (بناء على أن الجسم يرجع الى وضعه الطبيعي الذي كان عليه قبل الصيام
بعد مرور شهر على صوم رمضان)، لأن كل التغيرات تزول بعد شهر واحد، ما عدا
وزن الجسم، وهذا بدوره سيعمل على تقليل نسبة الكوليسترول الكلي الى
الكوليسترول النافع وتقليل نسبة النوع الضار الى المفيد في الدم ومن
المعروف من الناحية الطبية أنه كلما انخفضت تلك النسب فان ذلك سيقلل من
الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين، لما للنوع النافع من دور في إزالة
الكوليسترول الضار المترسب على جدار الأوعية الدموية ونقله الى الكبد
لتمثيله هناك (11).
2. الجليسيريدات
الثلاثية: أظهرت العديد من الدراسات ان معدلات الجليسيريدات الثلاثية في
الدم تميل الى الانخفاض بشكل طفيف خلال شهر رمضان كما أظهرت دراسات أخرى ان
معدلات الجليسيريدات الثلاثية قد زادت خلال هذه الفترة ويرجع هذا التغير
بشكل أساسي الى محتوى الأغذية المتناولة خلال فترة الافطار من المواد
السكرية والنشوية (الكربوهيدرات) حيث ان الزيادة في تناول الأغذية الغنية
بهذه المغذيات يرتبط بشكل وثيق مع الزيادة في محتوى الدم من هذا النوع من
الدهون ولكن وبسبب انخفاض محتوى الطاقة المتناولة خلال شهر رمضان سواء من
المصادر الكربوهيدراتية او الدهينة بالنسبة لما قبل شهر الصوم فان معدلات
الجليسيريدات الثلاثية تميل الى الانخفاض مع نهاية الشهر ومن الأدلة على
ذلك انخفاض معدلات الأوزان بشكل عام خلال هذا الشهر (كما اشرنا الى ذلك
سابقاً) والتي تعكس انخفاضاً في محتوى الطاقة المأخوذة الأمر الذي سيقلل
حتماَ من محتوى الدم من هذه الدهون (1) (6) (7).
3. التغيرات في
محتوى الدم من سكر الجلوكوز: لاحظ الباحثون الذين اجروا فحوصات على محتوى
الدم من سكر الجلوكوز ان مستوى هذا السكر يميل الى التغير بشكل طفيف وغير
ملحوظ خلال شهر رمضان سواء بالزيادة او النقصان وذلك تبعا لطبيعة الأغذية
المتناولة خلال فترة الافطار وخاصة فيما يتعلق بمحتوى الاغذية من الدهون
والسكريات فقد لاحظ احد الباحثين ان محتوى الاغذية من الكربوهيدرات والدهون
تأثيرا ايجابياً وسلبياً على التوالي لكل منها فيما يتعلق بمحتوى الدم من
سكر الجلوكوز (1) (6) (9).
4. التغير في محتوى
الدم من حمض البول: يحاول بعض المغرضين في الغرب الإيحاء بأن الصيام قد
يؤدي الى جفاف الجسم واضطراب محتوى الدم من الأملاح المعدنية وارتفاع نسبة
حامض البول فيه. الدم وفي الحقيقة فقد لوحظ ان هنالك ارتفاعاً ملحوظاً في
محتوى الدم من حامض البول في نهاية شهر رمضان حيث وصل هذا الارتفاع الى 38%
(1) عن المحتوى الأصلي كما في بعض الدراسات وفي المقابل أثبتت بعض الأبحاث
الرصينة التي أجريت على عينات من الصائمين ان محتوى الدم من حاض البول لم
يتغير خلال فترة الصيام، كما أشارت دراسة أخرى الى ان حاض البول قد انخفض
خلال الأسبوعين الأولين من الصيام الا انه ازداد زيادة طفيفة في الأسبوعين
الأخيرين (3)، وبالرغم من حصول ارتفاع في محتوى الدم من هذا الحامض الا ان
هذه الزيادة لا ترقى الى الحد الذي تسبب فيه إعراضا مرضية كداء النقرس او
مايعرف بداء الملوك. والسبب في ذلك ان هذه الزيادة تحدث مرة واحدة في السنة
خلال فترة مؤقتة وتزول مباشرة بعد انتهاء شهر رمضان ولا ندري فقد تكون
لهذه الزيادة فوائد صحية وطبية لم يشأ الله عز وجل ان يظهرها على أهل العلم
والاختصاص ونبقى نحتكم الى أصل عظيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه الا وهو قول الحق جل وعلا (وان تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون)
وقد لاحظ الباحثون
في إحدى الدراسات أن تناول غذاء غني بالدهون أحادية اللااشباع، مثل زيت
الزيتون، خلال شهر رمضان قد منع حدوث ارتفاع في مستوى حمض البول، والذي
يعتمد في زيادته على محتوى الأغذية من الدهون المشبعة، (3) وبهذا فانه
يمكننا ان نقلل من الزيادة في هذا المركب من خلال تناول كميات إضافية من
زيت الزيتون والتقليل من تناول الاغذيةالغنية بالدهون المشبعة ومصادر
البيورينيات والبيرميدينات (والتي ينتهي تمثيلها بتكوين "حمض البول" في
وجبات الافطار والسحور).
التأثيرات النفسية للصيام وانعكاساتها على الحالة الصحية
والتغذوية للصائم:
ان المتأمل في
فلسفة الصيام وغايته يجد ان عملية الصيام لا تعدو عن كونها عملية تربوية
تتم فيها تربية النفس وتهذيبها والارتقاء بها عن الولوغ والإغراق في إشباع
الغرائز والرغبات، فيصبح الإنسان قادرا على تجنب أي أمر يتبين له ضرره أو
أذاه، لذلك كان صيام رمضان أفضل وسيلة للتخلص من العادات السيئة، التغذوية
وغير التغذوية، مثل الإدمان على شرب الشاي والقهوة والمشروبات الغازية،
والتدخين والتناول المتكرر والمستمر للأطعمة طوال اليوم كما يحدث عند بعض
الناس، ولعل هذا الجانب من أهم العوامل التي تساعد المرضى المصابين بالسمنة
على التخفيف من حدة هذه المشكلة، حيث يشكو الكثير من المصابين بهذا الداء
من عدم المقدرة على مقاومة الطعام وضعف التحمل وضبط النفس عند وجوده، فيكون
الصيام بذلك دافعا لهم على مقاومة النفس ودفع هواها تجاه شهوة الطعام. (6)
كما ان آداب الصيام
وأخلاقه تلزم المسلم الصائم بالابتعاد عن كل مظاهر الغضب والانفعال، عملا
بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث
ولا يصخب، فان سابه أحد أو شاتمه فليقل: اللهم إني صائم" متفق عليه، وهذا
السلوك الأخلاقي على درجة عالية من الأهمية لأي إنسان، وخاصة لدى المرضى
المصابين بمرض السكري غير المعتمد على الأنسولين، وذلك ان الانفعال والضغط
النفسي لدى هذه الفئة من المرضى لهما آثار سلبية على صحتهم، حيث يعمل
الانفعال والغضب على زيادة محتوى السكر في الدم نتيجة لإفراز هرمون
الانفعال "الكاتيكولامين"، وبالتالي فان اي عامل مهدئ للأعصاب كالاسترخاء
أو غيره سيعمل على التخفيف من حدة الزيادة في سكر الدم، لهذا فان المرضى
المصابين بالسكري غير المعتمد على الأنسولين ينصحون بالصيام كوسيلة لتخفيف
محتوى السكر في الدم، بينما يمنع المرضى المصابين بالسكري المعتمد على
الأنسولين من الصيام بسبب التغيرات الطفيفة التي تطرأ على محتوى الدم من
هرمون الأنسولين المسؤول عن تنظيم السكر في الدم.(6)
وكما أشرنا مسبقا،
فان للعبادات البدنية كالقيام في شهر رمضان دورا في تنظيم عمليات هضم
وتمثيل الغذاء وفي زيادة صرف الطاقة، وذلك ان الصلاة يتم فيها استعمال
وتحريك معظم الأعضاء والعضلات في جسم الإنسان، وهي تصنف من ضمن الأعمال
خفيفة النشاط فيما يتعلق بالطاقة المصروفة.
الاستنتاجات
وفي النهاية يمكننا
أن نستخلص أبرز الأسباب التي تجعل من الصيام وسيلة فاعلة للمحافظة على صحة
الجسم وحيويته:
1. أن الصيام في الإسلام يعمل على إراحة أجهزة الجسم، وخاصة الجهاز
العصبي والجهاز الهضمي بعد فترات عمل طويلة، مما يعمل على تقويتها وزيادة
كفاءتها، كما انه يعمل على إعادة عمليات الأيض الى وضعها ومساراتها
الطبيعية
2. ان صيام رمضان والصيام المشروع في غيره من الأيام يعتبر وسيلة
بطيئة ولكن أكيدة لتقليل وزن الجسم، دون إحداث أية آثار أو أضرار جانبية
نتيجة للصوم، كما يحدث في حالات الصوم الكامل والتجويع المستعملة في الغرب
للتخفيف من آثار الوزن الزائد، حيث تترافق هذه العمليات مع ارتفاع نسبة
الأجسام الكيتونية في الدم.
3. ان صيام رمضان والمداومة على عملية الصوم خلال السنة يجنب
المسلم الاصابة بمرض السمنة او زيادة الوزن، ويحميه من جميع المضاعفات
والأمراض الخطيرة الناتجة عن السمنة مثل تصلب الشرايين وأمراض القلب
والسكري وأمراض الكلى والمرارة وارتفاع ضغط الدم والنقرس.
4. ان الصيام في الإسلام يعتبر وسيلة فاعلة للتخلص من العادات
السيئة وخاصة التغذوية التي تؤثر سلبا على الحالة الصحية والتغذوية.
فالصيام أشبه ما يكون بدورة طبية مجانية يتلقاها المسلم كل عام مرة، فيعمل
على صيانة أجهزة الجسم والمحافظة عليها. والصيام ما هو الا آية من آيات
الله الدالة على وحدانيته وقدرته، وقد أحسن من قال: " وفي كل شيء له آية
تدل على انه واحد" وهو دليل على صدق نبوءة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي قال قبل أربعة عشر قرنا: "صوموا تصحوا".
تم
بحمد الله وعونه
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى