رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بقلم: الشيخ حجازي إبراهيم
وقعت في العشر
الأخير من رمضان سنة 658هـ؛ وذلك أن الملك المظفر قطز صاحب مصر لمَّا بلغه
أن التتار قد فعلوا بالشام ما تشيب منه الولدان من قتلٍ ونهبٍ للبلاد كلها
حتى وصلوا إلى غزة وقد عزموا على دخول مصر، بادرهم قبل أن يبادروه، وبرز
إليهم وأقدم عليهم قبل أن يقدموا عليه، فخرج في عساكره وقد اجتمعت الكلمة
عليه حتى انتهى إلى الشام واستيقظ له عسكر المغول وعليهم كتبغانوين، وكان
إذ ذاك في البقاع، فاستشار الأشرف صاحب حمص والمجير ابن الزكي، فأشاروا
عليه بأنه لا قِبل له بالمظفر حتى يستمد هولاكو، فأبى إلا أن يناجزه
سريعًا، فسار إليه وسار المظفر إليهم، فكان اجتماعهم على عين جالوت يوم
الجمعة الخامس والعشرين من رمضان، فاقتتلوا قتالاً عظيمًا فكانت النصرة
ولله الحمد للإسلام وأهله، وهزمهم المسلمون هزيمة هائلة، وقتل أمير المغول
وجماعة من بيته.
واتبع الأمير بيبرس
البندقداري وجماعة من الشجعان التتار يقتلونهم في كل مكان، إلى أن وصلوا
خلفهم إلى حلب، وهرب من بدمشق منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان،
فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم ويستفكون الأسارى من أيديهم، وجاءت
بذلك البشارة ولله الحمد على جبره إياهم بلطفه فجاوبتها دق البشائر من
القلعة، وفَرَحُ المؤمنين بنصر الله فرحًا شديدًا، وأيد الله الإسلام وأهله
تأييدًا وكبت الله النصارى واليهود والمنافقين، وظهر دين الله وهم كارهون،
فتبادر عند ذلك المسلمون إلى كنيسة النصارى التي خرج منها الصليب،
فانتهبوا ما فيها وأحرقوها، وألقوا النار فيما حولها، فاحترق دور كثيرة إلى
النصارى، وملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا، وأحرق بعض كنيسة اليعاقبة، وهمت
طائفة بنهب اليهود، فقيل لهم: إنه لم يكن منهم من الطغيان، كما كان من
عبدة الصلبان، وقتلت العامة وسط الجامع شيخًا رافضيًّا كان مصانعًا للتتار
على أموال الناس، يقال له الفخر محمد بن يوسف بن محمد الكنجي، كان خبيث
الطوية مشرقيًّا ممالئًا لهم على أموال المسلمين قبحه الله، وقتلوا جماعة
مثله من المنافقين: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام: 45) (*).
الدروس والعبر
هذه نُبذة عن هذه
المعركة اقتطفتها من البداية والنهاية لابن كثير بتصرف، لنرى من خلالها أن
النصر يتجدد للمسلمين في هذا الشهر المبارك، ونحاول أن نتلمس من طياتها بعض
الدروس والعبر التي تكون زادًا للمؤمنين، ومن أهمها:
1- أن أعداء الإسلام
لا يكفون عن محاربته ومناوأته كلما سنحت لهم الفرصة، وأنهم مهما بدت منهم
المودة فإن قلوبهم تنطوي على البغضاء التي تظهر من الحين إلى الحين، وعلى
المسلم ألا يغفل عما أخبر به الله في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا
بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ
قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ
أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)
هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ﴾ (آل
عمران).
2- أن غايتهم من حرب
المسلمين تتلخص فيما أخبر به ربنا: ﴿وَلا
يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ
اسْتَطَاعُوا﴾ (البقرة: من الآية 217)، وأنهم لن يرضوا عن المسلمين
إلا إذا تحقق لهم ما أخبر به ربنا في قوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى
حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى
وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ
مَا لَكَ مِنْ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ (البقرة: 120).
3 - إن أعداء
الإسلام والمسلمين لا يتحركون لمحاربته إلا في ظل تفرق المسلمين وتشرذمهم
وتخاذلهم عن نصرة بعضهم البعض، ولعل هذا هو السر في أن أعداد الإسلام في
العصر الحديث حرصوا على أن يقسِّموا العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة،
وأقاموا بينها مشاكل معقدة على الحدود لتكون مثار العداوة والبغضاء فيما
بينها، وليشعلوا من خلالها الحروب متى أحسُّوا خطرًا من أية دولة عليهم،
وليس ببعيد عنا ولا خفيّ علينا الحروب التي استعرت بسبب ذلك.
4- المسلم لا ييأس
مهما استشرى الباطل واستأسد؛ ليقينه أن الباطل زاهق والحق باقٍ وثابت، وأن
صولة الكفر زبد لا يلبث أن يذهب جُفاءً، وأن الإسلام هو النافع للناس
الماكث في الأرض إلى قيام الساعة: ﴿كَذَلِكَ
يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ
جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾
(الرعد: من الآية 17) وصدق الله: ﴿بَلْ
نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾
(الأنبياء: من الآية 18).
5- حين يقيِّض الله
للمسلمين قائدًا تجتمع حوله كلمتهم، وتتوحد صفوفهم، ويقودهم لميدان الجهاد،
ومنازلة الأعداء، فإن الرعب يدب في قلوب الأعداء ويتحقق النصر للمسلمين
بقليل من العدد والعتاد، والقائد الصادق صاحب الهمة العالية يتحقق فيه قول
القائل: "رجل ذو همة يحيي الله به أمة" وقد أحيا الله بالمظفر قطز الأمة
فقهرت التتار الذين أتوا على الأخضر واليابس ولم يرقبوا في مؤمن إلاًّ ولا
ذمة.
6- تأمل مسلك
المسلمين العادل تجاه من يساكنونهم ممن ليسوا على ملتهم؛ إنهم لم يأتوا إلا
على الكنيسة التي ناصرت الأعداء، وخرج منها صليب الأعداء وما جاورها،
وسلمت ما سواها من الكنائس، ولو كان غير المسلمين لما أبقوا على كنيسة،
وليس ببعيد عنا ما فُعل بمساجد المسلمين في الأندلس وفي روسيا وغيرها، وإن
ذلك ليذكِّر بما كان من المسلمين حين هدموا مسجد الضرار الذي بناه
المنافقون ليكون منه المنطلق للكيد للإسلام وحرب أهله.
7- وفي لحظة الغضب
العارم التي قد تدفع المسلم إلى أن يعمل على التخلص من كل من يُكِنُّ له
العداوة ويخشى منهم الأذى، نرى موقفهم من اليهود حين همَّ بعض المسلمين
بالتعرض لهم أو لأموالهم، فإنهم وجدوا من يذكِّرهم بأنهم لم يعاونوا التتر،
ولم يؤذوا أحدًا من المسلمين، فليس لنا أن نعتديَ عليهم، وفي المقابل نجد
أنهم قتلوا شيخًا منافقًا ساند التتر.
فهل في ذلك معتبر
لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؟!
وقعت في العشر
الأخير من رمضان سنة 658هـ؛ وذلك أن الملك المظفر قطز صاحب مصر لمَّا بلغه
أن التتار قد فعلوا بالشام ما تشيب منه الولدان من قتلٍ ونهبٍ للبلاد كلها
حتى وصلوا إلى غزة وقد عزموا على دخول مصر، بادرهم قبل أن يبادروه، وبرز
إليهم وأقدم عليهم قبل أن يقدموا عليه، فخرج في عساكره وقد اجتمعت الكلمة
عليه حتى انتهى إلى الشام واستيقظ له عسكر المغول وعليهم كتبغانوين، وكان
إذ ذاك في البقاع، فاستشار الأشرف صاحب حمص والمجير ابن الزكي، فأشاروا
عليه بأنه لا قِبل له بالمظفر حتى يستمد هولاكو، فأبى إلا أن يناجزه
سريعًا، فسار إليه وسار المظفر إليهم، فكان اجتماعهم على عين جالوت يوم
الجمعة الخامس والعشرين من رمضان، فاقتتلوا قتالاً عظيمًا فكانت النصرة
ولله الحمد للإسلام وأهله، وهزمهم المسلمون هزيمة هائلة، وقتل أمير المغول
وجماعة من بيته.
واتبع الأمير بيبرس
البندقداري وجماعة من الشجعان التتار يقتلونهم في كل مكان، إلى أن وصلوا
خلفهم إلى حلب، وهرب من بدمشق منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان،
فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم ويستفكون الأسارى من أيديهم، وجاءت
بذلك البشارة ولله الحمد على جبره إياهم بلطفه فجاوبتها دق البشائر من
القلعة، وفَرَحُ المؤمنين بنصر الله فرحًا شديدًا، وأيد الله الإسلام وأهله
تأييدًا وكبت الله النصارى واليهود والمنافقين، وظهر دين الله وهم كارهون،
فتبادر عند ذلك المسلمون إلى كنيسة النصارى التي خرج منها الصليب،
فانتهبوا ما فيها وأحرقوها، وألقوا النار فيما حولها، فاحترق دور كثيرة إلى
النصارى، وملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا، وأحرق بعض كنيسة اليعاقبة، وهمت
طائفة بنهب اليهود، فقيل لهم: إنه لم يكن منهم من الطغيان، كما كان من
عبدة الصلبان، وقتلت العامة وسط الجامع شيخًا رافضيًّا كان مصانعًا للتتار
على أموال الناس، يقال له الفخر محمد بن يوسف بن محمد الكنجي، كان خبيث
الطوية مشرقيًّا ممالئًا لهم على أموال المسلمين قبحه الله، وقتلوا جماعة
مثله من المنافقين: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام: 45) (*).
الدروس والعبر
هذه نُبذة عن هذه
المعركة اقتطفتها من البداية والنهاية لابن كثير بتصرف، لنرى من خلالها أن
النصر يتجدد للمسلمين في هذا الشهر المبارك، ونحاول أن نتلمس من طياتها بعض
الدروس والعبر التي تكون زادًا للمؤمنين، ومن أهمها:
1- أن أعداء الإسلام
لا يكفون عن محاربته ومناوأته كلما سنحت لهم الفرصة، وأنهم مهما بدت منهم
المودة فإن قلوبهم تنطوي على البغضاء التي تظهر من الحين إلى الحين، وعلى
المسلم ألا يغفل عما أخبر به الله في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا
بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ
قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ
أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)
هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ﴾ (آل
عمران).
2- أن غايتهم من حرب
المسلمين تتلخص فيما أخبر به ربنا: ﴿وَلا
يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ
اسْتَطَاعُوا﴾ (البقرة: من الآية 217)، وأنهم لن يرضوا عن المسلمين
إلا إذا تحقق لهم ما أخبر به ربنا في قوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى
حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى
وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ
مَا لَكَ مِنْ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ (البقرة: 120).
3 - إن أعداء
الإسلام والمسلمين لا يتحركون لمحاربته إلا في ظل تفرق المسلمين وتشرذمهم
وتخاذلهم عن نصرة بعضهم البعض، ولعل هذا هو السر في أن أعداد الإسلام في
العصر الحديث حرصوا على أن يقسِّموا العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة،
وأقاموا بينها مشاكل معقدة على الحدود لتكون مثار العداوة والبغضاء فيما
بينها، وليشعلوا من خلالها الحروب متى أحسُّوا خطرًا من أية دولة عليهم،
وليس ببعيد عنا ولا خفيّ علينا الحروب التي استعرت بسبب ذلك.
4- المسلم لا ييأس
مهما استشرى الباطل واستأسد؛ ليقينه أن الباطل زاهق والحق باقٍ وثابت، وأن
صولة الكفر زبد لا يلبث أن يذهب جُفاءً، وأن الإسلام هو النافع للناس
الماكث في الأرض إلى قيام الساعة: ﴿كَذَلِكَ
يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ
جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾
(الرعد: من الآية 17) وصدق الله: ﴿بَلْ
نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾
(الأنبياء: من الآية 18).
5- حين يقيِّض الله
للمسلمين قائدًا تجتمع حوله كلمتهم، وتتوحد صفوفهم، ويقودهم لميدان الجهاد،
ومنازلة الأعداء، فإن الرعب يدب في قلوب الأعداء ويتحقق النصر للمسلمين
بقليل من العدد والعتاد، والقائد الصادق صاحب الهمة العالية يتحقق فيه قول
القائل: "رجل ذو همة يحيي الله به أمة" وقد أحيا الله بالمظفر قطز الأمة
فقهرت التتار الذين أتوا على الأخضر واليابس ولم يرقبوا في مؤمن إلاًّ ولا
ذمة.
6- تأمل مسلك
المسلمين العادل تجاه من يساكنونهم ممن ليسوا على ملتهم؛ إنهم لم يأتوا إلا
على الكنيسة التي ناصرت الأعداء، وخرج منها صليب الأعداء وما جاورها،
وسلمت ما سواها من الكنائس، ولو كان غير المسلمين لما أبقوا على كنيسة،
وليس ببعيد عنا ما فُعل بمساجد المسلمين في الأندلس وفي روسيا وغيرها، وإن
ذلك ليذكِّر بما كان من المسلمين حين هدموا مسجد الضرار الذي بناه
المنافقون ليكون منه المنطلق للكيد للإسلام وحرب أهله.
7- وفي لحظة الغضب
العارم التي قد تدفع المسلم إلى أن يعمل على التخلص من كل من يُكِنُّ له
العداوة ويخشى منهم الأذى، نرى موقفهم من اليهود حين همَّ بعض المسلمين
بالتعرض لهم أو لأموالهم، فإنهم وجدوا من يذكِّرهم بأنهم لم يعاونوا التتر،
ولم يؤذوا أحدًا من المسلمين، فليس لنا أن نعتديَ عليهم، وفي المقابل نجد
أنهم قتلوا شيخًا منافقًا ساند التتر.
فهل في ذلك معتبر
لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؟!
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى