رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الكاتب : عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
من
عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين ، وفقني الله
وإياهم لاغتنام الخيرات، وجعلني وإياهم من المسارعين إلى الأعمال الصالحات
آمين .
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
أيها المسلمون
، لقد أظلكم شهر عظيم مبارك ، ألا وهو شهر رمضان ، شهر الصيام والقيام ،
شهر العتق والغفران ، شهر الصدقات والإحسان ، شهر تفتح فيه أبواب الجنات
وتضاعف فيه الحسنات وتقال فيه العثرات ، شهر تُجاب فيه الدعوات ، وترفع فيه
الدرجات ، وتغفر فيه السيئات ، شهر يجود فيه الله - سبحانه - على عباده
بأنواع الكرامات ، ويُجزِل فيه لأوليائه العطايات
، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام ، فصامه المصطفى - صلى الله عليه
وسلم - ، وأمر الناس بصيامه ، وأخبر - عليه الصلاة والسلام - أن من صامه
إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، ومن قامه
إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبـه ، شهر فيه ليلة خير من
ألف شهر من حُرم خيرها فقد حرم ، فاستقبلوه - رحمكم الله - بالفرح والسرور،
والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه ، والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة
فيه إلى التوبة النصوح من سائر الذنوب والسيئات والتناصح والتعاون على
البر والتقوى ، والتواصي بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى
كل خير ؛ لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم .
وفي الصيام فوائد كثيرة وحِكَم عظيمة :
منها
: تطهير النفوس ، وتهذيبها ، وتزكيتها من الأخلاق السيئة كالأشر والبطر
والبخل ، وتعويدها للأخلاق الكريمة ، كالصبر ، والحلم ، والجود ، والكرم ،
ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه .
ومن فوائد الصيام
: أنه يعرف العبد نفسه وحاجته ، وضعفه ، وفقره لربه ويذكره بعظيم نعم الله
عليه ، ويذكره – أيضاً- بحاجة إخوانه الفقراء ؛ فيوجب له ذلك شكر الله –
سبحانه- ، والاستعانة بنعمه على طاعته ، ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان
إليهم ، وقد أشار الله - سبحانه وتعالى- إلى هذه الفوائد في قوله - عز وجل-
: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم
لعلكم تتقون " فأوضح - سبحانه - أنه كَتَبَ علينا الصيام لنتقيه - سبحانه -
، فدلّ على أن الصيام وسيلة للتقوى ، والتقوى هي : طاعة الله ورسوله بفعل
ما أمر الله به ورسوله ، وترك ما نهى الله عنه
ورسوله ؛ عن الإخلاص لله - عز وجل - ومحبة ورغبة ورهبة ، وبذلك يتقي العبد
عذاب الله وغضبه ، فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى ، ووسيلة قوية إلى
التقوى في بقية شؤون الدين والدنيا ، وقد أشار النبي – صلى الله عليه وسلم –
إلى بعض فوائد الصوم في قوله – صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر الشباب :
من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرج ، ومن لم
يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء " فبين النبي – صلى الله عليه وسلم – أن
الصوم وِجَاء للصائم ، وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم
، والصوم يضيق تلك المجاري ، ويذكر بالله وعظمته ؛ فيضعف سلطان الشيطان ،
ويقوى سلطان الإيمان وتكثر به الطاعات من المؤمن ، وتقلّ به المعاصي .
وفي الصوم فوائد كثيرة
- غير ما تقدم - تظهر للمتأمل من ذوي البصيرة ، ومنها : أنه يطهر البدن من
الأخلاط الرديئة ، ويكسبه صحة وقوة ، وقد اعترف بذلك الكثير من الأطباء،
وعالجوا به كثيراً من الأمراض . وقد ورد في
فضله وفرضيته آيات وأحاديث كثيرة ، قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا
كُتِب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ، أياماً
معدودات " إلى أن قال الله - عز وجل - : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فمن شهد
منكم الشهر فليصمه ، ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ، يرد
الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما
هداكم ولعلكم تشكرون " .
وفي
الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسـول الله – صلى الله
عليه وسلم- : " بُني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن
محمداً رسول لله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء
الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت " وفي الصحيح عن أمير المؤمنين عمر ابن
الخطاب – رضي الله تعالى عنه – أن جبريل - عليه السلام – سأل النبي – عليه
الصلاة والسلام – عن الإسلام ؟ فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :
" أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ،
وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال : صدقت
، ثم قال : أخبرني عن الإيمان ، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -
: الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر
خيره وشره ، قال : أخبرني عن الإحسان ، قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن
لم تكن تراه فإنه يراك " وهذا حديث عظيم جليل ينبغي تأملّه وتعقّل معانيه .
وأخرج
الترمذي عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال : " قلت : يا رسول الله ،
أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني عن النار فقال : " لقد سألت عن عظيم ،
وإنه ليسير على من يسّره الله عليه ، تعبد الله ولا تشرك به
شيئاً ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت
إليه سبيلا " ثم قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ألا أدلُّك على أبواب
الخير : الصوم جُنّة ، والصدقة تُطْفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ،
وصلاة الرجل في جوف الليل " ثم تلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوله
تعالى : " تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعًا ومما رزقناهم
ينفقون ، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون " ثم
قال عليه الصلاة والسلام : " ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه "
قلت : بلى يا رسول الله . فقال : " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة
سنامه الجهاد في سبيل الله " ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أخبرك
بملاك ذلك كله ؟ قلت بلى يا رسول الله . قال : " كُفَّ عليك هذا وأشار إلى
لسانه " فقلت يا رسول : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " ثكِلَتْك أمك يا معاذ وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجهوهم ؟ أو قال : على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم "
أيها المسلمون : إن الصوم عمل صالح عظيم ، وثوابه جزيل ، ولا سيما
صوم رمضان فإنه الصوم الذي فرضه الله على عباده ، وجعله من أسباب الفوز
لديه ، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : "
كلُّ عملِ ابن آدم له ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئـة ضِعْف ، يقول
الله – عز وجل - : إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ، للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ، ولخَلُوفُ
فمِ الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " وفي الصحيحين عن النبي – صلى
الله عليه وسلم – أنه قال : " إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغُلَّقت
أبواب النار، وسُلسِلت الشياطين " وأخرج الترمذي وابن ماجه عن النبي – صلى
الله عليه وسلم – أنه قال: " إذا كان أول ليلة من رمضان صُفَّدت الشياطين
ومردة الجن ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وغلقت أبواب النار فلم
يفتح منها باب ، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ،
ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة " وجاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم –
أنه كان يُبَشَّر أصحابه بقدوم شهر رمضان ويقول لهم : " جاء شهر رمضان
بالبركات فمرحباً به من زائر وآت " وأخرج ابن خزيمة
عن سلمان الفارسي – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه
خطب الناس في آخر يوم من شعبان فقال : " أيها الناس : إنه قد أظلّكم شهر
عظيم مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله
تطوعاً ، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ،
ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر
والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة ، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن ..."
الحديث .
فيا معشر المسلمين اغتنموا هذا الشهر العظيم ، وعظموه - رحمكم الله - بأنواع العبادة والقربات
، وسارعوا فيه إلى الطاعات ، وهو شهر عظيم ، جعله الله ميداناً لعباده
يتسابقون إليه فيه بالطاعات ، ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات ، فأكْثِروا
فيه - رحمكم الله - من الصلوات والصدقات ، وقراءة القرآن ، والإحسان إلى
الفقراء والمساكين والأيتام ، وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان ، فتأسَّوا بنبيكم – صلى الله عليه
وسلم - ، واقتدوا به في مضاعفة الجود والإحسان
في شهر رمضان ، وأعينوا إخوانكم الفقراء على الصيام والقيام ، واحتسبوا
أجر ذلك عند الملِك العلاَّم ، واحفظوا صيامكم عما حرم الله عليكم من
الأوزار والآثام ، فقد صحّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال : " من
لم يدعْ قول الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ
في أن يدع طعامه وشرابه " وقال عليه الصلاة والسلام : " الصيام جُنَّة فإذا
كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق فإن امرؤ سابَّه أحد فليقل إني امرؤ
صائم " وجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ليس الصيام من الطعام
والشراب ، وإنما الصيام من اللغو والرفث " وقال جابر بن عبد الله الأنصاري –
رضي الله عنه – " إذا صمت ، فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ،
ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك
سواء " فينبغي للصائم الإكثار فيه من تلاوة القرآن بتدبر وتعقل ، والإكثار
من الصلوات والصدقات والذكر والاستغفار وسائر أنواع القربات
في الليل والنهار اغتناماً للزمان ، ورغبة في مضاعفة الحسنات ، ومرضاة
لفاطر الأرض والسماوات . ويجب على كل مسلم اجتناب ما يجرح الصوم ، وينقص
الأجر ، ويغضب الرب – عز وجل – من سائر المعاصي ؛ كالتهاون بالصلاة ،
والبخل بالزكاة ، وأكل الربا ، وأكل أموال اليتامى ، والظلم ، والسرقة
وعقوق الوالدين ، وقطعية الرحم ، والغيبة ، والنميمة ، والكذب ، وشهادة
الزور ، والدعاوى الباطلة ، والأيمان الكاذبة ، وحلق اللحى وتقصيرها وإطالة
الشوارب ، وسماع الأغاني ، وآلات الملاهي ، وتبرج النساء ، وعدم تستُّرهن
من الرجال ، والتشبه بنساء الكفرة في أزيائهن غير الساترة ، وغير ذلك - مما
نهى الله عنه ورسوله- ، وهذه المعاصي التي ذكرناها محرمة في كل زمان ومكان
؛ ولكنها في رمضان أشد تحريماً ، وأعظم إثماً لفضل الزمان وحرمته .
فاتقوا
الله - أيها المسلمون- واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله ، واستقيموا على
طاعته في رمضان وغيره ، وتواصوا بذلك وتعانوا عليه ؛ لتفوزوا بالكرامة ،
والسعادة ، والعزة، والنجاة في الدنيا والآخرة ، والله المسؤول
أن يحفظنا والمسلمين جميعاً من أسباب غضبه ، وأن يتقبل منا جميعاً صيامنا
وقيامنا ، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين ، وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم
أعداءه ، وأن يوفق الجميع للفقه في الدين ، والثبات عليه ، والحكم به ، والتحاكم إليه في كل شيء ، إنه على كل شيء قدير ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
من
عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين ، وفقني الله
وإياهم لاغتنام الخيرات، وجعلني وإياهم من المسارعين إلى الأعمال الصالحات
آمين .
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
أيها المسلمون
، لقد أظلكم شهر عظيم مبارك ، ألا وهو شهر رمضان ، شهر الصيام والقيام ،
شهر العتق والغفران ، شهر الصدقات والإحسان ، شهر تفتح فيه أبواب الجنات
وتضاعف فيه الحسنات وتقال فيه العثرات ، شهر تُجاب فيه الدعوات ، وترفع فيه
الدرجات ، وتغفر فيه السيئات ، شهر يجود فيه الله - سبحانه - على عباده
بأنواع الكرامات ، ويُجزِل فيه لأوليائه العطايات
، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام ، فصامه المصطفى - صلى الله عليه
وسلم - ، وأمر الناس بصيامه ، وأخبر - عليه الصلاة والسلام - أن من صامه
إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، ومن قامه
إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبـه ، شهر فيه ليلة خير من
ألف شهر من حُرم خيرها فقد حرم ، فاستقبلوه - رحمكم الله - بالفرح والسرور،
والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه ، والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة
فيه إلى التوبة النصوح من سائر الذنوب والسيئات والتناصح والتعاون على
البر والتقوى ، والتواصي بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى
كل خير ؛ لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم .
وفي الصيام فوائد كثيرة وحِكَم عظيمة :
منها
: تطهير النفوس ، وتهذيبها ، وتزكيتها من الأخلاق السيئة كالأشر والبطر
والبخل ، وتعويدها للأخلاق الكريمة ، كالصبر ، والحلم ، والجود ، والكرم ،
ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه .
ومن فوائد الصيام
: أنه يعرف العبد نفسه وحاجته ، وضعفه ، وفقره لربه ويذكره بعظيم نعم الله
عليه ، ويذكره – أيضاً- بحاجة إخوانه الفقراء ؛ فيوجب له ذلك شكر الله –
سبحانه- ، والاستعانة بنعمه على طاعته ، ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان
إليهم ، وقد أشار الله - سبحانه وتعالى- إلى هذه الفوائد في قوله - عز وجل-
: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم
لعلكم تتقون " فأوضح - سبحانه - أنه كَتَبَ علينا الصيام لنتقيه - سبحانه -
، فدلّ على أن الصيام وسيلة للتقوى ، والتقوى هي : طاعة الله ورسوله بفعل
ما أمر الله به ورسوله ، وترك ما نهى الله عنه
ورسوله ؛ عن الإخلاص لله - عز وجل - ومحبة ورغبة ورهبة ، وبذلك يتقي العبد
عذاب الله وغضبه ، فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى ، ووسيلة قوية إلى
التقوى في بقية شؤون الدين والدنيا ، وقد أشار النبي – صلى الله عليه وسلم –
إلى بعض فوائد الصوم في قوله – صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر الشباب :
من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرج ، ومن لم
يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء " فبين النبي – صلى الله عليه وسلم – أن
الصوم وِجَاء للصائم ، وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم
، والصوم يضيق تلك المجاري ، ويذكر بالله وعظمته ؛ فيضعف سلطان الشيطان ،
ويقوى سلطان الإيمان وتكثر به الطاعات من المؤمن ، وتقلّ به المعاصي .
وفي الصوم فوائد كثيرة
- غير ما تقدم - تظهر للمتأمل من ذوي البصيرة ، ومنها : أنه يطهر البدن من
الأخلاط الرديئة ، ويكسبه صحة وقوة ، وقد اعترف بذلك الكثير من الأطباء،
وعالجوا به كثيراً من الأمراض . وقد ورد في
فضله وفرضيته آيات وأحاديث كثيرة ، قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا
كُتِب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ، أياماً
معدودات " إلى أن قال الله - عز وجل - : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فمن شهد
منكم الشهر فليصمه ، ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ، يرد
الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما
هداكم ولعلكم تشكرون " .
وفي
الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسـول الله – صلى الله
عليه وسلم- : " بُني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن
محمداً رسول لله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء
الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت " وفي الصحيح عن أمير المؤمنين عمر ابن
الخطاب – رضي الله تعالى عنه – أن جبريل - عليه السلام – سأل النبي – عليه
الصلاة والسلام – عن الإسلام ؟ فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :
" أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ،
وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال : صدقت
، ثم قال : أخبرني عن الإيمان ، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -
: الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر
خيره وشره ، قال : أخبرني عن الإحسان ، قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن
لم تكن تراه فإنه يراك " وهذا حديث عظيم جليل ينبغي تأملّه وتعقّل معانيه .
وأخرج
الترمذي عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال : " قلت : يا رسول الله ،
أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني عن النار فقال : " لقد سألت عن عظيم ،
وإنه ليسير على من يسّره الله عليه ، تعبد الله ولا تشرك به
شيئاً ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت
إليه سبيلا " ثم قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ألا أدلُّك على أبواب
الخير : الصوم جُنّة ، والصدقة تُطْفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ،
وصلاة الرجل في جوف الليل " ثم تلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوله
تعالى : " تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعًا ومما رزقناهم
ينفقون ، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون " ثم
قال عليه الصلاة والسلام : " ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه "
قلت : بلى يا رسول الله . فقال : " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة
سنامه الجهاد في سبيل الله " ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أخبرك
بملاك ذلك كله ؟ قلت بلى يا رسول الله . قال : " كُفَّ عليك هذا وأشار إلى
لسانه " فقلت يا رسول : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " ثكِلَتْك أمك يا معاذ وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجهوهم ؟ أو قال : على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم "
أيها المسلمون : إن الصوم عمل صالح عظيم ، وثوابه جزيل ، ولا سيما
صوم رمضان فإنه الصوم الذي فرضه الله على عباده ، وجعله من أسباب الفوز
لديه ، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : "
كلُّ عملِ ابن آدم له ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئـة ضِعْف ، يقول
الله – عز وجل - : إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ، للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ، ولخَلُوفُ
فمِ الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " وفي الصحيحين عن النبي – صلى
الله عليه وسلم – أنه قال : " إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغُلَّقت
أبواب النار، وسُلسِلت الشياطين " وأخرج الترمذي وابن ماجه عن النبي – صلى
الله عليه وسلم – أنه قال: " إذا كان أول ليلة من رمضان صُفَّدت الشياطين
ومردة الجن ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وغلقت أبواب النار فلم
يفتح منها باب ، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ،
ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة " وجاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم –
أنه كان يُبَشَّر أصحابه بقدوم شهر رمضان ويقول لهم : " جاء شهر رمضان
بالبركات فمرحباً به من زائر وآت " وأخرج ابن خزيمة
عن سلمان الفارسي – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه
خطب الناس في آخر يوم من شعبان فقال : " أيها الناس : إنه قد أظلّكم شهر
عظيم مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله
تطوعاً ، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ،
ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر
والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة ، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن ..."
الحديث .
فيا معشر المسلمين اغتنموا هذا الشهر العظيم ، وعظموه - رحمكم الله - بأنواع العبادة والقربات
، وسارعوا فيه إلى الطاعات ، وهو شهر عظيم ، جعله الله ميداناً لعباده
يتسابقون إليه فيه بالطاعات ، ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات ، فأكْثِروا
فيه - رحمكم الله - من الصلوات والصدقات ، وقراءة القرآن ، والإحسان إلى
الفقراء والمساكين والأيتام ، وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان ، فتأسَّوا بنبيكم – صلى الله عليه
وسلم - ، واقتدوا به في مضاعفة الجود والإحسان
في شهر رمضان ، وأعينوا إخوانكم الفقراء على الصيام والقيام ، واحتسبوا
أجر ذلك عند الملِك العلاَّم ، واحفظوا صيامكم عما حرم الله عليكم من
الأوزار والآثام ، فقد صحّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال : " من
لم يدعْ قول الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ
في أن يدع طعامه وشرابه " وقال عليه الصلاة والسلام : " الصيام جُنَّة فإذا
كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق فإن امرؤ سابَّه أحد فليقل إني امرؤ
صائم " وجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ليس الصيام من الطعام
والشراب ، وإنما الصيام من اللغو والرفث " وقال جابر بن عبد الله الأنصاري –
رضي الله عنه – " إذا صمت ، فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ،
ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك
سواء " فينبغي للصائم الإكثار فيه من تلاوة القرآن بتدبر وتعقل ، والإكثار
من الصلوات والصدقات والذكر والاستغفار وسائر أنواع القربات
في الليل والنهار اغتناماً للزمان ، ورغبة في مضاعفة الحسنات ، ومرضاة
لفاطر الأرض والسماوات . ويجب على كل مسلم اجتناب ما يجرح الصوم ، وينقص
الأجر ، ويغضب الرب – عز وجل – من سائر المعاصي ؛ كالتهاون بالصلاة ،
والبخل بالزكاة ، وأكل الربا ، وأكل أموال اليتامى ، والظلم ، والسرقة
وعقوق الوالدين ، وقطعية الرحم ، والغيبة ، والنميمة ، والكذب ، وشهادة
الزور ، والدعاوى الباطلة ، والأيمان الكاذبة ، وحلق اللحى وتقصيرها وإطالة
الشوارب ، وسماع الأغاني ، وآلات الملاهي ، وتبرج النساء ، وعدم تستُّرهن
من الرجال ، والتشبه بنساء الكفرة في أزيائهن غير الساترة ، وغير ذلك - مما
نهى الله عنه ورسوله- ، وهذه المعاصي التي ذكرناها محرمة في كل زمان ومكان
؛ ولكنها في رمضان أشد تحريماً ، وأعظم إثماً لفضل الزمان وحرمته .
فاتقوا
الله - أيها المسلمون- واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله ، واستقيموا على
طاعته في رمضان وغيره ، وتواصوا بذلك وتعانوا عليه ؛ لتفوزوا بالكرامة ،
والسعادة ، والعزة، والنجاة في الدنيا والآخرة ، والله المسؤول
أن يحفظنا والمسلمين جميعاً من أسباب غضبه ، وأن يتقبل منا جميعاً صيامنا
وقيامنا ، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين ، وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم
أعداءه ، وأن يوفق الجميع للفقه في الدين ، والثبات عليه ، والحكم به ، والتحاكم إليه في كل شيء ، إنه على كل شيء قدير ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى