رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه جل وعلا
التأريخ: 20/5/1430هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102]
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71]. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
تحدثنا قبل أسابيع عن عبادة النبي ص لربه جل وعلا وخوفه منه تعالى، واليوم ستكون الخطبة عن مكانة النبي ص عند ربه الرحمنُ الرحيمُ الحليمُ العليمُ الحفيظُ المليكُ الملكُ البارئُ الخالقُ القادرُ المقتدر القدير المؤمن السميع البصير الحي القيوم القاهر القهار الجبار المتكبر السلام الحكم الحكيم الحق الرقيب الأحد الصمد القدوس و الخبير سبحانه وتعالى.
ولن نستطيع في هذه الخطبة استيعاب الموضوع بالكامل فنكتفي ببعض الإشارات.
والهدف أن معرفتنا لمكانة نبينا ص عند ربنا تزيد من حبنا وتعظيمنا لهذا النبي الكريم ص وهو أهل لكل فضل وكل خير.
عباد الله:
إن كرامة النبي ص عند الله لكبيرة، فهو المصطفى المجتبى، فلقد اصطفى الله من البشر الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولي العزم الخمسة، واصطفى من أولي العزم الخمسة الخليلين إبراهيم ومحمداً، واصطفى محمداً ففضله على جميع خلقه، شرح له صدره ورفع له ذكره ووضع عنه وزره، وزكاه في كل شيء: زكاه في عقله، فقال سبحانه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:2].
وزكاه في صدقه فقال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3].
وزكاه في صدره فقال سبحانه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1].
وزكاه في فؤاده فقال سبحانه: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11].
وزكاه في ذكره فقال سبحانه: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4].
وزكاه في طهره فقال سبحانه: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} [الشرح:2].
وزكاه في علمه فقال سبحانه: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:5].
وزكاه كله فقال سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] بأبي هو وأمي ص.
وهو الشيفع الشافع يوم أن يتأخر الجميع ويخاف أهل المحشر وتبلغ القلوب الحناجر يشاء ربُنا ويقدر ويكتب أن يتقدم محمد ص فلا يرد ولا يطرد بل يقول فيسمع له ويطلب فيعطى ويقرب
قال الفقيه القاضى أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي: لا خفاء على من مارس شيئا من العلم، أو خُص بأدنى لمحة من الفهم: بتعظيم الله قدر نبينا ص وخصوصه إياه بفضائل ومحاسن ومناقب لا تنضبط لزمام وتنويهه من عظيم قدره بما تكل عنه الألسنة والأقلام، فمنها ما صرح به تعالى في كتاب: ونبه به على جليل نصابه، وأثنى به عليه من أخلاقه وآدابه، وحض العباد على التزامه وتقلد إيجابه: فكان جل جلاله هو الذى تفضل وأولى. ثم طهر وزكى، ثم مدح بذلك وأثنى، ثم أثاب عليه الجزاء الأوفى، فله الفضل بدأ وعودا، والحمد أولى وأخرى، ومنها ما أبرزه للعيان من خلقه على أتم وجوه الكمال والجلال، وتخصيصه بالمحاسن الجميلة والأخلاق الحميدة والمذاهب الكريمة والفضائل العديدة وتأييده بالمعجزات الباهرة والبراهين الواضحة والكرامات البينة: التى شاهدها من عاصره، ورآها من أدركه، وعلمها علم يقين من جاء بعده، حتى انتهى علم حقيقة ذلك إلينا، وفاضت أنواره علينا: ص كثيرا.()
وفي الخبر عن أنس رضى الله عنه: أن النبي ص أتى بالبراق ليلة أسرى به ملجما مسرجا، فاستصعب عليه، فقال له جبرئيل: أبمحمد تفعل هذا، فما ركبك أحد أكرم على الله منه؟ قال فافرض عرقا. قال الألباني:إسناده صحيح()
وقال القاضي عياض: اعلم أن في كتاب الله العزيز آيات كثيرة مفصحة بجميل ذكر المصطفى ص وعد محاسنه وتعظيم أمره وتنويه بقدره قوله تعالى ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران:164]
وفى الآية الأخرى وقوله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة:2]
وقوله تعالى ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:151]،قال جعفر بن محمد رحمه الله: علم الله تعالى عجز خلقه عن طاعته فعرفهم ذلك لكى يعلموا أنهم لا ينالون الصفو من خدمته، فأقام بينه وبينهم مخلوقا من جنسهم في الصورة، ألبسه من نعته الرأفة والرحمة، وأخرجه إلى الخلق سفيرا صادقا، وجعل طاعته طاعته، وموافقته موافقته فقال تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله).
قال أبو بكر محمد بن طاهر: زين الله تعالى محمد ص بزينة الرحمة فكان كونه رحمة وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه والواصل فيهما إلى كل محبوب، ألا ترى أن الله تعالى يقول (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فكانت بعثته رحمة وحياته رحمة،قال السمرقندى (رحمة للعالمين) يعنى للجن والإنس، قيل لجميع الخلق: للمؤمن رحمة بالهداية، ورحمة للمنافق بالأمان من القتل، ورحمة للكافر بتأخير العذاب.
عباد الله:
ومن تعظيم الله لنبيه أنه سماه في القرآن في غير هذا الموضع نورا وسراجا منيرا فقال تعالى ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة:16،15]
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً *وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾ [الأحزاب:45،46]
ولقد رفع الله ذكر نبيه وأبقاه فقال:(ورفعنا لك ذكرك): قال يحيى بن آدم: بالنبوة، وقال مجاهد: لا أُذْكرُ إلا ذُكِرتَ معي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
وقال قتادة: رفع اللهُ ذكرَه في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا مُتشهد ولا صاحبُ صلاة إلا ينادي بها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وقيل في الأذان والإقامة.
حسان بن ثابت رضي الله عنه:
أغَرُّ، عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّة ِ خَاتَمٌ مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ
وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمدُ
وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأولين والآخرين، ونوه به، حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران:81]قال السدي: لم يبعث نبي قط من لدن نوح إلا أخذ الله ميثاقه ليؤمنن بمحمد ولينصرنه إن خرج وهو حي، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به وينصرونه إن خرج وهم أحياء.
وقال جعفر بن محمد الصادق: ومن ذكره تعالى للنبي ص أن قرن طاعته بطاعته واسمه باسمه فقال تعالى (وأطيعوا الله والرسول)، (وآمنوا بالله ورسوله) فجمع بينهما بواو العطف المشركة، ولا يجوز جمع هذا الكلام في غير حقه ص.
بل إن الله يصلي على محمد ص ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:56]قال الإمام ابن كثير رحمه الله: والمقصود من هذه الآية: أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه. ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا.
وما زال ربنا جل جلاله يتحنن على نبيه ص حتى قالت أم المؤمنين عائشة:"والله! ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك"() قال الحافظ: أي ما أرى الله إلا موجدا لما تريد بلا تأخير، منزلا لما تحب وتختار.
ومما قدره تعالى لنبيه ص تغيير القبلة، قال تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.. ﴾ [البقرة:144] قال ابن عباس: كان أوَّل ما نُسخَ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله ص لما هاجرَ إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله ص بضْعَةَ عَشَرَ شهرًا، وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء.. فستجاب له ربه
إن البريةَ يوم مبعث أحمدٍ نظرَ الإلهُ لها فبدّل حالها
كرّم الإنسانَ حين اختارَ من خيرِ البريةِ نجمها وهلالها
لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
الحمد لله.... أما بعد:
فأيها المسلمون:
هذا هو قدر نبينا عند الله عز وجل وياليتنا نعرف هذا القدر ونقوم بحقوقه ص كما أرادها الله عز وجل وليس تعظيم قدره ص بالشعارات والكلام إنما تعظيم قدره بتعظيم سنته وتبليغ رسالته والذب عن عرضه ومعرفة سيرته وتعليمها لأولادنا ومن تحت يدنا.
لابد أن نتعلم كيف نعيش في كل لحظة مع السيرة النبوية فهذه هي القدوة الحقة وهذه هي المحبة الصادقة.
مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه جل وعلا
التأريخ: 20/5/1430هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102]
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71]. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
تحدثنا قبل أسابيع عن عبادة النبي ص لربه جل وعلا وخوفه منه تعالى، واليوم ستكون الخطبة عن مكانة النبي ص عند ربه الرحمنُ الرحيمُ الحليمُ العليمُ الحفيظُ المليكُ الملكُ البارئُ الخالقُ القادرُ المقتدر القدير المؤمن السميع البصير الحي القيوم القاهر القهار الجبار المتكبر السلام الحكم الحكيم الحق الرقيب الأحد الصمد القدوس و الخبير سبحانه وتعالى.
ولن نستطيع في هذه الخطبة استيعاب الموضوع بالكامل فنكتفي ببعض الإشارات.
والهدف أن معرفتنا لمكانة نبينا ص عند ربنا تزيد من حبنا وتعظيمنا لهذا النبي الكريم ص وهو أهل لكل فضل وكل خير.
عباد الله:
إن كرامة النبي ص عند الله لكبيرة، فهو المصطفى المجتبى، فلقد اصطفى الله من البشر الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولي العزم الخمسة، واصطفى من أولي العزم الخمسة الخليلين إبراهيم ومحمداً، واصطفى محمداً ففضله على جميع خلقه، شرح له صدره ورفع له ذكره ووضع عنه وزره، وزكاه في كل شيء: زكاه في عقله، فقال سبحانه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:2].
وزكاه في صدقه فقال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3].
وزكاه في صدره فقال سبحانه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1].
وزكاه في فؤاده فقال سبحانه: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11].
وزكاه في ذكره فقال سبحانه: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4].
وزكاه في طهره فقال سبحانه: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} [الشرح:2].
وزكاه في علمه فقال سبحانه: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:5].
وزكاه كله فقال سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] بأبي هو وأمي ص.
وهو الشيفع الشافع يوم أن يتأخر الجميع ويخاف أهل المحشر وتبلغ القلوب الحناجر يشاء ربُنا ويقدر ويكتب أن يتقدم محمد ص فلا يرد ولا يطرد بل يقول فيسمع له ويطلب فيعطى ويقرب
قال الفقيه القاضى أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي: لا خفاء على من مارس شيئا من العلم، أو خُص بأدنى لمحة من الفهم: بتعظيم الله قدر نبينا ص وخصوصه إياه بفضائل ومحاسن ومناقب لا تنضبط لزمام وتنويهه من عظيم قدره بما تكل عنه الألسنة والأقلام، فمنها ما صرح به تعالى في كتاب: ونبه به على جليل نصابه، وأثنى به عليه من أخلاقه وآدابه، وحض العباد على التزامه وتقلد إيجابه: فكان جل جلاله هو الذى تفضل وأولى. ثم طهر وزكى، ثم مدح بذلك وأثنى، ثم أثاب عليه الجزاء الأوفى، فله الفضل بدأ وعودا، والحمد أولى وأخرى، ومنها ما أبرزه للعيان من خلقه على أتم وجوه الكمال والجلال، وتخصيصه بالمحاسن الجميلة والأخلاق الحميدة والمذاهب الكريمة والفضائل العديدة وتأييده بالمعجزات الباهرة والبراهين الواضحة والكرامات البينة: التى شاهدها من عاصره، ورآها من أدركه، وعلمها علم يقين من جاء بعده، حتى انتهى علم حقيقة ذلك إلينا، وفاضت أنواره علينا: ص كثيرا.()
وفي الخبر عن أنس رضى الله عنه: أن النبي ص أتى بالبراق ليلة أسرى به ملجما مسرجا، فاستصعب عليه، فقال له جبرئيل: أبمحمد تفعل هذا، فما ركبك أحد أكرم على الله منه؟ قال فافرض عرقا. قال الألباني:إسناده صحيح()
وقال القاضي عياض: اعلم أن في كتاب الله العزيز آيات كثيرة مفصحة بجميل ذكر المصطفى ص وعد محاسنه وتعظيم أمره وتنويه بقدره قوله تعالى ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران:164]
وفى الآية الأخرى وقوله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة:2]
وقوله تعالى ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:151]،قال جعفر بن محمد رحمه الله: علم الله تعالى عجز خلقه عن طاعته فعرفهم ذلك لكى يعلموا أنهم لا ينالون الصفو من خدمته، فأقام بينه وبينهم مخلوقا من جنسهم في الصورة، ألبسه من نعته الرأفة والرحمة، وأخرجه إلى الخلق سفيرا صادقا، وجعل طاعته طاعته، وموافقته موافقته فقال تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله).
قال أبو بكر محمد بن طاهر: زين الله تعالى محمد ص بزينة الرحمة فكان كونه رحمة وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه والواصل فيهما إلى كل محبوب، ألا ترى أن الله تعالى يقول (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فكانت بعثته رحمة وحياته رحمة،قال السمرقندى (رحمة للعالمين) يعنى للجن والإنس، قيل لجميع الخلق: للمؤمن رحمة بالهداية، ورحمة للمنافق بالأمان من القتل، ورحمة للكافر بتأخير العذاب.
عباد الله:
ومن تعظيم الله لنبيه أنه سماه في القرآن في غير هذا الموضع نورا وسراجا منيرا فقال تعالى ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة:16،15]
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً *وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾ [الأحزاب:45،46]
ولقد رفع الله ذكر نبيه وأبقاه فقال:(ورفعنا لك ذكرك): قال يحيى بن آدم: بالنبوة، وقال مجاهد: لا أُذْكرُ إلا ذُكِرتَ معي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
وقال قتادة: رفع اللهُ ذكرَه في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا مُتشهد ولا صاحبُ صلاة إلا ينادي بها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وقيل في الأذان والإقامة.
حسان بن ثابت رضي الله عنه:
أغَرُّ، عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّة ِ خَاتَمٌ مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ
وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمدُ
وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأولين والآخرين، ونوه به، حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران:81]قال السدي: لم يبعث نبي قط من لدن نوح إلا أخذ الله ميثاقه ليؤمنن بمحمد ولينصرنه إن خرج وهو حي، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به وينصرونه إن خرج وهم أحياء.
وقال جعفر بن محمد الصادق: ومن ذكره تعالى للنبي ص أن قرن طاعته بطاعته واسمه باسمه فقال تعالى (وأطيعوا الله والرسول)، (وآمنوا بالله ورسوله) فجمع بينهما بواو العطف المشركة، ولا يجوز جمع هذا الكلام في غير حقه ص.
بل إن الله يصلي على محمد ص ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:56]قال الإمام ابن كثير رحمه الله: والمقصود من هذه الآية: أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه. ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا.
وما زال ربنا جل جلاله يتحنن على نبيه ص حتى قالت أم المؤمنين عائشة:"والله! ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك"() قال الحافظ: أي ما أرى الله إلا موجدا لما تريد بلا تأخير، منزلا لما تحب وتختار.
ومما قدره تعالى لنبيه ص تغيير القبلة، قال تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.. ﴾ [البقرة:144] قال ابن عباس: كان أوَّل ما نُسخَ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله ص لما هاجرَ إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله ص بضْعَةَ عَشَرَ شهرًا، وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء.. فستجاب له ربه
إن البريةَ يوم مبعث أحمدٍ نظرَ الإلهُ لها فبدّل حالها
كرّم الإنسانَ حين اختارَ من خيرِ البريةِ نجمها وهلالها
لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
الحمد لله.... أما بعد:
فأيها المسلمون:
هذا هو قدر نبينا عند الله عز وجل وياليتنا نعرف هذا القدر ونقوم بحقوقه ص كما أرادها الله عز وجل وليس تعظيم قدره ص بالشعارات والكلام إنما تعظيم قدره بتعظيم سنته وتبليغ رسالته والذب عن عرضه ومعرفة سيرته وتعليمها لأولادنا ومن تحت يدنا.
لابد أن نتعلم كيف نعيش في كل لحظة مع السيرة النبوية فهذه هي القدوة الحقة وهذه هي المحبة الصادقة.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى