رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الأخدود
التأريخ: 21/10/1425هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
فإن الله قص علينا في القرآن الكريم قصصا كثيرة، ووصف جل وعلا قصصه بأنه أحسن القصص فقال: ((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ)) [يوسف:3]، وإن الله المتنزه عن كل عيب ونقص ما قص علينا هذه القصص عبثا بل دلنا على أخذ العبرة والعظة منها فقال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ)) [يوسف:111]، وإننا سنقف مع قصة قرآنية ذكر تفاصيلها النبي ص فعن صُهَيْبٍ"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ غ قَالَ: [كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ فَقَالَ الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمْ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنْ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي فَقَالَ إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ رَبِّي قَالَ وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي قَالَ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ فَجِيءَ بِالْغُلَامِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ فَقَالَ إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَقَالَ لِلْمَلِكِ إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ ارْمِنِي فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ] رواه مسلم.
عباد الله:
إن أحداث هذه القصة حصلت في نجران، وما زالت آثار جريمة ذلك الملك باقية حتى الآن، تحرض المؤمنين على الصبر في ذات الله، وكان اسم الملك ذو نواس وقيل أنه كان يهوديا، ولعل الأظهر أنه كان وثنيا يدعو لعبادة نفسه.
وقيل أن اسم الغلام عبد الله بن التامر وكان مع عدد من غلمان أهل نجران اللذين ترددوا على الساحر لتعليمهم السحر، وقد بزهم هذا الغلام بذكائه، فكان أبرزهم.
عباد الله:
إن الفوائد من هذه القصة كثيرة جدا لا تسعها هذه الخطبة، ولكننا نتوقف مع بعض الفوائد:
1- أن الله تعالى إن أراد الخير لمن علم في قلبه الإيمان هيأ له أسبابه، فهذا الغلام ذهب للساحر لتعلم السحر وقد كان الغلام كافرا، وأُريد له أن يزاد كفرا بتعلم السحر، ولكن الله تعالى لمّا علم ما في قلبه من الإيمان يسر له أسباب الهداية بلقاء الراهب المؤمن على طريق ذهابه للساحر الكافر
2- أن كذب الغلام على الساحر وعلى أهله لمصلحة دينه، فإنه كان يتعلم التوحيد من هذا الراهب، ولم يجعل الكذب دينا له، فبأس الخلق الكذب، قال ص:(..إِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا). وحتى تعلم يا عبد الله حقارة الكذب اسمع لقول أبي سفيان ابن حرب والذي قاله قبل اسلامه لمّا سأله هرقل عن رسول الله غ، فقال أبو سفيان:(فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ).
3- مع أول هداية الغلام ضربه الساحر، ليعلم الغلام أن لهذا الدين الشريف تبعات، فإما أن يقبله بتبعاته الثقال أو ليدعه، ((الم **أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ **وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)) [العنكبوت:1ـ3].وبذلك أراد الله أن يتفق تكوين هذا الغلام مع طبيعة الدعوة، وأن لا تشذ شخصيته عن تكاليفها، فابتلاه الله في لحظات التكوين، ووقت النمو، وفترة التربية؛ فصدق وصبر.ودائماً..مع شدة البلاء والأذى تظهر الآيات التى تعين على الصبر وتطمئن النفوس.
فطبيعة التلقي لهذا الدين هي التي تحدد طبيعة اعتناقه والالتزام به والدعوة إليه، والذين يتلقون هذا الدين على أنه بلاء، هم الذين يبقون إلى النهاية، وأخذ هذا الدين بقوة هو ضمان الاستمرار عليه.وإن الله تعالى سمى هذا الدين ثقيلا لوجوب العمل به فقال:(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)) [المزمل:5] (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة:63]، وقال تعالى لموسى؛ (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ)) [الأعراف:145] وقال لعبده يحي؛ (يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)) [مريم:12]، أما من أراد أخذ الدين للوجاهه فإنه يسقط عند أول اختبار.
4- ثم إن الله تعالى أجرى كرامة تبعتها كرامات على يد الغلام، والمسلمون يؤمنون بالكرامات ولكن بعد عرض صاحبها على كتاب الله وسنة رسوله ص، فإن خالف الكتاب والسنة فلا عبرة بالكرامة لأنها تكون ابتلاء لغيره من الناس، وقد تقع الكرامة ابتلاء للمسلم، فقد يغتر بنفسه، ولكن هذا الغلام كان يعرف أن الشفاء بيد الله تعالى فقال:(إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ).
5- أن الداعية يرد كل أموره لله تعالى، ولا يعجب بنفسه أبدا، فكل ما عنده من الله تعالى، وكذلك فعل الغلام حيث قال: [إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ] رداً على الجليس عندما طلب الشفاء، ورداً على الملك عندما ادعى أن مايفعله الغلام إنما هو سحر.، وقال: [كَفَانِيهِمُ اللَّهُ] رداً على الملك بعد نجاته من الموت فوق الجبل، وفي السفينة.، وقال: [ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ] عندما دل الملك على الكيفية التي يستطيع أن يقتله بها.
5- أن بعض الناس يصل به الكِبر والإستعلاء إلى ادعاء ما ليس له، فالملك ادعى أنه ربٌّ، وهو أول من يعلم أنه كاذب في ذلك، وهكذا دائما نجد أن الجبابرة يدعون أنهم أصحاب الحق وأن الدعاء إلى الله هم الضالون الكاذبون الخربون، والجبابرة يعلمون أنهم كاذبون في أقوالهم هذه.
6- أن الإيمان إذا خاط بشاشة القلب وبلغ سويداء الفؤاد فإن المؤمن لايبالي بتخويف أحد من الناس، ولو كان مثل هذا الملك مدعي الربوبية فيواجهه بقوة وصراحة كما فعل الجليس مع الملك، فقال له: [رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ] ولم يكن الجليس ليستطيع هذه المواجهة إلا إذا خالط قلبه بشاشة الإيمان، وهؤلاء هم سحرة فرعون يسجدون لله بعد أن علموا أن موسى رسول الله، وليس ساحراً، فيهددهم فرعون قائلاً:(فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى[71])[سورة طه]. فيردون عليه قائلين: (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا[72]) [سورة طه] مع أنهم قبل سويعات كانوا يتحدثون عن الدنيا حيث قالوا: (أَئِنَّ لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ**قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ)) [الشعراء:41ـ42] ولكن كل هذا تغير بعد الإيمان.
7- أن التوكيل على الله تعالى من أكبر أسباب النصر، وبالتوكيل يرتاح الضمير لأنه مستند إلى العظيم القدير الكبير المتعالي الأعلى العزيز، ونجد أن الغلام يحقق توكله بدعاء الله تعالى [اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ] بأي كيفية يرضاها الله سبحانه، وبأي سبب يختاره Q، وفعل الغلام يؤكد لنا قول النبي غ وهو يعلم ابن عباس ب: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ).
8- قال شيخ الإسلام ابن تيمية /: (وقد روى مسلم في صحيحه عن النبي غ قصة أصحاب الأخدود وفيها {أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين} ; ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه ; إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين.فإذا كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يقتل به لأجل مصلحة الجهاد مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره: كان ما يفضي إلى قتل غيره لأجل مصلحة الدين التي لا تحصل إلا بذلك ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا الذي لا يندفع إلا بذلك أولى()
9- تؤكد لنا هذه القصة حقيقة (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) [الأنفال:30] وتؤكد هذه القصة أيضا قوله تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) [النساء:76] فنفس الغلام الذي أراد الملك أن يكون داعية للضلال، يريد الله أن يكون داعية للحق، وفي نفس طريق الغلام إلى الساحر يلتقي بالراهب، فيؤمن به.
وقتل الملكُ الغلامَ حتى لا يتبعه الناس، فكان قتله سبب إيمان الناس أراد الملك أمرا (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)) [البقرة:253] وحكم الملك بحكم ولكن(اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)) [المائدة:1] فالأمر كله له ـ.وسمع الملك ما كان يكره [آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ]، وكذا تكون الدعوات فبرما كان قتل داعية سبب انتشار كتبه، وإفادة الناس من علمه، وصدق من قال:"ستظل كلماتنا عرائس من الشمع لا روح فيها ولا حياة، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح، وكتبت لها الحياة!".
الحمد لله الذي جعل الموت في سبيله نصرا، وعزا، وكرامة، وشرفا، واصطفاء، وذخرا، والصلاة والسلام على على عبده ورسوله غ الذي تمنى الشهادة دهره كله فقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ) أما بعد:
فإن كثير من المسلمين ولبعدهم عن دين الله تعالى ضنوا أن النصر بتحرير الأرض من المحتل الكافر وقهره، وما علموا أن للنصر وجوه، وربما كان الموت في سبيل الله خير لبعض العباد من فتح أرض أو أرغام كافر.
وهذا حرام من ملحان"يصرخ بأعلى صوته والرمح يمزق أحشائه: اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ) فكانت هذه الصرخات سببا في الإسلام بعض من سمعه، وما النصر الذي فاز به حرام"؟ ففي الحديث أن جِبْرِيلُ؛ أخبر النَّبِيَّ غ أن حرام ومن معه من الصحابة قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.
عباد الله:
لقد تحقق هذا النصر للغلام لما قتل في سبيل دعوته فآمن الناس، ثم تحقق النصر للناس لما قتلوا في سبيل الإيمان.
لقد جن جنون الملك فحفر الخنادق وأشعلها بالنيران، ثم جعل يصرخ بأعلى صوته [مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا]
وقد بين لنا تعالى أن النصر هنا كان بالموت في النيران فقال:(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ **إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)) [البروج:11] فجزاء الملك ومن معه من المشركين هو النار، وجزاء من صبر على إيمانه وألقى نفسه في النار الْفَوْزُ الْكَبِيرُ.
أقول هذا: حتى لا ييأس حد منّا جراء ما نراه من استشهاد إخواننا الأبطال المرابطين في القدس الأبية، أو فلوجة العز والكرامة، أو غيرها من بلاد المسلمين. (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) [يوسف:87] (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ)) [الحجر:56]
ولنعلم يا عباد الله أن (الله من ورائهم محيط).. وهم غافلون عما يحيط بهم من قهر الله وعلمه. فهم أضعف من الفئران المحصورة في الطوفان العميم!
(إنهم يكيدون كيدا، وأكيد كيدا، فمهل الكافرين، أمهلهم رويدا (
إنهم - هؤلاء الذين خلقوا من ماء دافق - بلا حول ولا قوة ولا قدرة...، ولا معرفة ولا هداية.. إنهم هؤلاء يكيدون كيدا..
وأنا - أنا العظيم الجليل.. الهادي. الحفيظ. القادر. القاهر. أنا الله.. أكيد كيدا..
فهذا كيد. وهذا كيد. وهذه هي المعركة... ذات طرف واحد في الحقيقة.. وإن صورت ذات طرفين لمجرد السخرية والهزء!
(فمهل الكافرين).. (أمهلهم رويدا).. لا تعجل. ولا تستبطئ نهاية المعركة. وقد رأيت طبيعتها وحقيقتها.. فإنما هي الحكمة وراء الإمهال. الإمهال قليلا.. وهو قليل حتى لو استغرق عشرات السنين.
قال تعالى: ((فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)) [غافر:77]
أصحاب الأخدود
التأريخ: 21/10/1425هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
فإن الله قص علينا في القرآن الكريم قصصا كثيرة، ووصف جل وعلا قصصه بأنه أحسن القصص فقال: ((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ)) [يوسف:3]، وإن الله المتنزه عن كل عيب ونقص ما قص علينا هذه القصص عبثا بل دلنا على أخذ العبرة والعظة منها فقال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ)) [يوسف:111]، وإننا سنقف مع قصة قرآنية ذكر تفاصيلها النبي ص فعن صُهَيْبٍ"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ غ قَالَ: [كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ فَقَالَ الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمْ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنْ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي فَقَالَ إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ رَبِّي قَالَ وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي قَالَ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ فَجِيءَ بِالْغُلَامِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ فَقَالَ إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَقَالَ لِلْمَلِكِ إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ ارْمِنِي فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ] رواه مسلم.
عباد الله:
إن أحداث هذه القصة حصلت في نجران، وما زالت آثار جريمة ذلك الملك باقية حتى الآن، تحرض المؤمنين على الصبر في ذات الله، وكان اسم الملك ذو نواس وقيل أنه كان يهوديا، ولعل الأظهر أنه كان وثنيا يدعو لعبادة نفسه.
وقيل أن اسم الغلام عبد الله بن التامر وكان مع عدد من غلمان أهل نجران اللذين ترددوا على الساحر لتعليمهم السحر، وقد بزهم هذا الغلام بذكائه، فكان أبرزهم.
عباد الله:
إن الفوائد من هذه القصة كثيرة جدا لا تسعها هذه الخطبة، ولكننا نتوقف مع بعض الفوائد:
1- أن الله تعالى إن أراد الخير لمن علم في قلبه الإيمان هيأ له أسبابه، فهذا الغلام ذهب للساحر لتعلم السحر وقد كان الغلام كافرا، وأُريد له أن يزاد كفرا بتعلم السحر، ولكن الله تعالى لمّا علم ما في قلبه من الإيمان يسر له أسباب الهداية بلقاء الراهب المؤمن على طريق ذهابه للساحر الكافر
2- أن كذب الغلام على الساحر وعلى أهله لمصلحة دينه، فإنه كان يتعلم التوحيد من هذا الراهب، ولم يجعل الكذب دينا له، فبأس الخلق الكذب، قال ص:(..إِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا). وحتى تعلم يا عبد الله حقارة الكذب اسمع لقول أبي سفيان ابن حرب والذي قاله قبل اسلامه لمّا سأله هرقل عن رسول الله غ، فقال أبو سفيان:(فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ).
3- مع أول هداية الغلام ضربه الساحر، ليعلم الغلام أن لهذا الدين الشريف تبعات، فإما أن يقبله بتبعاته الثقال أو ليدعه، ((الم **أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ **وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)) [العنكبوت:1ـ3].وبذلك أراد الله أن يتفق تكوين هذا الغلام مع طبيعة الدعوة، وأن لا تشذ شخصيته عن تكاليفها، فابتلاه الله في لحظات التكوين، ووقت النمو، وفترة التربية؛ فصدق وصبر.ودائماً..مع شدة البلاء والأذى تظهر الآيات التى تعين على الصبر وتطمئن النفوس.
فطبيعة التلقي لهذا الدين هي التي تحدد طبيعة اعتناقه والالتزام به والدعوة إليه، والذين يتلقون هذا الدين على أنه بلاء، هم الذين يبقون إلى النهاية، وأخذ هذا الدين بقوة هو ضمان الاستمرار عليه.وإن الله تعالى سمى هذا الدين ثقيلا لوجوب العمل به فقال:(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)) [المزمل:5] (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة:63]، وقال تعالى لموسى؛ (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ)) [الأعراف:145] وقال لعبده يحي؛ (يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)) [مريم:12]، أما من أراد أخذ الدين للوجاهه فإنه يسقط عند أول اختبار.
4- ثم إن الله تعالى أجرى كرامة تبعتها كرامات على يد الغلام، والمسلمون يؤمنون بالكرامات ولكن بعد عرض صاحبها على كتاب الله وسنة رسوله ص، فإن خالف الكتاب والسنة فلا عبرة بالكرامة لأنها تكون ابتلاء لغيره من الناس، وقد تقع الكرامة ابتلاء للمسلم، فقد يغتر بنفسه، ولكن هذا الغلام كان يعرف أن الشفاء بيد الله تعالى فقال:(إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ).
5- أن الداعية يرد كل أموره لله تعالى، ولا يعجب بنفسه أبدا، فكل ما عنده من الله تعالى، وكذلك فعل الغلام حيث قال: [إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ] رداً على الجليس عندما طلب الشفاء، ورداً على الملك عندما ادعى أن مايفعله الغلام إنما هو سحر.، وقال: [كَفَانِيهِمُ اللَّهُ] رداً على الملك بعد نجاته من الموت فوق الجبل، وفي السفينة.، وقال: [ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ] عندما دل الملك على الكيفية التي يستطيع أن يقتله بها.
5- أن بعض الناس يصل به الكِبر والإستعلاء إلى ادعاء ما ليس له، فالملك ادعى أنه ربٌّ، وهو أول من يعلم أنه كاذب في ذلك، وهكذا دائما نجد أن الجبابرة يدعون أنهم أصحاب الحق وأن الدعاء إلى الله هم الضالون الكاذبون الخربون، والجبابرة يعلمون أنهم كاذبون في أقوالهم هذه.
6- أن الإيمان إذا خاط بشاشة القلب وبلغ سويداء الفؤاد فإن المؤمن لايبالي بتخويف أحد من الناس، ولو كان مثل هذا الملك مدعي الربوبية فيواجهه بقوة وصراحة كما فعل الجليس مع الملك، فقال له: [رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ] ولم يكن الجليس ليستطيع هذه المواجهة إلا إذا خالط قلبه بشاشة الإيمان، وهؤلاء هم سحرة فرعون يسجدون لله بعد أن علموا أن موسى رسول الله، وليس ساحراً، فيهددهم فرعون قائلاً:(فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى[71])[سورة طه]. فيردون عليه قائلين: (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا[72]) [سورة طه] مع أنهم قبل سويعات كانوا يتحدثون عن الدنيا حيث قالوا: (أَئِنَّ لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ**قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ)) [الشعراء:41ـ42] ولكن كل هذا تغير بعد الإيمان.
7- أن التوكيل على الله تعالى من أكبر أسباب النصر، وبالتوكيل يرتاح الضمير لأنه مستند إلى العظيم القدير الكبير المتعالي الأعلى العزيز، ونجد أن الغلام يحقق توكله بدعاء الله تعالى [اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ] بأي كيفية يرضاها الله سبحانه، وبأي سبب يختاره Q، وفعل الغلام يؤكد لنا قول النبي غ وهو يعلم ابن عباس ب: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ).
8- قال شيخ الإسلام ابن تيمية /: (وقد روى مسلم في صحيحه عن النبي غ قصة أصحاب الأخدود وفيها {أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين} ; ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه ; إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين.فإذا كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يقتل به لأجل مصلحة الجهاد مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره: كان ما يفضي إلى قتل غيره لأجل مصلحة الدين التي لا تحصل إلا بذلك ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا الذي لا يندفع إلا بذلك أولى()
9- تؤكد لنا هذه القصة حقيقة (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) [الأنفال:30] وتؤكد هذه القصة أيضا قوله تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) [النساء:76] فنفس الغلام الذي أراد الملك أن يكون داعية للضلال، يريد الله أن يكون داعية للحق، وفي نفس طريق الغلام إلى الساحر يلتقي بالراهب، فيؤمن به.
وقتل الملكُ الغلامَ حتى لا يتبعه الناس، فكان قتله سبب إيمان الناس أراد الملك أمرا (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)) [البقرة:253] وحكم الملك بحكم ولكن(اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)) [المائدة:1] فالأمر كله له ـ.وسمع الملك ما كان يكره [آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ]، وكذا تكون الدعوات فبرما كان قتل داعية سبب انتشار كتبه، وإفادة الناس من علمه، وصدق من قال:"ستظل كلماتنا عرائس من الشمع لا روح فيها ولا حياة، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح، وكتبت لها الحياة!".
الحمد لله الذي جعل الموت في سبيله نصرا، وعزا، وكرامة، وشرفا، واصطفاء، وذخرا، والصلاة والسلام على على عبده ورسوله غ الذي تمنى الشهادة دهره كله فقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ) أما بعد:
فإن كثير من المسلمين ولبعدهم عن دين الله تعالى ضنوا أن النصر بتحرير الأرض من المحتل الكافر وقهره، وما علموا أن للنصر وجوه، وربما كان الموت في سبيل الله خير لبعض العباد من فتح أرض أو أرغام كافر.
وهذا حرام من ملحان"يصرخ بأعلى صوته والرمح يمزق أحشائه: اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ) فكانت هذه الصرخات سببا في الإسلام بعض من سمعه، وما النصر الذي فاز به حرام"؟ ففي الحديث أن جِبْرِيلُ؛ أخبر النَّبِيَّ غ أن حرام ومن معه من الصحابة قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.
عباد الله:
لقد تحقق هذا النصر للغلام لما قتل في سبيل دعوته فآمن الناس، ثم تحقق النصر للناس لما قتلوا في سبيل الإيمان.
لقد جن جنون الملك فحفر الخنادق وأشعلها بالنيران، ثم جعل يصرخ بأعلى صوته [مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا]
وقد بين لنا تعالى أن النصر هنا كان بالموت في النيران فقال:(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ **إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)) [البروج:11] فجزاء الملك ومن معه من المشركين هو النار، وجزاء من صبر على إيمانه وألقى نفسه في النار الْفَوْزُ الْكَبِيرُ.
أقول هذا: حتى لا ييأس حد منّا جراء ما نراه من استشهاد إخواننا الأبطال المرابطين في القدس الأبية، أو فلوجة العز والكرامة، أو غيرها من بلاد المسلمين. (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) [يوسف:87] (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ)) [الحجر:56]
ولنعلم يا عباد الله أن (الله من ورائهم محيط).. وهم غافلون عما يحيط بهم من قهر الله وعلمه. فهم أضعف من الفئران المحصورة في الطوفان العميم!
(إنهم يكيدون كيدا، وأكيد كيدا، فمهل الكافرين، أمهلهم رويدا (
إنهم - هؤلاء الذين خلقوا من ماء دافق - بلا حول ولا قوة ولا قدرة...، ولا معرفة ولا هداية.. إنهم هؤلاء يكيدون كيدا..
وأنا - أنا العظيم الجليل.. الهادي. الحفيظ. القادر. القاهر. أنا الله.. أكيد كيدا..
فهذا كيد. وهذا كيد. وهذه هي المعركة... ذات طرف واحد في الحقيقة.. وإن صورت ذات طرفين لمجرد السخرية والهزء!
(فمهل الكافرين).. (أمهلهم رويدا).. لا تعجل. ولا تستبطئ نهاية المعركة. وقد رأيت طبيعتها وحقيقتها.. فإنما هي الحكمة وراء الإمهال. الإمهال قليلا.. وهو قليل حتى لو استغرق عشرات السنين.
قال تعالى: ((فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)) [غافر:77]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى