رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
إشاعة الفاحشة - فلسطين
التأريخ: 22/1/1423هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
إن الفتن تترا على المسلمين حتى ليتمنى بعض الصالحين أنه في جوف الأرض فهو خير له من ظاهرها، وإن من أعظم الفتن تحول المنكر إلى معروف والمعروف إلى منكر كما قال عباد بن عباد /: (إنّه يَأْتِي زَمَانٌ يَشْتَبِهُ فِيهِ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ وَيَكُونُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرُ فِيهِ مَعْرُوفًا).
عباد الله:
إن لديننا الحنيف ثوابت لا يمكن أن تتغير ولا تتبدل ومنها حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء، وأن النساء عورة يجب أن تحفظ عن أعين الرجال قال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31) وهذا خطاب للمؤمنات وأولياء أمورهن من المؤمنين.
ونقرأ في هذه الأيام في الصحف من يزعم أن الجمع بين الذكور والإناث في المدارس أوالجامعات أو الوظائف يقلل الأعباء على الدول فلابد من الدمج بين الجنسين لتسلم لهم الأموال، وهؤلاء يصدق فيهم قول الله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:268) فهؤلاء الفقر بين أعينهم والفحشاء مقصدهم فهم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور:19) وهؤلاء هم المنافقون حقا.
وهؤلاء قد زين لهم الشيطان أعمالهم فهم يرونها حسنة قال تعالى واصفا حالهم: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ) (لأنفال:48) فهم مطمئنون لوعد الشيطان، ولكن هيهات هيهات فإن هم غلبوا يوما فالأمر لله من قبل ومن بعد.
وبعض هؤلاء يدعي الإيمان ويشهد الله على إيمانه، ولكن إيمانه لا يتجاوز حنجرته قال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ، اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (المنافقون:1، 2) ولا يظن هؤلاء أن أسيادهم من الكفرة سينفعونهم، قال تعالى مبينا حال هؤلاء المنافقين مع أسيادهم يوم الدين: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (البقرة:166، 167)
وهؤلاء المنافقين يدعون أنهم مصلحين قال تعالى:"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ"(البقرة: 11، 12)، بل يتجاوز الأمر إلى سب الصالحين المصلحين والتحذير منهم عبر وسائل الإعلام - التي لا يملك الصالحون شيئا منها - قال تعالى واصفا حالهم (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ(62)أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ(63)يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ(64)وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ(66)الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(67)وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) (التوبة)
أما من كان في قلبه شيء من الإيمان فنحن ندعوه للرجوع إلى الله تعالى والتوبة، والرجوع للحق خير من التمادي في الباطل قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:208) أي خذوا الإسلام كاملا لا كما فعل اليهود الذين عاب عليهم الله جل وعلا تتطبيق جزء من الدين وترك آخر فقال: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة: من الآية85). ونحن نعرف أن دول الكفر الصليبية في هذه الآونة تخوف المسلمين وتهددهم وتريد منهم تغيير ما هم عليه من الخير، قال تعالى واصفا حال الكفرة وآمرا المؤمنين: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:175) وليكن قدوته في هذا النبي - ص - وأصحابه - ي - قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173) فلا يحل للمسلم الوقوع في الحرام ولا فعل الحرام إلا المكره، ودول الكفر الصليبية تهدد عامة المسلمين فمن لم يتبعهم خوفوه وأرهبوه فهو مخير بين اتباع أمر الله تعالى وبين اتباع الشيطان، ونقول له بيننا وبينك علماء الإسلام قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:83).
وأنت يا من يرجى منك الخير قد سمعت آيات الله فلا تتركها وراء ظهرك وتنسلخ منها قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف: 175، 176)
وأسمع آيات الله تتلي عليك لعلك أن ترجع لربك: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)
ولا تبحث عن العزة من عند غير الله تعالى فقد قال: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر:10) وقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8)
ولا تبحث عن العزة عند الكفرة (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (النساء:139) وبعد هذا كله إذا لم ترجع لله وتترك عنك إشاعة الفاحشة بين المؤمنين فقد صدق فيك قول الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) (البقرة:206)
أيها المسلمون:
إن الله أوجب على المؤمنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104)
وإن الله تعالى أخرج هذه الأمة لتأمر بالعروف وتنهي عن المنكر فقال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110) وقال تعالى واصفا حال المؤمنين (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71) فإقامة الصلاة وإتاء الزكاة والصيام لا يكفي لأن تكون من المؤمنين بل لابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال - ص - (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن، وقال الله تعالى واصفا حال المؤمنين: (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران:114)
وختاما اسمع هذه الوصية من محب مشفق عليك (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17)
الخطبة الثانية:
الحمد الله الذي أمر المسلمين أن يكونوا جسدا واحدا فقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71)
والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل (تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (رواه مسلم) أما بعد:
فإن ما يحدث للمسلمين في كل بقاع الأرض بلا استثاء مأساة سيسجلها التأريخ كما سجل مآسي الأمة في مكان وزمان، فالمسلمون يقتلون ويأذنون في كل مكان حتى في بلادهم، أأتحدث عن مصيبتنا في الهند؟ أم في كشمير؟ أم في الفلبين؟ أم في بورما؟ أم في الشيشان؟ أم في أفغانستان المكلومة؟ أم في قضيتنا الأولى فلسطين؟
إن هناك مصيبة أكبر من كل هذا!!
مصيبة هي قاصمة الظهر، نعم إنها تخاذل الدول الإسلامية حكومات وشعوبا عن القتال لتحرير فلسطين من اليهود لتحكم بشرع الله، وتحرير أفغانستان من الأمريكان لتحكم بشرع الله، وكذا باقي أرض الله.
إن سكوت حكام المسلمين هو أكبر من مصيبة احتلال الدول الإسلامية، فإن الظن بالكفرة هو مقاتلة المسلمين وحرب دين الله قال تعالى: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاً وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة:8) ولكن ما هو عذر الحكومات الإسلامية، بل ما هو عذر الشعوب الإسلامية؟؟
والله لا أعرف لهم عذر، وإننا جميعا آثمين بهذا السكوت المقيت.
وإن التأريخ ليشهد على المسلمين بأنهم تركوا الحجر الأسود يأخذ من مكة قال الإمام الذهبي / أقبل أبو طاهر سليمان بن الحسن القرمطي ووضع السيف بالحرم في الوفد واقتلع الحجر الأسود وردم بئر زمزم بالقتلى سنة سبع عشرة وثلاث مئة في ذي الحجة يوم ولم يقف أحد بعرفة وصاح قرمطي يا حمير أنتم قلتم ومن دخله كان آمنا فأين الأمن؟
قال الإمام ابن كثير / جلس أميرهم أبو طاهر لعنه الله على باب الكعبة والرجال تصرع حوله والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في يوم التروية الذي هو من أشرف الأيام وهو يقول: أنا الله وبالله أنا ***** أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا
فكان الناس يفرون منهم فيتعلقون بأستار الكعبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئا بل يقتلون، فلما قضى القرمطي لعنه الله أمره وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم ودفن كثيرا منهم في أماكنهم من الحرم وفي المسجد الحرام، وهدم قبة زمزم وأمر بقلع الكعبة ونزع كسوتها عنها..، .. وأمر رجلا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتلعه فسقط على أم رأسه فمات إلى النار فعند ذلك انكف الخبيث عن الميزاب ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده وقال أين الطير الأبابيل أين الحجارة من سجيل ثم قلع الحجر الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردوه، وفي سنة تسع وثلاثين وثلثمائة في هذه السنة المباركة في ذي القعدة منها رد الحجر الأسود المكي إلى مكانه في البيت، وقد بذل لهم الأمير بجكم التركي خمسين ألف دينار على أن يردوه إلى موضعه فلم يفعلوا، ثم أرسلوه إلى مكة بغير شيء على قعود فوصل في ذي القعدة من هذه السنة ولله الحمد والمنة وكان مدة مغايبته عنده ثنتين وعشرين سنة ففرح المسلمون لذلك فرحا شديدا.) أ.هـ
إن المسملين لم يدافعو عن الكعبة، وفرطوا في الحجر الأسود وبقي عند القرامطة - لعنهم الله - اثنين وعشرين سنة ولم يتحركوا لأخذه بل يدفعون الأموال فقط!!!
إن الله دافع عن حرمه بالطير الأبابيل في الوقت الذي لم يكن فيه مسلمين للدفاع عن الحرم أما لما كان هناك مسلمين فكان لزاما عليهم الدفاع عن حرم الله ولكنهم كانوا مثلنا نيام.
لقد صدق في أكثرهم قول الله تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة:46) فهل كره الله أنبعاثنا فثبطنا نحن كذلك؟؟إننا في زمن ضياع المفاهيم وغلبة الشهوات، وابتاع الكفار
إننا في زمن الغثائية والزبد والفقاعات الهوائة والبلونات الفارغة
أننتظر نصر الله، وكثير من المسلمين يأكل الحرام أويشرب الحرام أوينام على الحرام أويسمع الحرام أوينظر إلى الحرام؟
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7) ونصر الله بطاعته، فأين طاعة الله؟
نصر الله لا شك فيه قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:160)
هل أطاع الله من تولى الكفار وناصرهم على المسلمين؟ ألم يسمع هذا قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) وقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) (لأنفال:73) وقوله: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (المائدة:78ـ 81)
وهل نحن حقا نريد تحرير فلسطين ليحّكم الشرع المطهر، فيرفع حكم الله أم نريد استرجاع تراب ثم يحكم الكافر؟؟ أسئلة لابد لها من أجوبة
لقد ضرب الإخوة في فلسطين - أعادها الله لحوزة الدين - أروع الأمثلة في الصبر والجهاد في سبيل الله، فهذه دراين أبو عيشة تبدأ مرحلة الجهاديات المؤمنات الصادقات - كذا نحسبهن - وتقول ما نصه: (يجب أن يعرف شارون أن دور المرأة الفلسطنية لن يتوقف على إنجاب الأبطال وإعداد الشهداء بل تعدي للاستشهاد في سبيل الله تعالى)
ثم تتبعها أختها الصابرة آيات الأخرس، وما هي بخرساء فقد نطقت وأنطقت حتى الصخر حيث بينت حال الخونة والعملاء إذ قدمت روحها لله تعالى وهم قعدوا خلف الموائد وعلى الأسرة.
ثم نسمع بالمجاهد شادي الطوباسي الذي يتخطى أربعين تفتيشا لينطلق من جنيين إلى حيفا فيستشهد في أحد المطاعم وفي ليلة عيد الفصح وكأنه يقول: اليوم يوم عدي وليس يوم عيدكم، فالجنة موعدي والنار موعدكم بإذن الله. وكأني به يبتسم وهو يتذكر قول النبي - ص - (لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبَدًا) أخرجه مسلم.
أما تلك المرأة التي استشهدت ستة مرات!!
تلك المرأة التي قدمت روحها خالصة لوجه الله المرة تلو المرة
تلك الصابرة المحتسبة أم محمد فرحات فالله درها
تحث أبناءها على الشهادة وتقوي عزائمهم، وتخوفهم من الله تعالى وترغبهم بالجنة، وتزرع في قلوبهم محبة لقاء الله
فيستشهد أبناءها الواحد تلو الأخر ولتقدم ولدها السادس قبل أيام، وكأنها تقول إن كانت الصحابية الخنساء - ل - قدمت أربع من أبناءها فأنا قدمت ستة، فأي أم هي؟؟
وتأتي الأخبار عبر الاتصال الهاتفي وليس عبر وسائل الإعلام الكاذبة الخاطئة، فنسمع في يوم الأربعاء المنصرم أن في المجاهدين في جنيين دمروا دبابتين وجرافتين وفر الجنود الذين في باقي الدبابات كالجرذان، وفي نابلس كذلك يفر الجنود من أربع دبابات، لقد استطاع المسلمين هناك فعل ما لم تفعله الجيوش النائمة والتي لا تنشط إلا على شعوبها.
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة: 111، 112)
وقال تعالى آمرا المؤمنين ومنبها دعاة الإستسلام والخور: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة: 123)
إشاعة الفاحشة - فلسطين
التأريخ: 22/1/1423هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
إن الفتن تترا على المسلمين حتى ليتمنى بعض الصالحين أنه في جوف الأرض فهو خير له من ظاهرها، وإن من أعظم الفتن تحول المنكر إلى معروف والمعروف إلى منكر كما قال عباد بن عباد /: (إنّه يَأْتِي زَمَانٌ يَشْتَبِهُ فِيهِ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ وَيَكُونُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرُ فِيهِ مَعْرُوفًا).
عباد الله:
إن لديننا الحنيف ثوابت لا يمكن أن تتغير ولا تتبدل ومنها حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء، وأن النساء عورة يجب أن تحفظ عن أعين الرجال قال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31) وهذا خطاب للمؤمنات وأولياء أمورهن من المؤمنين.
ونقرأ في هذه الأيام في الصحف من يزعم أن الجمع بين الذكور والإناث في المدارس أوالجامعات أو الوظائف يقلل الأعباء على الدول فلابد من الدمج بين الجنسين لتسلم لهم الأموال، وهؤلاء يصدق فيهم قول الله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:268) فهؤلاء الفقر بين أعينهم والفحشاء مقصدهم فهم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور:19) وهؤلاء هم المنافقون حقا.
وهؤلاء قد زين لهم الشيطان أعمالهم فهم يرونها حسنة قال تعالى واصفا حالهم: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ) (لأنفال:48) فهم مطمئنون لوعد الشيطان، ولكن هيهات هيهات فإن هم غلبوا يوما فالأمر لله من قبل ومن بعد.
وبعض هؤلاء يدعي الإيمان ويشهد الله على إيمانه، ولكن إيمانه لا يتجاوز حنجرته قال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ، اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (المنافقون:1، 2) ولا يظن هؤلاء أن أسيادهم من الكفرة سينفعونهم، قال تعالى مبينا حال هؤلاء المنافقين مع أسيادهم يوم الدين: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (البقرة:166، 167)
وهؤلاء المنافقين يدعون أنهم مصلحين قال تعالى:"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ"(البقرة: 11، 12)، بل يتجاوز الأمر إلى سب الصالحين المصلحين والتحذير منهم عبر وسائل الإعلام - التي لا يملك الصالحون شيئا منها - قال تعالى واصفا حالهم (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ(62)أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ(63)يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ(64)وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ(66)الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(67)وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) (التوبة)
أما من كان في قلبه شيء من الإيمان فنحن ندعوه للرجوع إلى الله تعالى والتوبة، والرجوع للحق خير من التمادي في الباطل قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:208) أي خذوا الإسلام كاملا لا كما فعل اليهود الذين عاب عليهم الله جل وعلا تتطبيق جزء من الدين وترك آخر فقال: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة: من الآية85). ونحن نعرف أن دول الكفر الصليبية في هذه الآونة تخوف المسلمين وتهددهم وتريد منهم تغيير ما هم عليه من الخير، قال تعالى واصفا حال الكفرة وآمرا المؤمنين: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:175) وليكن قدوته في هذا النبي - ص - وأصحابه - ي - قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173) فلا يحل للمسلم الوقوع في الحرام ولا فعل الحرام إلا المكره، ودول الكفر الصليبية تهدد عامة المسلمين فمن لم يتبعهم خوفوه وأرهبوه فهو مخير بين اتباع أمر الله تعالى وبين اتباع الشيطان، ونقول له بيننا وبينك علماء الإسلام قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:83).
وأنت يا من يرجى منك الخير قد سمعت آيات الله فلا تتركها وراء ظهرك وتنسلخ منها قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف: 175، 176)
وأسمع آيات الله تتلي عليك لعلك أن ترجع لربك: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)
ولا تبحث عن العزة من عند غير الله تعالى فقد قال: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر:10) وقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8)
ولا تبحث عن العزة عند الكفرة (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (النساء:139) وبعد هذا كله إذا لم ترجع لله وتترك عنك إشاعة الفاحشة بين المؤمنين فقد صدق فيك قول الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) (البقرة:206)
أيها المسلمون:
إن الله أوجب على المؤمنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104)
وإن الله تعالى أخرج هذه الأمة لتأمر بالعروف وتنهي عن المنكر فقال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110) وقال تعالى واصفا حال المؤمنين (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71) فإقامة الصلاة وإتاء الزكاة والصيام لا يكفي لأن تكون من المؤمنين بل لابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال - ص - (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن، وقال الله تعالى واصفا حال المؤمنين: (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران:114)
وختاما اسمع هذه الوصية من محب مشفق عليك (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17)
الخطبة الثانية:
الحمد الله الذي أمر المسلمين أن يكونوا جسدا واحدا فقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71)
والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل (تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (رواه مسلم) أما بعد:
فإن ما يحدث للمسلمين في كل بقاع الأرض بلا استثاء مأساة سيسجلها التأريخ كما سجل مآسي الأمة في مكان وزمان، فالمسلمون يقتلون ويأذنون في كل مكان حتى في بلادهم، أأتحدث عن مصيبتنا في الهند؟ أم في كشمير؟ أم في الفلبين؟ أم في بورما؟ أم في الشيشان؟ أم في أفغانستان المكلومة؟ أم في قضيتنا الأولى فلسطين؟
إن هناك مصيبة أكبر من كل هذا!!
مصيبة هي قاصمة الظهر، نعم إنها تخاذل الدول الإسلامية حكومات وشعوبا عن القتال لتحرير فلسطين من اليهود لتحكم بشرع الله، وتحرير أفغانستان من الأمريكان لتحكم بشرع الله، وكذا باقي أرض الله.
إن سكوت حكام المسلمين هو أكبر من مصيبة احتلال الدول الإسلامية، فإن الظن بالكفرة هو مقاتلة المسلمين وحرب دين الله قال تعالى: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاً وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة:8) ولكن ما هو عذر الحكومات الإسلامية، بل ما هو عذر الشعوب الإسلامية؟؟
والله لا أعرف لهم عذر، وإننا جميعا آثمين بهذا السكوت المقيت.
وإن التأريخ ليشهد على المسلمين بأنهم تركوا الحجر الأسود يأخذ من مكة قال الإمام الذهبي / أقبل أبو طاهر سليمان بن الحسن القرمطي ووضع السيف بالحرم في الوفد واقتلع الحجر الأسود وردم بئر زمزم بالقتلى سنة سبع عشرة وثلاث مئة في ذي الحجة يوم ولم يقف أحد بعرفة وصاح قرمطي يا حمير أنتم قلتم ومن دخله كان آمنا فأين الأمن؟
قال الإمام ابن كثير / جلس أميرهم أبو طاهر لعنه الله على باب الكعبة والرجال تصرع حوله والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في يوم التروية الذي هو من أشرف الأيام وهو يقول: أنا الله وبالله أنا ***** أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا
فكان الناس يفرون منهم فيتعلقون بأستار الكعبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئا بل يقتلون، فلما قضى القرمطي لعنه الله أمره وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم ودفن كثيرا منهم في أماكنهم من الحرم وفي المسجد الحرام، وهدم قبة زمزم وأمر بقلع الكعبة ونزع كسوتها عنها..، .. وأمر رجلا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتلعه فسقط على أم رأسه فمات إلى النار فعند ذلك انكف الخبيث عن الميزاب ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده وقال أين الطير الأبابيل أين الحجارة من سجيل ثم قلع الحجر الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردوه، وفي سنة تسع وثلاثين وثلثمائة في هذه السنة المباركة في ذي القعدة منها رد الحجر الأسود المكي إلى مكانه في البيت، وقد بذل لهم الأمير بجكم التركي خمسين ألف دينار على أن يردوه إلى موضعه فلم يفعلوا، ثم أرسلوه إلى مكة بغير شيء على قعود فوصل في ذي القعدة من هذه السنة ولله الحمد والمنة وكان مدة مغايبته عنده ثنتين وعشرين سنة ففرح المسلمون لذلك فرحا شديدا.) أ.هـ
إن المسملين لم يدافعو عن الكعبة، وفرطوا في الحجر الأسود وبقي عند القرامطة - لعنهم الله - اثنين وعشرين سنة ولم يتحركوا لأخذه بل يدفعون الأموال فقط!!!
إن الله دافع عن حرمه بالطير الأبابيل في الوقت الذي لم يكن فيه مسلمين للدفاع عن الحرم أما لما كان هناك مسلمين فكان لزاما عليهم الدفاع عن حرم الله ولكنهم كانوا مثلنا نيام.
لقد صدق في أكثرهم قول الله تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة:46) فهل كره الله أنبعاثنا فثبطنا نحن كذلك؟؟إننا في زمن ضياع المفاهيم وغلبة الشهوات، وابتاع الكفار
إننا في زمن الغثائية والزبد والفقاعات الهوائة والبلونات الفارغة
أننتظر نصر الله، وكثير من المسلمين يأكل الحرام أويشرب الحرام أوينام على الحرام أويسمع الحرام أوينظر إلى الحرام؟
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7) ونصر الله بطاعته، فأين طاعة الله؟
نصر الله لا شك فيه قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:160)
هل أطاع الله من تولى الكفار وناصرهم على المسلمين؟ ألم يسمع هذا قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) وقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) (لأنفال:73) وقوله: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (المائدة:78ـ 81)
وهل نحن حقا نريد تحرير فلسطين ليحّكم الشرع المطهر، فيرفع حكم الله أم نريد استرجاع تراب ثم يحكم الكافر؟؟ أسئلة لابد لها من أجوبة
لقد ضرب الإخوة في فلسطين - أعادها الله لحوزة الدين - أروع الأمثلة في الصبر والجهاد في سبيل الله، فهذه دراين أبو عيشة تبدأ مرحلة الجهاديات المؤمنات الصادقات - كذا نحسبهن - وتقول ما نصه: (يجب أن يعرف شارون أن دور المرأة الفلسطنية لن يتوقف على إنجاب الأبطال وإعداد الشهداء بل تعدي للاستشهاد في سبيل الله تعالى)
ثم تتبعها أختها الصابرة آيات الأخرس، وما هي بخرساء فقد نطقت وأنطقت حتى الصخر حيث بينت حال الخونة والعملاء إذ قدمت روحها لله تعالى وهم قعدوا خلف الموائد وعلى الأسرة.
ثم نسمع بالمجاهد شادي الطوباسي الذي يتخطى أربعين تفتيشا لينطلق من جنيين إلى حيفا فيستشهد في أحد المطاعم وفي ليلة عيد الفصح وكأنه يقول: اليوم يوم عدي وليس يوم عيدكم، فالجنة موعدي والنار موعدكم بإذن الله. وكأني به يبتسم وهو يتذكر قول النبي - ص - (لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبَدًا) أخرجه مسلم.
أما تلك المرأة التي استشهدت ستة مرات!!
تلك المرأة التي قدمت روحها خالصة لوجه الله المرة تلو المرة
تلك الصابرة المحتسبة أم محمد فرحات فالله درها
تحث أبناءها على الشهادة وتقوي عزائمهم، وتخوفهم من الله تعالى وترغبهم بالجنة، وتزرع في قلوبهم محبة لقاء الله
فيستشهد أبناءها الواحد تلو الأخر ولتقدم ولدها السادس قبل أيام، وكأنها تقول إن كانت الصحابية الخنساء - ل - قدمت أربع من أبناءها فأنا قدمت ستة، فأي أم هي؟؟
وتأتي الأخبار عبر الاتصال الهاتفي وليس عبر وسائل الإعلام الكاذبة الخاطئة، فنسمع في يوم الأربعاء المنصرم أن في المجاهدين في جنيين دمروا دبابتين وجرافتين وفر الجنود الذين في باقي الدبابات كالجرذان، وفي نابلس كذلك يفر الجنود من أربع دبابات، لقد استطاع المسلمين هناك فعل ما لم تفعله الجيوش النائمة والتي لا تنشط إلا على شعوبها.
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة: 111، 112)
وقال تعالى آمرا المؤمنين ومنبها دعاة الإستسلام والخور: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة: 123)
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى