الغضب {الخميس 18 أغسطس - 16:33}

بسم الله الرحمن الرحيم
الغضب
التأريخ: 12/10/1427هـ
المكان: جامع أبي بكر الصديق ا بالقطيف
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
زارني رجل مشلول وعلامات الأسف والحزن بادية عليه وقال عندي سؤال: أنا رجل مشلولٌ وعندي أربعة من الأولاد ومثلهم من البنات ما نفعني أحدٌ منهم بشيءٍ، ولم يجلس عندي إلا زوجتي، وهي التي تطعمني وتغسّلني وهي صاحبتي الوحيدة، والبارحة طلبت مني الخروج فأذنت لها، ولم أحدد لها وقت للرجوع، فخرجت وتأخرت عليّ ولم ترجع إلا الحادية عشر مساء، فلما دخلت كنت غضبانا جدا فقلت لها: أنت طالق.. طالق.. طالق..
وبدأ يبكي ويردد: أنا بأمس الحاجة لها.. فماذا أصنع؟
وفي مشهد آخر نقف مع صديقين حميمين يأكلان سويا ويشربان سويا، وإذا قيل أين فلان قيل مع صاحبه، تشاجرا يوما لسبب تافه، فأخرج أحدهما سكينا صغيرا كانت في جيبه وطعن صاحبه وصديقه..، ثم بُهت.. كيف قتلتُ بيدي هاتين صديقي
إنه الغضب.. إنه الغضب
عباد الله:
لو سقت الأخبار المشابهة التي أعرفها لطالت بنا الخطبة، وأعلم أن كل واحد منكم عنده أخبار كثيرة ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق
الغضب يا عباد الله منهي عنه في الشرع المطهر بل ترك الغضب هو وصية رسول الله ص ففي البخاري أن رجلا قال للنبي @: أوصني، قال: (لا تغضب). فردد مرارا، قال: (لا تغضب).
والغضب يا عباد الله يجعلُ الرجلَ العاقلَ الأريبَ أشبهُ المجنونِ الأخرقِ، أو الطفل الأحمق، فمن ذا الذي يرضى بهذا لنفسه؟!!
ورب غضبة ساعة أورثت الندم العمر كله، فكم من رجل رأيته يبكي بكاء الطفل اليتيم على فراق زوجته بعد أن طلقها، وهو يمني نفسه أن يرجعها ولكن سبق السيف العذل
وربّ كلمة قالت لصاحبها: دعني
فالغضب يا عباد الله جمع الشر كله، ولم يندم أحد على الحلم أبدا، وكم مرة ندم المرء على الغضب؟
لا يحمل الحقد من تعلُو به الرُّتبُ ولا يَنالُ العُلا من طَبْعُهُ الغَضَبُ ()
عباد الله:
إن الغضبان إذا لم يملك نفسه وقع في شر حال، فعن جابر ا قال: سرنا مع رسول الله @ في غزوة، ورجل من الأنصار على ناضح له، فتلون عليه بعض التلون (أي توقف)، فقال له: سر لعنك الله، فقال رسول الله @: ((انزل عنه، فلا تصحبنا بملعون، لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم)) أخرجه مسلم في صحيحه.
وكثير من الناس خاصة النساء يدعون على أولادهم باللعن والشلل والموت والمرض، ولو استجيب لدعائهم لحزنوا أشد الحزن، فليتق الله أحدنا في نفسه وأولاده، ودعاء الغضبان قد يجاب إذا صادف ساعة إجابة فيهلك بذلك نفسه كما قال النبي @.
وأي ألم ستجده في نفسك إن علمت أن سبب هلاك ولدك أو شلله دعائك عليه؟؟
قال عطاء بن أبي رباح /:"ما أبكى العلماء بكاء آخر العمر من غضبة يغضبها أحدهم فتهدم عمل خمسين سنة أو ستين سنة أو سبعين سنة، ورب غضبة قد أقحمت صاحبها قحماً ما استقاله".
فرحم الله امرأ إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل.
ويقول عمر بن عبد العزيز /:"قد أفلح من عصم من الهوى والغضب والطمع".
وقال الحسن /: "أربع من كن فيه عصمه الله من الشيطان وحرمه على النار: من ملك نفسه عند الرغبة، والرهبة، والشهوة، والغضب".
وقال الغزالي في الإحياء: (وعن ذي القرنين أنه لقي ملكا من الملائكة فقال علمني علما ازداد به إيمانا ويقينا، قال:لا تغضب فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب، فرُدَّ الغضبَ بالكظمِ وسكنه بالتؤدةِ وإياك والعجلةَ فإنك إذا عجِلتَ أخطأتَ حظك وكن سهلا لينا للقريب والبعيد ولا تكن جبارا عنيدا) ()
يا عباد الله:
هذه بعض النصائح عند الغضب
1- كظم الغيظ:
قال تعالى: (( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ )) [الشورى:37]
وروى أحمد عن معاذ بن أنس الجهني مرفوعاً: ((من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء)). ()
وروى أحمد عن ابن عمر مرفوعاً: ((ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله Q)). ()
2- تذكر نماذج من كظم الغيظ:
روى البخاري ومسلم مرفوعاً: ((لما سمع النبي قول القائل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله شق عليه وغضب ثم قال: قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر)).
3- الاستعاذة:
روى البخاري ومسلم أن رجلان استبا عند رسول الله فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي: ((إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)).
4- التغيير من الهيئة:
روى أحمد وأبو داود عن أبي ذر مرفوعاً: ((إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)).
5- الوضوء:
روى أحمد وأبو داود عن عطية مرفوعاً: ((إن الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ الناس بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)).
6- السكوت وعدم التمادي:
روى أحمد عن ابن عباس قال: قال رسول @: ((إذا غضب أحدكم فليسكت)).
الخطبة الثانية:
الحمد لله
عباد الله:
إن مما يجب أن نؤمن به أن الله جل وعلا يغضب، وغضب الله يكون عند كل معصية، كما أنه ـ يرضى عند كل طاعة.
قال تعالى عن اليهود: ((.. وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )) [البقرة:61]، ونحن نردد في كل ركعة (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ )) فالله جل وعلا غضب على اليهود.
وكان النبي @ يغضب كلما عصي الله جل وعلا فقد صح الخبر أن رسول الله @ خرج على أصحابه-وهم يتناظرون في القدر- ورجل يقول: ألم يقل الله كذا, ورجل يقول: ألم يقل الله كذا, فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان..)
وهناك حالات يكون الغضب فيها محمودا: وهو إذا غضب لله جل وعلا فيغضب على ولده أو من تحت يده إذا ترك الصلاة أو يغضب إذا رأى منكر من المنكرات فهو يغضب لغضب الله جل وعلا وتقدس.
عباد الله:
عالجوا الغضب بالحلم والصبر.. وعلموا أولادكم الصفح والعفو وأشيعوا هذا بينكم