لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}  Empty {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} {الجمعة 19 أغسطس - 12:56}

{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}
إبراهيم بن محمد الحقيل
15/7/1432
الحَمْدُ للهِ العَلِيمِ القَدِيرِ؛ فَعَّالٍ لِمَا يُرِيدُ، شَدِيدِ المِحَالِ، عَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ؛ فَنِعَمُهُ لاَ تُعَدُّ، وَإِحْسَانُهُ لاَ يُحَدُّ، وَخَزَائِنُهُ لاَ تَنْفَدُ، كَمْ أَعْطَى مِنْ خَيْرٍ! وَكَمْ دَفَعَ مِنْ ضُرٍّ! وَمُنْذُ خَلَقَ الخَلْقَ وَهُوَ يَغْذُوهُمْ وَيَرْزُقُهُمْ، فَلَمْ يَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَمْسِكْ رِزْقَهُ عَنْهُمْ! وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ آيَاتُهُ مُخَوِّفَةٌ، وَرَحْمَتُهُ مَرْجُوَّةٌ، وَعَذَابُهُ مَحْذُورٌ؛ [إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا] {الإسراء:57}. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى لِيُنْذِرَ النَّاسَ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ، وَيُبَلِّغَهُمْ دِينَهُمْ، وَيَدُلَّهُمْ عَلَى سُبُلِ نَجَاتِهِمْ؛ فَقَالَ لِلنَّاسِ: «إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ؛ فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ فَأَدْلَجُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْهُ طَائِفَةٌ فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَاجْتَاحَهُمْ»، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْتَبِرُوا بِنُذُرِ اللهِ تَعَالَى إِلَيْكُمْ؛ فَاتَّبِعُوا رَسُولَكُمْ، وَأَقِيمُوا دِينَكُمْ، وَخُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ، وَاحْذَرُوا أَنْ تَحُلَّ نِقْمَةُ اللهِ تَعَالَى بِكُمْ؛ [فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِين] {الذَّارِيَات:50}.
أَيُّهَا النَّاسُ: مِنْ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ أَّنَهُ لاَ يُؤَاخِذُهُمْ بِجَهْلِهِمْ، وَلاَ يُعَاقِبُهُمْ إِلاَّ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ، وَلاَ حَاجَةَ لَهُ سُبْحَانَهُ فِي تَعْذِيبِهِمْ؛ لِأَنَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- غَنِيٌّ عَنْهُمْ وَعَنْ أَعْمَالِهِمْ؛ [مَّا يَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمٗا] {النساء:147}.
وَمِنْ سُنَّتِهِ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يُزِيلُ جَهْلَ عِبَادِهِ بِالعِلْمِ؛ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الكُتُبَ، وَعَلَّمَهُمْ دِينَهُمْ، وَقَطَعَ مَعْذِرَتَهُمْ؛ [رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ] {النساء:165}.
وَحَذَّرَهُمْ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ التَّسَاهُلِ بِأَمْرِهِ أَوِ الجُرْأَةِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ؛ إِذْ بِذَلِكَ تُرْفَعُ عَافِيَتُهُ، وَتُسْتَجْلَبُ عُقُوبَاتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ فَتَرْكُ الطَّاعَاتِ، وَمُقَارَفَةُ المُحَرَّمَاتِ أَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ الفَرْدِيَّةِ وَالجَمَاعِيَّةِ.
وَمِنْ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ بِاللاَّحِقِينَ مِنْ عِبَادِهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ بِأَحْوَالِ السَّابِقِينَ، وَكَشَفَ لَهُمْ مَصِيرَ الغَابِرِينَ، وَبَيَّنَ لَهُمْ عَاقِبَةَ المُكَذِّبِينَ؛ لِئَلاَّ تَتَكَرَّرَ العُقُوبَاتُ فِي البَشَرِ بِتَكَرُّرِ العِصْيَانِ؛ وَلِيَأْخُذَ المُتَأَخِّرُ العِبْرَةَ مِمَّا حَلَّ بِالمُتَقَدِّمِ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الاسْتِكْبَارِ هُمْ أَهْلُ الاسْتِكْبَارِ، وَأَهْلَ المَعْصِيَةِ هُمْ أَهْلُ المَعْصِيَةِ، لاَ يَتَغَيَّرُونَ وَلاَ يَنْتَهُونَ، فَلا يَعْتَبِرُونَ بِالآيَاتِ، وَلا يَتَّعِظُونَ بِالأَخْبَارِ؛ [إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ ٩٦ وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ] {يونس:96-97}، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: [وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ
١٠١ فَهَلۡ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثۡلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ
قُلۡ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ] {يونس:101-102}.
كَمْ أُنْذِرَ قَوْمٌ بِمَنْ كَانُوا قَبْلَهُمْ؛ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِهِمْ، فَسَلَكُوا مَسْلَكَهُمْ، فَذَاقُوا العَذَابَ مِثْلَهُمْ، وَحِينَ يَنْزِلُ بِهِمْ عَذَابُ اللهِ تَعَالَى يَتَذَكَّرُونَ نُصْحَ النَّاصِحِينَ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ تَذَكُّرٌ بَعْدَ فَوَاتِ الأَوَانِ؛ [فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ] {غافر:85}.
وَمَا الفَائِدَةُ أَنْ يَعْلَمَ الظَّالِمُ أَنَّهُ ظَالِمٌ حِينَ عَايَنَ العَذَابَ؟! وَمَاذَا يَنْفَعُ العَاصِي عِلْمُهُ بِخَطَرِ مَعْصِيَتِهِ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ العُقُوبَةُ؟! إِنَّهَا سُنَّةٌ مَكْرُورَةٌ فِي البَشَرِ، تُسْكِرُهُمُ النِّعَمُ، وَتَبْطرُ بِهِمُ العَافِيَةُ، وَتُطْبِقُ عَلَيْهِمُ الغَفْلَةُ، فَيَبْطِشُونَ بَطْشَ الجَبَّارِينَ، وَيَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا عَمَلَ الخَالِدِينَ، وَيَنْسَوْنَ أَمْرَ الدِّينِ؛ حَتَّى إِذَا نَزَلَ بِهِمْ عَذَابُ اللهِ تَعَالَى اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ كَانُوا ظَالِمِينَ، وَلَمْ يَكُنِ الغُرُورُ وَالتَّسْوِيفُ وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ تَعَالَى وَعُقُوبَتِهِ قَلِيلاً فِي البَشَرِ، بَلْ هُوَ كَثِيرٌ، وَكَثِيرٌ جِدًّا؛ [وَكَم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا فَجَآءَهَا بَأۡسُنَا بَيَٰتًا أَوۡ هُمۡ قَآئِلُونَ ٤ فَمَا كَانَ دَعۡوَىٰهُمۡ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَآ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ] {الأعراف:4-5}.
وَالاسْتِفْهَامُ هُنَا يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ، وَتَكْرَارِهِ فِي البَشَرِ أَفْرَادًا وَجَمَاعَاتٍ، جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ، وَأُمَّةً فِي إِثْرِ أُمَّةٍ؛ إِذْ لَوْ كَانَ قَلِيلاً لَمْ يُسْتَفْهَمْ عَنْهُ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ، فَاعْتَرَفُوا بِظُلْمِهِمْ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ قَدْ حَاقَ بِهِمْ، وَكَانَ الأَجْدَرُ بِهِمْ، وَالأَنْفَعُ لَهُمْ أَنْ يَعْتَرِفُوا بِذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ العَذَابِ، وَفِرْعَونُ لَمَّا رَأَى العَذَابَ آمَنَ فَلَمْ يَنْفَعْهُ إِيمَانُهُ.
إِنَّهَا مَأْسَاةُ البَشَرِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَأَغْلاطُهُمُ المُتَكَرِّرَةُ الَّتِي لاَ تَكَادُ تَنْفَكُّ عَنْهُمْ؛ فَإِنْ كَانُوا فِي نِعْمَةٍ لَمْ يُقَيِّدُوهَا بِشُكْرِهَا، وَاسْتَجْلَبُوا عَذَابَ اللهِ تَعَالَى بِكُفْرِهَا، فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِمُ العُقُوبَةُ أَدْرَكُوا خَطَأَهُمْ، وَتَذَكَّرُوا نُصْحَ النَّاصِحِينَ مِنْهُمْ، وَلَوْ تَقَدَّمُوا فِي عِظَتِهِمْ، وَاسْتَدْرَكُوا غَفْلَتَهُمْ، وَغَسَلُوا خَطَأَهُمْ بِتَوْبَتِهِمْ، لَرَدَّ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمُ العُقُوبَةَ، وَزَادَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.
وَفِي مَقَامٍ آخَرَ مَشْهَدٌ مِنْ مَشَاهِدِ العَذَابِ، فِيهِ تَفْصِيلٌ أَكْثَرُ لِحَالِ المُعَذَّبِينَ حِينَ يَعْتَرِفُونَ بِظُلْمِهِمْ، وَيُحَاوِلُونَ الهَرَبَ مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ؛ [وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا
ءَاخَرِينَ ١١ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأۡسَنَآ إِذَا هُم مِّنۡهَا يَرۡكُضُونَ ١٢
لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ
تُسۡ‍َٔلُونَ ١٣ قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ ١٤ فَمَا زَالَت تِّلۡكَ
دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ] {الأنبياء:11-15}.
يَا لِلَّهِ العَظِيمِ! كَمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ مِنْ عِبْرَةٍ، يَرْكُضُونَ هَارِبِينَ مِنْ بَأْسِ اللهِ تَعَالَى وَعَذَابِهِ، تَارِكِينَ أَسْبَابَ تَرَفِهِمْ وَرَاءَهُمْ، زَاهِدِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ! وَمَنْ أَبْصَرَ أَحْوَالَ النَّازِحِينَ مِنَ الحُرُوبِ وَالفَيَضَانَاتِ، وَاللاَّجِئِينَ إِلَى غَيْرِ دِيَارِهِمْ فَهِمَ هَذِهِ الآيَةَ حَقَّ الفَهْمِ.
تَأَمَّلُوا يَا عِبَادِ اللهِ اعْتِرَافَهُمْ فِي كِلا المَقَامَيْنِ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ، فَهَلاَّ كَانَ اعْتِرَافُهُمْ قَبْلَ نُزُولِ العَذَابِ بِهِمْ، وَلا سِيَّمَا أَنَّهُمْ قَدْ أُنْذِرُوا بِمَنْ كَانُوا قَبْلَهُمْ؟!
وَكَأَّنَهَا عَادَةٌ فِي البَشَرِ أَنَّهُمْ لاَ يَتَذَكَّرُونَ وَلا يَتَّعِظُونَ إِلاَّ إِنْ نَزَلَ بِهِمْ شَيْءٌ مِنَ العَذَابِ، رَغْمَ عِلْمِهِمْ بِقُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَمَعْرِفَتِهِمْ بِأَخْبَارِ المُعَذَّبِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَاضْطِرَادِ هَذِهِ السُّنَنِ فِيهِمْ؛ مِمَّا يَعْنِي تَرْتِيبَ العَذَابِ عَلَى العِصْيَانِ؛ وَلِذَا يَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ الأَكْثَرُ فِي البَشَرِ؛ [وَلَئِن مَّسَّتۡهُمۡ نَفۡحَةٞ مِّنۡ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ] {الأنبياء:46}.
وَلا يُعَذِّبُ اللهُ تَعَالَى قَوْمًا حَتَّى يُنْذِرَهُمْ، سَوَاءٌ كَانَتْ نُذُرُهُ سُبْحَانَهُ إِلَيْهِمْ رُسُلاً مِنْهُمْ يَبْعَثُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِمْ، كَمَا أَنْذَرَ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ بَعْدَهُ أَقْوَامَهُمْ عَذَابَ اللهِ تَعَالَى، فَكُلُّ نَبِيٍّ أَخْبَرَ قَوْمَهُ أَنَّهُ نَذِيرٌ لَهُمْ، وَيَقُومُ بِهَذِهِ المُهِمَّةِ الإِصْلاحِيَّةِ بَعْدَ الرُّسُلِ أَتْبَاعُهُمْ مِنَ العُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ بِإِنْذَارِ النَّاسِ مِنْ عَذَابِ اللهِ تَعَالَى إِذَا رَأَوْهُمْ عَلَى المَعَاصِي.
وَمِنْ نُذُرِ اللهِ تَعَالَى لِلنَّاسِ مَا يَكُونُ آيَاتٍ كَوْنِيَّةً يُخَوِّفُهُمْ سُبْحَانَهُ بِهَا؛ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: [وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّا تَخۡوِيفٗا] {الإسراء:59}.
وَهَذِهِ الآيَاتُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ العَذَابِ وَالإِتْلاَفِ؛ كَالزَّلازِلِ وَالرِّيحِ، وَالأَعَاصِيرِ وَالغَرَقِ، وَقَدْ تَكُونُ مُجَرَّدَ تَخْوِيفٍ لِئَلاَّ يَتَمَادَوْا فِي طُغْيَانِهِمْ؛ كَالْكُسُوفِ وَالخُسُوفِ، فَقَدْ جَاءَ فِيهِمَا قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِمَا عِبَادَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَكُلُّ المُعَذَّبِينَ مِنْ قَبْلُ، مَا عُذِّبُوا إِلاَّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْبَهُوا بِنُذُرِ اللهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَسْتَمِعُوا إِلَى نُصْحِ النَّاصِحِينَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِهَلاكِ مَنْ كَانُوا قَبْلَهُمْ، وَلَمْ يَخَافُوا مِنْ تَخْوِيفِ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ بِآيَاتٍ فِيهَا مَسٌّ مِنْ عَذَابٍ، أَوْ فِيهَا تَخْوِيفٌ لِلْعِبَادِ؛ وَلِذَا ذَيَّلَ اللهُ تَعَالَى قِصَّةَ هَلاَكِ قَوْمِ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- بِالغَرَقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: [وَأَغۡرَقۡنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَاۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُنذَرِينَ] {يونس:73}. وَذَيَّلَ قِصَّةَ هَلاكِ قَوْمِ لُوطٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: [وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَسَآءَ مَطَرُ ٱلۡمُنذَرِينَ] {الشعراء:173}، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مُنْذَرِينَ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ نُذُرَهُ فَمَا حَفَلُوا بِهَا؛ فَحَقَّ عَلَيْهِمُ العَذَابُ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ عَامَّةٌ فِي المُعَذَّبِينَ، فَمَا أَهْلَكَهُمُ اللهُ تَعَالَى إِلاَّ بَعْدَ إِنْذَارِهِمْ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ مُخْبِرًا عَنْ كُفَّارِ مَكَّةَ: [وَلَقَدۡ ضَلَّ قَبۡلَهُمۡ أَكۡثَرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٧١ وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا فِيهِم
مُّنذِرِينَ ٧٢ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُنذَرِينَ] {الصَّفات:71-73}، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ ذَلِكَ [إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِينَ] {الصَّفات:74}، وَهُمُ الَّذِينَ اعْتَبَرُوا بِنُذُرِ اللهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ، فَأَخَذُوا بِأَسْبَابِ نَجَاتِهِمْ، وَنَفَى اللهُ تَعَالَى وُقُوعَ الإِهْلاكِ إِلاَّ بَعْدَ الإِنْذَارِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ هِيَ سُنَّتُهُ فِي عِبَادِهِ؛ [وَمَآ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ] {الشعراء:208}.
وَأَكَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذِهِ السُّنَّةَ الرَّبَّانِيَّةَ فِي مُعَامَلَةِ اللهِ تَعَالَى لِلْبَشَرِ بِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَنْ يَهْلِكَ النَّاسُ حَتَّى يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ»رَوَاهُ أَحْمَدُ؛ أَيْ: حَتَّى يَرْجِعُوا بِاللَّوْمِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ كَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ، ويَعْذِرُوا مُؤَاخِذَهُمْ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْهُمْ؛ فَفِي رُجُوعِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِاللَّوْمِ بَيَانُ عُذْرِ اللهِ -جَلَّ جَلالَهُ- فِي مُؤَاخَذَتِهِمْ وَمُعَاقَبَتِهِمْ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُجَنِّبَنَا سُخْطَهُ، وَأَنْ يُدِيمَ عَلَيْنَا عَافِيَتَهُ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ المُعْتَبِرِينَ بِنُذُرِهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: [أَفَرَءَيۡتَ إِن مَّتَّعۡنَٰهُمۡ سِنِينَ ٢٠٥ ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ ٢٠٦ مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ ٢٠٧ وَمَآ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ ٢٠٨ ذِكۡرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَٰلِمِينَ] {الشعراء:205-209}.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى? وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ? [وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيم] {البقرة:235}.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، قَدْ يُصِيبُ اللهُ تَعَالَى البَشَرَ بِشَيْءٍ مِنَ النَّقْصِ أَوِ العَذَابِ غَيْرِ المُهْلِكِ؛ لِيَكُونَ إِيقَاظًا لَهُمْ؛ كَهَلاكِ بَعْضِهِمْ، أَوْ تَلَفِ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ نَقْصِ مَوَارِدِهِمْ، أَوِ اضْطِرَابِ أَحْوَالِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى:[وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَكۡبَرِ
لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ] {السجدة:21}.
وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَذَابًا دُونَ الإِهْلاكِ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ هَلاكًا لِبَعْضِهِمْ لِيَعْتَبِرَ بِهِ بَقِيَّتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَيَّلَ الآيَةَ بِبَيَانِ حِكْمَةِ هَذَا العَذَابِ الأَدْنَى وَهِيَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ لِاتِّقَاءِ العَذَابِ الأَكْبَرِ؛ فقال [لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ].
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ تَلَفُ ثِمَارِ أَصْحَابِ الجَنَّةِ؛ [إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِينَ ١٧ وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ ١٨ فَطَافَ عَلَيۡهَا طَآئِفٞ مِّن رَّبِّكَ وَهُمۡ نَآئِمُونَ ١٩ فَأَصۡبَحَتۡ كَٱلصَّرِيمِ] {القلم:17-20}، لَكِنْ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ العَذَابَ أَصَابَ ثِمَارَهُمْ سَبَّحُوا اللهَ تَعَالَى وَتَابُوا إِلَيْهِ مِنْ ظُلْمِهِمْ؛ [قَالُواْ سُبۡحَٰنَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ] {القلم:29}، وَكَانَ مِنْ نَتِيجَةِ ذَلِكَ أَنْ قَالُوا: [إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَٰغِبُونَ] {القلم:32}.
وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ مِنَ اسْتِعْجَالِ العَذَابِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ نَزَلَ بِهِمْ نَدِمُوا، فَلاَ يَنْفَعُهُمْ حِينَهَا النَّدَمُ، وَلا يَسْتَعْجِلُ عَذَابَ اللهِ تَعَالَى إِلاَّ مَنِ اسْتَهَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ شَكَّ فِي قُدْرَتِهِ، كَمَا هُوَ حَالُ كَثِيرٍ مِنَ المُنَافِقِينَ فِي عَصْرِنَا، حِينَ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى العِصْيَانِ، وَيَسْخَرُونَ مِمَّنْ يُحَذِّرُهُمْ مِنَ العَذَابِ، وَيُفَسِّرُونَ نُذُرَ اللهِ تَعَالَى الكَوْنِيَّةَ تَفْسِيرَاتٍ مَادِّيَّةً يُزِيلُونَ مِنْهَا خُصُوصِيَّةَ التَّخْوِيفِ؛ ليُؤَمِّنُوا النَّاسَ مِنْ مَكْرِ اللهِ تَعَالَى، حَتَّى يَنْزِلَ بِهِمُ العَذَابُ وَهُمْ غَافِلُونَ كَمَا نَزَلَ بِالسَّابِقِينَ، وَمَا أَهْلَكَ الأُمَمَ السَّابِقَةَ إِلاَّ طَاعَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ المُسْتَكْبِرِينَ؛ [أَفَبِعَذَابِنَا يَسۡتَعۡجِلُونَ١٧٦ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمۡ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلۡمُنذَرِينَ] {الصَّفات:176-177}.
إِنَّنَا يَا عِبَادَ اللهِ فِي زَمَنٍ كَثُرَتْ فِيهِ الفِتَنُ، وَتَعَاظَمَتِ المِحَنُ، وَتَوَالَتْ عَلَيْنَا النُّذُرُ، وَاضْطَرَبَتِ البُلْدَانُ مِنْ حَوْلِنَا، وَاسْتَحَرَّ القَتْلُ فِي النَّاسِ، فَأَخْبَارُ الصَّبَاحِ وَالمَسَاءِ تَنْقُلُ مَشَاهِدَ الدِّمَاءِ وَهِيَ تَنْزِفُ، وَالجُثَثَ وَهِيَ تَمْلَأُ الطُّرُقَاتِ فِي لِيبْيَا وَسُورِيَّا وَاليَمَنِ وَغَيْرِهَا.
وَأَحْوَالُ الاقْتِصَادِ العَالَمِيِّ فِي كَسَادٍ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى حُرُوبٍ وَنِزَاعَاتٍ، وَالأَوْضَاعُ الإِقْلِيمِيَّةُ فِي غَايَةِ التَّوَتُّرِ، وَالنَّاسُ فِي تَرَقُّبٍ، وَآيَاتُ اللهِ تَعَالَى الكَوْنِيَّةُ تُتَابَعُ عَلَى النَّاسِ، وَلَيْسَ آخِرَهَا الزَّلازِلُ المُتَكَرِّرَةُ، وَلا الكُسُوفُ وَالخُسُوفُ المُتَتَابِعُ، كُلُّ هَذِهِ نُذُرٌ لِمَنْ هُمْ فِي عَافِيَةٍ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ، وَيَثُوبُوا إِلَى رُشْدِهِمْ، وَيُرَاجِعُوا دِينَهُمْ، وَلَكِنْ وَيَا لَلأَسَفِ! مَا تَكَرَّرَ فِي السَّابِقِينَ مِنَ الغَفْلَةِ يَقَعُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَأَهْلُ النِّفَاقِ وَالشَّهَوَاتِ تَؤُزُّهُمْ شَيَاطِينُهُمْ وَيَجْلِبُونَ بِخَيْلِهِمْ وَرَجْلِهِمْ فِي مُحَارَبَةِ دِينِ اللهِ تَعَالَى، وَأَذِيَّةِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَتَعْبِيدِ طُرُقِ الفَسَادِ المُؤَدِّي إِلَى العَذَابِ وَالهَلاكِ، بِإِفْسَادِ المَرْأَةِ وَدَعْوَتِهَا إِلَى التَّمَرُّدِ عَلَى الحَيَاءِ وَالعِفَّةِ وَالحِجَابِ، وَرَفْضِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي فِيهَا صِيَانَتُهَا، وَيُحَاوِلُونَ فَرْضَ الاخْتِلاطِ عَلَى النَّاسِ بِالقُوَّةِ، وَإِفْسَادِهِمْ بِأَيِّ طَرِيقٍ، وَفِي النَّاسِ ضُعَفَاءُ سَمَّاعُونَ لَهُمْ.
يَجْتَرِئُونَ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَيُحَارِبُونَ شَرِيعَتَهُ، وَيُعَادُونَ أَوْلِيَاءَهُ فِي وَقْتٍ تَتَابَعَتْ فِيهِ النُّذُرُ عَلَيْنَا، وَاضْطَرَبَتْ أَحْوَالُ البُلْدَانِ مِنْ حَوْلِنَا، وَيُوشِكُ الخَطَرُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْنَا، وَلاَ يَعْتَبِرُونَ بِذَلِكَ، وَلاَ ثَمَّةَ مَنْ يَرْدَعُهُمْ عَنْ غَيِّهِمْ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُجَنِّبَنَا العَذَابَ، فَإِنْ وَقَعَ فَهُمْ سَبَبُهُ، مَعَ سُكُوتِ النَّاسِ عَنْ إِفْسَادِهِمْ، وَلَنْ تَنْجُوَ البِلادُ إِلاَّ بِالمُصْلِحِينَ المُحْتَسِبِينَ الَّذِينَ يَقِفُونَ عَثْرَةً فِي طَرِيقِ إِفْسَادِهِمْ، وَيُبَيِّنُونَ لِلنَّاسِ مُخَطَّطَاتِهِمْ، وَيَحْتَسِبُونَ عَلَيْهِمْ، وَيُحَذِّرُونَ العِبَادَ مِنْهُمْ؛ [وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ] {هود:117}.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ.
[فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُنْذَرِينَ]
إبراهيم بن محمد الحقيل
15/7/1432
الحمد لله العليم القدير؛ فعال لما يريد، شديد المحال، عزيز ذي انتقام، نحمده كما ينبغي له أن يحمد؛ فنعمه لا تعد، وإحسانه لا يحد، وخزائنه لا تنفد، كم أعطى من خير؟ وكم دفع من ضر؟ ومنذ خلق الخلق وهو يغذوهم ويرزقهم، فلم يكلهم إلى أنفسهم، ولم يمسك رزقه عنهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ آياته مخوفة، ورحمته مرجوة، وعذابه محذور [إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا] {الإسراء:57}، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بعثه الله تعالى لينذر الناس من عذاب ربهم، ويبلغهم دينهم، ويدلهم على سبل نجاتهم؛ فقال للناس:«إِنِّي أنا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فالنجاء النَّجَاءَ فأطاعه طَائِفَةٌ فَأَدْلَجُوا على مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا وَكَذَّبَتْهُ طَائِفَةٌ فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَاجْتَاحَهُمْ». صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعتبروا بنذر الله تعالى إليكم؛ فاتبعوا رسولكم، وأقيموا دينكم، وخذوا على أيدي سفهائكم، واحذروا أن تحل نقمة الله تعالى بكم [فَفِرُّوا إِلَى الله إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ] {الذاريات:50}.
أيها الناس: من سنة الله تعالى في عباده أنه لا يؤاخذهم بجهلهم، ولا يعاقبهم إلا بما كسبت أيديهم، ولا حاجة له سبحانه في تعذيبهم؛ لأنه عز وجل غني عنهم وعن أعمالهم [مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا] {النساء:147}.
ومن سنته سبحانه أنه يزيل جهل عباده بالعلم؛ فأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وعلمهم دينهم، وقطع معذرتهم [رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ] {النساء:165} وحذرهم عز وجل من التساهل بأمره أو الجرأة على معصيته؛ إذ بذلك ترفع عافيته، وتستجلب عقوباته في الدنيا والآخرة؛ فترك الطاعات، ومقارفة المحرمات أسباب للعقوبات الفردية والجماعية.
ومن رحمته سبحانه باللاحقين من عباده أنه أخبرهم بأحوال السابقين، وكشف لهم مصير الغابرين، وبين لهم عاقبة المكذبين؛ لئلا تتكرر العقوبات في البشر بتكرر العصيان؛ وليأخذ المتأخر العبرة مما حل بالمتقدم، ولكن أهل الاستكبار هم أهل الاستكبار، وأهل المعصية هم أهل المعصية، لا يتغيرون ولا ينتهون، فلا يعتبرون بالآيات، ولا يتعظون بالأخبار [إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ] {يونس:96-97} وفي آية أخرى [وَمَا تُغْنِي الآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ * فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ المُنْتَظِرِينَ] {يونس:101-102}.
كم أنذر قوم بمن كانوا قبلهم فلم يعتبروا بهم، فسلكوا مسلكهم، فذاقوا العذاب مثلهم، وحين ينزل بهم عذاب الله تعالى يتذكرون نصح الناصحين منهم، ولكنه تذكر بعد فوات الأوان [فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا] {غافر:85}.
وما الفائدة أن يعلم الظالم أنه ظالم حين عاين العذاب؟! وماذا ينفع العاصي علمه بخطر معصيته إذا نزلت به العقوبة؟! إنها سنة مكرورة في البشر، تسكرهم النعم، وتبطر بهم العافية، وتطبق عليهم الغفلة، فيبطشون بطش الجبارين، ويعملون للدنيا عمل الخالدين، وينسون أمر الدين؛ حتى إذا نزل بهم عذاب الله تعالى اعترفوا بأنهم كانوا ظالمين.. ولم يكن الغرور والتسويف والأمن من مكر الله تعالى وعقوبته قليلا في البشر، بل هو كثير.. وكثير جدا.. [وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ * فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ] {الأعراف:4-5} والاستفهام هنا يدل على كثرة وقوع ذلك، وتكراره في البشر أفرادا وجماعات، جيلا بعد جيل، وأمة في إثر أمة؛ إذ لو كان قليلا لم يستفهم عنه وإنما يذكر، فاعترفوا بظلمهم لما رأوا العذاب قد حاق بهم، وكان الأجدر بهم، والأنفع لهم أن يعترفوا بذلك قبل نزول العذاب، وفرعون لما رأى العذاب آمن فلم ينفعه إيمانه .
إنها مأساة البشر قديما وحديثا، وأغلاطهم المتكررة التي لا تكاد تنفك عنهم؛ فإن كانوا في نعمة لم يقيدوها بشكرها، واستجلبوا عذاب الله تعالى بكفرها، فإذا نزلت بهم العقوبة أدركوا خطأهم، وتذكروا نصح الناصحين منهم، ولو تقدموا في عظتهم، واستدركوا غفلتهم، وغسلوا خطأهم بتوبتهم لرد الله تعالى عنهم العقوبة، وزادهم من فضله..
وفي مقام آخر مشهد من مشاهد العذاب فيه تفصيل أكثر لحال المعذبين حين يعترفون بظلمهم، ويحاولون الهرب مما نزل بهم [وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ] {الأنبياء:11-15}.
يا لله العظيم.. كم في هذه الآية من عبرة.. يركضون هاربين من بأس الله تعالى وعذابه، تاركين أسباب ترفهم وراءهم، زاهدين في أموالهم ومساكنهم.. ومن أبصر أحوال النازحين من الحروب والفيضانات، واللاجئين إلى غير ديارهم فهم هذه الآية حق الفهم.
تأملوا يا عباد الله اعترافهم في كلا المقامين بقولهم: إنا كنا ظالمين، فهلا كان اعترافهم قبل نزول العذاب بهم، ولا سيما أنهم قد أنذروا بمن كانوا قبلهم؟!
وكأنها عادة في البشر أنهم لا يتذكرون ولا يتعظون إلا إن نزل بهم شيء من العذاب، رغم علمهم بقدرة الله تعالى عليهم، ومعرفتهم بأخبار المعذبين من قبلهم، واضطراد هذه السنن فيهم؛ مما يعني ترتيب العذاب على العصيان؛ ولذا يقول الله تعالى عن هذا النوع من الناس وهو الأكثر في البشر [وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ] {الأنبياء:46}.
ولا يعذب الله تعالى قوما حتى ينذرهم، سواء كانت نذره سبحانه إليهم رسل منهم يبعثهم ويؤيدهم بما يدل على صدقهم، كما أنذر نوح والنبيون بعده أقوامهم عذاب الله تعالى فكل نبي أخبر قومه أنه نذير لهم، ويقوم بهذه المهمة الإصلاحية بعد الرسل أتباعهم من العلماء والدعاة بإنذار الناس من عذاب الله تعالى إذا رأوهم على المعاصي. ومن نذر الله تعالى للناس ما يكون آيات كونية يخوفهم سبحانه بها فقد قال سبحانه [وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا] {الإسراء:59} وهذه الآيات قد يكون فيها شيء من العذاب والإتلاف كالزلازل والريح والأعاصير والغرق، وقد تكون مجرد تخويف لئلا يتمادوا في طغيانهم كالكسوف والخسوف، فقد جاء فيهما قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ من آيَاتِ الله يُخَوِّفُ الله بِهِمَا عِبَادَهُ »رواه الشيخان.
وكل المعذبين من قبل ما عذبوا إلا لأنهم لم يأبهوا بنذر الله تعالى، ولم يستمعوا إلى نصح الناصحين منهم، ولم يعتبروا بهلاك من كانوا قبلهم، ولم يخافوا من تخويف الله تعالى لهم بآيات فيها مس من عذاب، أو فيها تخويف للعباد؛ ولذا ذيل الله تعالى قصة هلاك قوم نوح بالغرق بقوله تعالى [وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُنْذَرِينَ] {يونس:73}. وذيل قصة هلاك قوم لوط عليه السلام بقوله سبحانه [وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ المُنْذَرِينَ] {الشعراء:173} فبين سبحانه أنهم كانوا منذَرين، وأن الله تعالى أرسل إليهم نذره فما حفلوا بها فحق عليهم العذاب..
وفي موضع آخر ذكر الله تعالى أن هذه السنة عامة في المعذبين، فما أهلكهم الله تعالى إلا بعد إنذارهم فقال سبحانه مخبرا عن كفار مكة [وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُنْذَرِينَ] {الصَّفات:71-73} ولم يستثن من ذلك [إِلَّا عِبَادَ الله المُخْلَصِينَ] {الصَّفات:128} وهم الذين اعتبروا بنذر الله تعالى إليهم، فأخذوا بأسباب نجاتهم، ونفى الله تعالى وقوع الإهلاك إلا بعد الإنذار مما يدل على أن هذه هي سنته في عباده [وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ] {الشعراء:208}.
وأكد النبي صلى الله عليه وسلم هذه السنة الربانية في معاملة الله تعالى للبشر بقوله صلى الله عليه وسلم:«لَنْ يَهْلِكَ الناس حتى يُعْذِرُوا من أَنْفُسِهِمْ»رواه أحمد. أي: حتَّى يرجعوا باللَّوم على أنفسهم من كثرة ذنوبهم، ويَعْذِروا مؤاخذهم على ما يكون منهم. ففي رجوعهم على أنفسهم باللوم بيان عذر الله جل جلاله في مؤاخذتهم ومعاقبتهم.
نسأل الله تعالى أن يجنبنا سخطه، وأن يديم علينا عافيته، وأن يجعلنا من المعتبرين بنذره، إنه سميع مجيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ * وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ * ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ] {الشعراء:205-209}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ] {البقرة:235}
أيها المسلمون: قد يصيب الله تعالى البشر بشيء من النقص أو العذاب غير المهلك ليكون إيقاظا لهم، كهلاك بعضهم، أو تلف أموالهم، أو نقص مواردهم، أو اضطراب أحوالهم ومعايشهم كما قال الله تعالى [وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ] {السجدة:21} ومنه ما يكون عذابا دون الإهلاك، ومنه ما يكون هلاكا لبعضهم ليعتبر به بقيتهم؛ لأنه سبحانه ذيل الآية ببيان حكمة هذا العذاب الأدنى وهي الرجوع إليه سبحانه لاتقاء العذاب الأكبر فقال [لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ] {السجدة:21}
ومن هذا النوع تلف ثمار أصحاب الجنة [إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ] {القلم:17-20} لكن لما رأوا أن العذاب أصاب ثمارهم سبحوا الله تعالى وتابوا إليه من ظلمهم [قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ] {القلم:29} وكان من نتيجة ذلك أن قالوا [إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ] {القلم:32}.
وقد حذر الله تعالى الناس من استعجال العذاب؛ لأنه إن نزل بهم ندموا فلا ينفعهم حينها الندم، ولا يستعجل عذاب الله تعالى إلا من استهان بأمره أو شك في قدرته كما هو حال كثير من المنافقين في عصرنا حين يدعون الناس إلى العصيان، ويسخرون ممن يحذرهم من العذاب، ويفسرون نذر الله تعالى الكونية تفسيرات مادية يزيلون منها خصوصية التخويف؛ ليُؤَمِّنوا الناس من مكر الله تعالى حتى ينزل بهم العذاب وهم غافلون كما نزل بالسابقين، وما أهلك الأمم السابقة إلا طاعة هذا النوع من المستكبرين [أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ] {الصَّفات:176-177}.
إننا يا عباد الله في زمن كثرت فيه الفتن، وتعاظمت المحن، وتوالت علينا النذر، واضطربت البلدان من حولنا، واستحرَّ القتل في الناس، فأخبار الصباح والمساء تنقل مشاهد الدماء وهي تنزف، والجثث وهي تملأ الطرقات في ليبيا وسوريا واليمن وغيرها.. وأحوال الاقتصاد العالمي في كساد قد يؤدي إلى حروب ونزاعات، والأوضاع الإقليمية في غاية التوتر، والناس في ترقب..وآيات الله تعالى الكونية تتابع على الناس وليس آخرها الزلزال المتكررة، ولا الكسوف والخسوف المتتابع.. كل هذه نذر لمن هم في عافية حتى يرجعوا إلى ربهم، ويثوبوا إلى رشدهم، ويراجعوا دينهم، ولكن ويا للأسف ما تكرر في السابقين من الغفلة يقع فيه كثير من الناس.. وأهل النفاق والشهوات تؤزهم شياطينهم ويجلبون بخيلهم ورجلهم في محاربة دين الله تعالى، وأذية عباده الصالحين، وتعبيد طرق الفساد المؤدي إلى العذاب والهلاك، بإفساد المرأة ودعوتها إلى التمرد على الحياء والعفة والحجاب ورفض أحكام الشريعة التي فيها صيانتها، ويحاولون فرض الاختلاط على الناس بالقوة، وإفسادهم بأي طريق، وفي الناس ضعفاء سماعون لهم..
يجترئون على الله تعالى، ويحاربون شريعته، ويعادون أولياءه في وقت تتابعت فيه النذر علينا، واضطربت أحوال البلدان من حولنا، ويوشك الخطر أن يصل إلينا، ولا يعتبرون بذلك، ولا ثمة من يردعهم عن غيهم..
نسأل الله تعالى أن يجنبنا العذاب، فإن وقع فهم سببه، مع سكوت الناس عن إفسادهم.. ولن تنجو البلاد إلا بالمصلحين المحتسبين الذين يقفون عثرة في طريق إفسادهم، ويبينون للناس مخططاتهم، ويحتسبون عليهم، ويحذرون العباد منهم [وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ] {هود:117}.
وصلوا وسلموا على نبيكم...

الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى