لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

 أوصاف القرآن الكريم (1) [فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ]  Empty أوصاف القرآن الكريم (1) [فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ] {الجمعة 19 أغسطس - 22:45}

أوصاف القرآن الكريم (1)
[فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ]
إبراهيم بن محمد الحقيل
14/9/1430
الحمد لله الغفور الوهاب؛ امتنَّ على المؤمنين بالهدى والرشاد، وأقام حجته على أهل الاستكبار والعناد، ونشر رحمته على العباد [رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا] {النساء:165} نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وجعله شفاء لما في الصدور والأسقام، فانتفع به المؤمنون، وحاد عن سبيله المستكبرون [وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا] {الإسراء:82} وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ سيد الأولين والآخرين، وإمام المتقين والمرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله ربكم، واغتنموا ما بقي من شهركم؛ فإنه عن قريب راحل عنكم، وأنتم عن قريب تفارقون دنياكم لأخراكم، فتزودوا من الأعمال الصالحة ما يكون أنيساً لكم في قبوركم، وشفيعاً لكم عند عرضكم على ربكم [يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ] {الحاقَّة:18}.
أيها الناس: أنزل الله تعالى القرآن حياة لقلوب الناس، وهداية لهم.. أغنى الله تبارك وتعالى به المؤمنين عن فلسفات العقول وتخبطها فيما يتعلق بالمبدأ والمعاد والحكمة من الخلق.. يقرؤه المؤمن فيعلم أن الله تعالى مدبر الأمر، وخالق الخلق، وآمرهم بعبادته، وأنهم إليه راجعون، وعلى أعمالهم محاسبون، فيجتهد الواحد منهم في العمل الصالح لنيل رضا الله تعالى وجنته، وإذا غفل أو نسي ذكرته الآيات، فكان هذا القرآن هداية للمؤمنين [ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ] {البقرة:2}.
وإنما كان القرآن هدى للناس لأنه كلام العليم الحكيم الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً [رَسُولٌ مِنَ الله يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ] {البيِّنة:2-3} والرسول هو محمد ^، والصحف هي القرآن الذي أنزل عليه، والكتب القيمة التي فيه هي آياته وأحكامه المتضمنة لأحسن ما في الكتب المنزلة، فإن القرآن قد حواها وزاد عليها، فكان أحسن الحديث [اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ] {الزُّمر:23} وقصصه أحسن القصص[نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآَنَ] {يوسف:3}.
والكتب القيِّمة هي المستقيمة التي لا عوج فيها، فمن اتبعها فهو على الحق، وهذا هو وصف القرآن كما في سورة الكهف [الحَمْدُ لله الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا] {الكهف:2}. فهو كتاب لا اعوجاج فيه ألبتة ، لا من جهة الألفاظ، ولا من جهة المعاني.. أخباره كلها صدق، وأحكامه كلها عدل، سالم من العيوب في ألفاظه ومعانيه وأخباره وأحكامه؛ لأن قوله(عوجاً) نكرة في سياق النفي، فهي تعم نفي جميع أنواع العوج. وقد وصفه الله تعالى في موضع آخر بقوله سبحانه [قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ] {الزُّمر:28} وقد جمع الله تعالى وصف القرآن بأنه صدق وعدل في قوله سبحانه [وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ] {الأنعام:115} والقرآن كلمة الله تعالى.
إن نفي العوج عن القرآن يقتضي أنه ليس في أخباره كذب، ولا في أوامره ونواهيه ظلم ولا عبث. وإثبات الاستقامة، يقتضي أنه لا يخبر ولا يأمر إلا بأجَّل الأخبار وأهمها، وهي التي تملأ القلوب معرفة وإيماناً وحكمة، كالإخبار بأسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله والمبدأ والمعاد. وأوامرُه ونواهيه تزكي النفوس، وتطهرها وتنميها وتكملها لاشتمالها على كمال العدل والقسط والإخلاص والعبودية لله رب العالمين وحده لا شريك له.
ولذا كانت هداية القرآن هي لأحسن الدين وأحسن الأقوال وأحسن الأفعال [إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ] {الإسراء:9} فهو يهدي للتي هي أقوم في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وفي كل مجال من مجالات العلم والعمل والاعتقاد.
إن القرآن جاءنا بالإسلام ودلَّنا عليه، فهو وعاء الإسلام، ولأن القرآن قيِّمٌ ولا عوج فيه فإن ما تضمنه من الدين -وهو دين الإسلام- لا بدَّ أن يكون قَيِّماً ولا عوج فيه؛ وهذا هو وصف الإسلام في القرآن؛ إذ خوطب النبي ^ بقول الله تعالى [قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا] {الأنعام:161} أي: ديناً مستقيماً لا عوج فيه. وفي آية أخرى [فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ] {الرُّوم:30} وفي آية أخرى [فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ القَيِّمِ] {الرُّوم:43} وقد تكرر في القرآن وصف دين الإسلام بأنه قيم؛ لأنه من عند الله تعالى الذي أنزله في قرآن عربي غير ذي عوج؛ ولذا قال سبحانه عن كفار أهل الكتاب ومشركي قريش [وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ] {البيِّنة:5} أي: أن دين الإسلام الذي أُمِروا به ودُعُوا إليه دينٌ قَيّم لا عوج فيه.
ومن عارض الإسلام أو حاد عنه فقد حاد عن الصراط المستقيم، وسلك سُبُلَ العَوَج والضلال، وهذا ما عابه الله تعالى على كفار أهل الكتاب بقوله سبحانه [قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ] {آل عمران:99}.
ووصف سبحانه به عموم الكفار وتوعدهم عليه في قوله عز وجل [وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ] {إبراهيم:2-3}.
واستحق أهل العوج والصد عن سبيل الله تعالى لعنة الله تعالى وغضبه بسبب أفعالهم [أَلَا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا] {هود:18-19}.
إن كل معارضة للقرآن، أو مراغمة لدين الإسلام فهي من العَوَج ومن الصد عن سبيل الله تعالى؛ لأن أصحابها استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وطرحوا دين القيمة، والكتب القيمة، والقرآن الذي هو قيم ولا عوج فيه، إلى أفكار غير قيمة، وأقوال عوجاء لا تهدي ضالاً، ولا تدل حائراً، ولا تزيل مشكلاً، ولا تحلُّ معضلاً.
إن أكثر تخبطات البشر من الملاحدة والمشركين وكفار أهل الكتاب والزنادقة والمنافقين والمبتدعة وأهل الأهواء إنما كانت بسبب الأفكار والمذاهب العوجاء التي صدتهم عن سبيل الله تعالى، وأوردتهم المهالك، وأورثتهم الشقاء في دنياهم، والعذاب في أخراهم [وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى] {طه:124}.
وإن كل محاولة للوحدة بين الإسلام وغيره من الأديان، أو دعوى المساواة بين الحق والباطل فهي محاولة للجمع بين مذاهب أهل العَوَج وبين دين القيمة، ومساواة الأقوال المعوجة وبين الكتب القيمة، وهذه الآية ترد ذلك؛ إذ لا حقَّ ولا صواب إلا ما جاء به الكتاب القيم، وكل ما عارضه فهو باطل وخطأ، ولا يجتمع الحق والباطل، ولا يستويان؛ كما لا يجتمع النور والظلمة ولا يستويان [قُلْ لَا يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ] {المائدة:100} [وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ] {فاطر:19} [وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلَا الأَمْوَاتُ] {فاطر:22} [لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ] {الحشر:20}.
جعلنا الله تعالى من أهل الحق والرشاد، وجنبنا سبل العوج والضلال، وثبتنا على دين القيمة. إنه سميع مجيب..
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله تعالى لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين..
أيها المسلمون: الانحراف عن دين الله تعالى، والحيدة عن منهجه، ومعارضةُ ما جاء في كتابه سببٌ للعَوَج والضلال، وفسادِ الأمر في الحال والمآل، وكل ما ابتليت به البشرية من أنواع الانحرافات في كافة المجالات فبسبب بعدها عن القرآن الذي لا عوج فيه: إما جهلاً به، وإما اتباعاً للهوى، [وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله] {القصص:50}.
ولم يسلم من العوج بسبب الانحراف عن كتاب الله تعالى كثير من أهل الإسلام، ويكون عوجهم بحسب بعدهم عن القرآن، بل لم يسلم من ذلك أهل القبلة فمنهم من وقع في البدعة، ومنهم من قارف المعصية، وهذا من العوج عن الدين القيم، وعن الكتب القيمة التي في القرآن الكريم. وبدعة تكفير من لا يستحق التكفير من المسلمين، وما يتبعها من استباحة الخروج على السلاطين وسفك الدماء المعصومة، والتخريب في بلاد المسلمين، وزعزعة أمنهم، وإثارة الخوف فيهم..كل ذلك من سُبُل العوج التي ركبها بعض أبناء المسلمين جهلاً أو هوى، نعوذ بالله تعالى من الجهل والهوى.
وكانت الحادثة الأخيرة من أبشع أعمالهم في ميزان الدين والأخلاق؛ إذ زادت على مثيلاتها بالغدر بعد العهد، وبالخيانة بعد التأمين والله لا يحب الخائنين، ولا يهدي كيدهم فباء فعلهم الشنيع بالفشل الذريع، والفضل لله تعالى وحده.
إن المُؤَمِّنَ لو خان، والمُعَاهِدَ لو غَدَرَ لكان ذلك عظيماً عند الله تعالى وعند الناس، فكيف إذا كان مستجدي الأمان هو الخائن، وطالب العهد هو الغادر؟! لا شك أن ذلك أعظم جرماً، وأشد قبحاً، وأكثر عوجاً عن الحق. والحكماء يقولون: إذا ذهب الوفاء نزل البلاء، وإذا مات الاعتصام عاش الانتقام، وإذا ظهرت الخيانات قلَّت البركات.
والعرب في جاهليتهم كانوا أهل وفاء، وكانوا يعيبون الغدر ويفرون منه ولو ذهبت أموالهم، وسفكت دماؤهم في سبيله. وضع ملك الحيرة النعمانُ بن المنذر يومَ سَعْدٍ يكافئ فيه، ويومَ بؤسٍ يقتل أول من يمر عليه فيه، فمرَّ أعرابي من طي في يوم البؤس فحق عليه القتل، فطلب الإمهال ليوصيَ بصبيته الصغار، فخاف النعمان فراره، فضمنه كاتبُ النعمانِ شريكُ بن عمرو على أن يكون مكانه في القتل لو لم يعد في نفس اليوم بعد حول، فلما كان الأجل المضروب عاد الطائي للقتل وفاء بالعهد، وصدقاً في الوعد، فقال له النعمان: ما حملك على المجيء وأنت تعلم أني أقتلك؟ قال: خفت أن يقال ذهب الوفاء، فالتفت إلى كاتبه وقال له: ما حملك على أن تضمن من لا تعرف وأنت تعلم أنه إن لم يعد قتلتك؟ قال: خفت أن يقال ذهب الكرم، فقال النعمان: والله ما رأيت أكرم منكما، وما أدري أيكما أكرم أهذا الذي ضَمِنك وهو الموت أم أنت وقد رجعت إلى القتل؟ والله لا أكون ألأم الثلاثة، ثم قال: وأنا أيضا أخاف أن يقال ذهب العفو، خلوا سبيله، فأطلقه وأمر برفع يوم بؤسه.
هكذا كان العرب في جاهليتهم، فلما جاء الله تعالى بالإسلام، وأنزل القرآن عزز الوفاء والأداء، وغلظ في الخيانة والغدر، حتى عدَّ النبي ^ صفات المنافق فذكر منها:«إذا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذا ائتمن خَانَ»رواه الشيخان. فكيف بمن اتخذ الغدرَ والخيانةَ ديناً ومنهجاً؛ ليسفك الدماء وينشر الدمار والخراب في أوساط المسلمين؟
إن هذا السبيل الأعوج يخالف طريق القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم، وإن هذا المنهج الفاسد الخاطئ ليدل أن الشبهة في الدين تفتك بالقلوب، وتؤدي إلى إتلاف النفوس، ودخولُ الفتنة ليس كالخروج منها، فالإنسان بالخيار ما لم يلج باب الفتنة، وهو أمير نفسه، فإذا دخلها فقد سلَّم قياد نفسه لغيرها، ودخل نفقاً مظلماً لا يدري ما نهايته، وربما مع بلائه لنفسه وأهله وإخوانه يقع في كبيرات الذنوب، وعظائم الموبقات، كسفك الدماء المحرمة، وإتلاف الأموال المحترمة، والله تعالى يقول [وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا] {النساء:93} وقال النبي ^:«لا يَزَالَ الْمُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ من دِينِهِ ما لم يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»رواه البخاري. وهو مع ذلك كله يشق عصا الطاعة، ويفارق الجماعة، فيموت على الجاهلية كما في حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النبي ^ قال«من رَأَى من أَمِيرِهِ شيئا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عليه فإنه من فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»متفق عليه.
نعوذ بالله تعالى من الأهواء والشبهات، ونسأله سبحانه أن يسلك بنا سبيل القرآن، وأن يجنبنا طرق الاعوجاج والضلال، إنه سميع مجيب. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...
إبراهيم بن محمد الحقيل
24/12/1430
الحمد لله القوي القهار العزيز الجبار؛ يعذب من يشاء بعدله، وينجي من يشاء برحمته، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وهو على كل شيء قدير؛ نحمده فهو أهل الحمد في السراء والضراء.. وليُ النعماء، ودافع البلاء، ومجيب الدعاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا نجاة من عذابه إلا بطاعته، ولا مفر منه إلا إليه، هو مقصدُ المنيبين، وأمانُ الخائفين، وملاذُ التائبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أعلم الناس بالله تعالى، وأكثرهم رجاء له، وخوفاً منه، وكان إذا تخيلت السماء تغير لونه، وخشي أن يكون عذاباً، فإذا مطرت سُرِّي عنه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى؛ فإنه لا نجاة للعباد من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة إلا بالتقوى [وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] {الزُّمر:61} .
أيها الناس: من عرف الله تعالى حق المعرفة بأسمائه وصفاته وخلقه وآياته مع هدايته للإيمان واليقين قام في قلبه من مهابة الله تعالى وتعظيمه وإجلاله ما يدفعه للطاعات، ويحجزه عن المحرمات؛ محبة لله تعالى، ورجاء ثوابه، وخوفاً من عذابه، وكلما ازداد علمُ العبد بربه ويقينُه ازداد مهابة له، وخوفاً منه.
ولذا كان أشد الخلق خوفاً من الله تعالى من كانوا أعلم به سبحانه وهم الرسل والملائكة عليهم السلام، قال سبحانه وتعالى في الملائكة [وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ] {الأنبياء:28}.
وقال في الرسل عليهم السلام [وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا] {الأنبياء:90} وقد نهى الله تعالى عن الخوف من غيره عز وجل فقال يخاطب المؤمنين [فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] {آل عمران:175} وفي آية أخرى [أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ] {التوبة:13} قال أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى: ما فارق الخوف قلباً إلا خرب.
إن من قرأ كتاب الله تعالى، وعلم ما اتصف به ربنا سبحانه من العظمة والعزة والقهر والقوة والجبروت والقدرة مع تدبره لما يقرأ امتلأ قلبه بالرهبة والخوف من الله تعالى مع محبته وتعظيمه ورجائه وإجلاله؛ ففي القرآن الكريم أن ربنا جل في علاه هو [المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ] {الحشر:23} وفيه أيضاً [إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {البقرة:220} وفيه [إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] {الحج:40} وفيه [إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {البقرة:20} وفيه [وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ] {الأنعام:18} وفيه عشرات الآيات القرآنية التي تبين شيئاً من أسماء ربنا الحسنى، وصفاته العلى لا يملك قارئها إلا أن يسبح الله تعالى ويكبره ويذكره.
ثم إذا تأمل المؤمن حاجة الخلق إلى ربهم، وغناه سبحانه عنهم، وقدرته تعالى عليهم مع عجزهم عن ردِّ عذابه أو تخفيفه أو النجاة منه سعى فيما يرضيه، وجانب ما يسخطه قال الله تعالى لنبيه محمد ^ [وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ] {المؤمنون:95} وفي آية أخرى [قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ] {الأنعام:65}
لقد قرأنا في القرآن أن ربنا سبحانه وتعالى مع كمال قدرته وقوته وعزته وكبريائه وقهره وجبروته لما عذّب من استحقوا العذاب من خلقه كان عذابه أليماً شديداً، وقد قص ذلك علينا لنحاذر سخطه، ونجتنب أسباب عذابه [وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ] {البقرة:196} وفي آية أخرى [إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ] {إبراهيم:47} وفي ثالثة [وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ] {البقرة:165} وفي رابعة [إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ] {هود:102} وفي خامسة [وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ] {الرعد:13} وفي سادسة [وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ] {الحج:2} وآيات أخرى كثيرة تثبت شدة عذاب الله تعالى، وقوة بطشه، وسرعة انتقامه.
وقرأنا في القرآن أيضاً تنوع عقوباته، فهي ليست عقوبة واحدة، ولا على طريقة مألوفة، فلا يدري العباد كيف يعذبون، ولا ما يحاذرون؛ لأن مظان الرحمة قد يقلبها الله تعالى عذاباً؛ فالغرق عذابٌ يأتي مما ظاهره الرحمة وهو المطر، فيفرح الناس به وهو عذابهم كما أهلك به قوم نوح عليه السلام [وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ] {العنكبوت:14} [وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً] {الفرقان:37} وأغرق بالسيل جنان سبأ وأموالهم [فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ] {سبأ:16} وبالغرق في البحر أهلك فرعون وجنده [فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ] {الأعراف:136} فسبحان من جعل الماء الذي لا حياة للناس إلا به سبب هلاكهم، وسبحان من عظمت قدرته فقلب آية الرحمة عذاباً، وأغرق بالمطر أقواماً.
والريح آية أخرى لا حياة على الأرض بفقدها، ومع ذلك يجعلها الله تعالى عذاباً لمن شاء من خلقه، وقد أهلك بها عاداً لما كذبوا هوداً عليه السلام [وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ] {الحاقَّة:6} وفي سورة أخرى [فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ] {الأحقاف:24-25}
والصيحة صوت، والصوت في العادة لا يضر الأعيان، والبشر قد جبلوا على الأصوات ضعيفها وقويها، ومع ذلك جعل الله تعالى بقدرته هذا الصوت هلاكاً للمكذبين، فعذب به ثمود لما كذبوا صالحاً [وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ] {هود:67-68} وفي أخرى [إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ المُحْتَظِرِ] {القمر:31}
وأقوام آخرون من المكذبين حُصبوا بالحجارة حتى هلكوا، منهم قوم لوط عليه السلام [فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ] {هود:82-83} وفي أخرى [إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ] {القمر:34} وعُذب بالحجارة أصحاب الفيل [وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ] {الفيل:3-5}
وعُذب قارونُ بالخسف، فتجلجل بداره في الأرض إلى حيث يعلم الله تعالى [فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ] {القصص:81} وقد هدّد الله تعالى أهل المعاصي بذلك [أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ] {النحل:45}
وحوائج البشر إلى ربهم سبحانه وتعالى لا تنتهي، فلا حول لهم إلا به سبحانه، ولا قِوام لهم إلا برزقه، ولو حبسه عنهم لهلكوا؛ ولذا كان القحط والجوع ونضوب الماء وقلة الأمطار هلاكاً، كما كانت زيادتها إلى حدِّ الإغراق عذاباً، وقد عُذب أقوام بالجوع حتى هلكوا، وتاريخ البشر مليء بالمجاعات والأوبئة العامة التي هلك فيها أمم من الناس [وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] {النحل:112}
وآخرون عُذبوا بتلف أموالهم، وذهاب زرعهم وثمارهم، فانقلبوا من السعة إلى الضيق، ومن الغنى إلى الفقر كما كان حال المفاخر بجنته [وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا] {الكهف:42} وكما كان حال أصحاب الجنة حين تقاسموا على منع الفقراء حقهم من ثمارها [فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ] {القلم:19-20}.
وعُذبت أمةٌ من بني إسرائيل بالمسخ، ففقدوا في لحظات آدميتهم، ونُقلوا إلى درك الحيوانية البهيمية، نعوذ بالله تعالى من سخطه [فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ] {الأعراف:166} وفي آية أخرى [وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ] {المائدة:60} وعُذب آخرون منهم بالذُل والهوان وتسليط الجبابرة عليهم قتلاً وأسراً وإذلالاً [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ العَذَابِ] {الأعراف:167} وفي آية أخرى [ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا] {آل عمران:112} .
فالسعيد من تدبر كتاب ربه، واتعظ بما حلَّ بالأمم قبله، والشقي من أتبع نفسه هواها، فأوبقها وأشقاها، فلا بقيت له الدنيا، ولا سلم في الآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: [فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ] {العنكبوت:40}.
بارك الله لي ولكم.....

الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ] {البقرة:235}
أيها المسلمون: من حكمة الله تعالى في قَدَره، وعجيب صنعه في خلقة: أن الآية الواحدة من آياته يرسلها فتكون رحمة لقوم، وابتلاء لقوم، وعذاباً لقوم، وإنذاراً وتخويفا لقوم، فيجتمع في الآية الواحدة من آياته سبحانه: الرحمة والعذاب والابتلاء والإنذار والتخويف، وهذا يدل على حكمة العليم الحكيم [أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ] {الملك:14}.
وإذا كانت الأمم الغابرة المتعاقبة قد عُذبت بأنواعٍ من العذاب بحسب ذنوبها فإن الحضارة المعاصرة قد جمعت جميع الأسباب التي عُذب بها السابقون؛ لأن من يُدير دفتها ويوجهها هم الماديون الذين لا يؤمنون بالله تعالى رباً، ولا يقيمون لدينه وزناً.
فالشرك بالله تعالى، والاستكبار عن عبادته، ومعاداة رسله، ومحاربة شرائعه.. تلك الموبقات العظيمة التي عُذب بسببها السابقون هي البناء الأساس للحضارة المادية المعاصرة؛ إذ أُسست على تنحية الإيمان بالغيب، ونبذ الدين، وحصر العمل لأجل الدنيا!! وهؤلاء المستكبرون عن عبادة الله تعالى يريدون تعميم هذا الفكر الإلحادي على جميع البشر تحت لافتة الحرية التي من أهم بنودها مناهضة العبودية لله تعالى.
والجرائم الأخلاقية التي عُذب بسببها قوم لوط حين شاعت الفواحش فيهم أضحت في عصرنا هذا تُشرَّع بالقوانين في العلاقات المِثْلية، وتُفرض على الناس في بعض الدول، ويُلِّحُ الشاذون من الرجال والنساء على قبول الناس بقذارتهم.
والجرائم الاقتصادية التي فشت في قوم شعيب فعذبوا بسببها، والربا الذي استحله بنو إسرائيل فضربت عليهم الذلة بسببه، كل ذلك موجود في اقتصاد اليوم. بل إن مبنى الاقتصاد العالمي هو على الربا والقمار والغش والاحتكار، وهاهو الكساد الاقتصادي، والانهيار المالي يضرب الدولة الأولى ثم يمتد ليهوي باقتصاد مدينة دبي التي طالما غنَّى الليبراليون العرب بما فيها من حرية وفسوق، ونادوا بتعميم أنموذجها على سائر بلاد العرب.
إن آيات الله تعالى ونذره قد تتابعت كما لم تتابع من قبل، تمثل ذلك في أعاصير تسونامي ومانيمار وكاترينا وعمان.. أعاصيرُ شديدة اجتاحت مدناً، وابتلعت بشراً كثيراً، وزلازل ضربت الجزائر وتركيا والصين وباكستان وإيران وغيرها فخلفت ألوفاً من القتلى والمشردين، وأوبئة تظهر في البشر والحيوان من الإيدز وحمى الوادي المتصدع، وجنون البقر وأنفلونزا الطيور ثم الخنازير، وفتن وحروب يزداد اشتعالها كل عام عما قبله، وتلوث في البحار والهواء ينذر بعواقب وخيمة.
والمستشرفون للمستقبل يحذرون من مجاعات وأوبئة وفوضى قد تقع في أي لحظة، ولا دافع للبلاء إلا الله تعالى، ولا عاصم من أمره سبحانه، فاعتبروا بما ترون وتسمعون، وتوبوا إلى ربكم قبل أن يحل بكم عذابه، فإن قوماً من إخوانكم قبل أيام كانوا قائلين في فرشهم، آمنين في بيوتهم، متقلبين في نعمهم، أصابهم الغرق من حيث لا يشعرون، تغمدهم الله تعالى بواسع رحمته، وخلف على ذويهم بخير [وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ] {الأعراف:4} فاعتبروا يا عباد الله قبل حلول البلاء؛ فإن العذاب إذا حل بقوم لم يدفعه عنهم شيء [إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ] {الطُّور:7-8}
وصلوا وسلموا على نبيكم....

الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى