لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

مع الفاروق عمر Empty مع الفاروق عمر {الأحد 21 أغسطس - 19:40}

مع الفاروق عمر

أما بعد: فإن الوصية الجامعة, والنصيحة النافعة, هي الوصيةُ بتقوى الله عز وجل, إذ التقوى مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كل ملكة، ونجاةٌ من كل هلكة، ثم تفكروا في مصارع الذين سبقوا, وتدبروا مصيرهم أين انطلقوا, واعلموا أن القوم انقسموا وافترقوا, فقوم منهم سعدوا, ومنهم قوم شقوا, ألا فليعتبر المقيم بمن رحل:
جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا وبنوا مساكنهم فما سكنوا
فكأنهم كانوا بها ظعنــاً لما استراحوا ساعة ظعنوا
عباد الله: في أعقاب الزمن, وعند اشتداد المحن, تكون الأمة أشد حاجة إلى تذكر ماضيها, والاعتبار بخيار سابقيها, فتاريخ الأمة الإسلامية زاهر بأمجاد, وأبناء نجاد, تعلي أخبارهم همماً قد فترت, وتشد عزائم قد وهنت, فتأتي أخبار أولئك العظماء لتكون نبراس هداية وإتباعٍ لهؤلاء, وقد خصَّ الله كلَّ نبيٍ ببطانة من صالحي أهل زمانه، يساعدونه في حمل دعوته، وإتمام مسيرته بعد وفاته، وممَّا خص الله به نبيَّنا محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابٌ، هم خيرُ مَن وطئَ الثرى بعد الأنبياء، والتأمل الدقيق في سيرة صحابة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم تورث الأمة منهاجاً فريداً, ونموذجاً شريفاً, ومسلكاً منيفاً, وما ذلك إلا لأنهم أتباع دين الله, وأنصار نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم وحملة وحيه, محبتهم دين ندين الله به, وإتباعهم أقرب سبيل إلى الجنة.
أمة الإسلام: ولنا اليوم وقفة مع سيرة رجلٍ فذ, وإمام مرشد, ومعلم كبير ليس له في المعلمين نظير, إنه الكبير في البساطة, والبسيط في قوة، والقوي في رحمة وعدل, إننا أمام رجل تنزل القرآن مراتٍ موافقاً لرأيه, إنه من المحدَّثين الملهمين, وممن نصر الله بهم الدين, كان إسلامه عزاً للمسلمين وفتحاً, وهجرته نصراً, وإمامته رحمة, فرق الله بإسلامه بين الحق والباطل، واستبشر بإسلامه أهل السماء, ذلكم هو الفاروق عمر بن الخطاب العدوى أبو حفص القرشي أمير المؤمنين, إننا اليوم مع شهيد المحراب, ومن منكم لا يعرف عمر؟ ومن من الناس من لم يسمع بعمر؟, فالسلام عليك يا عمر, السلام عليك في هذه الساعة المباركة, والسلام عليك يوم أسلمت, والسلام عليك يوم توليت, والسلام عليك يوم قتلت, والسلام عليك يوم تبعث حياً.
من أين نبدأ يا عمر؟ وتاريخك ثَرِيّ, وصفحات حياتك مليئة, وسيرتك عبقةٌ, ولكن أستهل الحديث عن تلك الأوسمة التي أكرمك بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في رؤى رآها, تشرَّفْتَ بها في الدنيا, وتسعد بها في الآخرة, فقد رأى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاث رؤى كلها لعمر بن الخطاب, وكلها صحيحة السند, فالأولى: قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بينا أنا نائم رأيت الناس يُعرضون عليَّ وعليهم قمص, منها ما يبلغ الثُدِيَّ, ومنها ما دون ذلك, وعرض عليَّ عمر وعليه قميص يجره))، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال:(( الدين )) متفق عليه. دينه يغطيه ويستره فلا يظهر منه إلا كل جميل, ولا يخرج منه إلا كل حق.
الثانية: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: (( بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن, فشربت حتى لأرى الري يجري في أظفاري, ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب))، قالوا فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال:(( العلم )) متفق عليه. الله أكبر, اجتمع له الدين والعلم فأي رجل يكون؟.
الثالثة: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:(( بينا أنا نائم رأيتني في الجنة, فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر؟ فقالوا لعمر بن الخطاب, فهممت أن ادخل فذكرت غيرتك فوليت مدبراً )) فبكى عمر بن الخطاب وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟,متفق عليه واللفظ لأحمد, كيف يغار منه صلَّى الله عليه وسلَّم وهو تلميذ من تلاميذه, وحسنة من حسناته.
إليه كانت السفارة في الجاهلية, وكان عند المبعث شديداً على المسلمين, خرج يوماً شاهراً سيفه يريد قتل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم, فما غربت الشمس إلا والمشركون يستقبلونه خارجاً من دار الأرقم وورائه صف المسلمين يكبرون الله ليصلوا عند بيت الله الحرام, وما كانوا يستطيعون ذلك قبل إسلام عمر, وحقق الله دعاء نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك)) رواه الترمذي, فكان عمر أحب إلى الله من عمرو بن هشام, فكان إسلامه عزاً, إذ ما عبد المسلمون الله جهرة إلا بعد إسلام عمر.
وعند الهجرة خرج الناس أرسالاً فرادى خفية إلى المدينة النبوية, إلا عمر فإنه طاف بالبيت الحرام وصلى, ثم جاء إلى حلقهم واحدة واحدة, وقال: شاهت الوجوه, من أراد أن تثكله أمه, وييتم ولده, وترمَّل زوجته, فليتبعني من وراء هذا الوادي, فما تبعه منهم أحد.
إذا ذكر الصالحون فحيَّهَلاً بعمر, أسلم بطه, وكان أجمل من الشمس في ضحاها, وأوضح من القمر إذا تلاها, تولى الأمة فرعاها, وقاد المسيرة فحماها, فمرحباً بعمر, بشره النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالجنة وشهد له بقصرٍ فيها, قصرٌ أبيض بفنائه جارية همَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بدخوله, وبعد أن علم أنه لعمر قال تذكرت غيرتك, وأخبر عليه الصلاة والسلام أن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به, ولو كان نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم لكان عمر, كان غلقا لباب الفتن فلما مات توالت على الأمة وتتابعت, وكم من مرة يتنزل القرآن موافقاً قول عمر ورأيه, إذ كان يرى الرأي فينزل القرآن به, وإن يكن في الأمة محدَّثُون – ملهمون- فمنهم عمر, وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إن يطيعوا أبا بكر وعمر يَرشُدوا)) رواه مسلم, فَهِمَ هذا أهل السنة وعملوا به ولا يزالون, لما حج الشافعي جلس بفناء زمزم يقول: سلوني ما شئتم أنبئكم من كتاب الله عز وجل, ومن سنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم, فقال له رجل: أصلحك الله ما تقول في المحرم يقتل زنبورا ؟ قال: نعم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى:{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر:7], وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر)) وحدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر المحرم بقتل الزنبور.
لم يزل عمر مؤازراً للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم طيلة حياته, وسيفاً مسلطاً على أعدائه, كلما نابت نائبة, أو بدا رأس منافق زنديق, قال عمر: يا رسول الله ائذن لي أن أضرب عنقه, حتى إن المارقين صاروا يهابون عمر, ويفزعون منه حتى الشيطان الرجيم, قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إيه يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك)) متفق عليه.
أيها الناس: وها هي الأيام تمضي تجر السنين ورائها, ويأتي اليوم الذي يقف فيه عمر بن الخطاب في مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويبسط يده, لماذا يبسطها؟ ليبايَع خليفة لخليفة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبي بكر الصديق, بخٍ بخٍ يا عمر لقد كنت قبل الإسلام رُوَيعِيَ غنمٍ تدعى عميراً, ثم دعوك عمراً, وها أنت تبسط يدك لتنادى بعد اليوم أميراً للمؤمنين, هذه هي عزة الإسلام, يحي الله بها قلوباً بعد مَوَاتِها, ويهدي العباد بعد ضلالهم, وهي الحكمة التي وعاها عمر حقاً فنقلها للأمة من بعده في قولته الشهيرة:"نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله", ويخطب عمر في المسلمين خطبته الأولى, وما أروعها من كلمات, أعيروها أسماعكم, إذ كان مما قال:"... واعلموا أن شدتي التي كنتم ترون مني قد زادت أضعافا إذا كان الأمر إليَّ على الظالم والمعتدي والأخذ للمسلمين لضعيفهم من قويهم, وإني بعد شدتي تلك واضع خدي على بالأرض لأهل العفاف والكفاف منكم, فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني, وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضار النصيحة فيما ولاني الله" ثم نزل.
أيها المسلمون: رجلٌ هذا نزر يسير من صفاته, وعبَقٌ شذِّيٌ من أخباره, كيف يكون أمره عند الخلافة والإمارة, إننا لنشهد لأبي بكر إصابته الصواب في اختياره عمر خليفةً للمسلمين بعده, إذ لم يكن لها إلا عمر، لمَّا ولي أمر المسلمين كان أبيض صحيحاً, فلما كان عام الرمادة وهي سنة المجاعة ترك أكل اللحم والسمن, وأدمن أكل الزيت حتى شحب لونه وتغير، وبعد خلافته مكث زماناً لا يأكل من بيت المال شيئاً حتى أصابته خصاصة, فاستشار الصحابة فقال قد شغلت نفسي في هذا المال فما يصلح لي منه, فجعلوا له غداءً وعشاءً من بيت المال, انفق في حجة له ست عشر ديناراً, فقال: أسرفنا في هذا المال, قال لأبنه عاصم حين رآه يأكل لحماً: كفى بالمرء إثماً أن يأكل كل ما اشتهى, وكان يلبس وهو خليفةٌ جبةً من صوف, مرقوعةٌ أربع عشرة رقعة, يطوف بالأسواق على عاتقه الدرة يؤدب بها الناس, ويمر بالنوى يلتقطه ويلقيه في منازل الناس ينتفعون به لعلف دوابهم, وفي وجهه خطان أسودان من البكاء, حمل على رقبته قربة فقيل له في ذلك, فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها.
وأخبار عمر كثيرة يطول سردها إلا أن هذه نبذ مما تناقله أهل العلم عن عمر في خلافته, نقل ابن كثير في البداية والنهاية أنه لما فُتِحَت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل يومٌ من أشهر العجم, فقالوا: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سُنَّةً لا يجرى إلا بها, قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كان أحد عشر ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جاريةٍ بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الثياب والحلي أفضل ما يكون, ثم ألقيناها في هذا النيل, فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون في الإسلام أبداً, وإن الإسلام يهدم ما كان قبله, فأقاموا والنيل لا يجري قليلاً ولا كثيراً, حتى هموا بالجلاء فلما رأى ذلك عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك, فكتب له أن قد أصبت بالذي فعلت وإن الإسلام يهدم ما كان قبله, وبعث له بطاقة في داخلها كتابة, وكتب إلى عمرو بن العاص: إني قد بعثت إليك بطاقةً في داخل كتابي فألقها في النيل, فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر, أما بعد: فإن كنت تجرى من قِبَلِك فلا تجر, وإن كان الله يجريك فأسأل الله الواحد القهار أن يجريك, فألقى البطاقة عمرو في النيل فأصبحوا وقد أجراه الله ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة, فقطع الله تلك السنَّة عن أهل مصر إلى اليوم.
وعن سويد بن غَفَلةَ أنه لما قدم عمر الشام قام إليه رجل من أهل الكتاب، فقال: يا أمير المؤمنين إن رجلاً من المؤمنين صنع بي ما ترى، قال: وهو مشجوج مضروب، فغضب عمر غضبا شديدا، ثم قال لصهيب: انطلق وانظر من صاحبه فائتني به، فانطلق صهيب فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي، فقال: إن أمير المؤمنين قد غضب عليك غضبا شديدا فائت معاذ بن جبل فليكلمه فإني أخاف أن يعجل إليك، فلما قضى عمر الصلاة قال: أين صهيب؟ أجئت بالرجل؟ قال: نعم, وقد كان عوف أتى معاذا فأخبره بقصته، فقام معاذ فقال: يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك فاسمع منه ولا تعجل إليه، فقال له عمر: مالك ولهذا؟ قال: يا أمير المؤمنين رأيت هذا يسوق بامرأة مسلمة على حمار فنخس بها ليصرع بها، فلم يصرع بها فدفعها فصرعت فغشيها أو أكب عليها، فقال: له ائتني بالمرأة فلتصدق ما قلت، فأتاها عوف، فقال له أبوها وزوجها: ما أردت إلى صاحبتنا؟ قد فضحتنا، فقالت: والله لأذهبن معه، فقال أبوها وزوجها: نحن نذهب فنبلغ عنك، فأتيا عمر فأخبراه بمثل قول عوف, وأمر عمر باليهودي فصلب، وقال: ما على هذا صالحناكم، ثم قال: أيها الناس اتقوا الله في ذمة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له، قال سويد: فذلك اليهودي أول مصلوب رأيته في الإسلام, رواه البيهقي وحسنه الألباني.
وجَّهَ عمر بن الخطاب أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لفتح بيت المقدس وكان معسكِراً في الجابية, فلقد كانوا قد ضربوا الحصار حول المدينة المقدسة في أيام برد شديد, حتى اشتد البأس بأهل إيلياء من مغالبة الحصار بعد مرور أربعة أشهر, فطلبوا الصلح من أبي عبيدة, على أن يتولى الخليفة عمر بنفسه استلام المدينة, ليضمنوا العهد والأمان منه, فأجابهم أبو عبيدة إلى مرادهم وأرسل طالباً إلى الخليفة عمر رضي الله عنه أن يحضر ليستلم المدينة, فانظروا على أي هيئة من التواضع قدمها؟, قدم عمر بن الخطاب الجابية على طريق ايلياء على جمل أورق تلوح صلعته للشمس, ليس عليه قلنسوة ولا عمامة, تصطفق رجلاه بين شعبتي الرحل بلا ركاب, وطاؤه كساء انبجاني ذو صوف, هو وطاؤه إذا ركب وفراشه إذا نزل, حقيبته نمرة أو شملة محشوة ليفا, هي حقيبته إذا ركب ووسادته إذا نزل, وعليه قميص من كرابيس قد رسم وتخرق جنبه, فخطب في الجابية خطبة مشهورة, وصالح أهلها وكتب لهم بذلك كتابا واتخذ المسجد, وكنس بردائه الأذى من المكان, وصلى حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم, ولما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره ونزع موقيه فامسكهما بيده وخاض الماء ومعه بعيره فقال له أبو عبيدة قد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض صنعت كذا وكذا قال فصك في صدره وقال أو لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس واقل الناس فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العز بغير يذلكم الله.
ويتقلَّد عمر وسام الشهادة في سبيل الله عند موته ليعرف بشهيد المحراب, ولكن أي محراب هو؟, ومن القاتل؟, الزمان: صلاة الفجر من يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث عشرين من الهجرة, المكان: محراب مسجد الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم في المدينة, القاتل أبو لؤلؤة المجوسي, المقتول: عمر بن الخطاب رضي الله عنه, ويستجيب الله دعوته فيظفر بشهادة في سبيل الله وموت في بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة يصنع الأرحاء, وكان المغيرة يطلبه كل يوم أربعة دراهم, فلقي عمر فقال: يا أمير المؤمنين إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه, فقال : أحسن إلى مولاك, ومن نية عمر أن يكلم المغيرة فيه, فغضب وقال: يسع الناس كلهم عدله غيري, وأضمر قتله واتخذ خنجرا وشحذه وسمَّه, وكان عمر يقول:" أقيموا صفوفكم" قبل أن يكبر, فجاء فقام حذاءه في الصف وضربه في كتفه وفي خاصرته فسقط عمر وطعن ثلاثة عشر رجلا معه, فمات منهم ستة, وحمل عمر إلى أهله وكادت الشمس أن تطلع فصلى ابن عوف بالناس بأقصر سورتين, وأتي عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه, فلم يتبين فسقوه لبنا فخرج من جرحه, فقالوا : لا بأس عليك فقال : إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت, فجعل الناس يثنون عليه ويقولون: كنت وكنت, فقال : أما والله وددت أني خرجت منها كفافاً لا علي ولا لي, وأن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت لي, وأثنى عليه ابن عباس فقال : لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع, ولما علم أن قاتله مجوسي قال:"الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام".
وبموته انفتح باب الفتنة إلى اليوم, وانتهت صفحات أيام عمر من هذه الدنيا بشهادة كان قد بشَّره بها النبي صلى الله عليه وسلم, لكن صفحات جهاده وبذله, ودواوين عطاءه وعلمه تبقى مفتوحة لكل من بهداهم يهتدي, وبسيرتهم يسترشد, ألا فرضي الله عن عمر حياً وميِّتا, ورزقنا محبتهم والإقتداء بهم, إنه بكل خير كفيل, هو مولانا ونعم الوكيل.

كتبه: بلال بن عبد الصابر قديري
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى