لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

بشراكم تصفيد أبي مرة Empty بشراكم تصفيد أبي مرة {الأحد 21 أغسطس - 19:44}

بسم الله الرحمن الرحيم
بشراكم تصفيد أبي مرة

أما بعد: فإن الوصية المبذولة لي ولكم عباد الله هي تقوى الله سبحانه, فاتقوه حق التقوى فأوثق العرى كلمة التقوى, وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى.
عباد الله: رمضان شهر عظيم مبارك يطل كراتٍ ومرات, وبكثرة الحديث عنه لا يخلق ولا يبلى, بل لا تسأم ذكره وسيرته, وبالحديث عنه يزداد بهاءً وسناءً, وإشراقاً وصفاءً, كالذهب الإبريز كلما عرض على النار ازداد لمعانه, مما يجعل المسلم متشوفاً مشتاقا إلى أحاديث رمضان, ويحدوه الحب إلى معرفة المزيد من نفحات رمضان وحكمه وأحكامه, كلما أطل إطلالته السنوية المباركة التي تعم ما أظلم عليه الليل, وأشرق عليه النهار, والتي هي حَرِيَّةٌ بقوله صلى الله عليه وسلم: ((افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده)) رواه الطبراني وصححه الألباني.
وحديثنا في هذا المقام عن رمضان ينحى منحاً يغفل عنه كثيرون, وليس ببدع من الحديث عن رمضان ولا فتوناً يُردد, ولا تكلفاً لمفقودٍ لا فائدة من البحث عنه أو الحديث فيه, بل هو حديث عن لُبِّ رمضان ولبابه, يقول عنه أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النيران وصفدت الشياطين)) متفق عليه, أي شُدَّت بالأصفاء وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت, فنفهم أيها المسلمون من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((صفدت الشياطين)) أنها مخلوقات شريرة سريعة التأثير بحيث يحتاج العبد إلى أن يصفَّدوا عنه في هذا الشهر المبارك ، فلا عجب إذاً أن نيمم وجهتنا للحديث عن الشياطين أعاذنا الله وإياكم من همزاتهم نزغاتهم ومن أن يحضرونا, إذ في فهم ذلك التصفيد استشعار لواحدة من أجل نعم الله على عباده في رمضان.
الشياطين يا عباد الله جمع شيطان, وهو كافر الجن, وسمو جناً لاستتارهم عن الأنظار, والشيطان من شَطَنَ إذا بَعُدَ فهو بعيد بطبعه عن البشر, وبفسقه عن كل خير, وقيل الشيطان من شَاطَ لأنه خلق من نار:{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن 15] قال ابن عباس وعكرمة والحسن: من مارجٍِ أي:من طرف اللهب وهو أحسنه وأخلصه, وفي الحديث:((خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم)) رواه مسلم.
فهم عالم غيبي من الأحياء لا يمكن لنا أن نراهم على هيئتهم التي خلقوا عليها, فأشخاصهم محجوبة عن الأبصار, ولكنهم يروننا {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف27], والجن من العالم الناطق, وإيجادهم متقدم على خلق الإنس, وإبليس أصل الجن كما كان آدم أصل الإنس, وإبليس من أبلَسَ أي يَئِسَ من رحمة الله, وإبليس مُنظَرٌ إلى يوم القيامة, وعرشه على الماء في البحر جالس عليه يبعث جنوده يلقون الشر والفتن بين الناس، والشياطين تأكل وتشرب وتعقل وتتحرك وتسكن الأرض التي نسكنها, ويكثر جمعهم في الخراب والفلوات, ومواضع النجاسات, ويحبون الجلوس بين الظل والشمس ولذلك نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس بينهما لأنها مجالس الشياطين, ويكثرون في الأسواق وفيها تُنصب راياتهم, ويستشرف الشيطانُ المرأة إذا خرجت من دارها, ولكل إنسان شيطانٌ قرين وملازم له.
والشيطان له قبحٌ في المنظر ودمامةٌ في الخِلقَةِ مُرَوِّعَةٌ, وكفاكم من شر سماعه, ولو لم يأت في ذلك إلا قول الله عز وجل عن شجرة الزقوم في الجحيم :{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات 65] لكفى ذماً لخلقته، وبيانا لبشاعته, وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرنى شيطان)) رواه أحمد والنسائي, فله قرنان, وبلغ من القبح غايته حتى أن الحمار إذا رآه ينهق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنه رأى شيطاناً)) متفق عليه.
عباد الله: والشيطان يشارك الإنسان في طعامه وشرابه وفراشه إذا لم يذكر الله تعالى عند أكله وشربه ومخالطة أهله وجماعهم, وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليتوضأ وليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه, ومن أكل بلا تسمية ثم سمى الله قاء الشيطان ما في بطنه, يأكل طعام الأنس دون إذنهم, ويبيت في بيوتهم دون علمهم, وإذا لم يذكروا اسم الله ينازعهم في لقمتهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم:((إذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من الأذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان)) رواه مسلم, لا يشفق على نائم فيبيت على خيشومه, ويعقد على رأسه ثلاث عقد لا تحل بعد الاستيقاظ إلا بذكر الله والوضوء والصلاة, ويُرِي النائم الأحلام الكريهة ليحزنه, فمن رآها فليستعذ بالله منه فإنها لا تضره, ويتعرض للصبيان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا إستجنح الليل فكفوا صبيانكم فإن للشياطين أخذة فإذا ذهبت ساعة من الليل فخلوهم)) متفق عليه, ولا يرحم محتضراً عند آلام سكرات الموت, ولأجل ذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:((وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت)) رواه أبو داود والنسائي, وفي الآخرة هو خاذل للأتباع يقول لهم:{فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم:22] وذلك في خطبته الشهيرة في أهل النار إذا دخلوها, وله وسواس في القلوب, فكم من موسوس يأخذ الوقت الطويل لعقد النية, وكم أرهقوا من إعادة الصلوات وتكرارها, وعن الوضوء فحدث ولا حرج, فالموسوسون لهم معه طول وقفة, وكثرة إعادة وإسراف مشين, يتوضأ احدهم بما يغتسل به الجماعة, صباً صباً ودلكاً دلكاً, قد أعيتهم الشياطين أن يفقهوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع, بل قد يبلغ بأحدهم أن يرى أنه لو توضأ وضوءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضوءه باطل, وله صياح وصوت وصراخ، صاح يوم أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل, وصرخ ليلة بيعة العقبة: ((صرخ الشيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعته قط يا أهل الجباجب - والجباجب المنازل - هل لكم في مذمم والصُبَاة معه قد أجمعوا على حربك)) رواه أحمد, ومزماره الجرس.
الشيطان يأمر بكل شر, وينهى عن كل خير, يخوف الأغنياء بالفقر, ويأمرهم بالشح, جبان هلعٌ فرارٌ مكَّار, يفر من القتال, قال في يوم بدر:{إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال48] يعمل المكيدة ويبالغ في الحيلة, أخرج الأبوين من الجنة بالأيمان الفاجرة والأماني الكاذبة {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف21] وما لبث يوسف في السجن بضع سنين إلا بسببه {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف42] يضحك الشيطان إذا تثاءب أحدكم, فليكظم فإن الشيطان يدخل في فمه, والشيطان يبكي إذا قرأ ابن آدم السجدة وسجد, ندماً على انه لم يسجد لما أُمِر بالسجود لآدم, ويبول الشيطان في أذن العبد إذا نام عن الصلاة حتى يصبح, وإذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان, يعمل على إيقاع الشر والقطيعة, فالشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن من التحريش بينهم, بلغ من الحقد غايته يعاقب على القليل بالكثير, إذ أنه عادى ذرية آدم أجمعين, ولم يقصر عداوته على آدم فحسب, ويسعى لإضلال من فُضِّلَ عليه, فالأغاني رقيته إلى المعاصي {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [النساء64] قال مجاهد: "باللهو والغناء", قريب من كل فاحشة فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما, لا يوقر نبياً ولا يبجل رسولاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشهاب من نار ليجعله في وجهه، ولا يدع طفلاً من شره فما من مولد يولد إلا والشيطان يطعن في جنبه حتى يبكي إلا عيسى بن مريم وأمه عصمهما الله.
عباد الله: أخذ الشيطان على نفسه العهد ليُضِلَّنَ بني آدم فقال:{لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:62] فيا لله إلى أيِّ مداً حقق الشيطان مراده من بني آدم ؟ وأولياء الشياطين تعج بهم الحياة عند كل مرصد, قُعَّداً بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله من آمن يبغونها عوجاً, يرفعون رايته, ويُشِيعُون مذهبه, ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين، ولا أدل على مدى هذا التحقيق إلا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يأمر آدم يوم القيامة أن يخرج من ذريته بعث النار, فيستعلم آدم عن هذا المقدار فيقول له ربه: ((تسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة)) وفي رواية: ((تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة)) الحديث... متفق عليه, فلا إله إلا الله ما أمكنه من نفوس بني آدم:{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [سبأ: 21,20], ويقول الله عز وجل:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:6] وهنا أمران مهمان: أولهما تقرير العداوة الحقيقية بين الشيطان وبني آدم إذ لا يخالجها شك ولا ريبة, كتب الله لها الدوام إلى قيام الساعة, ولكن هذا يبقى مجرد حقيقة نظرية بحتة إذا لم ننظر بعين الاعتبار والإدِّكَار إلى الجانب العملي التطبيقي في قوله عز وجل{فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} إننا لا نخشى على القلوب الكافرة من الشيطان, فتلك قلوب أطنب فيها الشيطان ورتع, وباض وفرَّخ, ولكننا نخشى على قلوب مؤمنة لم تحسب للشيطان حساباً في واقعها, فباتت في غفلة عن ألاعيبه ومكره وكيد أولياءه, فظنوا أنهم محفوظون من الشيطان والشياطين, ومحميُّون من آثاره وفساده, إن من أمكر الحيل أن يقنعنا الشيطان بعدم وجوده, لا بعدم وجوده في الواقع, ولكن بعدم وجوده في أنفسنا, وهذا هو الخطر الداهم, وكيف الغفلة عن هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم)) متفق عليه, وفي الصيام تضييق لمجاريه في البدن بتضييق مجارى الطعام والشراب.
ويتجلى في تصفيد الشياطين في رمضان فَضل الله تَعَالى وإحْسانُهُ على عباده؛ إِذْ يَحْفَظُ لهم صيامهم، ويدْفع عنهم أذى المرَدَةِ من الشياطين؛ لِئَلا يُفْسِدُوا عليهم عِبَادَتَهُم في هذا الشَهر المبارك, فلا يخلصون إلى أذيتهم فيكون في ذلك مزيد العون لابن آدم في التقرب إلى الله في هذا لشهر الفضيل, قال شُرَّاح الحديث: وصفدت الشياطين لئلا تفد على الصائمين, فإن قيل فنرى الشرور والمعاصي تقع في رمضان كثيرا فلو كانت الشياطين مصفدة ما وقع شر, فالجواب من أوجه, أحدها: إنما يغل عن الصائمين صوما حوفظ على شروطه وروعيت آدابه, أما ما لم يحافظ عليه فلا يغل عن فاعله الشيطان, الثاني: لو سُلِّم أنها مصفدة عن كل صائم فلا يلزم ألا يقع شرٌ لأن لوقوع الشر أسبابا أخرى غير الشياطين, وهي النفوس الخبيثة, والعادات الركيكة والشياطين الإنسية, الثالث: أن المراد غالب الشياطين والمردة منهم, وأما غيرهم فقد لا يصفد, والمراد تقليل الشرور, وذلك موجود في رمضان, فإن وقوع الشرور والفواحش فيه قليل بالنسبة إلى غيره من الشهور. وقال ابن العربي: وقد استراب مريب فقال: نرى المعاصي في رمضان كما هي في غيره فما هذا التصفيد وما معنى الحديث؟, وقد كذب وجهل, فإنه لا يتعين في المعاصي والمخالفة أن تكون من وسوسة الشيطان, إذ قد يكون من النفس وشهواتها, سلمنا أنه من الشيطان فليس من شرط وسوسته التي يجدها الإنسان في نفسه اتصالها بالنفس, إذ قد يكون مع بعده عنها لأنها من فعل الله، فكما يوجد الألم في جسد المسحور والمعيون عند تكلم الساحر أو العاين, فكذلك يوجد عند وسوسته من خارج، أو أن المراد بالشياطين المردة لأنهم في الكفر والتمرّد طبقات, فتصفد المردة لا غير, فتقل المخالفات ولا شك في قلتها في رمضان، فمن زعم أنها فيه كغيره فقد باهت وسقطت مكالمته.
أيها الناس: وإننا حينما نحذر من الشيطان وتبعاته وسوء مغبَّاته فإننا نؤكد بصدق وعزم, على أن من قوي إيمانه وأخلص لربه كان قهره للشيطان قاب قوسين أو أدنى, فالبقاء المستمر في ذكر الله يذهب بكيد الشيطان ومكره, لأن كيد الشيطان كان ضعيفاً, وعندها تعجب لما ترى من ضعف الشيطان وسرعة فراره فلا يلبث أن يوقن أنه إنما كان متسمناً ذا ورم, كان رجل رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثرت الدابة بهما فقال الرجل: تعس الشيطان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا تقل تعس الشيطان فإنه عند ذلك يتعاظم حتى يكون مثل البيت ولكن قل بسم الله فإنه يصغر عند ذلك حتى يكون مثل الذباب)) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني، وحكى ابن القيم رحمه الله عن بعض السلف قولهم: إذا تمكن ذكر الله وخشيته من قلب المرء فإن دنا منه الشيطان صرعه الإنسي كما يُصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان, فيجتمع عليه الشياطين فيقولون مال هذا؟, فيقال: قد مسه الإنسي، لا تعجبوا يا عباد الله من كلام ابن القيم ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم الآتي زوال العجب:(( إن المؤمن لينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر)) رواه أحمد, قال ابن كثير رحمه الله: معنى لينصي شيطانه أي ليأخذ بناصيته فيغلبه ويقهره كما يفعل بالبعير إذا شرد ثم غلبه, ورضي الله عن الفاروق عمر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول قدوته صلى الله عليه وسلم:((والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك)), والذي عليه إجماع الأمة قاطبةً أن عمر رضي الله عنه لم يكن على شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم, ولم يكن نبياً مرسلاً وملكاً مقرباً ولكنه إيمان ويقين, وقوة في الحق ودحر للباطل, {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران:101].
أقول هذا القول إن صوباً فمن الله وإن خطأً فمن نفسي والشيطان واستغفر الله فاستغفروه إنه كان غفاراً .




الخطبة الثانية:
الحمد لله حمد من يشكر النعمة, ويخشى النقمة, وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله معلمنا الكتاب والحكمة, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الكتاب والسنة, وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون واعلموا أنه لا مناص من مجاهدة هذا العدو المتربص فإنه لا سلطان له على عباد الله المؤمنين, وقد بلغ من الضعف غايته, ومن الذل نهايته, لا يستطيع أن يفتح باباً مغلقاً ولا يكشف إناءً ولا يحل سقاءً, وبالتسمية وذكر الله لا يأكل طعاماً ولا يشرب شراباً, ويُحفظ النائم من شرِّه إذا قرأ آية الكرسي قبل منامه, وما قال العبد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إلا وذهب عنه الشيطان, وما أستعيذ منه باستعاذة أفضل من قراءة سورتي الناس والفلق، ويفر الشيطان من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة فلا يدخله, ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة كانت له حرزاً من الشيطان. وقال مجاهد بن جبر:"ما من شيء أكسر لظهر إبليس من لا إله إلا الله" والغضب من الشيطان والشيطان من النار, وإنما تطفأ النار بالماء, فإذا غضب أحدكم فليتوضأ, وكما تفر من العدو إلى حصن حصين فليكن فرارك من الشيطان إلى ذكر الله عز وجل, قال ابن عباس:"الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها غفل ووسوس, وإذا ذكر الله خنس", وطهر بيتك من العازف وآلات اللهو والصور حتى تدخلها الملائكة, وتغشاها السكينة وتغمرها البركة, وتعوَّذ بالله من همزه ولمزه ونفخه, ثم تأمل خطر المعصية وشؤمها, فبمعصية واحدة ساء خَلْق إبليس وخُلُقه, فكيف بمن يعصى الله في اليوم كرات ومرات.
هذه بعض الحكم الظاهرة, والشذرات المتناثرة, فدونكم تصفيد الشياطين في هذا الشهر المبارك, فالله الله أن تفوتكم الفرصة فبشراكم تصفيد أبي مرة, ولم يبق لكم إلا مجاهدة النفس والأمارة بالسوء, ومغالبة الهوى ومخالفته, تدركوا عظيم الأجر وجزيل البر من الكريم سبحانه.

كتبه: بلال بن عبد الصابر قديري

الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى