رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
أما بعد .. عباد الله .. كيف نتوب إلى الله؟
تقدم في الجمعة الماضية الكلام على مقام التوبة ، وبيان حالنا مع الذنوب ، وذكر شروط التوبة .
وها نحن اليوم نكمل الكلام بذكر بعض الطرق والوسائل العملية التي تعيننا على التخلص من الذنوب ، وتحقيق التوبة إلى الله . الوسيلة الأولى:
1) تعبد الله تعالى بأسمائه وصفاته :
وهذا الامر هو روح التوحيد والإيمان ، أن تعرف الله بأسمائه وصفاته لا معرفة نظرية فقط ، بل معرفة قلب خاشع محب معظم لربه جل وعلا ، وهيه المعرفة لها عدة مشاهد يشهدها القلب ، اكتفي بذكر ثلاثة مشاهد منها:
الأول) مشهد الإطلاع والإجلال: وهو إجلال الله تبارك وتعالى أن تعصيه وهو يراك ويسمعك .
فتستشعر عظمة الله ورقابته .. وتستحي من الملائكة الذين سخرهم الله لحفظك؛ وتستحيي من الملكين الذين لا يفارقانك ، يسجلان طاعاتك ومعاصيك .
الثاني) مشهد المحبة: فإذا كنت تحب الله فلا تعصه ، فإن المحب لمن يحب مطيع .
الثالث) مشهد الغضب: وهو شهود غضب الله وانتقامه ، فإن الرب تعالى إذا تمادى العبد في معصيته غضب واذا غضب لم يقم لغضبه شيء فضلا عن هذا العبد الضعيف 0
وتأمل ما أعده الله من أنواع العذاب في القبر والقيامة والنار ، كيف أن الله يعذّب الزاني ، وشاربَ الخمر والمخدرات ، وآكلَ الربا ، والنمام ، وغيرَهم .
2) العلم : فإن الإنسان إنما يقع في الذنب لأحد أمرين: الجهل أو الهوى .
وشفاء الجاهل العلم النافع الذي يرسخ في القلب فيثمر العمل الصالح .
يدخل في العلم: العلم بالله وأسمائه وصفاته كما تقدم ، ويدخل فيه العلم بشؤم المعصية .
ويدخل فيه أيضاً العلم بفضل التوبة ، وأنها سبب محبة الله للعيد وفرحه به ، ودخوله جنته .
3) جاهد نفسك ، واصبر عن المعصية .
فإن قلت كما يقول بعض الشباب: صعب ، لا أستطيع ، أنا تعودت على هذا الشي .
فأقول لك: لا بد أن تصبر، وتذكر أن الصبر في الدنيا أهون من العذاب في الآخرة .
4) استشعار ما يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة وما يحدث له بها من كل اسم مذموم:
ويكفي في هذا المشهد مشهد فوات الإيمان الذى أدنى مثقال ذرة منه خير من الدنيا وما فيها ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن) .
قال بعض الصحابة: ينزع منه الإيمان حتى يبقى على رأسه مثل الظلة فإن تاب رجع اليه .
5) استشعار العوض : وهو ما وعد الله سبحانه من تعويض من ترك المحارم لأجله ونهى نفسه عن هواها (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) .
6) تدبر القرآن والعمل به : فإن القرآن روح القلوب ، وهو شفاؤها من جميع الشهوات والشبهات .
7) سد جميع الطرق التي توقعك في المنكر ، كالرفقة ، أو الوحدة ، أو المجلات السيئة، أو الأفلام الخليعة ، أو الفضائيات الخبيثة ، أو الدخول إلى الانترنت ، وغيرها من وسائل وطرق المنكر .
أيها الأحبة .. كلنا ضعفاء أمام الشهوات إلا من عصم الله تعالى، ولكن مشكلة الكثير منا: أنه يترك الفريسة بجوار الوحش، ويسكب الوقود على النار؛ ثم يصرخ مستغيثا أدركوني أغيثوني!!
8) البيئة الصالحة المعينة ، فالمرء ضعيف بنفسه ، قوي بإخوانه .. ولهذا أرشد العالم قاتل المائة في الحديث الصحيح أن يترك بلده ويسافر إلى بلد آخر فيه قوم يعبدون الله تعالى.
فنقول: فر من رفيق السوء ، غيّر رقم هاتفك، وغيّر منزلك إن استطعت، بل غيّر الطريق الذي كنت تمر منه .
9) استحضار نعم الله تعالى .. وكم لله علينا من نعمة ، (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) أمن في الأوطان ، وصحة في الأبدان ، وأنس بالأهل والولدان ، وأطعمة متعددة ، وأشربة متنوعة . نسأل الله شكر نعمته .
إخوتي في الله .. من منا زار المستشفيات ، وفكر في أهل البلاء والشقاء .
كم منا ممن يتمتع بالصحة ، ويرفل في ثياب العافية ، وهو مقيم على معصية الله تعالى .
عبد الله .. كيف تعصي الله وإحسانه إليك على مدى الأنفاس ، أعطاك السمع والبصر والفؤاد ، وأرسل إليك رسوله ، وأنزل إليك كتابه ، وأعانك بمدد من جنده الكرام ، يثبتوك ويحرسونك ويحاربون عدوك ، ويطردونه عنك ، وأنت تأبى إلا مظاهرته عليهم ، وموالاته دونهم .
أمرك الله بشكره ، لا لحاجته إليك ، ولكن لتنال به المزيد من فضله ، فجعلت كفر نعمه والاستعانة بها على مساخطه من أكبر أسباب صرفها عنك .
دعاك إلى بابه فما وقفت عليه ولا طرقته ، ثم فتحه لك فما ولجته !
أرسل إليك رسوله يدعوك إلى دار كرامته ، فعصيت الرسول .
ومع هذا فلم يؤيسك من رحمته ، بل قال : متى جئتني قبلتك ، إن أتيتني ليلاً ، قبلتك ، وإن أتيتني نهاراً قبلتك, ومن أعظم مني جوداً وكرماً؟ .. عبادي يبارزونني بالعظائم ، وأنا أكلؤكم على فرشهم ، إني والجن والانس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غير ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إلي .
10) اتباع السيئة بالحسنة .. كما قال تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
إن فعل المحرمات لا يسوغ ترك الطاعات .
ولهذا نقول: متى ما ابتلاك الشيطان بشيء من السيئات ، فادمغه بسيل من الحسنات ، من الصلاة والدعاء والذكر والصدقة وغيرها من الأعمال ، (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
وتأملوا أحبتي في الله في قصة هذه المرأة ، والتي جاءت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" بينما كلب يُطيف برَكيَّة (أي بئر) كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها (أي خفها) واستقت له به، فسقته إياه، فَغُفر لها به " .
انظروا يا إخواني ، ما الذي قام بقلب هذه المرأة الزانية ، من الرحمة ، مع عدم الآلة التي تسقي بها الماء، وعدم وجود المعين على السقي، وعدم وجود من ترائيه بعملها ، فغَرَّرَت المرأة الضعيفة بنفسها في نزول البئر، وملأت الماء في خفها، ولم تعبأ بتعرضه للتلف، ثم حملت الخف بفمها وهو ملآن ، ثم تواضعت لهذا المخلوق الذي جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو منه جزاء ولا شكوراً .
قال ابن القيم: فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء، فَغُفر لها .
وقد روى الترمذي والنسائي بسند حسن قصة أبي اليَسَر كعبِ بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه وأصل القصة في الصحيحين .
كان هذا الصحابي يبيع التمر في المدينة ، فجاءته امرأة حسناء جميلة تشتري منه التمر ، وكان زوجها قد خرج غازياً في سبيل الله ، فوسوس له الشيطان وزين له الوقوع بالمرأة ، فقال لها: إِنَّ فِي الْبَيْتِ تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ . فدخلت معه في البيت ، فأخذ يقبلها ، ويباشرها دون أن يصل إلى الجماع .نعم لقد وقع هذا الصحابي في هذه المعصية في موطن من مواطن الضعف ، فما الذي حدث؟ضاقت به الدنيا ، وعظم به الأمر ، فذهب أولاً إلى أَبي بَكْرٍ ، وأخبره بما وقع له ، فقال أبو بكر: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا ، لكن أبا اليسر لم يصبر ، فذهب إلى عمر ، فقال له عمر: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا ، لكنه لم يصبر حتى أتى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَر ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ: أَخَلَفْتَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا؟ .في هذه اللحظة ، تقطع قلب أبي اليسر ، حَتَّى إنه تَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ إِلَّا تِلْكَ السَّاعَةَ ، بل إنه ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ . ثم أَطْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلًا ، وأنزل رأسه إلى صدره ، حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ (وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ ، إن الحسنات يذهبن السيئات ، ذلك ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) .. قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على أبي اليسر ، ففرح بها فرحاً شديداً .. ثم قَالَ بعض الصحابة: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً قَالَ بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد .
عباد الله . الوسيلة الحادية عشرة
11) تذكر الموت ، والموت يأتي بغتة .. الخوف من سوء الخاتمة .. تذكر أنك قد تؤخر التوبة فتموت وأنت على المعصية ، فتبعث على رؤوس الخلائق، وأنت على تلك المعصية .
فسارع أخي الحبيب إلى التوبة، وتب قبل أن يعاجلك الموت فلا تجد مهلة للتوبة .
اجلس يا أخي مع نفسك ، وتفكر في حالك ، وقل: يا نفس توبي قبل أن تموتي ؛ أما تعلمين أن الموتَ موعدك؟! والقبرَ بيتك؟ والترابَ فراشك؟ والدودَ أنيسك؟ .. أما تخافين أن يأتيك ملك الموت وأنت على المعصية قائمة؟
12) زيارة القبور . كما هي سنته صلى الله عليه وسلم قال: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنها تذكركم الآخرة ) ، فإذا تسلط عليك الشيطان ، وهاجت نفسك الأمارة بالسوء ، فافزع إلى المقابر ، وقف بتلك المنازل ، وتذكر أنك يوما ستسكن في تلك القبور. وستكون وحدك؛ لا أحد معك سوى عملك؛ فإما أن يكون عملا صالحا يؤنسك وينير قبرك، فيكون روضة من رياض الجنة؛ وإما أن يكون عملا سيئا ، تشتد معه ظلمة قبرك ، ويضيق عليك ، ويكون حفرة من حفر النار.
13) تذكر القيامة وأهوال الآخرة . كما جاء في القرآن ، وفي السنة الصحيحة ، وهو مبسوط في كتب الرقائق والمحاضرات الوعظية .
14) الدعاء والانكسار بين يدي الله .. ولو كنت باقٍ على المعصية ، ولو عظمت منك الذنوب .
فقد ثبت عند الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي ، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) .
15) إذا تبت ثم رجعت فلا تيأس ، لا تترك التوبة أبداً ، لا تقل إني تبت ثم رجعت فلا أمل في التوبة ، بل تب ولو رجعت للذنب مراراً ، حتى يكون الشيطان هو المدحور .
ومع هذا فإني أحذرك وأخاف عليك من العودة إلى الذنب ، فإنك لا تأمن أن يسبقك الأجل ، وينزل بك الموت قبل أن تتوب ، ولا تأمن أيضاً أن تدمن الذنب ، فيُطبع على قلبه ، فلا ينبعث للتوبة .
عباد الله .. التوبة سفينة النجاة ، هي سفينة نوح ومن بعده من الرسل ، وكلما دنت السفينة من المذنبين ناداهم الربان: "ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" .. فمن ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق .
نسأل الله تعالى أن يعجل بتوباتنا قبل مماتنا ، ونسأله أن يمن علينا بتوبة نصوحك خالصة لوجهه الكريم .
وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ...
تقدم في الجمعة الماضية الكلام على مقام التوبة ، وبيان حالنا مع الذنوب ، وذكر شروط التوبة .
وها نحن اليوم نكمل الكلام بذكر بعض الطرق والوسائل العملية التي تعيننا على التخلص من الذنوب ، وتحقيق التوبة إلى الله . الوسيلة الأولى:
1) تعبد الله تعالى بأسمائه وصفاته :
وهذا الامر هو روح التوحيد والإيمان ، أن تعرف الله بأسمائه وصفاته لا معرفة نظرية فقط ، بل معرفة قلب خاشع محب معظم لربه جل وعلا ، وهيه المعرفة لها عدة مشاهد يشهدها القلب ، اكتفي بذكر ثلاثة مشاهد منها:
الأول) مشهد الإطلاع والإجلال: وهو إجلال الله تبارك وتعالى أن تعصيه وهو يراك ويسمعك .
فتستشعر عظمة الله ورقابته .. وتستحي من الملائكة الذين سخرهم الله لحفظك؛ وتستحيي من الملكين الذين لا يفارقانك ، يسجلان طاعاتك ومعاصيك .
الثاني) مشهد المحبة: فإذا كنت تحب الله فلا تعصه ، فإن المحب لمن يحب مطيع .
الثالث) مشهد الغضب: وهو شهود غضب الله وانتقامه ، فإن الرب تعالى إذا تمادى العبد في معصيته غضب واذا غضب لم يقم لغضبه شيء فضلا عن هذا العبد الضعيف 0
وتأمل ما أعده الله من أنواع العذاب في القبر والقيامة والنار ، كيف أن الله يعذّب الزاني ، وشاربَ الخمر والمخدرات ، وآكلَ الربا ، والنمام ، وغيرَهم .
2) العلم : فإن الإنسان إنما يقع في الذنب لأحد أمرين: الجهل أو الهوى .
وشفاء الجاهل العلم النافع الذي يرسخ في القلب فيثمر العمل الصالح .
يدخل في العلم: العلم بالله وأسمائه وصفاته كما تقدم ، ويدخل فيه العلم بشؤم المعصية .
ويدخل فيه أيضاً العلم بفضل التوبة ، وأنها سبب محبة الله للعيد وفرحه به ، ودخوله جنته .
3) جاهد نفسك ، واصبر عن المعصية .
فإن قلت كما يقول بعض الشباب: صعب ، لا أستطيع ، أنا تعودت على هذا الشي .
فأقول لك: لا بد أن تصبر، وتذكر أن الصبر في الدنيا أهون من العذاب في الآخرة .
4) استشعار ما يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة وما يحدث له بها من كل اسم مذموم:
ويكفي في هذا المشهد مشهد فوات الإيمان الذى أدنى مثقال ذرة منه خير من الدنيا وما فيها ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن) .
قال بعض الصحابة: ينزع منه الإيمان حتى يبقى على رأسه مثل الظلة فإن تاب رجع اليه .
5) استشعار العوض : وهو ما وعد الله سبحانه من تعويض من ترك المحارم لأجله ونهى نفسه عن هواها (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) .
6) تدبر القرآن والعمل به : فإن القرآن روح القلوب ، وهو شفاؤها من جميع الشهوات والشبهات .
7) سد جميع الطرق التي توقعك في المنكر ، كالرفقة ، أو الوحدة ، أو المجلات السيئة، أو الأفلام الخليعة ، أو الفضائيات الخبيثة ، أو الدخول إلى الانترنت ، وغيرها من وسائل وطرق المنكر .
أيها الأحبة .. كلنا ضعفاء أمام الشهوات إلا من عصم الله تعالى، ولكن مشكلة الكثير منا: أنه يترك الفريسة بجوار الوحش، ويسكب الوقود على النار؛ ثم يصرخ مستغيثا أدركوني أغيثوني!!
8) البيئة الصالحة المعينة ، فالمرء ضعيف بنفسه ، قوي بإخوانه .. ولهذا أرشد العالم قاتل المائة في الحديث الصحيح أن يترك بلده ويسافر إلى بلد آخر فيه قوم يعبدون الله تعالى.
فنقول: فر من رفيق السوء ، غيّر رقم هاتفك، وغيّر منزلك إن استطعت، بل غيّر الطريق الذي كنت تمر منه .
9) استحضار نعم الله تعالى .. وكم لله علينا من نعمة ، (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) أمن في الأوطان ، وصحة في الأبدان ، وأنس بالأهل والولدان ، وأطعمة متعددة ، وأشربة متنوعة . نسأل الله شكر نعمته .
إخوتي في الله .. من منا زار المستشفيات ، وفكر في أهل البلاء والشقاء .
كم منا ممن يتمتع بالصحة ، ويرفل في ثياب العافية ، وهو مقيم على معصية الله تعالى .
عبد الله .. كيف تعصي الله وإحسانه إليك على مدى الأنفاس ، أعطاك السمع والبصر والفؤاد ، وأرسل إليك رسوله ، وأنزل إليك كتابه ، وأعانك بمدد من جنده الكرام ، يثبتوك ويحرسونك ويحاربون عدوك ، ويطردونه عنك ، وأنت تأبى إلا مظاهرته عليهم ، وموالاته دونهم .
أمرك الله بشكره ، لا لحاجته إليك ، ولكن لتنال به المزيد من فضله ، فجعلت كفر نعمه والاستعانة بها على مساخطه من أكبر أسباب صرفها عنك .
دعاك إلى بابه فما وقفت عليه ولا طرقته ، ثم فتحه لك فما ولجته !
أرسل إليك رسوله يدعوك إلى دار كرامته ، فعصيت الرسول .
ومع هذا فلم يؤيسك من رحمته ، بل قال : متى جئتني قبلتك ، إن أتيتني ليلاً ، قبلتك ، وإن أتيتني نهاراً قبلتك, ومن أعظم مني جوداً وكرماً؟ .. عبادي يبارزونني بالعظائم ، وأنا أكلؤكم على فرشهم ، إني والجن والانس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غير ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إلي .
10) اتباع السيئة بالحسنة .. كما قال تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
إن فعل المحرمات لا يسوغ ترك الطاعات .
ولهذا نقول: متى ما ابتلاك الشيطان بشيء من السيئات ، فادمغه بسيل من الحسنات ، من الصلاة والدعاء والذكر والصدقة وغيرها من الأعمال ، (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
وتأملوا أحبتي في الله في قصة هذه المرأة ، والتي جاءت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" بينما كلب يُطيف برَكيَّة (أي بئر) كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها (أي خفها) واستقت له به، فسقته إياه، فَغُفر لها به " .
انظروا يا إخواني ، ما الذي قام بقلب هذه المرأة الزانية ، من الرحمة ، مع عدم الآلة التي تسقي بها الماء، وعدم وجود المعين على السقي، وعدم وجود من ترائيه بعملها ، فغَرَّرَت المرأة الضعيفة بنفسها في نزول البئر، وملأت الماء في خفها، ولم تعبأ بتعرضه للتلف، ثم حملت الخف بفمها وهو ملآن ، ثم تواضعت لهذا المخلوق الذي جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو منه جزاء ولا شكوراً .
قال ابن القيم: فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء، فَغُفر لها .
وقد روى الترمذي والنسائي بسند حسن قصة أبي اليَسَر كعبِ بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه وأصل القصة في الصحيحين .
كان هذا الصحابي يبيع التمر في المدينة ، فجاءته امرأة حسناء جميلة تشتري منه التمر ، وكان زوجها قد خرج غازياً في سبيل الله ، فوسوس له الشيطان وزين له الوقوع بالمرأة ، فقال لها: إِنَّ فِي الْبَيْتِ تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ . فدخلت معه في البيت ، فأخذ يقبلها ، ويباشرها دون أن يصل إلى الجماع .نعم لقد وقع هذا الصحابي في هذه المعصية في موطن من مواطن الضعف ، فما الذي حدث؟ضاقت به الدنيا ، وعظم به الأمر ، فذهب أولاً إلى أَبي بَكْرٍ ، وأخبره بما وقع له ، فقال أبو بكر: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا ، لكن أبا اليسر لم يصبر ، فذهب إلى عمر ، فقال له عمر: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا ، لكنه لم يصبر حتى أتى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَر ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ: أَخَلَفْتَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا؟ .في هذه اللحظة ، تقطع قلب أبي اليسر ، حَتَّى إنه تَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ إِلَّا تِلْكَ السَّاعَةَ ، بل إنه ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ . ثم أَطْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلًا ، وأنزل رأسه إلى صدره ، حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ (وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ ، إن الحسنات يذهبن السيئات ، ذلك ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) .. قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على أبي اليسر ، ففرح بها فرحاً شديداً .. ثم قَالَ بعض الصحابة: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً قَالَ بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد .
عباد الله . الوسيلة الحادية عشرة
11) تذكر الموت ، والموت يأتي بغتة .. الخوف من سوء الخاتمة .. تذكر أنك قد تؤخر التوبة فتموت وأنت على المعصية ، فتبعث على رؤوس الخلائق، وأنت على تلك المعصية .
فسارع أخي الحبيب إلى التوبة، وتب قبل أن يعاجلك الموت فلا تجد مهلة للتوبة .
اجلس يا أخي مع نفسك ، وتفكر في حالك ، وقل: يا نفس توبي قبل أن تموتي ؛ أما تعلمين أن الموتَ موعدك؟! والقبرَ بيتك؟ والترابَ فراشك؟ والدودَ أنيسك؟ .. أما تخافين أن يأتيك ملك الموت وأنت على المعصية قائمة؟
12) زيارة القبور . كما هي سنته صلى الله عليه وسلم قال: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنها تذكركم الآخرة ) ، فإذا تسلط عليك الشيطان ، وهاجت نفسك الأمارة بالسوء ، فافزع إلى المقابر ، وقف بتلك المنازل ، وتذكر أنك يوما ستسكن في تلك القبور. وستكون وحدك؛ لا أحد معك سوى عملك؛ فإما أن يكون عملا صالحا يؤنسك وينير قبرك، فيكون روضة من رياض الجنة؛ وإما أن يكون عملا سيئا ، تشتد معه ظلمة قبرك ، ويضيق عليك ، ويكون حفرة من حفر النار.
13) تذكر القيامة وأهوال الآخرة . كما جاء في القرآن ، وفي السنة الصحيحة ، وهو مبسوط في كتب الرقائق والمحاضرات الوعظية .
14) الدعاء والانكسار بين يدي الله .. ولو كنت باقٍ على المعصية ، ولو عظمت منك الذنوب .
فقد ثبت عند الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي ، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) .
15) إذا تبت ثم رجعت فلا تيأس ، لا تترك التوبة أبداً ، لا تقل إني تبت ثم رجعت فلا أمل في التوبة ، بل تب ولو رجعت للذنب مراراً ، حتى يكون الشيطان هو المدحور .
ومع هذا فإني أحذرك وأخاف عليك من العودة إلى الذنب ، فإنك لا تأمن أن يسبقك الأجل ، وينزل بك الموت قبل أن تتوب ، ولا تأمن أيضاً أن تدمن الذنب ، فيُطبع على قلبه ، فلا ينبعث للتوبة .
عباد الله .. التوبة سفينة النجاة ، هي سفينة نوح ومن بعده من الرسل ، وكلما دنت السفينة من المذنبين ناداهم الربان: "ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" .. فمن ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق .
نسأل الله تعالى أن يعجل بتوباتنا قبل مماتنا ، ونسأله أن يمن علينا بتوبة نصوحك خالصة لوجهه الكريم .
وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ...
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى