لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

معالم المنهج السلفي في الدعوة والإصلاح Empty معالم المنهج السلفي في الدعوة والإصلاح {الأحد 28 أغسطس - 9:07}

إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ له . وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ]آل عمران:102[. (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) ]النساء:1[.(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )) ]الأحزاب:70-71[ .

أما بعدُ : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكلَّ محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار

أما بعد ، أيها المسلمون :

فالساحةُ اليومَ تَزخرُ بالعديدِ من الجماعاتِ الإسلاميةِ, العاملةِ في مجالِ الدعوةِ والإصلاح, و التي بذلت ولا تُزالُ تَبذلُ جُهوداً لا يُستهانُ بها في سبيلِ هِدايةِ الناس, و تُحقيقُ استجابتهم إلى ما تطرحهُ من قضايا, و ما تُنادي بهِ من مبادئَ وأهداف, ورُبما اشتركت هذه الجماعاتُ في أهدافها العُليا، و مبادئَها الكبرى, والتي من أبرزِها : ضمانُ عودةِ الجماهيرِ التائهةِ إلى الإسلامِ, وضمانُ عودةِ الإسلامِ إلى الصدارةِ من جديد, فالكلُّ مُتَّفقونَ على هذا الهدفِ, متحمسونَ في تحقيقِ هذهِ الغايةِ, لكن تبقى الوسيلةُ أو المنهج، لتحقيقِ الأهداف, و تنفيذِ تلكَ التطلُعاتِ, تبقى شَدِيدةَ التباينِ عظيمةَ الاختلاف, ورُبما أحسَّ بعضُ المخلصينَ من القائمينَ على تلك الجماعةِ، والمنظرينَ لمناهجها العمليةِ، رُبما أحسوا بضرورةِ توحيدِ الصفوفِ, وتنسيقِ الجهودِ، بما يُحققُ مصلحةَ الدعوةَ, و يضمنُ نجاحها إلى حدٍ كبير, بيدَ أنَّ العقبةَ الكؤود، التي وقفت ولا تزالُ تَقفُ أمامَ تحقيقِ ذلكَ الأملُ المنشودِ و الحلمُ الكبير، هي أنَّ الجميعُ ظلَّ يتشبثُ بطريقتهِ و منهجهِ الحركي, وينسُبُ الصوابَ لنفسهِ فقط, ويُحاولُ فرضهُ, و إرغامَ الآخرينَ على تبنيه, والسيرَ في فلكه, و رُبما ادعى أنَّ منهجهُ هو المنهجُ السلفيِّ بحذافيره, كي يُضفي على منهجهِ مزيداً من الهيبةِ, ويَحظى بمزيدٍ من الاحترام, ويَسلمَ من النقدِ والاعتراض, أوالتقويمِ و التسديد، وعجيبٌ عجيب، أن يقعَ الخلافُ في تحديدِ منهجِ السلف, مع أنَّ معالمهُ لا زالت محفوظةً في كتابِ الله, مُسجَّلةً في دواوينِ السنةِ الشريفة, لذا تبقى قضيةُ الانتسابِ إلى منهجِ السلفِ في الدعوةِ و الإصلاح, مجردُ دعوى تحتاجُ إلى برهانٍ ودليلٍ من كتابٍ و سنةٍ, فليسَ في الأمرِ من غموضٍ أو اشتباهٍ بحمدِ الله, حتى يدعي من شاءَ ما شاء، فالسلفيةُ عقيدةً ومنهجاً و سلوكاً, واضحةَ المعالمِ، وضوحَ الشمسِ في رابعةِ النهارِ, ثُمَّ هي ليست بطاقةٌ شخصية، تُصدرُها جهةً ما, أو أشخاصٌ مفوضون, كلا.كلا إنَّ السلفيةَ عقيدةً و منهجاً وسلوكاً, حقٌ مشاعٌ للجميع, فكلُّ من التزمَ بما كان عليه السلفَ الأولون في عقيدتهم ومنهجهم وسلوكهم، فهو سلفيِّ, ولو اجتمعَ عليه مَن بأقطارها مكذبينَ لهُ ومفندين.

أيَّها المسلمون : من هُنا كانتِ الحاجةُ ماسةً إلى وضعِ النقاطِ على الحروفِ, وذكرُ أهمِّ المعالمِ التي قامَ عليها منهجُ السلفِ، في الدعوةِ و الإصلاح, مقروناً بالمشاهدِ و الأمثالِ، و الدليلِ و البُرهان, ليتبينَ لكَ أخي المسلمُ وجهَ الحقَّ, فتعظُُ عليهِ بالنواجذِ، مطمئنٌ إلى صحةِ المنهج, وسلامةَ الاتجاهِ, واللهُ نسألَ أن يُريَنَا الحقَّ حقاً ويرزُقنَا اتباعه, ويُرِيَنَا الباطلَ باطلاً ويَرزُقنا اجتنابه, وأن يُجنبَ المسلمينَ أسبابَ الفُرقةِ والاختلاف، وأن يجمعَ كلمتهم على البرِّ والتقوى, إنَّ ربي سميعٌ قريب. أيَّها الأحبةُ في الله: إنَّ للمنهجِ السلفيِّ في الدعوةِ والإصلاحِ معالمٌ وأصول, تُعرفُ بالاستقراءِ والتتبع, لما كانَ عليه رسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من بعده, حينَ كانوا يُمارسون دورهم الفريد, وجُهدهم الجهيد, في التصدي للجاهليةِ الأولى, ودعوةَ الناسِ إلى نَبذِ الموروثاتِ المُتخلفة, والأنماطِ السلوكيةِ المُنحرفة, ودعوتهم إلى اعتناقِ الملةِ الإبراهيميةِ الحنيفية, وتبني الشريعةَ المحمدية السمحة.

إنَّ المعْلمَ الأول مِن معالمِ المنهج السلفي : هو العنايةُ بالدليلِ من كتابِ الله وسنةِ المعصومِ-عليه الصلاة و السلام-, إنَّهُ معلمٌ مستمدٌ من قولهِ تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) (الحجرات:1) إنَّهُ معلمٌ بالغُ الأهميةِ, واضحُ الدلالةِ، إنَّهُ يَعني باختصار, أنَّهُ لا يَحقُّ لأحدٍ كائناً من كان, فقيهاً أو مُحدثاً أو مفسراً، كبيراً أو صغيراً, لا يحقُّ لـه أبداً أن يتكلمَ باسمِ الدين, بعرضِ رأيهِ، و بما يُمليهِ عليهِ هَواه، وليس لأحدٍ حقُّ القَوامةِ على هذا الدين, فالدينُ دينُ اللهِ, و الحكمُ حكمُ اللهِ, والشرعُ شرعُ الله, و الأمرُ أمرُ الله, فلا يُطرحُ رأيٌّ، و لا يُسمعُ قولٌ إلاَّ مقروناً بالدليلِ من كتابٍ و سُنة, ولوفقهَ المسلمونَ وصيةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حيثُ يقولُ : (( تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تَضلوا بعدي أبداً، كتابُ اللهِ و سنتي)) لو فقهَ المسلمون هذهِ الوصيةِ, لما حدثَ الانحرافُ والضلال, ولما حدثَ الغلوُّ والجفاء, لو اعتنى المسلمون بالدليلِ, لما اضطربت بهمُ الأمواج, ولما هاجت بهمُ الريحُ, فمرةً في أقصى اليمينِ و أُخرى في أقصى الشمال, لو اعتنى المسلمون بالدليلِ لما قدَّمُوا قولَ زيدٍ أو عُبيد, إذ لا عصمةَ لزيدٍ ولا حصانةَ لعُبيدٍ, ورحمَ اللهُ ابنُ عباسٍ- ورضي عنهُ- إذ يقولُ: يُوشَكُ أن تَنزلَ عليكم حِجامةً من السماءِ, أقولُ قالَ رسولُ اللهِ, وتقولونَ قال أبو بكرٍ وعمر, يقولُ هذا في حقِّ من عارضَ بقولِ الشيخينِ قولَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم, فكيفَ بمن قدَّمَ رأيَهُ وهواه, ورأيَّ مشايخهِ على كلامِ اللهِ ورسوله, حتى قال قائِلُهم كلُّ حديثٍ خالفَ كلامُ مشايخنا فهو منسوخٌ أو ضعيفٌ أو مؤولٌ, إنَّها لمسافةُ بعيدة, وبونٌ شاسعٌ بين هؤلاءِ وبين منهجِ السلف, الذين كانوا أحرصَهم وأشدَّهم تمسكاً بالدليلِ, لمَّا دَعا عُمرُ الناسَ إلى الحدِّ من المهورِ والمغالاةِ فيها , وقفت لـهُ امرأةٌ، قالت ليس لك ذاكَ يا عمر, ليس لك ذاك يا عُمر, إنَّ اللهَ يقولُ : (( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً)) (النساء: من الآية20) فما جاوزها عُمر- رضي الله عنه- و لا جادلَ و لا ناقش, لعلمهِ بما دلت عليه, وهكذا كانت دعواتُ السلفِ ومناهجهم الإصلاحية, تنطلقُ من نصوصِ الوحيين الشريفين, و تتقيدُ بزمامهما .

وأمَّا المعْلمُ الثاني : الذي يقومُ عليه منهجهم في الدعوةِ و الإصلاح, كونُهُ يقومُ على قاعدةٍ متينة, راسخةً من العلمِ و الفقهِ في الدين. (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ )) (يوسف: من الآية108) . لذا كان عليه الصلاة السلام ينتقي دُعاتهُ انتقاءً, ينتقيهم من العلماءِ الراسخين, و طلبةِ العلمِ النابغين, هاهو يُرسلُ معاذاً وأبا موسى إلى اليمن, لما يَعلمهُ من طولِ باعهما في العلم, و رسوخِ قدميهما فيه, بيدَ أنَّ العلمَ المطلوبُ في الدعوةِ لا يعني الإحاطةَ و الشمول, فذاك متعذراً أو مستحيل, إذ لا يُشترطُ في الداعيةِ أن يكونَ مفسراً بارعاً كالطبري, أو مُحدثاً حافظاً كالبخاري, أو فقيهاً ذكياً كالشافعي, و لكنهُ يدعو بحسبِ ما لديهِ من علم, و ينصحُ بقدرِ ما عندهُ من فائدة, كان الرجلُ يقدمُ المدينةَ فيتلقى من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مبادئَ الإسلام, ثُمَّ يعودُ بها سريعاً إلى قومهِ فيصبحُ أستاذهم وشيخهم و إمامهم في الصلاة, إنَّما المحذورُ أن يفتخرَ الإنسانُ بما لا يعرف, ويتكلمُ بما لا يُجيدُ, و يفتي بما لا يعلمُ, و يُحللُ و يُحرِّم, و يُبَدِّعُ و يُفسِّق, و يَجرمُ ويَخُون بلا علم, و لا هُدىً و كتابٍ مُنير, ويا لمصِيبتنا بأمثالِ هؤُلاءِ الذين يخوضون في أهلِّ بدر,وكبارِ المهاجرينَ و الأنصار, ولو عُرضت على شيخِ الإسلامِ لقدمَّ قدماً و أخر أُخرى قبلَ أن يتفوهَ بكلمةٍ, أو يَخُطَّ حرفاً .

وأمَّا المعْلم الثالث : فهُو البدايةُ بالأصولِ والمُهمات, قبلَ الانشغالِ بالفروعِ والجُزئيات, فتصحيحُ المُعتقدِ, وترسيخُ أُصولِ الإيمانِ, هو ما ينبغي أن تتجهَ إليهِ هممُ الدُعَاةِ أولاً, هذا نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم يوصي مُعاذاً, وهو يُحملهُ أعباءَ الدعوةِ في اليمن :(( إنكَ تأتى قوماً أهلُ كتاب, فليكُن أولَّ ما تدعوهم إليهِ شهادةُ ألا إله إلاَّ الله، و في روايةٍ إلى أن يوحدوا اللهَ، فإن هُم أطاعُوكَ لذلك فعلِّمهم أنَّ اللهَ قد افترضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في اليوم و الليلة )) إلى آخرِ الحديث، إنَّ معاذاً يعلمُ مَن أهلَ الكتابِ, إنَّهُ يعلمُ أنَّهم كانوا يتعاطون الربا, و يأكلونَ السُحت, و يقترفون الكبائرَ, و رُغمَ ذلك لم يبدأ مُعاذٌ مشوارهُ معهم, بتحذيرهم من تلكَ المُوبقات, و لكن فليكن أولَّ ما تدعُوهم إليه, شهادةُ أن لا إلهَ إلا الله, أولَّ ما تدعُوهم إليهِ هو التوحيدُ يا معاذ, قبلَ الصلاةِ نعم، قبلَ الزكاةِ نعم, قبلَ تركِ الربا نعم, ما فائدةَ أن يُصلي اليهودي و هو يقولُ عزيرٌ ابنُ الله, ما فائدةَ أن يتعففَ اليهودي عن الربا وهو يقولُ يدُ اللهِ مغلُولة, ما فائدةَ أن يُصلي النصراني و هو يقولُ إنَّ اللهَ ثالثُ ثلاثة, بل ما فائدةَ أن يُصلي من يَدعي الإسلامُ وهو يستغيثُ بالموتى, ويتوسلُ بالمقبورين, إنَّ الدعوةَ إلى أداءِ الواجباتِ من فروعِ الدينِ، ومجانيةِ المنكرات, ويجبُ أن تكونَ مرحلةٌ تاليةً بعدَ الاطمئنانِ إلى سلامةِ المعتقدِ وصحته, وهي قضيةٌ مهمةٌ يجبُ أن يأخُذها الدعاةُ بعينِ الاعتبار, وهم يخوضونَ غمارَ الدعوةِ وزحمتها, فواجبَهم أن يُدركوا رُكامَ الشركِ وكثافته, وحجمَ الإِلحادِ ومساحته, اللذينَ أفسدوا على الناسِ فِطَرهم، و دنَّسُوا عليهم عقائِدهم، لا بُدَّ من حزمٍ في هذهِ المسألةِ، لا بُدَّ من جهادٍ مستميت, حتى يُجردَ الناسُ العُبودِيةَ للهِ وحده, ويجردوا الولاءَ للهِ و لرسولهِ وللمؤمنين, لا بُدَّ من حزمٍ و جهادٍ, حتى تُنبَذَ الو لاءاتُ الفارغةِ, و المللُ الفاسدةِ, و الأفكارُ الموبوءةِ, والقيمُ الزائفةِ, والجاهليةُ الماجنة, لا بُدَّ من مُعادَاةِ الكُفرِ و أَهلهِ ورموزه.

وأَمَّا المعْلمُ الرابعُ : فهو ضرورةُ الإلمامِ بأحوالِ المدعوين, فذاكَ ركيزةٌ مهمةٌ من ركائزِ الدعوةِ, وعنصرٍ فاعلٍ في نجاحها, يا معاذٌ: إنَّك تأتي قوماً أهلُ كتاب, فانتبه يا معاذ, اعرفُ من سَتُواجه, واعرفُ من ستُقابل, واعرفُ من ستُناظر, فدعوةُ الكفارِ تختلفُ أسلوباً ومنهجاً، عن دعوةِ عُصاةِ الموحدين, فالكفارُ فيهم علمانيونَ حاقدون, وفيهم قبور يونَ خرافيون, وفيهم ملا حدةٌ وثنيون, وفيهم أهلُ كتابٍ متعصبون, وعُصاةُ الموحدينَ تتباينُ أعمارهم, وتختلفُ ثقافاتُهم, وتتمايزُ عقُولهم, وما يصلحُ في مخاطبةِ الشابِ ذوا العشرينَ عاماً, قد لا يُلائِمُ من تجاوزَ الستين عاماً، وإن كانَ خطأُ الاثنينِ واحداً, وما ينفعُ في مناصحةِ الجامعيِّ المُتعلم, قد لا يُفيدُ في محادثةِ صاحبِ الحرفةِ اليدويةِ البسيطة, وطالبُ العِلمِ الذي يُريدُ الحديثَ مخرِّجاً و مصحَّحاً, لا يُجدي معهُ إلقاءُ النصحِ جُزَافاً, ورميُّ الكلامِ على عواهنهِ.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وأيا كم بالذكر الحكيم .

واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية :

الحمد لله يعطي ويمنع, ويخفض ويرفع, ويضر وينفع, ألا إلى الله تصيرُ الأمور. وأصلي وأسلم على الرحمةِ المهداة, والنعمة المسداة, وعلى آله وأصحابه والتابعين,

أما بعدُ : أيَّها المسلمون :

وأمَّا المعْلمُ الخامسُ : من معالمِ النهجِ السلفيِّ في الدعوةِ والإصلاح, فهو دعوةُ الناسِ بالحكمةِ, والتي تعني:وضعُ الشيءِ في موضعهِ, ولا تعني الخضوعِ و الضعفِ, أو البلاهةِ و الدروشةِ, كما أنَّها لا تُعني الرفقُ واللينُ دائماً، كما يتوهمُ البعضُ, فاللينُ والرفقُ ضروريانِ في بعضِ المواقفِ, ولكنَّ الشدةُ والحزمُ أشَدُّ ضرورةً في مواقفَ أُخرى, وهكذا كانَ منهجُ النبي- صلى الله عليه وسلم- فقد كانَ هيناً ليناً, رحيماً رفيقاً, في معاملتهِ للأعرابي يومَ انتهكَ قُدسيةَ مسجدهِ, و لوثهُ بنجاستهِ وبوله, لما يَعلمُهُ من جَهلهِ وجفائه, وحاجَتهُ إلى الرفقِ والتعليم, لاستدراكِ ما اعتادهُ من سُلوك, وما نشأَ عليه من طباع, وكذلكَ كان هيناً ليناً, وهو يحاورُ شاباً يافعاً دخلَ عليه مجلسه, فقالَ يا رسولَ اللهِ ائذن لي في الزنا, فما نَهرَهُ و ما كهره, وما عَنَفَهُ و ما سبَّهُ وما شتمه, و لكنَّهُ قرَّبهُ بلطفٍ, و حاورهُ بأدبٍ, أترضاهُ لأُمك ؟! أترضاهُ لأُختك ؟! أترضاهُ لابنتك ؟ لعمتك ؟لخالتك ؟ كلُّ ذلكَ و الشابُّ يقولُ لا واللهِ يا رسولَ الله، جعلني اللهُ فداك, فخرجَ من مجلسهِ، وما شيءٌ أبغضُ إليهِ من الزنا, ولا أحبُّ إليهِ من العفةِ, هذهِ مواقفُ اللينِ حين تقتضيها الحكمة, ويَستدعيها بُعدَ النظر, ثُمَّ تأمل باركَ اللهُ فيكَ أيُّ شدة! وأيُّ حزمٍ يواجههُ بها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أسامةَ بن زيدٍ في هذا الموقفِ العجيب, بعثَ النبيُّ t بعثاً إلى المشركينَ، فكان بينهم مُسابقةٌ وقتال, فالتقى أُسامةَ رجلاً من المشركين لا يدعُ للمسلمين شاذةً ولا فاذة إلاَّ أتبعها, يضربُها بسيفه, فحملَ عليه أُسامةَ، فلمَّا هوى عليه ليقتُلهُ, إذا به ينطقُ التوحيد, فلم يكترث بهِ أسامةَ فقتله, فبلغَ النبي صلى الله عليه وسلم خبرهَ، فأغلظ لأسامةِ وعنَّفهُ, يا أسامةُ، يا أسامةُ أقتلتهُ بعدَ أن قالَ لا إله إلا الله؟ قال يا رسولَ اللهِ، إنَّما قالها خوفاً من السيفِ, قال هلاَّ شققت عن قلبهِ لتعلمَ أقالها من أجلِ ذلك؟فما تصنعُ بلا إلهَ إلاَّ اللهِ إذا جاءت يومَ القيامة, فما زالَ يُرددُها و يُرددُها ويرددُها, حتى تمنى أُسامةَ ألاَّ يكون أسلمَ يومهِ ذاك, إنَّهُ موقفٌ يستدعي الشدةَ والحزم, فما كان لدمِ المسلمِ أن يُراقُ بغيرِ وجهِ حق, أو يذهبَ ضحيةَ تقديراتٍ خاطئة,يا أُسامةَ أَقَتَلتَهُ بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ فما تصنعُ بلا إله إلاَّ اللهَ إذا جاءت يوم القيامة ؟ إنَّ مواقفَ الحزمِ والشدةِ في حياةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حين يستدعي الأمرُ ذلك, ليس موقفاً أو موقفين, أو ثلاثة أو أربعة, إنَّها مواقفُ كثيرةً, فهو الذي غضبَ و اشتدَّ غضبهُ يوم اجترأ أُسامةُ نفسَهُ على الشفاعةِ لامرأةٍ مخزوميةٍ سرقت, وهو الذي غضِبَ و اشتدَّ غضبهُ يومَ أطالَ معاذٌ بقومهِ الصلاة, لكنهُ يبقى غضبٌ للهِ، وفي ذاتِ الله, خوفاً على أُمتهِ من أسبابِ غضبِ الله .

و أخيراً من معالمِ المنهجِ السلفي, مراعاةُ المصلحةِ و المفسدة, و شواهدهُ أكثر من أن تُحصر, يا عائشةُ لولا أنَّ قومكِ حديثو عهدٍ بالجاهليةِ لهدمتُ الكعبةَ وبنيتُها على قواعدِ إبراهيم, يا عُمر لا يتحدثُ الناسَ أنَّ محمداً يقتلُ أصحابه, وهُناك معالمٌ أُخرى، لا يتسعُ المقامُ لذكرها تفصيلاً, فهو منهجُ الصبرِ، مُطَولُ النفس, و هو منهجُ الواقعيةِ و عدمِ المُكابرة, وهو منهجٌ لا يعرفُ الجُمودَ و التقوقع .

اللهم إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوقُ إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،

اللهم زينا بزينةِ الإيمانِ واجعلنا هداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى أله وصحابته أجمعين .

وأرضي اللهم عن الخلفاء الراشدين أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعلي

اللهم آمنا في الأوطانِ والدور وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون .



معالم المنهج السلفي في الدعوة والإصلاح

الدكتور رياض بن محمد المسيميري
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى