رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ , ونستغفرهُ , ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا , منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ , ومنْ يُضلل فلا هاديَ له ، وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله .{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ]آل عمران:102[ .{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ] النساء:1[.{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } ]الأحزاب:70-71[.
أما بعد : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ , وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها , وكلَّ محدثةٍ بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار ..
أما بعدُ ، أيها المسلمون :
فإنَّ من أهم الأسباب ، التي أدت إلى ضعفِ المسلمين ، وتسلطِ أعدائهم عليهم ، ومكرهم بهم عدمَ اهتمامهم ببناءِ الجيل الجديد ، وتنشأتِه النشأَة الصحيحة ، القائمة على العقيدة السليمةِ, والسلوكِ القويم ، وتربيتهِ على الطُهرِ, والفضيلةِ, والشجاعِةِ, وتهيئتهِ للغزو, والجهاد .
فنشأت نتيجة لذلك ، أجيالٌ خاويةٌ ضعيفةٌ, ذوو اهتماماتٍ هزيلةٍ بائسةٍ ، لا تتعدى الفنَ, والكرةَ ,والرياضة ، والسفَر واللهَو والعبث .
وشارك في صُنع هذا الواقعِ الأليم ، أباءٌ غلبتْ النزعةُ الماديةُ ، على تصرفاتهم وتوجهاتِهم, فانطلقوا يتسابقون ، نحو جمعِ الحُطام,ِ والمتاعِ بأقصر,ِ طريقةٍ وأسرعِ وقت , وأحياناً ، بأية ِ وسيلة ٍ, ومن أي مصدرٍ ، ولم تعد لهم قضيةٌ تشغلُ بالَهَم, ولا هدفٌ يحظى بتفكيرهِم ، إلا الدينار,ُ والدرهمُ ، والمنصبُ والجاه,ُ والشهرة, وأضاعوا نتيجةً لذلك ، أنفسَهَم, وذرياتِهم, وانقطعت علاقاتهم ببيوتِهم, وأُسرهم ، اللهم إلا من طعامٍ يحضرونه ، أو كساءٍ يأمنونه أو وسيلةِ لهوٍ, وعبثٍ يجلبونها , أو كانت هناك مصلحةٌ دنيوية ٌ عاجلة تستدعي حضورَهم, كما يحدث في هذه الأيام حيثُ عادَ كثيرٌ من الآباءِ إلى بيوتهم للاطمئنانِ على نجاحِ أبنائهم حتى يحملوا الشهادات ، ويحوزوا المناصبَ ، ويجمعوا الثروات .
فهي عودةٌ من أجل المصلحةِ العاجلةِ ، والنفعِ الدنيوي البحت ، مما يدلُ على أنَّ النزعة َ الماديةَ ، متأصلةٌ في نفوس البعضِ ، بكل ثقلها, وقسوتها.
أما أن ينشأ الابنُ صالحاً, نقياً , نزيهاً, ورعاً, فذلك ليس في حسابهم . وأما أن يُصلحَ المجتمعُ ، ويحاربَ الفسادَ ، فذلك ليس في تفكيرهم, واهتمامهم .
وأما أن ينتصَر الإسلامُ ، ويذلَ الكفرُ ، فذلك ليس محل عنايتهم .
كم نجني على أنفسِنا ومجتمعِنا، ومستقبلنا, وديننا ،حين تكونُ قضيةُ التعليم مجردَ نجاحٍ, ورسوب . دون أن يصاحبَ ذلك ، تربيةٌ مدروسةٌ, قائمةٌ على غرس العقيدةِ في النفوسِ ، وبثِ القيمِ الرفيعةِ في السلوكِ .
أي فائدةٍ نجنيها أيها المربون ، حين يحفظُ الناشُئ كتاباً, وهو له كاره ، ثم يركلهُ بقدمهِ عَقِبَ الامتحان ، ويمزقهُ إرباً إرباً, وتجول إن شئتَ في أفنية ِ المدارس والطرقاتِ من حولها ، تجدْ الكتبَ مبعثرةً، والأوراَقُ ممزقةً مهانةً.
وشاركَ الأبُ في حصولِ هذه المأساة ، حين صَوَّرَ لأبنائهِ أنَّ الدراسةَ, والتعلم من أجلِ المالِ, والجاهِ, والمنصب.
وحين غرس في نفوسهم ، حُبَّ الدنيا, والاستماتة في جمعها, وعبادتِها .
إنَّ الإهتمامَ بنجاحِ الأبناءِ, وتفوقهم ، أمرٌ لاغُبارَ عليه ، لو صاحبَ ذلكَ الاهتمامُ اهتمامٌ شاملٌ لكلِ الجوانبِ الأخرى ، والتي يشهدُ الواقعُ تفريطاً واضحاً فيها . فخذ على سبيل المثالِ لا الحصر ، قضيةَ القرناءِ, والرفقةِ ، التي تصاحبُ الابنَ معظمَ ساعاتِ يومِهِ ، إمَّا في مدرستةِ التي يدرسُ فيها ، وإمَّا في حارتةِ التي يسكنُ بها, ثم سل الآباء ، عن مدى اهتمامهم بأبنائهم ، ومن يصادقون, ويرافقون ،فلا تجدُ إلا استغراباً, وتعجباً لسؤالِك الفضولي فضلاً أن تجدَ جواباً مقنعاً شافياً .
وما عرف أولئك الآباءُ ، المستغربون, المتعجبون, مدى خطورةِ قرناءِ السوء وكم جنوا على أبناءِ المسلمين الشرفاء ، حين غرَّورا بهم ، واستدرجوهم إلى المخدراتِ, و المسكراتِ ، وفعلِ الفاحشةِ, وإدمانُ الرذيلةِ؟ وكم أوقعوا ذوي الاستقامةِ في حبائلهم ؟ بفعل مكرهم الخبيث ، ودسائسهم الشيطانية ،فقادوهم إلى السجون, ودور الأحداث.
ولقد تفننَ أولئك القرناُءُ الأشقياءُ ، في إغواءِ أبناء المسلمين ، فعلّموهم كيف تُسرقُ البيوتُ, والسيارات ؟ علُموهم كيف يختطفُ الصبيانُ من الشوارعِ والطرقات .
والمتتبعُ لقضايا الأحداث ، التي تضبطها الهيئات, أو الشرطةُ ، يلحظُ أن كثيراَ من تلك القضايا ، يشتركَ فيها أكثر من حدث ، مما يؤكدُ أن بعضَ أولئك الأحداثِ ، يؤثرُ على البعضِ الآخر ، ويدفعهُ إلى الجريمة, إما ترغيبا ًوإما ترهيباً . لقد أهتم سلفُنا الصالح ، برعايةِ أبنائهم, وتربيتهم على العقيدة الصحيحة ، والسلوك الحميد, وربوهم على الجهادِ, والبذلِ والفداءِ ، فنشأوا فرساناً في النهار, وهباناً في الليل ، فكانوا قرة عينٍ لآبائهم في حياتهم . وذكراً طيباً لهم بعد مماتهم . ولقد كان صبيانُ الصحابةِ ، يتسابقون إلى صفوفِ القتالِ وساحاتِ الوغى ،حتى قبل بلوغهم الحُلُم, والتكليف. فها هو عبد الله بن عمرَ بنِ الخطاب ، ينتظمُ في الصفوفِ يومَ بدر ، فيردهُ النبي صلى الله عليه وسلم لصغر سنه، ثم ينتظمُ في الصفوف يوم أحدٍ ، فيردهُ النبي صلى الله عليه وسلم لذات السبب ، فما أجازه إلا يومَ الخندق ، فانظر إلى همة ذلك الغلام البطل, وشجاعتهِ ، ولا عجب ، فقد رباه أبوهُ فأحسن تربيتهُ ، فنشأ مجاهداً, محتسباً ،وعالماً مسدداً, وتسابق يوم بدر أيضاً عَوذٌ ومعَوذٌ إلى قتل أبي جهل وهما غلامانِ صغيرانِ حتى تركاه يسبحُ بدمائهِ النجسة . فهؤلاءِ فتيةُ الإسلامِ ، وجدوا بيوتاً طاهرةً فعاشوا في جنباتها ووجدوا آباءً أتقياء فتربوا على أعينهم ،فنشأوا على التدبير, والاستقامةِ ودرجوا على الفضيلةِ, والكرامةِ . ثم أنظر في اهتماماتِ أبناءِ المسلمين اليوم تجدْها لا تتجاوزَ متابعةَ الكرةِ, والرياضةِ ، أو مشاهدةِ وسائلِ الفسادِ والإفسادِ فينشأون بلا هدفٍ ,ولا رسالةِ ، ولا قضيةٍ ولا مبدأ.
ثم إنَّ قضيةَ قٌرناءِ السوءِ ، لا تمسُ خطورتُها النشئَ, والأحداث فقط بل هي تطولُ حتى الشبابَ الكبار ، والكهولَ وكبارَ السنِ, وقد حذر القرآنُ الكريم من شرهم ، والوقوعِ في شِراكهم . يقول الله تعالى : ]وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [[الفرقان:29,28,27] .
فهذه الآيات الكريمات, تصفُ مشهدَ ذلك المفرطِ المسكين ، وهو يعضُ على يديهِ ، كمداً, وحسرةً ،منادياً على نفسه بالويلِ, والثبورِ . ويتمنى الأماني البائسةَ, يا ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلاً . يا ليتني أطعتُ الرسولُ, واتبعتُ أمره,َ ياويلتي ليتني لم أتخذْ فلاناً خليلاً . فهو يتذكرُ رفيقَ عمرهِ ، وصديقَ دهرهِ الذي أسلمُه نَفسَه ، وأجَّرهُ عَقلَه, فقادهُ ذلك الرفيقُ المشوؤم ، إلى أسوءِ عاقبةٍ وأقبحِ نهاية.أما اليومَ فهو يعترفُ اعترافاً لا ينفُعه ، ويعتذرُ اعتذاراً لايعبأُ به .
]لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً[ [الفرقان:29] .
لقد استمعتُ خطباً كثيرةً ، وحضرت ُمواعظَ عديدةً, ونصحني المشفقونَ المثقفونَ ، وذكرنيَّ المحتسبون, ولكنَّ ذلك القرينَ المجرم ، أضلني عن كل ذلك ،فالحقيقةُ حجبها ، العفةُ دنَّسها، والمروءةَ أذهبها ، والرجولةَ أضاعها ، والكرامةُ أهانها .
ولكن كل ذلك ، لا يغيرُ من عواقبَ الأمور شيئاً ،وصدق الله إذا يقول : ]وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [ [الزخرف:39]
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم .....
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانهِ إلينا أكمل إحسان, والشكرُ لـه أن هدانا, ووفقنا إلى الإسلامِ, أحمدهُ حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, كما يحب ربُنا ويرضى
أما بعد .
ففي صحيح مسلم من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال : لما حضرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ جاءهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهُ عنده أبا جهلٍ, وعبد الله بنَ أبي أمية ابن المغيرة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمُ ، قل لا إله إلا الله ، كلمةً أشهدُ لك بها عند الله, فقال أبو جهلٍ وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب, أترغبُ عن ملةِ عبد المطلب ؟ فلم يزلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه, ويعيد لـه تلك المقالة حتى كان أخر ما كان كلمهم به, أبو طالب هو على ملةِ عبد المطلب ، وأبى أن يقولَ لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أما والله لاستغفرن لك, ما لم أنه عنكَ ،فأنزل الله قوله تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } [1] [التوبة:113].
لقد جاء النبيُ صلى الله عليه وسلم يعودُ عمه أبا طالب ، وهو في اللحظاتِ الأخيرةِ من حياته وقد أوشكَ أن يسلمَ الروحَ لبارئها . فأخذ يعرضُ عليه كلمةَ التوحيد إشفاقاً عليه, ورحمةً به . يا عم ، قل لا إله إلا الله ، كلمةً أشهد لك بها عند ، فيثبُ الشيطانانِ اللئيمانِ أبو جهل, وابن أبي أمية ، ويذكرانِ أبا طالبٍ بملةِ عبد المطلب الوثنية ، حتى لا يتنازلَ عنها . ولم يزل النبي الكريم ، يعرضُ التوحيدَ على عمه البائس المنكود. ولكن المجرمين الحاقدينِ ينجحانِ في صد أبي طالب عن أن يتلفظَ بكلمةِ التوحيدِ العظيمةِ ، فمات مشركاً, خالداً مخلداً في النار .
فتأملْ أثَر قرناءِ السوءِ . كيف قاد أبا طالب ، عَّم النبي صلى الله عليه وسلم إلى جحيم لا ينقضي عذابُه, ولاينتهي عقابُه .
لقد كان أبو طالب يدركُ ، صدقَ النبي عليه الصلاة والسلام . ويعرفُ أنَّ ما جاء به هو الحقُ ولكن شؤمَ الرفقةِ السيئةِ ، وقرناءِ السوءِ, والتعصبِ للآباء والأجدادِ, وأوثانهم ، أدى به إلى أسوءِ عاقبة .
وصدق الله إذ يقول : ]فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [ [الأنعام: من الآية33] .
ألا صلوا وسلموا على أعظمِ نبيٍ, وأكرم رسول كما أمركم الله بذلك ..
-----
[1]ـ رواه مسلم ورقمه (25).
الامتحانات
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
أما بعد : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ , وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها , وكلَّ محدثةٍ بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار ..
أما بعدُ ، أيها المسلمون :
فإنَّ من أهم الأسباب ، التي أدت إلى ضعفِ المسلمين ، وتسلطِ أعدائهم عليهم ، ومكرهم بهم عدمَ اهتمامهم ببناءِ الجيل الجديد ، وتنشأتِه النشأَة الصحيحة ، القائمة على العقيدة السليمةِ, والسلوكِ القويم ، وتربيتهِ على الطُهرِ, والفضيلةِ, والشجاعِةِ, وتهيئتهِ للغزو, والجهاد .
فنشأت نتيجة لذلك ، أجيالٌ خاويةٌ ضعيفةٌ, ذوو اهتماماتٍ هزيلةٍ بائسةٍ ، لا تتعدى الفنَ, والكرةَ ,والرياضة ، والسفَر واللهَو والعبث .
وشارك في صُنع هذا الواقعِ الأليم ، أباءٌ غلبتْ النزعةُ الماديةُ ، على تصرفاتهم وتوجهاتِهم, فانطلقوا يتسابقون ، نحو جمعِ الحُطام,ِ والمتاعِ بأقصر,ِ طريقةٍ وأسرعِ وقت , وأحياناً ، بأية ِ وسيلة ٍ, ومن أي مصدرٍ ، ولم تعد لهم قضيةٌ تشغلُ بالَهَم, ولا هدفٌ يحظى بتفكيرهِم ، إلا الدينار,ُ والدرهمُ ، والمنصبُ والجاه,ُ والشهرة, وأضاعوا نتيجةً لذلك ، أنفسَهَم, وذرياتِهم, وانقطعت علاقاتهم ببيوتِهم, وأُسرهم ، اللهم إلا من طعامٍ يحضرونه ، أو كساءٍ يأمنونه أو وسيلةِ لهوٍ, وعبثٍ يجلبونها , أو كانت هناك مصلحةٌ دنيوية ٌ عاجلة تستدعي حضورَهم, كما يحدث في هذه الأيام حيثُ عادَ كثيرٌ من الآباءِ إلى بيوتهم للاطمئنانِ على نجاحِ أبنائهم حتى يحملوا الشهادات ، ويحوزوا المناصبَ ، ويجمعوا الثروات .
فهي عودةٌ من أجل المصلحةِ العاجلةِ ، والنفعِ الدنيوي البحت ، مما يدلُ على أنَّ النزعة َ الماديةَ ، متأصلةٌ في نفوس البعضِ ، بكل ثقلها, وقسوتها.
أما أن ينشأ الابنُ صالحاً, نقياً , نزيهاً, ورعاً, فذلك ليس في حسابهم . وأما أن يُصلحَ المجتمعُ ، ويحاربَ الفسادَ ، فذلك ليس في تفكيرهم, واهتمامهم .
وأما أن ينتصَر الإسلامُ ، ويذلَ الكفرُ ، فذلك ليس محل عنايتهم .
كم نجني على أنفسِنا ومجتمعِنا، ومستقبلنا, وديننا ،حين تكونُ قضيةُ التعليم مجردَ نجاحٍ, ورسوب . دون أن يصاحبَ ذلك ، تربيةٌ مدروسةٌ, قائمةٌ على غرس العقيدةِ في النفوسِ ، وبثِ القيمِ الرفيعةِ في السلوكِ .
أي فائدةٍ نجنيها أيها المربون ، حين يحفظُ الناشُئ كتاباً, وهو له كاره ، ثم يركلهُ بقدمهِ عَقِبَ الامتحان ، ويمزقهُ إرباً إرباً, وتجول إن شئتَ في أفنية ِ المدارس والطرقاتِ من حولها ، تجدْ الكتبَ مبعثرةً، والأوراَقُ ممزقةً مهانةً.
وشاركَ الأبُ في حصولِ هذه المأساة ، حين صَوَّرَ لأبنائهِ أنَّ الدراسةَ, والتعلم من أجلِ المالِ, والجاهِ, والمنصب.
وحين غرس في نفوسهم ، حُبَّ الدنيا, والاستماتة في جمعها, وعبادتِها .
إنَّ الإهتمامَ بنجاحِ الأبناءِ, وتفوقهم ، أمرٌ لاغُبارَ عليه ، لو صاحبَ ذلكَ الاهتمامُ اهتمامٌ شاملٌ لكلِ الجوانبِ الأخرى ، والتي يشهدُ الواقعُ تفريطاً واضحاً فيها . فخذ على سبيل المثالِ لا الحصر ، قضيةَ القرناءِ, والرفقةِ ، التي تصاحبُ الابنَ معظمَ ساعاتِ يومِهِ ، إمَّا في مدرستةِ التي يدرسُ فيها ، وإمَّا في حارتةِ التي يسكنُ بها, ثم سل الآباء ، عن مدى اهتمامهم بأبنائهم ، ومن يصادقون, ويرافقون ،فلا تجدُ إلا استغراباً, وتعجباً لسؤالِك الفضولي فضلاً أن تجدَ جواباً مقنعاً شافياً .
وما عرف أولئك الآباءُ ، المستغربون, المتعجبون, مدى خطورةِ قرناءِ السوء وكم جنوا على أبناءِ المسلمين الشرفاء ، حين غرَّورا بهم ، واستدرجوهم إلى المخدراتِ, و المسكراتِ ، وفعلِ الفاحشةِ, وإدمانُ الرذيلةِ؟ وكم أوقعوا ذوي الاستقامةِ في حبائلهم ؟ بفعل مكرهم الخبيث ، ودسائسهم الشيطانية ،فقادوهم إلى السجون, ودور الأحداث.
ولقد تفننَ أولئك القرناُءُ الأشقياءُ ، في إغواءِ أبناء المسلمين ، فعلّموهم كيف تُسرقُ البيوتُ, والسيارات ؟ علُموهم كيف يختطفُ الصبيانُ من الشوارعِ والطرقات .
والمتتبعُ لقضايا الأحداث ، التي تضبطها الهيئات, أو الشرطةُ ، يلحظُ أن كثيراَ من تلك القضايا ، يشتركَ فيها أكثر من حدث ، مما يؤكدُ أن بعضَ أولئك الأحداثِ ، يؤثرُ على البعضِ الآخر ، ويدفعهُ إلى الجريمة, إما ترغيبا ًوإما ترهيباً . لقد أهتم سلفُنا الصالح ، برعايةِ أبنائهم, وتربيتهم على العقيدة الصحيحة ، والسلوك الحميد, وربوهم على الجهادِ, والبذلِ والفداءِ ، فنشأوا فرساناً في النهار, وهباناً في الليل ، فكانوا قرة عينٍ لآبائهم في حياتهم . وذكراً طيباً لهم بعد مماتهم . ولقد كان صبيانُ الصحابةِ ، يتسابقون إلى صفوفِ القتالِ وساحاتِ الوغى ،حتى قبل بلوغهم الحُلُم, والتكليف. فها هو عبد الله بن عمرَ بنِ الخطاب ، ينتظمُ في الصفوفِ يومَ بدر ، فيردهُ النبي صلى الله عليه وسلم لصغر سنه، ثم ينتظمُ في الصفوف يوم أحدٍ ، فيردهُ النبي صلى الله عليه وسلم لذات السبب ، فما أجازه إلا يومَ الخندق ، فانظر إلى همة ذلك الغلام البطل, وشجاعتهِ ، ولا عجب ، فقد رباه أبوهُ فأحسن تربيتهُ ، فنشأ مجاهداً, محتسباً ،وعالماً مسدداً, وتسابق يوم بدر أيضاً عَوذٌ ومعَوذٌ إلى قتل أبي جهل وهما غلامانِ صغيرانِ حتى تركاه يسبحُ بدمائهِ النجسة . فهؤلاءِ فتيةُ الإسلامِ ، وجدوا بيوتاً طاهرةً فعاشوا في جنباتها ووجدوا آباءً أتقياء فتربوا على أعينهم ،فنشأوا على التدبير, والاستقامةِ ودرجوا على الفضيلةِ, والكرامةِ . ثم أنظر في اهتماماتِ أبناءِ المسلمين اليوم تجدْها لا تتجاوزَ متابعةَ الكرةِ, والرياضةِ ، أو مشاهدةِ وسائلِ الفسادِ والإفسادِ فينشأون بلا هدفٍ ,ولا رسالةِ ، ولا قضيةٍ ولا مبدأ.
ثم إنَّ قضيةَ قٌرناءِ السوءِ ، لا تمسُ خطورتُها النشئَ, والأحداث فقط بل هي تطولُ حتى الشبابَ الكبار ، والكهولَ وكبارَ السنِ, وقد حذر القرآنُ الكريم من شرهم ، والوقوعِ في شِراكهم . يقول الله تعالى : ]وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [[الفرقان:29,28,27] .
فهذه الآيات الكريمات, تصفُ مشهدَ ذلك المفرطِ المسكين ، وهو يعضُ على يديهِ ، كمداً, وحسرةً ،منادياً على نفسه بالويلِ, والثبورِ . ويتمنى الأماني البائسةَ, يا ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلاً . يا ليتني أطعتُ الرسولُ, واتبعتُ أمره,َ ياويلتي ليتني لم أتخذْ فلاناً خليلاً . فهو يتذكرُ رفيقَ عمرهِ ، وصديقَ دهرهِ الذي أسلمُه نَفسَه ، وأجَّرهُ عَقلَه, فقادهُ ذلك الرفيقُ المشوؤم ، إلى أسوءِ عاقبةٍ وأقبحِ نهاية.أما اليومَ فهو يعترفُ اعترافاً لا ينفُعه ، ويعتذرُ اعتذاراً لايعبأُ به .
]لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً[ [الفرقان:29] .
لقد استمعتُ خطباً كثيرةً ، وحضرت ُمواعظَ عديدةً, ونصحني المشفقونَ المثقفونَ ، وذكرنيَّ المحتسبون, ولكنَّ ذلك القرينَ المجرم ، أضلني عن كل ذلك ،فالحقيقةُ حجبها ، العفةُ دنَّسها، والمروءةَ أذهبها ، والرجولةَ أضاعها ، والكرامةُ أهانها .
ولكن كل ذلك ، لا يغيرُ من عواقبَ الأمور شيئاً ،وصدق الله إذا يقول : ]وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [ [الزخرف:39]
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم .....
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانهِ إلينا أكمل إحسان, والشكرُ لـه أن هدانا, ووفقنا إلى الإسلامِ, أحمدهُ حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, كما يحب ربُنا ويرضى
أما بعد .
ففي صحيح مسلم من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال : لما حضرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ جاءهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهُ عنده أبا جهلٍ, وعبد الله بنَ أبي أمية ابن المغيرة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمُ ، قل لا إله إلا الله ، كلمةً أشهدُ لك بها عند الله, فقال أبو جهلٍ وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب, أترغبُ عن ملةِ عبد المطلب ؟ فلم يزلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه, ويعيد لـه تلك المقالة حتى كان أخر ما كان كلمهم به, أبو طالب هو على ملةِ عبد المطلب ، وأبى أن يقولَ لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أما والله لاستغفرن لك, ما لم أنه عنكَ ،فأنزل الله قوله تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } [1] [التوبة:113].
لقد جاء النبيُ صلى الله عليه وسلم يعودُ عمه أبا طالب ، وهو في اللحظاتِ الأخيرةِ من حياته وقد أوشكَ أن يسلمَ الروحَ لبارئها . فأخذ يعرضُ عليه كلمةَ التوحيد إشفاقاً عليه, ورحمةً به . يا عم ، قل لا إله إلا الله ، كلمةً أشهد لك بها عند ، فيثبُ الشيطانانِ اللئيمانِ أبو جهل, وابن أبي أمية ، ويذكرانِ أبا طالبٍ بملةِ عبد المطلب الوثنية ، حتى لا يتنازلَ عنها . ولم يزل النبي الكريم ، يعرضُ التوحيدَ على عمه البائس المنكود. ولكن المجرمين الحاقدينِ ينجحانِ في صد أبي طالب عن أن يتلفظَ بكلمةِ التوحيدِ العظيمةِ ، فمات مشركاً, خالداً مخلداً في النار .
فتأملْ أثَر قرناءِ السوءِ . كيف قاد أبا طالب ، عَّم النبي صلى الله عليه وسلم إلى جحيم لا ينقضي عذابُه, ولاينتهي عقابُه .
لقد كان أبو طالب يدركُ ، صدقَ النبي عليه الصلاة والسلام . ويعرفُ أنَّ ما جاء به هو الحقُ ولكن شؤمَ الرفقةِ السيئةِ ، وقرناءِ السوءِ, والتعصبِ للآباء والأجدادِ, وأوثانهم ، أدى به إلى أسوءِ عاقبة .
وصدق الله إذ يقول : ]فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [ [الأنعام: من الآية33] .
ألا صلوا وسلموا على أعظمِ نبيٍ, وأكرم رسول كما أمركم الله بذلك ..
-----
[1]ـ رواه مسلم ورقمه (25).
الامتحانات
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى