عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
مرة أخرى مع المرأة!
وقضية المرأة..ليست مجرد طفرة جديدة يعيشها عصرنا هذا، بل هي قديمة قدم الزمان، عانت منها المرأة في كل حضارة انفصلت عن الهدى الرباني، جعلوها جارية، وورثوها متاعاً، سلبوها صفة البشرية، وجردوها من الإنسانية، عذبوها، وأدوها، وامتهنوها، وكان خير ما أقروه بشأنها أن اعتبروها بشراً..لكنها خلقت لخدمة الرجل فقط، هكذا عاشت المرأة قروناً طويلة .. حتى جاء ذلك القرن الأنور الذي أشرق فيه الإسلام، لينتشل "شقائق الرجال" من وضعهنَّ المزري، وليرفع المرأة إلى مقامات العزة، وليجعلها ذلك الكائن الغض الذي تتضافر الأحكام لترعاه، ولتصبَّ المصلحةَ في صالحه، وتعلنه رمزاً لكرامة إنسانية، صدحت بها حضارة الإسلام، يوم أن وأدتها الحضارات الأخرى!
واليوم، بعد أن ضلّت الأمم عن منهجها القويم، وغفلت عن لمسة الدفء: "وعاشروهنّ بالمعروف"، فإنّ قضية المرأة لم تعد محصورة في مقالاتٍ صحفية متناثرة، أو أصواتٍ مناديةٍ في توصيات المؤتمرات، بل إنّ تيك حقبة مبدئية قد انتهت، لتبدأ حقبة جديدة، تتطلع إلى تفعيل حقيقي للحركة النسوية التي بزغت في العقود الأخيرة، باستحداث اللجان، وإقامة الحملات، وسن القوانين وفرضها على الدول وشعوبها، بخطة تتولى كبرها هيئة الأمم المتحدة، وإنها لتناضل كي نبحر معهم في ذلك التيار، لكننا نعلم أنها ليست قضية المرأة وحدها، بل قضية الأمة كلها، وأننا على مفترق طرق.. إما الإسلام كله لنا.. أو التبعية كلها لهم!!
هذا، ومن جوانب قضية المرأة التي كثر الحديث عنها: قضية العنف معها، وحري بنا –إنصافاً- أن نعرف أي عنف تقصد به هذه الحملات؟ فمنظمة العفو الدولية –في موقعها الإلكتروني- ترى أن عدم إطلاق حرية المرأة بشكل كامل هو عنف عظيم، وعدم المساواة بالرجال هو عنف أشد وأنكى، ونحن نختلف معهم في ذلك أيما اختلاف، ونرى أنّ العنف المنبوذ شرعاً وعقلاً هو الضرب والحبس والحرمان من النفقة والإهانة النفسية واللفظية (مثال الأخيرة ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تقبّح)، كما نستثني من الضرب ما أقرّه القرآن الكريم بضوابطه: أن يكون لناشز يريد تأديبها، وألا يكون مبرحاً موجباً لضرر، وأن يأتي بعد الوعظ والهجر، وأنّ لا يطال الوجه.
ولقد نظرتُ في الأرقام، فوجدت العنف أمراً أقضّ مضاجع النساء في كلّ أصقاع العالم، مسلمها وكافرها، أعاربها وأعاجمها لكني وجدتُ بوناً شاسعاً بين واقع العنف –حسب رأينا- في العالم العربي وبينه عند الغرب، فهي عند المسلمين والعرب أقل بكثير منه عند الغرب!
ومن نظر في الإحصاءات الصادرة من مراكز الدراسات والبحوث الغربية، لا يستغرب الحملة الشديدة التي تقودها الأمم المتحدة -ممثلة في لجنة المرأة والطفل- لمواجهة العنف مع النساء، فالغرب يتحدث وفق تاريخه الوثني اليوناني والروماني مع المرأة، ومن خلال معطيات عصره، كالأرقام المخيفة التي تعلنها وسائل الإعلام، وأمريكا وحدها –ذروة سنام الحرية كما تدعي!- تمثّل النساء فيها نحو ثمانين بالمئة من ضحايا العنف المنزلي، بل إنّ هناك دراسة أمريكية أجريت قبل عشرين عاماً (بتاريخ 1407هـ) أشارت إلى أن ثمانين بالمئة من الرجال يقومون بضرب النساء -خاصة إن كانوا أزواجاً لهن!!-، وقد اعتمدت الدراسة على استفتاء أجراه د.جون بيرير الأستاذ لمادة علم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية، كما أنّ هناك دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية، تعلن أن نسبة ثلاث وثمانين بالمئة من النساء دخلن المستشفى مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أصبن بها نتيجة للضرب، ويا لها من نسب مخيفة، وأرقام عنيفة! (وعجباً أنّ الدراسات الثلاث تواترت على الثمانين بالمئة هذه!)
وما فرنسا عن ذلك ببعيد -وهي من زعم تبجيل جسد المرأة- فقد أضحت نسبة ضحايا العنف المنزلي من النساء مقاربة للتسعين بالمئة! والعنف المنزلي مصطلح يقصد به ما يحدث من وراء جدر البيت، البيت! الذي هو السكن والمأوى، وهو الأنس والراحة والقرب، الذي يظلله الأب والأخ والزوج، ليحيطوا بنتهم وزوجهم بالرعاية والمودة، والحنان والرحمة، البيت..جنَّـتُـنا، تراه نساؤهم جحيماً ونكالاً، فأي حرية هذه؟ وأين المنادون لحرية الغرب، ليروا ما قدمت أيديهم!
ومشهد لا أنساه في إحدى الدول، وقفتُ أمامه ذاهلة دامعة، وأنا أرى امرأة تقارب الخامسة والخمسين من عمرها، بين جموع السيارات وأبخرة عوادمها، وتحت سطوة الشمس ولهيبها..تخترق الطريق لـ..تكنس الشوارع! وحينما سألنا دليلنا هناك، قال: لا غرابة، إنها من عمال البلدية!
هذا هو العنف، هذه هي المهانة، أهكذا نريد أن نحرر المرأة إلى أن تكنس الشارع؟! أليس هذا هو العنف في أحطّ مراتبه؟! امرأة مثلها وفي عمرها كانت لِتَجلس محاطة بالجلالة والهيبة، بين أحفادها وأبنائها، كلٌ يتسابق لتقبيل يدها وخفض الجناح أمامها، وفي حال لم يكن لها أولاد، فلها قرابة أُمرت بصلتها والبر بها، ودولة تنفق عليها في دار تؤويها وتحميها، وكلّ ذلك حقٌّ لها لا منة لأحد فيه، لكن النساء ذلّت مباءاتها والله، حينما أفسح أمامهنَّ الطريق ليُقال لهنّ: (انطلقنَ، ودونكنّ الحرية!) فهلكنَ من وراء ذلك ..!!
الأرقام لا تنتهي، وفي مقاييس الأممين -نسبة إلى هيئة الأمم- سنجد من بين كل ثلاث نسوة (في العالم!) تتعرض إحداهنّ للضرب مرة واحدة على الأقل في حياتها، أو لصنوف أخرى من الاعتداء؛ ويؤكدون أنّ 60 مليون أنثى حُرمن الحياة، بسبب عمليات إجهاض الإناث، وجرائم قتل البنات في المهد، وهكذا.. شرع الغرب لنفسه السنن، وقلى كتابنا وديننا، فظلم نفسه ظلماً شديداً، وظلم المرأة معه!
أنصِفوا المرأة التي خُنتُموها *** فـهي في الخدرِ نجمةٌ زهراء
وهي سلطانـةٌ تُدَبِّرُ مُلكـا *** وهي ليلى في الشعرِ والخنساء
وهي أختٌ تحـنُّ وامُّ تصلِّي *** وهي زوجٌ من نسلِها الأنبياء
وقريباً من ألوان العنف هذه، يوجد في بعض الدول العربية ألوان عنف مع النساء بنسبٍ تقارب الأربعين بالمئة –ويُلحظ الفرق بين النسبة العربية والغربية-، ولكن هذه النسب صادرة من مصادر غربية، ولا علم لي بالعنف الذي تقصده والذي عليه بُنيَت هذه الدراسة، فهل هو الضرب المبرح والإيذاء بصنوفه والذي نتفق على رفضه؟ أم قصدوا بذلك إلزام المرأة بدينها من حجاب وحشمة ولزوم البيت فيسمونه تقييداً لحريتها وحبساً لإنسانيتها؟ ولقد رأينا البعض يسمع قوله جل جلاله: (الرجال قوامون على النساء) فتسودُّ وجوههم، ويتأولون في معناها كما أولوا معنى آية الضرب، بل ويرون القوامة استعباداً للمرأة وعنفاً معها، وما علموا واللهِ أنّ قوامته -أو قيامه[1]– عليها كرامة لها، وهو من باب ضبط الحياة، ورعاية الحال، وتولي الإنفاق، والتوافق مع طبيعة كل منهما التي جبله الله عليها –كقوة الرجل وضعف المرأة-، والناس في كل الدول تقوم عليهم حكوماتهم بأنظمة يلتزمونها، فهل استعبدوهم بذلك؟!
أما الظواهر التي نقرّ بوجودها وتعاني منها كثير من النساء، والتي يأباها عنها الشرع والعقل، والتي يجب علينا ردّها ونبذها والوقوف أمامها بحزم وقوة، فإنها أمور يُخلط فيها كثيراً بين الشريعة السمحة والتقاليد الموروثة، ويقوم بها من جهل حقيقة الإسلام وروعة تشريعه وعظمة مبادئه، بيد أن اتفاقنا على وجود الداء لا يلزم منه اتفاقنا على نوع الدواء، فنحن نتفق معهم في بعض الأمر ونفترق في بعضه، لأننا نحتكم إلى دين رباني رشيد سديد نأخذ به، ولا علاج لهذه الظواهر إلا بالتوعية الشرعية المكثفة في جانب كرامة المرأة وحقوقها، مع التعزير الشديد لمن خالف النهج النبوي الكريم مع النساء، ولم يستوص بهنّ خيراً، وليس ذا محل بسط ما كرمها الإسلام به، ففي الكتب عنه الكثير لمن أراد النظر!
وعودة إلى سؤال العنوان، هل العنف حقيقة أليمة، أم تهويل إعلامي؟ فإن الجواب له شقّين، أولهما عن الغرب، فإن كان الغرب هو من تحدث عن الأمر، وعن حاله المزرية وتخلفه الأخلاقي، فلا ينبئكَ مثل خبير، وإنها لحقيقة واقعة مؤلمة مبكية، تعظنا أن نسير على دربهم، فقد بنوا حضارة ليس لها منهج أخلاقي تسير عليه، ولا بد لبنيان هشّ كهذا أن يتقوض في يومٍ قريبٍ!
أما القضية إن نطقت بها ألسنتنا، فإنّ فيها (نوعاً) من التهويل الإعلامي يصدق بعضه ويحيد بعضه، خاصة وأنّ كثيراً من الإعلام ينتقي الحالات النادرة، والظواهر الغريبة، ليعممها على النساء، ويطالب على إثرها سن القوانين، وليته اعتمد –يوم أن نطق- على دراسة وإحصائية دقيقة، وحدد نوع العنف المرفوض، وأبان عن علاج رشيد، ويكون ذلك كلّه من سبيل مركز موثوق ذي ثقل وحضور، لكان ذلك أسلم منهجاً وطريقة..وأكثر قبولاً عند عقلاء القوم وناصحيهم.
السبت 30 محرم، 1427هـ
[1] كما يقول الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله تعالى.
العنف مع المرأة ..
حقيقة أليمة، أم تهويل إعلامي؟!
إكرام الزيد
وقضية المرأة..ليست مجرد طفرة جديدة يعيشها عصرنا هذا، بل هي قديمة قدم الزمان، عانت منها المرأة في كل حضارة انفصلت عن الهدى الرباني، جعلوها جارية، وورثوها متاعاً، سلبوها صفة البشرية، وجردوها من الإنسانية، عذبوها، وأدوها، وامتهنوها، وكان خير ما أقروه بشأنها أن اعتبروها بشراً..لكنها خلقت لخدمة الرجل فقط، هكذا عاشت المرأة قروناً طويلة .. حتى جاء ذلك القرن الأنور الذي أشرق فيه الإسلام، لينتشل "شقائق الرجال" من وضعهنَّ المزري، وليرفع المرأة إلى مقامات العزة، وليجعلها ذلك الكائن الغض الذي تتضافر الأحكام لترعاه، ولتصبَّ المصلحةَ في صالحه، وتعلنه رمزاً لكرامة إنسانية، صدحت بها حضارة الإسلام، يوم أن وأدتها الحضارات الأخرى!
واليوم، بعد أن ضلّت الأمم عن منهجها القويم، وغفلت عن لمسة الدفء: "وعاشروهنّ بالمعروف"، فإنّ قضية المرأة لم تعد محصورة في مقالاتٍ صحفية متناثرة، أو أصواتٍ مناديةٍ في توصيات المؤتمرات، بل إنّ تيك حقبة مبدئية قد انتهت، لتبدأ حقبة جديدة، تتطلع إلى تفعيل حقيقي للحركة النسوية التي بزغت في العقود الأخيرة، باستحداث اللجان، وإقامة الحملات، وسن القوانين وفرضها على الدول وشعوبها، بخطة تتولى كبرها هيئة الأمم المتحدة، وإنها لتناضل كي نبحر معهم في ذلك التيار، لكننا نعلم أنها ليست قضية المرأة وحدها، بل قضية الأمة كلها، وأننا على مفترق طرق.. إما الإسلام كله لنا.. أو التبعية كلها لهم!!
هذا، ومن جوانب قضية المرأة التي كثر الحديث عنها: قضية العنف معها، وحري بنا –إنصافاً- أن نعرف أي عنف تقصد به هذه الحملات؟ فمنظمة العفو الدولية –في موقعها الإلكتروني- ترى أن عدم إطلاق حرية المرأة بشكل كامل هو عنف عظيم، وعدم المساواة بالرجال هو عنف أشد وأنكى، ونحن نختلف معهم في ذلك أيما اختلاف، ونرى أنّ العنف المنبوذ شرعاً وعقلاً هو الضرب والحبس والحرمان من النفقة والإهانة النفسية واللفظية (مثال الأخيرة ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تقبّح)، كما نستثني من الضرب ما أقرّه القرآن الكريم بضوابطه: أن يكون لناشز يريد تأديبها، وألا يكون مبرحاً موجباً لضرر، وأن يأتي بعد الوعظ والهجر، وأنّ لا يطال الوجه.
ولقد نظرتُ في الأرقام، فوجدت العنف أمراً أقضّ مضاجع النساء في كلّ أصقاع العالم، مسلمها وكافرها، أعاربها وأعاجمها لكني وجدتُ بوناً شاسعاً بين واقع العنف –حسب رأينا- في العالم العربي وبينه عند الغرب، فهي عند المسلمين والعرب أقل بكثير منه عند الغرب!
ومن نظر في الإحصاءات الصادرة من مراكز الدراسات والبحوث الغربية، لا يستغرب الحملة الشديدة التي تقودها الأمم المتحدة -ممثلة في لجنة المرأة والطفل- لمواجهة العنف مع النساء، فالغرب يتحدث وفق تاريخه الوثني اليوناني والروماني مع المرأة، ومن خلال معطيات عصره، كالأرقام المخيفة التي تعلنها وسائل الإعلام، وأمريكا وحدها –ذروة سنام الحرية كما تدعي!- تمثّل النساء فيها نحو ثمانين بالمئة من ضحايا العنف المنزلي، بل إنّ هناك دراسة أمريكية أجريت قبل عشرين عاماً (بتاريخ 1407هـ) أشارت إلى أن ثمانين بالمئة من الرجال يقومون بضرب النساء -خاصة إن كانوا أزواجاً لهن!!-، وقد اعتمدت الدراسة على استفتاء أجراه د.جون بيرير الأستاذ لمادة علم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية، كما أنّ هناك دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية، تعلن أن نسبة ثلاث وثمانين بالمئة من النساء دخلن المستشفى مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أصبن بها نتيجة للضرب، ويا لها من نسب مخيفة، وأرقام عنيفة! (وعجباً أنّ الدراسات الثلاث تواترت على الثمانين بالمئة هذه!)
وما فرنسا عن ذلك ببعيد -وهي من زعم تبجيل جسد المرأة- فقد أضحت نسبة ضحايا العنف المنزلي من النساء مقاربة للتسعين بالمئة! والعنف المنزلي مصطلح يقصد به ما يحدث من وراء جدر البيت، البيت! الذي هو السكن والمأوى، وهو الأنس والراحة والقرب، الذي يظلله الأب والأخ والزوج، ليحيطوا بنتهم وزوجهم بالرعاية والمودة، والحنان والرحمة، البيت..جنَّـتُـنا، تراه نساؤهم جحيماً ونكالاً، فأي حرية هذه؟ وأين المنادون لحرية الغرب، ليروا ما قدمت أيديهم!
ومشهد لا أنساه في إحدى الدول، وقفتُ أمامه ذاهلة دامعة، وأنا أرى امرأة تقارب الخامسة والخمسين من عمرها، بين جموع السيارات وأبخرة عوادمها، وتحت سطوة الشمس ولهيبها..تخترق الطريق لـ..تكنس الشوارع! وحينما سألنا دليلنا هناك، قال: لا غرابة، إنها من عمال البلدية!
هذا هو العنف، هذه هي المهانة، أهكذا نريد أن نحرر المرأة إلى أن تكنس الشارع؟! أليس هذا هو العنف في أحطّ مراتبه؟! امرأة مثلها وفي عمرها كانت لِتَجلس محاطة بالجلالة والهيبة، بين أحفادها وأبنائها، كلٌ يتسابق لتقبيل يدها وخفض الجناح أمامها، وفي حال لم يكن لها أولاد، فلها قرابة أُمرت بصلتها والبر بها، ودولة تنفق عليها في دار تؤويها وتحميها، وكلّ ذلك حقٌّ لها لا منة لأحد فيه، لكن النساء ذلّت مباءاتها والله، حينما أفسح أمامهنَّ الطريق ليُقال لهنّ: (انطلقنَ، ودونكنّ الحرية!) فهلكنَ من وراء ذلك ..!!
الأرقام لا تنتهي، وفي مقاييس الأممين -نسبة إلى هيئة الأمم- سنجد من بين كل ثلاث نسوة (في العالم!) تتعرض إحداهنّ للضرب مرة واحدة على الأقل في حياتها، أو لصنوف أخرى من الاعتداء؛ ويؤكدون أنّ 60 مليون أنثى حُرمن الحياة، بسبب عمليات إجهاض الإناث، وجرائم قتل البنات في المهد، وهكذا.. شرع الغرب لنفسه السنن، وقلى كتابنا وديننا، فظلم نفسه ظلماً شديداً، وظلم المرأة معه!
أنصِفوا المرأة التي خُنتُموها *** فـهي في الخدرِ نجمةٌ زهراء
وهي سلطانـةٌ تُدَبِّرُ مُلكـا *** وهي ليلى في الشعرِ والخنساء
وهي أختٌ تحـنُّ وامُّ تصلِّي *** وهي زوجٌ من نسلِها الأنبياء
وقريباً من ألوان العنف هذه، يوجد في بعض الدول العربية ألوان عنف مع النساء بنسبٍ تقارب الأربعين بالمئة –ويُلحظ الفرق بين النسبة العربية والغربية-، ولكن هذه النسب صادرة من مصادر غربية، ولا علم لي بالعنف الذي تقصده والذي عليه بُنيَت هذه الدراسة، فهل هو الضرب المبرح والإيذاء بصنوفه والذي نتفق على رفضه؟ أم قصدوا بذلك إلزام المرأة بدينها من حجاب وحشمة ولزوم البيت فيسمونه تقييداً لحريتها وحبساً لإنسانيتها؟ ولقد رأينا البعض يسمع قوله جل جلاله: (الرجال قوامون على النساء) فتسودُّ وجوههم، ويتأولون في معناها كما أولوا معنى آية الضرب، بل ويرون القوامة استعباداً للمرأة وعنفاً معها، وما علموا واللهِ أنّ قوامته -أو قيامه[1]– عليها كرامة لها، وهو من باب ضبط الحياة، ورعاية الحال، وتولي الإنفاق، والتوافق مع طبيعة كل منهما التي جبله الله عليها –كقوة الرجل وضعف المرأة-، والناس في كل الدول تقوم عليهم حكوماتهم بأنظمة يلتزمونها، فهل استعبدوهم بذلك؟!
أما الظواهر التي نقرّ بوجودها وتعاني منها كثير من النساء، والتي يأباها عنها الشرع والعقل، والتي يجب علينا ردّها ونبذها والوقوف أمامها بحزم وقوة، فإنها أمور يُخلط فيها كثيراً بين الشريعة السمحة والتقاليد الموروثة، ويقوم بها من جهل حقيقة الإسلام وروعة تشريعه وعظمة مبادئه، بيد أن اتفاقنا على وجود الداء لا يلزم منه اتفاقنا على نوع الدواء، فنحن نتفق معهم في بعض الأمر ونفترق في بعضه، لأننا نحتكم إلى دين رباني رشيد سديد نأخذ به، ولا علاج لهذه الظواهر إلا بالتوعية الشرعية المكثفة في جانب كرامة المرأة وحقوقها، مع التعزير الشديد لمن خالف النهج النبوي الكريم مع النساء، ولم يستوص بهنّ خيراً، وليس ذا محل بسط ما كرمها الإسلام به، ففي الكتب عنه الكثير لمن أراد النظر!
وعودة إلى سؤال العنوان، هل العنف حقيقة أليمة، أم تهويل إعلامي؟ فإن الجواب له شقّين، أولهما عن الغرب، فإن كان الغرب هو من تحدث عن الأمر، وعن حاله المزرية وتخلفه الأخلاقي، فلا ينبئكَ مثل خبير، وإنها لحقيقة واقعة مؤلمة مبكية، تعظنا أن نسير على دربهم، فقد بنوا حضارة ليس لها منهج أخلاقي تسير عليه، ولا بد لبنيان هشّ كهذا أن يتقوض في يومٍ قريبٍ!
أما القضية إن نطقت بها ألسنتنا، فإنّ فيها (نوعاً) من التهويل الإعلامي يصدق بعضه ويحيد بعضه، خاصة وأنّ كثيراً من الإعلام ينتقي الحالات النادرة، والظواهر الغريبة، ليعممها على النساء، ويطالب على إثرها سن القوانين، وليته اعتمد –يوم أن نطق- على دراسة وإحصائية دقيقة، وحدد نوع العنف المرفوض، وأبان عن علاج رشيد، ويكون ذلك كلّه من سبيل مركز موثوق ذي ثقل وحضور، لكان ذلك أسلم منهجاً وطريقة..وأكثر قبولاً عند عقلاء القوم وناصحيهم.
السبت 30 محرم، 1427هـ
[1] كما يقول الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله تعالى.
العنف مع المرأة ..
حقيقة أليمة، أم تهويل إعلامي؟!
إكرام الزيد
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى