عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ربّما كانت هذهِ المقالة تقليديّة الفكرةِ، متكررة الحضور، إلاّ أنّي رجوتُ لها تجدد الوقع وعظمَ الـتأثير، إذ الأمرُ ليس بقدمهِ ولا جِدتهِ إنْ لقيَ قبولاً وألقى نفعاً، بل إنّ من الحكمةِ حيناً بعثُ ميت الخواطرِ من أجداثها إذا ما دعتْ النوازل لمثلِ ذلك، وقد كنتُ أراوح في فكرة هذه المقالة أياماً أرومُ عزم أمري على أن أكتبَ عن الأثيرة الحبيبة، فيحبسني ترددٌ ويحجمني خوفٌ من أن أتّهم بجمودِ الفكرِ، فأتوقف، ثم لا ألبثُ إلاّ إليها عائدةً، أترائى طيفها: هلمّي إليّ .. فإنّي أستجديكِ غوثاً .. وقد حقّ علي نصرتها، وإمضاء عزمي في سبيلها، على هدي من قول الشاعر:
إذا كنتَ ذا رأي فكن ذا عزيمةٍ *** فإنّ فسادَ الرأي أن تترددا
ويزيدني على هذه الفكرة حرصاً واستمساكاً، أنْ قد كان للغاتُ - مذ نشأتْ في سالفِ الدَّهرِ وقديمِ الأقضيةِ - بالغُ الأثرِ في إرساءِ قواعدِ الثقافةِ، وتأسيسِ معاقدِ العزِّ للأممِ السالفةِ والباقيةِ، فهي الثروةُ الجبليّةُ لحفظِ التراثِ الأخلاقي والأدبي- والديني أيضاً -كلّ أمّةٍ بحسَبها حينَ تقومُ كاتبةً أو متكلمةً، فتقرأ منثورها الأجيال، وتخلّدُ أشعارها الدهور، ويَقدُم بيانُها - شاهداً تليداً - على عظمِ حضارتها، وفخامةِ عصرها!
وإن كانَ هذا كلّه يجري على لغاتِ الأرض قاطبةً، فكيف سيكون وقد انبرت لهُ ابنة عدنان رافلةً في جمالها الفطري، متبخترةً – وحقّ لها – ببهاء مذهل تُحبس له أنفاس البلغاء والفصحاء وأهل الألسن، تفتّقت به عن الدّر المنثور، والعقد المنظوم، والجزل الرصين، والرقيق السلس، كلّ ذلك في إطار من سلامة المخارج، وبراعة النطق؟! بله عن الحكمةِ الرشيدة في أعطاف تراثها المجيد!!
لكني ذين السنين، أرى أمراً حسبتُ أننا لسنا ببالغيه إلا بشقّ الأنفس، فإذا به واقعة عظيمة، كُتبَ علينا الاصطلاء باضطرامها، ومجابهة شدائدها، وإنها لشدّة - واللهِ - والأمر قد بلغَ بلغتنا الجميلة – لغة الضَّاد – حداً جعلها مقصاة منبوذة نبذ النوى، من الخاصة بله العامة، فبديعها لا يُستعذب، ومعانيها لا تستطرب، والناس في انصراف عنها إلى تعلّم لغة الأعاجم، موغلين في ذلك إيغالاً عظيماً، يدفعون فيهِ الألوف المؤلفة، ويبذلون الطاقات المكنونة، ولو جئتَ بأحدهم ليقرأ لكَ كتاباً لمتّ كمداً مما تراه من الاهتراء والرداءة، فخفض للمرفوع ورفعٌ للمنصوب وقلبٌ للألفاظ قلباً يقلّب القلوب والأبصار!
ولئن اتهمتُ بالمبالغة، فليُنظر إلى قاعات الدرسِ في المدارس والجامعاتِ، وليُسمع إلى الخطاباتِ والخُطبِ في المحافلِ والتجمّعاتِ، ليرى حال اللغة وما جرى عليها بعد أن جارَ عليها أهلها، وهي رغمّ كلّ هذا وذاك، ما زالت صامدة شامخة، لسانُ حالها يقول:
بلادي وإن جارتْ عليّ عزيزة *** وأهلي وإن ضنوا عليّ كرامُ!
ثمّ كأني بها تجيبنا إنْ سألناها عن هذه البلاد قائلة: بلادُ العُرب أوطاني!
ولا أعمم، فهناك بعض النوابغ، لكنهم كالبارقات في غلس الدجى قلالٌ بعادُ ندر منهم من ينير درباً، ويحمل الهمّ، ويُعمِل الهمّة!
ليسَ الخطبُ أن ندرسَ لغةَ العجم، وليسَ المُصاب أنْ يهوى الناس لغتهم الشعبية العامة، إنّما الخطبُ كلّ الخطبِ حين رموا لغة الضادِ بعقم في الشباب ثمّ أعرضوا عنها، فلا النشء يجيدُ الحديثَ بها، ولا يحبّ الشعر بلسانها، وإن قرأه فلا يفهمه، وإن فهمه فلا يجيدُ إعرابه، بل إنّ بعضهم – وقد رأيتُ من أولئك كثير – إذا أقبلتَ عليه ببعض الكلمِ الفصيح أعرض عنكَ ونأى بجانبه، وربّما سخرَ واستهزأ ..!
وإنّ الحال لن تستقيم، إلاّ بعودة إلى أعطافها، ونهلٍ من مواردها، وتصحيح الأسس بما يأتي:
أولاً في دور التعليم، فلا بدَّ من تشديد الأمر في تدريسها، فليس كلّ صالحٌ لأن يكونَ معلم لغة، وليسَ كلّ طالبٍ فيها ناجح! وإنّ لها تألق بيان وعظيم سلطان، لا يطيقه إلا من أطاقَ الأمر وأحاط به!
ثانياً: لابدَ من عودةٍ رشيدة إلى المنهل العذب المعين: كتاب الله المجيد، فإننا نرى الحفظة هم أكثرُ قرباً للغة وأبين طلاقة، وقد حقَّ ذلك وفيها أنزل: " وهذا لسانٌ عربيّ مُبينُ "، وهذا أظهر ما يكون أساسه في حلقات المساجد التي تعلّم القرآن، بحيث يتم فيها اختيار المعلم الكفؤ الحريص على استقامة ألسنة طلابه في القراءة والترتيل، ويزيدنا على ذلك تأكيداً ما تعانيه الحلقات هذه الأيام من محاربة وتشديد والله المستعان ..
ثالثاً: قبل هذا كلّه، لابد من تصحيح النظرةِ من أهل الإعلام للغتنا الجميلة، فاللغة الإعلامية والصحفية الحالية باتت تميّع اللفظ وتبسطه إلى درجة إسفاف العامية أحياناً، وإنْ كان هناك محاولاتٌ خجولة -تستحق الإشادة- من بعض الصحف والمجلات، التي تسعى للثبات على الكلمة الرصينة ذات السبك القوي، إنما غالبهم قد وقف بين ميل إليها وميل عنها ناظراً إلى ما يعجب (الجمهور)، والجمهور سيستطيب الحرف المنتقى لو أحسن عرضه له، لذلك فليعزموا الأمر ويبذلوا الجهد لها، فقد وجبَ تمجيدها، والاعتزاز بها، علّنا نرى بها عزّة ومنعة يوم أنّ أصابنا الذلّ من جميعِ جوانبه!
إكرام بنت عبد العليم الزيد
جمادى الآخرة – 1427 هـ
لننصر ابنة عدنان !
إكرام الزيد
إذا كنتَ ذا رأي فكن ذا عزيمةٍ *** فإنّ فسادَ الرأي أن تترددا
ويزيدني على هذه الفكرة حرصاً واستمساكاً، أنْ قد كان للغاتُ - مذ نشأتْ في سالفِ الدَّهرِ وقديمِ الأقضيةِ - بالغُ الأثرِ في إرساءِ قواعدِ الثقافةِ، وتأسيسِ معاقدِ العزِّ للأممِ السالفةِ والباقيةِ، فهي الثروةُ الجبليّةُ لحفظِ التراثِ الأخلاقي والأدبي- والديني أيضاً -كلّ أمّةٍ بحسَبها حينَ تقومُ كاتبةً أو متكلمةً، فتقرأ منثورها الأجيال، وتخلّدُ أشعارها الدهور، ويَقدُم بيانُها - شاهداً تليداً - على عظمِ حضارتها، وفخامةِ عصرها!
وإن كانَ هذا كلّه يجري على لغاتِ الأرض قاطبةً، فكيف سيكون وقد انبرت لهُ ابنة عدنان رافلةً في جمالها الفطري، متبخترةً – وحقّ لها – ببهاء مذهل تُحبس له أنفاس البلغاء والفصحاء وأهل الألسن، تفتّقت به عن الدّر المنثور، والعقد المنظوم، والجزل الرصين، والرقيق السلس، كلّ ذلك في إطار من سلامة المخارج، وبراعة النطق؟! بله عن الحكمةِ الرشيدة في أعطاف تراثها المجيد!!
لكني ذين السنين، أرى أمراً حسبتُ أننا لسنا ببالغيه إلا بشقّ الأنفس، فإذا به واقعة عظيمة، كُتبَ علينا الاصطلاء باضطرامها، ومجابهة شدائدها، وإنها لشدّة - واللهِ - والأمر قد بلغَ بلغتنا الجميلة – لغة الضَّاد – حداً جعلها مقصاة منبوذة نبذ النوى، من الخاصة بله العامة، فبديعها لا يُستعذب، ومعانيها لا تستطرب، والناس في انصراف عنها إلى تعلّم لغة الأعاجم، موغلين في ذلك إيغالاً عظيماً، يدفعون فيهِ الألوف المؤلفة، ويبذلون الطاقات المكنونة، ولو جئتَ بأحدهم ليقرأ لكَ كتاباً لمتّ كمداً مما تراه من الاهتراء والرداءة، فخفض للمرفوع ورفعٌ للمنصوب وقلبٌ للألفاظ قلباً يقلّب القلوب والأبصار!
ولئن اتهمتُ بالمبالغة، فليُنظر إلى قاعات الدرسِ في المدارس والجامعاتِ، وليُسمع إلى الخطاباتِ والخُطبِ في المحافلِ والتجمّعاتِ، ليرى حال اللغة وما جرى عليها بعد أن جارَ عليها أهلها، وهي رغمّ كلّ هذا وذاك، ما زالت صامدة شامخة، لسانُ حالها يقول:
بلادي وإن جارتْ عليّ عزيزة *** وأهلي وإن ضنوا عليّ كرامُ!
ثمّ كأني بها تجيبنا إنْ سألناها عن هذه البلاد قائلة: بلادُ العُرب أوطاني!
ولا أعمم، فهناك بعض النوابغ، لكنهم كالبارقات في غلس الدجى قلالٌ بعادُ ندر منهم من ينير درباً، ويحمل الهمّ، ويُعمِل الهمّة!
ليسَ الخطبُ أن ندرسَ لغةَ العجم، وليسَ المُصاب أنْ يهوى الناس لغتهم الشعبية العامة، إنّما الخطبُ كلّ الخطبِ حين رموا لغة الضادِ بعقم في الشباب ثمّ أعرضوا عنها، فلا النشء يجيدُ الحديثَ بها، ولا يحبّ الشعر بلسانها، وإن قرأه فلا يفهمه، وإن فهمه فلا يجيدُ إعرابه، بل إنّ بعضهم – وقد رأيتُ من أولئك كثير – إذا أقبلتَ عليه ببعض الكلمِ الفصيح أعرض عنكَ ونأى بجانبه، وربّما سخرَ واستهزأ ..!
وإنّ الحال لن تستقيم، إلاّ بعودة إلى أعطافها، ونهلٍ من مواردها، وتصحيح الأسس بما يأتي:
أولاً في دور التعليم، فلا بدَّ من تشديد الأمر في تدريسها، فليس كلّ صالحٌ لأن يكونَ معلم لغة، وليسَ كلّ طالبٍ فيها ناجح! وإنّ لها تألق بيان وعظيم سلطان، لا يطيقه إلا من أطاقَ الأمر وأحاط به!
ثانياً: لابدَ من عودةٍ رشيدة إلى المنهل العذب المعين: كتاب الله المجيد، فإننا نرى الحفظة هم أكثرُ قرباً للغة وأبين طلاقة، وقد حقَّ ذلك وفيها أنزل: " وهذا لسانٌ عربيّ مُبينُ "، وهذا أظهر ما يكون أساسه في حلقات المساجد التي تعلّم القرآن، بحيث يتم فيها اختيار المعلم الكفؤ الحريص على استقامة ألسنة طلابه في القراءة والترتيل، ويزيدنا على ذلك تأكيداً ما تعانيه الحلقات هذه الأيام من محاربة وتشديد والله المستعان ..
ثالثاً: قبل هذا كلّه، لابد من تصحيح النظرةِ من أهل الإعلام للغتنا الجميلة، فاللغة الإعلامية والصحفية الحالية باتت تميّع اللفظ وتبسطه إلى درجة إسفاف العامية أحياناً، وإنْ كان هناك محاولاتٌ خجولة -تستحق الإشادة- من بعض الصحف والمجلات، التي تسعى للثبات على الكلمة الرصينة ذات السبك القوي، إنما غالبهم قد وقف بين ميل إليها وميل عنها ناظراً إلى ما يعجب (الجمهور)، والجمهور سيستطيب الحرف المنتقى لو أحسن عرضه له، لذلك فليعزموا الأمر ويبذلوا الجهد لها، فقد وجبَ تمجيدها، والاعتزاز بها، علّنا نرى بها عزّة ومنعة يوم أنّ أصابنا الذلّ من جميعِ جوانبه!
إكرام بنت عبد العليم الزيد
جمادى الآخرة – 1427 هـ
لننصر ابنة عدنان !
إكرام الزيد
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى