لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

اليهودُ والأنبياء    Empty اليهودُ والأنبياء {الثلاثاء 20 سبتمبر - 18:20}

دروس / تفسير

اليهودُ والأنبياء



المقدمة:

الحمد لله الكريم المنان، الرحيم الرحمن، نحمده أن جعلنا من أهل القرآن، وشرفنا باتباع النبي العدنان، والصلاة والسلام على النبي المختار، ما هطلت الأمطار، وتعانق الأخيار، وعلى آله وصحبه الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم القرار.

أما بعد:

فإن الله -سبحانه وتعالى- قد امتن على بني إسرائيل بمننٍ كثيرة، فأرسل إليهم الأنبياء والرسل؛ ليخرجوهم من الظلمات إلى النور، ولكن فريقاً منهم قابلوا الأنبياء بالتشكيك والتكذيب، وفريقاً آخر مهم قابلوا الأنبياء بالقتل، وهذا ما بينه الله لنا في كتابه الكريم، فإلى قصة هؤلاء اليهود مع الأنبياء، والله نسأل أن يعصمنا من الزلل، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

الآيات:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ(87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ(88) وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ(89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ(90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ(92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(93)} سورة البقرة.

شَرْحُ الآياتِ:

قوله تعالى: {ولقد آتينا} أي أعطينا {موسى} هو ابن عمران أفضل أنبياء بني إسرائيل {الكتاب} المراد به هنا التوراة؛{وقفينا من بعده بالرسل} أي أتبعنا من بعده بالرسل، الرسول تلو الرسول؛ {وآتينا عيسى بن مريم} أي أعطيناه {البينات} أي الواضحات الظاهرات في الدلالة على صدقه،وصحة رسالته؛وهذه البينات تشمل الآيات الشرعية؛ كالشريعة التي جاء بها؛والآيات القدرية الكونية؛ كإحياء الموتى، وإخراجهم من قبورهم بإذن الله؛{وأيدناه} أي قويناه؛كقوله:{فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} سورة الصف(14). أي قويناهم عليهم؛{بروح القدس} أي بالروح المقدس؛ و"القُدُس"، و"القُدْس" بمعنى الطاهر.وقد اختلف المفسرون في المراد بـ "روح القدس، ولعل القول الراجح هو أن المراد بروح القدس" جبريل" -عليه الصلاة والسلام-؛ كما قال ذلك ابن مسعود و ابن عباس ومحمد بن كعب والسدي والربيع بن أنس وقتادة، وغيرهم؛ لقوله –تعالى-: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} سورة النحل(102). وقال النبي-صلى الله عليه وسلم- لحسان بن ثابت وهو يهجو المشركين: (اللهم أيده بروح القدس)1. أي جبريل.

وفي شعر حسان بن ثابت:

وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس به خفاء

وهذا ما رجَّحه جَمْعٌ من المفسِّرين؛ ومنهم العَلَّامة ابنُ جرير الطَّبري، والحافظ ابن كثير، والعلامة ابن عثيمين.

قوله: {أفكلما} الهمزة للاستفهام الإنكاري،والتوبيخ؛ والفاء عاطفة؛ و "كلما" أداة شرط تفيد التكرار؛ ولابد فيها من شرط، وجواب؛ والشرط هنا؛ قوله: {جاءكم}؛ والجواب: {استكبرتم}. وقوله: {أفكلما جاءكم رسول} أي من الله؛ {بما} أي بشرع؛ {لا تهوى أنفسكم} أي لا تريد؛ {استكبرتم} أي سلكتم طريق الكبرياء، والعلوّ على ما جاءت به الرسل؛ {ففريقاً} أي طائفة؛ {كذبتم}؛ {وفريقاً تقتلون} أي وطائفة أخرى تقتلونهم.

قوله: {وقالوا} أي بنو إسرائيل معتذرين عن ردهم ما جاء به الرسول-صلى الله عليه وسلم-؛ {قلوبنا غلف} جمع أغلف؛ و"الأغلف" هو الذي عليه غلاف يمنع من وصول الحق إليه. أي لا تصل إليها دعوة الرسل؛ وهذه حجة باطلة؛ ولهذا قال- تعالى-: {بل لعنهم الله بكفرهم}؛ و{بل} للإضراب الإبطالي؛ أي أن الله –تعالى- أبطلَ حُجَّتهم هذه، وبيَّن أنه –تعالى-: {لعنهم} أي طردهم، وأبعدهم عن رحمته؛ {بكفرهم} أي بسبب كفرهم،حيث اختاروا الكفر على الإيمان؛{فقليلاً ما يؤمنون} أي قليلاً إيمانهم، بل إيمانهم معدوم.

قوله: {ولما جاءهم كتاب} وهو القرآن؛ونكَّره هنا للتعظيم؛ وأكَّدَ تعظيمه بقوله: {من عند الله} وأضافه الله-تعالى- إليه؛ لأنه كلامه. قوله: {مصدق لما معهم} له معنيان: الأول: أنه حَكَم بصدقها؛ كما قال في قوله-تعالى-:{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} سورة البقرة(285). فهو يقول عن التوراة: إنها حق، وعن الإنجيل: إنه حق؛ وعن الزبور: إنه حق؛ فهو يصدقها؛ كما لو أخبرك إنسان بخبر، فقلت: "صدقت" تكون مصدقاً له. المعنى الثاني: أنه جاء مطابقاً لما أخبرت الكتب السابق التوراة، والإنجيل؛ فعيسى بن مريم قال: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} سورة الصف(6). فجاء هذا الكتاب مُصدِّقاً لهذه البشارةِ.وقوله:{لما معهم} أي من التوراة، والإنجيل.قوله:{وكانُوا من قبل} أي من قبل أن يجيئهم {يستفتحون} أي يستنصرون، ويقولون:سيكون لنا الفتح، والنصر {على الذين كفروا} أي من المشركين الذين هم الأوس، والخزرج؛ لأنهم كانوا على الكفر، ولم يكونوا من أهل الكتاب كما هو معروف؛ فكانوا يقولون: إنه سيُبعث نبيٌّ، وسنتبعُهُ، وسننتصرُ عليكم؛ لكن لمَّا جاءهم الشيءُ الذي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم كفرُوا به؛{فلعنة الله} اللعنة: هي الطرد،والإبعاد عن رحمة الله؛{على الكافرين} أي حاقة عليهم. قوله: {بئسما اشتروا به أنفسهم} أي بئس الذي اشتروا به أنفسهم؛ و{اشتروا} فسَّرها أكثرهم بمعنى باعوا؛ وهو خلاف المشهور؛ لأن معنى "اشترى الشيء": اختاره؛ والمختار للشيء لا يكون بائعاً له؛ والصحيح أنها على بابها؛ ووجهه أن هؤلاء الذين اختاروا الكفر كانوا راغبين فيه، فكانوا مشترين له. قوله: {أن يكفروا} {أن} هنا مصدرية؛ والفعل بعدها مؤول بمصدر، والتقدير: كفرهم، {بما أنزل الله} أي بما أنزل الله وهو القرآن، {بغياً} فسَّرهُ كثير من العلماء بالحسد؛ والظاهر أنه أخصُّ من الحسد؛ لأنه بمعنى العدوان؛ لأن الباغي هو العادي، كما قيل: على الباغي تدور الدوائر؛ وقيل: البغي: مرتعُ مبتغيه وخيم؛ فالبغي ليس مجرد الحسد فقط؛ نعَم، قد يكون ناتجاً عن الحسد؛ والذين فسَّروه بالحسد فسَّروه بسببه. قوله: {أن ينزل الله من فضله} المراد بـ "الفضل" هنا الوحي، أو القرآن؛ كما قال –تعالى-: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} سورة يونس(58). قوله:{على مَن يشاء من عباده} أي النبي-صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّ القرآن في الحقيقة نزل على النبيِّ-صلى الله عليه وسلم- للناس؛ كما قال-تعالى-: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} سورة إبراهيم(1). و{يشاء} أي يريد بالإرادة الكونية؛والمراد بـ{عباده} هنا الرسل.قوله: {فباءوا} أي رجعوا؛{بغضب} الباء للمصاحبة؛ يعني رجعوا مصطحبين لغضب من الله-سبحانه وتعالى-؛ونكَّره للتعظيم. قوله: {على غضب}؛ كقوله –تعالى-: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} سورة النور(40). يعني غضباً فوق غضب؛ فما هو الغضب الذي باءوا به؟ وما هو الغضب الذي كان قبله؟ الجواب: الغضب الذي باءوا به أنهم كفروا بما عرفوا؛ كما قال –تعالى-: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به}؛ والغضب السابق أنهم استكبروا عن الحق إذا كان لا تهواه أنفسهم؛ كما قال- تعالى-:{أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم} سورة البقرة(87). والغضب الثالث: قتلهم الأنبياء، أو تكذيبهم؛ فهذه ثلاثة أنواع من أسباب الغضب. قوله: {وللكافرين عذاب} أي عقوبة؛ {مهين} أي ذو إهانةٍ،وإذلال.

قوله:{وإذا قيل لهم} أي لليهود؛{آمنوا بما أنزل الله} أي صدِّقوا بالقرآن واقبلوه، وانقادوا له وأذعنوا، وقوله: {أنزل الله} أي من عنده. قوله: {قالوا} أي اليهود؛ {نؤمن بما أنزل علينا} يعنون به التوراة؛ {ويكفرون بما وراءه} يعنون به القرآن؛ {وهو الحق} يعني أن هذا الذي كفروا به هو الحق؛وضده الباطل.{مصدقاً} سبق بيان معنى كونه مصدقاً لما معهم؛ وقوله هنا: {لما معهم} يعني التوراة. ثم قال-تعالى-مُكذِّباً لقولهم:{نؤمن بما أنزل علينا}؛ {قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين}؛الخطاب في{قل} إما للرسول-صلى الله عليه وسلم-؛وإما لكل من يتأتى خطابه؛{فلم} أي لو كنتم صادقين بأنكم تؤمنون بما أُنزل عليكم فلم تقتلون أنبياء الله؛ لأن قتلهم لأنبياء الله مستلزم لكفرهم بأنبياء الله! {من قبل} أي من قبل بعثة الرسول-صلى الله عليه وسلم-. قوله: {إن كنتم مؤمنين} أي كنتم مؤمنين حقاً فلم تقتلون الأنبياء؟ وتفعلون الأفاعيل؟!.

قوله: {ولقد جاءكم موسى} الخطاب لليهود.قوله: {بالبينات} الباء للمصاحبة؛ أي جاءكم مصحوباً بالبينات، وهي العلامات الدالة على رسالته؛ والتي منها: اليد، والعصا، والحجر، وفلق البحر، والجراد الذي أرسل على آل فرعون، والقُمَّل، والضَّفادع، والدَّم، والسنون،وأشياء كثيرة.قوله: {ثم} تُفيد الترتيب،{اتخذتم العجل} أي جعلتم {العجل} إلهاً؛ و{العجل} هو ولد البقرة، وليس عِجْلاً من حيوان؛ ولكنه عجل من حُلي صنعوا من الحلي مجسماً كالعجل، وجعلوا فيه ثقباً تدخله الريح، فيكون له صوت كخوار الثور، فأغواهم السامري، وقال لهم: هذا إلهكم وإله موسى فنسي؛ لأنَّ موسى كان قد ذهب لميقات ربه على أنه ثلاثون يوماً، فزاد الله –تعالى- عشراً، فصار أربعين يوماً؛ فقال لهم السامري: إن موسى ضلَّ عن إلهه؛ ولهذا تخلف، فلم يرجع؛ فهو قد ضلَّ، ولم يهتد إلى إلهه؛ فهذا إلهكم، وإله موسى، فاتَّخِذوه إلهاً. قوله: {من بعده} أي من بعد ذهاب موسى لميقات ربه؛ لأن موسى رجع إليهم، وقال للسامري عن إلهه: {لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} سورة طه(97). وفعلاً حدث هذا؛ فحرَّقه موسى-صلى الله عليه وسلم-، ونسفه في البحر. قوله: {وأنتم ظالمون} أي معتدون.

قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم} أي اذكروا إذ أخذنا ميثاقكم؛ وهي العهود،{ورفعنا فوقكم الطور} وهو الجبل المعروف؛ رفعه الله -عزّ وجل- على رؤوسهم تهديداً لهم؛ فجعلوا يشاهدونه فوقهم كأنه ظُلة؛ فسجدوا خوفاً من الله-عز وجل-، وجعلوا ينظرون إلى الجبل وهم يتضرعون إلى الله-سبحانه وتعالى- بكشف كربتهم. قوله: {خذوا} أي قلنا: خذوا، {ما أتيناكم} أي ما أعطيناكم؛ والمراد به التوراة {بقوة} أي بجدٍّ، ونشاط؛ {واسمعوا} أي سماع قبول واستجابة؛ فأُمروا بأن يأخذوا بالتوراة بقوة، وأن يسمعوا، ويستجيبوا، وينقادوا؛ فكان الجواب: {قالوا سمعنا} أي بآذاننا؛{وعصينا} أي بأفعالنا. قوله:{وأُشربوا في قلوبهم العجل} أي أُشربوا في قلوبهم حب العجل؛ لأن العجل نفسه لا يمكن أن يُشرب في القلب. قوله: {بكفرهم} أي بسبب كفرهم بالله السابق على عبادة العجل؛ لأنهم قد نووا الإثم قبل أن يقعوا فيه؛ فصاروا كفاراً به، ثم أشربوا في قلوبهم العجل حتى صاروا لا يمكن أن يتحولوا عنه. قوله: {قل} الخطاب للنبي-صلى الله عليه وسلم- أو من يصح توجيه الخطاب إليه، أي قل أيها النبي؛ أو قل أيها المخاطب؛ {بئسما يأمركم به إيمانكم} يعني: إذا كان عبادة العجل هو مقتضى إيمانكم فإن إيمانكم قد أمركم بأمر قبيح؛ يعني: أين إيمانكم وأنتم قد أشرب في قلوبكم العجل؟!. قوله: {إن كنتم مؤمنين} أي صادقين في دعوى الإيمان.

بعض فوائد الآيات:

1. إثبات رسالة موسى، وأنَّ هناك رسلا من بني إسرائيل من بعده؛ لقوله: {ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل}.

2. ثبوت رسالة عيسى-عليه السلام-، وأنّ الله أيده بآيات كونية، وشرعية؛ فالشرعية: كالإنجيل؛ والكونية؛ كإحياء الموتى، وإخراجهم من القبور، وإبراء الأكمه، والأبرص، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه، فيكون طيراً يطير-بإذن الله-.

3. بيان عتوّ بني إسرائيل، واستكبارهم عن قبول الحق، بل وتكذيبهم لمن جاءهم بالحق من الرسل، وقتلهم؛ لقوله: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون}.

4. أن الفطرة من حيث هي فطرة تقبل الحق، ولكن يوجد لها موانع.

5. أن الإيمان في هؤلاء اليهود قليل، أو معدوم؛ لقوله: {فقليلاً ما يؤمنون}.

6. قبح رد الحق لعدم موافقته لهوى النفس.

7. أنَّ العقوبات تتراكم بحسب الذنوب جزاءً وفاقاً.

8. ذم الحسد وأنه أخو البغي وعاقبتهما الحرمان والخراب.

9. جرأة اليهود على قتل الأنبياء والمصلحين من الناس.

10. وجوب أخذ أمور الشرع بالحزم والعزم والقوة.

11. الإيمان الحق لا يأمر صاحبه إلا بالمعروف، والإيمان الباطل المزيف يأمر صاحبه بالمنكر2. والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1 - أخرجه البخاري؛ كتاب الصلاة، باب الشعر في المسجد، رقم 453). ومسلم؛ كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت، رقم (2485).

2- راجع: " تفسير القرآن العظيم " للحافظ ابن كثير(1/116- 121). ط: دار الحديث القاهرة. الطبعة السادسة. (1413هـ). مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة. و" جامع البيان في تأويل القرآن" لمحمد بن جرير الطبري(1/447- 468). ط: دار الكتب العلمية -بيروت- لبنان. الطبعة الأولى(1421هـ). و" الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي(2/23- 32). الطبعة الثانية. و" أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير" لأبي بكر الجزائري(1/80- 84). الطبعة الأولى الخاصة بالمؤلف(1414هـ). و" فتح القدير" للشوكاني(1/172- 179). المكتبة التجارية. مصطفى أحمد الباز. مكة المكرمة. الطبعة الثانية. و" تفسير ابن عثيمين". المجلد الأول. و" تيسير الكريم الرحمن في تفسير الكريم المنان" لابن سعدي(1/75- 78). طبع ونشر وتوزيع دار المدني بجدة. (148هـ).
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى