رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
في وقت يضج فيه العالم الأعور بشغف وتطلع إلى متابعة فعاليات كأس العالم الأفريقية، نجد التناقض الواضح بين ما ينفق على فعاليات كأس العالم من إعلانات ودعايات وتحضيرات وبين الجوع والفقر والعوز الذي تضج به هذه القارة الأفقر بين قارات العالم.
ولكن ليس عجباً من الأمر أو بدعاً من الواقع أن نرى العالم أعوراً، فهو نفس العالم الذي وقف متفرجاً على أمريكا وهي تقتل وتبيد وتنتهك الأمة الإسلامية تحت شعار محاربة الإرهاب، في وقت صعق الجميع بأن الإرهاب المحارب هو صبايا العراق المنتهكات في أبي غريب و أطفال أفغانستان الفقراء ونساء غزة الثكالى اللاتي حاربتهن أمريكا، ودمرت على الأسر بيتوهم وصبت عليهم العذاب صباً بيد الصهاينة لعنهم الله.
وبنظرة فاحصة أقدم تقارير تكشف عن المفارقة الفادحة بين مستوى الإنفاق على كأس العالم ومستوى الفقر الواقع في نفس القارة في دول الجوار، ليبدو لنا الموقف كأن طفلاً يحتضر جوعاً وهو على أعتاب قصر يشتم رائحة الشواء تفوح من داخله، بينما هو يصارع الموت ولا يجد كسرة خبز يابسة ولو حتى ملوثة بالتراب.
في تقرير للموقع الرسمي للفيفا:
وتفيد وزارة الداخلية في جنوب أفريقيا أن 682317 أجنبياً دخلوا البلاد بين الأول من يونيو/حزيران 2010 والحادي والعشرين منه، مقابل وصول 541065 أجنبيا في الفترة نفسها من العام الماضي. وإضافة إلى الزوار من بلدان مجاورة، كان العدد الأكبر من الوافدين من المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، أستراليا، المكسيك، البرازيل، فرنسا، هولندا، الأرجنتين.
وفي ظل اشتداد حدة الحركة في الملعب، مع اقتراب بداية الدور الثاني، سوف ترتفع وتيرة هذا التدفق، مع ما يحمله من منافع كبيرة لمستقبل قطاع السياحة في جنوب إفريقيا.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة (ساوث أفريكا توريزم) السياحية ثانديوي جانيواري ماكلين: "من المنظور السياحي كانت كأس العالم واجهة رائعة لجنوب إفريقيا. لقد أتاحت كأس العالم لجنوب إفريقيا فرصة التخلص من القوالب النمطية. وعموما، كان رد فعل الزوار ينم عن مفاجأة. لقد فوجئوا بتطور بنيتنا التحتية، وبحماسة الحضور في المباريات. كل ردود الفعل التي تلقيناها كانت إيجابية. الناس متحمسون جدا".
وتبدي الشركة ثقة بأن كأس العالم ستفتح أبواب البلاد على طيف جديد من الزوار.
ويقول مدير التسويق الأول في الشركة روشيني سينج: "عرفت كأس العالم ارتفاعا في عدد الزوار الآتين من بلدان جديدة، خصوصا دول أمريكا اللاتينية كالمكسيك والبرازيل. وترافق ذلك مع مهرجانات FIFA للمشجعين التي حضرها أكثر من 900 ألف شخص منذ بداية الدورة. كان أكبر جمهور تلفزيوني وحضور عالمي لمهرجانات المشجعين هذه من المكسيك. ونحن نروّج لجنوب أفريقيا في مهرجانات المشجعين".
وأضاف سينج: "ستكون هناك فرص جديدة في السوق بعد هذه الدورة. وبالنظر إلى سجلنا في استضافة أحداث كبرى، تغدو السياحة الرياضية مهمة لجنوب أفريقيا. نحن لا نتراخى، بل نواصل حملاتنا لنقل الإدراك إلى الزوار".
من أكبر مواضيع النقاش الذي يدور حول الأحداث الرياضية الكبرى هو الدخل الذي يولّده المشجعون الزائرون، وهنا تبدو شركة (ساوث أفريكا توريزم) واثقة من أن الدورة ستكون ناجحة من منظور العائد السياحي.
ويقول سينج: "لدينا حاليا مجرد تقديرات، لكننا نتحدث عن حوالي 27 مليار راند، وهو ما يعادل ألفا في المئة تقريبا مما أنفقناه على التسويق".
وعلى النقيض نقرأ في تقرير لبرنامج الأغذية العالمي :
ها هم الأطفال الذين تثير صورهم الحزن في أعماق قلوبنا بعيونهم الواسعة الممتلئة بالحسرة والألم وبرؤوسهم الكبيرة التي تترنح على أجسادهم الهزيلة، وجلودهم المتهدلة التي لا تكسو سوى عظامهم النحيلة، عديد منهم قد تم توصيل أنابيب تغذية إليهم بعد أن ألصقت بأشرطة على وجوههم الضامرة. هاهم الأطفال مرة أخرى يجتمعون سويا في مكان واحد ليعرضوا لنا أيامهم الأخيرة في مسرحية الجوع المستهلكة وعلى نفس منصة العرض.. مسرحية يعلم الجميع نهايتها.
وبينما روعت هذه الصور من شاهدها في أرجاء العالم في الأسبوعين الماضيين، فإن التحذيرات التي أطلقها برنامج الأغذية العالمي منذ نوفمبر العام الماضي للحيلولة دون وقوع هذه المأساة، لم تجد فتيلا.
أخفقت كلمات التحذير ولكن التقارير التلفزيونية التي كان أولها عن طريق تلفزيون (بي بي سي) نجحت في وخز ضمير العالم بقسوة حيث خرجت صور الألم الصامتة من شاشات التلفاز وجعلتنا نشعر بالخجل وبأهمية أن نتحرك لإيقاف هذه المأساة.
معاناة يومية
ويواجه برنامج الأغذية العالمي معاناة الجوعى كل يوم، فالنيجر ليست جزيرة اليأس في إفريقيا، بل هي جزء من أرخبيل معقد من المشاكل تعاني منه القارة. وفي بلدان مجاورة للنيجر مثل موريتانيا ومالي يعاني أطفال كثيرون من سوء التغذية حيث ضاعف جفاف مدمر من الأثر الفادح لأشرس هجوم لأسراب الجراد يتعرض له هذان البلدان منذ خمسة عشرعاما.
لقد قمنا بالتحذير طوال شهور من تفاقم الأوضاع الإنسانية في موريتانيا ومالي، أسوة بالنيجر، بيد أن العالم أجمع صار بإمكانه كما يبدو أن يتعايش مع الكثير من المآسي دون أن يتحرك، ولم تسعد هذه البلدان المصابة بعد بحظها من التغطية العشوائية لكاميرات التلفزة. ويبدو أننا لم نستظهر بعد أهم الدروس المستفادة من كارثة المجاعة في إثيوبيا في عقد الثمانينات وهو ببساطة أنه من الافضل أن يستجيب المجتمع الدولي بسرعة إلى الإنذارات المبكرة بدلا من أن يتحرك بعد أن يتأخر الوقت. ساعتها يزيد عدد الضحايا وترتفع تكاليف المساعدات بشدة.
الحاجة إلى مزيد من المساعدات
ربما حان الوقت الآن إلى تكرار تحذيراتنا عن احتمال وقوع كوارث أخرى يبدو أن العالم مستمر فى تجاهلها. ففي منطقة بحر الغزال بجنوب السودان حيث لقي ما يقارب من سبعين ألف شخص حتفهم في عام 1998، هناك بوادر نقص شديد في المواد الغذائية. أما في منطقة الجنوب الإفريقي حيث ترتفع معدلات الإصابة بالإيدز بشدة وتعاني عدة بلدان من الجفاف، فمن المتوقع أن يحتاج ما بين سبعة إلى عشرة ملايين شخص إلى المساعدات الغذائية بنهاية العام الجاري، فيما تواجه إثيوبيا وإريتريا أيضا مخاطر أخرى.
ولا يجب أن يصدم البعض إذا ما قامت التلفزيونات بالانتباه إلى الموقف بعد عدة أشهر وبدأت تتدفق صور مماثلة لما يحدث فى النيجر الآن ولكن من مناطق أخرى مثل جنوب السودان والجنوب الإفريقي ليستمر ما يشبهه السير بوب جيلدوف بأنه قد صار فيلما "إباحيا" عن الفقر الإفريقي بالنسبة للمشاهدين.
لن يستفيد الجوعى من الفقراء كثيرا من إلغاء الديون والمساعدات التنموية لأنهم عاجزون عن العمل والمشاركة في الفرص الاقتصادية المتاحة بسبب ضعفهم الجسماني الناتج عن الجوع.
إننا بحاجة إلى تبني "سياسة الغذاء أولا"، من أجل ضمان تغذية أفضل للعائلات الفقيرة في إفريقيا.
قد صار من غير المقبول أن ننتظر حتى نرى الأطفال الجوعى يحتضرون أمام أعيننا على شاشات التلفاز حتى تتحرك لتقديم المساعدات. لقد طال أمد هذا العرض المأساوي من إفريقيا وحان الوقت لأن نعمل من أجل إسدال الستار عليه في النيجر وغيرها. أهـ
وقد كتبت من قبل مقالاً عن مأساة النيجر بعنوان ( من لمسلمي النيجر) جاء فيه:
مأساة جديدة وجرح يتفجّر، ولم تندمل بعد باقي الجراح..
إنها النيجر المسلمة، التي يبيد الفقر ثلثي سكانها المسلمين، ولا يد تمتد لتمسح دمع صبي جائع، ولا همّة تتقد لتنقذ شرف مسلمة تسد رمق أولادها ببيع عرضها، ولا جهد يبذل ليحنو على عائل أسرة ترك أسرته يبحث عن كسرة خبز أو حفنة أرز يسد بها جوع أبنائه، فما يفاجأ عند عودته إلا وامرأته قد أصبحت بغياً في إحدى المدن المجاورة لتأتي لأطفالها بما يحييهم من الموت المحقق.
ما أقوله ليس وهماً أو حلماً، ولا ديباجة ممسرحة ألفت بها انتباه الجماهير، ولكنها تقارير الأمم المتحدة عن مأساة مسلمي النيجر.. فأين عمر بن الخطاب يحمل لهم أكياس الدقيق، وأين عمر بن عبد العزيز يرسل إليهم بفائض بيت المال، بل أين أين المسلمون.. أين أين المسلمون؟!
يقول الدكتورعبد الوهاب الأفندي واصفاً أزمة دارفور بالسودان والفقر المدقع فيها:
المشهد أصبح مألوفاً لدرجة أن أكثرنا لا يكاد هذه الأيام يلتفت إليه..
مجموعة من البشر، غالبها من النساء والأطفال وكبار السن، وهي تحمل القليل الذي تبقى لها من متاع الدنيا مرتحلة عن أوطانها باتجاه المجهول. الوجوه ساهمة واجمة، يعلوها الخوف والألم، والصمت يقطعه بكاء الأطفال أو الشكوى إلى السماء من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
في مشهد آخر نرى نفس المجموعة أو نظراء لها وهي تلتحف العراء وتحتمي بالأشجار أو بخيام أو أكواخ صفيح لا تكاد تقي من حر ولا قر. البعض يصطف ليأخذ نصيبه من الماء أو قليل طعام، أو يبحث في الأرض عما يقيم الأود، بعيداً عن كل ما يمكن للإنسانية أن تقدمه.
زرت في نفس الفترة مناطق المتأثرين بسد مروي في شمال السودان، حيث أكبر مشهد عملي لإفقار الفقراء عمداً من أجل إثراء آخرين. هناك أيضاً كان الآلاف ممن كانوا أصلاً يعيشون الكفاف فقدوا كل مصدر رزق، حتى لو كان العمل إجراء في مزارع الآخرين، وفقدوا كذلك المأوى. الغالبية تقيم في أكواخ من القصب وسعف النخيل ولا يملكون أي مصدر رزق، وقد بلغ الأمر أن بعضهم حين قدم لهم بعض المحسنين شيئاً من حبوب الذرة ليقتاتوا به لم يجدوا ثمن طحنه ولم يكن أماهم سوى غلي الذرة بالماء وتقديمها لأطفالهم لأكلها 'بليلة' كما يقال عندنا في السودان.
يحتاج الأمر إلى كثير من القسوة حتى يقدم البعض على تدمير حياة الفقراء والمتشبثين بأطراف الحياة فيلقون بهم من الحافة إلى قاع سحيق، خاصة حين يكون مجترحو هذه الكبائر ممن يتربح من إثمها. ولكن يحتاج الأمر كذلك إلى كثير من اللامبالاة من قبل آخرين كثر حتى تمر مثل هذه المنكرات وتصبح من الأمور المعتادة يومياً، يمر عليها الناس مرور غير الكرام.
لقد جاء في صحيح التنزيل أن من يتخلف عن إنكار الكبائر والعمل على إزالتها يصبه من العذاب ما يصيب مرتكبيها كما أصاب عاداً وثمود أصحاب السبت، وقروناً بين ذلك كثيراً. فمثل هذه اللامبالاة بمظلمة البؤساء والسكوت عن نصرتهم هي عند الله كبيرة لا تقل إثماً عن الجرم نفسه.
ليسارع من شاء إنقاذ نفسه من النقمة الإلهية في هذه الدار أو التي تأتي، وذلك بأضعف الإيمان، وهو إنكار المنكر، والتوقف عن تحميل الضحايا المسؤولية فيما وقع بهم، فقد مررت بكثيرين لا يستخفون فقط بمعاناة ضحايا ظلم إخوانهم من البشر، بل يلقون باللوم على هؤلاء الضحايا ويرون أن ما هم فيه من عذاب هو نعمة خفوا إليها طوعاً وطمعاً.
وقديماً كان شأن المترفين هو العجز عن تفهم معاناة البؤساء كما لم تفهم زوجة لويس السادس عشر لماذا يضج الفقراء طلباً للخبز وفي البلاد ما لذ وطاب من الحلويات!
يقول د. حمدي عبد الرحمن في بحث بعنوان هندسة الفقر في إفريقيا:
ومن المدهش أن معظم الأفارقة، لا سيما في إفريقيا غير العربية، يعيشون اليوم في أوضاع حياتية أسوأ مما كانت عليه زمن الاستقلال. وتأتي مشاهد الحروب والصراعات الأهلية وتدخلات العسكر في الحياة السياسية، بالإضافة إلى تفشي ثقافة الفساد في الحكم والإدارة، وانتشار الأمراض والأوبئة الفتاكة لتكمل معالم صورة إفريقيا وهي تدخل الألفية الثالثة من الميلاد.
وقد خضعت عملية فهم وتفسير ما حدث للأفارقة بعد الاستقلال لمقاربات تحليلية استنبطت انحيازات إيديولوجية واضحة.
ونستطيع أن نشير إلي اتجاهين رئيسيين:
الأول يمثله نفر من 'المستفرقين' والكتاب في الغرب حيث يطرحون صورة بالغة التشاؤم للواقع الإفريقي. ولعل خير تعبير عن هذا الاتجاه هو ما كتبه الدبلوماسي الأمريكي روبرت كابلان في أوائل التسعينيات من القرن الماضي حول 'الفوضى القادمة في غرب إفريقيا'. إذ طرح وصفا للصراعات والحروب الأهلية في ليبيريا وسيراليون وغيرهما من دول المنطقة باعتبارها نمطا من الابتلاء الذاتي.
أما الاتجاه الثاني فقد عبر عنه مجموعة من الكتاب الأفارقة الذين طرحوا شعار النهضة الإفريقية ورأوا بأن الغرب يتحمل مسئوليته التاريخية في تخلف وإفقار الشعوب الإفريقية انطلاقا من مرحلة تجارة العبيد ومرورا بمرحلة الاستعمار والتخطف الأوروبي لإفريقيا وانتهاء بعملية التكالب الدولي الراهنة من أجل استغلال موارد وثروات إفريقيا الطبيعية. أ هـ
مما سبق من تقارير يتضح لنا مدى التباين الكبير في نظرة العالم وتقييمه وتفاعله مع القضايا العالمية بما يفيد فقط بأن النظرة المادية والأثرة الذاتية والأنانية الفكرية والاستحواذ الإعلامي الموجه لفرض المطامع والشهوات الذاتية هو المسيطر.
في الوقت نفسه تنتشر القوى التنصيرية لتحقيق أهدافها من خلال الفقر المدقع، لنشر دعوة لا تنتشر إلا من خلال مآسٍ لاغير، والتي في الغالب يصنعها أهل الصليب أنفسهم، فهم يمدون إحدى اليدين برغيف شريطة الدخول في دين النصارى بينما باليد الأخرى يلعب خنجرهم وتدك طائراتهم ويمكر ساستهم.
لذا علينا كمسلمين أن نخطط لمصالحنا الذاتية كأمة، وأن نخطط لرفع اقتصادنا لنصرة عقيدتنا، وأن نمد يد العون لأصحاب الفاقة منا قبل أن تصلهم يد التنصير تساومهم بين الحياة والكفر.
فهل من أذن تسمع أو قلب ينبض أو شريان دم يغلي في عرق مسلم..
رسالة للشعوب المسلمة: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
رسالة لكل حاكم مسلم: أين أنتم من مآسي المسلمين؟!
قال صلى الله عليه وسلم:
«كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعتيه، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته ». البخاري (853، 2416، 2419، 2600، 4892، 4904، 6719)، مسلم (1829)، أبو داود (2928)، الترمذي (1705)، أحمد (2/5، 54).
ولكن ليس عجباً من الأمر أو بدعاً من الواقع أن نرى العالم أعوراً، فهو نفس العالم الذي وقف متفرجاً على أمريكا وهي تقتل وتبيد وتنتهك الأمة الإسلامية تحت شعار محاربة الإرهاب، في وقت صعق الجميع بأن الإرهاب المحارب هو صبايا العراق المنتهكات في أبي غريب و أطفال أفغانستان الفقراء ونساء غزة الثكالى اللاتي حاربتهن أمريكا، ودمرت على الأسر بيتوهم وصبت عليهم العذاب صباً بيد الصهاينة لعنهم الله.
وبنظرة فاحصة أقدم تقارير تكشف عن المفارقة الفادحة بين مستوى الإنفاق على كأس العالم ومستوى الفقر الواقع في نفس القارة في دول الجوار، ليبدو لنا الموقف كأن طفلاً يحتضر جوعاً وهو على أعتاب قصر يشتم رائحة الشواء تفوح من داخله، بينما هو يصارع الموت ولا يجد كسرة خبز يابسة ولو حتى ملوثة بالتراب.
في تقرير للموقع الرسمي للفيفا:
وتفيد وزارة الداخلية في جنوب أفريقيا أن 682317 أجنبياً دخلوا البلاد بين الأول من يونيو/حزيران 2010 والحادي والعشرين منه، مقابل وصول 541065 أجنبيا في الفترة نفسها من العام الماضي. وإضافة إلى الزوار من بلدان مجاورة، كان العدد الأكبر من الوافدين من المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، أستراليا، المكسيك، البرازيل، فرنسا، هولندا، الأرجنتين.
وفي ظل اشتداد حدة الحركة في الملعب، مع اقتراب بداية الدور الثاني، سوف ترتفع وتيرة هذا التدفق، مع ما يحمله من منافع كبيرة لمستقبل قطاع السياحة في جنوب إفريقيا.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة (ساوث أفريكا توريزم) السياحية ثانديوي جانيواري ماكلين: "من المنظور السياحي كانت كأس العالم واجهة رائعة لجنوب إفريقيا. لقد أتاحت كأس العالم لجنوب إفريقيا فرصة التخلص من القوالب النمطية. وعموما، كان رد فعل الزوار ينم عن مفاجأة. لقد فوجئوا بتطور بنيتنا التحتية، وبحماسة الحضور في المباريات. كل ردود الفعل التي تلقيناها كانت إيجابية. الناس متحمسون جدا".
وتبدي الشركة ثقة بأن كأس العالم ستفتح أبواب البلاد على طيف جديد من الزوار.
ويقول مدير التسويق الأول في الشركة روشيني سينج: "عرفت كأس العالم ارتفاعا في عدد الزوار الآتين من بلدان جديدة، خصوصا دول أمريكا اللاتينية كالمكسيك والبرازيل. وترافق ذلك مع مهرجانات FIFA للمشجعين التي حضرها أكثر من 900 ألف شخص منذ بداية الدورة. كان أكبر جمهور تلفزيوني وحضور عالمي لمهرجانات المشجعين هذه من المكسيك. ونحن نروّج لجنوب أفريقيا في مهرجانات المشجعين".
وأضاف سينج: "ستكون هناك فرص جديدة في السوق بعد هذه الدورة. وبالنظر إلى سجلنا في استضافة أحداث كبرى، تغدو السياحة الرياضية مهمة لجنوب أفريقيا. نحن لا نتراخى، بل نواصل حملاتنا لنقل الإدراك إلى الزوار".
من أكبر مواضيع النقاش الذي يدور حول الأحداث الرياضية الكبرى هو الدخل الذي يولّده المشجعون الزائرون، وهنا تبدو شركة (ساوث أفريكا توريزم) واثقة من أن الدورة ستكون ناجحة من منظور العائد السياحي.
ويقول سينج: "لدينا حاليا مجرد تقديرات، لكننا نتحدث عن حوالي 27 مليار راند، وهو ما يعادل ألفا في المئة تقريبا مما أنفقناه على التسويق".
وعلى النقيض نقرأ في تقرير لبرنامج الأغذية العالمي :
ها هم الأطفال الذين تثير صورهم الحزن في أعماق قلوبنا بعيونهم الواسعة الممتلئة بالحسرة والألم وبرؤوسهم الكبيرة التي تترنح على أجسادهم الهزيلة، وجلودهم المتهدلة التي لا تكسو سوى عظامهم النحيلة، عديد منهم قد تم توصيل أنابيب تغذية إليهم بعد أن ألصقت بأشرطة على وجوههم الضامرة. هاهم الأطفال مرة أخرى يجتمعون سويا في مكان واحد ليعرضوا لنا أيامهم الأخيرة في مسرحية الجوع المستهلكة وعلى نفس منصة العرض.. مسرحية يعلم الجميع نهايتها.
وبينما روعت هذه الصور من شاهدها في أرجاء العالم في الأسبوعين الماضيين، فإن التحذيرات التي أطلقها برنامج الأغذية العالمي منذ نوفمبر العام الماضي للحيلولة دون وقوع هذه المأساة، لم تجد فتيلا.
أخفقت كلمات التحذير ولكن التقارير التلفزيونية التي كان أولها عن طريق تلفزيون (بي بي سي) نجحت في وخز ضمير العالم بقسوة حيث خرجت صور الألم الصامتة من شاشات التلفاز وجعلتنا نشعر بالخجل وبأهمية أن نتحرك لإيقاف هذه المأساة.
معاناة يومية
ويواجه برنامج الأغذية العالمي معاناة الجوعى كل يوم، فالنيجر ليست جزيرة اليأس في إفريقيا، بل هي جزء من أرخبيل معقد من المشاكل تعاني منه القارة. وفي بلدان مجاورة للنيجر مثل موريتانيا ومالي يعاني أطفال كثيرون من سوء التغذية حيث ضاعف جفاف مدمر من الأثر الفادح لأشرس هجوم لأسراب الجراد يتعرض له هذان البلدان منذ خمسة عشرعاما.
لقد قمنا بالتحذير طوال شهور من تفاقم الأوضاع الإنسانية في موريتانيا ومالي، أسوة بالنيجر، بيد أن العالم أجمع صار بإمكانه كما يبدو أن يتعايش مع الكثير من المآسي دون أن يتحرك، ولم تسعد هذه البلدان المصابة بعد بحظها من التغطية العشوائية لكاميرات التلفزة. ويبدو أننا لم نستظهر بعد أهم الدروس المستفادة من كارثة المجاعة في إثيوبيا في عقد الثمانينات وهو ببساطة أنه من الافضل أن يستجيب المجتمع الدولي بسرعة إلى الإنذارات المبكرة بدلا من أن يتحرك بعد أن يتأخر الوقت. ساعتها يزيد عدد الضحايا وترتفع تكاليف المساعدات بشدة.
الحاجة إلى مزيد من المساعدات
ربما حان الوقت الآن إلى تكرار تحذيراتنا عن احتمال وقوع كوارث أخرى يبدو أن العالم مستمر فى تجاهلها. ففي منطقة بحر الغزال بجنوب السودان حيث لقي ما يقارب من سبعين ألف شخص حتفهم في عام 1998، هناك بوادر نقص شديد في المواد الغذائية. أما في منطقة الجنوب الإفريقي حيث ترتفع معدلات الإصابة بالإيدز بشدة وتعاني عدة بلدان من الجفاف، فمن المتوقع أن يحتاج ما بين سبعة إلى عشرة ملايين شخص إلى المساعدات الغذائية بنهاية العام الجاري، فيما تواجه إثيوبيا وإريتريا أيضا مخاطر أخرى.
ولا يجب أن يصدم البعض إذا ما قامت التلفزيونات بالانتباه إلى الموقف بعد عدة أشهر وبدأت تتدفق صور مماثلة لما يحدث فى النيجر الآن ولكن من مناطق أخرى مثل جنوب السودان والجنوب الإفريقي ليستمر ما يشبهه السير بوب جيلدوف بأنه قد صار فيلما "إباحيا" عن الفقر الإفريقي بالنسبة للمشاهدين.
لن يستفيد الجوعى من الفقراء كثيرا من إلغاء الديون والمساعدات التنموية لأنهم عاجزون عن العمل والمشاركة في الفرص الاقتصادية المتاحة بسبب ضعفهم الجسماني الناتج عن الجوع.
إننا بحاجة إلى تبني "سياسة الغذاء أولا"، من أجل ضمان تغذية أفضل للعائلات الفقيرة في إفريقيا.
قد صار من غير المقبول أن ننتظر حتى نرى الأطفال الجوعى يحتضرون أمام أعيننا على شاشات التلفاز حتى تتحرك لتقديم المساعدات. لقد طال أمد هذا العرض المأساوي من إفريقيا وحان الوقت لأن نعمل من أجل إسدال الستار عليه في النيجر وغيرها. أهـ
وقد كتبت من قبل مقالاً عن مأساة النيجر بعنوان ( من لمسلمي النيجر) جاء فيه:
مأساة جديدة وجرح يتفجّر، ولم تندمل بعد باقي الجراح..
إنها النيجر المسلمة، التي يبيد الفقر ثلثي سكانها المسلمين، ولا يد تمتد لتمسح دمع صبي جائع، ولا همّة تتقد لتنقذ شرف مسلمة تسد رمق أولادها ببيع عرضها، ولا جهد يبذل ليحنو على عائل أسرة ترك أسرته يبحث عن كسرة خبز أو حفنة أرز يسد بها جوع أبنائه، فما يفاجأ عند عودته إلا وامرأته قد أصبحت بغياً في إحدى المدن المجاورة لتأتي لأطفالها بما يحييهم من الموت المحقق.
ما أقوله ليس وهماً أو حلماً، ولا ديباجة ممسرحة ألفت بها انتباه الجماهير، ولكنها تقارير الأمم المتحدة عن مأساة مسلمي النيجر.. فأين عمر بن الخطاب يحمل لهم أكياس الدقيق، وأين عمر بن عبد العزيز يرسل إليهم بفائض بيت المال، بل أين أين المسلمون.. أين أين المسلمون؟!
يقول الدكتورعبد الوهاب الأفندي واصفاً أزمة دارفور بالسودان والفقر المدقع فيها:
المشهد أصبح مألوفاً لدرجة أن أكثرنا لا يكاد هذه الأيام يلتفت إليه..
مجموعة من البشر، غالبها من النساء والأطفال وكبار السن، وهي تحمل القليل الذي تبقى لها من متاع الدنيا مرتحلة عن أوطانها باتجاه المجهول. الوجوه ساهمة واجمة، يعلوها الخوف والألم، والصمت يقطعه بكاء الأطفال أو الشكوى إلى السماء من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
في مشهد آخر نرى نفس المجموعة أو نظراء لها وهي تلتحف العراء وتحتمي بالأشجار أو بخيام أو أكواخ صفيح لا تكاد تقي من حر ولا قر. البعض يصطف ليأخذ نصيبه من الماء أو قليل طعام، أو يبحث في الأرض عما يقيم الأود، بعيداً عن كل ما يمكن للإنسانية أن تقدمه.
زرت في نفس الفترة مناطق المتأثرين بسد مروي في شمال السودان، حيث أكبر مشهد عملي لإفقار الفقراء عمداً من أجل إثراء آخرين. هناك أيضاً كان الآلاف ممن كانوا أصلاً يعيشون الكفاف فقدوا كل مصدر رزق، حتى لو كان العمل إجراء في مزارع الآخرين، وفقدوا كذلك المأوى. الغالبية تقيم في أكواخ من القصب وسعف النخيل ولا يملكون أي مصدر رزق، وقد بلغ الأمر أن بعضهم حين قدم لهم بعض المحسنين شيئاً من حبوب الذرة ليقتاتوا به لم يجدوا ثمن طحنه ولم يكن أماهم سوى غلي الذرة بالماء وتقديمها لأطفالهم لأكلها 'بليلة' كما يقال عندنا في السودان.
يحتاج الأمر إلى كثير من القسوة حتى يقدم البعض على تدمير حياة الفقراء والمتشبثين بأطراف الحياة فيلقون بهم من الحافة إلى قاع سحيق، خاصة حين يكون مجترحو هذه الكبائر ممن يتربح من إثمها. ولكن يحتاج الأمر كذلك إلى كثير من اللامبالاة من قبل آخرين كثر حتى تمر مثل هذه المنكرات وتصبح من الأمور المعتادة يومياً، يمر عليها الناس مرور غير الكرام.
لقد جاء في صحيح التنزيل أن من يتخلف عن إنكار الكبائر والعمل على إزالتها يصبه من العذاب ما يصيب مرتكبيها كما أصاب عاداً وثمود أصحاب السبت، وقروناً بين ذلك كثيراً. فمثل هذه اللامبالاة بمظلمة البؤساء والسكوت عن نصرتهم هي عند الله كبيرة لا تقل إثماً عن الجرم نفسه.
ليسارع من شاء إنقاذ نفسه من النقمة الإلهية في هذه الدار أو التي تأتي، وذلك بأضعف الإيمان، وهو إنكار المنكر، والتوقف عن تحميل الضحايا المسؤولية فيما وقع بهم، فقد مررت بكثيرين لا يستخفون فقط بمعاناة ضحايا ظلم إخوانهم من البشر، بل يلقون باللوم على هؤلاء الضحايا ويرون أن ما هم فيه من عذاب هو نعمة خفوا إليها طوعاً وطمعاً.
وقديماً كان شأن المترفين هو العجز عن تفهم معاناة البؤساء كما لم تفهم زوجة لويس السادس عشر لماذا يضج الفقراء طلباً للخبز وفي البلاد ما لذ وطاب من الحلويات!
يقول د. حمدي عبد الرحمن في بحث بعنوان هندسة الفقر في إفريقيا:
ومن المدهش أن معظم الأفارقة، لا سيما في إفريقيا غير العربية، يعيشون اليوم في أوضاع حياتية أسوأ مما كانت عليه زمن الاستقلال. وتأتي مشاهد الحروب والصراعات الأهلية وتدخلات العسكر في الحياة السياسية، بالإضافة إلى تفشي ثقافة الفساد في الحكم والإدارة، وانتشار الأمراض والأوبئة الفتاكة لتكمل معالم صورة إفريقيا وهي تدخل الألفية الثالثة من الميلاد.
وقد خضعت عملية فهم وتفسير ما حدث للأفارقة بعد الاستقلال لمقاربات تحليلية استنبطت انحيازات إيديولوجية واضحة.
ونستطيع أن نشير إلي اتجاهين رئيسيين:
الأول يمثله نفر من 'المستفرقين' والكتاب في الغرب حيث يطرحون صورة بالغة التشاؤم للواقع الإفريقي. ولعل خير تعبير عن هذا الاتجاه هو ما كتبه الدبلوماسي الأمريكي روبرت كابلان في أوائل التسعينيات من القرن الماضي حول 'الفوضى القادمة في غرب إفريقيا'. إذ طرح وصفا للصراعات والحروب الأهلية في ليبيريا وسيراليون وغيرهما من دول المنطقة باعتبارها نمطا من الابتلاء الذاتي.
أما الاتجاه الثاني فقد عبر عنه مجموعة من الكتاب الأفارقة الذين طرحوا شعار النهضة الإفريقية ورأوا بأن الغرب يتحمل مسئوليته التاريخية في تخلف وإفقار الشعوب الإفريقية انطلاقا من مرحلة تجارة العبيد ومرورا بمرحلة الاستعمار والتخطف الأوروبي لإفريقيا وانتهاء بعملية التكالب الدولي الراهنة من أجل استغلال موارد وثروات إفريقيا الطبيعية. أ هـ
مما سبق من تقارير يتضح لنا مدى التباين الكبير في نظرة العالم وتقييمه وتفاعله مع القضايا العالمية بما يفيد فقط بأن النظرة المادية والأثرة الذاتية والأنانية الفكرية والاستحواذ الإعلامي الموجه لفرض المطامع والشهوات الذاتية هو المسيطر.
في الوقت نفسه تنتشر القوى التنصيرية لتحقيق أهدافها من خلال الفقر المدقع، لنشر دعوة لا تنتشر إلا من خلال مآسٍ لاغير، والتي في الغالب يصنعها أهل الصليب أنفسهم، فهم يمدون إحدى اليدين برغيف شريطة الدخول في دين النصارى بينما باليد الأخرى يلعب خنجرهم وتدك طائراتهم ويمكر ساستهم.
لذا علينا كمسلمين أن نخطط لمصالحنا الذاتية كأمة، وأن نخطط لرفع اقتصادنا لنصرة عقيدتنا، وأن نمد يد العون لأصحاب الفاقة منا قبل أن تصلهم يد التنصير تساومهم بين الحياة والكفر.
فهل من أذن تسمع أو قلب ينبض أو شريان دم يغلي في عرق مسلم..
رسالة للشعوب المسلمة: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
رسالة لكل حاكم مسلم: أين أنتم من مآسي المسلمين؟!
قال صلى الله عليه وسلم:
«كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعتيه، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته ». البخاري (853، 2416، 2419، 2600، 4892، 4904، 6719)، مسلم (1829)، أبو داود (2928)، الترمذي (1705)، أحمد (2/5، 54).
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى