لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

الجوع والمجاعات (1)  Empty الجوع والمجاعات (1) {الإثنين 21 نوفمبر - 9:07}

الشيخ / إبراهيم بن محمد الحقيل
الجوع والمجاعات (1)

[وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ]

الخطبة الأولى

الحمد لله العلي الأعلى؛ خلق فسوى، وقدر فهدى، وأرجأ عباده إلى أجل مسمى [وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ] {سبأ:30} نحمده على وافر نعمه، ونشكره على جزيل عطاياه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الخير بيديه، والشر ليس إليه، خلق عباده ورزقهم وكفاهم، ففاضت على العباد أرزاقه، وما نفدت في السماء خزائنه، ينفق الليل والنهار على البر والفاجر، والإنس والجن، والطير والحيوان، فيكفره أكثر الناس ولا يشكرونه [وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ] {الواقعة:82} وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله الله تعالى بالنور والهدى؛ ليعرف الناس حق ربهم عليهم، فيقدروه قدره، ويشكروا نعمه، فبلغهم وعلمهم، وبشرهم وأنذرهم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإن التقوى سبب للرزق والخلوص من العسر [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا] {الطَّلاق:3} .

أيها الناس: من ضعف الإنسان وعجزه حاجته إلى ما يحفظ حياته، ويبل كبده، ويقيم صلبه، من الطعام والشراب، ولو فقد ذلك لهلك.

وهذه الحاجة الشهوانية الضرورية في الإنسان هي موضع ابتلائه وامتحانه، وسبب انحرافه وضلاله، ومن خلالها يتسلل الشيطان إلى قلبه فيفسد إيمانه، ويحرفه عن عبوديته لله تعالى.

ولما صوَّر الله تعالى آدم عليه السلام، وكان له جوف يحتاج إلى ملئه بالطعام والشراب عَلِم إبليس أن تلك هي نقطة الضعف في آدم وبنيه؛ كما روى أَنَسٌ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:«لَمَّا صَوَّرَ الله آدَمَ في الْجَنَّةِ تَرَكَهُ ما شَاءَ الله أَنْ يَتْرُكَهُ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنْظُرُ ما هو فلما رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ»رواه مسلم.

ولما نفخ الله تعالى الروح في آدم عليه السلام وخلق منه زوجه، وأسكنهما الجنة امتن الله تعالى عليهما بالطعام والشراب، ونفى عنهما الظمأ والجوع، وحذَّرهما من عداوة الشيطان لهما، الذي سيسعى جهده في إخراجهما من موطن الراحة والري والشبع إلى حيث النصب والجوع والعطش، [فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى] {طه:117-119} وكون ذلك وقع في بداية وجود البشر، وقصه الله تعالى علينا؛ فإنه يدل على أهمية الطعام والشراب لبني آدم، وخطر الظمأ والجوع عليهم.

وإبليس إنما غزا الأبوين، فأخرجهما من الجنة بسلاح الشهوة إلى الطعام والشراب، والخوف من فقدها؛ فدلهما الشيطان على الشجرة التي نهيا عن الأكل منها مدعيا أن أكلهما منها سيكون سبب خلودهما فيما هما فيه من النعيم [فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى] {طه:120}

ولما أهبط الله تعالى الأبوين عليهما السلام إلى الأرض جعل في الأرض أهم ركنين لعيش بني آدم وهما الطعام والماء، مع الأمن من الوحش والطير والحيوان فجعلها مسخرات للبشر، خاضعات لحكمه وتصرفه [قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ] {الأعراف:24} والأرض لا تكون مستقرا ومتاعا لبني آدم إلا بالأمن والرزق، فكان ذلك فيها فضلا من الله تعالى ورحمة بالبشر، وإذا فُقِد الأمن وحلَّ الخوف تبعه الجوع، كما أن الجوع هو أهم سبب لاختلال الأمن؛ لأن الجوع إذا فتك بالناس عدا بعضهم على بعض، ولا يهمهم أن يستتب الأمن إن كانوا سيموتون جوعا، وهذا يدل على أهمية الأمن الغذائي في استتباب الأمن العام.

ولأهمية الأمن والرزق، وتلازمهما وجودا وعدما كان من تعليم الله تعالى للخليل عليه السلام لما ابتنى البيت الحرام أن يدعو لمن يؤمونه بالأمن والرزق؛ إذ لا يمكن عمارة البيت الحرام بالطائفين والقائمين والعاكفين إلا إذا توافر فيه الأمن والرزق [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِالله وَاليَوْمِ الآَخِرِ] {البقرة:126}

فاستجاب الله تعالى دعاء الخليل عليه السلام، فجاعت العرب وشبع أهل مكة، وخاف الناس وأمن قاصدو الحرم، [أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ] {القصص:57}

ولافتقار البشر إلى الطعام، وحاجتهم إلى من يطعمهم وهو الله تعالى مع غناه سبحانه عن الطعام كان ذلك من دلائل ربوبيته التي يجب أن تُحرِّك قلوب العباد للخضوع له وعبوديته سبحانه لا شريك له [قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ] {الأنعام:14} وفي الآية الأخرى [مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ] {الذاريات:57} وعلل إبراهيم عليه السلام تركه للأنداد، وإخلاصه العبودية لله تعالى بأمور كان من أهمها الطعام والشراب [وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ] {الشعراء:79} وقال الله تعالى في الحديث القدسي:« يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلا من أَطْعَمْتُهُ فاستطعموني أُطْعِمْكُمْ يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلا من كَسَوْتُهُ فاستكسوني أَكْسُكُمْ»رواه مسلم، وفي رواية لأحمد:«يا بَنِى آدَمَ ....كُلُّكُمْ كان جَائِعاً إِلاَّ من أَطْعَمْتُ وَكُلُّكُمْ كان ظَمْآناً إِلاَّ من سَقَيْتُ... فاستطعموني أُطْعِمْكُمْ واستسقوني أَسْقِكُمْ»

والطعام والشراب من أركان النعيم في الجنة، وبهما يتلذذ أهلها ويتفكهون، ولولا وقعهما في نفوس البشر، وأهميتهما عندهم لما وعد الله تعالى المؤمنين بكمال النعيم بهما في الجنة [جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ] {ص:51} ومن كمال نعيمهم أنهم آمنون من فقدهما، ومن كل ما ينغص التذاذهم بها [يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ ]{الدُخان:55}.

ويخاطبون في الجنة مدعوين إلى الأكل والشرب بإيمانهم وعملهم الصالح فيقال لهم [كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {الطُّور:19} ويقال لهم [كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ] {الحاقَّة:24}.

ولشدة وطأة الجوع والعطش على بني آدم فإنهما من أشدِّ عذاب أهل النار، ولا يُطعمون ويسقون إلا بما يكون أشد عذابا عليهم من الجوع والعطش، نعوذ بالله تعالى من حالهم ومآلهم [إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ * كَغَلْيِ الحَمِيمِ] {الدُخان:43-46} وفي سورة أخرى [لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ] {الغاشية:6-7}

قال سعيد بن جبير- رحمه الله تعالى-:إذا جاع أهل النار استغاثوا من الجوع فأغيثوا بشجرة الزقوم فأكلوا منها فانسلخت وجوههم ... فإذا أكلوا منها ألقي عليه العطش فاستغاثوا من العطش فأغيثوا بماء كالمهل ... فإذا أدنوه من أفواههم أنضج حره الوجوه فيصهر به ما في بطونهم

ولأهمية الطعام في حياة البشر، وخطر الجوع عليهم؛ جعل الله عز وجل ما رزق البشر من الطعام والشراب آية من آياته التي تقود إلى عبوديته، وإخلاص الدين له [وَآَيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ المَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ العُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ] {يس:33-36}.

فالبشر كلُّ البشر مفتقرون إلى الله تعالى في بقائهم وطعامهم وشرابهم وأمنهم، فمن ذا الذي يطعمهم ويسقيهم إن حبس الله تعالى رزقه عنهم، ومن يؤمنهم إذا سلب الله تعالى أمنه منهم، ولا بدَّ أن يملأ قلوبَهم افتقارُهم إلى الله تعالى، وشدةُ حاجتهم إليه؛ ليشكروه على نعمه، ويسألوه من رزقه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ] {الملك:21} .

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم....



الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله ربكم، واشكروه على نعمه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ] {البقرة:172}.

أيها المسلمون: بات الأمن الغذائي والأمن المائي يؤرقان الدول والأمم، وتداعى لدراسة النقص في المياه والطعام وعلاجه الجمعيات والمنظمات المختصة، وحذَّر الدارسون والباحثون من مجاعات باتت تُطِلُّ على كثير من الشعوب والدول، سيعقبها ثورات عارمة لا تبقي ولا تذر.

وبما أن كثيرا ممن يقومون على هذه الدراسات لا يولون الأسباب الشرعية أي أهمية؛ لكفرهم أو لجهلهم فإن دراساتهم وتوصياتهم لن يكون فيها حلول جذرية لمشاكل الغلاء والجوع ونقص الماء والطعام.

إن قلة الأمطار سبب لموت الزرع والشجر وقلة الثمر، وينتج عن ذلك الندرة فالغلاء فالجوع فالفتن والثورات.

وإمساك السماء وما ينتج عنه من القلة والجوع عذاب يعذب الله تعالى به من شاء من عباده؛ كما عذب به فرعون وملئه [وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ] {الأعراف:130} وعذب به قريشا؛ كما في حديث ابن مسعود عبد الله -رضي الله عنه- قال:« إِنَّ النبي الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى من الناس إِدْبَارًا قال: اللهم سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حتى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إلى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ من الْجُوعِ...»رواه الشيخان.

ومن نظر في القرآن الكريم وجد العلاج الشرعي الصحيح لهذه المشكلات المستعصية المتزايدة التي يخافها البشر؛ فإن الآيات القرآنية التي جاء فيها ذكر الرزق والطعام، ختمت بأوامر ربانية تكون سببا لبقاء هذه النعمة العظيمة، أو ختمت بنهي هو السبب في زوالها:

فجاء الأمر بشكر الله تعالى في قوله تعالى[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ] {البقرة:172} وفي آية أخرى [كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ] {سبأ:15}

وجاء الأمر بالعمل الصالح في قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ] {المؤمنون:51}.

وجاء الأمر بالدعاء أو طلب الرزق من الله تعالى مقرونا بالأمر بالعبادة والشكر في قوله تعالى [فَابْتَغُوا عِنْدَ الله الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] {العنكبوت:17}.

وجاء الأمر بالأكل من الطيبات مقرونا بالنهي عن اتباع خطوات الشيطان في قوله تعالى [يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ] {البقرة:168} وفي آية الأنعام [كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] {الأنعام:142}

كما جاء الأمر بالأكل من الطيبات مقرونا بالنهي عن الطغيان [كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى] {طه:81} .

وجاء الأمر بالأكل من خيرات الأرض مقرونا بالأمر بأداء الزكاة، والنهي عن الإسراف في قول الله تعالى [كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ] {الأنعام:141}.

فعلم بهذه الآيات العظيمة أن عبادةَ الله تعالى، وإقامة دينه، واكتساب العمل الصالح، وطلب الرزق منه سبحانه دون سواه، وشكره على نعمه، وأداء الزكاة المفروضة؛ أسباب شرعية كونية لتوافر النعم، وتتابع الخيرات، وحفظها من الزوال والنقص، ورفع الخوف والجوع.

كما أن اتباع الشيطان، والطغيان في الأرض، والإسراف في النفقات أسباب لقلة الموارد، وندرة السلع، وغلاء الأسعار، وينتج عن ذلك الجوع والخوف والثورات والفتن.

ومن نظر في واقع البشر مع علمه بما في القرآن الكريم علم أسباب ما يعانونه من الغلاء والقلة، وإطلالة الجوع والخوف في كثير من الأقطار؛ فإن الأقوياء من البشر قد طغوا في الأرض وتجبروا وظلموا، والواجدون من الناس لا زالوا يسرفون في أكلهم وشربهم ومراكبهم وولائمهم وأعراسهم وأسفارهم رغم شكواهم من الغلاء، وخوفهم من القلاقل.

والزكاة قد منعها أكثر الموسرين، وانتشر في الناس استحلال الحرام من ربا ورشا ومعاملات محرمة.

ودعاة إبليس قد فرضوا مناهجهم المنحرفة على العباد في السياسة والاقتصاد والإعلام، وإفساد المرأة وجعلها سلعة لإشباع شهواتهم الحيوانية، وخلطها بالرجال في كل ميدان، دون حياء من الله تعالى، ولا خوف من عقوباته، مع محاربتهم للطهر والحجاب والعفاف، والحسبة والمحتسبين، وتضييق مجالات الخير، وتجفيف منابع العلم الشرعي والدعوة إلى الله تعالى، وفتح أبواب الإلحاد والزندقة على مصاريعها.

ولن يكون حال البشر إن لم يتوبوا إلى الله تعالى من طغيانهم ومعصيتهم وإسرافهم أحسن من حال من قال الله تعالى فيهم [وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] {النحل:112}.

وصلوا وسلموا على نبيكم....
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى