صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
:ثث:
:124:
الحمد لله رب العالمين، مع اسم "الخالق"، بادئ ذي بدء يقول الله عز وجل:
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [البقرة: 21].
يُفهم من هذه الآية أن الخالق وحده، ولا أحد سواه ينبغي أن تعبده، فإذا توجه الإنسان إلى غير الخالق فقد ضلَّ سواء السبيل، والخالق وحده هو الذي إذا عبدته سعدت بعبادته، وإذا عبدته نجوت من عذابه، وإذا عبدته أفلحت في حياتك، وفُزت بعد مماتك، ودخلت الجنة وسعدت فيها إلى الأبد، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
في المعنى المألوف اليوم أن الصانع وحده هو الجهة الوحيدة التي يمكن أن تعطي تعليمات التشغيل، فمثلاً لديك آلة، فما الجهة المخوّلة والوحيدة التي لها الحق أن تُصدر تعليمات التشغيل؟ إنه الصانع، فلو أن آلة ثمينة تملكها، واتّبعت في تشغيلها جهةً غير جهة الصانع فقد أفسدتها، وأعطبتها، وأضعفت مردودها وخسرتها، فببساطة بالغة، يقول العقل: لا يعبد إلا الصانع، أي لا يُتبع إلا الصانع، ولا يُطاع إلا الصانع (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ) لماذا؟ ألا يعلم من خلق، فهو عليم خبير حكيم يعرف طبيعة هذه النفس، وما يصلحها وما يفسدها، وما يسعدها وما يشقيها، وما يرفعها وما يخفضها، وما يطمئنها وما يخيفها، إنه هو الخبير، قال الله تعالى:
}إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ{ [فاطر: 14].
أي إنسان واعٍ مَلك جهازاً له قيمته يحرص على سلامته، ويسأل الخبراء المتخصصين دون غيرهم، فقد تشتري سيارة، وتراها ذات مظهر أخّاذ، ولكن تخاف أن يغدر بك البائع، وتسأل قبل شرائها خبيرا، فتقول له: انظر لي هذه السيارة ما قوتها؟ وما طبيعة محركها؟ وما وضعها العام؟ وما سلامة هيكلها؟ إذاً أنت في أمورك التي تتعامل معها يومياً تبحث عن الخبير، وتبحث عن العليم، وربنا عز وجل قال:
(وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)، فمثلاً في الحياة الزوجية، قال الله تعالى:
}يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً{ [الطلاق: 1].
أولاً نهى الرجال عن أن يُخرِجوا زوجاتهم من بيوتهن إذا طُلّقن، ونهى النساء عن أن يخرُجْنَ دون إذن أزواجِهن إذا طلقن طلاقاً رجعياً، لأنه عليم بطبيعة النفس البشرية، فالرجل والمرأة كلاهما ذو ميل فطري نحو صاحبه، والنفس الفائرة قد تهدأ فورتها بعد حين، فإذا ابتعد الزوج عن زوجته، تفاقمت الأمور ودخلت جِهات كثيرة على خط العلاقة الزوجية، وربما أفسدته، فإذا بقيت الزوجة في بيت زوجها فأكبر مشكلة في يومين أو ثلاثة تتضاءل بإذن الله، أما إذا خرجت الزوجة إلى بيت أهلها غاضبة فأصغر مشكلة تغدو كبيرة إذا تناولتها ألسنة كثيرة، فتفسد ما بقي صالحاً، فلذلك هذا قانون وضعه الخبير، والصانع والعليم، والخالق، قال:
}الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً{ [النساء: 34].
فإذا كنت أفضل علماً وخلقاً وورعاً وتقى وقد أنفقت من مالك على زوجتك فلك القوامة، وإذا أردت أن تُفلح في إصلاح ما انخرق بينكما فعُد إلى كتاب الله ففيه الخير والفلاح، لقول الله عز وجل:
}إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً{ [الإسراء: 9].
ففي أي موضوع ... حتى في شأن صحتك، وعلاقتك الخاصة جداً، وكسب رزقك، وفي شأن شيخوختك، عليك بهذا القرآن ففيه الهدى:
يقولون: "من جمع القرآن، متعه الله بعقله حتى يموت".
:124:
الحمد لله رب العالمين، مع اسم "الخالق"، بادئ ذي بدء يقول الله عز وجل:
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [البقرة: 21].
يُفهم من هذه الآية أن الخالق وحده، ولا أحد سواه ينبغي أن تعبده، فإذا توجه الإنسان إلى غير الخالق فقد ضلَّ سواء السبيل، والخالق وحده هو الذي إذا عبدته سعدت بعبادته، وإذا عبدته نجوت من عذابه، وإذا عبدته أفلحت في حياتك، وفُزت بعد مماتك، ودخلت الجنة وسعدت فيها إلى الأبد، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
في المعنى المألوف اليوم أن الصانع وحده هو الجهة الوحيدة التي يمكن أن تعطي تعليمات التشغيل، فمثلاً لديك آلة، فما الجهة المخوّلة والوحيدة التي لها الحق أن تُصدر تعليمات التشغيل؟ إنه الصانع، فلو أن آلة ثمينة تملكها، واتّبعت في تشغيلها جهةً غير جهة الصانع فقد أفسدتها، وأعطبتها، وأضعفت مردودها وخسرتها، فببساطة بالغة، يقول العقل: لا يعبد إلا الصانع، أي لا يُتبع إلا الصانع، ولا يُطاع إلا الصانع (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ) لماذا؟ ألا يعلم من خلق، فهو عليم خبير حكيم يعرف طبيعة هذه النفس، وما يصلحها وما يفسدها، وما يسعدها وما يشقيها، وما يرفعها وما يخفضها، وما يطمئنها وما يخيفها، إنه هو الخبير، قال الله تعالى:
}إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ{ [فاطر: 14].
أي إنسان واعٍ مَلك جهازاً له قيمته يحرص على سلامته، ويسأل الخبراء المتخصصين دون غيرهم، فقد تشتري سيارة، وتراها ذات مظهر أخّاذ، ولكن تخاف أن يغدر بك البائع، وتسأل قبل شرائها خبيرا، فتقول له: انظر لي هذه السيارة ما قوتها؟ وما طبيعة محركها؟ وما وضعها العام؟ وما سلامة هيكلها؟ إذاً أنت في أمورك التي تتعامل معها يومياً تبحث عن الخبير، وتبحث عن العليم، وربنا عز وجل قال:
(وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)، فمثلاً في الحياة الزوجية، قال الله تعالى:
}يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً{ [الطلاق: 1].
أولاً نهى الرجال عن أن يُخرِجوا زوجاتهم من بيوتهن إذا طُلّقن، ونهى النساء عن أن يخرُجْنَ دون إذن أزواجِهن إذا طلقن طلاقاً رجعياً، لأنه عليم بطبيعة النفس البشرية، فالرجل والمرأة كلاهما ذو ميل فطري نحو صاحبه، والنفس الفائرة قد تهدأ فورتها بعد حين، فإذا ابتعد الزوج عن زوجته، تفاقمت الأمور ودخلت جِهات كثيرة على خط العلاقة الزوجية، وربما أفسدته، فإذا بقيت الزوجة في بيت زوجها فأكبر مشكلة في يومين أو ثلاثة تتضاءل بإذن الله، أما إذا خرجت الزوجة إلى بيت أهلها غاضبة فأصغر مشكلة تغدو كبيرة إذا تناولتها ألسنة كثيرة، فتفسد ما بقي صالحاً، فلذلك هذا قانون وضعه الخبير، والصانع والعليم، والخالق، قال:
}الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً{ [النساء: 34].
فإذا كنت أفضل علماً وخلقاً وورعاً وتقى وقد أنفقت من مالك على زوجتك فلك القوامة، وإذا أردت أن تُفلح في إصلاح ما انخرق بينكما فعُد إلى كتاب الله ففيه الخير والفلاح، لقول الله عز وجل:
}إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً{ [الإسراء: 9].
ففي أي موضوع ... حتى في شأن صحتك، وعلاقتك الخاصة جداً، وكسب رزقك، وفي شأن شيخوختك، عليك بهذا القرآن ففيه الهدى:
يقولون: "من جمع القرآن، متعه الله بعقله حتى يموت".
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وقد استرعى نظري أحد الأطباء وهو يُعالج مريضاً مصاباً بتضيّق شرايين الدماغ، فصار إلى الحركة البطيئة، فقال هذا الطبيب عليكم أن تحدثوه، قلت: وما السر في ذلك؟ قال: إذا حدثتموه اضُطرَ إلى أن يُجيب، فإذا أراد أن يجيب تنشطت خلايا الدماغ وتوسعت الشرايين في الدماغ، قلت: يا سبحان الله: "من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت".
فدماغ المصلي وقارئ القرآن، والعابد لله عز وجل، في نشاط دائم، هل أذّن الظهر؟ وهل دخل الوقت؟ وكم ركعة؟ أول ركعة، الثانية، الثالثة، الأولى مع قراءة، الثالثة بِلا قراءة، فهو في نشاط دائم، فإذا قرأ القرآن هنا إدغام، وهنا، إظهار، وهنا إخفاء، وهنا قلقلة، وهنا مد طبيعي، فالذهن متقد دائماً ليس ذلك فحسب وإنما يهتم بما هو أعمق من ذلك فهو يحاول أن يفَهِمَ معاني الكلمات ومعاني الآيات، فالإنسان إذا قرأ القرآن فهو في نشاط دماغي دائم، إذاً "من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت". قال تعالى:
}قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى{ [طه: 123].
لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه.
}قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{ [البقرة: 38].
لا يندم على ما فات ولا يخشى مما هو آت:
ونحن في الصفحات التالية ندور حول آية واحدة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
فأنت ليسَ لك حق أن تتبع إنساناً بعيداً عن الله عز وجل، إيّاك أن تستشير في أمورك شخصاً بعيداً عن كتاب الله، مقطوعاً عن الله عز وجل، لقوله تعالى:
}وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً{ [الكهف: 28].
}وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ{ [لقمان: 15].
إذاً: الجهة الوحيدة في الكون التي تستحق أن تطيعها، وأن تعبدها هو الخالق جل وعلا، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وقد ذكرت من قبل أن الإنسان إذا تولى جهات أخرى يُصاب بهزات تبعثره، وخيبة أمل تمزقه، وإحباط يدمره، لأن أية جهة أخرى قد لا تعطيك الحقيقة، أو قد تعطيك الحقيقة مزوّرة، أو تنقل إليك فكرة مغلوطة لا يؤكدها الواقع، ولا يخفى على أحد أن طمأنينة المرء وسعادته تكمن في أن يعتقد ما صح نقله، وما قَبِلَهُ العقل، وما أكدّتُه الفطرة، وما أيّده الواقع، واقعٌ ونقل وعقل وفِطرة، هذا هو الحق، فإذا انطلقت في حياتك وفي حركتك اليومية وفي نشاطك من نقل صحيح وعقل راجح ومن واقع موضوعي وفِطرة سليمة، وإذا اجتمعت لديك هذه الخطوط الأربعة في دائرة واحدة فأنت مع الحق، والذي يكون مع الحق لا يخيب ظنه ولا يحبط عمله ولا ينقطع رجاؤه ولن يُفاجأ بحدث لم يكن متوقعاً.
ومن الآيات التي تتحدث عن اسم "الخالق" قول الله عز وجل: }هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { [الحشر: 24].
فكلمة: "الله" عَلَم على الذات، أي: إن الله سبحانه وتعالى هو الذات الموجودة الواحدة الكاملة، وأسماء الله الحسنى على كثرتها تعود إلى أصول ثلاثة، الله موجود، والله واحد، والله كامل .. فالله موجود، والله واحد، واحد في ذاته وواحد في صفاته وواحد في أفعاله، أما وإن الله كامل فأسماؤه كلها حُسنى وصفاته كلها فُضلى، لذلك لا غرابة إذ صاح أحد العارفين "يا رب لا كرب وأنت الرب" فالله موجود، واحد، ليس من جهة ثانية.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
أصعب ما في الحياة أن يتبعثر الإنسان بين جهتين، فيكون له رئيسان، هذا يأمره بكذا، وهذا يأمره بكذا، ولقد حدثني أحد الأصدقاء فقال: معمل يملكه ثلاثة شركاء، والثلاثة إخوة، فالعمال تمزقوا، فهذا الأخ يعطي أمراً ويجب أن يُنفّذ، وذاك الأخ يعطي أمراً آخر ويجب أن يُنفّذ، والأخ الثالث يعطي أمراً ثالثاً قد يتناقض أو قد لا يتسع وقت هذا العامل لتنفيذ الأوامر الثلاثة، فتضطرب الأمور، وقد ذكر الله عز وجل هذا في كتابه الكريم، فقال:
}ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{ [الزمر: 29].
ولماذا يشقى بعض الناس في الحياة؟ لأنهم موزّعون بين جهات عديدة، إذ عليه أن يُرضي زوجته، وأن يُرضي أمه، وأن يُرضي من فوقه في العمل، وأن يُرضي فلاناً الذي يهدده، فهو يتبعثر، لكنَّ المؤمن يُرضي جهة واحدة، وهذه الجهة الواحدة هي القوية، وبيدها كل الجهات، ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله سائر همومه ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك" [ابن ماجه عن ابن مسعود].
اسألوا الأطباء فمعظم الأمراض لها أسباب نفسية، ومعروف عِندَ عامة الناس أن القرحة أساسها أزمات نفسية، وأمراض القلب في معظمها مردها إلى أزمات نفسية، كذلك وهناك أمراض تُصيب الجهاز العصبي أسبابها أزمات نفسية أيضاً، والأمراض النفسية في أصلها مشكلات يعانيها الإنسان، كما أن لدي معلومات حديثة مفادها؛ أن هناك دراسات تؤكد أن معظم الأمراض العضوية لها أسباب نفسية، وحينما يحاول الطب أن يفصل بين الأمراض العضوية والنفسية يقع في ضلال كبير، حتى إن بعض أصدقائي حدثني أنه ذهب إلى بلد غربي لإجراء عملية جراحية في قلبه، فقال: دخلت علي ممرضة ذات مستوى رفيع، نسقت الأزهار في غرفتي، وبينما هي تُنسّقها سألتني: ما مرضك؟ قلت لها: عملية دسام في القلب، قالت: من الذي سيجري لك هذه العملية؟ قلت: فلان، فدهشت، وقالت: فلان؟! قلت: نعم، قالت: فلان قبل أن يجري لك هذه العملية، أجرى عشرة آلاف عملية مماثلة وكلها ناجحة، ولم يخفق في واحدة، قال: والله اطمأننت وارتحت، ما دام هذا الطبيب الذي اخترته ليجري هذه العملية من أمهر الأطباء في هذه البلدة ومن أشهرهم ومن أنجحهم، وقد أجرى عشرة آلاف عملية دون أن يخفق في عملية واحدة، فارتاحت نفسي، لكنه فوجئ وهو يسدد قائمة الحساب، أن القائمة تتضمن مبلغاً كبيراً مقابل رفع معنويات المريض عن طريق هذه الممرضة، وهي ليست ممرضة بل هي عالمة نفس، وظيفتها أن ترفع معنويات المريض، ومن أجل أن تستفيد العضوية من ثقة الإنسان في الشفاء كانت هذه العملية.
وهذا الارتباط الدقيق بين النفس والجسد هو أحدث ما يبحث عنه الطب اليوم، فلماذا كان المؤمن سعيداً؟ لأن علاقته مع جهة واحدة، ولا يحتاج معها إلى حلف يمين، لا يحتاج معها إلى إيصال، ولا إلى شاهد، فالله مُطلّع، على ظاهرك وباطنك وحقيقتك ونياتك ومطامحك، وألخص الأمر كله بالعبارة الدقيقة التالية: الإيمان صحة وعافية، والمؤمن تبدو صحته طيبة، والسبب لأنه موحد قال الله تعالى:
}فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ{ [الشعراء: 213].
جهة واحدة تستحق العبادة، والحب، والإخلاص، وأن تعمل لها، وأن تفني شبابك من أجلِها، وأن تبذل كل عمرك في سبيلها، هي الذات الإلهية، لذلك لما قال ربنا عز وجل:
}وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ{ [المدثر: 56].
أي هو أهل أن تفني شبابك من أجله، وأن تمضي كل حياتك في خدمته، وأن تنفق مالك في سبيله، وأن تبذل كل ما تملكه في رضاه، وألخصها بكلمة واحدة: تضحية صادقة لكنها مجزية.
ولذلك فالإنسان عندما يستهلك نفسه استهلاكاً رخيصا وينحدر إلى خريف العمر وهو قادم على حياة مجهولة، لا يملك من نقدِها شيئاً، وقد أمضى حياته كلها في أشياء لا تنفعه في آخرته، فهو في ضياع؛ فندائي صدى لنداء الله سبحانه: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ".
الجهة الوحيدة التي تستحق الطاعة والعبادة والإخلاص والحب هي الله، فأنا لا أعتقد أن في الأرض رجلين تحابا كسيدنا الصديق وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ماذا قال عليه الصلاة والسلام قال: "لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخي وصاحبي" [رواه البخاري من حديث ابن عباس] قال: "أيها الناس! إنه قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء، وإني أبرأ إلى الله أن يكون فيكم خليل ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا وإن ربي اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا".
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فأقول لكم: سِرُّ السعادة أنك تعمل لوجه واحد، فتُرضي جهةً واحدة وتبحث عن خالق عظيم فتمحضه كل نفسك، قال الله تعالى:
}هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { [الحشر: 24].
فالخالق هو الله، صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، علم على الذات.
وفي آية أخرى قال الله تعالى:
}ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ{ [الأنعام: 102].
فالله سبحانه؛ يحتاجه كل شيء في كل شيء فاعبدوه، فلنلاحظ أن أمر العبادة يأتي في الأعم الأغلب في القرآن الكريم بعد اسم الخالق، (اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ)، (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ).
ومن ثم تطالعنا حقيقة أخرى: هو وحده "الخالق"، قال الله تعالى:
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ{ [فاطر: 3].
عندما تَحاوَرَ سيدنا إبراهيم مع النُمرود قال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت، فرد عليه متنطعاً: أنا أحُيي وأميت قال تعالى:
}أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ [البقرة: 258].
فكان النمرود الغباء كله، والضلال والضياع والكفر.
وحينما تشح الأمطار وتنحبس السماء، أقول لمن حولي: هل في الأرض كلها جهة بإمكانها أن تجتمع، وأن تتخذ القرار بإنزال المطر؟ لا، فليس لأحد حيلة إلا أن يجأر بالدعاء إلى الله عز وجل، والضراعة لاستنزال رحمة الله سبحانه وتعالى، إذاً هو الله الخالق.
(ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).
}أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ{ [يس: 81].
أما صيغة "الخلاّق"، فهي صيغة مبالغة لاسم الفاعل، يعني كثير الخلق وعظيم الخلق، إذ ترى مجرة بُعدُها عنّا ستة عشر ألف مليون كيلو متر، ونجم قلب العقرب، يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، وأربعة أخماس الكرة الأرضية بحر، وبعض أعماقه تزيد على عشرة آلاف متر، إنه شيء مخيف، واصعد إلى بعض الجبال جبال الهمالايا مثلاً، يهولك ارتفاعها. وانظر إلى بعض الحيوانات، فالحوت الأزرق، وزنه مئة وخمسون طناً، ويستخرج منه تسعون برميلاً من زيت السمك، يستخرج من حوت واحد، فيه من اللحم خمسون طناً، ومن الدهن خمسون طناً تقريباً، وأحشاؤُه خمسون طناً، فهل من خالق غير الله؟
(بَلَى وَهُوَ الْخَالقُ الْعَلِيمُ).
غزارة الأمازون، ثلاثمئة ألف متر مكعب في الثانية، يمتد مجرى هذا النهر في البحر بما يزيد على خمسة وثمانين كيلو مترا دون أن تختلط مياهه بمياه المحيط، }هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه{ [لقمان: 11]، ترى محرك ماءٍ بسيطاً يملأ الفضاء صخباً وضجيجاً، وقد يفسد عليك نزهتك، وإذا كنت في مزرعة واحتجت إلى ماء، وأدرت المحرك فإنه يفسد عليك سكون المزرعة وجمال الطبيعة، قال الله تعالى:
}وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ{ [النمل: 88].
كتل السحاب تتحرك محملة بألوف الأطنان، ومع ذلك تمر بلا صوت، بل فيها الهدوء والبشرى، قال الله تعالى:
}وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ{ [الروم: 46].
وقال الله تعالى:
}فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{ [المؤمنون: 14].
وهذه الآية ذات معانٍ كثيرة، فمن بعض معانيها أن الإنسان أحياناً يصنع شيئاً يكون في البداية بسيطاً، لكنه كلما ارتقى علمه وارتقت خبرته يكمُل عمله، وأكبر دليل انظر إلى مركبة صنعت في عام ألف وتسعمئة وإلى مركبة صنعت في عام ألف وتسعمئة وتسعين، فإنه لا يوجد نسبة للمقابلة، الأولى، فانوسان بالأمام ومستودع زيت وسِراج، تفتح باب البلور وتُشعِل الفانوس بالثقاب، من أجل أن ترى طريقك في الليل، والعجلات من دون هواء، والتشغيل من الخارج بالمحرك، وحركة واحدة والمزمار هوائي،؟! هذه صناعة عام ألف وتسعمئة، وبعض نماذجها موجود الآن في المتاحف، وانظر إلى مركبة عام ألف وتسعمئة وتسعين فتفهم شيئاً كثيراً من أن الإنسان ارتقت صناعته وتكاملت أعماله، لضعف خبرته، إذاً فخبرته مكتسبة، لكن انظر إلى خلق الإنسان، فهل هناك إنسان معدّل؟ إنسان نمط تسعين أو ثمانين، هذا، ليس إلا نوع واحد ودون أي تعديل، لأن علم الله قديم وخبرته قديمة، فما من مرة حمل أب ولده من يده فانخلعت يده، فالصنعة متقنة، والأربطة محكمة تماماً تحمل الجسم بالكامل، قال سبحانه:
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فأقول لكم: سِرُّ السعادة أنك تعمل لوجه واحد، فتُرضي جهةً واحدة وتبحث عن خالق عظيم فتمحضه كل نفسك، قال الله تعالى:
}هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { [الحشر: 24].
فالخالق هو الله، صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، علم على الذات.
وفي آية أخرى قال الله تعالى:
}ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ{ [الأنعام: 102].
فالله سبحانه؛ يحتاجه كل شيء في كل شيء فاعبدوه، فلنلاحظ أن أمر العبادة يأتي في الأعم الأغلب في القرآن الكريم بعد اسم الخالق، (اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ)، (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ).
ومن ثم تطالعنا حقيقة أخرى: هو وحده "الخالق"، قال الله تعالى:
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ{ [فاطر: 3].
عندما تَحاوَرَ سيدنا إبراهيم مع النُمرود قال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت، فرد عليه متنطعاً: أنا أحُيي وأميت قال تعالى:
}أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ [البقرة: 258].
فكان النمرود الغباء كله، والضلال والضياع والكفر.
وحينما تشح الأمطار وتنحبس السماء، أقول لمن حولي: هل في الأرض كلها جهة بإمكانها أن تجتمع، وأن تتخذ القرار بإنزال المطر؟ لا، فليس لأحد حيلة إلا أن يجأر بالدعاء إلى الله عز وجل، والضراعة لاستنزال رحمة الله سبحانه وتعالى، إذاً هو الله الخالق.
(ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).
}أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ{ [يس: 81].
أما صيغة "الخلاّق"، فهي صيغة مبالغة لاسم الفاعل، يعني كثير الخلق وعظيم الخلق، إذ ترى مجرة بُعدُها عنّا ستة عشر ألف مليون كيلو متر، ونجم قلب العقرب، يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، وأربعة أخماس الكرة الأرضية بحر، وبعض أعماقه تزيد على عشرة آلاف متر، إنه شيء مخيف، واصعد إلى بعض الجبال جبال الهمالايا مثلاً، يهولك ارتفاعها. وانظر إلى بعض الحيوانات، فالحوت الأزرق، وزنه مئة وخمسون طناً، ويستخرج منه تسعون برميلاً من زيت السمك، يستخرج من حوت واحد، فيه من اللحم خمسون طناً، ومن الدهن خمسون طناً تقريباً، وأحشاؤُه خمسون طناً، فهل من خالق غير الله؟
(بَلَى وَهُوَ الْخَالقُ الْعَلِيمُ).
غزارة الأمازون، ثلاثمئة ألف متر مكعب في الثانية، يمتد مجرى هذا النهر في البحر بما يزيد على خمسة وثمانين كيلو مترا دون أن تختلط مياهه بمياه المحيط، }هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه{ [لقمان: 11]، ترى محرك ماءٍ بسيطاً يملأ الفضاء صخباً وضجيجاً، وقد يفسد عليك نزهتك، وإذا كنت في مزرعة واحتجت إلى ماء، وأدرت المحرك فإنه يفسد عليك سكون المزرعة وجمال الطبيعة، قال الله تعالى:
}وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ{ [النمل: 88].
كتل السحاب تتحرك محملة بألوف الأطنان، ومع ذلك تمر بلا صوت، بل فيها الهدوء والبشرى، قال الله تعالى:
}وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ{ [الروم: 46].
وقال الله تعالى:
}فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{ [المؤمنون: 14].
وهذه الآية ذات معانٍ كثيرة، فمن بعض معانيها أن الإنسان أحياناً يصنع شيئاً يكون في البداية بسيطاً، لكنه كلما ارتقى علمه وارتقت خبرته يكمُل عمله، وأكبر دليل انظر إلى مركبة صنعت في عام ألف وتسعمئة وإلى مركبة صنعت في عام ألف وتسعمئة وتسعين، فإنه لا يوجد نسبة للمقابلة، الأولى، فانوسان بالأمام ومستودع زيت وسِراج، تفتح باب البلور وتُشعِل الفانوس بالثقاب، من أجل أن ترى طريقك في الليل، والعجلات من دون هواء، والتشغيل من الخارج بالمحرك، وحركة واحدة والمزمار هوائي،؟! هذه صناعة عام ألف وتسعمئة، وبعض نماذجها موجود الآن في المتاحف، وانظر إلى مركبة عام ألف وتسعمئة وتسعين فتفهم شيئاً كثيراً من أن الإنسان ارتقت صناعته وتكاملت أعماله، لضعف خبرته، إذاً فخبرته مكتسبة، لكن انظر إلى خلق الإنسان، فهل هناك إنسان معدّل؟ إنسان نمط تسعين أو ثمانين، هذا، ليس إلا نوع واحد ودون أي تعديل، لأن علم الله قديم وخبرته قديمة، فما من مرة حمل أب ولده من يده فانخلعت يده، فالصنعة متقنة، والأربطة محكمة تماماً تحمل الجسم بالكامل، قال سبحانه:
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى