صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
:ثث:
:124:
الحمد لله رب العالمين، مع اسم "الخالق"، بادئ ذي بدء يقول الله عز وجل:
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [البقرة: 21].
يُفهم من هذه الآية أن الخالق وحده، ولا أحد سواه ينبغي أن تعبده، فإذا توجه الإنسان إلى غير الخالق فقد ضلَّ سواء السبيل، والخالق وحده هو الذي إذا عبدته سعدت بعبادته، وإذا عبدته نجوت من عذابه، وإذا عبدته أفلحت في حياتك، وفُزت بعد مماتك، ودخلت الجنة وسعدت فيها إلى الأبد، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
في المعنى المألوف اليوم أن الصانع وحده هو الجهة الوحيدة التي يمكن أن تعطي تعليمات التشغيل، فمثلاً لديك آلة، فما الجهة المخوّلة والوحيدة التي لها الحق أن تُصدر تعليمات التشغيل؟ إنه الصانع، فلو أن آلة ثمينة تملكها، واتّبعت في تشغيلها جهةً غير جهة الصانع فقد أفسدتها، وأعطبتها، وأضعفت مردودها وخسرتها، فببساطة بالغة، يقول العقل: لا يعبد إلا الصانع، أي لا يُتبع إلا الصانع، ولا يُطاع إلا الصانع (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ) لماذا؟ ألا يعلم من خلق، فهو عليم خبير حكيم يعرف طبيعة هذه النفس، وما يصلحها وما يفسدها، وما يسعدها وما يشقيها، وما يرفعها وما يخفضها، وما يطمئنها وما يخيفها، إنه هو الخبير، قال الله تعالى:
}إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ{ [فاطر: 14].
أي إنسان واعٍ مَلك جهازاً له قيمته يحرص على سلامته، ويسأل الخبراء المتخصصين دون غيرهم، فقد تشتري سيارة، وتراها ذات مظهر أخّاذ، ولكن تخاف أن يغدر بك البائع، وتسأل قبل شرائها خبيرا، فتقول له: انظر لي هذه السيارة ما قوتها؟ وما طبيعة محركها؟ وما وضعها العام؟ وما سلامة هيكلها؟ إذاً أنت في أمورك التي تتعامل معها يومياً تبحث عن الخبير، وتبحث عن العليم، وربنا عز وجل قال:
(وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)، فمثلاً في الحياة الزوجية، قال الله تعالى:
}يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً{ [الطلاق: 1].
أولاً نهى الرجال عن أن يُخرِجوا زوجاتهم من بيوتهن إذا طُلّقن، ونهى النساء عن أن يخرُجْنَ دون إذن أزواجِهن إذا طلقن طلاقاً رجعياً، لأنه عليم بطبيعة النفس البشرية، فالرجل والمرأة كلاهما ذو ميل فطري نحو صاحبه، والنفس الفائرة قد تهدأ فورتها بعد حين، فإذا ابتعد الزوج عن زوجته، تفاقمت الأمور ودخلت جِهات كثيرة على خط العلاقة الزوجية، وربما أفسدته، فإذا بقيت الزوجة في بيت زوجها فأكبر مشكلة في يومين أو ثلاثة تتضاءل بإذن الله، أما إذا خرجت الزوجة إلى بيت أهلها غاضبة فأصغر مشكلة تغدو كبيرة إذا تناولتها ألسنة كثيرة، فتفسد ما بقي صالحاً، فلذلك هذا قانون وضعه الخبير، والصانع والعليم، والخالق، قال:
}الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً{ [النساء: 34].
فإذا كنت أفضل علماً وخلقاً وورعاً وتقى وقد أنفقت من مالك على زوجتك فلك القوامة، وإذا أردت أن تُفلح في إصلاح ما انخرق بينكما فعُد إلى كتاب الله ففيه الخير والفلاح، لقول الله عز وجل:
}إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً{ [الإسراء: 9].
ففي أي موضوع ... حتى في شأن صحتك، وعلاقتك الخاصة جداً، وكسب رزقك، وفي شأن شيخوختك، عليك بهذا القرآن ففيه الهدى:
يقولون: "من جمع القرآن، متعه الله بعقله حتى يموت".
:124:
الحمد لله رب العالمين، مع اسم "الخالق"، بادئ ذي بدء يقول الله عز وجل:
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [البقرة: 21].
يُفهم من هذه الآية أن الخالق وحده، ولا أحد سواه ينبغي أن تعبده، فإذا توجه الإنسان إلى غير الخالق فقد ضلَّ سواء السبيل، والخالق وحده هو الذي إذا عبدته سعدت بعبادته، وإذا عبدته نجوت من عذابه، وإذا عبدته أفلحت في حياتك، وفُزت بعد مماتك، ودخلت الجنة وسعدت فيها إلى الأبد، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
في المعنى المألوف اليوم أن الصانع وحده هو الجهة الوحيدة التي يمكن أن تعطي تعليمات التشغيل، فمثلاً لديك آلة، فما الجهة المخوّلة والوحيدة التي لها الحق أن تُصدر تعليمات التشغيل؟ إنه الصانع، فلو أن آلة ثمينة تملكها، واتّبعت في تشغيلها جهةً غير جهة الصانع فقد أفسدتها، وأعطبتها، وأضعفت مردودها وخسرتها، فببساطة بالغة، يقول العقل: لا يعبد إلا الصانع، أي لا يُتبع إلا الصانع، ولا يُطاع إلا الصانع (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ) لماذا؟ ألا يعلم من خلق، فهو عليم خبير حكيم يعرف طبيعة هذه النفس، وما يصلحها وما يفسدها، وما يسعدها وما يشقيها، وما يرفعها وما يخفضها، وما يطمئنها وما يخيفها، إنه هو الخبير، قال الله تعالى:
}إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ{ [فاطر: 14].
أي إنسان واعٍ مَلك جهازاً له قيمته يحرص على سلامته، ويسأل الخبراء المتخصصين دون غيرهم، فقد تشتري سيارة، وتراها ذات مظهر أخّاذ، ولكن تخاف أن يغدر بك البائع، وتسأل قبل شرائها خبيرا، فتقول له: انظر لي هذه السيارة ما قوتها؟ وما طبيعة محركها؟ وما وضعها العام؟ وما سلامة هيكلها؟ إذاً أنت في أمورك التي تتعامل معها يومياً تبحث عن الخبير، وتبحث عن العليم، وربنا عز وجل قال:
(وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)، فمثلاً في الحياة الزوجية، قال الله تعالى:
}يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً{ [الطلاق: 1].
أولاً نهى الرجال عن أن يُخرِجوا زوجاتهم من بيوتهن إذا طُلّقن، ونهى النساء عن أن يخرُجْنَ دون إذن أزواجِهن إذا طلقن طلاقاً رجعياً، لأنه عليم بطبيعة النفس البشرية، فالرجل والمرأة كلاهما ذو ميل فطري نحو صاحبه، والنفس الفائرة قد تهدأ فورتها بعد حين، فإذا ابتعد الزوج عن زوجته، تفاقمت الأمور ودخلت جِهات كثيرة على خط العلاقة الزوجية، وربما أفسدته، فإذا بقيت الزوجة في بيت زوجها فأكبر مشكلة في يومين أو ثلاثة تتضاءل بإذن الله، أما إذا خرجت الزوجة إلى بيت أهلها غاضبة فأصغر مشكلة تغدو كبيرة إذا تناولتها ألسنة كثيرة، فتفسد ما بقي صالحاً، فلذلك هذا قانون وضعه الخبير، والصانع والعليم، والخالق، قال:
}الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً{ [النساء: 34].
فإذا كنت أفضل علماً وخلقاً وورعاً وتقى وقد أنفقت من مالك على زوجتك فلك القوامة، وإذا أردت أن تُفلح في إصلاح ما انخرق بينكما فعُد إلى كتاب الله ففيه الخير والفلاح، لقول الله عز وجل:
}إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً{ [الإسراء: 9].
ففي أي موضوع ... حتى في شأن صحتك، وعلاقتك الخاصة جداً، وكسب رزقك، وفي شأن شيخوختك، عليك بهذا القرآن ففيه الهدى:
يقولون: "من جمع القرآن، متعه الله بعقله حتى يموت".
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ{ [لقمان: 11].
}بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ{ [يس: 81].
(فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) فإذا كنت تريد أن تعمل موازنة بينَ ما يصنعه الإنسان وبين صنعة الواحد الديّان فإنك ترى فرقاً كبيراً، فأنجح طبيب أسنان إذا أراد أن يقلع لطفل سناً فلا بد من إبرة تخدير باللثة، ويبكي ويشتم الطفل ويتمرد، وأبوه يهدئه، أما عندما يقلع الله ضرساً لطفل صغير كيف يقلعه؟ يسقط مع الأكل، فقد ذاب جذر السن شيئاً فشيئاً، وانقطع العصب، (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) اعمل موازنة، ولترَ الأشياء بحجمها الحقيقي، فآلة التصوير تحتاج إلى تحميض فيلم، يُقال لك غداً، ونظرك الأشياء لا يحتاج إلى تحميض، تنظر فتشاهد حالاً بالألوان وبالحجم الطبيعي مع الحركات، صوراً متحركة ملونة! فأنت إذا نظرت بالعين المجرّدة، رأيت مئة إنسان أمامك دفعة واحدة، وكل إنسان له لون عندك، ولكنك إن صورت في فيلم مئة رجل تقريباً فإنهم يظهرون بلون واحد، فالعين المجردة تفرق بين درجتين من ثمانمئة ألف درجة باللون الواحد، فلو درَّجنا اللون الأخضر ثمانمئة ألف درجة وجدنا العين السليمة تفرق بين كل درجتين.
إذاً: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، وازن بين آلة التصوير والعين، تر فرقاً كبيراً جداً، فمتى أُخذت المسافة والسرعة والفتحة؟ هناك فتحة وسُرعة ومسافة، فعينك بشكل عفوي وبشكل آلي تقيس المسافة، والعضلات الهدبية تضغط على الجسم البلوري ضغطاً بحيث يتقوَّس تقوَّساً يجعل الخيال على الشبكية، هذه المطابقة، وهي من أعقد العمليات في العين، فكل إنسان ينظر إلى شيء دون ستة أمتار يحتاج إلى مطابقة، فالمطابقة؛ أن هذا الشيء لو اتجه نوره إلى العدسة لوقع الخيال إما بعد الشبكية أو قبلها، فحتى يقع خيال ظلِ الشيء على الشبكية لا بد من أن نعدل احديداب الجسم البلوري إما ضغطاً أو بسطاً، فهذه العضلات الهدبية فيها علم كبير جداً تُرى كم ميكروناً تضغط حتى يقع الخيال على الشبكية؟ أعتقد أن عملية مطابقة العين من أعقد العمليات في جسم الإنسان، (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
}إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ [الأعراف: 54].
طائرة تُباع من مصنع لدولة ما، فالمصنع لا علاقة له بحركة الطائرة، ها هي ذي تقصف مدينة، وتنقض على قرية، والمعمل باعها وانتهى أمره ولا علاقة له بها، لكن ربنا عز وجل ما من شيء خلقه إلا وأمرُه بيده، قال سبحانه: (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
والحقيقة أن القرآن الكريم كتاب العمر، وهو الكتاب المقرر، وأنا أتمنى على القرّاء الكرام إذا قرؤوا القرآن ومرت بهم كلمة الخلق فليبحثوا عن العلاقة بينها وبين ما قبلها وما بعدها، على جناح السرعة.
(هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ) خالق الكون هو الله رب العالمين، علم على الذات، صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، خالق كل شيء، أي لا خالق آخر خلق أي شيء، هو خالق كل شيء فاعبدوه، هذا المعنى الإيجابي، أما المعنى السلبي، (هل من خالق غير الله)، (بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ)، يعني خلق الجبال وخلق المجرات، أي: إمّا كثرة الخلق عدداً، وإمّا عظمة الخلق نوعاً، وهذا معنى الخلاّق.
(فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، يعني عليك إجراء موازنة بينَ ما يصنعه الإنسان وما يصنعه الواحد الديّان.
(أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) مما يُطمئن الإنسان أن الذي يخلقه الله عز وجل يبقى رهن أمره، فأنت اطمئن أن كل من حولك وما حولك بيد الله عز وجل.
ومن ثم ندخل في بعض التفاصيل، ولنبدأ في تفسير كلمة الخلق، الخلق في اللغة جاءت بمعنى الإيجاد والإبداع والإخراج من العدم إلى الوجود.
الآية الأولى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) هذه الآية تشير إلى خالقين، وثَبُتَ بالدلائل العقلية والسمعية أنه لا مُوجِدَ إلا الله تعالى، فوَجَبَ حملُ الخلق في هذه الآية على "التقدير"، أما أنت فتصنع من خشب ومن جلد مقعداً، فتكون قد قدرت كمية الخشب ونوعه وجودته ونوع الجلد ومتانته ولونه، ونسَّقت بينهما على شكل كُرسي، فأنت حينما صنعت هذا الكرسي لم توجده من عدم، ولكن صنعته من مواد موجودة، (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) هذا مما تقتضيه هذه الآية.
والآية الثانية (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فالتراب موجود قبل الخلق، والخلق هو "التقدير"، أي قدّر كمية تراب معينة بنوعيتها وخصائصها وطريقتها، وأسلوبها معين، فهُنا من خلال آيات كثيرة جداً يأتي الخلق بمعنى التقدير.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فالآية الأولى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، والآية الثانية: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ومعلوم أن المُراد من قوله (كُنْ فَيَكُونُ) هو الإيجاد من العدم، إذاً: خلقه من تراب ثم قال له: كن فيكون، إذاً الإيجاد من العدم شيء والخلق شيء آخر.
بل إنَّ بعض العُلماء يُفسّر قوله تعالى: (لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) أي خلق: قدر، ثم أمر: كن فيكون يعني أوجد من عدم.
والآية الثالثة على أن الخلق هو "التقدير"، فهناك سبب، لأن الله عز وجل يقول (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
الخالق، ولله المثل الأعلى ولكن للتقريب، مهندس صمم بناء على الورق، وعلمه كله وضعه في هذه الخريطة، الخريطة تضم: خريطة الأساسات، فالطابق الأول والطابق الثاني والدعائم الأسمنتية، والشُرُفات وكله على الورق، فالخلق تقديرٌ (الْخَالِقُ الْبَارِئُ)، أما البارئ فهو الموجد من عدم، كن فيكون، والآن جاء دور المتعهد فحفر الأساسات وصبها خرسانة، وأشاد الطابق الأول فوضع الأسمنت السائل فوق الحديد المسلّح إلى أن قام البناء، فالخلق هو التقدير، والبارئ هو الذي أوجد من عدم.
لكن البناء على الهيكل منظره قبيح جداً، فلا بد من عمل آخر وهو إعطاء هذا البناء الشكل المقبول، فجاء دور الطيان ثم البلاط، وأتى دور عامل الكهرباء وزيّن الشرفات، والجدران من الداخل والخارج، فصار البناء جميلاً جداً، فبين أن تضع العلم كله في أصل البناء، ثم أن تبنيه وتعطيه صورةً محببة، وهذا هو تفسير قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ)، المصوِّر إعطاء الصورة الخارجية، فالذي عنده أطلس تشريح، يرى فيه إنساناً كله عضلات، وهو منظر مخيف، فعضلات الوجه بالعشرات، ويرى إنساناً كله أعصاب، وآخر كله أوعية، وهناك صورة هيكل عظمي، وانظر إلى الإنسان في آخر وضع بعد كسوته بالجلد تجده جميلاً، وانزع الجلد عنه فهناك المنظر المخيف، فربنا أعطاه صورة جميلة، (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ).
وإن شاء الله تعالى لنا عودة أخرى لهذا الموضوع لأنه متعلق بالخالق البارئ المصور، وبشكل موجز فالخالق هو المُقدر، والبارئ هو الذي يوجد من عدم، والمصور هو الذي يعطي الصورة المناسبة لكل مخلوق، فهذا الإنسان خلق بعلم، فالقلب والعظام كلها خلقت علم، وبعد العلم هناك إيجاد، وبعد الإيجاد هناك صورة أعطاها الله هذا المخلوق كالبناء تماماً، وكجواب على سؤال يفرض نفسه وهو: ما الفرق بين خلق وفطر؟
فأقول موضحاً: إن الفرق بين الخلق والفطر: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) فالحال واضح كثيراً، لاحظ الطفلة الصغيرة ما الذي تفعله؟ دع بُنْية جسمها وأعضائها وأنسجتها وأشكالها وخطوطها، فلها بُنْية خاصة، وميول خاصّة، دعني أطلق عليها البُنية النفسية، فهي تميل إلى تربية الأولاد، فقد تضع وسادة على يدها وتربت عليها، أما الطفل فقد يركب قضيباً يتخذه كحصان يعدو به، فلماذا اختار الطفل لعبة الحصان؟ واختارت الفتاة مخدة (وسادة) جعلت منها رمزاً لوليد على يدها، يعني البُنى النفسية هي الفِطْرَةُ.
ترى الإنسان أنه يخاف:
}إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً{ [المعارج: 19-21].
}وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً{ [الإسراء: 11].
}خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ{ [الأنبياء: 37].
}يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً{ [النساء: 28].
البُنى النفسية، يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
هذه بنية نفسية، وبُنى جمع بنية، وللبنية النفسية خصائص، فالغنمة لها خصائص بجسمها وعضلاتها وجلدها وصوفها، وهذه البنية الجسمية. ولها خصائص بنفسيتها، يقال "مثل الغنمة" أي: مطواعة، مذللة، قال الله تعالى:
}وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ{ [يس: 72].
فأنت ترى أنها تنساق مع صاحبها إلى حيث يريد وكيفما يريد، وطبيعة الغنم أنها تجتمع بعضها مع بعض فلا يستطيع راعٍ أن يجمع خمسين كلباً بعضهم مع بعض فكل واحد في جهة، أما قطيع الغنم فيجتمعون، هذه بُنى نفسية، انظر إلى البقرة، وانظر إلى الجمل، يقال لك الجمل حقود، والحصان وفي، فخصائص نفس المخلوق من الفطرة، أما خصائص جسمه فمن الخَلْق، أعود فأكرر: إن الشيء المتعلّق بجسمه وبأعضائه وبتشريحه وبوظائفه هذا متعلق بالخلق، وأما الذي يتعلق بخصائص نفسيته فهذا من الفطرة لذلك قال تعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، فالثعلب ماكر، والجمل حقود، وهكذا كل حيوان له خصائصه، وهناك حيوانات أهلية وحيوانات متوحشة، وحيوانات مفترسة، وحيوانات وديعة، وربنا قال (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ).
والخلاصة إذاً: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) فهذا يبرز أن الله سبحانه أعطى كل مخلوق خصائص نفسية في التعامل مع الآخرين، وأما الخلق فيبرز الخصائص المادية التي جعلها لكل مخلوق، والخلق تقدير، والبَرءُ هو الإيجاد من عدم، والتصوير هو إعطاء الشيء الصورةً التي أرادها الله –سبحانه- له.
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى