صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
:ثث:
:124:
}لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{ [إبراهيم: 7].
:124:
}لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{ [إبراهيم: 7].
والاسم هو اسم "الشكور".
الحقيقة أن تعرف أن الله خلق السماوات والأرض وكفى فأنت إذاً ما عرفته، لأن الإيمان بوجود الله يكاد يكون قاسماً مشتركاً بين الناس كلهم جميعاً يعني:
}وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{ [لقمان: 25].
حتى الذين عبدوا الأصنام قالوا: }وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ{ [الزُمر: 3].
إذا أقررت بوجود الله عزّ وجل، فأنت لم ترتفع عن أي مستوى من مستويات الناس العاديين، ولكن معرفة الله تقتضي أن تعرف أسماءه وما من معرفة لها علاقة وشيجة بحياتك الدنيا وبمآلك إلى الآخرة كمعرفة أسمائه الحسنى، فكلما ازددت معرفة به ازددت حباً له، وازددت استقامة على أمره، وازددت عملاً صالحاً تتقرب إليه، وازدادت سعادتك في الآخرة.
إذاً شيء في غاية الأهمية أن تتعرف إلى الله من خلال أسمائه الحسنى، اسم الشكور ثابت بالقرآن الكريم، قال تعالى:
}وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ{ [فاطر: 34].
وفي سورة الإسراء يقول الله سبحانه وتعالى:
}وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً{ [الإسراء: 19].
مشكور: اسم مفعول، من الشاكر؟ هو الله عز وجل.
وفي آية ثالثة في سورة النساء يقول عز وجل:
}وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً{ [النساء: 147].
إذاً شكور وشاكر ومشكور، الفعل المشكور هو فعل العبد، والله سبحانه وتعالى شاكر وشكور، وبعد فما تعني كلمة "شَكَرَ" في اللغة؟
الشكور مبالغة من شكر، ودائماً صيغ المبالغة إذا اقترنت بأسماء الله الحسنى فتعني إما عدد الشُكر أو حجم الشُكر، أما حجم الشُكر؛ فأنت قد تعيش في الدنيا لسنوات معدودات، سنوات قد تزيد على الستين سنة أو السبعين، فإذا أطعته في هذه السنوات المعدودات يَهَبُك حياةً أبدية لا تنقضي، وكلمة (أبد) هذه كلمة قد لا ننتبه إلى معناها، وها أنا ذا أُخاطب الإخوة الرياضين، الذين يدرسون الرياضيات، لو أن "واحداً" في دمشق ووضعنا أصفاراً وبين كل صفرين ميلمتر، وتابعنا الأصفار إلى حمص إلى حماة إلى حلب إلى أنقرة إلى موسكو إلى القطب الشمالي إلى المحيط الهادي إلى القطب الجنوبي إلى إفريقية إلى إلى .... حتى عادت هذه الأصفار حول الأرض إلى أن استقرت على شمال "الواحد"، هذا الرقم كم هو؟ هذا الرقم "واحد" في دمشق والأصفار حول الأرض، لو وُضِعَ هذا الرقم صورة لِكسر عادي، وفي مخرج الكسر إشارة اللانهاية، هذا الرقم يساوي صفراً في الرياضيات، يعني: أي رقم مهما بدا لك كبيراً إذا قيسَ إلى اللانهاية فهو صفر، فأنت إذا عِشت في الدنيا سنوات معدودات، وفي هذه السنوات المعدودات أطعت الله عز وجل، ونهيت نفسك عن الهوى، وضبطت جوارحك، وحررت دخلك، وتعرّفت إلى الله، وجلست في مجالس العلم، وتلوت القرآن وفهمت القرآن، ودعوت إلى الله، وأنفقت من مالك ومن جاهك ومن علمك وجاء الأجل، إذا قِستَ هذه السنوات المعدودة إلى الحياة الأبدية فأنت ما فعلت شيئاً، فمعنى "شكور" أنه يعطيك على الشيء القليل الشيء الكثير.
أيعقل أن تدفع ربع ليرة سورية، لتشتري بها محال شارع الحمراء في دمشق على الطرفين؟ الطوابق والمخازن والمستودعات، والحريقة وطريق الصالحية والبحصة وحمراء بيروت، وشارع بيكاديلي بلندن، وشارع كذا بفرنسا، هل من الممكن شراؤها بربع ليرة؟ أؤكد لكم أن كل عمل الإنسان إذا قيسَ بما أعدَّ الله له من نعيمٍ مُقيم، والله إنه أقلّ من هذه النسبة.
انظر في هذه الشركات الكبرى في العالم، فقد سمعت عن شركة قالوا: عندها فائض هم في حيرة من توظيفه، مليار دولار، فائض ليس له وظيفة يوظف بها، هناك شركات كبرى في العالم ميزانياتها وأرباحها بِقَدَر ميزانيات مجموعة دول، هذه الشركة هل تُشتَرى بليرة؟ ها أنا ذا أقول ودون أن أبالغ: إن ما أعدَه الله للمؤمن من نعيمٍ مُقيم نظير ما يُقدمه من طاعةٍ لله في الدنيا، كالنسبة بين ما قدّم وما سيأخذ، وهي لا تتعدى أن تكون كمن يشتري إحدى أكبر الشركات في العالم بليرة سورية.
هذا معنى "الشكور"، صيغة مبالغة لاسم الفاعل، عندنا "شاكر" وعندنا "شكور" صيغة المبالغة أنه يعطي اللانهاية، يعطي الأبد.
مرةً سمعت أن بعض القضاة في بلد معين ليس لهم رواتب، بل لديهم شيكات مفتوحة، أي مبلغ يريده القاضي يأخذه، لو طلب مبلغاً فلكياً يأخذه فوراً، معنى "الشكور" إذاً، أنه يعطي الشيء الذي لا نهاية له، الذي لا حدود له عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". [صحيح البخاري]
الحقيقة أن هذا الكلام نقرؤه ونردده كثيراً، ولكن لو وقفنا عند مدلول هذه الكلمة، كل واحد منا له دائرة مشاهدات، فأنت مثلاً إلى أين ذهبت؟ تقول: ذهبت إلى لبنان وإلى الأردن، وذهبت إلى الحج، وذهبت إلى مصر وإلى قبرص، فقط؟ أجل، فقط.
وقد تجد شخصاً يعرف أمريكا، يعرف اليابان، يعرف روسيا يعرف إفريقية، وشخص آخر يعرف جنوب شرقي آسيا أيضاً، وتجد آخر ذهب إلى أستراليا، وغير أولئك من ذهب إلى القمر.
على كلٍ دائرة المشاهدات إذا قيست بدائرة المسموعات لا شيء، سمعت بالمريخ ولكن لم تذهب إليه، وسمعت بالمشتري وسمعت بنجم القطب، وسمعت بآلاسكا، وسمعت بسيبيريا وسمعت بالقطب الشمالي، دائرة المشاهدات إذا قيست بدائرة المسموعات فهي لا شيء، أما دائرة الخواطر قد يخطر ببالك جبل طوله من هنا إلى الشمس، هذا خاطر، ما دام الخاطر ليس له واقع فالقضية سهلة، قد يخطر ببالك إنسان إذا وقف على الأرض اقترب من القمر، طوله ثلاثمئة ألف كيلو متر، هذا خاطر.
فعندما حدثنا النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه في الحديث القدسي قال: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، هذا معنى "الشكور"، نظير ثلاث وستين سنة عشتها، انقضى خُمُسُهما حتى أصبحت مكلّفاً، يعني هذه السنوات المعدودة كل يوم خمس صلوات كلما رأت عينك امرأةً غضضت البصر عنها، وكلما لاح لك مبلغ من شُبُهة قلت معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين، يعني مجموعة صلوات ومجموعة أيام صمتها، ومجموعة مواقف خِفت فيها من الله عز وجل، فاستحققت هذا العطاء الكبير. وربنا عز وجل قال:
}وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً{ [الإنسان: 20].
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
أحدهم قال لي: كنت ببلد أجنبي ودعانا، مدير الشركة إلى قصره، فدهشنا** إذ رأينا ما يفتن العقل والنظر، دخلنا في غابة بقيت السيارة منطلقة ربع ساعة في هذه الغابة المحيطة بقصره، في حين يحتاج المرء في بلدان كثيرة إلى بيت مساحته مئة متر، يأوي إليه، في حين أن الغابة مساحتها مئات الكيلو مترات، غابة صنوبر وبالمنتصف قصر كبير، بل ملك كبير، قصر وحوله حديقة مترامية، غابة صنوبر، فربنا عز وجل قال: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا).
الله سمى ما أعد لك في الجنة ملكاً كبيراً، هذا معنى "الشكور"، شيء لا يُقدّر بثمن، مقابل شيءٍ قليل جداً قدمته نلت به شيئاً كثيراً.
والمعنى الآخر لكلمة "شكور" هو المعنى العددي، يعني لا يمكن أن تقدم شيئاً لله عز وجل إلا ويشكرك عليه.
حينما علم أبو لهب بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام أعتق ثويبة، فقيل: إنه يخفف عنه العذاب كل يوم اثنين، وأنه أعتق هذه الجارية فرحاً بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام، كل شيء محفوظ عند الله سبحانه ولو أنقذت نملة، قال تعالى:
}مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً{ [النساء: 147].
قد تخدم شخصاً، الخدمة لا يمكن أن يشكرك عليها إلا إذا عرفها، مثلاً، كأن تزور مريضاً، فتحمل هدية وتتوجه إليه، في مدخل البيت أخذها منك ابنه، ولم يبلغه، ثم جلست عند المريض فهل يعقل أن يشكرك هذا المريض بقوله: (فضلت، شكراً) لا. طبعاً إنه لم يدر بالهدية، فكيف يشكر وهو لا يعلم، لذلك ربنا عز وجل: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) فهو يعلم، يعلم أي عمل مهما بدا صغيراً، لو أنقذت فراشةً، لو رحمت إنساناً، لو أمّنت إنساناً خائفاً، أو هدأت من روع إنسان خائف، لو طمأنت إنساناً، لو أطعمت إنساناً جائعاً، كل شيءٍ محفوظ عِنَدَ الله، فكلمة "شكور" إما لحجم "الشُكر" وإما لعدد مرات الشُكر، وهي مبالغة اسم فاعل.
قال العلماء: معنى "الشكور"، في اللغة: الشُكر في الأصل الزيادة، فلان شكير أي عياله صغار، وشكير الشجر ما نبت في أصلها من القضبان الصغار، وناقة شكيرة وشَكْرى إذا كانت ممتلئة الضرع، وشكرت الأرض إذا كثر النبات فيها، ودابة شكور إذا أظهرت من السمن فوق ما تُعطى من العلف، وكل نبت يكتفي بالماء القليل فهو شكور، هذا ما ورد في كتب اللغة عن كلمة شكور.
أما الشكر في حق العباد فله طريقان، ويمكن أن نضيف لهما طريقاً ثالثة، شكر باللسان، وشكر بالعمل، ونقول: لن يكون الشكر لا باللِسان ولا بالعمل إلا إذا عرفت النعمة، أساس الشُكر المعرفة، إذاً أنت تعرف ثم تشكر، لا تشكر ما لم تعرف.
فشكر العمل، مثلاً: هناك شخص قدم لك بيتاً، فهو إذاً قدّمَ لكَ شيئاً ثميناً، أو كُنتَ واقعاً في ورطٍة كبيرة فأنقذك منها، ثم رأيت ابنه في الطريق، فإذا قدمت لهذا الصغير قطعة حلوى فهذه الحلوى في الحقيقة شُكر لوالده، فأنت عبّرت عن امتنانك من أبيه بإكرام ابنه، هذا بشكل مبسط.
لذلك فالمؤمن إذا أسدى للعباد خدمات، أو إذا رحم العباد أو أكرمهم، طمأنهم، أطعمهم، أسقاهم، كساهم، رحمهم، حينما تُسدي معروفاً إلى مخلوق كائناً من كان، لِقطة، لجروٍ صغير، فقد ترى حيواناً قد مرض وتأخذه إلى مشفى بيطري أو إلى طبيب بيطري، فإذا أردت الحقيقة فهذا هو عين الشُكر، لأنك تُعبّر عن شُكرِكَ لله عز وجل وعن امتنانك له بخدمة مخلوقاته، وإذا أردت أن تعرف سِر العمل الصالح في الدنيا ولماذا المؤمن يعمل الأعمال الصالحة، ليس لها تفسير إلا أنها تعبير عن شُكر العبد لله عز وجل من خلال خدمة عباده، إذا نصحت زبائنك نصيحةً صادقة، فهذا شُكر منك لله، إذا رحمت الناس، إذا عطفت عليهم، إذا أنصفتهم، إذا خففت من مآسيهم، إذا مسحت جراحهم، إذا أمنتهم من خوفهم، إذا قدمت لهم المعونة، إذا فعلت أي عمل صالح هو في الحقيقة تعبير عن امتنانك لله عز وجل من خلال عباده، ومألوف عند الناس على نحو واضح جداً أن تكرمَ الأب من خلال إكرام الابن، إذا رأيت رجلاً تحبه يصحبه ابنه فيمكنك كحد أدنى أن ترحب بالابن، كيف أنت يا عم؟ ما اسمك؟ بأي صف؟ وإذا معك قطعة سُكر أعطيته إياها، وإذا وجدت لديك قلماً ثميناً، وهذا الإنسان له فضل عليك أعطيته القلم، وهذا طبيعي جداً، وهو شكر عملي حقاً.
تُريد شيئاً يريح قلبك، تريد لهذا الإنسان الذي أكرمك، أن تُعبّر عن امتنانك له، فتلقى أمامك ابنه وتكرمه، الله عز وجل غني عن العالمين، يطعم ولا يُطعم، مستحيل أن تقدم هدية إلى الله لكن ليس أمامك إلا عباده، كلهم عباده، حتى الكفار، حتى الذين أنكروا وجوده هم عباده إذا أحسنت إليهم فهذا عمل خيرٍ عند الله محفوظٌ، فإن كنت طبيباً وجاءك مريض، والمريض تعرفه غير مؤمن بالله ولا دين له، فهذا عبد لله أمامك يجب أن تقدم له كل شيء، كل ما في إمكانك لأنه عبد لله.
مثل آخر في مجال الحيوان، فإذا وجدت حيوانا يحتاج أن يأكل، فتطعمه، نعرف أُناساً يطعمون الطيور ويشعر أحدهم بلذة عارمة وبسعادة، فيشتري كمية من الحبوب، التي تصلح للطيور يضعها على السطح فترى مئات الطيور تسقط على السطح وتأكل يقول: كأني أتغذى أنا، شعور نبيل سامٍ، هؤلاء مخلوقات لله عز وجل، لذلك فالمؤمن وهو يقود مركبته يحرص حرصاً كبيراً على ألا يؤذي بها مخلوقاً، فمثلاً لو قتل غنمة لقطع أصحابها عنقه، ويقطعون عليه؟ الطريق، ثمنها ثمانية آلاف يغرمونه الثمن. لكن إذا قتل كلباً لا أحد يُحاسبه، ترى في الطرقات منها عشرات مقتولة، أما المؤمن فهو يعلم أن هذا الكلب حتى لو لم يكن ملكاً لأحد، ولو لم يكن هناك يحاسبه عليه، سوف يحاسبه الله عليه، لذلك فالمؤمن يحرص حرصاً بالغاً على ألا يدعس حيواناً، وإذا وقع منه من غير قصد يبادر إلى أداء صدقة فلعل الله سبحانه وتعالى يعفو عنه.
هذا هو الشُكر، فالشُكر بالأفعال أن تعمل عملاً صالحاً مع كل مخلوق، وأنا أؤكد أنك إن خدمت المسلمين فقط أو إن خدمت المؤمنين فقط فهذا أرقى وأجدى عند الله تعالى، أما أن تخدم إخوانك ممن تلتقي بهم في المسجد، فهذه نظرة ضيقة جداً ولا تُرضي الله كثيراً، بل يجب أن تخدم الخلق عامة.
عن أبي موسى رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"لن تؤمنوا حتى تراحموا قالوا: يا رسول الله! كلنا رحيم قال: إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة العامة" [رواه الطبراني].
حدثني أخ قال: رجل مُنعَم يركب سيارته الفخمة يمشي في طريق بين مدينة ومدينة رأى شاباً راكباً دراجة أصابها خلل، والرجل له مكانته التجارية والاجتماعية، وقف وأصلح له الدراجة، فكان هذا العمل سبب هداية الشاب وإيمانه، وأصبح من أخلص إخوانه.
إذاً، هذا هو الشُكر؛ الإسلام نظرته أممية، وليست نظرته نظرة ضيقة، هذا مسلم وذاك غير مسلم، هذا مؤمن وذاك غير مؤمن، هذا من إخواننا وهو من جماعتنا، هذه كلها عنعنة جاهلية، إذا كنت فعلاً تعرف الله فهؤلاء جميعاً عبيده.
والله الذي لا إله إلا هو ما من مخلوق ترحمه إلا شكر الله لك.. قال: بغيّ، والبغيّ معروفة، رأت كلباً يأكل الثرى من العطش فسقته فشكر الله لها وغفر لها، والحديث الشريف:
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلأ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ: "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". [صحيح البخاري].
ذات مرة رأيت في مزرعة قرب يعفور سمكاً، صاد بعض من في المزرعة سمكاً من هذا السمك وأرادوا فوراً أن ينظفوها، بحجة تستغرق وقتاً طويلاً لتسكن، قلت: فما المانع أن تنتظر ولا تعذب مخلوقاً، انتظر حتى تسكن الأسماك، هو يريد أن يفتح البطن وهي حية، فهذا تعذيب لبعض خلق الله، أشاهد أحياناً بائع فراريج يذبح الفروج ويلقيه فوراً في ماء يغلي، قبل أن يموت، إن هذا خطأ يحاسب الله عليه، فاحذر. قال تعالى:
}وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{ [الحج: 36].
لماذا الدين ضروري؟ هذا مخلوق، قدم جسمه لك، فوق هذا المعروف تسلقه حياً بالماء المغلي، بعد أن تذبحه وقبل أن يموت لا تضعه في البرميل الذي يغلي غلياناً، والله كبير وشديد العقاب، ففي الحديث الشريف:
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ". [صحيح مسلم].
هذا هو الشكر.
إذا عرفت الله عز وجل ورأيت فضله عليك، فقد عرفت كيف تتعامل مع مخلوقاته أياً كانت، اقرأ هذه الآية مثلاً:
}وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً{ [النساء: 113].
أوجدك من عدم، عمرك الآن ثلاثون سنة، افتح كتاباً قد طبع سنة ألف وتسعمئة وثمانيةٍ وخمسين، فأثناء صف الحروف أين كنت أنت؟ أكان لك وجود؟ أكان لك ذكر؟ أكان لك حجم؟ أكان لك جرم؟ أكان لك أهمية؟ لم تكن موجوداً أصلا، قال تعالى:
}هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً{ [الإنسان: 1].
فأنعَمَ الله عليك بنعمة الوجود، وأعطاك صورة، قال تعالى:
}اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ [غافر: 64].
}أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ{ [البلد: 8-10].
إن العبد إذا أطاع ربه، ثم إن الرب تعالى كافأه على طاعته، كان ذلك شكراً للعبد، فكيف بالجزاء الأوفى الذي سيجزي الله به عباده، فهذا يعنى أن الله شكور.
والشكر المُفسّر بالثناء، يعني إذا عملت عملاً طيباً لك الجنة، أنفقت من مالك لك جنة عرضها السماوات والأرض، أنفقت من وقتك أنفقت من خبرتك من علمك، عاونت، أخلصت، أتقنت عملك، ونصحت المسلمين، يعني قدمت الحد الأدنى، كأن تكون لك مهنة تتقنها ثم تعمل العمل بإتقانٍ وتأخذ أجراً معتدلاً، فالحد الأدنى أن تنفع المسلمين بطريقة ما.
فالحد الأدنى أن تتقن عملك، وأن تتقاضى ثمناً معتدلاً، والحد الأعلى حدث ولا حرج، تطعم الطعام تعين الضعيف: فليس كل مصل يصلي، إنما يتقبل الله الصلاة ممن تواضع لعظمته، وكف شهواته عن محارمه، ولم يصر على معصيته، وأطعم الجائع وكسا العريان ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك له.
حدثني أخ والقصة قديمة منذ عقدين تقريباً أثناء أحداث لبنان قال: جئت من "الهامة" فرأيت رجلاً واقفاً في ضاحية "دُمر" أيام البرد الشديد حاملاً طفلاً صغيراً يلفه بسترته، وبجانبه امرأة، وكانت الساعة الثانية عشر ليلاً، فقلت: أوصلهم لدارهم، وإذا بالطفل حرارته مرتفعة جداً، واحدة وأربعون درجة وهذان أبواه أتيا من لبنان أثناء أحداث لبنان، سكنا في بيت في دمر ولا يعرفان أحداً في الشام، قال: أركبتهم بالسيارة وأخذتهم إلى طبيب مناوب عالج الصغير واشترينا الدواء من صيدلية مناوبة، ذهبنا إلى مشفى لأعطي الطفل إبرة، وانتهينا الساعة الرابعة صباحاً، بقيت أسبوعين أو ثلاثة مغموراً بسعادة لا تُوصف.
يقول بعضهم: والله نحنُ نُريد السعادة، السعادة بين يديك، إذا أردت أن تَسعَد فأسعد الآخرين، كل واحد منا يذوق لذة الأخذ، هو يقبض المال فيفرح ويمرح، ولكن ما أحد ذاق لذة العطاء، العطاء له لذة أكبر، العطاء تمسح به جراح أسرة، فمثلاً شخص لهفان تحل له مشكلته، بلا مأوى أمّنت له بيت، بلا زوجة ساعدته على الزواج، أو رجل مريض دللتَهُ على طبيب مُخلص لا يَغُشُّهُ، لا يبتزّ أمواله، له قضية بالقضاء دللتَهُ على محامٍ صادق.
لا تعرف طعم السعادة حقاً إلا إذا خدمت الناس.
مرةً سمعت متهجداً، يقول: يا رب لا يحلو الليل إلا بمناجاتك، ولا يحلو النهار إلا بخدمة عبادك.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
على المسلم أن يزور مريضاً أو أن يقدم معونةً: "ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا" [رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج بسند حسن عن ابن عمر]. هذا الحديث الشريف أصل في الدين.
الشُكر الثاني: أيها الإخوة أن تُثني على الله: يا رب أنت اللطيف، أنت الرحيم، أنت القوي، أنت الغني، أنت الرؤوف، يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، يا غفار الذنوب، يا ستار العيوب، أنت الذي تعطي ولا تسأل، تحلُم ولا تعجل.
لسانك ينطلق: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، يعني إذا أثنيت على الله، هذا شُكر أيضاً.
يا رب لقد خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عني، اللهم إني أسألك موجبات رحمتك.
أن ينطلق لسانك بذكر الله بالثناء عليه، يا رحمن الدنيا والآخرة، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أعوذ بك من أن تنزل بي سخطك أو أن تحل علي غضبك، لك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك هي أوسع لي.
إذا رأيت مؤمناً من غير رواد جامعك ومن غير جماعتك، ورأيته مستقيماً محباً لله إن لم تحبه فلست مؤمناً، لما تُعمّق انتماءك فقط لجماعتك؟ إذن أنت طائفي، أنت عُنصري محدود الأفق، بل عليك أن تنطلق إلى الناس جميعاً .. فالدعوة عامة ..
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا قَالَ: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلا هَالِكٌ ...".
الإسلام للناس جميعاً، يجب أن تعمل تحت ضوء الشمس، لا مُعميات في الإسلام، كل شيء واضح، خالق الكون هذا كتابه وهذا منهجه وهذه سُنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، فأنا أُلِح ألا يقتصر العمل الطيب على من يلوذ بك أو ممن تعرف من العباد، لا .. بل خيرك للناس كافة، ولا تدري في أية لحظة يُشرق في نفس هذا الإنسان الذي أسديت إليه الجميل؛ فهذا هو الإيمان لعلَّ الله عز وجل يهدي بك وأنت لا تدري.
فمثلاً كان لأبي حنيفة النعمان جارٌ مغنٍ تارك صلاة شارب خمر لا ينيمه الليل وطول الليل يغني:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر
ذات ليلة لم يسمع أبو حنيفة غناءه في البيت المجاور، يعني أن المغني لديه عارض عرض له، تفقده فوجده في السجن لقضية ما، فذهب إلى مدير السجن وشفع له، مدير السجن لم يُصدّق، وجد الإمام الأعظم عنده في المكتب، فأطلق إكراماً له كل من أُلقي القبض عليهم في تلك الليلة، وهو في طريقه قال له: يا فتى هل أضعناك .. نسيناك؟! فكان هذا المعروف سبباً لتوبته.
اجتهادك وبطولتك ليس في إسداء خدمةٍ إلى مؤمن، المؤمن سوي مثلك، تجلس إلى مؤمن فتقول: لقد أقنعته، وهو مقتنع أصلاً قبل أن تؤثر فيه، إذا كنت بطلاً تُقنع إنساناً تارك صلاة، تُقنع إنساناً عنده شكوك بالله عز وجل، هُنا البطولة، أن تُدخل على المجتمع المؤمن عنصراً جديداً، تجلس إلى عدو للدين عنده شبهات، ولا يعبأ بالعلماء، ولا يعبأ بالدين تقنعه، تحلم عليه، وتعطيه الأدلة القطعية، ويرى منك خُلُقاً حسناً، لمدة شهر أو شهرين أو ثلاثة فيشرح الله صدره، ومن بعد يصلي ثم يتوب، ويأتي إلى المسجد، ويعتاد المساجد وحلقات العلم، فهذه البطولة حقاً وليست البطولة أن تُفسد الناس على شيوخها، ولا الشيوخ على تلاميذها لا، فأنت مهمتك أن تُحدث عنصراً جديداً في المؤمنين، البطولة على قدر المشقة وبحجم العمل الإيجابي النافع.
مرة ذكرت كلمة قالها رجل يدعو إلى الله عز وجل، قال لتلميذه: يا بني، السليم لا يحتاج إليك، يحتاج إليك السقيم السيئ، فالفهيم والذكي والمتفوق والورع والتقي والنقي، إذا حدثته عن الله فأبكيته فماذا فعلت؟ عنده مشاعر ولديه عواطف صادقة فلما ذكّرته تأثّر، أما إذا كنت تستطيع أن تجلس مع البعيدين والمنكرين والمتشككين تمنحهم من علمك وأدلتك وحجتك، وتزيل عنهم كل الشبهات وتأخذ بيدهم درجة درجة، مرحلة مرحلة، تأخذ بيدهم، تعينهم، تكرمهم، حتى يحبوك، وترقى بالعليل والسقيم إلى السعادة فهذا العمل طيب مشكور.
وبعد، فإن الشُكر يكون بالثناء، فالربّ سبحانه وتعالى إذا أثنى على عبده فقد شكره، أنت تثني على الله في مجالسك والناس يحبونك لأحاديثك هذه ويمدحونك في غيبتك، هذا شُكر الله لك، إذا أحسنت للعباد أحسن الله إليك:
}هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ{ [الرحمن: 60].
والإمام الغزالي له كلمة، قال: "إذا كان الذي أخذ فأثنى شكوراً فالذي أعطى وأثنى أولى أن يكون شكوراً".
فالذي قبض القبضة قال شكراً، والذي أعطاك، وبعد أن أعطاك وسمع ثناءك أثنى عليك، أيهما أحق أن يكون شكوراً أكثر، فالله الذي أعطى سبحانه وتعالى هو الشكور، فالذي أخذ فأثنى على الله يُعد شكوراً، أما الذي أعطى وأثنى مرتين هذا هو الشكور، مرةً أكرمه بعطاءٍ مادي، ومرةً أثنى عليه عند الخلق.
لذلك: روى الشيخان وأحمد حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال يقول الله عز وجل: "إن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم".
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
أنت تكلّمت بين خمسة طلاب أو ستة، والله عز وجل جعل ذكرك بين ثلاثمئة رجل، فلما ذكرت قام أحدهم وتكلّمَ عليك كلاماً تعطّرَ المجلس بِذكرك، الله شكور، أنت أثنيت على الله أمام خمسة أشخاص من عامة الناس، والله عز وجل أثنى عليك أمام عَلية القوم، "لا يذكرني عبد في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي، ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الرفيق الأعلى" [الطبراني بسند حسن من حديث معاذ بن أنس].
هذا هو الشكور، إن عملت يعاملك بالإحسان فهو شكور، وإن تحدثت عن الله عز وجل يعاملك بالعرفان فهو شكور.
الشكر يتوجه لمن؟ إما إلى الخالق وإما إلى المخلوق، ومن ثم فشكر الخالق مستحيل: أي إنك يستحيل عليه أن توفيه حقه بشكرك له، لماذا؟ قالوا: لأن شُكر النعمة مشروط بمعرفة هذه النعمة، وما دامت معرفة النعمة مستحيلة فالشُكر مستحيل، والدليل:
}وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{ [النحل: 18].
انظر إلى نعم الله عليك، فإذا أردت أن تجري إحصاء: فالطحال والكلية والكظر ومركز التوازن، ومركز توازن السوائل، مراكز عديدة في جسمك، وبإيجاز: إنك إن تعد نعمة الله عليك لا تحصيها.
ما دام يستحيل عليك أن تعرف نعمة الله كما هي، إذاً يستحيل أن تشكر الله حق الشُكر، لهذا ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
مستحيل أي توفي الله حقه من الشكر هذه واحدة.
الثانية: الشُكر نعمة من الله، فأنت تشكُر على نعمة والشُكر نفسه نعمة، فأنت في نِعم، يا رب كيف أشكرك وشُكرك لا يتم إلا بنعمة منك جديدة، إذاً أنت مفتقر إلى أن تكون شاكراً لله عز وجل.
هناك نقطة دقيقة وهامة: رؤية النعمة نعمة، الله عز وجل يعطيك مع استغنائه عنك، لكنك تشكُرَهُ مع افتقارك إليه، وشتان بين هذا وذاك، وهناك أدلة كثيرة على أنه يستحيل أن تشكُر الله كما ينبغي، لكن أخذ القليل خير من ترك الكثير، وما دام مستحيلاً أن تشكُر الله كما ينبغي فلذلك قل: يا رب! لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، يا رب! ليس في قدرتي أن أشكرك كما ينبغي لكن أشكرك بقدر ما أعلم وبقدر ما أستطيع.
آخر ما ينبغي شد أفكار القارئ إليه بالموضوع يتلخص بالسؤال التالي والإجابة عنه: أسدى مخلوق إليك نعمة فلمن الشُكر؟ الجواب: لله فقط، فهذا المخلوق الذي أكرمك مِن خلقه، أعطاه الله عز وجل قوةً وحياةً، والله عز وجل هو الذي سمح له أن يخدمك، كما ألهمه أن يخدمك، بماذا خدمك؟ أعطاك مثلاً طعاماً، من خلق الطعام؟ الله عز وجل، أعطاك مالاً، وهذا المال قيمته بقيمة مشترياته، من خلق النِعم؟ الله عز وجل، أعطاك طعاماً كيف تأكل الطعام؟ تحتاج إلى أجهزة؟ إذاً الذي خلق والمُنعِم هو الله، والذي أَلهَمَهُ هو الله، والذي مَكَنَهُ هو الله، والذي خَلَقَ النِعمة التي هي موضوع عطائُك هو الله، والذي مكّنَكَ من أن تستفيد من هذه النعمة هو الله، إذاً الشُكر لله عز وجل، ولكن هذا المخلوق ما دام مُخيّراً، إذاً يستحق أن تشكُرَهُ بعد الله عز وجل، فالشُكر لا تقل: لله وفلان، بل قل: لله ثم لفلان.
:124:
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى