رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
:ثث:
:124:
الاسم هو الودود، لقول الله عز وجل في سورة البروج:
}وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ{ [البروج: 14].
الله سبحانه وتعالى ودود..
الودود على وزن فعول، من صيغ مبالغة اسم الفاعل، واسم الفاعل وادّ والمصدر هو الودُّ، إذاً اسم الودود أصله من الودِّ، فماذا تعني كلمة ود؟
في المعاجم؛ الود هو الحب، ولماذا سُميَ الحب حباً؟ قال: الحب مأخوذ من حَبَب الأسنان، وحبب الأسنان صفاؤها وبياضها ونقاؤها، وأسنان بيض ناصعة نظيفة نقية صافية، فالذي يُحب الله عزَّ وجل من خصائصه الصفاء والنقاء والطُهر والإخلاص.
والحُب مِن أحبَّ البعيرُ؛ أي استناخ، فالمُحب خاضع لمحبوبه؛ فنأخذ من حبب الأسنان الصفاء والنقاء، ونأخذ من أَحَبَّ البعيرُ أي أناخ أي خضع، فإنَّ المُحب لمن يحب مطيع، والمُحَب: مستعل، والمُحِب خاضع، والمحِب متواضع، والمُحب مُتذلل، والحُبُ هو القرطُ، والقرط ما تضعه النساء من الحلي في آذانهن، ومن شأن القرط أنه دائم التقلقل، فالمُحِب يتقلّب في اليوم الواحد من عشرين إلى أربعين حالا، أما هذا الذي يلزم حالاً واحدة فهو منافق؛ فالمحِب يتقلب من الخوف إلى الرجاء، إلى السكينة إلى القلق إلى السرور إلى السعادة إلى الشعور بالخطر إلى القلق على محبوبه وما دام هناك حياة فله حركة، أما الميّت فهو ساكن، والذي مات قلبه تسكُن أحواله، إذاً من معانيه: والمُنافق يمضي عليه أربعون عاماً ولا يتغير، حالُه حال السكون، لكنَّ الحياة فيها غليّان، وفيها تقلّب وفيها تغيّر من حال إلى حال. فالحُبُّ؛ إذاً من معانيه: القرط، ومن شأن القرط التقلقل والتحرك.
والحَبّ؛ من الحبة التي تنبت شجرة، فالحَب له ثمار يانعة مثلُ كلمة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين.
وهذا يعني أنك إذا أحببت الله، فحُبُكَ لله عز وجل بذرة، تنبت شجرة وارفة الظِلال يانعة الثمار باسقة الأغصان، خيرها دائم وظِلُها، كل هذه المعاني، الصفاء والنقاء والخضوع والتذلل والتقلقل، والنماء والخير العميم، أي: كل هذه المعاني مستفادة من الحب، لكن السؤال الدقيق هل الُودّ هو الحب؟ إذا قلنا: نعم يأتي سؤال وما الفرق بينهما، وهل في اللغة اسمان مختلفان لمُسمىً واحد؟ أم أنَّ الاختلاف في المبنى دليل اختلاف المعنى؟ لا شك أن هناكَ فرقاً دقيقاً بين الحُب والود، الحب ما استقر في القلب، والود ما ظهر على السلوك، فإن كنت تُحب فلاناً فمشاعر الميل نحوه هي الحب، وابتسامتك في وجهه هي الود، وإذا قدمت له هديةً فهي ود، أو أعنته في مشكلة فهي ود، أو عُدته إذا مرض فهي ود، أو أعطيته هديةً في زواجه فهي ود، أو نصحته فذلك ود، فالمشاعر الداخلية هي الحب، والظواهر المادية هي الود فكل ودود محب، وليسَ كلُ مُحب ودوداً.
ويمكن لإنسان أن ينطوي على محبة، ولا تظهر في سلوكه، وكل ودود مودته أساسها مشاعر الحب في قلبه، والله سبحانه وتعالى يقول:
(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ).
كل هذا الكون تودََدَّ من الله إلى الإنسان، فالكون والمجرات والسماوات والأرض، والشمس والقمر، والأمطار، ومليون نوع من السمك، ود، وتسعمئة ألف نوع من الطيور، ود، والآلاف المؤلفة من أنواع الأزهار بِشتّى الأشكال والروائح ود، وأنواع الفواكه ود، وهذا الطفل الصغير الذي يملأ البيت حيوية ود، وهذه الزوجة التي خلقت تكريماً للرجل، وهذا الزوج الذي خُلق تكريماً للمرأة ود، وهذا الصوف الذي خلقه الله لنا ليقينا برد الشتاء ود، وأيُّ شيٍء سُخرَ لهذا الإنسان هو في الأصل ود، والخلق، والكون كله قد سخره الله لهذا الإنسان تسخير تعريف وتكريم، فالوَدود هو الذي يُنقل حبه إلى سلوك.
وهنا تطالعنا حقيقة ملموسة وهي أن الإنسان إذا أحب يميل، فإذا ابتعد المحبوب أَلَمَّ بالمحبَّ ألمّ، وهذا ألمُ الفِراق، وما من إنسان يودّع محبوباً في المطار إلا ويبكي، وما من أُم يفارُقها ابنها إلا وتبكي، فهل يصح هذا المعنى بالنسبة إلى الله عز وجل؟!
إن علماء التوحيد قالوا: "لا، فالميل الذي من شأنه الضعف والتحسر والألم، هذا لا يصدق على الله عز وجل، ولكن الإنسان إذا أحب أحسن، وإذا أحب خضع، وإذا أحب تذلل"، فالإنسان هكذا يفعل، ولكن الله إذا أحب أحسن ورحم وأكرم، فحُب الله عز وجل للمؤمنين ثابت في القرآن الكريم والدليل:
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ [المائدة: 54].
محبة الله عز وجل للمؤمن تعني حِفظه، وتأييده، ونصره وإكرامه، وإنزال الرحمة على قلبه، وإنزال السكينة، وإغناءَه بكل ما يحتاج، هذا هو الحب الإلهي أما حُب الإنسان لله عز وجل فيعني الميل، فإذا جفاك ربك وأبعدك عن أنواره شعرت بألم لا يطاق.
فما حبنا سهل ولكن من ادعى سهولته قلنا له قد جهلتنــا
فأيسر ما في الحب للصبّ قتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
والإنسان إذا أحب الله مالَ إليه، وخَلَدَ إلى ظِلِهِ وإلى أنوارهِ وإلى تجليّاتهِ وإلى سكينته، وإلى الشعور بأن الله يحميه ويحفظه، لكن حُب الله للإنسان يعني التأييد والنصر والحفظ، وما شاكل ذلك، أمّا الودّ فهو ما يتجسّد به الحب، وهذه مقدمة أظنها ضرورية ومفيدة.
ونتجاوز المقدمة الآن إلى المعاني الدقيقة التفصيلية لمعنى الودود فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ).
الودود بوزن فَعول، والفعول هنا بمعنى فاعل، الوادّ: الذي يُكرم عباده، والذي تُعَدُّ نِعَمُهُ مظهراً لحُبهِ لعباده، فأنت مثلاً وعلى نحو بسيط إذا أحببت إنساناً، ورأيت على ظهره نملة، فإنك تنحيها عنه، وإذا أحببت إنساناً ورأيته يرتجف برداً فإنك تعطيه معطفك، وإذا أحببت إنساناً ورأيته بحاجة إلى شيءٍ ما فأنت تقدمه له، فالود هو المظهر المادي للحب، وربنا عز وجل هو الغفور الودود، والوادّ.
كل هذا الكون مظهر لحبه، وكل هذا الكون نوع من أنواع الود الإلهي، إنه تودَّدَ إلينا بهذا الكون. ومن أجل ألاّ نبتعد عن هذا الموضوع كثيراً، فهذه الدواب ألا تأكل طوال حياتها الشعير فقط، فهو بالنسبة لها المقبلات وهو الحلويات وهو الفواكه، وليس لها غير الشعير والأعشاب، أما الإنسان فيمكن أن يأكل إلى شهر كل يوم لوناً من الطعام، ويمكن أن يتذوّق أنواعاً كثيرة من الفواكه، ويمكن أن يستعمل الأزهار.
وإذا دخلنا إلى محل عطورات فشيء يأسِر ويدهش، إذ منها ألوف الأنواع، وكلها في الأصل من خلق الله عز وجل، فهذا الياسمين وهذا البنفسج وهذا الورد، وكل أنواع الروائح عطاءُ فيضٍ من خلق الله عز وجل.
خلَقَ هذه الروائح الطيبة، وخلق هذه الحاسة الدقيقة التي تتذوق هذه الروائح الطيبة، إذاً: خَلَقَ الشيء، وخَلَقَ الجهاز المُستقبِل لَهُ، وخَلَقَ هذه النِعمة وخَلَقَ ما يستقبِلُهَا، فهذا هو الود.
إذاً: هنا الودود يعني الوادّ، والودود هو الذي يتودد إلى عباده بالنِعم، فإذا صحت الرؤية واستيقظَ القلب وتفتّحَت البصيرة، رأيت أنَّ كل هذا الكون ما هو إلا تودد من الله إلى هذا الإنسان.
:124:
الاسم هو الودود، لقول الله عز وجل في سورة البروج:
}وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ{ [البروج: 14].
الله سبحانه وتعالى ودود..
الودود على وزن فعول، من صيغ مبالغة اسم الفاعل، واسم الفاعل وادّ والمصدر هو الودُّ، إذاً اسم الودود أصله من الودِّ، فماذا تعني كلمة ود؟
في المعاجم؛ الود هو الحب، ولماذا سُميَ الحب حباً؟ قال: الحب مأخوذ من حَبَب الأسنان، وحبب الأسنان صفاؤها وبياضها ونقاؤها، وأسنان بيض ناصعة نظيفة نقية صافية، فالذي يُحب الله عزَّ وجل من خصائصه الصفاء والنقاء والطُهر والإخلاص.
والحُب مِن أحبَّ البعيرُ؛ أي استناخ، فالمُحب خاضع لمحبوبه؛ فنأخذ من حبب الأسنان الصفاء والنقاء، ونأخذ من أَحَبَّ البعيرُ أي أناخ أي خضع، فإنَّ المُحب لمن يحب مطيع، والمُحَب: مستعل، والمُحِب خاضع، والمحِب متواضع، والمُحب مُتذلل، والحُبُ هو القرطُ، والقرط ما تضعه النساء من الحلي في آذانهن، ومن شأن القرط أنه دائم التقلقل، فالمُحِب يتقلّب في اليوم الواحد من عشرين إلى أربعين حالا، أما هذا الذي يلزم حالاً واحدة فهو منافق؛ فالمحِب يتقلب من الخوف إلى الرجاء، إلى السكينة إلى القلق إلى السرور إلى السعادة إلى الشعور بالخطر إلى القلق على محبوبه وما دام هناك حياة فله حركة، أما الميّت فهو ساكن، والذي مات قلبه تسكُن أحواله، إذاً من معانيه: والمُنافق يمضي عليه أربعون عاماً ولا يتغير، حالُه حال السكون، لكنَّ الحياة فيها غليّان، وفيها تقلّب وفيها تغيّر من حال إلى حال. فالحُبُّ؛ إذاً من معانيه: القرط، ومن شأن القرط التقلقل والتحرك.
والحَبّ؛ من الحبة التي تنبت شجرة، فالحَب له ثمار يانعة مثلُ كلمة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين.
وهذا يعني أنك إذا أحببت الله، فحُبُكَ لله عز وجل بذرة، تنبت شجرة وارفة الظِلال يانعة الثمار باسقة الأغصان، خيرها دائم وظِلُها، كل هذه المعاني، الصفاء والنقاء والخضوع والتذلل والتقلقل، والنماء والخير العميم، أي: كل هذه المعاني مستفادة من الحب، لكن السؤال الدقيق هل الُودّ هو الحب؟ إذا قلنا: نعم يأتي سؤال وما الفرق بينهما، وهل في اللغة اسمان مختلفان لمُسمىً واحد؟ أم أنَّ الاختلاف في المبنى دليل اختلاف المعنى؟ لا شك أن هناكَ فرقاً دقيقاً بين الحُب والود، الحب ما استقر في القلب، والود ما ظهر على السلوك، فإن كنت تُحب فلاناً فمشاعر الميل نحوه هي الحب، وابتسامتك في وجهه هي الود، وإذا قدمت له هديةً فهي ود، أو أعنته في مشكلة فهي ود، أو عُدته إذا مرض فهي ود، أو أعطيته هديةً في زواجه فهي ود، أو نصحته فذلك ود، فالمشاعر الداخلية هي الحب، والظواهر المادية هي الود فكل ودود محب، وليسَ كلُ مُحب ودوداً.
ويمكن لإنسان أن ينطوي على محبة، ولا تظهر في سلوكه، وكل ودود مودته أساسها مشاعر الحب في قلبه، والله سبحانه وتعالى يقول:
(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ).
كل هذا الكون تودََدَّ من الله إلى الإنسان، فالكون والمجرات والسماوات والأرض، والشمس والقمر، والأمطار، ومليون نوع من السمك، ود، وتسعمئة ألف نوع من الطيور، ود، والآلاف المؤلفة من أنواع الأزهار بِشتّى الأشكال والروائح ود، وأنواع الفواكه ود، وهذا الطفل الصغير الذي يملأ البيت حيوية ود، وهذه الزوجة التي خلقت تكريماً للرجل، وهذا الزوج الذي خُلق تكريماً للمرأة ود، وهذا الصوف الذي خلقه الله لنا ليقينا برد الشتاء ود، وأيُّ شيٍء سُخرَ لهذا الإنسان هو في الأصل ود، والخلق، والكون كله قد سخره الله لهذا الإنسان تسخير تعريف وتكريم، فالوَدود هو الذي يُنقل حبه إلى سلوك.
وهنا تطالعنا حقيقة ملموسة وهي أن الإنسان إذا أحب يميل، فإذا ابتعد المحبوب أَلَمَّ بالمحبَّ ألمّ، وهذا ألمُ الفِراق، وما من إنسان يودّع محبوباً في المطار إلا ويبكي، وما من أُم يفارُقها ابنها إلا وتبكي، فهل يصح هذا المعنى بالنسبة إلى الله عز وجل؟!
إن علماء التوحيد قالوا: "لا، فالميل الذي من شأنه الضعف والتحسر والألم، هذا لا يصدق على الله عز وجل، ولكن الإنسان إذا أحب أحسن، وإذا أحب خضع، وإذا أحب تذلل"، فالإنسان هكذا يفعل، ولكن الله إذا أحب أحسن ورحم وأكرم، فحُب الله عز وجل للمؤمنين ثابت في القرآن الكريم والدليل:
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ [المائدة: 54].
محبة الله عز وجل للمؤمن تعني حِفظه، وتأييده، ونصره وإكرامه، وإنزال الرحمة على قلبه، وإنزال السكينة، وإغناءَه بكل ما يحتاج، هذا هو الحب الإلهي أما حُب الإنسان لله عز وجل فيعني الميل، فإذا جفاك ربك وأبعدك عن أنواره شعرت بألم لا يطاق.
فما حبنا سهل ولكن من ادعى سهولته قلنا له قد جهلتنــا
فأيسر ما في الحب للصبّ قتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
والإنسان إذا أحب الله مالَ إليه، وخَلَدَ إلى ظِلِهِ وإلى أنوارهِ وإلى تجليّاتهِ وإلى سكينته، وإلى الشعور بأن الله يحميه ويحفظه، لكن حُب الله للإنسان يعني التأييد والنصر والحفظ، وما شاكل ذلك، أمّا الودّ فهو ما يتجسّد به الحب، وهذه مقدمة أظنها ضرورية ومفيدة.
ونتجاوز المقدمة الآن إلى المعاني الدقيقة التفصيلية لمعنى الودود فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ).
الودود بوزن فَعول، والفعول هنا بمعنى فاعل، الوادّ: الذي يُكرم عباده، والذي تُعَدُّ نِعَمُهُ مظهراً لحُبهِ لعباده، فأنت مثلاً وعلى نحو بسيط إذا أحببت إنساناً، ورأيت على ظهره نملة، فإنك تنحيها عنه، وإذا أحببت إنساناً ورأيته يرتجف برداً فإنك تعطيه معطفك، وإذا أحببت إنساناً ورأيته بحاجة إلى شيءٍ ما فأنت تقدمه له، فالود هو المظهر المادي للحب، وربنا عز وجل هو الغفور الودود، والوادّ.
كل هذا الكون مظهر لحبه، وكل هذا الكون نوع من أنواع الود الإلهي، إنه تودَّدَ إلينا بهذا الكون. ومن أجل ألاّ نبتعد عن هذا الموضوع كثيراً، فهذه الدواب ألا تأكل طوال حياتها الشعير فقط، فهو بالنسبة لها المقبلات وهو الحلويات وهو الفواكه، وليس لها غير الشعير والأعشاب، أما الإنسان فيمكن أن يأكل إلى شهر كل يوم لوناً من الطعام، ويمكن أن يتذوّق أنواعاً كثيرة من الفواكه، ويمكن أن يستعمل الأزهار.
وإذا دخلنا إلى محل عطورات فشيء يأسِر ويدهش، إذ منها ألوف الأنواع، وكلها في الأصل من خلق الله عز وجل، فهذا الياسمين وهذا البنفسج وهذا الورد، وكل أنواع الروائح عطاءُ فيضٍ من خلق الله عز وجل.
خلَقَ هذه الروائح الطيبة، وخلق هذه الحاسة الدقيقة التي تتذوق هذه الروائح الطيبة، إذاً: خَلَقَ الشيء، وخَلَقَ الجهاز المُستقبِل لَهُ، وخَلَقَ هذه النِعمة وخَلَقَ ما يستقبِلُهَا، فهذا هو الود.
إذاً: هنا الودود يعني الوادّ، والودود هو الذي يتودد إلى عباده بالنِعم، فإذا صحت الرؤية واستيقظَ القلب وتفتّحَت البصيرة، رأيت أنَّ كل هذا الكون ما هو إلا تودد من الله إلى هذا الإنسان.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
والآن أنت حينما تصلي وتصوم وتحج، وحينما تغض من بصرك وتتصدق، وتكون أميناً، وتنصح المسلمين، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتنفق من مالك، كل هذه الأفعال من اعتقادات إلى عبادات إلى معاملات إلى آداب، هي في حقيقتها تودد إلى الله عز وجل، هو تودد إلينا بالكون، وأوجدنا بالخلق، وسخر لنا هذا الكون، وأعد لنا جنة عرضها السماوات والأرض، ونحن نتودد إليه بالإيمان به، وبعبادته وطاعته، وامتثال أمره، وبترك ما نهى عنه، وبالتخلّق بأخلاق نبيّه وبالبذل والعطاء، ويكون الكون كله من قبل الله تودد إلى هذا الإنسان، وكل أعمال الإنسان الصالحة هي في حقيقتها تودد إلى هذا الخالق العظيم. (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) أي الواد، الذي يتودد إلى عباده بنعمه.
أسألك بالله عزيزي القارئ، لو دعاك أحدهم إلى بيته، ورأيت هذا البيت مُدفَّأً مسبقاً إكراماً لك، والماء العذب الزلال المُعطّر بماء الزهر، والأرائك، والمشروبات اللذيذة المتقنة والطعام النفيس العطر، والورود والهدايا، ألا تذوب حُباً له، ألا تشكره من أعماقك، ثم ألا تقول له: والله يا أخي، فضلت عليَّ، والإنسان عبد الإحسان، ولماذا تتحسس إذ أدى إنسان عنك الأجرة في سيارة؟ طوال الطريق تبقى مستحييا منه: وتقول يا أخي والله أكرمتني.. كلها من أجل ليرتين، أو إن جاءك إنسان مهنئاً ومعه هدية، تحار كيف تُكرمه، ولماذا هذا الإحساس بفضل الإنسان؟ وهذا الفضل الإلهي، وأوّلُه أنه خلقك من لا شيء، ألاّ يستحق منك كامل الاهتمام، قال تعالى:
}هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً{ [الإنسان: 1].
هذا الفضل الإلهي من دون إحساس، ودون شكر، هل قلت من أعماق أعماقك: يا رب لك الحمد على أن خلقتني؟ يا رب لك الحمد على أن عرّفتني ذاتك، يا رب لك الحمد على أن أعنتني على طاعتك، ثم يا رب لك الحمد على أن نوّرت قلبي بنورك، ويا رب لك الحمد على أن ألهمتني أعمالاً صالحة، فالله يقول لك: أنا سأسمع؛ فقل وتكلّم لأسمعك، ألا تقول: له سَمِعَ الله لمن حمده، ألا تفعل هذا في الصلاة ألا تقول: سَمِعَ الله لمن حمده، يعني يا عبدي أنا أسمعك فيما تقول، ربنا لك الحمد والشُكر، وهناك من يقول: يا رب لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، هناك من يقول: يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً بعدد خلقك، فما نَشَأَ بقلب الإنسان من شعور عميق بالحمد فلله عز وجل، واذكروا دائماً أنّ كل هذا الكون تودد إليك.
مرةً سافرت إلى الحج، فانتظرني أخ بالمطار، وأخذني إلى بيته، وخصص لي سائقاً وسيارة، وأنزلني بأفخم فندق في مكة المكرمة وبالمدينة كذلك، وعمل دعوتين أو ثلاثاً، ودعا إليها عشرات الأشخاص، وقدم معروفاً لا أنساه حتى الموت، وكلما جاء إلى الشام أحار كيف أُكرمه، وكيف أُقدم له الهدايا وأدعوه، وهو إنسان استضافني عشرة أيام في موسم الحج.
فالنِعم الإلهية على هذا الإنسان تترى لا حصر لها، فعندما يدخل إلى الخلاء يُفرغ مثانته، دون آلام ولا تمييل، ولا حصر بالبول، ولا صراخ، ولا إسعاف إلى المشفى، هذه نعمة عظيمة، بدأت بذكرها لأن كثيراً من الناس غافلون عنها. فهل من مدَّكر.
والقلب يعمل بانتظام، والدسام يعمل بانتظام، الأوردة والشرايين والمعدة والأمعاء والكبد والكليتان، وجهاز التنفس والأعصاب والإنسان يتمتع بنعمة عقله في رأسه، وهذه من نِعم الله العظمى.
فكل هذا الكون تودُّد لهذا الإنسان، ويجب أن يكون لسان حال المؤمن:
}قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ [الأنعام: 162].
فحياتي كلها، ووقتي كله، وطاقتي ومالي وإمكانياتي وعلمي وأولادي، وبيتي في خدمة عبادك، ومهنتي في خدمة عبادك، ومالي امتثالاً لأمرك وإيماناً بك، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
فأنت لم تكن شيئاً مذكوراً خلقك تنعم من أول لحظة بهديتين نفيستين:
}أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ{ [البلد: 8-10].
فأول هدية أنه حينما يولد الإنسان يلهمه الله عز وجل عملية بالغة التعقيد هي المص، الآن ولد، وخلال دقائق يضع شفتيه على حلمة الثدي، ويُحكم إغلاقَهما، ويسحب الهواء، فلولا أن الله يُلهمه هذا السلوك المُعقّد لما كُنا على وجه الأرض جميعاً.
والهدية الثانية؛ هي الأم، مَن هذا الكائن؟ إنها الأم آية من آيات الله؛ فوجودها من أجل ابنها، وأعصابها وإدراكها ومشاعرها إنها تتفاعل مع ابنها تفاعلاً عجيباً، وكأن هناك اتصالاً دائماً، فإذا كانت عند الجيران، تقول: لقد استيقظ ابني، كيف عرفت؟ لقد خرج الحليب من ثديها.
فالأم هدية، والأب هدية، وقد قال لي رجل: أنا خادم مخلص بلا أجرة ، فما أريد في هذه الدنيا سوى طعامي وكسائي، إنني أتعب من أجل أولادي، فالأب خادم لأولاده، يشقى ليسعدوا، ويريد توفير بيت لأحد أبنائه مثلاً يسعى ليزوج آخر وهكذا... فالأب هدية، والزوجة هدية والأولاد هدية.
هذا الهواء، وهذا الماء العذب الزلال، فكل ليتر ماء تكلّف تحليته ما يقارب السبعين ليرة في بعض الدول، فأنت تأخذ ماء عذباً زلالاً، ففي كل ثانية تستهلك دمشق ستة عشر متراً مكعباً من مياه عين الفيجة، ماء مُصفّى عذباً فراتاً، فالماء هدية من الله عز وجل.
وما تقول في أنواع الفواكه أيضاً؟ وكذلك منحك الله عقلاً فأتقنت أعمالك وسعدت به، فإتقان العمل كرامة، ولك دخل ثابت، فهذه حِرفة وكلّ له اختصاص، فهذا طبيب وهذا مهندس، فلذلك بحثنا هذا شامل شمولاً كبيراً جداً، فكل الكون تودد من الله إليك، ويجب أن تكون حياتك ومماتك ونُسُكُكَ وعبادتك ومالك لله قال أحدهم لشيخه: يا سيدي كم الزكاة؟ فقال: يا بني أعندكم أم عندنا؟ قال: ما هذا السؤال؟ مَن نحن ومَن أنتم؟ قال: عندكم اثنان ونصف بالمئة، أما عندنا، أهل الحب فالعبد وماله لسيده.. فهل تتفهم هذا الكلام الذي تبدأ به صلاتك؟
}قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{ [الأنعام: 162-163].
هذا هو المعنى الأول.
والمعنى الثاني، أن يكون معنى كونه ودوداً أي: يخلُق المودة بين خلقه، فمن ألقى حُب الأبناء في قلوب الأمهات؟ ادخلْ مشفى الأطفال فإنك ترى منظراً يُبكّي، فالأم البدوية تبكي من أجل ابنها، والسافرة، والمثقفة، والجاهلة، والمؤمنة المحجبة كلهن يبكين، إنه نمط واحد، فكل هؤلاء الأمهات أودع الله في قلوبهن محبة تجاه أبنائِهنْ.
إذاً، أحد معاني كلمة: "ودود"؛ أنه يخلق الود بين عباده، الأب أب، والابن ابن، والأخ أخ، والزوجة زوجة كلهم يتواددون فيما بينهم قال تعالى:
}وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{ [الروم: 21].
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
[size=21]معانٍ دقيقة للود، من الله إلى عباده، ومن العباد إلى ربهم، وبين العباد فيما بينهم. لهذا روي عنه عليه الصلاة والسلام:
"أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله: التودد للناس" [الطبراني في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة].
وأعقلُ عمل، وأحكمُ عمل، وأذكى عمل يفعله المؤمن بعد أن يؤمن بالله أن يتودد إلى الناس، حتى يسري الحق إليهم، قال تعالى:
}فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ{ [آل عمران: 159].
بينما كان الرشيد يطوف في البيت الحرام إذ عرض له رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أكلمك بكلام فيه غلظة فقال الرشيد: لا ولا نعمت عين قد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني فأمره أن تقول قولا لينا. [البداية والنهاية 10\ 217].
الإمام الرازي كان من كبار العلماء، إنه الفخر الرازي، وله هيبة كبيرة، وله موكب فخم، وقد كان في درسٍ من دروسه، فخرج من المسجد، ثياب أنيقة ومعه تلاميذه، ووجهه منير متألق مهيوب، فرآه يهودي، فقير مسحوق، جوعّ على مرض على حرمان على فقر على احتقار الناس له، فنظر هذا الرجل إليه وقال له: يا هذا يقول نبيكم: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"، فأي سجن أنت فيه وأي جنة أنا فيها؟ فقال له الإمام الرازي: يا هذا ما أنا فيه إذا قيس إلى ما أعدَّ الله للمؤمن فأنا في سجن، وما أنت فيه إذا قيس بما أعد الله للعصاة من عذاب فأنت في جنة. حقاً إنه جواب مفحم، أي: ما أنا فيه من هذا العِزّ إذا قيس إلى ما وعدني الله به من جنة عرضها السماوات والأرض فأنا في سجن.
وهكذا قال عليه الصلاة والسلام، انتقال المؤمن من الدنيا إلى الآخرة كما ينتقل الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا، فالجنين يعيش في سبعمئة وخمسين سنتمتراً مكعباً بالضبط، والرحم تجويفه قبل الحمل زهاء سنتمترين مكعبين، وكأنه لا يوجد تجويف، بل عبارة عن عضلة على شكل إجاصة، وحجمه في أثناء الحمل أو بأعلى نسبة سبعمئة وخمسين سنتمتراً مكعباً، والإنسان إذا ولد ثم كبر وتجوّل يقول لك: والله كنا في أمريكا واستغرق سفرنا عشر ساعاتِ طيرانا، كان محبوساً في سبعمئة وخمسين سنتمتراً ثم طار في الأجواء، فكيف ينتقل الإنسان من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا، قالوا: المؤمن حينما يموت ينتقل من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ولهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين: }إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ، هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ، لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ، سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ{ [يس: 55-59].
هذه هي البطولة، أن يأتي هذا اليوم وأنت في منجاة، وأنت من أهل الجنة، نسعى كلنا ونجتهد، ونحضر دروس علم، ونغضّ بصرنا ونخاف من الله، ونضبط ألسنتنا، ونضبط جوارحنا، ونقرأ القرآن ويخدم بعضنا بعضا، حتى يأتي هذا اليوم الذي نسعد فيه.
فحظ العبد من هذا الاسم أن يتودد إلى العباد، فهنا طفل توددْ إليه، وهناك كبير توددْ إليه، وأكبر منك عامله بالاحترام، وأصغر مِنكَ فبالرحمة، وبمستواك فبالإحسان، هذا هو المؤمن، يجعل من إحسانه طريقاً إلى الدعوة إلى الله عز وجل.
وبعد، فهناك سؤال لا بد منه: هل الود هو الرحمة؟ فهمنا أن الود هو الحب والحب مشاعر داخلية تنتقل إلى سلوك مادي، هذا هو الود، الود والمحبة وجهان لشيء واحد، مثل الإخلاص والعبادة، من الداخل إخلاص ومن الظاهر طاعة، فالشعور الداخلي حب، والسلوك العملي مودة.
وهل هناك فرق بين المودة والرحمة؟، إنه لفرق كبير فالرحمة متعلّقة بمخلوق ضعيف، بمخلوق يستجير، وبإنسان مريض وبإنسان مُعذب، بإنسان فقير، فأنت ترحمه! أمّا الود فليس للضعيف، فأنت حين تعطي إنسانا ما شيئا من الأشياء دون أن يسألك، فابتداءً هذا هو التودد وأحياناً يطرق بابك إنسان، فيتوسل إليك ويقول: أقرضني أرجوك أسعفني، اقبلني عندك ضيفاً، أو أوصلني إلى هذا المكان، أو ارحمني خذني إلى الطبيب الفلاني، فهذا إنسان مستجير، وأنت إذا فعلت ما يناسب فما اسمك؟ اسمك رحيم، وذاك مخلوق ضعيف استجار بك، أما إذا زُرتَ صديقاً في أوج صحته وقوته وشبابه، ومكانته، وأعطيته هدية بمناسبة زواجه، وهو لم يستجر بك، فالود ابتداء، وأمّا الرحمة فيسبِقُها طلب والود لغير الضعيف، والفقير والمستجير، هناك فرق بين الود والرحمة، فربنا عز وجل حينما خلقنا كان ودوداً، ونحن لم نكن موجودين، فهو خلقنا وأكرمنا وأنعم علينا، مودته لنا ابتداء وهي أرقى بكثير
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
لكن الإنسان إذا ما أحس فضل الله عز وجل، (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) وفي سورة أخرى: (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) وقال تعالى:
}قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ، ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ، كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ{ [عبس: 17-23].
ماذا ينتظر الإنسان وماذا يفعل؟ وما الذي منعه أن يتوب إلى الله؟ وما الذي يمنعه أن يصلي؟ وأن يذكر الله عز وجل، وأن يفعل الخير مع الناس جميعاً.
لا يعرف طعم الإحسان إلا المُحسن، وسيدنا عمر كان يمشي ذات ليلة في المدينة مع سيدنا عبد الرحمن بن عوف، فلما رأى قافلة في أطراف المدينة وقد نام أصحابها، قال لصاحبه: تعال نحرسها لوجه الله إنهم تُجّار ومعهم متاع وبضاعة فبكى طفل صغير، فقال لأمه أرضعيه سكت الطفل، ثم بكى، فقام إليها وقال: أرضعيه، أسكتته ثم بكى، فغضب فقام إليها وقال: يا أَمَةَ السوء أرضعيه، قالت: يا هذا ما شأنك بنا؟ إنني أفطمه وعمر لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام، "العطاء يعني التعويض العائلي في زماننا"، يقول سيدنا عمر وقد ندّت منه صيحة، وضرب رأسه وقال: ويحك يا ابن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين، فكل هذا التعذيب مني وأنا السبب، لأن العطاء بعد الفطام، وهي الآن تفطمه وتجيعه فأصدر أمراً فورياً أن العطاء يبدأ ساعة الولادة، ثم صلى الصبح وما سمع أصحابه من قراءته شيئاً لشدة بكائه، وكان يقول: يا رب هل قبلت توبتي فأهنِّئ نفسي، أم رددتها فأعزيها؟
المُحسن أسعد الناس، وقد قرأت كلمة في مجلة، وهي أربع كلمات فأحياناً تنتهي المقالة في المجلة، ويبقى في صفحة منها فراغ فيزينونها بكلمة مثل هذه "إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين" .
عزيزي القارئ اذكر دائماً: الله عز وجل مُحسن، ويحبك أن تكون محسناً.
:124:
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى