عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
16/2/1428هـ
في مسجد عمر بالمكلا
الحمد لله الذي رفع ذكر نبيه في العالمين، وجبل محبته قلوب الصالحين، ووصف أعداءه بالمجرمين، وأوجب جهادهم على المؤمنين، والصلاة و السلام على من خاطبه ربه بقوله: [إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ] ([1]) صلى الله عليه وعلى آله الذين ناصروه في الجاهلية والإسلام، وضحوا في سبيل نصرته بالأخوال والأعمام، وعلى صحابته الذين فدوه بالأرواح و الأموال، وبذلوا من أجله وأجل دينه كل رخيص وغال، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله فاتقوا الله حق تقواه.
عباد الله:
يقول الله تعالى: [ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ المُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ] ([2]) أي: كما وجد لك أعداء من مجرمي قومك، فإنا قد جعلنا لكل نبي من قبلك أعداء من مجرمي قومهم، ولكن كان يكفيهم أن الله كان لهم هادياً و نصيراً على أعدائهم وكذلك أنت، وقال تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ] ([3]) أي: وكما عاداك شياطين قومك بما أوحاه إليهم شياطين الجن، كذلك الرسل عاداهم شياطين أقوامهم ولله في ذلك حكم، وإلا لو شاء ما فعلوه فذرهم أي اتركهم وما يفترون، فالله كافيك و العاقبة لك ولدينك.
عباد الله:
إذا كان جميع الرسل و النبيين قد انتصب لهم أعداء من أقوامهم الذين بُعثوا إليهم خاصة فإن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم وهو أفضلهم وخاتمهم، ومبعوث إلى الناس كافة سيكون له من العداء ما هو أكبر ومن الأعداء أكثر، وهذا ما حفلت به سيرته و حفل به تاريخ دينه وأمته إلى يومنا هذا، وما هذه الإساءة إلا حلقة من تلك الإساءات، وقد كشف الله حقيقة موقف أهل الكتاب اليهود و النصارى منه بقوله جل وعلا: [ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] ([4]) وأبان سبب ذلك الحرب والعداء وأنه لحسد فقال تبارك وتعالى: [ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ([5]) هذه هي الحقيقة الثابتة موقف أهل الكتاب من النبي r وأمته الحسد المورث للعداوة. ظهر ذلك يوم ولادته وأثناء رضاعته وإبان رحلته إلى الشام في تجارته وازداد واستقر بعد بعثته وهجرته؛ فحاولوا القضاء عليه وعلى دينه، حيناً بمحاولة الاغتيال، وتارةً بالسحر، وأخرى بالسموم، وفي كثير من الأحيان بتأليب الأعداء عليه أوبسبه وشتمه والكذب عليه، وما زال ذلك عبر التاريخ إلى يومنا هذا، ليس على ألسنة وأقلام الجهلة والسفهاء منهم فقط،ولكن في كثير من الأحيان على ألسنة كبرائهم وبابواتهم وما إساءة البابا الحالي عنا ببعيد، حيث نقل كلاماً قبيحاً لأحد الأعداء السابقين مقراً له يقول فيه: ( أرني ماذا قدم محمد من جديد، وسوف لن تجد إلا أموراً شيطانية وغير إنسانية مثل أوامره التي دعا إليها بنشر الإيمان عن طريق السيف ) هذا هو موقف النصارى، واليهود أشد وأخبث قال الله تعالى: [لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا]([6]) .
عباد الله:
إن هذه العداوة وهذا الموقف اللئيم الذي وقفوه من الإسلام ونبيه الكريم، لم يستطيعوا إخفاءه رغم مايتشدقون به وماأعلنوه من قيم الحرية و المساواة و العدالة وحقوق الإنسان، إن هذه المبادئ إنما هي لهم ولمن يخشونهم من الأمم الأخرى من بوذيين و هندوس وملاحدة، أما المسلمون فلا نصيب لهم منها، لماذا؟.
لأن تلك الأمم تقف معهم قياداتهم و حكامهم وتتصدى للحلف الغربي اليهودي والنصراني، ويصنعون لأنفسهم من وسائل القوة المادية والمعنوية ما يجعل الغرب يحسب لهم حسابات خاصة ويتردد قبل أن يسئ إليهم. أما المسلمون فإن قادتهم وحكامهم قد أصابهم الذعر وألبسوا ثوب الخزي والهوان، خشوا الناس أشد من خشية الله، أرضوا الناس بسخط الله، فوكلهم الله إلى أنفسهم، وسلط الناس عليهم،.قلبوا الحقائق فصاروا كما قال المتنبي:
يرى الجبناء أن العجز عقل ** وتلك خديعة الطبع اللئيم
لأنهم قد ضعف إيمانهم بالله، وقلَّ اعتمادهم عليه، ركنوا إلى أعدائهم ومن يتربص بهم الدوائر ويريد بهم الهلاك: [يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ] ([7]) ظنوا العزة في إرضاء أولئك الأعداء الأذلاء فأرضوهم وخضعوا لهم وأكرموهم ونسوا حكمتهم العربية القائلة:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ** وأن أنت أكرمت اللئيم تمردا
وقد ذم الله تعالى من سلك هذا المسلك فقال: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{138} الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً{139} وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} ([8]) ودل على مصدر العزة الحقة فقال جل وعلا: [مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا] ([9]) فليطلبها بطاعته سبحانه: [وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ] ([10]) عجيب أمر هؤلاء الذين يعكسون الأمور، ويذهبون إلى الخلاف الصريح لأمور وتوجيه وتقرير العليم الخبير، يصدقون أهوائهم وظنونهم وشياطينهم ويكذبون رب العالمين. بل ذهبوا أبعد من ذلك حينما أظهروا قناعتهم بأن هؤلاء الكفار أصدقاء وحاولوا تكريس ذلك في شعوبهم من خلال تكرار هذا التقرير، بأن هؤلاء أصدقاء اليهود عند البعض أصدقاء والنصارى عند الجميع أصدقاء والأمريكان والانجليز والدنمركيون الجميع أصدقاء، و يجب يا شعب أن تصدق أنهم أصدقاء والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ([11]). هذه طبيعة العلاقة بيننا وبين القوى الكافرة المستكبرة، و هكذا يجب أن نكون إن كنا نؤمن بهذا الكتاب العزيز.
عباد الله:
إنهم في كل مناسبة يقولون إن المسلمين ينشرون كل ما يؤدي إلى الكراهية بين الأمم، فهل هذا صحيح؟! أم أن الصحيح أنهم هم من يفعل ذلك بأفعالهم وأقوالهم، بجيوشهم وإعلامهم وأخيراً بفنهم الرخيص الهابط:
رسم الدناءة من دناءة نفسه
إن اليراع معبر و مترجم
وأبان ما رسموه من صور الخنى
و أبان ما يخفيه من إحساس
عما توارى في صدور الناس
ما في ضمائرهم من الأرجاس
و صدق الله القائل: [إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ]
الخطبة الثانية
عباد الله:
لقد قرر القرآن الكريم ما يجب أن يكون عليه المسلمون من الولاية و المناصرة و الألفة ورص الصفوف و توحيد الكلمة فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{72} وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} ([12]) لقد أخبر الحق عز وجل ما يجب أن يكون عليه حقيقة المسلمين، وهو الموالاة و المناصرة بين جميع طوائفهم، هذا الواجب الشرعي والأصل الإيماني، يقابله أمر ثابت محقق وهو أن الكافرين في مواجهة المؤمنين بعضهم أولياء بعض أي أنهم يتعاونون ويجتمعون وينصر بعضهم بعضاً في مواجهة المؤمنين.
فإن أدرك المؤمنون هذه الحقيقة و عملوا بها ووالى بعضهم بعضاً و نصر بعضهم بعضاً وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونهم كافة دفع الله عنهم الفتنة والفساد الكبير، و إلا فإن الفتنة محيطة بهم والفساد الكبير مدمر حرثهم ونسلهم وهذا ما نشاهده اليوم، إن الواجب اليوم أن ينفر الجميع صفاً واحداً انتصاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما حصل في المرة السابقة حكاماً و تجاراً و قادة فكر وعامة رجالاً ونساء وأطفالاً كل بما يخصه.
[1] {الكوثر:3}
[2] {الفرقان:31}
[3] {الأنعام:112}
[4] {البقرة:120}
[5] {البقرة:109}
[6]{ المائدة : 82}
[7] {المائدة:52}
[8] { النساء 138-193-140 }
[9] { فاطر 10 }
[10] {المنافقين 8 }
[11] { ال عمران 118-119 }
[12] { الانفال 72-73 }
16/2/1428هـ
في مسجد عمر بالمكلا
الحمد لله الذي رفع ذكر نبيه في العالمين، وجبل محبته قلوب الصالحين، ووصف أعداءه بالمجرمين، وأوجب جهادهم على المؤمنين، والصلاة و السلام على من خاطبه ربه بقوله: [إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ] ([1]) صلى الله عليه وعلى آله الذين ناصروه في الجاهلية والإسلام، وضحوا في سبيل نصرته بالأخوال والأعمام، وعلى صحابته الذين فدوه بالأرواح و الأموال، وبذلوا من أجله وأجل دينه كل رخيص وغال، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله فاتقوا الله حق تقواه.
عباد الله:
يقول الله تعالى: [ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ المُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ] ([2]) أي: كما وجد لك أعداء من مجرمي قومك، فإنا قد جعلنا لكل نبي من قبلك أعداء من مجرمي قومهم، ولكن كان يكفيهم أن الله كان لهم هادياً و نصيراً على أعدائهم وكذلك أنت، وقال تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ] ([3]) أي: وكما عاداك شياطين قومك بما أوحاه إليهم شياطين الجن، كذلك الرسل عاداهم شياطين أقوامهم ولله في ذلك حكم، وإلا لو شاء ما فعلوه فذرهم أي اتركهم وما يفترون، فالله كافيك و العاقبة لك ولدينك.
عباد الله:
إذا كان جميع الرسل و النبيين قد انتصب لهم أعداء من أقوامهم الذين بُعثوا إليهم خاصة فإن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم وهو أفضلهم وخاتمهم، ومبعوث إلى الناس كافة سيكون له من العداء ما هو أكبر ومن الأعداء أكثر، وهذا ما حفلت به سيرته و حفل به تاريخ دينه وأمته إلى يومنا هذا، وما هذه الإساءة إلا حلقة من تلك الإساءات، وقد كشف الله حقيقة موقف أهل الكتاب اليهود و النصارى منه بقوله جل وعلا: [ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] ([4]) وأبان سبب ذلك الحرب والعداء وأنه لحسد فقال تبارك وتعالى: [ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ([5]) هذه هي الحقيقة الثابتة موقف أهل الكتاب من النبي r وأمته الحسد المورث للعداوة. ظهر ذلك يوم ولادته وأثناء رضاعته وإبان رحلته إلى الشام في تجارته وازداد واستقر بعد بعثته وهجرته؛ فحاولوا القضاء عليه وعلى دينه، حيناً بمحاولة الاغتيال، وتارةً بالسحر، وأخرى بالسموم، وفي كثير من الأحيان بتأليب الأعداء عليه أوبسبه وشتمه والكذب عليه، وما زال ذلك عبر التاريخ إلى يومنا هذا، ليس على ألسنة وأقلام الجهلة والسفهاء منهم فقط،ولكن في كثير من الأحيان على ألسنة كبرائهم وبابواتهم وما إساءة البابا الحالي عنا ببعيد، حيث نقل كلاماً قبيحاً لأحد الأعداء السابقين مقراً له يقول فيه: ( أرني ماذا قدم محمد من جديد، وسوف لن تجد إلا أموراً شيطانية وغير إنسانية مثل أوامره التي دعا إليها بنشر الإيمان عن طريق السيف ) هذا هو موقف النصارى، واليهود أشد وأخبث قال الله تعالى: [لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا]([6]) .
عباد الله:
إن هذه العداوة وهذا الموقف اللئيم الذي وقفوه من الإسلام ونبيه الكريم، لم يستطيعوا إخفاءه رغم مايتشدقون به وماأعلنوه من قيم الحرية و المساواة و العدالة وحقوق الإنسان، إن هذه المبادئ إنما هي لهم ولمن يخشونهم من الأمم الأخرى من بوذيين و هندوس وملاحدة، أما المسلمون فلا نصيب لهم منها، لماذا؟.
لأن تلك الأمم تقف معهم قياداتهم و حكامهم وتتصدى للحلف الغربي اليهودي والنصراني، ويصنعون لأنفسهم من وسائل القوة المادية والمعنوية ما يجعل الغرب يحسب لهم حسابات خاصة ويتردد قبل أن يسئ إليهم. أما المسلمون فإن قادتهم وحكامهم قد أصابهم الذعر وألبسوا ثوب الخزي والهوان، خشوا الناس أشد من خشية الله، أرضوا الناس بسخط الله، فوكلهم الله إلى أنفسهم، وسلط الناس عليهم،.قلبوا الحقائق فصاروا كما قال المتنبي:
يرى الجبناء أن العجز عقل ** وتلك خديعة الطبع اللئيم
لأنهم قد ضعف إيمانهم بالله، وقلَّ اعتمادهم عليه، ركنوا إلى أعدائهم ومن يتربص بهم الدوائر ويريد بهم الهلاك: [يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ] ([7]) ظنوا العزة في إرضاء أولئك الأعداء الأذلاء فأرضوهم وخضعوا لهم وأكرموهم ونسوا حكمتهم العربية القائلة:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ** وأن أنت أكرمت اللئيم تمردا
وقد ذم الله تعالى من سلك هذا المسلك فقال: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{138} الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً{139} وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} ([8]) ودل على مصدر العزة الحقة فقال جل وعلا: [مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا] ([9]) فليطلبها بطاعته سبحانه: [وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ] ([10]) عجيب أمر هؤلاء الذين يعكسون الأمور، ويذهبون إلى الخلاف الصريح لأمور وتوجيه وتقرير العليم الخبير، يصدقون أهوائهم وظنونهم وشياطينهم ويكذبون رب العالمين. بل ذهبوا أبعد من ذلك حينما أظهروا قناعتهم بأن هؤلاء الكفار أصدقاء وحاولوا تكريس ذلك في شعوبهم من خلال تكرار هذا التقرير، بأن هؤلاء أصدقاء اليهود عند البعض أصدقاء والنصارى عند الجميع أصدقاء والأمريكان والانجليز والدنمركيون الجميع أصدقاء، و يجب يا شعب أن تصدق أنهم أصدقاء والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ([11]). هذه طبيعة العلاقة بيننا وبين القوى الكافرة المستكبرة، و هكذا يجب أن نكون إن كنا نؤمن بهذا الكتاب العزيز.
عباد الله:
إنهم في كل مناسبة يقولون إن المسلمين ينشرون كل ما يؤدي إلى الكراهية بين الأمم، فهل هذا صحيح؟! أم أن الصحيح أنهم هم من يفعل ذلك بأفعالهم وأقوالهم، بجيوشهم وإعلامهم وأخيراً بفنهم الرخيص الهابط:
رسم الدناءة من دناءة نفسه
إن اليراع معبر و مترجم
وأبان ما رسموه من صور الخنى
و أبان ما يخفيه من إحساس
عما توارى في صدور الناس
ما في ضمائرهم من الأرجاس
و صدق الله القائل: [إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ]
الخطبة الثانية
عباد الله:
لقد قرر القرآن الكريم ما يجب أن يكون عليه المسلمون من الولاية و المناصرة و الألفة ورص الصفوف و توحيد الكلمة فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{72} وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} ([12]) لقد أخبر الحق عز وجل ما يجب أن يكون عليه حقيقة المسلمين، وهو الموالاة و المناصرة بين جميع طوائفهم، هذا الواجب الشرعي والأصل الإيماني، يقابله أمر ثابت محقق وهو أن الكافرين في مواجهة المؤمنين بعضهم أولياء بعض أي أنهم يتعاونون ويجتمعون وينصر بعضهم بعضاً في مواجهة المؤمنين.
فإن أدرك المؤمنون هذه الحقيقة و عملوا بها ووالى بعضهم بعضاً و نصر بعضهم بعضاً وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونهم كافة دفع الله عنهم الفتنة والفساد الكبير، و إلا فإن الفتنة محيطة بهم والفساد الكبير مدمر حرثهم ونسلهم وهذا ما نشاهده اليوم، إن الواجب اليوم أن ينفر الجميع صفاً واحداً انتصاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما حصل في المرة السابقة حكاماً و تجاراً و قادة فكر وعامة رجالاً ونساء وأطفالاً كل بما يخصه.
[1] {الكوثر:3}
[2] {الفرقان:31}
[3] {الأنعام:112}
[4] {البقرة:120}
[5] {البقرة:109}
[6]{ المائدة : 82}
[7] {المائدة:52}
[8] { النساء 138-193-140 }
[9] { فاطر 10 }
[10] {المنافقين 8 }
[11] { ال عمران 118-119 }
[12] { الانفال 72-73 }
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى