لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

شهر الانتصار  Empty شهر الانتصار {الأربعاء 16 نوفمبر - 11:18}

الشيخ / عبد الله بن محمد البصري
شهر الانتصار

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَن عَلِمَ حَقَارَةَ الدُّنيَا وَسُرعَةَ فَنَائِهَا لم يَأسَفْ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنهَا ، وَمَن عَلِمَ حَقِيقَةَ الآخِرَةِ وَبَقَاءَ نَعِيمِهَا حَرِصَ عَلَى أَلاَّ يَفُوتَهُ شَيءٌ مِن فُرَصِهَا ، أَمَّا وَقَد مَضَى مِن رَمَضَانَ أَكثَرُ مِن نِصفِهِ ، فَإِنَّ عَلَى المُسلِمِ أَن يَقِفَ مَعَ نَفسِهِ وَقفَةَ مُحَاسَبَةٍ جَادَّةً ، يَسأَلُ فِيهَا نَفسَهُ : مَاذَا قَدَّمَ فِيمَا مَضَى ؟ وَعَلامَ هُوَ عَازِمٌ فِيمَا بَقِيَ ؟ هَل وَعَى الدَّرسَ الرَمَضَانيَّ الكَبِيرَ فَانتَصَرَ عَلَى نَفسِهِ وَقَتَلَ شَهَوَاتِهَا وَحَطَّمَ أَصنَامَهَا ؟ هَل حَقَّقَ العُبُودِيَّةَ التَّامَّةَ لِرَبِّهِ امتِثَالاً وَاجتِنَابًا ؟ إِنَّ عَلَى المُسلِمِ وَقَد مَضَى أَكثَرُ شَهرِهِ وَقَدَّمَ فِيهِ مَا قَدَّمَ ، أَن يَحذَرَ مِن آفَةٍ طَالما أَصَابَتِ السَّالِكِينَ فَجَعَلَتِ استِفَادَةَ بَعضِهِم مِن مَوَاسِمِ العِبَادَةِ لَيسَت بِتِلكَ ، تِلكُم هِيَ آفَةُ الفُتُورِ بَعدَ النَّشَاطِ وَالتَّرَاخِي بَعدَ الشِّدَّةِ ، ، وَالَّتي مِنَ البَلاءِ أَنَّهَا لا تُصِيبُ صَاحِبَهَا إِلاَّ في خِتَامِ الشَّهرِ وَلَيَالي العَشرِ ، وَبَدَلاً مِن الازدِيَادِ وَالتَّزَوُّدِ بَعدَ التَّعَوُّدِ ، تَخُورُ القُوَى وَتَفتُرُ العَزَائِمُ ، وَيَظهَرُ الكَلالُ وَيَدِبُّ إِلى النُّفُوسِ المَلالُ ، وَمَا هَكَذَا يَنبَغِي أَن يَكُونَ المُؤمِنُ ، كَيفَ وَقَد قَالَ اللهُ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " فَطَرِيقُ الفَلاحِ فِيهِ مِنَ الطُّولِ مَا فِيهِ ، وَيَعتَرِي سَالِكَهُ مِنَ التَّعَبِ مَا يَعتَرِيهِ ، وَقَد حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ ، وَمَن بَعُدَت عَلَيهِ الشُّقَّةُ وَاستَهوَتهُ الأَعرَاضُ القَرِيبَةُ ، تَقَاصَرَت هِمَّتُهُ دُونَ اتِّبَاعِ الهَادِي وَتَخَلَّفَ عَن رَكبِ النَّاجِينَ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ لا بُدَّ مِن الصَّبرِ وَالمُصَابَرَةَ وَالمُرَابَطَةِ ، وَإِتقَانِ العَمَلِ وَالإِحسَانِ وَالمُجَاهَدَةِ ، وَبَذلِ الجُهدِ وَتَقوَى اللهِ قَدرَ الاستِطَاعَةِ ، لَعَلَّ الفَلاحَ أَن يَكُونَ خَاتِمةَ العَبدِ وَثَمَرَةَ عَمَلِهِ ، وَلَعَلَّ رَبَّهُ أَن يَرزُقَهُ مِن مَعِيَّتِهِ مَا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى طَاعَتِهِ وَيَهتَدِي بِهِ إِلى سُبُلِ مَرضَاتِهِ " إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ " " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ " ثُمَّ إِنَّ رَمَضَانَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لم يَكُنْ لَدَى أُمَّةِ الإِسلامِ في يَومٍ مِنَ الأَيَّامِ شَهرَ كَسَلٍ وَلا مَوسِمَ بَطَالَةٍ ، وَلا عَرَفَ الأَسلافُ فِيهِ الخُمُولَ وَلا الضَّعفَ وَلا الوَهْنَ ، وَلا استَسلَمُوا فِيهِ وَلا استَكَانُوا ، ذَلِكُم أَنَّ هَذَا الشَّهرَ الكَرِيمَ كَانَ مَولِدَ الإِسلامِ وَمَشرِقَ نُورِهِ ، وَفِيهِ بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، وَلِيُخرِجَ بِهِ النَّاسَ مِن ظُلُمَاتِ الشِّركِ وَأَسرِ الهَوَى ، إِلى نُورِ الإِيمَانِ وَسَعَةِ الهُدَى ، وَيَشهَدُ التَّأرِيخُ الإِسلامِيُّ المَجِيدُ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ المَعَارِكِ الفَاصِلَةِ الَّتي انتَصَرَ فِيهَا المُسلِمُونَ عَلَى أَعدَائِهِم ، وَأَنَّ عَدَدًا مِن تِلكَ الفُتُوحِ الَّتي فَرَّقَت بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ ، وَأَنَّ تَحطِيمَ أَكبَرِ الأَصنَامِ وَإِرغَامَ أُنُوفِ أَلَدِّ الأَعدَاءِ ، كَانَ في شَهرِ رَمَضَانَ ، في رَمَضَانَ يَومُ الفُرقَانِ ، يَومَ التَقَى الجَمعَانِ ، ثَلاثُ مِئَةٍ وَبِضعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنَ المُوَحِّدِينَ الصَّابِرِينَ ، يَهزِمُونَ أَلفًا مِنَ المُشرِكِينَ بِإِذنِ اللهِ ، لِيَثبُتَ أَنَّ النَّصرَ لَيسَ بِالعَدَدِ الكَثِيرِ وَلا بِالسِّلاحِ الوَفِيرِ ، وَلَكِنَّهُ ثَمَرَةُ إِخلاصٍ مَقرُونٍ بِجَمِيلِ تُوَكُّلٍ عَلَى اللهِ وَصِدقِ التِجَاءٍ إِلَيهِ ، وَفي رَمَضَانَ جَاءَ نَصرُ اللهِ وَكَانَ فَتحُ مَكَّةَ ، فَجَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ ، وَتَهَاوَت أَنصَابُ الشِّركِ وَطُهِّرَ البَيتُ الحَرَامُ مِنَ الرِّجسِ ، وَفي رَمَضَانَ رَجَعَ المُسلِمُونَ مِن غَزوَةِ تَبُوكَ بَعدَ مَوَاقِفِ بَذلٍ مَشهُودَةٍ وَمَقَامَاتِ صِدقٍ رَائِعَةٍ ، وَفِيهِ دَخَلَ المُسلِمُونَ الأَندَلُسَ لِيُقِيمُوا فِيهَا الإِسلامَ أَكثَرَ مِن خَمسَةِ قُرُونٍ ، وَفي رَمَضَانَ فُتِحَت عَمُّورِيَّةَ استِجَابَةً لِصَرخَةِ امرَأَةٍ مَكلُومَةٍ ، وَفي رَمَضَانَ انتَصَرَ المُسلِمُونَ عَلَى التَّتَارِ في مَعرَكَةِ عَينِ جَالُوتَ ، وَفِيهِ ـ عَلَى خِلافٍ بين المُؤَرِّخِينَ ـ وَقَعَت مَعرَكَتَا الزّلاقَةِ وَبَلاطِ الشُّهَدَاءِ . نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لَقَد كَانَ رَمَضَانُ مَولِدًا لِلإِسلامِ ومُبتَدَأَ نَصرٍ لِلمُسلِمِينَ ، وَمَشرِقَ فَتحٍ مُبِينٍ وَمِفتَاحَ مَجدٍ كَرِيمٍ ؟ فِيهِ انتَصَرُوا عَلَى الطُّغَاةِ المُعتَدِينَ ، وَفيهِ أَذَلُّوا الجَبَابِرَةَ المُشرِكِينَ ؟ وَفِيهِ هُدِمَ هُبَلُ وَمَعَهُ أَكثَرُ مِن ثَلاثِ مِئَةٍ وَسِتِّينَ صَنَمًا حَولَ الكَعبَةِ المُشَرَّفَةِ , وَفِيهِ بَعثَ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ لِيَهدِمَ العُزَّى فَهَدَمَهَا ، وَفِيهِ بَعثَ عَمرَو بنَ العَاصِ لِيَهدِم سُوَاعًا فَهَدَمَهُ ، وَفِيهِ بَعَثَ سَعدَ بنَ زَيدٍ لِيَهدِمَ مَنَافًا فَهَدَمَهُ . وَللهِ في تَقدِيرِ كُلِّ تِلكَ الانتِصَارَاتِ وَالفُتُوحَاتِ الحِكمَةُ البَالِغَةُ ، وَإِنَّهَا لإِشَارَاتٌ بَالِغَةٌ وَدُرُوسٌ لِلمُسلِمِينَ عَظِيمَةٌ ، تَبقَى مُعتَبَرًا في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَفي كُلِّ عَصرٍ وَمِصرٍ ، تَفهَمُهَا الأَجيَالُ لاحِقًا بَعدَ سَابِقٍ ، وتَستَلهِمُهَا النُّفُوسُ خَلَفًا بَعدَ سَلَفٍ ، لِيُوقِنَ المُسلِمُونَ أَنَّ شهَرَهُم شَهرُ جِدٍّ لا شَهرَ كَسَلٍ ، وَشَهرُ عَطَاءٍ وَإِقدَامٍ لا شَهرَ بَخلٍ وَنُكُوصٍ ، وَشَهرُ انتِصَارٍ وَعِزٍّ لا شَهرَ هَزِيمَةٍ وَذُلٍّ ، وَشَهرُ وُضُوحٍ وَفُرقَانٍ لا شَهرَ مُصَانَعَةٍ وإِدهَانٍ ، فَلا يَذِلُّوا وَلا يُدَاهِنُوا ، وَلا يَنهَزِمُوا أَمَامَ أَيِّ عَدُوٍّ وَلا يَقِفَ أَمَامَهُم أَيُّ صَنَمٍ ، سَوَاءً هَوَى نَفسٍ كَانَ أَو دَاعِيَ شَهوَةٍ ، أَو عَادَةً شَخصِيَّةً أَو عُرفًا اجتِمَاعِيًّا ، أَو قُوَّةً مَادِّيَّةً بَاهِرَةً أَو تَقَدُّمًا حَضَارِيًّا سَاحِرًا ، أَو دِعَايَاتٍ إِعلامِيَّةً مُضَلِّلَةً أَو مَشَاهِدَ تَمِثِيلِيَّةً فَاتِنَةً . إِنَّ رَمَضَانَ بِأَيَّامِهِ المُبَارَكَةِ وَلَيَالِيهِ المُشرِقَةِ كَانَ وَمَا زَالَ فُرصَةً لِلمُؤمِنِ الصَّادِقِ لِيُظهِرَ اعتِزَازَهُ بِدِينِهِ ، وَلِيُعلِنَ اعتِدَادَهُ بِعَقِيدَتِهِ ، وَلِيُنَادِيَ مُفتَخِرًا بِاتِّبَاعِهِ شَرِيعَةَ رَبِّهِ وَتَمَسُّكِهِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ ، وَلِيُعَلِّقَ قَلبَهُ وَقَالَبَهُ بِمَولاهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ وَحدَهُ دُونَ سِوَاهُ ، وَلِيَنصُرَهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ في أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ، لِيَنصُرَهُ رَبُّهُ كَمَا وَعَدَهُ حَيثُ قَالَ :" إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَانَصُرُوهُ بِتَقدِيمِ مَا يُحِبُّهُ وَيَرضَاهُ عَلَى مَا تُحِبُّونَ وَتَشتَهُونَ ، اُنصُرُوهُ بِنَصرِ الحَقِّ وَأَهلِهِ ، بَل قَبلَ كُلِّ ذَلِكَ انتَصِرُوا عَلَى نُفُوسِكُمُ الَّتي بَينَ جُنُوبِكُم ، انتَصِرُوا عَلَى شَهَوَاتِكُم ومَلَذَّاتِكُم ، حَقِّقُوا العُبُودِيَّةَ التَّامَّةَ للهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَالاستِسلامَ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، حَطِّمُوا الأَصنَامَ الَّتي في الصُّدُورِ ، فَإِنَّهُ لا نَصرَ لِلأُمَّةِ وَلا غَلَبَةَ ، وَلا عِزَّ لَهَا وَلا تَمكِينَ ، إِلاَّ بِأَن يَنتَصِرَ أَفرَادُهَا عَلَى أَعدَائِهِمُ الدَّاخِلِيَّينَ وَيَهزِمُوهُم ، مِن نُفُوسِهِمُ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ ، وَشَيَاطِينِ الإِنسِ وَالجِنِّ الَّذِينَ لا يَأَلُونَهُم خَبَالاً ، أَمَّا أَن يَنهَزِمَ المُسلِمُونَ أَمَامَ هَوَى نُفُوسِهِم وَشُحِّهَا ، وَيَستَسلِمُوا لِنَزَغَاتِ شَيَاطِينِهِم وَيُسَلِّمُوا لهمُ القِيَادَ ، وَيَسقُطُوا في مَعرَكَةِ سَاعَةٍ أَو نِصفِ سَاعَةٍ أَو دَقَائِقَ مَعدُودَةٍ ، يُوَاجِهُهُم فِيهَا مُمَثِّلُونَ طَائِشُونَ ، ويَستَرِقُّهُم فِيهَا مُغَنُّونَ مَاجِنُونَ ، فَيَطرَحُونَهُم أَرضًا يَضحَكُونَ وَيَستَهزِئُونَ بِدِينِهِم وَهُم سَامِدُونَ ، أَو يُخلِدُوا لِلفُرُشِ وَيُقَدِّمُوا النَّومَ عَلَى الصَّلاةِ ، أَو تُلهِيَهُم أَموَالُهُم وَأَولادُهُم عَن ذِكرِ اللهِ ، فَمَا أَحرَاهُم حِينَئِذٍ أَن تَدُومَ هَزِيمَتُهُم وَتَظهَرَ إِهَانَتُهُم " وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفعَلُ مَا يَشَاءُ " وَ" مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ " نَعَمْ ـ عِبَادَ اللهِ ـ لا عِزَّةَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا نَصرَ إِلاَّ مِن عِندِهِ ، وَلا عِزَّةَ وَلا نَصرَ إِلاَّ بِالكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ ، هَذِهِ هِيَ العِزَّةُ الحَقِيقِيَّةُ وَالعُلُوُّ التَّامُّ وَالسُّلطَانُ القَاهِرُ ، إِنَّهَا الاستِعلاءُ عَلَى شَهَوَاتِ النَّفسِ وَتَحطِيمُ أَصنَامِ الهَوَى وَالعَادَاتِ ، والانفِكَاكُ مِن قُيُودِ الرَّغَبَاتِ وَالنَّزَعَاتِ ، وَالتَّخَلُّصُ مِن ذُلِّ البُخلِ وَقَهرِ الشُّحِّ ، إِنَّهَا خَشيَةٌ للهِ وَتَقوَى ، وَمُرَاقَبَةٌ لَهُ في السِّرِّ وَالنَّجوَى ، فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُودًا . وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحمُودًا . وَقُلْ رَبِّ أَدخِلْني مُدخَلَ صِدقٍ وَأَخرِجْني مُخرَجَ صِدقٍ وَاجعَلْ لي مِن لَدُنْكَ سُلطَانًا نَصِيرًا . وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا . وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالمِينَ إِلاَّ خَسَارًا "



أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ . مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجزَى إِلاَّ مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، صُمتُم أَيَّامًا مَعدُودَاتٍ وَقُمتُم لَيَاليَ نَيِّرَاتٍ ، وَذَهَبَ الظَّمَأُ وَابَتَلَّتِ العُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجرُ إِن شَاءَ اللهُ ، لَقَد قَدَّمتُم مَا قَدَّمتُم وَاجتَهَدتُم وَبَذَلتُم ، وَذَهَبَ الكَثِيرُ وَلم يَبقَ إِلاَّ القَلِيلُ ...

غَدًا تُوَفَّى النُّفُوسُ مَا كَسَبَت

وَيَحصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا

إِن أَحسَنُوا أَحسَنُوا لأَنفُسِهِم

وَإِن أَسَاؤُوا فَبِئسَ مَا صَنَعُوَا

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَجتَهِدُونَ في إِتمَامِ العَمَلِ وَإِكمَالِهِ وَإِتقَانِهِ ، ثُمَّ يَهتَمُّونَ بَعدَ ذَلِكَ بِقَبُولِهِ وَيَخَافُونَ مِن رَدِّهِ ، أَلا وَإِنَّ مِن إِتقَانِ العَمَلِ الحِرصَ عَلَى الإِحسَانِ في الخَوَاتِيمِ ، فَكَيفَ إِذَا كَانَتِ الخَوَاتِيمُ هِيَ العَشرَ المُبَارَكَةَ الَّتي فِيهَا لَيلَةُ القَدرِ ، العَشرُ الَّتي كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَجتَهِدُ فِيهَا مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهَا . وَالَّتي كَانَ إِذَا دَخَلَت شَدَّ مِئزَرَهُ وَأَحيَا لَيلَهُ وَأَيقَظَ أَهلَهُ ؟! لَقَد كَانَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَخلِطُ العِشرِينَ بِصَلاةٍ وَنَومٍ ، فَإِذَا دَخَلَتِ العَشرُ شَمَّرَ وَشَدَّ المِئزَرَ ؛ وَمَا ذَاكَ إِلا لِعِلمِهِ بما في هَذِهِ العَشرِ مِنَ الأُجُورِ المُضَاعَفَةِ وَالحَسَنَاتِ المُتَكَاثِرَةِ ، فَكَانَ لِهَذَا يَجتَهِدُ فِيهَا اجتِهَادًا عَظِيمًا وَيَتَفَرَّغُ لِلطَّاعَةِ تَفَرُّغًا تَامًّا ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَعتَكِفُ فِيهَا فَيَلزَمُ المَسجِدَ وَيَقطَعُ العَلائِقَ بِالخَلائِقِ ، كُلَّ هَذَا مِن أَجلِ أَن يُوَافِقَ لَيلَةَ القَدرِ ، تِلكَ اللَّيلَةُ المُبَارَكَةُ الَّتي يَعدِلُ العَمَلُ فِيهَا عَمَلَ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَنَيِّفٍ ، في الصَّحِيحَينِ عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَعتَكِفُ العَشرَ الأَوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ ، ثُمَّ اعتَكَفَ أَزوَاجُهُ مِن بَعدِهِ . وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ اعتَكَفَ العَشرَ الأَوَّلَ مِن رَمَضَانَ ، ثُمَّ اعتَكَفَ العَشرَ الأَوسَطَ في قُبَّةٍ تُركِيَّةٍ عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ ، قَالَ : فَأَخَذَ الحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا في نَاحِيَةِ القُبَّةِ ثُمَّ أَطلَعَ رَأسَهُ فَكَلم النَّاسَ فَدَنَوا مِنهُ فَقَالَ : " إِنِّي اعتَكَفتُ العَشرَ الأَوَّلَ أَلتَمِسُ هَذِهِ اللَّيلَةَ ، ثُمَّ اعتَكَفتُ العَشرَ الأَوسَطَ ، ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لي إِنَّهَا في العَشرِ الأَوَاخِرِ ، فَمَن أَحَبَّ مِنكُم أَن يَعتَكِفَ فَليَعتَكِفْ " فَاعتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ . الحَدِيثَ . وَقَد أَرشَدَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلم ـ أُمَّتَهُ إِلى تَحَرِّي هَذِهِ اللَّيلَةِ وَالتِمَاسِهَا وَطَلَبِ مُوَافَقَتِهَا ، في البُخَارِيِّ عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلم ـ : " تَحَرَّوا لَيلَةَ القَدرِ في الوِترِ مِنَ العَشرِ الأَوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ " وَفي مُسلِمٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " التَمِسُوهَا في العَشرِ الأَوَاخِرِ ـ يَعني لَيلَةَ القَدرِ ـ فَإِن ضَعُفَ أَحَدُكُم أَو عَجَزَ فَلا يُغلَبَنَّ عَلَى السَّبعِ البَوَاقِي " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ مَا استَطَعتُم ، وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم خَيرَ مَا تَجِدُونَ ، فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتى تَمَلُّوا .

الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى