رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / عبد الله بن محمد البصري
عيادة المريض
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بمَا تَعمَلُون "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الإِسلامُ دِينُ العِبَادَةِ وَالمُعَامَلَةِ ، دِينُ طَهَارَةِ القَلبِ وَإِصلاحِ القَالَبِ ، دِينُ الصَّبرِ وَالمَرحمَةِ ، دِينٌ لا يُؤمِنٌ مُتَّبِعُهُ حَقَّ الإِيمَانِ حَتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ . وَكَمَا جُعِلَت عَلَى المُكَلَّفِ فِيهِ وَاجِبَاتٌ وَطُلِبَ مِنهُ امتِثَالُهَا ، فَقَد ضُمِنَت لَهُ حُقُوقٌ وَنُدِبَ الآخَرُونَ إِلى الوَفَاءِ لَهُ بها ، وَإِذَا كَانَتِ الحُقُوقُ بَينَ النَّاسِ تَختَلِفُ بِحَسَبِ ضَرُورَتِهَا وَالحَاجَةِ إِلَيهَا ، فَإِنَّ حَقَّ المَرِيضِ يَأتي مِنهَا في مَكَانَةٍ عَالِيَةٍ ، إِذِ المَرِيضُ يُنهَكُ بِالدَّاءِ جَسَدُهُ ، وَتَضعُفُ قُوَّتُهُ وَتَنقَطِعُ حِيلَتُهُ ، فَتَزُولُ لِذَلِكَ حِدَّةُ نَفسِهِ ويَرِقُّ قَلبُهُ ، وَيَرهُفُ شُعُورُهُ وَيَلطُفُ إِحسَاسُهُ ، فَتَرَاهُ يَفرَحُ بِالزِّيَارَةِ وَيَأنَسُ بِالعِيَادَةِ ، وَيَشتَاقُ لِمَن غَابَ وَيَهَشُّ لِمَن حَضَرَ ، وَيَحزَنُ وَهُوَ يَرَى إِخوَانَهُ عَنهُ مُعرِضِينَ ، وَبِدُنيَاهُم عَن عِيَادَتِهِ غَافِلِينَ . وَإِنَّ لِلمَرضَى عَلَى إِخوَانِهِم مِنَ الحَقِّ مَا لَو عَلِمُوهُ وَاحتَسَبُوهُ ، لَمَا تَوَانَوا عَن زِيَارَتِهِم لَحظَةً وَاحِدَةً ، وَإِنَّ لهم مِنَ الفَرحَةِ بهم وَالسُّرُورِ بِمَجِيئِهِم ، مَا لَوِ استَحضَرُوهُ وَاستَطعَمُوهُ ، مَا قَدِرُوا عَلَى مُفَارَقَتِهِم سَاعَةً ، وَمَن جَرَّبَ البَلاءَ يَومًا عَرَفَ قِيمَةَ العَافِيَةِ ، وَمَن رَقَدَ عَلَى سَرِيرِ المَرَضِ ثَمَّنَ قَدرَ الزِّيَارَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد عُنِيَ الإِسلامُ بهذَا الجَانِبِ أَيَّمَا عِنَايَةٍ ، وَأَولاهُ مِنَ الاهتِمَامِ قَدرًا عَظِيمًا ، حَيثُ جَعَلَهُ مِن حَقِّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ ، وَأَجزَلَ لِلعَائِدِ الأَجرَ وَضَاعَفَ لَهُ الثَّوَابَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " حَقُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ خمسٌ : رَدُّ السَّلامِ ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعوَةِ ، وَتَشمِيتُ العَاطِسِ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ المُسلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ المُسلِمَ لم يَزَلْ في خُرفَةِ الجَنَّةِ حَتى يَرجِعَ " وَإِنَّ لِزَائِرِ المَرِيضِ مَعَ الأَجرِ وَالثَّوَابِ لَرَاحَةً لِنَفسِهِ وَأُنسًا وَانبِسَاطًا ، وَفي الزِّيَارَةِ مِنَ اللَّذَّةِ مَا لا يَذُوقُهَا إِلاَّ مَن جَرَّبَهَا ، وَكَيفَ لا تَطِيبُ حَيَاةُ الزَّائِرِ وَلا تَرتَاحُ نَفسُهُ وَلا يَتَّسِعُ صَدرُهُ ، وَالمُنَادِي يُنَادِيهِ : أَنْ طِبتَ وَطَابَ ممشَاكَ وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلاً ؟ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " مَن عَادَ مَرِيضًا أَو زَارَ أَخًا لَهُ في اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ بِأَن طِبتَ وَطَابَ ممشَاكَ وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلاً " وَلَكَم نُفَرِّطُ اليَومَ في هَذَا الأَجرِ وَنَتَنَاسَاهُ وَنَتَغَافَلُ عَنهُ ، إِذْ نَنطَلِقُ في أَودِيَةِ الدُّنيَا طَالِبِينَ مَتَاعَهَا وَزِينَتَهَا ، مُتَّبِعِينَ شَهَوَاتِها مَفتُونِينَ في زَخَارِفِهَا ، غَيرَ مُهتَمِّينَ بما عِندَ اللهِ مِنَ القُربَةِ وَالزُّلفَى لِمَنِ احتَسَبَ ، فَلا يَدرِي أَحَدُنَا إِلاَّ وَقَد فَجَأَهُ المَوتُ وَاختَرَمَتهُ المَنُونُ ، فَتَجَرَّعَ أَلَمَ الغُصَّةِ وَتَحَسَّرَ لِفَوَاتِ الفُرصَةِ ، وَالنَّدَمُ كُلُّ النَّدَمِ وَالحَسرَةُ كُلُّ الحَسرَةِ ، يَومَ يُوَافي رَبَّهُ فَيَقُولُ لَهُ : " يَا بنَ آدَمَ ، مَرِضتُ فَلَم تَعُدْني ! قَالَ : يَا رَبِّ كَيفَ أَعُودُكَ وَأَنتَ رَبُّ العَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمتَ أَنَّ عَبدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَم تَعُدْهُ ؟ أَمَا عَلِمتَ أَنَّكَ لَو عُدتَهُ لَوَجَدتَني عِندَهُ ؟ " إِنَّ القُلُوبَ حِينَ تَلتَفِتُ عَنِ احتِسَابِ الأَجرِ وَتَغفُلُ عَنِ ابتِغَاءِ الثَّوَابِ ، فَلا تَسَلْ عَن قَسوَتِهَا حَينَئِذٍ وَتَصَلُّدِهَا ، وَنِسيَانِهَا حَقَّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ ! وَلَقَد عَادَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَهُودِيًّا لَمَّا مَرِضَ ، فَمَا أَكرَمَهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَمَا أَرحَمَهُ ! وَمَا أَنبَلَ خُلُقَهُ وَمَا أَزكَى نَفسَهُ ! في البُخَارِيِّ عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخدِمُ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ فَقَالَ لَهُ : " أَسلِمْ " فَنَظَرَ إِلى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَهُ فَقَالَ : أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ . فَأَسلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ يَقُولُ : " الحَمدُ للهِ الَّذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ " فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ! هَذَا محمدٌ رَسُولُ اللهِ ، أَفضَلُ خَلقِ اللهِ عُنصُرًا وَأَنفَسُهُم مَعدِنًا ، وَأَرفَعُهُم مَكَانَةً وَأَعلاهُم قَدرًا ، وَأَعلَمُهُم وَأَكرَمُهُم وَأَرحَمُهُم ، وَذَاكَ غُلامٌ وَيَهُودِيٌّ أَيضًا ، وَمَعَ هَذَا زَارَهُ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ ، فَمَا أَطهَرَهُ مِن قَلبٍ وَمَا أَزكَاهَا مِن نَفسٍ ! قَلبٌ رَقِيقٌ حَتى مَعَ أَعدَائِهِ ، وَنَفسٌ تَرحَمُ مَن لا يُحِبُّهَا ! فَأَينَ قُسَاةُ القُلُوبِ اليَومَ مِن هَذَا الخُلُقِ العَظِيمِ ؟ أَينَ مَن لا يَعنِيهِم أَمرُ مَرضَاهُم وَلا يَحفِلُونَ بِشَأنِهِم ؟ أَكُلَّ هَذَا زُهدًا في الأَجرِ وَاستِغنَاءً عَنِ الرَّحمَةِ ؟! أَكُلَّ هَذَا قَسوَةً في القُلُوبِ وَمَرَضًا في النُّفُوسِ ؟ أَكُلَّ هَذَا رَغبَةً عَن إِرضَاءِ رَبِّهِم وَمَولاهُم ؟! لَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن عَادَ مَرِيضًا لم يَزَلْ يَخُوضُ الرَّحمَةَ حَتى يَجلِسَ ، فَإِذَا جَلَسَ اغتَمَسَ فِيهَا " وَقَالَ : " إِذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ المُسلِمَ مَشَى في خِرَافَةِ الجَنَّةِ حَتى يَجلِسَ ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتهُ الرَّحمَةُ ، فَإِنْ كَانَ غُدوَةً صَلَّى عَلَيهِ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتى يُمسِيَ ، وَإِنْ كَانَ عَشِيًّا صَلَّى عَلَيهِ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتى يُصبِحَ " إِنَّهَا رَحمَةٌ في رَحمَةٍ في رَحمَةٍ ، رَحَمَاتٌ يَخُوضُ فِيهَا العَائِدُ وَهُوَ يَمشِي ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتهُ وَغَطَّتهُ ، وَصَلَوَاتٌ وَدَعَوَاتٌ ممَّن لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ ، فَخَابَت وُجُوهٌ لا تَتَمَعَّرُ لِرُؤيَةِ المَرِيضِ وَهُوَ يَئِنُّ مِن أَلَمٍ ، وَجَفَّت عُيُونٌ لا تَذرِفُ الدَّمعَ رَأفَةً بِهِ ! وَشَقِيَت نُفُوسٌ أَثقَلَتهَا الذُّنُوبُ وَالدُّيُونُ وَرَكِبَتهَا الهُمُومُ وَالغُمُومُ ، ثم هِيَ لا تَطلُبُ الرَّحمَةَ في طَاعَةِ رَبِّهَا وَإِسعَادِ إِخوَانِهَا . لَقَد بَكَى رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في مِثلِ هَذِهِ المَوَاقِفِ وَأَبكَى ، فَعَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : دَخَلنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى أَبي سَيفِ القَينِ ، وَكَانَ ظِئرًا لإِبرَاهِيمَ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِبرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ، ثم دَخَلنَا عَلَيهِ بَعدَ ذَلِكَ وَإِبرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفسِهِ ، فَجَعَلَت عَينَا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ تَذرِفَانِ . فَقَالَ لَهُ عَبدُالرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ : وَأَنتَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَقَالَ : " يَا بنَ عَوفٍ إِنَّهَا رَحمَةٌ " ثم أَتبَعَهَا بِأُخرَى فَقَالَ : " إِنَّ العَينَ تَدمَعُ وَالقَلبَ يَحزَنُ ، وَلا نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرضِي رَبَّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبرَاهِيمُ لَمَحزُونُونَ " وَعَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَرسَلَتِ ابنَةُ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَيهِ : أَنَّ ابنًا لي قُبِضَ فَأْتِنَا . فَأَرسَلَ يُقرِئُ السَّلامَ وَيَقُولُ : " إِنَّ للهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعطَى ، وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى ، فَلْتَصبِرْ وَلْتَحتَسِبْ " فَأَرسَلَت إِلَيهِ تُقسِمُ عَلَيهِ لَيَأتِيَنَّهَا ، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعدُ بنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بنُ كَعبٍ وَزَيدُ بنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ ، فرُفِعَ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الصَّبيُّ وَنَفسُهُ تَتَقَعقَعُ ، فَفَاضَت عَينَاهُ . فَقَالَ سَعدٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : " هَذِهِ رَحمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ ، فَإِنَّمَا يَرحَمُ اللهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ " أَلا فَزُورُوا المَرضَى ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَادعُوا لهم ، وَلْيَدعُوا لَكُم ، فَإِنَّهُم أَرَقُّ مَا يَكُونُونَ ، وَلَعَلَّ أَحَدَهُم وَهُوَ في حَالَةِ ضَعفٍ أَن يَدعُوَ لِزَائِرِهِ فَتُقبَلَ دَعوَتُهُ ، وَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " اُبغُوني ضُعَفَاءَكُم ، فَإِنَّمَا تُنصَرُونَ وَتُرزَقُونَ بِضُعَفَائِكُم " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا حَضَرتُمُ المَرِيضَ أَوِ المَيِّتَ فَقُولُوا خَيرًا ؛ فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تُقُولُونَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن عَادَ مَرِيضًا لم يَحضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِندَهُ سَبعَ مَرَّاتٍ : " أَسأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرشِ العَظِيمِ أَن يَشفِيَكَ إِلاَّ عَافَاهُ اللهُ مِن ذَلِكَ المَرَضِ " اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ يَا عَظِيمُ يَا رَبَّ العَرشِ العَظِيمِ ، اللَّهُمَّ اشفِ مَرضَانَا ، وَارحَمْ مَوتَانَا ، وَوَفِّقْنَا لاغتِنَامِ الأَعمَارِ في الصَّالِحَاتِ قَبلَ المَمَاتِ . اللَّهُمَّ أَصلِحْ قُلُوبَنَا وَارحَمْنَا ، وَأَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ ، وَاغفِرْ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ لِعِيَادَةِ المَرِيضِ لَفَوَائِدَ غَيرَ إِدخَالِ السُّرُورِ عَلَيهِ وَتَصبِيرِهِ وَحُصُولِ الأَجرِ لِلزَّائِرِ ، مِن أَهَمِّهَا وَأَبلَغِهَا أَثَرًا أَن يَعلَمَ المَرءُ ضَعفَهُ وَقِلَّةَ حِيلَتِهِ وَقُربَ الغِيَرِ مِنهُ ، ممَّا لَعَلَّهُ يُذَكِّرُهُ مَصِيرَهُ فَيَستَعِدَّ لَهُ وَيَزدَادَ مِنَ الصَّالِحَاتِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " عُودُوا المَرضَى وَاتَّبِعُوا الجَنَائِزَ تُذَكِّرْكُمُ الآخِرَةَ " ثُمَّ اعلَمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ أَنَّ لِعِيَادَةِ المَرضَى آدَابًا تَكمُلُ بِهَا الزِّيَارَةُ ، مِن أَهَمِّهَا إِخلاصُ النِّيَّةِ وَاستِحضَارُ عَظِيمِ الأَجرِ ، وَأَلاَّ يَرَى الزَّائِرُ لِنَفسِهِ فَضلاً بِزِيَارَتِهِ أَو مَنًّا ، بَل يَستَحضِرُ أَنَّ زِيَارَتَهُ المَرِيضَ حَقٌّ لَهُ ، يُؤجَرُ بِفِعلِهِ وَقَد يَأثَمُ بِتَركِهِ ،كَمَا أَنَّ ممَّا يَنبَغِي مُرَاعَاتُهُ الوَقتَ المُنَاسِبَ لِلزِّيَارَةِ ، وَأَلاَّ يُطِيلَ في المُكثِ عِندَ المَرِيضِ بِمَا يَشُقُّ عَلَيهِ أَو عَلَى أَهلِهِ ، إِلاَّ إِذَا اقتَضَتِ المَصلَحَةُ أَو رَغِبَ المَرِيضُ في ذَلِكَ ، وَمِن آدَابِ الزِّيَارَةِ الدُّعَاءُ بِمَا كَانَ الرَّسُولُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ يَدعُو بِهِ لِلمَرِيضِ مِن قَولِهِ : " لا بَأسَ ، طَهُورٌ إِن شَاءَ اللهُ " وَيَحسُنُ بِالزَّائِرِ أَن يُذَكِّرَ المَرِيضَ بِسَعَةِ رَحمَةِ اللهِ وَوَاسِعِ فَضلِهِ ، وَألاَّ يُقَنِّطَهُ مِنَ الشِّفَاءِ وَلا يُيَئِّسَهُ مِنَ العَافِيَةِ ، وَأَن يُوصِيَهُ بِأَن يُحسِنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ ـ تَعَالى ـ ، وَيُذكِّرَهُ بِأَنَّهُ وَحدَهُ هُوَ الشَّافي ، كَمَا يَجمُلُ أَن يُذَكِّرَهُ بِفَضلِ التَّوبَةِ وَالاستِغفَارِ وَالرُّجُوعِ إِلى اللهِ ، وَمَا لِلصَّدَقَةِ مِن الأَثَرِ في الشِّفَاءِ بِرَحمَةِ اللهِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " دَاوُوا مَرضَاكُم بِالصَّدَقَةِ " حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ
عيادة المريض
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بمَا تَعمَلُون "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الإِسلامُ دِينُ العِبَادَةِ وَالمُعَامَلَةِ ، دِينُ طَهَارَةِ القَلبِ وَإِصلاحِ القَالَبِ ، دِينُ الصَّبرِ وَالمَرحمَةِ ، دِينٌ لا يُؤمِنٌ مُتَّبِعُهُ حَقَّ الإِيمَانِ حَتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ . وَكَمَا جُعِلَت عَلَى المُكَلَّفِ فِيهِ وَاجِبَاتٌ وَطُلِبَ مِنهُ امتِثَالُهَا ، فَقَد ضُمِنَت لَهُ حُقُوقٌ وَنُدِبَ الآخَرُونَ إِلى الوَفَاءِ لَهُ بها ، وَإِذَا كَانَتِ الحُقُوقُ بَينَ النَّاسِ تَختَلِفُ بِحَسَبِ ضَرُورَتِهَا وَالحَاجَةِ إِلَيهَا ، فَإِنَّ حَقَّ المَرِيضِ يَأتي مِنهَا في مَكَانَةٍ عَالِيَةٍ ، إِذِ المَرِيضُ يُنهَكُ بِالدَّاءِ جَسَدُهُ ، وَتَضعُفُ قُوَّتُهُ وَتَنقَطِعُ حِيلَتُهُ ، فَتَزُولُ لِذَلِكَ حِدَّةُ نَفسِهِ ويَرِقُّ قَلبُهُ ، وَيَرهُفُ شُعُورُهُ وَيَلطُفُ إِحسَاسُهُ ، فَتَرَاهُ يَفرَحُ بِالزِّيَارَةِ وَيَأنَسُ بِالعِيَادَةِ ، وَيَشتَاقُ لِمَن غَابَ وَيَهَشُّ لِمَن حَضَرَ ، وَيَحزَنُ وَهُوَ يَرَى إِخوَانَهُ عَنهُ مُعرِضِينَ ، وَبِدُنيَاهُم عَن عِيَادَتِهِ غَافِلِينَ . وَإِنَّ لِلمَرضَى عَلَى إِخوَانِهِم مِنَ الحَقِّ مَا لَو عَلِمُوهُ وَاحتَسَبُوهُ ، لَمَا تَوَانَوا عَن زِيَارَتِهِم لَحظَةً وَاحِدَةً ، وَإِنَّ لهم مِنَ الفَرحَةِ بهم وَالسُّرُورِ بِمَجِيئِهِم ، مَا لَوِ استَحضَرُوهُ وَاستَطعَمُوهُ ، مَا قَدِرُوا عَلَى مُفَارَقَتِهِم سَاعَةً ، وَمَن جَرَّبَ البَلاءَ يَومًا عَرَفَ قِيمَةَ العَافِيَةِ ، وَمَن رَقَدَ عَلَى سَرِيرِ المَرَضِ ثَمَّنَ قَدرَ الزِّيَارَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد عُنِيَ الإِسلامُ بهذَا الجَانِبِ أَيَّمَا عِنَايَةٍ ، وَأَولاهُ مِنَ الاهتِمَامِ قَدرًا عَظِيمًا ، حَيثُ جَعَلَهُ مِن حَقِّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ ، وَأَجزَلَ لِلعَائِدِ الأَجرَ وَضَاعَفَ لَهُ الثَّوَابَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " حَقُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ خمسٌ : رَدُّ السَّلامِ ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعوَةِ ، وَتَشمِيتُ العَاطِسِ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ المُسلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ المُسلِمَ لم يَزَلْ في خُرفَةِ الجَنَّةِ حَتى يَرجِعَ " وَإِنَّ لِزَائِرِ المَرِيضِ مَعَ الأَجرِ وَالثَّوَابِ لَرَاحَةً لِنَفسِهِ وَأُنسًا وَانبِسَاطًا ، وَفي الزِّيَارَةِ مِنَ اللَّذَّةِ مَا لا يَذُوقُهَا إِلاَّ مَن جَرَّبَهَا ، وَكَيفَ لا تَطِيبُ حَيَاةُ الزَّائِرِ وَلا تَرتَاحُ نَفسُهُ وَلا يَتَّسِعُ صَدرُهُ ، وَالمُنَادِي يُنَادِيهِ : أَنْ طِبتَ وَطَابَ ممشَاكَ وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلاً ؟ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " مَن عَادَ مَرِيضًا أَو زَارَ أَخًا لَهُ في اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ بِأَن طِبتَ وَطَابَ ممشَاكَ وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلاً " وَلَكَم نُفَرِّطُ اليَومَ في هَذَا الأَجرِ وَنَتَنَاسَاهُ وَنَتَغَافَلُ عَنهُ ، إِذْ نَنطَلِقُ في أَودِيَةِ الدُّنيَا طَالِبِينَ مَتَاعَهَا وَزِينَتَهَا ، مُتَّبِعِينَ شَهَوَاتِها مَفتُونِينَ في زَخَارِفِهَا ، غَيرَ مُهتَمِّينَ بما عِندَ اللهِ مِنَ القُربَةِ وَالزُّلفَى لِمَنِ احتَسَبَ ، فَلا يَدرِي أَحَدُنَا إِلاَّ وَقَد فَجَأَهُ المَوتُ وَاختَرَمَتهُ المَنُونُ ، فَتَجَرَّعَ أَلَمَ الغُصَّةِ وَتَحَسَّرَ لِفَوَاتِ الفُرصَةِ ، وَالنَّدَمُ كُلُّ النَّدَمِ وَالحَسرَةُ كُلُّ الحَسرَةِ ، يَومَ يُوَافي رَبَّهُ فَيَقُولُ لَهُ : " يَا بنَ آدَمَ ، مَرِضتُ فَلَم تَعُدْني ! قَالَ : يَا رَبِّ كَيفَ أَعُودُكَ وَأَنتَ رَبُّ العَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمتَ أَنَّ عَبدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَم تَعُدْهُ ؟ أَمَا عَلِمتَ أَنَّكَ لَو عُدتَهُ لَوَجَدتَني عِندَهُ ؟ " إِنَّ القُلُوبَ حِينَ تَلتَفِتُ عَنِ احتِسَابِ الأَجرِ وَتَغفُلُ عَنِ ابتِغَاءِ الثَّوَابِ ، فَلا تَسَلْ عَن قَسوَتِهَا حَينَئِذٍ وَتَصَلُّدِهَا ، وَنِسيَانِهَا حَقَّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ ! وَلَقَد عَادَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَهُودِيًّا لَمَّا مَرِضَ ، فَمَا أَكرَمَهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَمَا أَرحَمَهُ ! وَمَا أَنبَلَ خُلُقَهُ وَمَا أَزكَى نَفسَهُ ! في البُخَارِيِّ عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخدِمُ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ فَقَالَ لَهُ : " أَسلِمْ " فَنَظَرَ إِلى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَهُ فَقَالَ : أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ . فَأَسلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ يَقُولُ : " الحَمدُ للهِ الَّذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ " فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ! هَذَا محمدٌ رَسُولُ اللهِ ، أَفضَلُ خَلقِ اللهِ عُنصُرًا وَأَنفَسُهُم مَعدِنًا ، وَأَرفَعُهُم مَكَانَةً وَأَعلاهُم قَدرًا ، وَأَعلَمُهُم وَأَكرَمُهُم وَأَرحَمُهُم ، وَذَاكَ غُلامٌ وَيَهُودِيٌّ أَيضًا ، وَمَعَ هَذَا زَارَهُ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ ، فَمَا أَطهَرَهُ مِن قَلبٍ وَمَا أَزكَاهَا مِن نَفسٍ ! قَلبٌ رَقِيقٌ حَتى مَعَ أَعدَائِهِ ، وَنَفسٌ تَرحَمُ مَن لا يُحِبُّهَا ! فَأَينَ قُسَاةُ القُلُوبِ اليَومَ مِن هَذَا الخُلُقِ العَظِيمِ ؟ أَينَ مَن لا يَعنِيهِم أَمرُ مَرضَاهُم وَلا يَحفِلُونَ بِشَأنِهِم ؟ أَكُلَّ هَذَا زُهدًا في الأَجرِ وَاستِغنَاءً عَنِ الرَّحمَةِ ؟! أَكُلَّ هَذَا قَسوَةً في القُلُوبِ وَمَرَضًا في النُّفُوسِ ؟ أَكُلَّ هَذَا رَغبَةً عَن إِرضَاءِ رَبِّهِم وَمَولاهُم ؟! لَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن عَادَ مَرِيضًا لم يَزَلْ يَخُوضُ الرَّحمَةَ حَتى يَجلِسَ ، فَإِذَا جَلَسَ اغتَمَسَ فِيهَا " وَقَالَ : " إِذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ المُسلِمَ مَشَى في خِرَافَةِ الجَنَّةِ حَتى يَجلِسَ ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتهُ الرَّحمَةُ ، فَإِنْ كَانَ غُدوَةً صَلَّى عَلَيهِ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتى يُمسِيَ ، وَإِنْ كَانَ عَشِيًّا صَلَّى عَلَيهِ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتى يُصبِحَ " إِنَّهَا رَحمَةٌ في رَحمَةٍ في رَحمَةٍ ، رَحَمَاتٌ يَخُوضُ فِيهَا العَائِدُ وَهُوَ يَمشِي ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتهُ وَغَطَّتهُ ، وَصَلَوَاتٌ وَدَعَوَاتٌ ممَّن لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ ، فَخَابَت وُجُوهٌ لا تَتَمَعَّرُ لِرُؤيَةِ المَرِيضِ وَهُوَ يَئِنُّ مِن أَلَمٍ ، وَجَفَّت عُيُونٌ لا تَذرِفُ الدَّمعَ رَأفَةً بِهِ ! وَشَقِيَت نُفُوسٌ أَثقَلَتهَا الذُّنُوبُ وَالدُّيُونُ وَرَكِبَتهَا الهُمُومُ وَالغُمُومُ ، ثم هِيَ لا تَطلُبُ الرَّحمَةَ في طَاعَةِ رَبِّهَا وَإِسعَادِ إِخوَانِهَا . لَقَد بَكَى رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في مِثلِ هَذِهِ المَوَاقِفِ وَأَبكَى ، فَعَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : دَخَلنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى أَبي سَيفِ القَينِ ، وَكَانَ ظِئرًا لإِبرَاهِيمَ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِبرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ، ثم دَخَلنَا عَلَيهِ بَعدَ ذَلِكَ وَإِبرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفسِهِ ، فَجَعَلَت عَينَا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ تَذرِفَانِ . فَقَالَ لَهُ عَبدُالرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ : وَأَنتَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَقَالَ : " يَا بنَ عَوفٍ إِنَّهَا رَحمَةٌ " ثم أَتبَعَهَا بِأُخرَى فَقَالَ : " إِنَّ العَينَ تَدمَعُ وَالقَلبَ يَحزَنُ ، وَلا نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرضِي رَبَّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبرَاهِيمُ لَمَحزُونُونَ " وَعَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَرسَلَتِ ابنَةُ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَيهِ : أَنَّ ابنًا لي قُبِضَ فَأْتِنَا . فَأَرسَلَ يُقرِئُ السَّلامَ وَيَقُولُ : " إِنَّ للهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعطَى ، وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى ، فَلْتَصبِرْ وَلْتَحتَسِبْ " فَأَرسَلَت إِلَيهِ تُقسِمُ عَلَيهِ لَيَأتِيَنَّهَا ، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعدُ بنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بنُ كَعبٍ وَزَيدُ بنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ ، فرُفِعَ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الصَّبيُّ وَنَفسُهُ تَتَقَعقَعُ ، فَفَاضَت عَينَاهُ . فَقَالَ سَعدٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : " هَذِهِ رَحمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ ، فَإِنَّمَا يَرحَمُ اللهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ " أَلا فَزُورُوا المَرضَى ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَادعُوا لهم ، وَلْيَدعُوا لَكُم ، فَإِنَّهُم أَرَقُّ مَا يَكُونُونَ ، وَلَعَلَّ أَحَدَهُم وَهُوَ في حَالَةِ ضَعفٍ أَن يَدعُوَ لِزَائِرِهِ فَتُقبَلَ دَعوَتُهُ ، وَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " اُبغُوني ضُعَفَاءَكُم ، فَإِنَّمَا تُنصَرُونَ وَتُرزَقُونَ بِضُعَفَائِكُم " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا حَضَرتُمُ المَرِيضَ أَوِ المَيِّتَ فَقُولُوا خَيرًا ؛ فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تُقُولُونَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن عَادَ مَرِيضًا لم يَحضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِندَهُ سَبعَ مَرَّاتٍ : " أَسأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرشِ العَظِيمِ أَن يَشفِيَكَ إِلاَّ عَافَاهُ اللهُ مِن ذَلِكَ المَرَضِ " اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ يَا عَظِيمُ يَا رَبَّ العَرشِ العَظِيمِ ، اللَّهُمَّ اشفِ مَرضَانَا ، وَارحَمْ مَوتَانَا ، وَوَفِّقْنَا لاغتِنَامِ الأَعمَارِ في الصَّالِحَاتِ قَبلَ المَمَاتِ . اللَّهُمَّ أَصلِحْ قُلُوبَنَا وَارحَمْنَا ، وَأَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ ، وَاغفِرْ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ لِعِيَادَةِ المَرِيضِ لَفَوَائِدَ غَيرَ إِدخَالِ السُّرُورِ عَلَيهِ وَتَصبِيرِهِ وَحُصُولِ الأَجرِ لِلزَّائِرِ ، مِن أَهَمِّهَا وَأَبلَغِهَا أَثَرًا أَن يَعلَمَ المَرءُ ضَعفَهُ وَقِلَّةَ حِيلَتِهِ وَقُربَ الغِيَرِ مِنهُ ، ممَّا لَعَلَّهُ يُذَكِّرُهُ مَصِيرَهُ فَيَستَعِدَّ لَهُ وَيَزدَادَ مِنَ الصَّالِحَاتِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " عُودُوا المَرضَى وَاتَّبِعُوا الجَنَائِزَ تُذَكِّرْكُمُ الآخِرَةَ " ثُمَّ اعلَمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ أَنَّ لِعِيَادَةِ المَرضَى آدَابًا تَكمُلُ بِهَا الزِّيَارَةُ ، مِن أَهَمِّهَا إِخلاصُ النِّيَّةِ وَاستِحضَارُ عَظِيمِ الأَجرِ ، وَأَلاَّ يَرَى الزَّائِرُ لِنَفسِهِ فَضلاً بِزِيَارَتِهِ أَو مَنًّا ، بَل يَستَحضِرُ أَنَّ زِيَارَتَهُ المَرِيضَ حَقٌّ لَهُ ، يُؤجَرُ بِفِعلِهِ وَقَد يَأثَمُ بِتَركِهِ ،كَمَا أَنَّ ممَّا يَنبَغِي مُرَاعَاتُهُ الوَقتَ المُنَاسِبَ لِلزِّيَارَةِ ، وَأَلاَّ يُطِيلَ في المُكثِ عِندَ المَرِيضِ بِمَا يَشُقُّ عَلَيهِ أَو عَلَى أَهلِهِ ، إِلاَّ إِذَا اقتَضَتِ المَصلَحَةُ أَو رَغِبَ المَرِيضُ في ذَلِكَ ، وَمِن آدَابِ الزِّيَارَةِ الدُّعَاءُ بِمَا كَانَ الرَّسُولُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ يَدعُو بِهِ لِلمَرِيضِ مِن قَولِهِ : " لا بَأسَ ، طَهُورٌ إِن شَاءَ اللهُ " وَيَحسُنُ بِالزَّائِرِ أَن يُذَكِّرَ المَرِيضَ بِسَعَةِ رَحمَةِ اللهِ وَوَاسِعِ فَضلِهِ ، وَألاَّ يُقَنِّطَهُ مِنَ الشِّفَاءِ وَلا يُيَئِّسَهُ مِنَ العَافِيَةِ ، وَأَن يُوصِيَهُ بِأَن يُحسِنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ ـ تَعَالى ـ ، وَيُذكِّرَهُ بِأَنَّهُ وَحدَهُ هُوَ الشَّافي ، كَمَا يَجمُلُ أَن يُذَكِّرَهُ بِفَضلِ التَّوبَةِ وَالاستِغفَارِ وَالرُّجُوعِ إِلى اللهِ ، وَمَا لِلصَّدَقَةِ مِن الأَثَرِ في الشِّفَاءِ بِرَحمَةِ اللهِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " دَاوُوا مَرضَاكُم بِالصَّدَقَةِ " حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى