رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / عبد الله بن محمد البصري
هل تغني الآيات والنذر ؟
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ . يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الزَّلازِلُ وَالبَرَاكِينُ ، الأَمطَارُ المُدَمِّرَةُ وَالسُّيُولُ الجَارِفَةُ ، الطُّوفَانُ العَارِمُ وَالأَموَاجُ العَاتِيَةُ ، القَصفُ وَالهَدمُ وَالحَربُ وَالضَّربُ ، المُشَرَّدُونَ وَاللاَّجِئُونَ ، النَّازِحُونَ وَالمَنكُوبُونَ ،، كَلِمَاتٌ مُفزِعَةٌ وَمُفرَدَاتٌ مُوجِعَةٌ ، يُعِيذُ المَرءُ نَفسَهُ مِن سَمَاعِهَا فَضلاً عَن مُشَاهَدَتِهَا ، فَكَيفَ بِمُلابَسَتِهَا أَو وُقُوعِهَا لِقَرِيبٍ أَو صَدِيقٍ أَو عَزِيزٍ ؟!
وَلَقَد كَانَت هَذِهِ المُصطَلَحَاتُ في سَنَوَاتٍ مَضَت شَيئًا ممَّا نَسمَعُهُ وَنَرَاهُ في وَسَائِلِ الإِعلامِ ، وَيَقَعُ لِدُوَلٍ بَعِيدَةٍ عَنَّا وَمَنَاطِقَ نَائِيَةٍ مِنَّا ، وَلَكِنَّنَا في هَذِهِ الفَترَةِ الأَخِيرَةِ القَصِيرَةِ ، رَأَينَا مِنهُ طَرَفًا حَولَنَا وَسَمِعنَا بِهِ قَرِيبًا مِنَّا ، في هِزَّاتٍ أَصَابَت بَعضَ مَنَاطِقِ بِلادِنَا فَأَقَضَّت مَضَاجِعَ أَهلِهَا ، وَأَمطَارٍ هَطَلَت وَفَيَضَانٍ جَرَى في أَجزَاءٍ أُخرَى ، فَدَمَّرَ مَا دَمَّرَ وقَتَلَ مَن قَتَلَ ، وَاعتِدَاءَاتٍ آثِمَةٍ مُجرِمَةٍ ، قُصِدَت بها جِهَاتٌ ثَالِثَةٌ مِن بِلادِنَا ، تَأَهَّبَت لأَجلِهَا قُوَّاتٌ وَأُخِذَت عِدَدٌ وَعُبِّئَ جُنُودٌ ، وَنَزَحَ بِسَبَبِهَا عَن دِيَارِهِ مَن نَزَحَ وَشُرِّدَ مَن شُرِّدَ ،، وَالحَمدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، فَمَا نَحنُ لِقَضَائِهِ بِرَادِّينَ وَلا لِقَدَرِهِ بِمُنكِرِينَ ، وَلا ممَّا أَجرَاهُ عَلَينَا بِحِكمَتِهِ مُمتَعِضِينَ ، كَيفَ وَالإِيمَانُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ أَصلٌ مِن أُصُولِ الإِيمَانِ مَتِينٌ ، وَرُكنٌ في دِينِ المُسلِمِ رَكِينٌ ؟ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ في الأَرضِ وَلا في أَنفُسِكُم إِلاَّ في كِتَابٍ مِن قَبلِ أَن نَبرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ . لِكَيلا تَأسَوا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلا تَفرَحُوا بما آتَاكُم وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذنِ اللهِ وَمَن يُؤمِن بِاللهِ يَهدِ قَلبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ " وَرَوَى الطَّبَرَانيُّ عَن زَيدِ بنِ ثَابِتٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ : " لَو أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ عَذَّبَ أَهلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ لَعَذَّبَهُم وَهُوَ غَيرُ ظَالِمٍ لهم ، وَلَو رَحِمَهُم كَانَت رَحمَتُهُ خَيرًا لهم مِن أَعمَالِهِم ، وَلَو كَانَ لِرَجُلٍ أُحُدٌ أَو مِثلُ أُحُدٍ ذَهَبًا يُنفِقُهُ في سَبِيلِ اللهِ ، لا يَقبَلُهُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مِنهُ حَتى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ ، وَيَعلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لم يَكُنْ لِيُخطِئَهُ ، وَمَا أَخطَأَهُ لم يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ، وَإِنَّكَ إِن مِتَّ عَلَى غَيرِ هَذَا أُدخِلتَ النَّارَ " صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . نَعَم ـ أَيُّهَا الإِخوَةُ ـ ذَلِكُم أَمرُ اللهِ النَّافِذُ وَقَضَاؤُهُ المَاضِي ، وَتِلكُم مَشِيئَتُهُ الكَائِنَةُ وَحِكمَتُهُ البَالِغَةُ ، غَيرَ أَنَّهُ ـ تَعَالى ـ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ رَحِيمٌ بهم ، لا يُرِيدُ أَن يُعَذِّبَهُم وَهُم لَهُ شَاكِرُونَ " اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ القَوِيُّ العَزِيزُ " " مَا يَفعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا " بَلْ إِنَّ رَحمَتَهُ ـ سُبحَانَهُ ـ تَسبِقُ غَضَبَهُ ، وَهِيَ بِفَضلِهِ أَعَمُّ مِن عَذَابِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ عَن نَفسِهِ : " قَالَ عَذَابي أُصِيبُ بِهِ مَن أَشَاءُ وَرَحمَتِي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤمِنُونَ " وَإِذَا آمَنَ العِبَادُ بِهِ وَصَدَّقُوا ، وَوَقَفُوا عِندَ حُدُودِهِ وَلم يَتَجَاوَزُوا ، وَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُم بِهِ وَلم يَعصُوا ، وَانتَهَوا عَمَّا نَهَاهُم عَنهُ ولم يَتَهَاوَنُوا ، فَقَد وَعَدَهُم ـ تَعَالى ـ بِرَحمَتِهِ وَهُوَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ فقَالَ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرجُونَ رَحمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " أَمَّا حِينَ يَكثُرُ فِيهِمُ العِصيَانُ وَيَتَمَادَوا في الطُّغيَانُ ، وَيَسمَحُوا لأَنفُسِهِم بِالتَّجَاوُزِ وَالاعتِدَاءِ ، وَيَسعَوا بِالإِفسَادِ في مُلكِهِ بَعدَ إِصلاحِهِ ، فَمَا لِلمُسِيءِ حِينَئِذٍ في رَحمَةٍ مَطمَعٌ ، وَلا لِلمُعتَدِي مِنهَا حَظٌّ وَلا نَصِيبٌ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " ادعُوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدِينَ . وَلاَ تُفسِدُوا في الأَرضِ بَعدَ إِصلاَحِهَا وَادعُوهُ خَوفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ " فَالرَّحمَةُ لِلمُصلِحِينَ المُحسِنِينَ ، الطَّامِعِينَ في رِضوَانِهِ الرَّاجِينَ لِثَوَابِهِ ، الخَائِفِينَ مِن غَضَبِهِ الوَجِلِينَ مِن عِقَابِهِ ، المُرَاقِبِينَ لَهُ في كُلِّ حَالٍ وَزَمَانٍ وَمَكَانٍ ، أَمَّا المُفسِدُونَ في مُلكِهِ المُعتَدُونَ لِحُدُودِهِ ، المُكَذِّبُونَ لِرُسُلِهِ المُعَانِدُونَ ، فَهُم عَن رَحمَتِهِ بَعِيدُونَ ، وَسُنَّتُهُ فِيهِم مَاضِيَةٌ لا تُجَامِلُهُم ، وَنَوَامِيسُهُ في الكَونِ جَارِيَةٌ عَلَيهِم لا تُحَابِيهِم " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بما كَانُوا يَكسِبُونَ " وَلا عَذَابَ إِلاَّ عَلَى مَعصِيَةٍ ، وَلا بَلاءَ إِلاَّ بِذَنبٍ " فَعَصَى فِرعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذنَاهُ أَخذًا وَبِيلاً " " فَكُلاًّ أَخَذنَا بِذَنبِهِ فَمِنهُم مَن أَرسَلنَا عَلَيهِ حَاصِبًا وَمِنهُم مَن أَخَذَتهُ الصَّيحَةُ وَمِنهُم مَن خَسَفنَا بِهِ الأَرضَ وَمِنهُم مَن أَغرَقنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظلِمَهُم وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ " " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الابتِلاءَ سُنَّةٌ مِن سُنَنِ اللهِ في خَلقِهِ ، وَاللهُ يَبلُو عِبَادَهُ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَيَختَبِرُهُم بِاللِّينِ وَالبَأسَاءِ ، لِيَنظُرَ مَا يَفعَلُونَ في الحَالَينِ ، وَبِأَيِّ استِجَابَةٍ يُقَابِلُونَ الاختِبَارَينِ " وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ " وَلَقَدِ ابتُلِيَ أَجدَادُنَا في هَذِهِ البِلادِ سِنِينَ بِالشِّدَّةِ وَاللأَّوَاءِ ، وَتَوَالَت عَلَيهِم سَنَوَاتُ الفَقرِ وَالقِلَّةِ ، فَكَانُوا أَحسَنَ مِنَّا حَالاً وَأَقوَى بِرَبِّهِمُ اتِّصَالا ، ثم ابتُلِينَا مِن بَعدِهِم بِالسَّرَّاءِ وَالرَّخَاءِ ، وَتَوَالَت عَلَينَا النَّعمَاءُ وَتَرَادَفَتِ الآلاءُ ، فَنَبَتَت فِينَا نَوَابِتُ ذُهُولٍ وَغَفلَةٍ ، بَلْ بَرَزَت رُؤُوسُ جُحُودٍ وَكُفرٍ ، نَسَبَتِ النِّعَمَ إِلى غَيرِ مُولِيهَا ، وَتَوَجَّهَت بِالشُّكرِ إِلى غَيرِ مُسدِيهَا ، وَطَمِعَت في المَزِيدِ مِن دُنيَاهَا عَلَى حِسَابِ الدِّينِ ، في تَركٍ لِلصَّلَوَاتِ بِلا تَأَثُّمٍ ، وَاتِّبَاعٍ لِلشَّهَوَاتِ بِلا تَحَرُّجٍ ، وَأَكلٍ لِلرِّبَا بِلا تَحَرُّزٍ ، وَأَخذٍ لِلرِّشوَةِ بِلا قُيُودٍ ، وتَنَاوُلٍ لِلسُّحتِ بِلا حُدُودٍ ، وَجُنُوحٍ إِلى المَادِيَّةِ بِلا تَعَقُّلٍ وَلا تَفَكُّرٍ ، وَتَفرِيطٍ في الآخِرَةِ بِلا تَوبَةٍ وَلا تَذَكُّرٍ ، وَأُضِيعَتِ الأَمَانَةُ وَوُسِّدَ الأَمرُ إِلى غَيرِ أَهلِهِ ، فَأُكِلَتِ الأَموَالُ العَامَّةُ بِأَدنى الحِيَلِ ، وَأُضِيعَت حُقُوقُ العِبَادِ بالخِدَاعِ وَالمَكرِ ، وَأُهدِرَتِ المَبَالِغُ الضَّخمَةُ في مَشرُوعَاتٍ وَهمِيَّةٍ ، وَارتَقَى أَفرَادٌ عَلَى أَكتَافِ جَمَاعَاتٍ ، وَتَبلُغُ الوَقَاحَةُ بِالجَانِحِينَ إِلى أَن يَتَبَجَّحُوا بما أُوتُوا مِن قُوَّةٍ ، وَإِلى أَن يَفرَحُوا بما عِندَهُم مِن عِلمِ الدُّنيَا ، فَيَنسِبُوا إِلى الطَّبِيعَةِ كُلَّ مَا حَصَلَ وَيَحصُلُ ، وَيُخَطِّئُوا كُلَّ مَن أَرَادَ أَن يَعِظَ النَّاسَ وَيُذَكِّرَهُم بِاللهِ وَيُخَوِّفَهُمُ العُقُوبَاتِ وَيُحَذِّرَهُمُ المَثُلاتِ ، غَافِلِينَ عَن أَنَّهُ عَينُ العَقلِ وَقِمَّةُ التَّفَكُّرِ ، أَن يَتَذَكَّرَ المَرءُ مَكرَ رَبِّهِ في كُلِّ حِينٍ ، وَأَنَّ مِنَ الخَسَارَةِ وَالسَّفَاهَةِ الأَمنَ مِن مَكرِهِ ، مَعَ المُجَاهَرَةِ بِمَعصِيَتِهِ وَإِظهَارِ المُخَالَفَةِ لأَمرِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَفَأَمِنَ أَهلُ القُرَى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنَا بَيَاتًا وَهُم نَائِمُونَ . أَوَأَمِنَ أَهلُ القُرَى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنَا ضُحًى وَهُم يَلعَبُونَ . أَفَأَمِنُوا مَكرَ اللهِ فَلا يَأمَنُ مَكرَ اللهِ إِلاَّ القَومُ الخَاسِرُونَ . أَوَلم يَهدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرضَ مِن بَعدِ أَهلِهَا أَن لَو نَشَاءُ أَصَبنَاهُم بِذُنُوبِهِم وَنَطبَعُ عَلَى قُلُوبِهِم فَهُم لا يَسمَعُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مَا أَصَابَنَا وَيُصِيبُنَا ، لَهُوَ نَوعٌ مِنَ النُّذُرِ الإِلَهِيَّةِ والآيَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ ، الَّتي لا يَعِيهَا وَلا يَكتَشِفُ مَا وَرَاءَهَا إِلاَّ مَن أَنَارَ اللهُ بَصِيرَتَهُ مِنَ ذَوِي الأَلبَابِ المُؤمِنِينَ " الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " وَأَمَّا أَهلُ الغَفلَةِ وَالعَمَى ، الَّذِينَ لا يَستَكِينُونَ لِرَبِّهِم وَلا يَتَضَرَّعُونَ ، فَهُم كَمَا هُم في الغَيِّ يَعمَهُونَ ، بَل لا يَزدَادُونَ إِلاَّ تَمَادِيًا وَسَفَهًا وَإِعرَاضًا " وَمَا تُغنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَومٍ لا يُؤمِنُونَ " " وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعرِضُونَ " أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّنَا لِعِبَادَتِهِ قَد خُلِقْنَا ، وَبِتَقوَاهُ قَد أُمِرْنَا ، وَلا مَفَرَّ لَنَا مِنهُ إِلاَّ إِلَيهِ ، وَلا وَاللهِ يُغَيِّرُ رَبُّنَا مَا بِقَومٍ حَتى يَكُونُوا هُمُ المُغَيِّرِينَ " إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَومٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِن دُونِهِ مِن وَالٍ " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " فَفِرُّوا إِلى اللهِ إِنِّي لَكُم مِنهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ . وَلا تَجعَلُوا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِنهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ . كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبلِهِم مِن رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَو مَجنُونٌ . أَتَوَاصَوا بِهِ بَلْ هُم قَومٌ طَاغُونَ . فَتَوَلَّ عَنهُم فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ . وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكرَى تَنفَعُ المُؤمِنِينَ . وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطعِمُونِ . إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ . فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثلَ ذَنُوبِ أَصحَابِهِم فَلا يَستَعجِلُونِ . فَوَيلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَومِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ "
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّنَا لا نَزعُمُ وَلا أَحَدٌ مِن عُلَمَائِنَا الرَّبَّانِيِّينَ أَو دُعَاتِنَا المُصلِحِينَ أَنَّ كُلَّ النَّاسِ قَد فَسَدُوا أَو أَنَّهُم جَمِيعًا قَد هَلَكُوا ، أَو أَنَّ كُلَّ كَارِثَةٍ تَحُلُّ بِنَا فَإِنَّمَا هِيَ بِالضَّرُورَةِ عُقُوبَةٌ مُبَاشِرَةٌ ، لَكِنَّنَا نُرِيدُ أَن يَرتَبِطَ النَّاسُ بِرَبِّهِم وَيَتَذَكَّرُوا شِدَّةَ بَطشِهِ وَعَزِيزَ انتِقَامِهِ ، وَأَن يَخَافَ قَومُنَا مَغَبَّةَ ذُنُوبِهِم وَيَحذَرُوا عَاقِبَةَ مَعَاصِيهِم ، وَيَكُونُوا عَلَى عِلمٍ بِخَطَرَ تِلكَ القِلَّةِ المَارِقَةِ العَاصِيَةِ ، الخَارِجَةِ عَن شَرِيعَةِ رَبِّهَا المُتَمَرِّدَةِ عَلَى أَمرِهِ ، المُضِيعَةِ لِلأَمَانَةِ الوَالِغَةِ في الخِيَانَةِ ، وَالَّتي سَيَكُونُ لها الأَثَرُ السَّيِّئُ وَالنَّتَيجَةُ الوَخِيمَةُ إِذَا خُلِّيَ بَينَهَا وَبَينَ مَا تَشَاءُ وَتَشتَهِي ، أَو تُرِكَ لها الحَبلُ عَلَى الغَارِبِ لِتَفعَلَ مَا تُرِيدُ ، وَآيَاتُ الكِتَابِ وَأَقوَالُ مَن لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى دَالَّةٌ عَلَى مَا لِهَؤُلاءِ المُترَفِينَ مِن سَيِّئِ الأَثَرِ عَلَى أَقوَامِهِم وَقُرَاهُم ، فَلا مَجَالَ لِلمُخَادَعَةِ الإِعلامِيَّةِ وَالمُرَاوَغَةِ الصَّحَفِيَّةِ ، وَسِحرِ النَّاسِ بِبَيَانِ القَولِ عَن حَقَائِقِ الأُمُورِ ، أَو مَدحِ مُضَيِّعِي الأَمَانَةِ مِن كِبَارٍ أَو صِغَارٍ ، أَو الذَّبِّ عَن أَعرَاضِ المُنَافِقِينَ وَالتَّحَامِي دُونَ الفُجَّارِ ، مُقَابِلَ السُّكُوتِ عَن ظُلمِهُمُ الرَّعِيَّةَ وَتَضيِيعِهِم حُقُوقَهُم وَإِفسَادِهِم في البِلادِ وَهَضمِهِمُ العِبَادَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تَقُولُوا لِلمُنَافِقِ سَيِّدًا ؛ فَإِنَّهُ إِن يَكُ سَيِّدًا فَقَد أَسخَطتُم رَبَّكُم ـ عَزَّ وَجَلَّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . إِنَّهُ لا بُدَّ مِن أَن يُقَالَ لِكُلِّ مُحسِنٍ أَحسَنتَ ، وَأَن يُوقَفَ كُلُّ مُسِيءٍ عِندَ حَدِّهِ وَيُنكَرَ عَلَيهِ إِسَاءَتَهُ وتَعَدِّيهِ ، وَإِلاَّ فَلْيَنتَظِرِ المُقَصِّرُونَ الهَلاكَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذَا أَرَدنَا أَن نُهلِكَ قَريَةً أَمَرنَا مُترَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرنَاهَا تَدمِيرًا " وَرَوَى البُخَارِيُّ وَالتِّرمِذِيُّ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَثَلُ القَائِمِ في حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ استَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَصَارَ بَعضُهُم أَعلاهَا وَبَعضُهُم أَسفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ في أَسفَلِهَا إِذَا استَقَوا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَن فَوقَهُم ، فَقَالُوا : لَو أَنَّا خَرَقنَا في نَصِيبِنَا خَرقًا وَلم نُؤذِ مَن فَوقَنَا ، فَإِن تَرَكُوهُم وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِن أَخَذُوا عَلَى أَيدِيهِم نَجَوا وَنَجَوا جَمِيعًا " وَعَن زَينَبَ بِنتِ جَحشٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَنَّ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ دَخَلَ عَلَيهَا فَزِعًا يَقُولُ : " لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَيلٌ لِلعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقتَرَبَ ، فُتِحَ اليَومَ مِن رَدمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثلُ هَذِهِ ـ وَحَلَّقَ بَينَ أَصبُعَيهِ الإِبهَامِ وَالَّتي تَلِيهَا ـ فَقُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَنَهلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : " نَعَم ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ " وَعَن أَبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُم تَقرَؤُونَ هَذِهِ الآيَةَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهتَدَيتُم " وَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَم يَأخُذُوا عَلَى يَدَيهِ أَوشَكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِن عِندِهِ " رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي حَدِيثٍ عِندَ أَحمَدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا المُنكَرَ وَلا يُغَيِّرُونَهُ أَوشَكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَالتَّوبَةَ إِلى رَبِّكُمُ التَّوبَةَ ، وَالإِنَابَةَ إِلى الرَّحِيمِ الإِنَابَةَ " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُم وَأَسلِمُوا لَهُ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ . وَاتَّبِعُوا أَحسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذَابُ بَغتَةً وَأَنتُم لا تَشعُرُونَ . أَن تَقُولَ نَفسٌ يَا حَسرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ اللهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَو تَقُولَ لَو أَنَّ اللهَ هَدَاني لَكُنتُ مِنَ المُتَّقِينَ . أَو تَقُولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ لَو أَنَّ لي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المُحسِنِينَ . بَلَى قَد جَاءَتكَ آيَاتي فَكَذَّبتَ بِهَا وَاستَكبَرتَ وَكُنتَ مِنَ الكَافِرِينَ . وَيَومَ القِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُم مُسوَدَّةٌ أَلَيسَ في جَهَنَّمَ مَثوًى لِلمُتَكَبِّرِينَ . وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِم لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُم يَحزَنُونَ "
هل تغني الآيات والنذر ؟
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ . يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الزَّلازِلُ وَالبَرَاكِينُ ، الأَمطَارُ المُدَمِّرَةُ وَالسُّيُولُ الجَارِفَةُ ، الطُّوفَانُ العَارِمُ وَالأَموَاجُ العَاتِيَةُ ، القَصفُ وَالهَدمُ وَالحَربُ وَالضَّربُ ، المُشَرَّدُونَ وَاللاَّجِئُونَ ، النَّازِحُونَ وَالمَنكُوبُونَ ،، كَلِمَاتٌ مُفزِعَةٌ وَمُفرَدَاتٌ مُوجِعَةٌ ، يُعِيذُ المَرءُ نَفسَهُ مِن سَمَاعِهَا فَضلاً عَن مُشَاهَدَتِهَا ، فَكَيفَ بِمُلابَسَتِهَا أَو وُقُوعِهَا لِقَرِيبٍ أَو صَدِيقٍ أَو عَزِيزٍ ؟!
وَلَقَد كَانَت هَذِهِ المُصطَلَحَاتُ في سَنَوَاتٍ مَضَت شَيئًا ممَّا نَسمَعُهُ وَنَرَاهُ في وَسَائِلِ الإِعلامِ ، وَيَقَعُ لِدُوَلٍ بَعِيدَةٍ عَنَّا وَمَنَاطِقَ نَائِيَةٍ مِنَّا ، وَلَكِنَّنَا في هَذِهِ الفَترَةِ الأَخِيرَةِ القَصِيرَةِ ، رَأَينَا مِنهُ طَرَفًا حَولَنَا وَسَمِعنَا بِهِ قَرِيبًا مِنَّا ، في هِزَّاتٍ أَصَابَت بَعضَ مَنَاطِقِ بِلادِنَا فَأَقَضَّت مَضَاجِعَ أَهلِهَا ، وَأَمطَارٍ هَطَلَت وَفَيَضَانٍ جَرَى في أَجزَاءٍ أُخرَى ، فَدَمَّرَ مَا دَمَّرَ وقَتَلَ مَن قَتَلَ ، وَاعتِدَاءَاتٍ آثِمَةٍ مُجرِمَةٍ ، قُصِدَت بها جِهَاتٌ ثَالِثَةٌ مِن بِلادِنَا ، تَأَهَّبَت لأَجلِهَا قُوَّاتٌ وَأُخِذَت عِدَدٌ وَعُبِّئَ جُنُودٌ ، وَنَزَحَ بِسَبَبِهَا عَن دِيَارِهِ مَن نَزَحَ وَشُرِّدَ مَن شُرِّدَ ،، وَالحَمدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، فَمَا نَحنُ لِقَضَائِهِ بِرَادِّينَ وَلا لِقَدَرِهِ بِمُنكِرِينَ ، وَلا ممَّا أَجرَاهُ عَلَينَا بِحِكمَتِهِ مُمتَعِضِينَ ، كَيفَ وَالإِيمَانُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ أَصلٌ مِن أُصُولِ الإِيمَانِ مَتِينٌ ، وَرُكنٌ في دِينِ المُسلِمِ رَكِينٌ ؟ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ في الأَرضِ وَلا في أَنفُسِكُم إِلاَّ في كِتَابٍ مِن قَبلِ أَن نَبرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ . لِكَيلا تَأسَوا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلا تَفرَحُوا بما آتَاكُم وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذنِ اللهِ وَمَن يُؤمِن بِاللهِ يَهدِ قَلبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ " وَرَوَى الطَّبَرَانيُّ عَن زَيدِ بنِ ثَابِتٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ : " لَو أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ عَذَّبَ أَهلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ لَعَذَّبَهُم وَهُوَ غَيرُ ظَالِمٍ لهم ، وَلَو رَحِمَهُم كَانَت رَحمَتُهُ خَيرًا لهم مِن أَعمَالِهِم ، وَلَو كَانَ لِرَجُلٍ أُحُدٌ أَو مِثلُ أُحُدٍ ذَهَبًا يُنفِقُهُ في سَبِيلِ اللهِ ، لا يَقبَلُهُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مِنهُ حَتى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ ، وَيَعلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لم يَكُنْ لِيُخطِئَهُ ، وَمَا أَخطَأَهُ لم يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ، وَإِنَّكَ إِن مِتَّ عَلَى غَيرِ هَذَا أُدخِلتَ النَّارَ " صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . نَعَم ـ أَيُّهَا الإِخوَةُ ـ ذَلِكُم أَمرُ اللهِ النَّافِذُ وَقَضَاؤُهُ المَاضِي ، وَتِلكُم مَشِيئَتُهُ الكَائِنَةُ وَحِكمَتُهُ البَالِغَةُ ، غَيرَ أَنَّهُ ـ تَعَالى ـ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ رَحِيمٌ بهم ، لا يُرِيدُ أَن يُعَذِّبَهُم وَهُم لَهُ شَاكِرُونَ " اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ القَوِيُّ العَزِيزُ " " مَا يَفعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا " بَلْ إِنَّ رَحمَتَهُ ـ سُبحَانَهُ ـ تَسبِقُ غَضَبَهُ ، وَهِيَ بِفَضلِهِ أَعَمُّ مِن عَذَابِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ عَن نَفسِهِ : " قَالَ عَذَابي أُصِيبُ بِهِ مَن أَشَاءُ وَرَحمَتِي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤمِنُونَ " وَإِذَا آمَنَ العِبَادُ بِهِ وَصَدَّقُوا ، وَوَقَفُوا عِندَ حُدُودِهِ وَلم يَتَجَاوَزُوا ، وَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُم بِهِ وَلم يَعصُوا ، وَانتَهَوا عَمَّا نَهَاهُم عَنهُ ولم يَتَهَاوَنُوا ، فَقَد وَعَدَهُم ـ تَعَالى ـ بِرَحمَتِهِ وَهُوَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ فقَالَ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرجُونَ رَحمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " أَمَّا حِينَ يَكثُرُ فِيهِمُ العِصيَانُ وَيَتَمَادَوا في الطُّغيَانُ ، وَيَسمَحُوا لأَنفُسِهِم بِالتَّجَاوُزِ وَالاعتِدَاءِ ، وَيَسعَوا بِالإِفسَادِ في مُلكِهِ بَعدَ إِصلاحِهِ ، فَمَا لِلمُسِيءِ حِينَئِذٍ في رَحمَةٍ مَطمَعٌ ، وَلا لِلمُعتَدِي مِنهَا حَظٌّ وَلا نَصِيبٌ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " ادعُوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدِينَ . وَلاَ تُفسِدُوا في الأَرضِ بَعدَ إِصلاَحِهَا وَادعُوهُ خَوفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ " فَالرَّحمَةُ لِلمُصلِحِينَ المُحسِنِينَ ، الطَّامِعِينَ في رِضوَانِهِ الرَّاجِينَ لِثَوَابِهِ ، الخَائِفِينَ مِن غَضَبِهِ الوَجِلِينَ مِن عِقَابِهِ ، المُرَاقِبِينَ لَهُ في كُلِّ حَالٍ وَزَمَانٍ وَمَكَانٍ ، أَمَّا المُفسِدُونَ في مُلكِهِ المُعتَدُونَ لِحُدُودِهِ ، المُكَذِّبُونَ لِرُسُلِهِ المُعَانِدُونَ ، فَهُم عَن رَحمَتِهِ بَعِيدُونَ ، وَسُنَّتُهُ فِيهِم مَاضِيَةٌ لا تُجَامِلُهُم ، وَنَوَامِيسُهُ في الكَونِ جَارِيَةٌ عَلَيهِم لا تُحَابِيهِم " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بما كَانُوا يَكسِبُونَ " وَلا عَذَابَ إِلاَّ عَلَى مَعصِيَةٍ ، وَلا بَلاءَ إِلاَّ بِذَنبٍ " فَعَصَى فِرعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذنَاهُ أَخذًا وَبِيلاً " " فَكُلاًّ أَخَذنَا بِذَنبِهِ فَمِنهُم مَن أَرسَلنَا عَلَيهِ حَاصِبًا وَمِنهُم مَن أَخَذَتهُ الصَّيحَةُ وَمِنهُم مَن خَسَفنَا بِهِ الأَرضَ وَمِنهُم مَن أَغرَقنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظلِمَهُم وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ " " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الابتِلاءَ سُنَّةٌ مِن سُنَنِ اللهِ في خَلقِهِ ، وَاللهُ يَبلُو عِبَادَهُ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَيَختَبِرُهُم بِاللِّينِ وَالبَأسَاءِ ، لِيَنظُرَ مَا يَفعَلُونَ في الحَالَينِ ، وَبِأَيِّ استِجَابَةٍ يُقَابِلُونَ الاختِبَارَينِ " وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ " وَلَقَدِ ابتُلِيَ أَجدَادُنَا في هَذِهِ البِلادِ سِنِينَ بِالشِّدَّةِ وَاللأَّوَاءِ ، وَتَوَالَت عَلَيهِم سَنَوَاتُ الفَقرِ وَالقِلَّةِ ، فَكَانُوا أَحسَنَ مِنَّا حَالاً وَأَقوَى بِرَبِّهِمُ اتِّصَالا ، ثم ابتُلِينَا مِن بَعدِهِم بِالسَّرَّاءِ وَالرَّخَاءِ ، وَتَوَالَت عَلَينَا النَّعمَاءُ وَتَرَادَفَتِ الآلاءُ ، فَنَبَتَت فِينَا نَوَابِتُ ذُهُولٍ وَغَفلَةٍ ، بَلْ بَرَزَت رُؤُوسُ جُحُودٍ وَكُفرٍ ، نَسَبَتِ النِّعَمَ إِلى غَيرِ مُولِيهَا ، وَتَوَجَّهَت بِالشُّكرِ إِلى غَيرِ مُسدِيهَا ، وَطَمِعَت في المَزِيدِ مِن دُنيَاهَا عَلَى حِسَابِ الدِّينِ ، في تَركٍ لِلصَّلَوَاتِ بِلا تَأَثُّمٍ ، وَاتِّبَاعٍ لِلشَّهَوَاتِ بِلا تَحَرُّجٍ ، وَأَكلٍ لِلرِّبَا بِلا تَحَرُّزٍ ، وَأَخذٍ لِلرِّشوَةِ بِلا قُيُودٍ ، وتَنَاوُلٍ لِلسُّحتِ بِلا حُدُودٍ ، وَجُنُوحٍ إِلى المَادِيَّةِ بِلا تَعَقُّلٍ وَلا تَفَكُّرٍ ، وَتَفرِيطٍ في الآخِرَةِ بِلا تَوبَةٍ وَلا تَذَكُّرٍ ، وَأُضِيعَتِ الأَمَانَةُ وَوُسِّدَ الأَمرُ إِلى غَيرِ أَهلِهِ ، فَأُكِلَتِ الأَموَالُ العَامَّةُ بِأَدنى الحِيَلِ ، وَأُضِيعَت حُقُوقُ العِبَادِ بالخِدَاعِ وَالمَكرِ ، وَأُهدِرَتِ المَبَالِغُ الضَّخمَةُ في مَشرُوعَاتٍ وَهمِيَّةٍ ، وَارتَقَى أَفرَادٌ عَلَى أَكتَافِ جَمَاعَاتٍ ، وَتَبلُغُ الوَقَاحَةُ بِالجَانِحِينَ إِلى أَن يَتَبَجَّحُوا بما أُوتُوا مِن قُوَّةٍ ، وَإِلى أَن يَفرَحُوا بما عِندَهُم مِن عِلمِ الدُّنيَا ، فَيَنسِبُوا إِلى الطَّبِيعَةِ كُلَّ مَا حَصَلَ وَيَحصُلُ ، وَيُخَطِّئُوا كُلَّ مَن أَرَادَ أَن يَعِظَ النَّاسَ وَيُذَكِّرَهُم بِاللهِ وَيُخَوِّفَهُمُ العُقُوبَاتِ وَيُحَذِّرَهُمُ المَثُلاتِ ، غَافِلِينَ عَن أَنَّهُ عَينُ العَقلِ وَقِمَّةُ التَّفَكُّرِ ، أَن يَتَذَكَّرَ المَرءُ مَكرَ رَبِّهِ في كُلِّ حِينٍ ، وَأَنَّ مِنَ الخَسَارَةِ وَالسَّفَاهَةِ الأَمنَ مِن مَكرِهِ ، مَعَ المُجَاهَرَةِ بِمَعصِيَتِهِ وَإِظهَارِ المُخَالَفَةِ لأَمرِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَفَأَمِنَ أَهلُ القُرَى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنَا بَيَاتًا وَهُم نَائِمُونَ . أَوَأَمِنَ أَهلُ القُرَى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنَا ضُحًى وَهُم يَلعَبُونَ . أَفَأَمِنُوا مَكرَ اللهِ فَلا يَأمَنُ مَكرَ اللهِ إِلاَّ القَومُ الخَاسِرُونَ . أَوَلم يَهدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرضَ مِن بَعدِ أَهلِهَا أَن لَو نَشَاءُ أَصَبنَاهُم بِذُنُوبِهِم وَنَطبَعُ عَلَى قُلُوبِهِم فَهُم لا يَسمَعُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مَا أَصَابَنَا وَيُصِيبُنَا ، لَهُوَ نَوعٌ مِنَ النُّذُرِ الإِلَهِيَّةِ والآيَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ ، الَّتي لا يَعِيهَا وَلا يَكتَشِفُ مَا وَرَاءَهَا إِلاَّ مَن أَنَارَ اللهُ بَصِيرَتَهُ مِنَ ذَوِي الأَلبَابِ المُؤمِنِينَ " الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " وَأَمَّا أَهلُ الغَفلَةِ وَالعَمَى ، الَّذِينَ لا يَستَكِينُونَ لِرَبِّهِم وَلا يَتَضَرَّعُونَ ، فَهُم كَمَا هُم في الغَيِّ يَعمَهُونَ ، بَل لا يَزدَادُونَ إِلاَّ تَمَادِيًا وَسَفَهًا وَإِعرَاضًا " وَمَا تُغنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَومٍ لا يُؤمِنُونَ " " وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعرِضُونَ " أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّنَا لِعِبَادَتِهِ قَد خُلِقْنَا ، وَبِتَقوَاهُ قَد أُمِرْنَا ، وَلا مَفَرَّ لَنَا مِنهُ إِلاَّ إِلَيهِ ، وَلا وَاللهِ يُغَيِّرُ رَبُّنَا مَا بِقَومٍ حَتى يَكُونُوا هُمُ المُغَيِّرِينَ " إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَومٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِن دُونِهِ مِن وَالٍ " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " فَفِرُّوا إِلى اللهِ إِنِّي لَكُم مِنهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ . وَلا تَجعَلُوا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِنهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ . كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبلِهِم مِن رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَو مَجنُونٌ . أَتَوَاصَوا بِهِ بَلْ هُم قَومٌ طَاغُونَ . فَتَوَلَّ عَنهُم فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ . وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكرَى تَنفَعُ المُؤمِنِينَ . وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطعِمُونِ . إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ . فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثلَ ذَنُوبِ أَصحَابِهِم فَلا يَستَعجِلُونِ . فَوَيلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَومِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ "
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّنَا لا نَزعُمُ وَلا أَحَدٌ مِن عُلَمَائِنَا الرَّبَّانِيِّينَ أَو دُعَاتِنَا المُصلِحِينَ أَنَّ كُلَّ النَّاسِ قَد فَسَدُوا أَو أَنَّهُم جَمِيعًا قَد هَلَكُوا ، أَو أَنَّ كُلَّ كَارِثَةٍ تَحُلُّ بِنَا فَإِنَّمَا هِيَ بِالضَّرُورَةِ عُقُوبَةٌ مُبَاشِرَةٌ ، لَكِنَّنَا نُرِيدُ أَن يَرتَبِطَ النَّاسُ بِرَبِّهِم وَيَتَذَكَّرُوا شِدَّةَ بَطشِهِ وَعَزِيزَ انتِقَامِهِ ، وَأَن يَخَافَ قَومُنَا مَغَبَّةَ ذُنُوبِهِم وَيَحذَرُوا عَاقِبَةَ مَعَاصِيهِم ، وَيَكُونُوا عَلَى عِلمٍ بِخَطَرَ تِلكَ القِلَّةِ المَارِقَةِ العَاصِيَةِ ، الخَارِجَةِ عَن شَرِيعَةِ رَبِّهَا المُتَمَرِّدَةِ عَلَى أَمرِهِ ، المُضِيعَةِ لِلأَمَانَةِ الوَالِغَةِ في الخِيَانَةِ ، وَالَّتي سَيَكُونُ لها الأَثَرُ السَّيِّئُ وَالنَّتَيجَةُ الوَخِيمَةُ إِذَا خُلِّيَ بَينَهَا وَبَينَ مَا تَشَاءُ وَتَشتَهِي ، أَو تُرِكَ لها الحَبلُ عَلَى الغَارِبِ لِتَفعَلَ مَا تُرِيدُ ، وَآيَاتُ الكِتَابِ وَأَقوَالُ مَن لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى دَالَّةٌ عَلَى مَا لِهَؤُلاءِ المُترَفِينَ مِن سَيِّئِ الأَثَرِ عَلَى أَقوَامِهِم وَقُرَاهُم ، فَلا مَجَالَ لِلمُخَادَعَةِ الإِعلامِيَّةِ وَالمُرَاوَغَةِ الصَّحَفِيَّةِ ، وَسِحرِ النَّاسِ بِبَيَانِ القَولِ عَن حَقَائِقِ الأُمُورِ ، أَو مَدحِ مُضَيِّعِي الأَمَانَةِ مِن كِبَارٍ أَو صِغَارٍ ، أَو الذَّبِّ عَن أَعرَاضِ المُنَافِقِينَ وَالتَّحَامِي دُونَ الفُجَّارِ ، مُقَابِلَ السُّكُوتِ عَن ظُلمِهُمُ الرَّعِيَّةَ وَتَضيِيعِهِم حُقُوقَهُم وَإِفسَادِهِم في البِلادِ وَهَضمِهِمُ العِبَادَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تَقُولُوا لِلمُنَافِقِ سَيِّدًا ؛ فَإِنَّهُ إِن يَكُ سَيِّدًا فَقَد أَسخَطتُم رَبَّكُم ـ عَزَّ وَجَلَّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . إِنَّهُ لا بُدَّ مِن أَن يُقَالَ لِكُلِّ مُحسِنٍ أَحسَنتَ ، وَأَن يُوقَفَ كُلُّ مُسِيءٍ عِندَ حَدِّهِ وَيُنكَرَ عَلَيهِ إِسَاءَتَهُ وتَعَدِّيهِ ، وَإِلاَّ فَلْيَنتَظِرِ المُقَصِّرُونَ الهَلاكَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذَا أَرَدنَا أَن نُهلِكَ قَريَةً أَمَرنَا مُترَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرنَاهَا تَدمِيرًا " وَرَوَى البُخَارِيُّ وَالتِّرمِذِيُّ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَثَلُ القَائِمِ في حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ استَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَصَارَ بَعضُهُم أَعلاهَا وَبَعضُهُم أَسفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ في أَسفَلِهَا إِذَا استَقَوا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَن فَوقَهُم ، فَقَالُوا : لَو أَنَّا خَرَقنَا في نَصِيبِنَا خَرقًا وَلم نُؤذِ مَن فَوقَنَا ، فَإِن تَرَكُوهُم وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِن أَخَذُوا عَلَى أَيدِيهِم نَجَوا وَنَجَوا جَمِيعًا " وَعَن زَينَبَ بِنتِ جَحشٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَنَّ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ دَخَلَ عَلَيهَا فَزِعًا يَقُولُ : " لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَيلٌ لِلعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقتَرَبَ ، فُتِحَ اليَومَ مِن رَدمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثلُ هَذِهِ ـ وَحَلَّقَ بَينَ أَصبُعَيهِ الإِبهَامِ وَالَّتي تَلِيهَا ـ فَقُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَنَهلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : " نَعَم ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ " وَعَن أَبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُم تَقرَؤُونَ هَذِهِ الآيَةَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهتَدَيتُم " وَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَم يَأخُذُوا عَلَى يَدَيهِ أَوشَكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِن عِندِهِ " رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي حَدِيثٍ عِندَ أَحمَدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا المُنكَرَ وَلا يُغَيِّرُونَهُ أَوشَكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَالتَّوبَةَ إِلى رَبِّكُمُ التَّوبَةَ ، وَالإِنَابَةَ إِلى الرَّحِيمِ الإِنَابَةَ " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُم وَأَسلِمُوا لَهُ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ . وَاتَّبِعُوا أَحسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذَابُ بَغتَةً وَأَنتُم لا تَشعُرُونَ . أَن تَقُولَ نَفسٌ يَا حَسرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ اللهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَو تَقُولَ لَو أَنَّ اللهَ هَدَاني لَكُنتُ مِنَ المُتَّقِينَ . أَو تَقُولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ لَو أَنَّ لي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المُحسِنِينَ . بَلَى قَد جَاءَتكَ آيَاتي فَكَذَّبتَ بِهَا وَاستَكبَرتَ وَكُنتَ مِنَ الكَافِرِينَ . وَيَومَ القِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُم مُسوَدَّةٌ أَلَيسَ في جَهَنَّمَ مَثوًى لِلمُتَكَبِّرِينَ . وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِم لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُم يَحزَنُونَ "
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى