رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / عبد الله بن محمد البصري
قطرات لدعم الجمعيات
الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حِينَمَا يَحصُرُ المُسلِمُ نَفسَهُ في نَوعٍ مِنَ العِبَادَةِ فَيَقتَصِرُ عَلَيهِ وَلا يَتَجَاوَزُهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ حِرمَانٌ لها مِن خَيرٍ عَظِيمٍ وَفَضلٍ كَبِيرٍ ، وَحَيلُولَةٌ بَينَهَا وَبَينَ أُجُورٍ مُضَاعَفَةٍ وَحَسَنَاتٍ مُتَكَاثِرَةٍ ، كَانَ بِإِمكَانِهِ زِيَادَةُ إِيمَانِهِ بها وَرَفعُ دَرَجَاتِهِ بِسَبَبِهَا ، وَلَقَد جَاءَتِ العِبَادَاتُ في الإِسلام مُتَنَوِّعَةً وَشَامِلَةً ؛ لِيَأخُذَ المُسلِمُ مِن كُلِّ خَيرٍ بِطَرَفٍ ، وَلِيَجتَهِدَ فِيمَا يُنَاسِبُ حَالَهُ ، فَإِنْ عَجَزَ عَن صَلاةِ تَطَوُّعٍ لم يَعجِزْ عَن صِيَامٍ ، وَإِنْ لم يَتَطَوَّعْ بِصِيَامٍ أَجزَلَ الصَّدَقَةَ وَأَطعَمَ الطَّعَامَ ، وَحِينًا يَجِدُ نَفسَهُ تَائِقَةً لِقِرَاءَةِ القُرآنِ فَيَقرَؤُهُ ، وَسَاعَةً يَجِدُ مِنهَا خِفَّةً لِلذِّكرِ فَيُكثِرُ مِنهُ ، وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ ، وَإِحصَاءُ الأَعمَالِ كُلِّهَا غَيرُ مُمكِنٍ ، وَلَن يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اِستَقِيمُوا وَلَن تُحصُوا " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ " لِيَتَكَلَّفْ أَحَدُكُم مِنَ العَمَلِ مَا يُطِيقُ ؛ فَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ لا يَمَلُّ حَتى تَمَلُّوا ، وَقَارِبُوا وَسَدِّدُوا " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُم لَن تُطِيقُوا أَو لَن تَفعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرتُم بِهِ ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبشِرُوا ".
هَكَذَا ـ أَيَُّهَا المُسلِمُونَ ـ تَتَّسِعُ مَجَالاتُ العِبَادَةِ وَتَتَعَدَّدُ صُوَرُهَا ، وَيَصعُبُ استِيعَابُهَا وَحَصرُهَا، لَكِنَّ المُوَفَّقَ يَأخُذُ بما يُطِيقُ وَيُنوِّعُ مَا استَطَاعَ ، وَلا يَترُكُ سَبِيلاً يُقَرِّبُهُ مِن رَبِّهِ وَتَتَحَقَّقُ فِيهِ عُبُودِيَّتُهُ لَهُ إِلاَّ سَلَكَهُ ، فَبَينَمَا تَرَاهُ مُصَلِّيًّا إِذْ رَأَيتَهُ ذَاكِرًا أَو قَارِئًا ، أَو مُعَلِّمًا أَو مُتَعَلِّمًا أَو مُجَاهِدًا ، أَو آمِرًا بِالمَعرُوفِ نَاهِيًا عَنِ المُنكَرِ ، أَو مُسَاعِدًا لِلضَّعِيفِ أَو مُغِيثًا لِلمَلهُوفِ ، فَهُوَ مَعَ المُصَلِّينَ مُصَلٍّ وَمَعَ المُتَصَدِّقِينَ مُتَصَدِّقٌ ، وَمَعَ الغُزَاةِ غَازٍ وَمَعَ المُتَعَلِّمِينَ مُتَعَلِّمٌ ، يَتَنَقَّلُ في مَنَازِلِ العُبُودِيَّةِ مِن مَنزِلَةٍ إِلى أُخرَى ، وَيَتَتَبَّعُ رِضَا اللهِ وَيَطلُبُهُ مَظَانَّهُ ، يَرجُو أَن يُوَافِقَ عَمَلاً يُخلِصُ فِيهِ لِرَبِّهِ ، فَيَنَالَ بِهِ رَحمَتَهُ وَيَكسِبَ بِسَبَبِهِ رِضَاهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: وَإِذَا كَانَتِ الأَعمَالُ تَتَفَاضَلُ فَيَكُونُ بَعضُهَا أَفضَلَ مِن بَعضٍ ، بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ أَوِ الأَشخَاصِ ، أَو بِتَفَاضُلِ مَا في القُلُوبِ مِنَ الإِيمَانِ وَالمَحَبَّةِ وَالتَّعظِيمِ وَالإِجلالِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن يُعلَمَ أَنَّهُ كُلَّمَا دَعَتِ الحَاجَةُ إِلى عَمَلٍ وَصَارَ نَفعُهُ مُتَعَدِّيًا لِلآخَرِينَ عَامًّا لِلأُمَّةِ ، كَانَ ذَلِكَ مِن أَسبَابِ تَفضِيلِهِ عَلَى غَيرِهِ مِنَ الأَعمَالِ القَاصِرِ نَفعُهَا عَلَى العَامِلِ وَحدَهُ ، وَإِنَّ نَظرَةً فَاحِصَةً إِلى عَالَمِنَا اليَومَ وَمَا يَجرِي فِيهِ مِن أَحدَاثٍ ، وَضَعفِ حَالِ المُسلِمِينَ وَتَقَاعُسِهِم عَنِ العَمَلِ لِدِينِهِم، في الوَقتِ الَّذِي تَتَزَايَدُ جُهُودُ الكُفَّارِ لِحَربِ الدِّينِ الحَقِّ وَنَشرِ أَديَانِهِمُ المُحَرَّفَةِ البَاطِلَةِ ، وَيُكَثِّفُونَ فِيهِ البَذلَ لِبَثِّ أَفكَارِهِمُ الفَاسِدَةِ المُفسِدَةِ ، أَقُولُ إِنَّ مَن يَنظُرُ إِلى هَذَا الوَاقِعِ لَيَجزِمُ أَنَّ في الإِنفَاقِ عَلَى مَشرُوعَاتِ الخَيرِ وَدَعمِ مُؤَسَّسَاتِ الدَّعوَةِ وَرِعَايَةِ الجَمعِيَّاتِ الخَيرِيَّةِ أُجُورًا عَظِيمَةً لِمَن وُفِّقَ إِلَيهِ ، بَلْ إِنَّهُ لَو قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى المُسلِمِ اليَومَ وُجُوبًا عَينِيًّا أَن يَبذُلَ مَا في وُسعِهِ وَيَدعَمَ بما يَقدِرُ عَلَيهِ ، فَإِنَّهُ لَن يَبتَعِدَ عَنِ الحَقِّ كَثِيرًا ، فَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ في بَعضِ المَرَاحِلِ الَّتي مَرَّت بها الأُمَّةُ : " اِنفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم في سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ " فَلَم يَعذُرْ مِنهُم أَحَدًا ، بَل أَوجَبَ عَلَيهِمُ النَّفِيرَ جمِيعًا ، وَأَلزَمَهُم بِالجِهَادِ بِأَنفُسِهِم وَأَموَالِهِم . وَلِكَي يَزدَادَ الأَمرُ وُضُوحًا وَيَتَجَلَّى وَتَظهَرَ أَهمِيَّتُهُ ، فَجَدِيرٌ بِنَا أَن نُعَرِّجَ عَلَى بَعضِ الإِحصَائِيَّاتِ لِمَا يَبذُلُهُ الكُفَّارُ مِن جُهُودٍ وَمَا يُنفِقُونَهُ مِن أَموَالٍ لِحَربِ الدِّينِ وَنَشرِ الإِفسَادِ في العَالَمِينَ ، لَعَلَّهَا أَن تُوقِدَ فِينَا هِمَمًا خمَدَت ، أَو تُحيِيَ قُلُوبًا مَاتَت ، أَو تُحَرِّكَ دَوَافِعَ سَكَنَت ، فَنَبذُلَ لِدِينِنَا وَنُعذِرَ أَمَامَ رَبِّنَا . ذَكَرَ بَعضُ البَاحِثِينَ أَنَّ مِيزَانِيَّةَ جَمعِيَّاتِ التَّنصِيرِ لِعَامِ (1999م) أَيْ قَبلَ عَشرِ سَنَوَاتٍ ، قَد فَاقَت مِئَتي مِليَارِ دُولارٍ ، نَعَمْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ مِيزَانِيَّةُ التَّنصِيرِ قَبلَ عَشرِ سَنَوَاتٍ تَجَاوَزَت مِئَتي مِليَارِ دُولارٍ ، لَيسَت أَلفًا وَلا مِئةَ أَلفٍ وَلا مِليُونًا ، بَل مِئَتَا أَلفِ مِليُونٍ . وَذَكَرَ بَعضُ البَاحِثِينَ طِبقًا لإِحصَائِيَّاتِ عَامِ (2006م) أَيْ قَبلَ سَنَتَينِ أَنَّ عَدَدَ الجَمعِيَّاتِ الخَيرِيَّةِ في أَمرِيكَا بَلَغَ (1,400,000) جمعِيَّةٍ ، يَتَجَاوَزُ دَخلُهَا (295) مِليَارِ دُولارٍ ، وَأَمَّا في بِرِيطَانيَا فَقَد بَلَغَت جمعِيَّاتُهُم أَكثَرَ مِن (190,000) جمعِيَّةٍ مُسَجَّلَةٍ لَدَى المُفَوَّضِيَّةِ الخَيرِيَّةِ ، يَتَجَاوَزُ دَخلُهَا (40) مِليَارِ جُنَيهٍ إِستَرلِينيٍّ ، وَأَمَّا عَدَدُ المُنَصِّرِينَ المُتَفَرِّغِينَ فَقَد بَلَغَ (5,151,000) وَبلَغَ عَدَدُ المَجَلاَّتِ التَّنصِيرِيَّةِ (33,700) مَجَلَّةٍ ، وَعَدَدُ مَحَطَّاتِ الإِذَاعَةِ وَالتِّليفِزيُونِ التَّنصِيرِيَّةِ (3,770) مَحَطَّةً ، وَقَد رُصِدَت مِيزَانِيَّةٌ لِلتَّنصِيرِ حَتى عَامِ (2025م) بمَبلَغِ (870) مِليَارِ دُولارٍ وَيُتَوَقَّعُ أَن يَصِلَ عَدَدُ المُنَصِّرِينَ إِذْ ذَاكَ إِلى (7) مَلايِينَ مُنَصِّرٍ ، إِنَّهَا لأَعدَادٌ مُخِيفَةٌ حَقًّا ، جمعِيَّاتٌ كَثِيرَةٌ وَمِيزَانِيَّاتٌ ضَخمَةٌ ، وَأَموَالٌ طَائِلَةٌ وَجُهُودٌ مُضَاعَفَةٌ ، يَبذُلُهَا أُولَئِكَ الكَفَرَةُ لِلتَّنصِيرِ وَصَدِّ النَّاسِ عَن سَبِيلِ اللهِ ، فَتَعَالَوا بِنَا لِنَنظُرَ بَعدَ ذَلِكَ في أَنفُسِنَا وَمَاذَا قَدَّمنَا ؟ كَم جمعِيَّةً لَدِينَا وَكَم مُؤَسَّسَةً ؟ إِنَّ الإِحصَائِيَّاتِ لَتُظهِرُ فَارِقًا عَجِيبًا ، يَتَبَيِّنُ مِن خِلالِهِ أَنَّنَا لم نُقَدِّمْ شَيئًا في مُقَابِلِ ذَلِكُمُ السَّيلِ الجَارِفِ ، فَعَدَدُ جمعِيَّاتِنَا لا يَتَجَاوَزُ خمسَ مِئَةِ جمعِيَّةٍ خَيرِيَّةٍ ، بَينَمَا لا تَصِلُ مُؤَسَّسَاتُنَا الخَيرِيَّةِ إِلى خمسَةَ عَشَرَ ، وَجمعِيَّاتُ التَّحفِيظِ لم تَصِلْ إِلى مِئَةٍ وَخمسِينَ ، وَأَمَّا مَكَاتِبُ الدَّعوَةِ وَتَوعِيَةِ الجَالِيَاتِ فَإِنَّ عَدَدَهَا لم يَصِلِ المِئَةَ ، وَفي الحِينِ الَّذي تَرجَمَ النَّصَارَى إِنجِيلَهُمُ المُحَرَّفَ إِلى مَا يَصِلُ إِلى أَلفَي لُغَةٍ في العَالمِ ، وَطَبَعُوا مِنهَا في الفَترَةِ الأَخِيرَةِ مَا يَزِيدُ عَلَى (300) مِليُونِ نُسخَةٍ ، فَإِنَّ تَرجَمَاتِ القُرآنِ لم تَتَعَدَّ خمسًا وَأَربَعِينَ لُغَةً عَالمِيَّةً ، بَينَمَا لم يَزِدْ مجمُوعُ مَا طُبِعَ في العَالمِ مِن تَرجَمَاتِهِ في العَامِ المَاضِي عَلَى مِليُونِ نُسخَةٍ فَقَطْ , وَلا نَقُولُ هَذَا الكَلامَ تَقلِيلاً مِن شَأنِ جمعِيَّاتِنَا الخَيرِيَّةِ ، أو استِضعَافًا لِمُؤَسَّسَاتِنَا الإِغَاثِيَّةِ وَمَكَاتِبِنَا الدَّعَوِيَّةِ ، أَو تَهوِينًا مِنَ الأَعمَالِ القَائِمَةِ وَالبَرَامِجِ المُنَظَّمَةِ ، أَو تَخذِيلاً لِلمُخلِصِينَ مِن عُلَمَائِنَا وَدُعَاتِنَا وَالمُحسِنِينَ مِن تُجَّارِنَا ، وَلَكِنْ لِنُثبِتَ أَن جُهُودَنَا رُغمَ أَنَّا عَلَى الحَقِّ المُبِينِ لا تَعدُو أَن تَكُونَ كَنُقطَةٍ في بَحرِ مَا يَبذُلُ أُولَئِكَ مَعَ أَنَّهُم عَلَى ضَلالٍ وَبَاطِلٍ ، وَمَعَ قِلَّةِ مَا نَبذُلُهُ وَضَعفِ مَا نُقَدِّمُهُ ، إِلاَّ أَنَّهُ أَقَضَّ مَضَاجِعَهُم وَأَقلَقَهُم وَأَفزَعَهُم ، فَكَيفَ لَو تَضَاعَفَ عَدَدُ مُؤَسَّسَاتِنَا وَضُوعِفَ دَعمُهَا ؟ كَيفَ لَوِ ازدَادَ عَدَدُ العَامِلِينَ فِيهَا ، إِنَّهَا سَتُحدِثُ أَثَرًا لَيسَ بِالهَيِّنِ ..
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَجُودُوا في سَبِيلِ اللهِ وَلا تَبخَلُوا ، وَأَنفِقُوا ممَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَأَخَّرُوا ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الإِلَهُ الحَقُّ وَالإِسلامُ هُوَ الدِّينُ الحَقُّ ، وَسَيَنتَشِرُ وَيَظهَرُ رُغمَ أُنُوفِ هَؤُلاءِ المُبطِلِينَ ، وَاللهُ هُوَ الَّذِي وَعَدَ بِخُذلانِهِم فَقَالَ : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَموَالَهُم لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيهِم حَسرَةً ثُمَّ يُغلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحشَرُونَ " لَكِنَّ المَسأَلَةَ فِينَا نَحنُ ، نَحنُ الَّذِينَ يَجِبُ أَن نَنصُرَ دِينَ اللهِ وَنُنفِقَ مِن أَجلِهِ الغَاليَ وَالنَّفِيسَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم . وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَلَّ أَعمَالَهُم . ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحبَطَ أَعمَالَهُم " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ . وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأتيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لَغَبنٌ وَخَسَارَةٌ ، أَن يَجعَلَ المَرءُ لِكُلِّ شَيءٍ في دُنيَاهُ نَصِيبًا ممَّا يُنفِقُُهُ ، ثم لا يَنظُرَ بَعدُ فِيمَا قَدَّمَ لآخِرَتِهِ ، إِنَّكَ لَتَجِدُ كَثِيرِينَ مِنَّا وَلِلأَسَفِ الشَّدِيدِ ، لأَكلِهِم وَشُربِهِم نَصِيبُ الأَسَدِ مِن رَوَاتِبِهِم ، وَلِلكَمَالِيَّاتِ وَالثَّانَوِيَّاتِ وَالرَّفَاهِيَةِ نَصِيبٌ ، فَهَذَا مَبَلَغٌ لِسَدَادِ تَكَالِيفِ الجَوَّالِ ، وَذَاكَ لِلسَّفَرِ وَالتَّنَزُّهِ ، وَثَالِثٌ لِشِرَاءِ السَّيَّارَةِ الفَخمَةِ ، وَمَبَالِغُ أُخرَى لإِظهَارِ النَّفسِ بِمَظهَرٍ فَوقَ قَدرِهَا ، وَتَبدِيدٌ لِلنِّعَمِ في غَيرِ مَرضَاةِ اللهِ ، ثم لا يُفَكِّرُ أَحَدُنَا يَومًا أَن يَجعَلَ مِن رَاتِبِهِ مِئةَ رِيَالٍ أَو مِئَتَينِ أَو أَقَلَّ أَو أَكثَرَ ، لِدَعمِ الأَعمَالِ الخَيرِيَّةِ أَو تَشجِيعِ البَرَامِجِ الدَّعَوِيَّةِ ، أَو دَفعِ مَسِيرَةِ الحَلَقَاتِ القُرآنِيَّةِ وَالدُّورِ النِّسَائِيَّةِ ، فَيَا أُمَّةَ الإِسلامِ ، اُبذُلُوا وَابذُلُوا ، وَلا تَتَكَاثُرُوا مَا قَدَّمتُم ؛ فَإِنَّ " مَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأَبقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ " " هَا أَنتُم هَؤُلاءِ تُدعَونَ لِتُنفِقُوا في سَبِيلِ اللهِ فَمِنكُم مَن يَبخَلُ وَمَن يَبخَلْ فَإِنَّمَا يَبخَلُ عَن نَفسِهِ وَاللهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوا يَستَبدِلْ قَومًا غَيرَكُم ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمثَالَكُم " إِنَّهُ لَجَمِيلٌ بِالمُسلِمِ أَن يَستَقطِعَ مِن رَاتِبِهِ في كُلِّ شَهرٍ مَبلَغًا يَستَمِرُّ وَلا يَضُرُّهُ ، ، وَإِنّهُ لَوِ استَقطَعَ شَخصٌ مِئَةَ رِيَالٍ في كُلِّ شَهرٍ مَثَلاً ، فَإِنَّ مَجمُوعَ مَا سَيُنفِقُهُ في سَنَةٍ لَن يَتَجَاوَزَ تَكَالِيفَ وَلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ مِن تِلكَ الوَلائِمِ الَّتي قَد يُقِيمُهَا في الشَّهرِ مَرَّةً أَو مَرَّتَينِ أَو أَكثَرَ ، وَقَد لا يَكُونُ مُبتَغِيًا بها وَجهَ اللهِ ، فَتُذهِبُ مَالَهُ وَلا يَحصُلُ لَهُ مِنهَا أَجرٌ وَلا مَثُوبَةٌ " فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيرًا لأَنفُسِكُم وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ . إِن تُقرِضُوا اللهَ قَرضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ . عَالِمُ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ العَزِيزُ الحَكِيمُ ".
قطرات لدعم الجمعيات
الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حِينَمَا يَحصُرُ المُسلِمُ نَفسَهُ في نَوعٍ مِنَ العِبَادَةِ فَيَقتَصِرُ عَلَيهِ وَلا يَتَجَاوَزُهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ حِرمَانٌ لها مِن خَيرٍ عَظِيمٍ وَفَضلٍ كَبِيرٍ ، وَحَيلُولَةٌ بَينَهَا وَبَينَ أُجُورٍ مُضَاعَفَةٍ وَحَسَنَاتٍ مُتَكَاثِرَةٍ ، كَانَ بِإِمكَانِهِ زِيَادَةُ إِيمَانِهِ بها وَرَفعُ دَرَجَاتِهِ بِسَبَبِهَا ، وَلَقَد جَاءَتِ العِبَادَاتُ في الإِسلام مُتَنَوِّعَةً وَشَامِلَةً ؛ لِيَأخُذَ المُسلِمُ مِن كُلِّ خَيرٍ بِطَرَفٍ ، وَلِيَجتَهِدَ فِيمَا يُنَاسِبُ حَالَهُ ، فَإِنْ عَجَزَ عَن صَلاةِ تَطَوُّعٍ لم يَعجِزْ عَن صِيَامٍ ، وَإِنْ لم يَتَطَوَّعْ بِصِيَامٍ أَجزَلَ الصَّدَقَةَ وَأَطعَمَ الطَّعَامَ ، وَحِينًا يَجِدُ نَفسَهُ تَائِقَةً لِقِرَاءَةِ القُرآنِ فَيَقرَؤُهُ ، وَسَاعَةً يَجِدُ مِنهَا خِفَّةً لِلذِّكرِ فَيُكثِرُ مِنهُ ، وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ ، وَإِحصَاءُ الأَعمَالِ كُلِّهَا غَيرُ مُمكِنٍ ، وَلَن يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اِستَقِيمُوا وَلَن تُحصُوا " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ " لِيَتَكَلَّفْ أَحَدُكُم مِنَ العَمَلِ مَا يُطِيقُ ؛ فَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ لا يَمَلُّ حَتى تَمَلُّوا ، وَقَارِبُوا وَسَدِّدُوا " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُم لَن تُطِيقُوا أَو لَن تَفعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرتُم بِهِ ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبشِرُوا ".
هَكَذَا ـ أَيَُّهَا المُسلِمُونَ ـ تَتَّسِعُ مَجَالاتُ العِبَادَةِ وَتَتَعَدَّدُ صُوَرُهَا ، وَيَصعُبُ استِيعَابُهَا وَحَصرُهَا، لَكِنَّ المُوَفَّقَ يَأخُذُ بما يُطِيقُ وَيُنوِّعُ مَا استَطَاعَ ، وَلا يَترُكُ سَبِيلاً يُقَرِّبُهُ مِن رَبِّهِ وَتَتَحَقَّقُ فِيهِ عُبُودِيَّتُهُ لَهُ إِلاَّ سَلَكَهُ ، فَبَينَمَا تَرَاهُ مُصَلِّيًّا إِذْ رَأَيتَهُ ذَاكِرًا أَو قَارِئًا ، أَو مُعَلِّمًا أَو مُتَعَلِّمًا أَو مُجَاهِدًا ، أَو آمِرًا بِالمَعرُوفِ نَاهِيًا عَنِ المُنكَرِ ، أَو مُسَاعِدًا لِلضَّعِيفِ أَو مُغِيثًا لِلمَلهُوفِ ، فَهُوَ مَعَ المُصَلِّينَ مُصَلٍّ وَمَعَ المُتَصَدِّقِينَ مُتَصَدِّقٌ ، وَمَعَ الغُزَاةِ غَازٍ وَمَعَ المُتَعَلِّمِينَ مُتَعَلِّمٌ ، يَتَنَقَّلُ في مَنَازِلِ العُبُودِيَّةِ مِن مَنزِلَةٍ إِلى أُخرَى ، وَيَتَتَبَّعُ رِضَا اللهِ وَيَطلُبُهُ مَظَانَّهُ ، يَرجُو أَن يُوَافِقَ عَمَلاً يُخلِصُ فِيهِ لِرَبِّهِ ، فَيَنَالَ بِهِ رَحمَتَهُ وَيَكسِبَ بِسَبَبِهِ رِضَاهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: وَإِذَا كَانَتِ الأَعمَالُ تَتَفَاضَلُ فَيَكُونُ بَعضُهَا أَفضَلَ مِن بَعضٍ ، بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ أَوِ الأَشخَاصِ ، أَو بِتَفَاضُلِ مَا في القُلُوبِ مِنَ الإِيمَانِ وَالمَحَبَّةِ وَالتَّعظِيمِ وَالإِجلالِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن يُعلَمَ أَنَّهُ كُلَّمَا دَعَتِ الحَاجَةُ إِلى عَمَلٍ وَصَارَ نَفعُهُ مُتَعَدِّيًا لِلآخَرِينَ عَامًّا لِلأُمَّةِ ، كَانَ ذَلِكَ مِن أَسبَابِ تَفضِيلِهِ عَلَى غَيرِهِ مِنَ الأَعمَالِ القَاصِرِ نَفعُهَا عَلَى العَامِلِ وَحدَهُ ، وَإِنَّ نَظرَةً فَاحِصَةً إِلى عَالَمِنَا اليَومَ وَمَا يَجرِي فِيهِ مِن أَحدَاثٍ ، وَضَعفِ حَالِ المُسلِمِينَ وَتَقَاعُسِهِم عَنِ العَمَلِ لِدِينِهِم، في الوَقتِ الَّذِي تَتَزَايَدُ جُهُودُ الكُفَّارِ لِحَربِ الدِّينِ الحَقِّ وَنَشرِ أَديَانِهِمُ المُحَرَّفَةِ البَاطِلَةِ ، وَيُكَثِّفُونَ فِيهِ البَذلَ لِبَثِّ أَفكَارِهِمُ الفَاسِدَةِ المُفسِدَةِ ، أَقُولُ إِنَّ مَن يَنظُرُ إِلى هَذَا الوَاقِعِ لَيَجزِمُ أَنَّ في الإِنفَاقِ عَلَى مَشرُوعَاتِ الخَيرِ وَدَعمِ مُؤَسَّسَاتِ الدَّعوَةِ وَرِعَايَةِ الجَمعِيَّاتِ الخَيرِيَّةِ أُجُورًا عَظِيمَةً لِمَن وُفِّقَ إِلَيهِ ، بَلْ إِنَّهُ لَو قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى المُسلِمِ اليَومَ وُجُوبًا عَينِيًّا أَن يَبذُلَ مَا في وُسعِهِ وَيَدعَمَ بما يَقدِرُ عَلَيهِ ، فَإِنَّهُ لَن يَبتَعِدَ عَنِ الحَقِّ كَثِيرًا ، فَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ في بَعضِ المَرَاحِلِ الَّتي مَرَّت بها الأُمَّةُ : " اِنفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم في سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ " فَلَم يَعذُرْ مِنهُم أَحَدًا ، بَل أَوجَبَ عَلَيهِمُ النَّفِيرَ جمِيعًا ، وَأَلزَمَهُم بِالجِهَادِ بِأَنفُسِهِم وَأَموَالِهِم . وَلِكَي يَزدَادَ الأَمرُ وُضُوحًا وَيَتَجَلَّى وَتَظهَرَ أَهمِيَّتُهُ ، فَجَدِيرٌ بِنَا أَن نُعَرِّجَ عَلَى بَعضِ الإِحصَائِيَّاتِ لِمَا يَبذُلُهُ الكُفَّارُ مِن جُهُودٍ وَمَا يُنفِقُونَهُ مِن أَموَالٍ لِحَربِ الدِّينِ وَنَشرِ الإِفسَادِ في العَالَمِينَ ، لَعَلَّهَا أَن تُوقِدَ فِينَا هِمَمًا خمَدَت ، أَو تُحيِيَ قُلُوبًا مَاتَت ، أَو تُحَرِّكَ دَوَافِعَ سَكَنَت ، فَنَبذُلَ لِدِينِنَا وَنُعذِرَ أَمَامَ رَبِّنَا . ذَكَرَ بَعضُ البَاحِثِينَ أَنَّ مِيزَانِيَّةَ جَمعِيَّاتِ التَّنصِيرِ لِعَامِ (1999م) أَيْ قَبلَ عَشرِ سَنَوَاتٍ ، قَد فَاقَت مِئَتي مِليَارِ دُولارٍ ، نَعَمْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ مِيزَانِيَّةُ التَّنصِيرِ قَبلَ عَشرِ سَنَوَاتٍ تَجَاوَزَت مِئَتي مِليَارِ دُولارٍ ، لَيسَت أَلفًا وَلا مِئةَ أَلفٍ وَلا مِليُونًا ، بَل مِئَتَا أَلفِ مِليُونٍ . وَذَكَرَ بَعضُ البَاحِثِينَ طِبقًا لإِحصَائِيَّاتِ عَامِ (2006م) أَيْ قَبلَ سَنَتَينِ أَنَّ عَدَدَ الجَمعِيَّاتِ الخَيرِيَّةِ في أَمرِيكَا بَلَغَ (1,400,000) جمعِيَّةٍ ، يَتَجَاوَزُ دَخلُهَا (295) مِليَارِ دُولارٍ ، وَأَمَّا في بِرِيطَانيَا فَقَد بَلَغَت جمعِيَّاتُهُم أَكثَرَ مِن (190,000) جمعِيَّةٍ مُسَجَّلَةٍ لَدَى المُفَوَّضِيَّةِ الخَيرِيَّةِ ، يَتَجَاوَزُ دَخلُهَا (40) مِليَارِ جُنَيهٍ إِستَرلِينيٍّ ، وَأَمَّا عَدَدُ المُنَصِّرِينَ المُتَفَرِّغِينَ فَقَد بَلَغَ (5,151,000) وَبلَغَ عَدَدُ المَجَلاَّتِ التَّنصِيرِيَّةِ (33,700) مَجَلَّةٍ ، وَعَدَدُ مَحَطَّاتِ الإِذَاعَةِ وَالتِّليفِزيُونِ التَّنصِيرِيَّةِ (3,770) مَحَطَّةً ، وَقَد رُصِدَت مِيزَانِيَّةٌ لِلتَّنصِيرِ حَتى عَامِ (2025م) بمَبلَغِ (870) مِليَارِ دُولارٍ وَيُتَوَقَّعُ أَن يَصِلَ عَدَدُ المُنَصِّرِينَ إِذْ ذَاكَ إِلى (7) مَلايِينَ مُنَصِّرٍ ، إِنَّهَا لأَعدَادٌ مُخِيفَةٌ حَقًّا ، جمعِيَّاتٌ كَثِيرَةٌ وَمِيزَانِيَّاتٌ ضَخمَةٌ ، وَأَموَالٌ طَائِلَةٌ وَجُهُودٌ مُضَاعَفَةٌ ، يَبذُلُهَا أُولَئِكَ الكَفَرَةُ لِلتَّنصِيرِ وَصَدِّ النَّاسِ عَن سَبِيلِ اللهِ ، فَتَعَالَوا بِنَا لِنَنظُرَ بَعدَ ذَلِكَ في أَنفُسِنَا وَمَاذَا قَدَّمنَا ؟ كَم جمعِيَّةً لَدِينَا وَكَم مُؤَسَّسَةً ؟ إِنَّ الإِحصَائِيَّاتِ لَتُظهِرُ فَارِقًا عَجِيبًا ، يَتَبَيِّنُ مِن خِلالِهِ أَنَّنَا لم نُقَدِّمْ شَيئًا في مُقَابِلِ ذَلِكُمُ السَّيلِ الجَارِفِ ، فَعَدَدُ جمعِيَّاتِنَا لا يَتَجَاوَزُ خمسَ مِئَةِ جمعِيَّةٍ خَيرِيَّةٍ ، بَينَمَا لا تَصِلُ مُؤَسَّسَاتُنَا الخَيرِيَّةِ إِلى خمسَةَ عَشَرَ ، وَجمعِيَّاتُ التَّحفِيظِ لم تَصِلْ إِلى مِئَةٍ وَخمسِينَ ، وَأَمَّا مَكَاتِبُ الدَّعوَةِ وَتَوعِيَةِ الجَالِيَاتِ فَإِنَّ عَدَدَهَا لم يَصِلِ المِئَةَ ، وَفي الحِينِ الَّذي تَرجَمَ النَّصَارَى إِنجِيلَهُمُ المُحَرَّفَ إِلى مَا يَصِلُ إِلى أَلفَي لُغَةٍ في العَالمِ ، وَطَبَعُوا مِنهَا في الفَترَةِ الأَخِيرَةِ مَا يَزِيدُ عَلَى (300) مِليُونِ نُسخَةٍ ، فَإِنَّ تَرجَمَاتِ القُرآنِ لم تَتَعَدَّ خمسًا وَأَربَعِينَ لُغَةً عَالمِيَّةً ، بَينَمَا لم يَزِدْ مجمُوعُ مَا طُبِعَ في العَالمِ مِن تَرجَمَاتِهِ في العَامِ المَاضِي عَلَى مِليُونِ نُسخَةٍ فَقَطْ , وَلا نَقُولُ هَذَا الكَلامَ تَقلِيلاً مِن شَأنِ جمعِيَّاتِنَا الخَيرِيَّةِ ، أو استِضعَافًا لِمُؤَسَّسَاتِنَا الإِغَاثِيَّةِ وَمَكَاتِبِنَا الدَّعَوِيَّةِ ، أَو تَهوِينًا مِنَ الأَعمَالِ القَائِمَةِ وَالبَرَامِجِ المُنَظَّمَةِ ، أَو تَخذِيلاً لِلمُخلِصِينَ مِن عُلَمَائِنَا وَدُعَاتِنَا وَالمُحسِنِينَ مِن تُجَّارِنَا ، وَلَكِنْ لِنُثبِتَ أَن جُهُودَنَا رُغمَ أَنَّا عَلَى الحَقِّ المُبِينِ لا تَعدُو أَن تَكُونَ كَنُقطَةٍ في بَحرِ مَا يَبذُلُ أُولَئِكَ مَعَ أَنَّهُم عَلَى ضَلالٍ وَبَاطِلٍ ، وَمَعَ قِلَّةِ مَا نَبذُلُهُ وَضَعفِ مَا نُقَدِّمُهُ ، إِلاَّ أَنَّهُ أَقَضَّ مَضَاجِعَهُم وَأَقلَقَهُم وَأَفزَعَهُم ، فَكَيفَ لَو تَضَاعَفَ عَدَدُ مُؤَسَّسَاتِنَا وَضُوعِفَ دَعمُهَا ؟ كَيفَ لَوِ ازدَادَ عَدَدُ العَامِلِينَ فِيهَا ، إِنَّهَا سَتُحدِثُ أَثَرًا لَيسَ بِالهَيِّنِ ..
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَجُودُوا في سَبِيلِ اللهِ وَلا تَبخَلُوا ، وَأَنفِقُوا ممَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَأَخَّرُوا ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الإِلَهُ الحَقُّ وَالإِسلامُ هُوَ الدِّينُ الحَقُّ ، وَسَيَنتَشِرُ وَيَظهَرُ رُغمَ أُنُوفِ هَؤُلاءِ المُبطِلِينَ ، وَاللهُ هُوَ الَّذِي وَعَدَ بِخُذلانِهِم فَقَالَ : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَموَالَهُم لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيهِم حَسرَةً ثُمَّ يُغلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحشَرُونَ " لَكِنَّ المَسأَلَةَ فِينَا نَحنُ ، نَحنُ الَّذِينَ يَجِبُ أَن نَنصُرَ دِينَ اللهِ وَنُنفِقَ مِن أَجلِهِ الغَاليَ وَالنَّفِيسَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم . وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَلَّ أَعمَالَهُم . ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحبَطَ أَعمَالَهُم " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ . وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأتيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لَغَبنٌ وَخَسَارَةٌ ، أَن يَجعَلَ المَرءُ لِكُلِّ شَيءٍ في دُنيَاهُ نَصِيبًا ممَّا يُنفِقُُهُ ، ثم لا يَنظُرَ بَعدُ فِيمَا قَدَّمَ لآخِرَتِهِ ، إِنَّكَ لَتَجِدُ كَثِيرِينَ مِنَّا وَلِلأَسَفِ الشَّدِيدِ ، لأَكلِهِم وَشُربِهِم نَصِيبُ الأَسَدِ مِن رَوَاتِبِهِم ، وَلِلكَمَالِيَّاتِ وَالثَّانَوِيَّاتِ وَالرَّفَاهِيَةِ نَصِيبٌ ، فَهَذَا مَبَلَغٌ لِسَدَادِ تَكَالِيفِ الجَوَّالِ ، وَذَاكَ لِلسَّفَرِ وَالتَّنَزُّهِ ، وَثَالِثٌ لِشِرَاءِ السَّيَّارَةِ الفَخمَةِ ، وَمَبَالِغُ أُخرَى لإِظهَارِ النَّفسِ بِمَظهَرٍ فَوقَ قَدرِهَا ، وَتَبدِيدٌ لِلنِّعَمِ في غَيرِ مَرضَاةِ اللهِ ، ثم لا يُفَكِّرُ أَحَدُنَا يَومًا أَن يَجعَلَ مِن رَاتِبِهِ مِئةَ رِيَالٍ أَو مِئَتَينِ أَو أَقَلَّ أَو أَكثَرَ ، لِدَعمِ الأَعمَالِ الخَيرِيَّةِ أَو تَشجِيعِ البَرَامِجِ الدَّعَوِيَّةِ ، أَو دَفعِ مَسِيرَةِ الحَلَقَاتِ القُرآنِيَّةِ وَالدُّورِ النِّسَائِيَّةِ ، فَيَا أُمَّةَ الإِسلامِ ، اُبذُلُوا وَابذُلُوا ، وَلا تَتَكَاثُرُوا مَا قَدَّمتُم ؛ فَإِنَّ " مَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأَبقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ " " هَا أَنتُم هَؤُلاءِ تُدعَونَ لِتُنفِقُوا في سَبِيلِ اللهِ فَمِنكُم مَن يَبخَلُ وَمَن يَبخَلْ فَإِنَّمَا يَبخَلُ عَن نَفسِهِ وَاللهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوا يَستَبدِلْ قَومًا غَيرَكُم ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمثَالَكُم " إِنَّهُ لَجَمِيلٌ بِالمُسلِمِ أَن يَستَقطِعَ مِن رَاتِبِهِ في كُلِّ شَهرٍ مَبلَغًا يَستَمِرُّ وَلا يَضُرُّهُ ، ، وَإِنّهُ لَوِ استَقطَعَ شَخصٌ مِئَةَ رِيَالٍ في كُلِّ شَهرٍ مَثَلاً ، فَإِنَّ مَجمُوعَ مَا سَيُنفِقُهُ في سَنَةٍ لَن يَتَجَاوَزَ تَكَالِيفَ وَلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ مِن تِلكَ الوَلائِمِ الَّتي قَد يُقِيمُهَا في الشَّهرِ مَرَّةً أَو مَرَّتَينِ أَو أَكثَرَ ، وَقَد لا يَكُونُ مُبتَغِيًا بها وَجهَ اللهِ ، فَتُذهِبُ مَالَهُ وَلا يَحصُلُ لَهُ مِنهَا أَجرٌ وَلا مَثُوبَةٌ " فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيرًا لأَنفُسِكُم وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ . إِن تُقرِضُوا اللهَ قَرضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ . عَالِمُ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ العَزِيزُ الحَكِيمُ ".
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى