مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / إبراهيم بن محمد الحقيل
خطبة عيد الفطر المبارك حملات المفسدين على المصلحين
الخطبة الأولى الحمد لله رب العالمين؛ هدى من شاء من عباده للإيمان، واختصهم بشعائر الإسلام، وشرع لهم الصيام والقيام، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس. الحمد لله قاسم الهبات، الحمد لله مقيل العثرات، الحمد لله منزل الرحمات، الحمد لله مجيب الدعوات. الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى؛ نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم؛ فكم من نعمة أنزلها! وكم من بلية دفعها! نواصينا بيده، وأرزاقنا عنده، وآجالنا إليه، لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله؛ كان يصوم حتى يقول القائل لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل لا يصوم، وكان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه من طول القيام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله ربكم -أيها المسلمون- واشكروه على نعمه وآلائه؛ فإن شكر النعم يزيدها، وإن كفرها يمحقها ويزيلها. اشكروا الله تعالى إذ هداكم للإسلام، وحبب إليكم الإيمان، وبلغكم رمضان، وأعانكم على الصيام والقيام، ووفقكم للخير والإحسان؛ فلولا الله تعالى ما آمنتم ولا عملتم صالحا [وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ] {البقرة:198} اشكروه عز وجل إذ هداكم للعيدين الكبيرين، وما شرع لكم فيهما من الشعائر والمناسك، التي تزيدكم قربا من ربكم، وتمسكا بدينكم، مع السرور والفرح بهما؛ فالحمد لله على ما هدانا وأعطانا. ومن شكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة التمسك بالعيدين الشرعيين، والاقتصار عليهما، والحذر من مزاحمتهما أو مضاهاتهما بالأعياد البدعية المحدثة التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، كيف؟ ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله تعالى لما قدم المدينة ولأهلها يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا قال:( ما هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قالوا: كنا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِلِيَّةِ، فقال عليه الصلاة والسلام: إِنَّ اللَّهَ قد أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يوم الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ)رواه أبو داود. كما أن من شكر الله تعالى على نعمة الأعياد الشرعية تعظيم شعائرها، واجتناب المنكرات فيها، من المعازف والغناء، واختلاط النساء بالرجال، وتضييع الجماعات، والتقصير في الواجبات. أيها المسلمون، أيها الصائمون القائمون: في الليالي الماضية وعلى مدى شهر كامل أضاءت مساجد المسلمين بالتراويح والقيام، وعجت المآذن بآيات القرآن تتلى، ورفعت الأيدي إلى الكريم الجواد بالثناء والدعاء.. يقنتون ويركعون ويسجدون لخالقهم جل في علاه..ما سيقوا إلى المساجد مكرهين، ولا يرجون فيها شيئا من أمور الدنيا، بل سابقوا إليها مختارين راغبين؛ طاعة لله تعالى، يرجون ثوابه، ويحذرون عقابه، وأهل الملاهي في ملاهيهم، فكم لهم من الأجور عند الجواد الكريم؟! أيها المسلمون: في هذا الزمن يواجه الموحدون لله تعالى، المستمسكون بدينهم حملات ضارية، وحربا ضروسا من الكفار والمنافقين وأعوانهم من الظالمين والشهوانيين. حملات شملت جميع الميادين، وحروب ما أبقت مجالا فيه نشر للإسلام أو نفع للمسلمين إلا أتت عليه، يريدون تبديل كلام الله تعالى، وتحريف شريعته، وصرف الناس عن دينه، وإخراجهم منه إلى ما أحدثوه من أفكار ضالة، ومبادئ منحرفة، ويسوق لهذا الضلال المبين وكلاؤهم في بلاد المسلمين من أهل الحقد والضغينة أو الحمق والغفلة ممن يصنفون بالكتاب والمفكرين والمثقفين، وكثير منهم لا يرون أبعد من أنوفهم. لقد كان في أجندة الدولة الأول في الاستكبار والظلم والاعتداء مشاريع استعمارية ضخمة؛ أرادوا بها تغيير خرائط العالم الإسلامي، وتقسيم ما قسم من دوله، وتفتيتها إلى دويلات، والاستيلاء على ما تبقى من ثرواته، وإخضاعه تماما لحكمهم وإملاءاتهم، زاعمين أن القرن قرنهم، وأن العالم قد خضع لجبروتهم؛ ولكن الله تعالى بلطفه وحكمته خيب مساعهم، وكسر شوكتهم، وأزال هيبتهم، فغرق جنودهم في أفغانستان والعراق، ولا زالوا يغرقون، ويبحثون عما يحفظ ماء وجوههم، ويعيد هيبتهم، فسولت لهم شياطينهم إحلال الفوضى الخلاقة في الدول التي لم يسيطروا عليها، وهو مصطلح تم سكه حديثا، ويعني التدمير لمن يعارضهم، ثم إعادة الصياغة والبناء وفق ما يريدون. والتدمير يكون بأيديهم أو بأيدي وكلائهم في المنطقة؛ ومن وسائلهم في التدمير إحياء النعرات العرقية والطائفية، وإشعال الحروب الأهلية تحت إشرافهم، وبمعونتهم وإمدادهم؛ حتى يُفني الناس بعضهم بعضا، فإذا مَلوا من الحروب، وفني أكثرهم؛ عادوا مرة أخرى لترتيب أوراق المنطقة بما يحقق مصالحهم. والمطلوب الأكبر لما يسعرونه من حروب رأس الإسلام الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تبارك وتعالى. لقد عظمت حربهم على الإسلام، وتواصوا بها بينهم؛ فدنسوا القرآن، ومزقوه وأهانوه، وكتبوا مصحفا جديدا سموه فرقان الحق وضعوا فيه خلاصة أفكارهم؛ ليجعلوه بديلا عن القرآن الذي تنزل من عند الله تعالى. وسخروا من النبي عليه الصلاة والسلام في رسوماتهم وكتاباتهم، من الدنمارك إلى السويد، إلى غيرهما، واعتدوا على شريعة الله تعالى فسخروا منها، وطعنوا في أحكامها، ووضعوها على طاولة المناقشة والتجريح والتسفيه، وأسسوا قنوات فضائية وإذاعية عربية لهذه الغاية، وأعانوا بالمال والنفوذ القنوات العربية التي تسوق لمشاريعهم، وتتكلم بلسانهم، وليس لها من عربيتها إلا لسانها. لقد تمالئوا في مؤتمراتهم على الجمعيات الخيرية، التي تطعم الجوعى، وتكفل الأيتام، وتقيم المشاريع التنموية في البلدان الفقيرة، كما تمالأ كفار مكة على بني هاشم فحصروهم في الشعب. إنهم يحاربون الجمعيات الخيرية الإسلامية وقد أغلقوا أكثرها؛ ليفسحوا المجال لمنظماتهم التنصيرية لتعمل عملها في تنصير فقراء المسلمين، ونقلهم من الإيمان إلى الكفر بعد أن عجزوا عن إقناع الناس بما هم عليه من ضلال، فاستغلوا حاجتهم لفرض ضلالهم عليهم. ولم يسلم من حربهم الضروس منديل تغطي به امرأة مسلمة شعرها، فحاربوها من أجله في أوربة المتحضرة التي تحفظ حقوق الإنسان، وتؤمن بالحريات كما يقولون!! وكان من أخريات عدائهم للإسلام وصفهم إياه على ألسن رؤسائهم وكبارهم بالفاشية، وإصرارهم على محاربته وتبديله، وبعد عشرة أيام يبدأ أسبوع للتحذير من الفاشية الإسلامية في مائتي جامعة أمريكية تُلقى فيه المحاضرات، وتعرض الأفلام وتوزع الكتب والمنشورات المعادية للإسلام والمسلمين، فأي عداء للإسلام أعظم من هذا؟! لقد آذوا المسلمين في ربهم جل جلاله، وفي نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام، وفي قرآنهم، وفي دينهم، وفي بلدانهم، وفي أنفسهم، ولا زالوا، عجل الله تعالى كبتهم، وكفى المؤمنين شرهم. وأما إخوانهم المنافقون في بلاد المسلمين فإنهم أبدوا ما كانوا يخفون، وكشروا عن وجه كالح قبيح، وقلوب تقطر حقدا على كل ما يمت للإسلام بصلة؛ فما أن رأوا الكفار قد سنوا حرابهم على الإسلام وأهله إلا انحازوا لصفهم، وأظهروا ما كانوا يبطنون من عداوتهم، وأضحوا عيونا للكفار على المسلمين، يتصلون بسفاراتهم، ويتلقون تعليماتهم، ويخضعون لتوصياتهم، ويطالبون بمطالب الأعداء ذاتها، ويحاربون ما يحاربه الأعداء، ويركزون هجومهم على القضاء الشرعي ليستبدلوا به القانون الوضعي، ويحاربون شعيرة الحسبة؛ ليقضوا على الفضائل، وينشروا الرذائل، ويحاربون التعليم الشرعي، وحلقات تحفيظ القرآن؛ لتجهيل النشء بشريعة الله تعالى، وتربيته على غير كتابه عز وجل، ويحاربون مؤسسات الإغاثة والدعوة؛ لأنها باب من أبواب الخير، وتحفظ الفقراء من الانحراف والضلال، ويحاربون حجاب المرأة؛ لأنه يميز المسلمة عن غيرها، وهم لا يريدونها أن تتميز بشيء، ويحاربون عزل النساء عن الرجال، ويطالبون بالاختلاط؛ لأنهم يريدون تسعير الشهوات، ويسعون في انحلال المجتمعات، ويكتبون تقارير عن كل ذلك يمدون بها أعداء الأمة من الصهاينة والملاحدة. إنهم تحت شعار ما يسمونه إصلاحا -وهو الإفساد- يسخرون من دين الله تعالى وشريعته، ويهزءون بحملتها، ويحرفون نصوص الكتاب والسنة، ويتلاعبون بأحكام الشريعة، فيحلون ما حرم الله تعالى، ويحرمون ما أحل، ويلقون الأحكام الشرعية المحكمة على طاولة النقاش والمزايدة، ليلغوا منها ما لا يتوافق مع أهواءهم. إنهم في وسائل إعلامهم يبثون الشائعات، ويختلقون الأكاذيب ضد المصلحين؛ لينفروا الناس منهم، ومن قبل اخترع قدوتهم في النفاق إفكا مفترى في عائشة رضي الله عنها، وطعن النبي صلى الله عليه وسلم في عرضه، أفترون يا عباد الله أن منافقي زمننا يتورعون عما فعله أسلافهم!! إنهم يشعون الفاحشة، ويسوقون للرذيلة فيما امتلكوه من سائل إعلام مختلفة، ويريدون فرض الفساد والإفساد بما يشرعونه من قرارات الاختلاط في العمل، وما يطالبون به، ويحاولون الوصول إليه من قيادة المرأة للسيارة، وفرض الرياضة على البنات، والاختلاط في التعليم. لقد أضحى إفساد الناس، ونشر الرذيلة، وتوسيع الاختلاط هو شغلهم الشاغل، وقضيتهم الكبرى, مع محاربتهم للطهر والعفاف، والصلاح والإصلاح، أخزاهم الله تعالى وأذلهم، وحفظ البلاد والعباد من مكرهم وشرهم. إنها حرب ضروس على كافة الأصعدة يتولى كبرها أعداء الرسل، وأتباع الشياطين، من الكفار والمنافقين، ويعينهم فيها بعض الظالمين والشهوانيين. إنها حرب يسعرها المفسدون على المصلحين، ويشعلها دعاة الرذيلة على دعاة الفضيلة. إنه تحالف نجس نكد يقوده طواغيت أهل الكتاب وملاحدة الغرب، وينضوي تحت لوائهم المفسدون في بلاد المسلمين من المنافقين والشهوانيين ليجندوا أنفسهم للأعداء ضد أمتهم. وهو تحالف يذكرنا بما كان بين اليهود في المدينة والمشركين في مكة من اتصالات وتحالفات ضد المسلمين، واتصالاتُ منافقي عصرنا بسفاراتهم تذكر باتصالات ابن سلول وأتباعه باليهود والمشركين آنذاك. إنها محنة عظيمة، وأزمة كبيرة، عانى منها المصلحون خلال السنوات القليلة ولا زالوا؛ حتى دب اليأس إلى كثير من القلوب، فتغيرت قناعات، وزلت أقدام وأفهام، ونكص أقوام عن دين الإسلام فارتدوا بعد إيمانهم منتحلين ما يسمى بالإنسانية، راكبين قطار العلمانية، محاربين للدعاة والمصلحين، وهم محل حفاوة وإطراء من قبل الكفار والمنافقين، فتفرد لهم الصفحات، وتجرى معهم المقابلات؛ ليسوقوا ردتهم وزندقتهم على جمهور الناس، وليطعنوا في دين الله تعالى، وفي عباده الصالحين. وآخرون اتخذوا من تمييع أحكام الشريعة، ولوي نصوصها، وتتبع الأقوال الشاذة والمهجورة طريقة لهم؛ ليقربوه مما يريد الأعداء، وليرضى المنافقون والشهوانيون عنهم؛ كيما يظهرونهم في فضائياتهم الهابطة، وصحفهم المنحرفة، فتركوا ما كانوا يدعون إليه من قبل، وتنكروا لمناهجهم، وأضحت هُجيراهم أقاويل فلاسفة الغرب ومفكريه بدل نصوص الكتاب والسنة، ولربما طوعوا النصوص لآرائهم وأفكارهم، نعوذ بالله تعالى من الهوى والردى. وآخرون غيرهم تخلوا عن نصرة دين الله تعالى، والدعوة إليه، ورد حملات الكافرين والمنافقين على الصلاح والمصلحين، واشتغلوا بأمور الدنيا؛ إيثارا للسلامة، أو يأسا من واقع الأمة. وكل هؤلاء وأولئك قد ضلوا الطريق، وما صبروا في الابتلاءات، ولا فقهوا حق الفقه سنن الله تعالى في المصلحين والمفسدين، ولا أخذوا من سير الأنبياء عليهم السلام مع المستكبرين دروسا وعبرا. إن كل ما يجري في هذا العصر للمسلمين على أيدي الكافرين والمنافقين والظالمين من الحصار والمضايقة، والحرب الشاملة في كافة المجالات قد جرى مثله وأضعافه لأنبياء الله تعالى على أيدي الطغاة والمستكبرين؛ فأُخرج الأنبياء عليهم السلام والمؤمنون معهم من ديارهم، وأوذوا في الله تعالى[مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله أَلَا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ] {البقرة:214} وما فت ذلك في عضدهم، ولا أوهن عزيمتهم، ولم يقعدهم عن نصرة دين الله تعالى، أو موافقة الكافرين والمنافقين فيما أرادوا، بل صبروا واتقوا حتى نالوا الظفر في الدنيا، وجزاء الآخرة أوفى وأعظم [وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ] {آل عمران:146} . إن دين الله تعالى منصور رغم أنوف الكافرين والمنافقين، وإن أهل الحق غالبون بإذن الله تعالى، والتمكين لا يكون إلا بعد البلاء، والشدة يعقبها الفرج [فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا] {الشرح:6} [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ] {الصَّفات:173} [إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ] {آل عمران:160}. وبوادر النصر والظفر والتمكين لهذا الدين العظيم تلوح في الأفق، ويراها المستبصرون؛ ولكنها تحتاج منا إلى صبر وتقوى.. إننا يا عباد الله في هذا الزمن العصيب، نحتاج إلى صبر على أذى الكفار والمنافقين، وصبر على التمسك بالدين؛ وإن عظم البلاء، وتوالت المحن، واشتد الكرب. نحتاج إلى صبر في الدعوة إلى الله تعالى، والدفاع عن دينه وحرماته، ومجاهدة المفسدين في الأرض من الكفار والمنافقين. ونحتاج إلى تقوى تمنعنا من التنازل عن شيء من ديننا؛ إرضاء للمفسدين، وتحول بيننا وبين تسويغ الفساد والإفساد، أو الرضا بالمنكرات، أو السكوت عنها.. نحتاج إلى تقوى تدفعنا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى، والتواصي بالحق، والنصح لكل مسلم. وفي غزوة أحد حين غدر المنافقون بالمؤمنين، وانتصر المشركون، وقتل سبعون من الصحابة رضي الله عنهم، وجرح النبي عليه الصلاة والسلام، واشتدت المحنة بالمؤمنين، تنزلت الآيات القرآنية التي تتناول هذه الغزوة العظيمة؛ لتبين أن كيد المنافقين والكافرين لن يضر المؤمنين شيئا متى ما صبروا واتقوا [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ] {آل عمران:120}. الخطبة الثانية وما أحوج المصلحين إلى عون الله تعالى وتوفيقه ومدده وجنده في مقارعة الباطل وأهله، ورد باطلهم، ودحض حججهم، وكشف زيفهم، ولن ينال المصلحون عون الله تعالى ومدده وتوفيقه إلا بالصبر والتقوى[بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ المَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ] {آل عمران:125} بل جاء في القرآن العظيم الأمر الصريح بلزوم الصبر والتقوى عندما يعظم البلاء، و تشتد المحن، ويتسلط الكافرون على المؤمنين [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ] {آل عمران:186}. وليس من الصبر ولا من التقوى موافقة المفسدين فيما يريدونه من تشريع الفساد، أو إذابة أحكام الشريعة الغراء لتوافق أهواءهم، أو لوي النصوص المحكمة مسايرة للناس، وموافقة لضغوط الواقع، بل الصبر والتقوى في الاستمساك بدين الله تعالى مهما زاغ الزائغون، وانحرف المنحرفون، وارتد المرتدون، ومهما عظمت الضغوط على أهل الحق [فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {الزُّخرف:43} فاستمسكوا يا أهل الحق بدينكم، ولا تتنازلوا عنه فتهلكوا. إن أهل الحق أقوياء بما يتبعون من حق، وإن أهل الباطل ضعفاء بباطلهم وإن كانوا أكثر جمعا وقوة [كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] {البقرة:249} [بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ] {الأنبياء:18} [قُلْ جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ] {سبأ:49} . أيتها المرأة المسلمة، أيتها الصائمة القائمة: إن الجزء الأكبر من حملات المفسدين يتناول جوانب المرأة؛ لعلمهم أنها بوابة الصلاح والإصلاح متى ما تمسكت بحجابها، وجانبت الرجال، ودعت أخواتها إلى الله تعالى، وأنها قنطرة الفساد الإفساد متى ما نبذت حجابها، وخالطت الرجال، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال: (ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ على الرِّجَالِ من النِّسَاءِ)رواه الشيخان من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما. وفي حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:(....فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فإن أَوَّلَ فِتْنَةِ بني إِسْرَائِيلَ كانت في النِّسَاءِ)رواه مسلم. فإياك -أختي المسلمة- أن تنجرفي لتياراتهم، أو تصغي لدعواتهم، فإنهم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها. كيف تجيبينهم إلى ما يريدون من معصية الله تعالى، وقد امتلأ قلبك بالإيمان، وبمحبة الله تعالى، والتزام دينه؟! كيف تطيعينهم في معصية الله تعالى وأنت تصلين وتصومين وتعبدين الله تعالى؟! فكوني نصيرة للحق وجنده، واحذري أن تكوني عونا للباطل وأهله. ادرئي عن حجابك وعفافك عدوان الأعادي من شياطين الإنس؛ فإنهم الأضعف متى ما جوبهوا بقوة الحق [فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا] {النساء:76} أيها المسلمون: افرحوا بعيدكم بعد تمام صيامكم، واشكروا الله تعالى إذ هداكم.. بَرُوا والديكم، وصلوا أرحامكم، وأحسنوا إلى جيرانكم، وطهروا قلوبكم على إخوانكم، وأقيموا على عهدكم، وأطيعوا ربكم، ولا تهجروا مساجدكم ومصاحفكم؛ فإن الله تعالى رب رمضان وغير رمضان [وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا] {النحل:92} أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل منا ومنكم ومن المسلمين صالح الأعمال. وصلى الله وسلم على نبينا محمد
خطبة عيد الفطر المبارك حملات المفسدين على المصلحين
الخطبة الأولى الحمد لله رب العالمين؛ هدى من شاء من عباده للإيمان، واختصهم بشعائر الإسلام، وشرع لهم الصيام والقيام، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس. الحمد لله قاسم الهبات، الحمد لله مقيل العثرات، الحمد لله منزل الرحمات، الحمد لله مجيب الدعوات. الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى؛ نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم؛ فكم من نعمة أنزلها! وكم من بلية دفعها! نواصينا بيده، وأرزاقنا عنده، وآجالنا إليه، لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله؛ كان يصوم حتى يقول القائل لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل لا يصوم، وكان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه من طول القيام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله ربكم -أيها المسلمون- واشكروه على نعمه وآلائه؛ فإن شكر النعم يزيدها، وإن كفرها يمحقها ويزيلها. اشكروا الله تعالى إذ هداكم للإسلام، وحبب إليكم الإيمان، وبلغكم رمضان، وأعانكم على الصيام والقيام، ووفقكم للخير والإحسان؛ فلولا الله تعالى ما آمنتم ولا عملتم صالحا [وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ] {البقرة:198} اشكروه عز وجل إذ هداكم للعيدين الكبيرين، وما شرع لكم فيهما من الشعائر والمناسك، التي تزيدكم قربا من ربكم، وتمسكا بدينكم، مع السرور والفرح بهما؛ فالحمد لله على ما هدانا وأعطانا. ومن شكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة التمسك بالعيدين الشرعيين، والاقتصار عليهما، والحذر من مزاحمتهما أو مضاهاتهما بالأعياد البدعية المحدثة التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، كيف؟ ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله تعالى لما قدم المدينة ولأهلها يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا قال:( ما هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قالوا: كنا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِلِيَّةِ، فقال عليه الصلاة والسلام: إِنَّ اللَّهَ قد أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يوم الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ)رواه أبو داود. كما أن من شكر الله تعالى على نعمة الأعياد الشرعية تعظيم شعائرها، واجتناب المنكرات فيها، من المعازف والغناء، واختلاط النساء بالرجال، وتضييع الجماعات، والتقصير في الواجبات. أيها المسلمون، أيها الصائمون القائمون: في الليالي الماضية وعلى مدى شهر كامل أضاءت مساجد المسلمين بالتراويح والقيام، وعجت المآذن بآيات القرآن تتلى، ورفعت الأيدي إلى الكريم الجواد بالثناء والدعاء.. يقنتون ويركعون ويسجدون لخالقهم جل في علاه..ما سيقوا إلى المساجد مكرهين، ولا يرجون فيها شيئا من أمور الدنيا، بل سابقوا إليها مختارين راغبين؛ طاعة لله تعالى، يرجون ثوابه، ويحذرون عقابه، وأهل الملاهي في ملاهيهم، فكم لهم من الأجور عند الجواد الكريم؟! أيها المسلمون: في هذا الزمن يواجه الموحدون لله تعالى، المستمسكون بدينهم حملات ضارية، وحربا ضروسا من الكفار والمنافقين وأعوانهم من الظالمين والشهوانيين. حملات شملت جميع الميادين، وحروب ما أبقت مجالا فيه نشر للإسلام أو نفع للمسلمين إلا أتت عليه، يريدون تبديل كلام الله تعالى، وتحريف شريعته، وصرف الناس عن دينه، وإخراجهم منه إلى ما أحدثوه من أفكار ضالة، ومبادئ منحرفة، ويسوق لهذا الضلال المبين وكلاؤهم في بلاد المسلمين من أهل الحقد والضغينة أو الحمق والغفلة ممن يصنفون بالكتاب والمفكرين والمثقفين، وكثير منهم لا يرون أبعد من أنوفهم. لقد كان في أجندة الدولة الأول في الاستكبار والظلم والاعتداء مشاريع استعمارية ضخمة؛ أرادوا بها تغيير خرائط العالم الإسلامي، وتقسيم ما قسم من دوله، وتفتيتها إلى دويلات، والاستيلاء على ما تبقى من ثرواته، وإخضاعه تماما لحكمهم وإملاءاتهم، زاعمين أن القرن قرنهم، وأن العالم قد خضع لجبروتهم؛ ولكن الله تعالى بلطفه وحكمته خيب مساعهم، وكسر شوكتهم، وأزال هيبتهم، فغرق جنودهم في أفغانستان والعراق، ولا زالوا يغرقون، ويبحثون عما يحفظ ماء وجوههم، ويعيد هيبتهم، فسولت لهم شياطينهم إحلال الفوضى الخلاقة في الدول التي لم يسيطروا عليها، وهو مصطلح تم سكه حديثا، ويعني التدمير لمن يعارضهم، ثم إعادة الصياغة والبناء وفق ما يريدون. والتدمير يكون بأيديهم أو بأيدي وكلائهم في المنطقة؛ ومن وسائلهم في التدمير إحياء النعرات العرقية والطائفية، وإشعال الحروب الأهلية تحت إشرافهم، وبمعونتهم وإمدادهم؛ حتى يُفني الناس بعضهم بعضا، فإذا مَلوا من الحروب، وفني أكثرهم؛ عادوا مرة أخرى لترتيب أوراق المنطقة بما يحقق مصالحهم. والمطلوب الأكبر لما يسعرونه من حروب رأس الإسلام الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تبارك وتعالى. لقد عظمت حربهم على الإسلام، وتواصوا بها بينهم؛ فدنسوا القرآن، ومزقوه وأهانوه، وكتبوا مصحفا جديدا سموه فرقان الحق وضعوا فيه خلاصة أفكارهم؛ ليجعلوه بديلا عن القرآن الذي تنزل من عند الله تعالى. وسخروا من النبي عليه الصلاة والسلام في رسوماتهم وكتاباتهم، من الدنمارك إلى السويد، إلى غيرهما، واعتدوا على شريعة الله تعالى فسخروا منها، وطعنوا في أحكامها، ووضعوها على طاولة المناقشة والتجريح والتسفيه، وأسسوا قنوات فضائية وإذاعية عربية لهذه الغاية، وأعانوا بالمال والنفوذ القنوات العربية التي تسوق لمشاريعهم، وتتكلم بلسانهم، وليس لها من عربيتها إلا لسانها. لقد تمالئوا في مؤتمراتهم على الجمعيات الخيرية، التي تطعم الجوعى، وتكفل الأيتام، وتقيم المشاريع التنموية في البلدان الفقيرة، كما تمالأ كفار مكة على بني هاشم فحصروهم في الشعب. إنهم يحاربون الجمعيات الخيرية الإسلامية وقد أغلقوا أكثرها؛ ليفسحوا المجال لمنظماتهم التنصيرية لتعمل عملها في تنصير فقراء المسلمين، ونقلهم من الإيمان إلى الكفر بعد أن عجزوا عن إقناع الناس بما هم عليه من ضلال، فاستغلوا حاجتهم لفرض ضلالهم عليهم. ولم يسلم من حربهم الضروس منديل تغطي به امرأة مسلمة شعرها، فحاربوها من أجله في أوربة المتحضرة التي تحفظ حقوق الإنسان، وتؤمن بالحريات كما يقولون!! وكان من أخريات عدائهم للإسلام وصفهم إياه على ألسن رؤسائهم وكبارهم بالفاشية، وإصرارهم على محاربته وتبديله، وبعد عشرة أيام يبدأ أسبوع للتحذير من الفاشية الإسلامية في مائتي جامعة أمريكية تُلقى فيه المحاضرات، وتعرض الأفلام وتوزع الكتب والمنشورات المعادية للإسلام والمسلمين، فأي عداء للإسلام أعظم من هذا؟! لقد آذوا المسلمين في ربهم جل جلاله، وفي نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام، وفي قرآنهم، وفي دينهم، وفي بلدانهم، وفي أنفسهم، ولا زالوا، عجل الله تعالى كبتهم، وكفى المؤمنين شرهم. وأما إخوانهم المنافقون في بلاد المسلمين فإنهم أبدوا ما كانوا يخفون، وكشروا عن وجه كالح قبيح، وقلوب تقطر حقدا على كل ما يمت للإسلام بصلة؛ فما أن رأوا الكفار قد سنوا حرابهم على الإسلام وأهله إلا انحازوا لصفهم، وأظهروا ما كانوا يبطنون من عداوتهم، وأضحوا عيونا للكفار على المسلمين، يتصلون بسفاراتهم، ويتلقون تعليماتهم، ويخضعون لتوصياتهم، ويطالبون بمطالب الأعداء ذاتها، ويحاربون ما يحاربه الأعداء، ويركزون هجومهم على القضاء الشرعي ليستبدلوا به القانون الوضعي، ويحاربون شعيرة الحسبة؛ ليقضوا على الفضائل، وينشروا الرذائل، ويحاربون التعليم الشرعي، وحلقات تحفيظ القرآن؛ لتجهيل النشء بشريعة الله تعالى، وتربيته على غير كتابه عز وجل، ويحاربون مؤسسات الإغاثة والدعوة؛ لأنها باب من أبواب الخير، وتحفظ الفقراء من الانحراف والضلال، ويحاربون حجاب المرأة؛ لأنه يميز المسلمة عن غيرها، وهم لا يريدونها أن تتميز بشيء، ويحاربون عزل النساء عن الرجال، ويطالبون بالاختلاط؛ لأنهم يريدون تسعير الشهوات، ويسعون في انحلال المجتمعات، ويكتبون تقارير عن كل ذلك يمدون بها أعداء الأمة من الصهاينة والملاحدة. إنهم تحت شعار ما يسمونه إصلاحا -وهو الإفساد- يسخرون من دين الله تعالى وشريعته، ويهزءون بحملتها، ويحرفون نصوص الكتاب والسنة، ويتلاعبون بأحكام الشريعة، فيحلون ما حرم الله تعالى، ويحرمون ما أحل، ويلقون الأحكام الشرعية المحكمة على طاولة النقاش والمزايدة، ليلغوا منها ما لا يتوافق مع أهواءهم. إنهم في وسائل إعلامهم يبثون الشائعات، ويختلقون الأكاذيب ضد المصلحين؛ لينفروا الناس منهم، ومن قبل اخترع قدوتهم في النفاق إفكا مفترى في عائشة رضي الله عنها، وطعن النبي صلى الله عليه وسلم في عرضه، أفترون يا عباد الله أن منافقي زمننا يتورعون عما فعله أسلافهم!! إنهم يشعون الفاحشة، ويسوقون للرذيلة فيما امتلكوه من سائل إعلام مختلفة، ويريدون فرض الفساد والإفساد بما يشرعونه من قرارات الاختلاط في العمل، وما يطالبون به، ويحاولون الوصول إليه من قيادة المرأة للسيارة، وفرض الرياضة على البنات، والاختلاط في التعليم. لقد أضحى إفساد الناس، ونشر الرذيلة، وتوسيع الاختلاط هو شغلهم الشاغل، وقضيتهم الكبرى, مع محاربتهم للطهر والعفاف، والصلاح والإصلاح، أخزاهم الله تعالى وأذلهم، وحفظ البلاد والعباد من مكرهم وشرهم. إنها حرب ضروس على كافة الأصعدة يتولى كبرها أعداء الرسل، وأتباع الشياطين، من الكفار والمنافقين، ويعينهم فيها بعض الظالمين والشهوانيين. إنها حرب يسعرها المفسدون على المصلحين، ويشعلها دعاة الرذيلة على دعاة الفضيلة. إنه تحالف نجس نكد يقوده طواغيت أهل الكتاب وملاحدة الغرب، وينضوي تحت لوائهم المفسدون في بلاد المسلمين من المنافقين والشهوانيين ليجندوا أنفسهم للأعداء ضد أمتهم. وهو تحالف يذكرنا بما كان بين اليهود في المدينة والمشركين في مكة من اتصالات وتحالفات ضد المسلمين، واتصالاتُ منافقي عصرنا بسفاراتهم تذكر باتصالات ابن سلول وأتباعه باليهود والمشركين آنذاك. إنها محنة عظيمة، وأزمة كبيرة، عانى منها المصلحون خلال السنوات القليلة ولا زالوا؛ حتى دب اليأس إلى كثير من القلوب، فتغيرت قناعات، وزلت أقدام وأفهام، ونكص أقوام عن دين الإسلام فارتدوا بعد إيمانهم منتحلين ما يسمى بالإنسانية، راكبين قطار العلمانية، محاربين للدعاة والمصلحين، وهم محل حفاوة وإطراء من قبل الكفار والمنافقين، فتفرد لهم الصفحات، وتجرى معهم المقابلات؛ ليسوقوا ردتهم وزندقتهم على جمهور الناس، وليطعنوا في دين الله تعالى، وفي عباده الصالحين. وآخرون اتخذوا من تمييع أحكام الشريعة، ولوي نصوصها، وتتبع الأقوال الشاذة والمهجورة طريقة لهم؛ ليقربوه مما يريد الأعداء، وليرضى المنافقون والشهوانيون عنهم؛ كيما يظهرونهم في فضائياتهم الهابطة، وصحفهم المنحرفة، فتركوا ما كانوا يدعون إليه من قبل، وتنكروا لمناهجهم، وأضحت هُجيراهم أقاويل فلاسفة الغرب ومفكريه بدل نصوص الكتاب والسنة، ولربما طوعوا النصوص لآرائهم وأفكارهم، نعوذ بالله تعالى من الهوى والردى. وآخرون غيرهم تخلوا عن نصرة دين الله تعالى، والدعوة إليه، ورد حملات الكافرين والمنافقين على الصلاح والمصلحين، واشتغلوا بأمور الدنيا؛ إيثارا للسلامة، أو يأسا من واقع الأمة. وكل هؤلاء وأولئك قد ضلوا الطريق، وما صبروا في الابتلاءات، ولا فقهوا حق الفقه سنن الله تعالى في المصلحين والمفسدين، ولا أخذوا من سير الأنبياء عليهم السلام مع المستكبرين دروسا وعبرا. إن كل ما يجري في هذا العصر للمسلمين على أيدي الكافرين والمنافقين والظالمين من الحصار والمضايقة، والحرب الشاملة في كافة المجالات قد جرى مثله وأضعافه لأنبياء الله تعالى على أيدي الطغاة والمستكبرين؛ فأُخرج الأنبياء عليهم السلام والمؤمنون معهم من ديارهم، وأوذوا في الله تعالى[مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله أَلَا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ] {البقرة:214} وما فت ذلك في عضدهم، ولا أوهن عزيمتهم، ولم يقعدهم عن نصرة دين الله تعالى، أو موافقة الكافرين والمنافقين فيما أرادوا، بل صبروا واتقوا حتى نالوا الظفر في الدنيا، وجزاء الآخرة أوفى وأعظم [وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ] {آل عمران:146} . إن دين الله تعالى منصور رغم أنوف الكافرين والمنافقين، وإن أهل الحق غالبون بإذن الله تعالى، والتمكين لا يكون إلا بعد البلاء، والشدة يعقبها الفرج [فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا] {الشرح:6} [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ] {الصَّفات:173} [إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ] {آل عمران:160}. وبوادر النصر والظفر والتمكين لهذا الدين العظيم تلوح في الأفق، ويراها المستبصرون؛ ولكنها تحتاج منا إلى صبر وتقوى.. إننا يا عباد الله في هذا الزمن العصيب، نحتاج إلى صبر على أذى الكفار والمنافقين، وصبر على التمسك بالدين؛ وإن عظم البلاء، وتوالت المحن، واشتد الكرب. نحتاج إلى صبر في الدعوة إلى الله تعالى، والدفاع عن دينه وحرماته، ومجاهدة المفسدين في الأرض من الكفار والمنافقين. ونحتاج إلى تقوى تمنعنا من التنازل عن شيء من ديننا؛ إرضاء للمفسدين، وتحول بيننا وبين تسويغ الفساد والإفساد، أو الرضا بالمنكرات، أو السكوت عنها.. نحتاج إلى تقوى تدفعنا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى، والتواصي بالحق، والنصح لكل مسلم. وفي غزوة أحد حين غدر المنافقون بالمؤمنين، وانتصر المشركون، وقتل سبعون من الصحابة رضي الله عنهم، وجرح النبي عليه الصلاة والسلام، واشتدت المحنة بالمؤمنين، تنزلت الآيات القرآنية التي تتناول هذه الغزوة العظيمة؛ لتبين أن كيد المنافقين والكافرين لن يضر المؤمنين شيئا متى ما صبروا واتقوا [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ] {آل عمران:120}. الخطبة الثانية وما أحوج المصلحين إلى عون الله تعالى وتوفيقه ومدده وجنده في مقارعة الباطل وأهله، ورد باطلهم، ودحض حججهم، وكشف زيفهم، ولن ينال المصلحون عون الله تعالى ومدده وتوفيقه إلا بالصبر والتقوى[بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ المَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ] {آل عمران:125} بل جاء في القرآن العظيم الأمر الصريح بلزوم الصبر والتقوى عندما يعظم البلاء، و تشتد المحن، ويتسلط الكافرون على المؤمنين [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ] {آل عمران:186}. وليس من الصبر ولا من التقوى موافقة المفسدين فيما يريدونه من تشريع الفساد، أو إذابة أحكام الشريعة الغراء لتوافق أهواءهم، أو لوي النصوص المحكمة مسايرة للناس، وموافقة لضغوط الواقع، بل الصبر والتقوى في الاستمساك بدين الله تعالى مهما زاغ الزائغون، وانحرف المنحرفون، وارتد المرتدون، ومهما عظمت الضغوط على أهل الحق [فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {الزُّخرف:43} فاستمسكوا يا أهل الحق بدينكم، ولا تتنازلوا عنه فتهلكوا. إن أهل الحق أقوياء بما يتبعون من حق، وإن أهل الباطل ضعفاء بباطلهم وإن كانوا أكثر جمعا وقوة [كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] {البقرة:249} [بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ] {الأنبياء:18} [قُلْ جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ] {سبأ:49} . أيتها المرأة المسلمة، أيتها الصائمة القائمة: إن الجزء الأكبر من حملات المفسدين يتناول جوانب المرأة؛ لعلمهم أنها بوابة الصلاح والإصلاح متى ما تمسكت بحجابها، وجانبت الرجال، ودعت أخواتها إلى الله تعالى، وأنها قنطرة الفساد الإفساد متى ما نبذت حجابها، وخالطت الرجال، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال: (ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ على الرِّجَالِ من النِّسَاءِ)رواه الشيخان من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما. وفي حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:(....فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فإن أَوَّلَ فِتْنَةِ بني إِسْرَائِيلَ كانت في النِّسَاءِ)رواه مسلم. فإياك -أختي المسلمة- أن تنجرفي لتياراتهم، أو تصغي لدعواتهم، فإنهم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها. كيف تجيبينهم إلى ما يريدون من معصية الله تعالى، وقد امتلأ قلبك بالإيمان، وبمحبة الله تعالى، والتزام دينه؟! كيف تطيعينهم في معصية الله تعالى وأنت تصلين وتصومين وتعبدين الله تعالى؟! فكوني نصيرة للحق وجنده، واحذري أن تكوني عونا للباطل وأهله. ادرئي عن حجابك وعفافك عدوان الأعادي من شياطين الإنس؛ فإنهم الأضعف متى ما جوبهوا بقوة الحق [فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا] {النساء:76} أيها المسلمون: افرحوا بعيدكم بعد تمام صيامكم، واشكروا الله تعالى إذ هداكم.. بَرُوا والديكم، وصلوا أرحامكم، وأحسنوا إلى جيرانكم، وطهروا قلوبكم على إخوانكم، وأقيموا على عهدكم، وأطيعوا ربكم، ولا تهجروا مساجدكم ومصاحفكم؛ فإن الله تعالى رب رمضان وغير رمضان [وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا] {النحل:92} أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل منا ومنكم ومن المسلمين صالح الأعمال. وصلى الله وسلم على نبينا محمد
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى