رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / خالد بن محمد الشارخ
خطبة عيد الفطر المبارك
الحمد لله كثيراً والله أكبر كبيراً ..
الحمد لله الواسع العظيم ، الجواد البر الرحيم ، خلق كل شيء فقدره تقديراً ، وأنزل الشرع فيسره وهو الحكيم العليم ، بدأ الخلق وأنهاه ، وسير الفلك وأجراه وهو الحكيم الخبير ..
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ..
الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا ..
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..
لا إله إلا الله الولي الحميد ، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، الله أكبر عدد ذرات الرمال ، وعدد قطر البحر والأنهار ، الله أكبر عدد ما صام الصائمون ، الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون واستغفره المستغفرون ..
الله أكبر عدد ما ذكر الله ذاكر وكبر ، الله أكبر عدد ما حمد الله حامد وشكر ، الله أكبر عدد ما تاب تائب واستغفر ، الله أكبر ما أعاد علينا من عوائد فضله وجوده ما يعود في كل عيد ويظهر ..
اللهم لك الحمد كالذي نقول ، وخيراً مما نقول ، ولك الحمد كالذي تقول ، لك الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد إذا رضيت ، ولك الحمد بعد الرضا ..
اللهم لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث ، أو خاصة أو عامة ، أو سراً أو علانية ، لك الحمد بالإسلام ، ولك الحمد بالقرآن ، ولك الحمد بالإيمان ، ولك الحمد بالأمن والإيمان ، والراحة والاطمئنان ، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة ، بسطت رزقنا ، وكبت عدونا ، وأظهرت أمننا ، وجمعت فرقتنا ، ومن كل ما سألناك يا ربنا أعطيتنا ، فلك الحمد كثيراً كما تنعم كثيراً ، ولك الشكر كثيرً كما تجزل كثيراً ، ولك الحمد على ما مننت به علينا من إتمام شهر رمضان وصيامه ، وتلاوة الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ..
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً ، والحمد لله الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً وتدبيراً ، نحمده بجميع محامده حمداً كثيراً ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة أدخرها ليوم كان شره مستطيراً ، سبحان من لم يزل علياً كبيراً ، سميعاً بصيراً ، لطيفاً خبيراً ، عفواً غفوراً ..
وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبدالله ورسوله بعثه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً ، داعياً إلى الحق بإذنه وسراجاً منيراً .. اللهم صل على عبدك ورسولك وخليلك محمد بن عبدالله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ما ذكره الذاكرون الأبرار ، وصل على عبدك ورسولك محمد ما تعاقب الليل والنهار ، وصل على محمد ما لاحت الأنوار ، وغردت الأطيار ، وأورقت الأشجار ، وأينعت الثمار ، واختلفت الأمصار ، وتتابعت الأعصار ، وسلم تسليماً مزيداً كثيراً .. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..
أما بعد .. معاشر المسلمين اتقوا الله واشكروه على نعم تترى ، وآلاء لا تعد ولا تحصى ، أحمد الله على أن هداكم إلى هذه الشريعة الغراء ، والحنيفية السمحاء ، شرع قويم صاغه لنا ربنا ، ونقله لنا نبينا ، وسار على نهجه سلفنا ، فلإن أسندت الأمم عزها بعز آباءها أو بملك أجدادها أو تمدحت بتاريخ غابر وعهد داهر ، فإننا ننتسب أهل الإسلام إلى رب خلقنا وهدانا ، وإلى رسول علمنا وبين لنا ، ننتسب إلى كتاب الله سبحانه وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .. ألا فلترفعي رأسك أمة الإسلام ، فلم تعرف الأمم في غابرها وحافرها كأمة الإسلام ، عدلت في أعدائها فضلاً عن أتباعها وأصحابها ، لم تعرف الأمم أمة كأمة الإسلام ، حكمت بالعدل ، وقضت بالسوية ، أمة يستوي فيها الغني والفقير ، والشريف والوضيع ، أمة نشرت الخير والعدل ، والفلاح والسعادة ، وأعلنت الحق وأظهرت أهله ، وقمعت الباطل ودحرت أهله ، نعم هذه هي شريعتكم الغراء الخالدة ، إنها شريعة تقية سوية ، لا تكدرها الدلاء ، ولا يدنسها الأعداء ، شريعة كتب الله لها الظهور: (( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)) (المجادلة : 21) .
ولأتباعها الانتصار والظفر: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) (النور : 555) .
وكيف لا ينصر أتباع هذه الشريعة وهم أتباع الرسل الموعدون بالنصر(( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ )) (الصافات : 170– 173) .
نعم إنها غالبة منصورة مهما وضعت في سبيلها العوائق ، وقامت في طريقها العراقيل ، ومهما رصد لها الباطل من قوى الحديد والنار ، وقوى الدعاية والافتراء ، وقوى الحرب والمقاومة .. وإن هي إلا معارك تختلف نتائجها ثم تنتهي إلى الوعد الذي وعده الله لرسله ، والذي لا يخلف ولو قامت قوى الأرض كلها في طريقه ، هذا الوعد سنة من سنن الله الكونية ، سنة ماضية كما تمضي هذه الكواكب والنجوم في دوراتها المنتظمة ، وكما يتعاقب الليل والنهار في الأرض على مدار الزمان ، فمهما كاد له الكفرة والمبطلون فإنه ظاهر لا محالة ((رِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )) (الصف : 8,9) .
فهاهو رسول الله يخرج طريداً من مكة مختفي عن أنظار المشركين خائفا على نفسه وصاحبه ، وما هو إلا قليل حتى فتحت له مكة وخيبر والبحرين ، وسائر جزيرة العرب ، وأرض اليمن بأكملها ، وأخذت جزية مجوس هجر وبعض بلاد الشام ، فأنفقت في خزانة المسلمين ، وهاداه هرقل والمقوقس وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة ، وخابت مساعي الكافرين في النيل من هذا الدين وكسر شوكته ، واستئصال شأفته ، فكم كادت بنو إسرائيل لهذا الدين إبان ظهوره ، وعادت مساعيها سدى ، وكم حاول المنافقون تسويد صفحاته المشرق ، وطمس رموزه الظاهرة ، فانقلب السحر على الساحر : ((لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ )) (النور : 11) .
وكم كادت الصليبية الحاقدة لطمس هذا الدين وأهله ، لكن خابت مساعيها ، وضاعت جهودها((وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )) (الأنفال : 30) .
وكلما حاولوا التضييق عليه ، زاد الله في انتشاره وظهوره .. فعن تميم الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام ، وذلاً يذل به الكفر)) [1].
وعن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها )) [2] .
وعن أبي قبيل قال كنا عند عبدالله بن عمرو بن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية ؟ فدعا عبدالله بصندوق له خلق ، قال : فأخرج منه كتاباً ، قال فقال عبدالله : بينما نحن حول رسول الله نكتب ، إذ سئل رسول الله أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله : ((مدينة هرقل تفتح أولاً يعني القسطنطينية )) [3].
ورومية أيها الإخوة هي روما عاصمة إيطاليا اليوم ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب في البحر ؟ لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق ، فإذا جاءوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ، ولم يرموا بسهم ، قالوا : لا إله إلا الله والله أكبر ، فيسقط أحد جانبيها الذي في البحر ، ثم يقولون الثانية لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ، ثم يقولون الثالثة لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلونها فيغنمون فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال : إن الدجال قد خرج ، فيتركون كل شيء ويرجعون)) [4].
ألا فلا تيأسي يا أمة الإسلام ، فإن النصر قادم ، وإن الفرج قريب ..
أيها الإخوة : ما أجمل أن تتعانق فرحتنا بالعيد مع إيماننا بوعد الله ورسوله لتحرق هذه الأنوار كل ظلام نسجه اليأس ، أو صبغه الشيطان في قلوب المسلمين ، ما أجمل أن نتذكر بفرحتنا بالعيد فرحتنا بعز هذا الدين وظهور أهله ، وانتصار أولياءه ، ما أجمل أن نتذكر بفرحتنا بالعيد فرحتنا بصغار الكافرين وذلهم ، وقسم أموالهم في خزائن المسلمين ، ما أجمل أن نجعل من تلك الجراح النازفة ثغوراً تبتسم بالعز والتمكين في القريب العاجل ، وأن نجعل من هؤلاء الشهداء والقتلى ، دماء تسقي شجرة الإسلام لتورق وتزهر من جديد ..
وهكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم وأمره فقال : ((بشروا ولا تنفروا )) .
وقال : (( بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والتمكين في الأرض)) [5]
وهاهو سراقة بن مالك يطارد رسول الله وصاحبه أبا بكر وهما مهاجران طمعاً في جائزة قريش المغرية ، ويستحث فرسه لتلحق برسول الله وصاحبه ، وما هو إلا بأقدامها تغور في التراب ، فيعاهد سراقة رسول الله أن يخذل عنه ، وفي هذه اللحظة ورسول الله خارجاً من مكة لا يملك شيئا ، قد ترك داره وماله ، فينادي سراقة يا سراقة كيف بك وسواري كسرى ، يعده بسواري كسرى ملك الفرس ، إنه ليقين بنصر الله وبوعده في أصعب المواقف وأحلكها ، وفي يوم الأحزاب ويا له من يوم يقول الله تعالى عنه ((إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا*هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً )) (الأحزاب : 9-11) .
وفي هذه الساعات الرهيبة والرسول مع أصحابه يسهم في حفر الخندق وبهم من الخوف والجوع ما الله به عليم ، كان النبي يتشرف النصر من بعيد ويراه رأي العين في ومضات الصخور على ضرب المعاول ، يحدث النبي أصحابه عن الغد المأمول ، والمستقبل المرجو بفتح بلاد كسرى وبلاد قيصر وبلاد اليمن ، حديث الواثق المطمئن ، الذي أثار أرباب النفاق عند الزلزلة فقال أحدهم وهو معتب بن قشير في ضيق وحنق مصوراً حالة المنافقين جميعاً ( كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ) .
ألا ما أحوج الأمة هذه الأيام لبث روح الأمل في نفوسها ، فإذا كان رسول الله يبشر أصحابه ويذكرهم بوعد الله مع ما في قلوبهم من الإيمان والرضى ، فكيف بعصرنا هذا فنحن أحوج ما نكون إلى هذه المبشرات ، وتذكير الناس بوعد الله ووعد رسوله حتى لا يدب اليأس إلى نفوسها فتخور عن العمل ..
فو الله الذي لا إله غيره أن هذا الدين لمنصور ، وسيظهر لا محالة بعز عزيز أو بذل ذليل ، وما يحصل من قتل وتشريد ، وإيذاء وتسلط وإذلال لإخواننا المسلمين فإنما هو ابتلاء من الله تمحص به الأمة ((لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )) ( الأنفال : 37) .
ليظهر الخبيث بعد ذلك مكشوفاً في العراء ، مهتوك الستر ، مفضوح الجانب ، لا يوريه شيء ، ويبقى الطيب منصوراً بإذن الله ، ظاهراً بأمر الله لا يضره شيء ولو كادته السماوات والأرض ، ويوشك في القريب العاجل بإذن الله أن تنقلب هذه الابتلاءات إلى انتصارات وفتوحات ((قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً)) (الإسراء:51) .
((وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) (الروم : 4-6) .
إنها سنة الله التي لا تتخلف ولا تتبدل ، ما التقى الحق والباطل في ساحة أو معركة إلا انتصر الحق ((وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً )) ( الفتح :23,22) .
أمة أخرجت الصديق ثاني اثنين ، والفاروق الذي يفر الشيطان منه ، وعثمان الحمي الزاهد الأواب وصاحب الفتوحات ، وعلي بن أبي طالب صاحب الراية يوم خبير ومحارب المارقين من الخوارج ، ومعاوية بن أبي سفيان خال المسلمين وأعدل ملوكهم وأحلمهم ، والوليد بن عبدالملك الذي فتحت الفتوحات العظيمة في عهده كأيام عمر بن الخطاب ، وعمر بن عبدالعزيز أشيم بني أمية الخليفة الراشد والإمام الزاهد ، وهارون الرشيد الذي يحج عاماً ويغزو عاماً ، والمعتصم فاتح عمورية ، وأبا القاسم محمود بن سبكتكية فاتح الهند ، وموسى بن نصير فاتح المغرب ، وطارق بن زياد فاتح الأندلس ، وصقر قريش عبد الرحمن الداخل ، وعبد الرحمن الناصر مؤدب ملوك النصارى ، ويوسف بن تاشفين أمير المؤمنين بطل موقعة الزلاقة ، والظاهر بيبرس قاهر الصليبيين ومدمر إنطاكية وغازي المغول ، والملك أشرف خليل فاتح عكا ، والسلطان مراد فاتح بلغارية ومؤدب أمراء البوسنة والهرسك ، وبا يزيد الصاعقة ، ومحمد الفاتح فاتح القسطنطينية ، والسلطان الغازي سليمان القانوني فاتح بلغراد وفاتح بلاد المجر المحاصر لفيينا عاصمة النمسا ، بل أمة عطر سماءها شذا حمزة ، وخالد بن الوليد ، والمثنى بن حارثة ، ومسلمة بن عبد الملك وغيرهم و غيرهم من القمم الشوامخ ، والأسود الصوارخ لهو خير شاهد على مستقبل هذه الأمة ولا أول من ذلك أيها الإخوة من مما نعايش هذه الأيام من هجمة شرسة ، ظالمة قوية ، تمالأت فيها قوى الكفر والأحزاب الصليبية وأعوانهم من المنافقين والرافضة المارقين على استئصال شجرة الجهاد في الفلوجة ، وهاهي إلى اليوم بحمد الله لم تستطع خرق المدينة على صغرها ، ومنيت بخسائر فادحة .. ووالله أيها الإخوة لو قرأنا ذلك في كتاب ، أو حدثنا عن أمة وارها التراب ، لطال عجبنا وكثر استغرابنا ، فكيف ونحن نعاصر ذلك ونعايشه ، فلا إله إلا الله ناصر المجاهدين ، ومؤيد المؤمنين ، وحامي الصادقين ..
أرسلوا الغازات القاتلة ، فأرسل الله السماء مدراراً ، وظهرت عليهم دواب ما رأوها من قبل ، ولا رآها أهل البلد من قبل ((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ )) (المدثر : 31) .
وفي الحصار الأول طالبوا بتسليم المجندين ذوي الثياب البيضاء ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ )) (الأنفال : 9) .
فلوجة العزمات هش ثراك
طرباً إلى ما أنشدته خطاكِ
أشعلت قافية الإباء فلم يعد
للشعر فينا موقع لولاكِ
وفتحت نافذة الجهاد فأشرقت
منها على أرض العراق رؤاكِ
لما سرا المحتل في جنح الدجى
ما كان يعلم أنه سيراكِ
هو لا يرى في البحر إلا وجهه
متناسياً ما فيه من أسماكِ
أعماه سرب الطائرات فما رأى
ما في الفضاء الرحب من أفلاكِ
وهم العدو فسار في طرق الردى
وغزاه جيش الذل حين غزاكِ
لم يدرك المحتل أن رياحه
ساقت سفائنه بكف هلاكِ
لكأنني بالريح تحمله إلى
وادي سحيق كلما أذاكِ
فلوجة العزمات تكفي وقفة
كشفت قناع الظالم الأفاكِ
إنا لتؤلمنا دماؤك حينما
تجري بلاحق ونار أساكِ
والله لو وجدوا تآلف أمتي
سداً لما سلبوك قطر نداكِ
وجدوا الطريق ممهداً فتقدموا
حتى أشارت بالوقوف يداكِ
أواه يا فلوجة العزمات من
قوم يرون البأس حين طواكِ
وهنت عزائمهم فأشجع فارس
فيهم نهاه المعتدي فنهاكِ
ما زال يشرب كأس ذل لو رأى
منك القبول بشربها لسقاكِ
فلوجة العزمات لست رخيصة
فجهادك الميمون قد أغلاكِ
أنا ما دعوتك يا أبية إنما
صدق المحبة في الفؤاد دعاكِ
لا تيأسي فلرب يوم قادم
بالنصر تبصر فجره عيناكِ
ألا فألحي يا أمة الإسلام واستمسكي بالدين القويم ، واعتصمي بحبل الله جميعاً ولا تتفرقي ، ولا يقتل بعضك بعضاً ، ولا يسفك بعضك دماء بعض ، حققي التوحيد في أقوالك وأعمالك ، واجتنبي مظان الشرك ومسالكه ومهالكه ، أجمعي الكلمة ، ورأبي الصدع ، وسدي الخرق ، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، ويا قادة هذه الأمة ويا ولاتها وحكامها إن مسؤليتكم عظيمة ، فـ (( إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن )) ، سوسوا شعوبكم بكتاب الله يطيعوكم ، واحكموهم بسنة رسول الله يحبوكم ، أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ، خذوا على يد المبطل والمفسد ، وكونوا سنداً وعضداً لأهل الخير والدعوة والحسبة والإصلاح ، اتخذوا العلماء الربانيين بطانة تفلحوا وترشدوا ..
ويا علماء المسلمين إن مسؤوليتكم في تبليغ هذا الدين كبيرة ، ودفع الظلم عنه ، ورفع المعاناة عن المسلمين ، أمانة في أعناقكم جسيمة ، فالله الله بهذه الأمانة فإنكم مسؤولون عنها ..
ويا دعاة الإسلام دوركم كبير في استنقاذ هذه الأمة ، وإيقاظها وإعادتها إلى الله ، دعو بنيات الطريق ، واتركوا الإغراق في الزلات ، ونسيان المحاسن ، اجمعوا كلمة المسلمين ، ووحدوا صفهم ، ووجهوا شبابهم وطاقاتهم إلى النافع المثمر ، وجهوهم إلى استثمار جهودهم وعدم استنزاف الأمة وإدخالها في شقاق وخلاف وسفك دماء .. ((وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ )) (آل عمران : 103) .
الخطبة الثانية
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ..
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..
أيها الإخوة .. هل رأيتم أعظم مقتاً من الكسل بعد الجد ، والتواني بعد العزم ، والنقض بعد الإبرام ، نعم أولئك الذين وفقوا لعمل الطاعات والتزود من الخيرات في شهر الصيام ، حتى إذا ما انتهى الموسم نقضوا ما أبرموا ، وعلى أعقابهم نكصوا ، فبدل دروس الطهر والصلاح ، والاستقامة والفلاح ، في شهر رمضان عادوا إلى حمأة الصبوات والهفوات ، ومقارفة الآثام .. لطالما بكت عيونهم ، وجاشت نفوسهم خوفاً من عذاب ، أو طمعاً في ثواب ، حتى إذا هل عيد الفطر فكأنهم من عقالهم نشطوا ، فالعيون الباكية نظروا فيها إلى الكاسية العارية ، والأسماع التي طالما استعذبت كلام الرحمن استبدلت ذلك السمع المحبوب بسماع ممقوت يبغضه الله ، استبدلته بغناء الشيطان ، فنعوذ بالله من الحور بعد الكور ، ومن الانتكاس بعد الهداية ، فهؤلاء رمضانيون لا ربانيون ، ولكن عباد من عباد الله جدوا واجتهدوا واستمرا على دروس الطهر والاستقامة التي علمهم عليها رمضان ، وتمثلوا قول الرب سبحانه ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )) (الحجر : 99) .
فكانوا حقاً ربانيين لا رمضانيين ..
أيها الإخوة .. وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يخص النساء بموعظة بعد خطبة الرجال .. فيا معاشر النساء تصدقن ، وأكثرن فعل الخيرات ، وتبن إلى الله جميعا ، أنتن المسلمات المصليات الصادقات فأحسن عملكن ، وأحسن تربية أولادكن على طاعة الله ، حببوا إليهم الإيمان ، وكرهوا إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، كن محتشمات ، واعلمن أن الله صانكن يوم أن أمركن بالحجاب ، وفغيركن من نساء الكافرين عرضة لكل ساقط ولاقط ، قمن بحق أزواجكن ، وأطعن أزواجكن في غير معصية الله ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، اجتنبن ما يغضب الله ويوجب سخطه ، وإنما يدفع ذلك بطاعة الله ، وكثرة الإنفاق في سبيل الله ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (( يا معشر النساء تصدقن ، فإني رأيتكن أكثر أهل النار)) .
فالله الله فإن الأمر خطير ، والخطب عظيم ,,,
[1] رواه أحمد بسند صحيح .
[2] رواه مسلم .
[3] رواه أحمد بسند صحيح .
[4] في صحيح مسلم .
[5] رواه أحمد بإسناد حسن .
خطبة عيد الفطر المبارك
الحمد لله كثيراً والله أكبر كبيراً ..
الحمد لله الواسع العظيم ، الجواد البر الرحيم ، خلق كل شيء فقدره تقديراً ، وأنزل الشرع فيسره وهو الحكيم العليم ، بدأ الخلق وأنهاه ، وسير الفلك وأجراه وهو الحكيم الخبير ..
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ..
الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا ..
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..
لا إله إلا الله الولي الحميد ، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، الله أكبر عدد ذرات الرمال ، وعدد قطر البحر والأنهار ، الله أكبر عدد ما صام الصائمون ، الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون واستغفره المستغفرون ..
الله أكبر عدد ما ذكر الله ذاكر وكبر ، الله أكبر عدد ما حمد الله حامد وشكر ، الله أكبر عدد ما تاب تائب واستغفر ، الله أكبر ما أعاد علينا من عوائد فضله وجوده ما يعود في كل عيد ويظهر ..
اللهم لك الحمد كالذي نقول ، وخيراً مما نقول ، ولك الحمد كالذي تقول ، لك الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد إذا رضيت ، ولك الحمد بعد الرضا ..
اللهم لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث ، أو خاصة أو عامة ، أو سراً أو علانية ، لك الحمد بالإسلام ، ولك الحمد بالقرآن ، ولك الحمد بالإيمان ، ولك الحمد بالأمن والإيمان ، والراحة والاطمئنان ، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة ، بسطت رزقنا ، وكبت عدونا ، وأظهرت أمننا ، وجمعت فرقتنا ، ومن كل ما سألناك يا ربنا أعطيتنا ، فلك الحمد كثيراً كما تنعم كثيراً ، ولك الشكر كثيرً كما تجزل كثيراً ، ولك الحمد على ما مننت به علينا من إتمام شهر رمضان وصيامه ، وتلاوة الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ..
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً ، والحمد لله الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً وتدبيراً ، نحمده بجميع محامده حمداً كثيراً ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة أدخرها ليوم كان شره مستطيراً ، سبحان من لم يزل علياً كبيراً ، سميعاً بصيراً ، لطيفاً خبيراً ، عفواً غفوراً ..
وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبدالله ورسوله بعثه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً ، داعياً إلى الحق بإذنه وسراجاً منيراً .. اللهم صل على عبدك ورسولك وخليلك محمد بن عبدالله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ما ذكره الذاكرون الأبرار ، وصل على عبدك ورسولك محمد ما تعاقب الليل والنهار ، وصل على محمد ما لاحت الأنوار ، وغردت الأطيار ، وأورقت الأشجار ، وأينعت الثمار ، واختلفت الأمصار ، وتتابعت الأعصار ، وسلم تسليماً مزيداً كثيراً .. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..
أما بعد .. معاشر المسلمين اتقوا الله واشكروه على نعم تترى ، وآلاء لا تعد ولا تحصى ، أحمد الله على أن هداكم إلى هذه الشريعة الغراء ، والحنيفية السمحاء ، شرع قويم صاغه لنا ربنا ، ونقله لنا نبينا ، وسار على نهجه سلفنا ، فلإن أسندت الأمم عزها بعز آباءها أو بملك أجدادها أو تمدحت بتاريخ غابر وعهد داهر ، فإننا ننتسب أهل الإسلام إلى رب خلقنا وهدانا ، وإلى رسول علمنا وبين لنا ، ننتسب إلى كتاب الله سبحانه وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .. ألا فلترفعي رأسك أمة الإسلام ، فلم تعرف الأمم في غابرها وحافرها كأمة الإسلام ، عدلت في أعدائها فضلاً عن أتباعها وأصحابها ، لم تعرف الأمم أمة كأمة الإسلام ، حكمت بالعدل ، وقضت بالسوية ، أمة يستوي فيها الغني والفقير ، والشريف والوضيع ، أمة نشرت الخير والعدل ، والفلاح والسعادة ، وأعلنت الحق وأظهرت أهله ، وقمعت الباطل ودحرت أهله ، نعم هذه هي شريعتكم الغراء الخالدة ، إنها شريعة تقية سوية ، لا تكدرها الدلاء ، ولا يدنسها الأعداء ، شريعة كتب الله لها الظهور: (( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)) (المجادلة : 21) .
ولأتباعها الانتصار والظفر: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) (النور : 555) .
وكيف لا ينصر أتباع هذه الشريعة وهم أتباع الرسل الموعدون بالنصر(( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ )) (الصافات : 170– 173) .
نعم إنها غالبة منصورة مهما وضعت في سبيلها العوائق ، وقامت في طريقها العراقيل ، ومهما رصد لها الباطل من قوى الحديد والنار ، وقوى الدعاية والافتراء ، وقوى الحرب والمقاومة .. وإن هي إلا معارك تختلف نتائجها ثم تنتهي إلى الوعد الذي وعده الله لرسله ، والذي لا يخلف ولو قامت قوى الأرض كلها في طريقه ، هذا الوعد سنة من سنن الله الكونية ، سنة ماضية كما تمضي هذه الكواكب والنجوم في دوراتها المنتظمة ، وكما يتعاقب الليل والنهار في الأرض على مدار الزمان ، فمهما كاد له الكفرة والمبطلون فإنه ظاهر لا محالة ((رِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )) (الصف : 8,9) .
فهاهو رسول الله يخرج طريداً من مكة مختفي عن أنظار المشركين خائفا على نفسه وصاحبه ، وما هو إلا قليل حتى فتحت له مكة وخيبر والبحرين ، وسائر جزيرة العرب ، وأرض اليمن بأكملها ، وأخذت جزية مجوس هجر وبعض بلاد الشام ، فأنفقت في خزانة المسلمين ، وهاداه هرقل والمقوقس وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة ، وخابت مساعي الكافرين في النيل من هذا الدين وكسر شوكته ، واستئصال شأفته ، فكم كادت بنو إسرائيل لهذا الدين إبان ظهوره ، وعادت مساعيها سدى ، وكم حاول المنافقون تسويد صفحاته المشرق ، وطمس رموزه الظاهرة ، فانقلب السحر على الساحر : ((لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ )) (النور : 11) .
وكم كادت الصليبية الحاقدة لطمس هذا الدين وأهله ، لكن خابت مساعيها ، وضاعت جهودها((وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )) (الأنفال : 30) .
وكلما حاولوا التضييق عليه ، زاد الله في انتشاره وظهوره .. فعن تميم الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام ، وذلاً يذل به الكفر)) [1].
وعن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها )) [2] .
وعن أبي قبيل قال كنا عند عبدالله بن عمرو بن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية ؟ فدعا عبدالله بصندوق له خلق ، قال : فأخرج منه كتاباً ، قال فقال عبدالله : بينما نحن حول رسول الله نكتب ، إذ سئل رسول الله أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله : ((مدينة هرقل تفتح أولاً يعني القسطنطينية )) [3].
ورومية أيها الإخوة هي روما عاصمة إيطاليا اليوم ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب في البحر ؟ لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق ، فإذا جاءوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ، ولم يرموا بسهم ، قالوا : لا إله إلا الله والله أكبر ، فيسقط أحد جانبيها الذي في البحر ، ثم يقولون الثانية لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ، ثم يقولون الثالثة لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلونها فيغنمون فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال : إن الدجال قد خرج ، فيتركون كل شيء ويرجعون)) [4].
ألا فلا تيأسي يا أمة الإسلام ، فإن النصر قادم ، وإن الفرج قريب ..
أيها الإخوة : ما أجمل أن تتعانق فرحتنا بالعيد مع إيماننا بوعد الله ورسوله لتحرق هذه الأنوار كل ظلام نسجه اليأس ، أو صبغه الشيطان في قلوب المسلمين ، ما أجمل أن نتذكر بفرحتنا بالعيد فرحتنا بعز هذا الدين وظهور أهله ، وانتصار أولياءه ، ما أجمل أن نتذكر بفرحتنا بالعيد فرحتنا بصغار الكافرين وذلهم ، وقسم أموالهم في خزائن المسلمين ، ما أجمل أن نجعل من تلك الجراح النازفة ثغوراً تبتسم بالعز والتمكين في القريب العاجل ، وأن نجعل من هؤلاء الشهداء والقتلى ، دماء تسقي شجرة الإسلام لتورق وتزهر من جديد ..
وهكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم وأمره فقال : ((بشروا ولا تنفروا )) .
وقال : (( بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والتمكين في الأرض)) [5]
وهاهو سراقة بن مالك يطارد رسول الله وصاحبه أبا بكر وهما مهاجران طمعاً في جائزة قريش المغرية ، ويستحث فرسه لتلحق برسول الله وصاحبه ، وما هو إلا بأقدامها تغور في التراب ، فيعاهد سراقة رسول الله أن يخذل عنه ، وفي هذه اللحظة ورسول الله خارجاً من مكة لا يملك شيئا ، قد ترك داره وماله ، فينادي سراقة يا سراقة كيف بك وسواري كسرى ، يعده بسواري كسرى ملك الفرس ، إنه ليقين بنصر الله وبوعده في أصعب المواقف وأحلكها ، وفي يوم الأحزاب ويا له من يوم يقول الله تعالى عنه ((إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا*هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً )) (الأحزاب : 9-11) .
وفي هذه الساعات الرهيبة والرسول مع أصحابه يسهم في حفر الخندق وبهم من الخوف والجوع ما الله به عليم ، كان النبي يتشرف النصر من بعيد ويراه رأي العين في ومضات الصخور على ضرب المعاول ، يحدث النبي أصحابه عن الغد المأمول ، والمستقبل المرجو بفتح بلاد كسرى وبلاد قيصر وبلاد اليمن ، حديث الواثق المطمئن ، الذي أثار أرباب النفاق عند الزلزلة فقال أحدهم وهو معتب بن قشير في ضيق وحنق مصوراً حالة المنافقين جميعاً ( كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ) .
ألا ما أحوج الأمة هذه الأيام لبث روح الأمل في نفوسها ، فإذا كان رسول الله يبشر أصحابه ويذكرهم بوعد الله مع ما في قلوبهم من الإيمان والرضى ، فكيف بعصرنا هذا فنحن أحوج ما نكون إلى هذه المبشرات ، وتذكير الناس بوعد الله ووعد رسوله حتى لا يدب اليأس إلى نفوسها فتخور عن العمل ..
فو الله الذي لا إله غيره أن هذا الدين لمنصور ، وسيظهر لا محالة بعز عزيز أو بذل ذليل ، وما يحصل من قتل وتشريد ، وإيذاء وتسلط وإذلال لإخواننا المسلمين فإنما هو ابتلاء من الله تمحص به الأمة ((لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )) ( الأنفال : 37) .
ليظهر الخبيث بعد ذلك مكشوفاً في العراء ، مهتوك الستر ، مفضوح الجانب ، لا يوريه شيء ، ويبقى الطيب منصوراً بإذن الله ، ظاهراً بأمر الله لا يضره شيء ولو كادته السماوات والأرض ، ويوشك في القريب العاجل بإذن الله أن تنقلب هذه الابتلاءات إلى انتصارات وفتوحات ((قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً)) (الإسراء:51) .
((وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) (الروم : 4-6) .
إنها سنة الله التي لا تتخلف ولا تتبدل ، ما التقى الحق والباطل في ساحة أو معركة إلا انتصر الحق ((وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً )) ( الفتح :23,22) .
أمة أخرجت الصديق ثاني اثنين ، والفاروق الذي يفر الشيطان منه ، وعثمان الحمي الزاهد الأواب وصاحب الفتوحات ، وعلي بن أبي طالب صاحب الراية يوم خبير ومحارب المارقين من الخوارج ، ومعاوية بن أبي سفيان خال المسلمين وأعدل ملوكهم وأحلمهم ، والوليد بن عبدالملك الذي فتحت الفتوحات العظيمة في عهده كأيام عمر بن الخطاب ، وعمر بن عبدالعزيز أشيم بني أمية الخليفة الراشد والإمام الزاهد ، وهارون الرشيد الذي يحج عاماً ويغزو عاماً ، والمعتصم فاتح عمورية ، وأبا القاسم محمود بن سبكتكية فاتح الهند ، وموسى بن نصير فاتح المغرب ، وطارق بن زياد فاتح الأندلس ، وصقر قريش عبد الرحمن الداخل ، وعبد الرحمن الناصر مؤدب ملوك النصارى ، ويوسف بن تاشفين أمير المؤمنين بطل موقعة الزلاقة ، والظاهر بيبرس قاهر الصليبيين ومدمر إنطاكية وغازي المغول ، والملك أشرف خليل فاتح عكا ، والسلطان مراد فاتح بلغارية ومؤدب أمراء البوسنة والهرسك ، وبا يزيد الصاعقة ، ومحمد الفاتح فاتح القسطنطينية ، والسلطان الغازي سليمان القانوني فاتح بلغراد وفاتح بلاد المجر المحاصر لفيينا عاصمة النمسا ، بل أمة عطر سماءها شذا حمزة ، وخالد بن الوليد ، والمثنى بن حارثة ، ومسلمة بن عبد الملك وغيرهم و غيرهم من القمم الشوامخ ، والأسود الصوارخ لهو خير شاهد على مستقبل هذه الأمة ولا أول من ذلك أيها الإخوة من مما نعايش هذه الأيام من هجمة شرسة ، ظالمة قوية ، تمالأت فيها قوى الكفر والأحزاب الصليبية وأعوانهم من المنافقين والرافضة المارقين على استئصال شجرة الجهاد في الفلوجة ، وهاهي إلى اليوم بحمد الله لم تستطع خرق المدينة على صغرها ، ومنيت بخسائر فادحة .. ووالله أيها الإخوة لو قرأنا ذلك في كتاب ، أو حدثنا عن أمة وارها التراب ، لطال عجبنا وكثر استغرابنا ، فكيف ونحن نعاصر ذلك ونعايشه ، فلا إله إلا الله ناصر المجاهدين ، ومؤيد المؤمنين ، وحامي الصادقين ..
أرسلوا الغازات القاتلة ، فأرسل الله السماء مدراراً ، وظهرت عليهم دواب ما رأوها من قبل ، ولا رآها أهل البلد من قبل ((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ )) (المدثر : 31) .
وفي الحصار الأول طالبوا بتسليم المجندين ذوي الثياب البيضاء ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ )) (الأنفال : 9) .
فلوجة العزمات هش ثراك
طرباً إلى ما أنشدته خطاكِ
أشعلت قافية الإباء فلم يعد
للشعر فينا موقع لولاكِ
وفتحت نافذة الجهاد فأشرقت
منها على أرض العراق رؤاكِ
لما سرا المحتل في جنح الدجى
ما كان يعلم أنه سيراكِ
هو لا يرى في البحر إلا وجهه
متناسياً ما فيه من أسماكِ
أعماه سرب الطائرات فما رأى
ما في الفضاء الرحب من أفلاكِ
وهم العدو فسار في طرق الردى
وغزاه جيش الذل حين غزاكِ
لم يدرك المحتل أن رياحه
ساقت سفائنه بكف هلاكِ
لكأنني بالريح تحمله إلى
وادي سحيق كلما أذاكِ
فلوجة العزمات تكفي وقفة
كشفت قناع الظالم الأفاكِ
إنا لتؤلمنا دماؤك حينما
تجري بلاحق ونار أساكِ
والله لو وجدوا تآلف أمتي
سداً لما سلبوك قطر نداكِ
وجدوا الطريق ممهداً فتقدموا
حتى أشارت بالوقوف يداكِ
أواه يا فلوجة العزمات من
قوم يرون البأس حين طواكِ
وهنت عزائمهم فأشجع فارس
فيهم نهاه المعتدي فنهاكِ
ما زال يشرب كأس ذل لو رأى
منك القبول بشربها لسقاكِ
فلوجة العزمات لست رخيصة
فجهادك الميمون قد أغلاكِ
أنا ما دعوتك يا أبية إنما
صدق المحبة في الفؤاد دعاكِ
لا تيأسي فلرب يوم قادم
بالنصر تبصر فجره عيناكِ
ألا فألحي يا أمة الإسلام واستمسكي بالدين القويم ، واعتصمي بحبل الله جميعاً ولا تتفرقي ، ولا يقتل بعضك بعضاً ، ولا يسفك بعضك دماء بعض ، حققي التوحيد في أقوالك وأعمالك ، واجتنبي مظان الشرك ومسالكه ومهالكه ، أجمعي الكلمة ، ورأبي الصدع ، وسدي الخرق ، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، ويا قادة هذه الأمة ويا ولاتها وحكامها إن مسؤليتكم عظيمة ، فـ (( إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن )) ، سوسوا شعوبكم بكتاب الله يطيعوكم ، واحكموهم بسنة رسول الله يحبوكم ، أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ، خذوا على يد المبطل والمفسد ، وكونوا سنداً وعضداً لأهل الخير والدعوة والحسبة والإصلاح ، اتخذوا العلماء الربانيين بطانة تفلحوا وترشدوا ..
ويا علماء المسلمين إن مسؤوليتكم في تبليغ هذا الدين كبيرة ، ودفع الظلم عنه ، ورفع المعاناة عن المسلمين ، أمانة في أعناقكم جسيمة ، فالله الله بهذه الأمانة فإنكم مسؤولون عنها ..
ويا دعاة الإسلام دوركم كبير في استنقاذ هذه الأمة ، وإيقاظها وإعادتها إلى الله ، دعو بنيات الطريق ، واتركوا الإغراق في الزلات ، ونسيان المحاسن ، اجمعوا كلمة المسلمين ، ووحدوا صفهم ، ووجهوا شبابهم وطاقاتهم إلى النافع المثمر ، وجهوهم إلى استثمار جهودهم وعدم استنزاف الأمة وإدخالها في شقاق وخلاف وسفك دماء .. ((وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ )) (آل عمران : 103) .
الخطبة الثانية
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ..
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..
أيها الإخوة .. هل رأيتم أعظم مقتاً من الكسل بعد الجد ، والتواني بعد العزم ، والنقض بعد الإبرام ، نعم أولئك الذين وفقوا لعمل الطاعات والتزود من الخيرات في شهر الصيام ، حتى إذا ما انتهى الموسم نقضوا ما أبرموا ، وعلى أعقابهم نكصوا ، فبدل دروس الطهر والصلاح ، والاستقامة والفلاح ، في شهر رمضان عادوا إلى حمأة الصبوات والهفوات ، ومقارفة الآثام .. لطالما بكت عيونهم ، وجاشت نفوسهم خوفاً من عذاب ، أو طمعاً في ثواب ، حتى إذا هل عيد الفطر فكأنهم من عقالهم نشطوا ، فالعيون الباكية نظروا فيها إلى الكاسية العارية ، والأسماع التي طالما استعذبت كلام الرحمن استبدلت ذلك السمع المحبوب بسماع ممقوت يبغضه الله ، استبدلته بغناء الشيطان ، فنعوذ بالله من الحور بعد الكور ، ومن الانتكاس بعد الهداية ، فهؤلاء رمضانيون لا ربانيون ، ولكن عباد من عباد الله جدوا واجتهدوا واستمرا على دروس الطهر والاستقامة التي علمهم عليها رمضان ، وتمثلوا قول الرب سبحانه ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )) (الحجر : 99) .
فكانوا حقاً ربانيين لا رمضانيين ..
أيها الإخوة .. وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يخص النساء بموعظة بعد خطبة الرجال .. فيا معاشر النساء تصدقن ، وأكثرن فعل الخيرات ، وتبن إلى الله جميعا ، أنتن المسلمات المصليات الصادقات فأحسن عملكن ، وأحسن تربية أولادكن على طاعة الله ، حببوا إليهم الإيمان ، وكرهوا إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، كن محتشمات ، واعلمن أن الله صانكن يوم أن أمركن بالحجاب ، وفغيركن من نساء الكافرين عرضة لكل ساقط ولاقط ، قمن بحق أزواجكن ، وأطعن أزواجكن في غير معصية الله ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، اجتنبن ما يغضب الله ويوجب سخطه ، وإنما يدفع ذلك بطاعة الله ، وكثرة الإنفاق في سبيل الله ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (( يا معشر النساء تصدقن ، فإني رأيتكن أكثر أهل النار)) .
فالله الله فإن الأمر خطير ، والخطب عظيم ,,,
[1] رواه أحمد بسند صحيح .
[2] رواه مسلم .
[3] رواه أحمد بسند صحيح .
[4] في صحيح مسلم .
[5] رواه أحمد بإسناد حسن .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى