لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
مسلم
مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

النار الخفية  Empty النار الخفية {الثلاثاء 22 نوفمبر - 9:17}

د.محمد بن عبد الله الهبدان
النار الخفية

الخطبة الأولى

الحمد لله (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)، (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

اللهم لك الحمد بما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضل رسلك؛ وأنزلت علينا خير كتبك؛ لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، أو سر أو علانية، لك الحمد حتى ترضى؛ ولك الحمد إذا رضيت، ولا حول ولا قوة إلا بك.

وأشهد ألا إله إلا أنت، وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك؛ وصفيك وخليلك، وخيرتك من خلقك، وأمينك على وحيك؛ بعثته إلينا بالهدى ودين الحق لتظهره على الدين كله ولو كره المشركون

أما بعد:



أخي الشاب:

إن محبتي لك، وإشفاقي عليك، جعلني أبعثُ هذه الرسالةَ إليك، وكلي أملٌ ورجاءٌ أن تجدَ منك أذناً صاغيةً، وقلباً واعياً، لنصلَ سوياً إلى ما يعالجُ قضيتَك، ويُريحُ نفسَك، ويُورثُك السعادةَ في الدنيا والآخرة، بإذن الله تعالى.



أخي الشاب:

أنا أعلمُ أنك تصارعُ الهمَّ في نفسِك، وتعاني الغمَّ في قلبك، وتطيلُ التفكيرَ في عقلك، ولكن أهمُّ تلك الصراعاتِ التي تدورُ في خلدك وبين جوانحِ قلبك: تلك النارُ الخفيةُ، التي قد تفتكُ بدينك وتقضي على دنياك؛ النارُ الخفية التي أَنزلتْ أناساً من معقلِ عزهم فإذا بهم في الأذلين!.

فكم وضعتْ من شريفٍ رفيعِ القدرِ والمنصبِ؛ فإذا هو في أسفلِ سافلين؟!.

إنّها النارُ الخفية التي استعبدتِ القلوبَ لغيرِ خلاّقِها، ومَلّكتِ القلوبَ لمن يسومُها، وجعلتِ القلبَ لها أسيرا، النارُ الخفيةُ التي تثيرُ أحاسيسك، وتُحركُ عواطفَك، وتَستثيرُ غرائِزَك، وتُوقظُ الفتنةَ النائمةَ في قلبك، فإذا بك أصبحت عبداً لها، أسيراً لهواها إنها نارُ الشهوات، والاستمتاعُ بالملذات، والتي أجّجهَا في صدرِك أعداءُ الإسلام([1]) عبرَ المجلاتِ الفاسدة، والقنواتِ الفاضحة، والأفلامِ الهابطة، والمواقعِ الداعرة، وبمساهمةِ أصدقاءِ السوء، والفراغِ القاتل، وغيابِ التوجيهِ السليمِ من قِبَلِ الوالدينِ والمربين، فتفعلُ هذه الأمورُ في قلبِك فعلَها، وتنحتُ في نفسِك أثرَها!.

يقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : "حُفّت الجنةُ بالمكارهِ، و حُفّت النارُ بالشهواتِ". [رواه البخاريُ ومسلم].

فارعني سمعك - يا رعاك الله - واستحضر القلب - يرحمك الله - لنتحاورَ بصدقٍ، ونتناقشَ بهدوءٍ.



أخي الشاب:

ماذا بعد الاستمتاعِ بالنظرِ إلى صورِ النساءِ؟!.

و ماذا بعد التلذذِ بمعاكسةِ الفتياتِ في الصباحِ والمساءِ؟!.

ماذا بعد قضاءِ الوقتِ في مشاهدةِ الأفلام؟!.

ماذا بعد مهاتفةِ فتاةٍ بريئةٍ؛ تخادعُها بأنك فتى الأحلام؟!.

والذي نفسي بيده؛ لن تسعدَ في هذه الحياةِ ما دامتْ هذه حياتُك، وتلك طريقَتُك، لأن الله تعالى أبى إلا أن يذلَ من عصاه، أبى الله تعالى إلا أن يجعلَ الضنكَ وضيقَ الصدرِ لمن تجرأَ على حدودِه!.

يقول الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى). [طه: 124].

والضنكُ ليس في الآخرةِ فقط، كلا!.

بل حتى في الحياةِ الدنيا، وعندما توضعُ في قبرك، وعند قيامِك لبعثك وحشرك، فما قيمةُ تلك اللحظاتِ اليسيرات أمامَ ما ستراه من أهوالٍ عظام، وشدائدَ جسام؟!.

ولا تَغُرّك السعادةُ الوقتيةُ التي تعيشُها أثناءَ ممارسةِ المعصية مع زملائِك وخلانِك، فإن الله سيُعِقبُها هماً وغمّاً: "فهذه اللذاتُ إنما هي استدراجٌ من الله لأصحابهِا؛ ليُذيقَهم بها أعظمَ الآلام، ويحرمَهم بها أكملَ اللذاتِ؛ بمنزلةِ من قدمَ لغيرهِ طعاماً لذيذاً مسموماً يستدرجُه به إلى هلاكهِ. قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ). [الأعراف: 182-183].

قالَ بعضُ السلفِ في تفسيرهِا: كُلّما أحدثوا ذنباً أحدثنا لهم نعمة: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). [الأنعام: 44-45].

وقال تعالى لأصحابِ هذه اللذة: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ). [المؤمنون: 55-56].

وقال في حقهِم: (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). [التوبة: 55].

وهذه اللذةُ تنقلبُ آلاماً من أعظمِ الآلام؛ كما قيل:

تفنى اللذاذةُ ممن نالَ صفوتَها ** من الحرامِ ويبقى الإثمُ والعار

تبقى عواقبُ سوءٍ مِنْ مَغِبَتِها ** لا خيرَ في لذةٍ من بعدِها النارُ"([2]).

ذهبتِ اللذاتُ وجاءتِ الحسراتُ، تمتعوا قليلاً وعُذبوا طويلاً، رتعوا مرتعاً وخيماً فأعقَبَهم عذاباً أليما، أسكرتُهم خمرةُ تلك الشهواتِ؛ فما استفاقوا منها إلا في ديارِ المعذبين، وأرقدتُهم تلك الغفلةُ فما استيقظوا منها إلا وهم في منازلِ الهالكين، فندموا – والله - أشدَّ الندامةِ حينَ لا ينفعُ الندمَ، وبكوا على ما أسلفوهُ بدلَ الدموعِ بالدم.

وها أنت أخي الحبيب ترى الحياةَ الغربية في قمةِ التفسخِ والانحلال، وتتبعِ الشهواتِ في كلِّ الأحوال، ومع ذلك لم يجدوا السعادةَ المنشودة، والراحةَ المقصودة، فنسبُ الانتحارِ مرتفعة، والاضطراباتُ النفسيةُ والعقليةُ متصاعدة، والقلقُ والهم والغم متزايدة؛ إن في ذلك لعبرة لأولي الألباب.

قالَ بعضُ العلماءِ: "فكرتُ في سعي العقلاءِ، فرأيتُ سعيَهم كلَّه في مطلوبٍ واحدٍ، وإن اختلفتْ طرقُهُم في تحصيلهِ، رأيتهُم جميعاً إنما يسعون في دفعِ الهمِ والغمِ عن نفوسهِم؛ فهذا في الأكلِ والشربِ، وهذا بالتجارةِ والكسبِ، وهذا بالنكاحِ، وهذا بسماعِ الغناءِ والأصواتِ المطربة، وهذا باللهوِ واللعب، فقلتُ: هذا المطلوبُ مطلوبُ العقلاءِ، ولكنَّ الطرقَ كلَّها غيرُ موصلةٍ إليه، بل لعل أكثرَها إنما يُوصلُ إلى ضدهِ، ولم أر في جميعِ هذه الطرقِ كلِّها طريقاً موصلةً إليه إلا الإقبالَ على اللهِ ومعاملتهَ وحدَه، وإيثارَ مرضاتهِ على كلِّ شيء، فإنَّ سالكَ هذا الطريقِ: إن فاتَه حظُهُ من الدنيا؛ فقد ظفرَ بالحظِ العالي الذي لا فوتَ معه. وإن حصلَ للعبدِ؛ حصلَ لَهُ كلُّ شيءٍ، وإن فاتَه؛ فاتَه كلُّ شيءٍ، وإن ظفرَ بحظهِ من الدنيا؛ نالَه على أهنأِ الوجوهِ، فليس للعبدِ أنفعُ من هذا الطريق، ولا أوصلُ منها إلى لذاتِه وبهجتِه وسعادتهِ".([3])



ثم أقول لك أخي الشاب:

تذكّر وأنت تطالع الحرام، وتشاهد الأفلام، وتعاكس النساء في الأسواق، وتهاتفهنّ عبر الهاتف، أن غيرك من الشباب قد يفعل نفس الفعل مع محارمك فهل ترضى ذلك؟! أنا أعلم أن في قلبك من الغيرة والحمية ما لو قسم على سبعين من أهل البلد لكفاهم، إذن أخي الحبيب لا تتعرض لعورات الناس حتى لا يُتعرض لعوراتك،وتذكر أنك في يوم ما ستكون لك زوجة تتركها وحدها في بيتك؛ فتصور أن شابا يكلمها في وقت خلوتها وفراغها؟فماذا يكون شعورك؟وماذا يكون موقفك؟!.

ألقى رجال الحسبة - وفقهم الله - القبض على شاب قد أركب فتاة وتمت الإجراءات الرسمية في حقه، فلما خرج، ومضت الأيام وبعد شهرين؛ أُلقى القبض على فتاة قد ركبت مع شاب منحرف؛ فاتُصل على وليها ليحضر لمركز الهيئة، وهنا كانت المفاجأة والتي أذهلت أعضاء المركز! تلك المفاجأة المريرة وهي أن هذه الفتاة هي أخت لذلك الشاب الذي ألقي القبض عليه منذ شهرين وقد أركب فتاة!

فلا إله إلا الله، فكما تدين تدان:

عفوا تعف نساءكم في المحرم ** وتجنبوا ما لا يليق بمسلم

إن الزنى دين فإن أقرضته ** كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم

من يزني في قوم بألفي درهم ** في أهله يُزنى ولو بالدرهم

أقبل شاب في زهرة شبابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَى؟! فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قربه وأدناه: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟! قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ.

قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟! قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ.

قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟! قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ.

قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟! قَالَ لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ.

قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟! قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ.

فَوَضَعَ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ. فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ". [رواه أحمد].



أخي الشاب العزيز:

قد تقول: إني أشعر بالسعادة حينما أمارس المعصية!.

لكن هل سألت نفسك: ثم ماذا؟! ماذا بعد سعادة ساعة؟! ماذا بعد نشوة لحظة؟! ألا تعلم أن هذه السعادة كسحابة صيف أو خيال طيف:
أحلامُ نومٍ أو كظلٍّ زائلٍ ** إنّ اللبيبَ بمثلِها لا يُخْدَعُ

أليس الموت بعد هذه الشهوات؟!.

أليس الموت هادم اللذات؟!.

إذن: فما قيمة هذه السعادة التي سيعقبها ندامة؟!.

ما قيمة السعادة التي سيعقبها تعاسة؟!.

يقول الله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ). [الرحمن: 26- 27].

وليت الأمر توقف عند الموت! إذن لهان الأمر - وما هو بهين ورب الكعبة - ولكن الشأن كل الشأن: ماذا بعد الموت؟!:

ولو أنا إذا متنا تركنا ** لكان الموت غاية كل حي

ولكـنّا إذا متنا بعثنا ** فيسأل ربنا عن كل شيء

يقول سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ). [آل عمران: 185].

يقول الله تعالى: (وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً). [الفرقان: 68- 69] لا يكتفي بالعذاب فقط بل يصاحب هذا العذاب ذلٌ ومهانة، وخزي وندامة!.

فيا لله، ما أشده من موقف حينما تقف بين يدي الواحد القهار، العزيز الجبار، فيقول لك:

يا عبدي لم عصيتني في يوم كذا وكذا؟!.

لم فعلت الزنا في يوم كذا وكذا؟!.

لم جلست في المقاهي و الاستراحات تنظر إلى الحرام؟!.

لم جلست مع زملائك تشاهد الأفلام؟!.

فيا لله، ما أشده من موقف رهيب عصيب!.

وأشد من ذلك: حينما تريد أن تتنصل من ذنوبك؛ ولا ترضى بالأشهاد إلا من نفسك، فتخونك أعضاؤك التي كنت تعتمد عليها لتشهد لك؛ فإذا بها تشهد عليك!.

يقول الله تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). [يس: 65] ويقول سبحانه: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). [النور: 24].

فالأفخاذ تشهد، والأيادي تشهد، والجلود تشهد، فرحماك يا إلهي، ثم رحماك.

روى مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟!.

قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ!.

قَالَ: مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ؛ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ؟!.

فيَقُولُ: بَلَى.

فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي!. فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا.

فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ؛ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ".

يقول قتادة رحمه الله: "ابن آدم، والله إن عليك لشهوداً غير متهمة في بدنك، فراقبهم واتق الله في سرك وعلانيتك، فإنه سبحانه لا يخفى عليه خافية، الظلمة عنده ضوء، والسر عنده علانية".



أخي الشاب:

يا من أعطاك الله فطرة طيبة، ونفساً زكية: أتحب أن تلقى الله تعالى وأنت متلبس بتلك المعصية؟!.

أتحب أن تلقى الله تعالى وأنت أمام القنوات المفسدة؟!.

أتحب أن تلقى الله تعالى وأنت جالس مع فتاة لا تحل لك؟!.

أما تخشى سوء الخاتمة التي فزع منها الصالحون، وبكى لأجلها المؤمنون؟!.

يروى أن رجلا عشق شخصاً، فاشتدَّ كلَفُه به، وتمكنَ حبه من قلبه، حتى وقع مرض، ولزم الفراش بسببه، وتمنع ذلك الشخص عليه، واشتد نِفارُه عنه، فلم تزل الوسائط يمشون بينهما، حتى وعده بأن يعوده، ففرح، واشتد فرحهُ، وانجلى غمه، وجعل ينتظره للميعاد الذي ضُرب له، فبينما هو كذلك؛ إذ جاءه الساعي بينهما، فقال: إنه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع، ورغبتُ إليه وكلمته، فقال: إنه ذكرني وفرح بي، ولا أدخل مُدخل الريبة، ولا أعرض نفسي لمواقع التهم، فعاودته، فأبى وانصرف، فلما سمع البائس؛ اسقط في يده، وعاد إلى أشد مما كان به، وبدت عليه علائم الموت، فجعل يقول في تلك الحال:

يا أسَلْمُ يا راحةَ العليلِ ** ويا شفاءَ المُدْنَفِ النحيلِ

رضاكَ أشهى إلى فُؤادي ** من رحمةِ الخالقِ الجليلِ

فقلت له: يا فلان، اتق الله! قال: قد كان!.

فقمتُ عنه، فما جاوزتُ بابَ داره حتى سمعتُ صيحةَ الموت.

فعياذاً بالله من سوء العاقبة، وشؤم الخاتمة.([4])

بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، العبد المجتبى، والنبي المصطفى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه واقتفى. أما بعد:

أخي الشاب:

لا بدّ أن تتذكر أنك تنتمي إلى كوكبة من الرجال الفضلاء، و إلى مجموعة من الأبطال النبلاء، تعرضت لهم الفتن والشهوات؛ فجعلوها خلف ظهورهم.

نعم كانت الفتن تتعرض لهم، ويراد لهم الوقوعُ فيها، ومع ذلك ظلّت عفتهم وكرامتهم الإيمانية تمنعهم من اقتراف هاتيك القاذورات، وتلك المحرمات!.

وحتى لا تذهب بك الظنون، فإني لست أعني أنهم كالملائكة الكرام! كلا؛ فهم بشر مثلنا، لهم شهوة كشهوتنا، ولكن البون الشاسع بيننا وبينهم!، فهم رجالٌ تطلعت نفوسهم إلى ما عند الله تعالى مما أعده لعباده المتقين من جنات وعيون، وفواكه مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، جزاء بما كانوا يعملون.

ولذا دعني أعطر سمعك وقلبك بقصص أسلافك الأوائل، الذين هم قدوتك وأسوتك.

يُروى أن شاباً كان في مقتبل عمره، أحبته امرأة فأرسلت إليه تشكو حبّه وتسأله الزيارة، وكان لها زوج فألحّت عليه، فأفشى ذلك إلى صديقٍ له، فقال له: لو بعثت إليها بعض أهلك فوعظتها وزجرتها رجوت أن تكفّ عنك، فأمسك، وأرسلت إليه: إما أن تزورني وإما أن أزورك، فأبى.

فلما يئست منه ذهبت إلى امرأة كانت تعمل السحر فجعلت لها العطاء الجزيل في تهييجه، فعملت لها في ذلك، فبينا هو ذات ليلةٍ مع أبيه إذ خطر ذكرُها بقلبه وهاج منه أمرٌ لم يكن يعرفه واختلط عقله وفسد، فقام مسرعاً فصلى واستعاذ والأمر يشتد، فقال: يا أبه أدركني بقيد، فقال: يا بني ما قصتك؟! فحدثه بالقصة، فقام وقيّده وأدخله بيتاً، فجعل يضطرب ويخور كما يخور الثور، ثم هدأ فإذا هو ميّت والدم يسيل من منخره.([5]).

سبحان الله! كل ذلك من أجل ألا يقع في الحرام، ولا يقترف الحرام، ولا يواقع جسداً حراماً!.

إنه يضحي بنفسه وروحه من أجل أن يكون عفيفاً طاهراً زكيّاً!.

فيا لله، على لتلك النفوس الأبية! ويا لله على تلك القلوب الحية!.

يقول حصين بن عبد الرحمن: "بلغني أن فتى من أهل المدينة كان يشهد الصلوات كلها مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عمر يتفقّده إذا غاب، فعشقته امرأة من أهل المدينة، فذكرت ذلك لبعض نسائها، فقالت: أنا أحتال لك في إدخاله عليك، فقعدت له في الطريق، فلما مرّ بها قالت له: إني امرأة كبيرة السنّ ولي شاة لا أستطيع أن أحلبها، فلو دخلت فحلبتها لي، وكانوا أرغب شيء في الخير، فدخل فلم ير شاة، فقالت: اجلس حتى آتيك بها، فإذا المرأة قد طلعت عليه!.

فلما رأى ذلك عمد إلى محرابٍ في البيت فقعد فيه، فأرادته عن نفسه فأبى، وقال: اتقي الله أيتها المرأة، فجعلت لا تكف عنه ولا تلتفت إلى قوله، فلما أبى عليها صاحت عليه فجاءوا؛ فقالت: إنّ هذا دخل عليّ يريدني عن نفسي، فوثبوا عليه وجعلوا يضربونه وأوثقوه.

فلمّا صلى عمر الغداة فَقَدَه، فبينا هو كذلك إذ جاؤوا به في وثاق، فلما رآه عمر قال: اللهم لا تخلف ظني به، قال: مالكم؟! قالوا: استغاثت امرأة بالليل فجئنا فوجدنا هذا الغلام عندها، فضربناه وأوثقناه، فقال عمر رضي الله عنه: أصدقني، فأخبره بالقصة على وجهها، فقال له عمر رضي الله عنه: أتعرف العجوز؟! فقال: نعم إن رأيتها عرفتها، فأرسل عمر إلى نساء جيرانها وعجائزهن، فجاء بهن فعرضهن، فلم يعرفها فيهن، حتى مرت به العجوز فقال: هذه يا أمير المؤمنين، فرفع عمر عليها الدرة وقال: أصدقيني.

فقصّت عليه القصة كما قصها الفتى. فقال عمر: الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف" ([6]).

نعم، شبيه يوسف عليه السلام؛ الذي راودته تلك المرأة!. وما أشدها وأقساها من تجربة؟!.

فيوسف عليه السلام في ريعان الشباب، يمتلئ جسمه قوة وحيوية، وجمالاً ورونقاً، وهو في حالة غربة وعزبة، وأسباب الفاحشة ودواعيها تتهيأ له، فالمرأة هي الداعية.

وامرأة منْ هذه؟!.

إنها امرأة العزيز عزيز مصر!. فحسبك بهذا فتنة وإغراء!.

وقد تزيّنت بكل ما تملك! والدعوة في بيت آمن، وقد غلقت الأبواب، ولكن بقي باب واحد لم يغلق ولن يُغلق؛ إنه باب السماء، فيتذكّر يوسف عليه السلام من خلاله عظمة الجبار جل جلاله ويتصور رقابته، ويرى برهان ربّه فيلوذ بحماه، وينتصر على الإغراء والشهوة، ويمتنع عن مقارفة الفاحشة، ويستحق أن يكون من عباد الله المخلصين: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ). [يوسف: 24].

هؤلاء الشباب الذين عطروا التاريخ بعفافهم وطهرهم وزكائهم ونقائهم.

هؤلاء الذين جمّلوا التاريخ بقوة إرادتهم، وصلابة إيمانهم.

هؤلاء الذين تحرروا من رقّ الشهوات فأصبحوا سادة الدنيا!.

أين نحن من أولي الهمم العالية، والعزائم السامية؟!.

أين أنتم يا شباب من صقر قريش؛ عبد الرحمن الداخل، الذي أُهديت إليه جارية بارعة الجمال، فائقة الحسن والكمال عند أول قدومه لبلاد الأندلس: "فلمّا رآها قال: إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا شُغِلت عنها بما أهِمُّ به ظلمتها، وإن اشتغلتُ بها عمّا أهِمُّ به ظلمتُ همتي، فلا حاجة لي بها الآن، وردها على صاحبها".

فانظر إلى هذا الرجل لمّا تحرر من شهوته: كيف نال ما نال؟!.

هذا الرجل الذي ولي الأندلس وهي ولاية تميد بالفتن، وتشرقُ بالدماء، فما لبث أن قرّت له، وسكنت لهيبته، ثم خرج في طليعة من جنده، فافتتح سبعين حصناً في غزوة واحدة، ثم أمعن في قلب فرنسا، وتغلغل في أحشاء سويسرا، وضم أطرافا من إيطاليا، حتى ريّض كل أولئك له([7]).

هؤلاء أجدادك وأسلافك، فَسِر على ما ساروا عليه، والحق بركائبهم تكن من الفائزين بإذن الله تعالى.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

اللهم أكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.





([1]) يقول أحد القساوسة النصارى: "جاء النشء الإسلامي مطابقاً لما أراده الاستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور، يسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة".

فكيف يجرّكم أعداء الله إلى مستنقع المعاصي وأنتم شباب أعزكم الله بالإسلام، وكيف ترضون بهذا الضعف والهوان؟! وإلى متى تستمرون منغمسين فيه؟!.

([2]) ذم الهوى لابن الجوزي ص 186.

([3]) المنتقى الشافي من الجواب الكافي ص 42-43. يسر الله طبعه.

([4]) الجواب الكافي ص 405.

([5]) روضة المحبين ص 461-162. بتصرف يسير.

([6]) انظر: روضة المحبين ص 460. وقد ذكر قصصا كثيرة حول هذا المعنى إن أردتها فانظرها فيه.

([7]) انظر العشق: حقيقته، ص 80 لمحمد الحمد.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى