رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. رياض بن محمد المسيميري
الحدود الشرعية
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ , ونستغفرهُ , ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا , منْ يُهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ , ومنْ يضلل فلا هاديَ له .
وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله .
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( ]آل عمران:102[ .
) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ( ] النساء:1[.
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ( ]الأحزاب:70-71[.
أما بعد : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ , وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها , وكلَّ محدثةٍ بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعدُ ، أيها المسلمون :
فإن من أعظمِ القضايا , التي أولاها الإسلامُ عنايتَه واهتمامهُ , ووضَعَ التشريعات الملائمة لنجاحهِا , قضيةَ الأمنِ الداخلي داخلَ المجتمعِ الإسلامي , ذلك الأمنُ , الذي بفقدهِ, واضطرابهِ, تسودُ حالةٌ من الفوضى , وحالةٌ من التخبطِ, والقلقِ , تجعلُ الحياةَ جحيماً لا يطاق , وعذابا لا يُحتمل , ومن أهم تلك التشريعاتِ , التي وضعها الإسلامُ , لحمايةِ المجتمعِ والحفاظِ على أمنهِ, واستقرارهِ , إقامةُ الحدودِ الشرعية , كقتلِ القاتل , ورجمِ الزاني , وقطعِ يدَ السارقِ , وقتل المرتدِ , وغيرها من الحدودِ , التي غابت عن ساحةِ القضاءِ اليومِ في معظمِ ديارِ المسلمين , يومَ خلعَ القضاءُ أُهبةُ العزِ والشرف , ومهابةَ العلمِ, والعدالةِ , ولبسَ جلبابَ الذلِّ, والتبعيةِ , وقضى بغيرِ حكمِ اللهِ وشرعهِ , ذلك الشرعُ المطهرُ , الذي ما وُضع إلا قطعاً لدابرِ الشرِ, والفتنةِ , وصوناً للدماءِ, والأعراضِ , وحفظاً للأموالِِ والأنفس فالمجرمُ , المتعطشُ للدمِ الحرامِ , حين يتذكر , أن هناك من يقيمُ شرعَ الله ويقتصُ من القاتلِ بضربِ عنقهِ , فإنه سيفكرُ ألفَ مرةٍ , قبل أن يفجعَ الناس بقريبٍ, أو حبيب , والذئبُ البشري , المتربصُ بنساءِ المسلمين, وعوراتهِم حين يتذكرُ منظرهُ وهو يُرجمُ بالحجارةِ على رأسهِ, وجنبهِ, وظهره , ومن بين يديهِ, ومن خلفهِ ، أو يجلدُ في ملأٍ من الناسِ , يشهدون فضيحتَه , ويعتبرون بسوءِ عاقبتهِ , حين يتذكرُ هذه النهايةُ البائسةُ, فإن ذلك الوغدُ القذرُ , سيُقدِّمُ رجلاً ويُؤخر أخرى , قبل أن يُدنسَ عرضاً, أو يرتكبَ فاحشةً , والسارقُ اللئيمُ حين يتذكرُ منظرَه, وهو يمش بين الناس , مقطوعَ اليدِ أو اليدين تلاحقهُ الأعينُ المستريبةُ من هيئتهِ , الحذرةُ من مخالطتهِ , فاقدةُ الثقةِ فيه , إذا تذكرَ اللئيمُ , ذلك كلَّه أو بعضَه , تراجعت نوازعُ الشرِ في نفسهِ , فكفَّ يدهَ عن مالٍ ليس من كدهِ ولا كدّ أبيه , وصانَ نفسهَ , عن السطوِ على بيتِ مالِ المسلمين , مستغلاً منصبهِ ,أو وظيفته , أو جاهَهِ, أو نسبَه , بدعوى أنّ لـه فيه حقا , أو أن ما يُعطاه لا يكفيه , أو غيرها من الدعاوى . والزنادقةُ المتمردون من علمانيين, وحداثيين ونحوهم, والذين يجاهرون بردتهم صباح مساء , بلا خوفٍ ولا استحياء , حين يتذكرون أن مصيرهم ضرب أعناقهم من على أكتافهم , فإنه لن يتجرأَ أحدٌ منهم على الكتابةِ عبرَ وسائلِ الإعلامِ لإظهار كفرهِ, وزندقتهِ , ولو نُفذ هذا الحدُّ على رجلٍ منهم لتراجع الكثيُر منهم عن تلك الأفكارِ الشوهاءِ ، والفلسفاتِ الجوفاءِ .
إذاً فإقامةُ الحدود , خيرُ وسيلةٍ , لحفظِ المجتمعِ , من عبثِ العابثين ، واستهتارِ المجرمين , إلا أن شرط استتبابِ الأمنِ بإقامةِ الحدودِ , أن تقامَ على الكبيرِ والصغيرِ , والشريفِ والحقير , والغني والفقير , فالجميعُ سواسية , في محكمة العدل الإلهية , أما حين تطبقُ الحدودُ , على الضعيفِ, والمسكين , وعابر السبيلِ, والمغترب , ويتركُ الوجهاء,ُ والشرفاءُ , فتلك نكسةٌ كبرى : ] أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [ [البقرة: من الآية85] .
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ـ أن قريشاً أهمهم شأنُ المرأةِ المخزومية , التي سرقت في عهد النبي r , في غزوةِ الفتح , فقالوا : من يكلمُ فيها رسولَ الله r ، فقالوا : ومن يجترئُ عليه , إلا أسامةُ بن زيد ؟ , حِبُ رسولِ اللهِ r فأُتيَ بها إلى رسول الله r فكلمه فيها أسامةُ بن زيد , فتلونَّ وجهُ رسولِ الله r فقال : أتشفعُ في حدٍ من حدودِ الله ؟ فقال أسامة : استغفر لي يا رسولَ الله , فلما كان العشي , قام عليه الصلاة والسلام فاختطبْ , فأثنى على الله تعالى بما هو أهلُه , ثم قال : أما بعد , فإنما أهلك الذين من قبلِكم , أنهم كانوا , إذا سَرقَ فيهم الشريفُ تركوهُ , وإذا سرقَ فيهم الضعيفُ , أقاموا عليه الحدَّ , إني والذي نفسي بيده لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدها , ثم أمرَ بتلك المرأةِ التي سرقتْ فقطعت يدُها ».رواه البخاري (3475) من حديث عائشة رضي الله عنها
وشربَ أميرُ البحرين , قدامةُ بن مظعون , شربَ الخمرُ في عهد عمرَ رضي الله عنه , فاستدعاه إلى المدينةِ , وجلدَهُ ثمانينَ سَوطاً , ولم يمنعهُ من إقامةِ الحدِّ عليه , كونُهُ أميراً لـه وجاهتُه , ولا كونُه بدرياً .
وتمالأ جماعةٌ من أهلِ صنعاءَ فقتلوا رجلاً بغير حقٍ, فجئ بهم إلى عمر رضي الله عنه, فقتلهم فرداً فرداً , وقال كلمتهَ المشهورةُ , والله لو تمالأ عليه أهلُ صنعاءَ كلُهم , لقتلتهم به ، وما ذلك إلا لأنه يدركُ تماماً أن التساهلَ في تطبيقِ الحدودِ , أو المحاباةَ لذي جاهٍ, أو منصبٍ , أو لذي حسبٍ أو نسبٍ , معناه دعوةٌ صريحةٌ لكلِ من يحملُ في نفسهِ نزعةَ الإجرامِ , أن يمتطيَ صهوةَ الشر وينفسَ عن كوامنِه الخبيثةِ , وخباياه اللئيمة , فيسفكُ دماً , أو يهتكُ عرضاً دون وازع من خُلقٍ أو دينٍ , وعلى الأمة , إن كانت جادةً في حفظ الأمن وردع المجرمين , أن تحققَ الأمنَ الثقافيَ أولاً , وذلك بتربيةِ الأجيال وتنشأتِهم على الفضيلةِ, والحياءِ , وبثِ الآدابِ الرفيعةِ , والقيمِ الفاضلةِ , في نفوسِ الجميع . وقبل ذلك ومعه وبعده , إقامةُ سياجٍ محكمٍ متينٍ , حول المجتمعِ الكبير للحيلولةِ دون تسربِ الثقافاتِ الأجنبيةِ, الوافدة , والأفكارِ الهدامةِ , والقيم الهابطة , والتي دأبت في تمريرها, وطرحها وسائل الإعلام , مع نشرِ الخلاعةِ وإثارةِ الغرائزِ ، وتأجيجِ الشهواتِ , وتحريضِ ذويِ السلوكياتِ المنحرفة على الجريمةِ والفاحشةِ .
متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامَه إذا كنت تبني وغيرُك يهدمُ
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم
الخطبة الثانية
أما بعد ,
أيها الأخوة في الله : فإن خيرَ وسيلةٍ لحفظِ الأمنِ , في مجتمعاتِ المسلمين, هو تطبيقُ الشريعةِ , في كافةِ مناحي الحياةِ , صغيرِها, وكبيرها والتي لا تعدو الحدودُ الشرعيةِ كونَها جزءاً يسيراً منها , وليست هي كلَ الشريعةِ وبالإضافةِ إلى ما سبق ذكرهُ , من ضرورةِ إقامةِ الحدودِ تامةً غيرَ منقوصةً على الصغيرِ والكبير , والشريفِ والحقير , دون محاباةٍ, أو مجاملةٍ لأحدٍ, وبالإضافةِ كذلك إلى ما سبق ذكرهُ , من ضرورةِ تحقيق الأمنِ الثقافيِ للأمة , فإن هناك أسباباً أخرى , لا غنى عنها في تحقيق الأمن لنا جميعا , ومن ذلك تحقيقُ الأمن العقديَ , وذلك بنشرِ الاعتقادِ السلفيِ الأصيل , عبر السياساتِ التعليميةِ طويلةِ المدى , وتحصينِ الناسِ بالعقيدةِ الإسلامية الصحيحةِ , من خلالِ قنواتِ الإعلامِ والتوجيه , وبعث الدعاةِ والمصلحين لتوجيههم , ويتمُ ذلك بإحياء الوازعِ الديني في النفوسِ , وتأصيلِ عقيدةِ الإيمان بالله واليوم الآخر والجزاء والحساب , والجنةِ والنار , فإن رسوخَ هذه العقيدةِ في قلوبِ الناس يغني عن عشراتِ الوسائلِ الماديةِ , في الردعِ والترهيبِ , ولو تأملتْ المجتمعَ الإسلامي ، في صدرهِ الأول , لرأيت عجباً من اختفاءِ روحِ الإجرامِ , وقلةِ عددِ المجرمين , بل إن عقيدةَ الخوفِ من الله جل جلاله , والخوفِ من حسابهِ وعقابهِ , كانت تدفعُ كلَّ من ارتكبَ خطأً ما , في لحظةِ ضعفٍ, أو نزوة كانتْ تدفعهُ عقيدتهُ , ويدفعهُ إيمانهُ , إلى تسليمِ نفسهِ للقضاءِ الشرعي , كي يقتصَ منه , فهاهي الرواياتُ الصحيحة , تنقلُ لنا , كيف جاء ماعزٌ إلى النبي r معترفاً بجريمته , مقرا بخطئه ، يقول : يا رسول الله , أصبتُ حداً فطهرني هكذا يأتي بنفسهِ , من غيرِ ضغطٍ, أو إكراه , وما ذلك , إلا لأنه يؤمن بأن هناك جنةً ونارا , وسلاسلا وأغلالاً, وسعيرا .
ومن وسائلِ حفظِ الأمن لدى الأمة , تحقيقُ الأمنِ الاقتصادي : وذلك بالقضاء , على جذورِ الانحرافِ, والتخبط في السياساتِ الاقتصادية القائمة لدى كثيرٍ من بلادِ المسلمين اليوم , ووضعْ السلاح من حرب ِاللهِ ورسوله r من خلالِ الربا وغيرهِ , : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ [البقرة: الآية 278ومن الآية279] . فلقد أدت التوجهاتُ الاقتصاديةُ المنحرفة , إلى نزعِ البركةِ , وانتشارِ البطالةِ , وكثرةِ الفراغِ لدى الشبابِ وغيرِ الشباب .
والفارغون , إن لم يكونوا خيرين , تحولوا وحوشاً كاسرةً , لا تُبقي ولا تذر ,
ألا وصلوا وسلموا على نبيكم وقدوتكم محمد r …
الحدود الشرعية
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ , ونستغفرهُ , ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا , منْ يُهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ , ومنْ يضلل فلا هاديَ له .
وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله .
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( ]آل عمران:102[ .
) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ( ] النساء:1[.
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ( ]الأحزاب:70-71[.
أما بعد : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ , وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها , وكلَّ محدثةٍ بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعدُ ، أيها المسلمون :
فإن من أعظمِ القضايا , التي أولاها الإسلامُ عنايتَه واهتمامهُ , ووضَعَ التشريعات الملائمة لنجاحهِا , قضيةَ الأمنِ الداخلي داخلَ المجتمعِ الإسلامي , ذلك الأمنُ , الذي بفقدهِ, واضطرابهِ, تسودُ حالةٌ من الفوضى , وحالةٌ من التخبطِ, والقلقِ , تجعلُ الحياةَ جحيماً لا يطاق , وعذابا لا يُحتمل , ومن أهم تلك التشريعاتِ , التي وضعها الإسلامُ , لحمايةِ المجتمعِ والحفاظِ على أمنهِ, واستقرارهِ , إقامةُ الحدودِ الشرعية , كقتلِ القاتل , ورجمِ الزاني , وقطعِ يدَ السارقِ , وقتل المرتدِ , وغيرها من الحدودِ , التي غابت عن ساحةِ القضاءِ اليومِ في معظمِ ديارِ المسلمين , يومَ خلعَ القضاءُ أُهبةُ العزِ والشرف , ومهابةَ العلمِ, والعدالةِ , ولبسَ جلبابَ الذلِّ, والتبعيةِ , وقضى بغيرِ حكمِ اللهِ وشرعهِ , ذلك الشرعُ المطهرُ , الذي ما وُضع إلا قطعاً لدابرِ الشرِ, والفتنةِ , وصوناً للدماءِ, والأعراضِ , وحفظاً للأموالِِ والأنفس فالمجرمُ , المتعطشُ للدمِ الحرامِ , حين يتذكر , أن هناك من يقيمُ شرعَ الله ويقتصُ من القاتلِ بضربِ عنقهِ , فإنه سيفكرُ ألفَ مرةٍ , قبل أن يفجعَ الناس بقريبٍ, أو حبيب , والذئبُ البشري , المتربصُ بنساءِ المسلمين, وعوراتهِم حين يتذكرُ منظرهُ وهو يُرجمُ بالحجارةِ على رأسهِ, وجنبهِ, وظهره , ومن بين يديهِ, ومن خلفهِ ، أو يجلدُ في ملأٍ من الناسِ , يشهدون فضيحتَه , ويعتبرون بسوءِ عاقبتهِ , حين يتذكرُ هذه النهايةُ البائسةُ, فإن ذلك الوغدُ القذرُ , سيُقدِّمُ رجلاً ويُؤخر أخرى , قبل أن يُدنسَ عرضاً, أو يرتكبَ فاحشةً , والسارقُ اللئيمُ حين يتذكرُ منظرَه, وهو يمش بين الناس , مقطوعَ اليدِ أو اليدين تلاحقهُ الأعينُ المستريبةُ من هيئتهِ , الحذرةُ من مخالطتهِ , فاقدةُ الثقةِ فيه , إذا تذكرَ اللئيمُ , ذلك كلَّه أو بعضَه , تراجعت نوازعُ الشرِ في نفسهِ , فكفَّ يدهَ عن مالٍ ليس من كدهِ ولا كدّ أبيه , وصانَ نفسهَ , عن السطوِ على بيتِ مالِ المسلمين , مستغلاً منصبهِ ,أو وظيفته , أو جاهَهِ, أو نسبَه , بدعوى أنّ لـه فيه حقا , أو أن ما يُعطاه لا يكفيه , أو غيرها من الدعاوى . والزنادقةُ المتمردون من علمانيين, وحداثيين ونحوهم, والذين يجاهرون بردتهم صباح مساء , بلا خوفٍ ولا استحياء , حين يتذكرون أن مصيرهم ضرب أعناقهم من على أكتافهم , فإنه لن يتجرأَ أحدٌ منهم على الكتابةِ عبرَ وسائلِ الإعلامِ لإظهار كفرهِ, وزندقتهِ , ولو نُفذ هذا الحدُّ على رجلٍ منهم لتراجع الكثيُر منهم عن تلك الأفكارِ الشوهاءِ ، والفلسفاتِ الجوفاءِ .
إذاً فإقامةُ الحدود , خيرُ وسيلةٍ , لحفظِ المجتمعِ , من عبثِ العابثين ، واستهتارِ المجرمين , إلا أن شرط استتبابِ الأمنِ بإقامةِ الحدودِ , أن تقامَ على الكبيرِ والصغيرِ , والشريفِ والحقير , والغني والفقير , فالجميعُ سواسية , في محكمة العدل الإلهية , أما حين تطبقُ الحدودُ , على الضعيفِ, والمسكين , وعابر السبيلِ, والمغترب , ويتركُ الوجهاء,ُ والشرفاءُ , فتلك نكسةٌ كبرى : ] أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [ [البقرة: من الآية85] .
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ـ أن قريشاً أهمهم شأنُ المرأةِ المخزومية , التي سرقت في عهد النبي r , في غزوةِ الفتح , فقالوا : من يكلمُ فيها رسولَ الله r ، فقالوا : ومن يجترئُ عليه , إلا أسامةُ بن زيد ؟ , حِبُ رسولِ اللهِ r فأُتيَ بها إلى رسول الله r فكلمه فيها أسامةُ بن زيد , فتلونَّ وجهُ رسولِ الله r فقال : أتشفعُ في حدٍ من حدودِ الله ؟ فقال أسامة : استغفر لي يا رسولَ الله , فلما كان العشي , قام عليه الصلاة والسلام فاختطبْ , فأثنى على الله تعالى بما هو أهلُه , ثم قال : أما بعد , فإنما أهلك الذين من قبلِكم , أنهم كانوا , إذا سَرقَ فيهم الشريفُ تركوهُ , وإذا سرقَ فيهم الضعيفُ , أقاموا عليه الحدَّ , إني والذي نفسي بيده لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدها , ثم أمرَ بتلك المرأةِ التي سرقتْ فقطعت يدُها ».رواه البخاري (3475) من حديث عائشة رضي الله عنها
وشربَ أميرُ البحرين , قدامةُ بن مظعون , شربَ الخمرُ في عهد عمرَ رضي الله عنه , فاستدعاه إلى المدينةِ , وجلدَهُ ثمانينَ سَوطاً , ولم يمنعهُ من إقامةِ الحدِّ عليه , كونُهُ أميراً لـه وجاهتُه , ولا كونُه بدرياً .
وتمالأ جماعةٌ من أهلِ صنعاءَ فقتلوا رجلاً بغير حقٍ, فجئ بهم إلى عمر رضي الله عنه, فقتلهم فرداً فرداً , وقال كلمتهَ المشهورةُ , والله لو تمالأ عليه أهلُ صنعاءَ كلُهم , لقتلتهم به ، وما ذلك إلا لأنه يدركُ تماماً أن التساهلَ في تطبيقِ الحدودِ , أو المحاباةَ لذي جاهٍ, أو منصبٍ , أو لذي حسبٍ أو نسبٍ , معناه دعوةٌ صريحةٌ لكلِ من يحملُ في نفسهِ نزعةَ الإجرامِ , أن يمتطيَ صهوةَ الشر وينفسَ عن كوامنِه الخبيثةِ , وخباياه اللئيمة , فيسفكُ دماً , أو يهتكُ عرضاً دون وازع من خُلقٍ أو دينٍ , وعلى الأمة , إن كانت جادةً في حفظ الأمن وردع المجرمين , أن تحققَ الأمنَ الثقافيَ أولاً , وذلك بتربيةِ الأجيال وتنشأتِهم على الفضيلةِ, والحياءِ , وبثِ الآدابِ الرفيعةِ , والقيمِ الفاضلةِ , في نفوسِ الجميع . وقبل ذلك ومعه وبعده , إقامةُ سياجٍ محكمٍ متينٍ , حول المجتمعِ الكبير للحيلولةِ دون تسربِ الثقافاتِ الأجنبيةِ, الوافدة , والأفكارِ الهدامةِ , والقيم الهابطة , والتي دأبت في تمريرها, وطرحها وسائل الإعلام , مع نشرِ الخلاعةِ وإثارةِ الغرائزِ ، وتأجيجِ الشهواتِ , وتحريضِ ذويِ السلوكياتِ المنحرفة على الجريمةِ والفاحشةِ .
متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامَه إذا كنت تبني وغيرُك يهدمُ
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم
الخطبة الثانية
أما بعد ,
أيها الأخوة في الله : فإن خيرَ وسيلةٍ لحفظِ الأمنِ , في مجتمعاتِ المسلمين, هو تطبيقُ الشريعةِ , في كافةِ مناحي الحياةِ , صغيرِها, وكبيرها والتي لا تعدو الحدودُ الشرعيةِ كونَها جزءاً يسيراً منها , وليست هي كلَ الشريعةِ وبالإضافةِ إلى ما سبق ذكرهُ , من ضرورةِ إقامةِ الحدودِ تامةً غيرَ منقوصةً على الصغيرِ والكبير , والشريفِ والحقير , دون محاباةٍ, أو مجاملةٍ لأحدٍ, وبالإضافةِ كذلك إلى ما سبق ذكرهُ , من ضرورةِ تحقيق الأمنِ الثقافيِ للأمة , فإن هناك أسباباً أخرى , لا غنى عنها في تحقيق الأمن لنا جميعا , ومن ذلك تحقيقُ الأمن العقديَ , وذلك بنشرِ الاعتقادِ السلفيِ الأصيل , عبر السياساتِ التعليميةِ طويلةِ المدى , وتحصينِ الناسِ بالعقيدةِ الإسلامية الصحيحةِ , من خلالِ قنواتِ الإعلامِ والتوجيه , وبعث الدعاةِ والمصلحين لتوجيههم , ويتمُ ذلك بإحياء الوازعِ الديني في النفوسِ , وتأصيلِ عقيدةِ الإيمان بالله واليوم الآخر والجزاء والحساب , والجنةِ والنار , فإن رسوخَ هذه العقيدةِ في قلوبِ الناس يغني عن عشراتِ الوسائلِ الماديةِ , في الردعِ والترهيبِ , ولو تأملتْ المجتمعَ الإسلامي ، في صدرهِ الأول , لرأيت عجباً من اختفاءِ روحِ الإجرامِ , وقلةِ عددِ المجرمين , بل إن عقيدةَ الخوفِ من الله جل جلاله , والخوفِ من حسابهِ وعقابهِ , كانت تدفعُ كلَّ من ارتكبَ خطأً ما , في لحظةِ ضعفٍ, أو نزوة كانتْ تدفعهُ عقيدتهُ , ويدفعهُ إيمانهُ , إلى تسليمِ نفسهِ للقضاءِ الشرعي , كي يقتصَ منه , فهاهي الرواياتُ الصحيحة , تنقلُ لنا , كيف جاء ماعزٌ إلى النبي r معترفاً بجريمته , مقرا بخطئه ، يقول : يا رسول الله , أصبتُ حداً فطهرني هكذا يأتي بنفسهِ , من غيرِ ضغطٍ, أو إكراه , وما ذلك , إلا لأنه يؤمن بأن هناك جنةً ونارا , وسلاسلا وأغلالاً, وسعيرا .
ومن وسائلِ حفظِ الأمن لدى الأمة , تحقيقُ الأمنِ الاقتصادي : وذلك بالقضاء , على جذورِ الانحرافِ, والتخبط في السياساتِ الاقتصادية القائمة لدى كثيرٍ من بلادِ المسلمين اليوم , ووضعْ السلاح من حرب ِاللهِ ورسوله r من خلالِ الربا وغيرهِ , : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ [البقرة: الآية 278ومن الآية279] . فلقد أدت التوجهاتُ الاقتصاديةُ المنحرفة , إلى نزعِ البركةِ , وانتشارِ البطالةِ , وكثرةِ الفراغِ لدى الشبابِ وغيرِ الشباب .
والفارغون , إن لم يكونوا خيرين , تحولوا وحوشاً كاسرةً , لا تُبقي ولا تذر ,
ألا وصلوا وسلموا على نبيكم وقدوتكم محمد r …
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى